باولو كويلو الخيمائي 1 .pdf
À propos / Télécharger Visionner le document
Nom original: باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf
Auteur: Moh
Ce document au format PDF 1.5 a été généré par Microsoft® Word 2010, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 07/10/2012 à 21:24, depuis l'adresse IP 41.201.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 1408 fois.
Taille du document: 699 Ko (89 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
الخيميائي ..باولو كويمو
وفيما ىـ سائروف ،دخؿ قرية فقمبتو امرأة اسميا مرثا في بيتيا ،وكانت ليذه أخت تدعى مريـ
والتي جمست عند قدمي يسوع ،وكانت تسمع كبلمو ،وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة
فوقفت وقالت :
يارب ،أما تبالي بأف أختي قد تركتني أخدـ وحدي ،فقؿ ليا أف تعينني .فأجاب يسوع وقاؿ ليا :-مرثا ! مرثا ،أنت تيتميف وتضطربيف ألجؿ أمور كثيرة ولكف الحاجة إلى واحد .فاختارت مريـ
النصيب الصالح الذي ينزع منيا .
إنجيؿ لوقاه اإلصحاح العاشر – 83
::تمييػد ::
تناوؿ الخيميائي بيده كتاباً ،كاف قد أحضره أحد أفراد القافمة ،لـ يكف لمكتاب غبلؼ ،ولكنو
استطاع عمى الرغـ مف ذلؾ التعرؼ عمى اسـ الكاتب " أوسكار وايمد " وىو يقمب صفحاتو ،وقع
نظره عمى قصة كانت تتحدث عف " نرجس … " الشؾ أف الخيميائي يعرؼ أسطورة " نرجس "
ىذا الشاب الوسيـ الذي يذىب كؿ يوـ ليتأمؿ بياءه المتميز عمى صفحة ماء البحيرة .
كاف متباىياً لمغاية بصورتو ،لدرجة أنو سقط ذات يوـ في البحيرة ،وغرؽ فييا ،في المكاف الذي
سقط فيو ،نبتت وردة سميت باسمو" :وردة النرجس ".
لكف الكاتب " أوسكار " لـ ينو روايتو بيذا الشكؿ ،بؿ قاؿ أنو عند موت نرجس ،جاءت اإلريادات
(آلية الغابة) إلى ضفة البحيرة العذبة المياه ،فوجدتيا قد تحولت إلى زير مف الدموع المرة،
فسألتيا :
-لماذا تبكيف؟
أبكي نرجساً .اجابت البحيرة .فعمقت اإلريادات قائمة :
ليس في ىذا مايدىشنا ،وعمى الرغـ مف أننا كنا دوماً في إثره في الغابة ،فقد كنت الوحيدة التيتمكنت مف تأمؿ حسنو عف كثب .
-كاف نرجس جميبلً إذاً ؟
مكثت البحيرة صامت ًة لمحظات ثـ قالت :
أنا أبكي نرجساً لكنني لـ ألحظ مف قط أنو كاف جميبلً ،إنما أبكيو ألنو في كؿ مرة انحنى فيياعمى ضفافي كنت أتمكف مف أف أرى في عينيو انعكاساً لحسني .
-إنيا لقصة جميمة جداً .قاؿ الخيميائي.
::الجزء األوؿ ::
كاف ُيدعى سنتياغو .
كاف النيار يتبلشى عندما وصؿ بقطيعو أماـ كنيسة قديمو ميجورة ،سقفيا قد انيار منذ زمف
بعيد .وفي الموضع الذي كاف يوجد فيو الموىؼ نمت شجرة جميز عمبلقة .
قرر أف يقضي الميؿ في ىذا المكاف ،أدخؿ نعاجو مف الباب المحطـ ،ووضع بضع ألواح بطريقو
بمنعيا بيا مف الفرار أثناء الميؿ .لـ يكف ىناؾ ذئاب في تمؾ المنطقة ،فذات مرة ىربت دابة فكمفو
ذلؾ إضاعة نيار بكاممو في البحث عف النعجة الفارة .
مد معطفو عمى األرض وتمدد ،وجعؿ مف كتابو الذي فرغ مف قراءتو وسادة .
قبؿ أف يغرؼ في النوـ أكثر فكر بأف عميو قراءة كتب أكبر ،وسيكرس إلنيائيا وقتاً أكبر ،وسوؼ
يكوف لو منيا وسادات أكثر راحة مف أجؿ الميؿ .
عندما أفاؽ ،كانت العتمة التزاؿ قائمة ،نظر إلى األعمى فرأى النجوـ تممع ،مف خبلؿ السقؼ الذي
انيار نصفو .
فقاؿ في نفسو :
كنت أتمنى فعبلً لو نمت ٍلوقت أطوؿ .
فقد رأي حمماً ،إنو حمـ األسبوع الفائت ،ومف جديد أفاؽ قبؿ نيايتو .نيض وشرب جرعة مف
الخمر ،ثـ تناوؿ عصاه ،وأخذ بإيقاظ نعاجو التي كانت ماتزاؿ راقدة ،وقد الحظ أف معظـ البيائـ
ولما يسعد وعيو ىو ،وكأنما ىناؾ قدرة غريبة قد
تستعيد وعييا وتتخمص بسرعة مف نعاسيا ّ
ربطت حياتو بحياة تمؾ األغناـ ،والتي تطوؼ معو الببلد منذ عاميف سعياً وراء الماء والكؤل .
-قد تعودت عمى فعبلً لدرجة أنيا صارت تعرؼ مواقيتي ػ قاؿ في نفسو بصوت منخفض ،وبعد
لحظة مف التفكير تراءى لو أف العكس ىو الصحيح ،إذ أنو ىو الذي قد اعتار عمييا وعمى
مواقيتيا .
كانت بعض النعاج تماطؿ باالستيقاظ ،فكاف يوقظيا واحدة إثر أخرى بعصاه ،منادياً كؿ نعجة منيا
باسميا ،فقد كاف مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج عمى فيـ مايقوؿ ،وكاف يق أر ليا مقاطع مف بعض
الكتب ،أو يتحدث إلييا عف عزلة أو سرور راع ،بحياتو في الريؼ ،ويفسر ليا آخر المستجدات
التي قد رآىا في المدف التي اعتاد أف يمر بيا .
مع ذلؾ منذ قبؿ يوـ أمس ،لـ يكف لديو عممياً ،موضوع محادثة آخر سوى تمؾ الشابة التي تسكف
في المدينة التي سيصؿ إلييا بعد أربعة أياـ ،لـ يكف قد زارىا إال لمرة واحدة في العاـ الفائت .
كاف التاجر يممؾ متج ارً لمقماش ،وكاف يحبذ أف يجز صوؼ أغنامو عمى مرأى منو ،كي يتحاشى
الوقوع ضحية لمغش ،لقد قاد الراعي قطيعو إليو ألف أحد أصدقائو قد دلّو عمى المتجر .
×××
-أنا بحاجة ألف أبيع قميبلً مف الصوؼ ػ قاؿ لمتاجر .
كاف المتجر يغص بالزبائف ،لذا فقد طمب التاجر مف الراعي االنتظار حتى المساء ،فذىب ليجمس
عمى رصيؼ المتجر وأخرج مف حقيبتو كتاباً .
-لـ أكف أعمـ أف بإمكاف الرعاة قراءة الكتب .
قاؿ صوت امرأة كانت بجانبو ،كانت ىذه الشابة تمثؿ نموذجاً لنساء منطقة األندلس بشعرىا
األسود المسدوؿ ،وعينييا المتيف تذكراف توعاً ما بالفاتحيف العرب القدماء .
-ذلؾ ألف النعاج تعمـ أشياء أكثر مما ىو في الكتب ػ أجاب الراعي الشاب .
بقيا يثرثراف أكثر مف ساعتيف ،ىي أخبرتو بأنيا ابنة التاجر ،وتحدثت عف الحياة في القرية ،وعف
رتابة األياـ فييا ،والراعي حدثيا عف األندلس ،وعف آخر المستجدات التي رآىا في المدف التي
مر فييا .
ّ
كاف سعيداً ألنو لـ يكف مجب ارً عمى التحدث مع أغنامو دائماً .
كيؼ تعممت القراءة؟ سألت الشابة لتوىا .-كسائر الناس ،في المدرسة .
اع؟
-لكف ،وربما أنؾ تعرؼ القراءة ،لماذا لـ تصبح إال مجرد ر ٍ
وارب الراعي كي اليرد عمى ىذا السؤاؿ ،ألنو كاف متأكداً مف أف الفتاة لف تفيمو .
تابع رواية سير ترحالو ،وعيناىا العربيتاف الصغيرتاف تحممقاف قـ تنغمقاف بفعؿ االنذىاؿ
والمفاجأة .
كاف يشعؿ أف الوقت يمر سريعاً ،وتمنى ليذا اليوـ أال ينتيي ،ولوالد الفتاة أف يبقى مشغوالً لزمف
أطوؿ ،وأف يطمب منو االنتظار ثبلثة أياـ .
وانتابو إحساس لـ يكف قد ألـ بو مف قبؿ أبداً :إنو الرغبة في االستقرار في مدينة بالذات مع
الشابة ذات الشعر األسود ،فمف تكوف األياـ رتيبة متشابية ،لكف التاجر ،ظير أخيرا ،فطمب منو
أف يجز لو صوؼ أربع نعاج ،دفع إليو التاجر ثمف الصوؼ ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة .
حتى اآلف لـ يكف يعوزه إال أربعة أياـ ،مف أجؿ الوصوؿ إلى تمؾ البمدة نفسيا ،كاف مبتيجاً
وبالوقت نفسو مرتاباً مف أف تكوف الفتاة قد نسيتو ،فالرعاة الذيف يمروف مف ىنا لجز صوؼ
أغناميـ ليسوا قبلئؿ .
-غير ميـ ػ قاؿ متحدثاً إلى أغنامو _ فأنا أيضاً أعرؼ فتيات أخريات ،في مدف أخرى .
لكنو كاف في قرارة نفسو يعترؼ أف لقاءه بيا لو أىميتو ،وأف الرعاة كالبحارة أو التجار المتجوليف،
يعمموف دائماً أف مدينة يوجد فييا مف يجعميـ ينسوف متعة التجواؿ في العالـ بممئ حريتيـ .
بينما أخذت تبدو خيوط الشمس األولى ،بدأ الراعي يتقدـ بأغنامو باتجاه الشمس المشرقة .
-إنيا تتبعني ،فيي ليست بحاجة عمى اإلطبلؽ إلى اتخاذ قرار – فكر -ربما ليذا السبب فإنيا
تبقى بقربي ،وبقدر ماسيبقى راعييا عارفاً بأفضؿ المراعي األندلسية بقدر ماستبقى تمؾ األغناـ
صديقاتو ،فحتى لو تشابيت األياـ بعضيا ببعضيا اآلخر ،مكونة ساعات ممتدة بيف طموع
الشمس وغروبيا ،حتى لو أف تمؾ النعاج لـ تق أر قط أي كتاب خبلؿ حياتيا القصيرة ،حتى لو
جيمت لغة البشر الذيف يرروف ماكاف يحصؿ في القرى ،فيي تكتفي بالماء والكؤل ،وىذا بالمحصمة
ٍ
كاؼ .وفي المقابؿ فيي تمنح صوفيا ،وصحبتيا بسخاء ،ومف وقت آلخر لحميا أيضاً ،ولو أنني
بيف لحظة وأخرى قد تحولت إلى غوؿ وأخذت بذبحيا وحدة إثر األخرى .فإنيا لف تستوعب
نايحصؿ ،إال عندما يوشؾ القطيع عمى اليبلؾ ،وذلؾ ألنيا تثؽ بي ،ولـ تعد تعتمد عمى غرائزىا،
وىذا كمو ألنني أنا الذي أسوقيا إلى المراعي .
أخذ الراعي يفاجأ بأفكاره ،وصار يجدىا غريبة .
ربما بدت الكنيسة ،مع شجرة الجميز المنتصبة في الداخؿ مسكونة باألرواح .ىؿ كاف ىذا ىو
السبب الذي جعؿ ىذا الحمـ يعاوده أيضاً ،وىؿ ليذا يعاني مف شعور الغضب تجاه نعاجو،
صديقاتو المخمصات دوماً؟
شرب قميبلً مف الخمر الذي تبقى لديو مف عشاء ليمة األمس ،وشد معطفو عمى جسده ،فيو يعمـ
أف الشمس ستكوف في أوجيا بعد بضع ساعات ،وسيصبح الطقس حا ارً جداً ،لدرجة لف يستطيع
معيا اصطحاب قطيعو عبر الريؼ .
في تمؾ الساعة مف الصيؼ ،كانت إسبانية كميا غافية ،الحرارة مرتفعة حتى في الميؿ ،وخبلؿ ذلؾ
الوقت كمو يتوجب عميو أف يحمؿ معطفو معو .
وكمّما كانت تتممكو الرغبة في الشكوى مف ىذا العبء تحديداً ،كاف يتذكر أنو بفضمو يجابو برودة
الصباح الباكر .
ٍ
وتقبؿ بامتناف ثقؿ معطفو الذي
عمينا أف نكوف مستعديف دائماً لمفاجآت الطقس ػ تخيؿعندئذ ّ
كاف ىناؾ مبرر لوجوده كمثؿ الشاب ،فبعد سنيف مف تطواؼ سيوؿ األندلس ،صار يعرؼ عف
ظير قمب ،أسماء مدف المنطقة كميا ،وكاف ىذا ما أعطى لحياتو معنى ،إنو الترحاؿ ...
كاف ينوي ىذه المرة أف يشرح لمفتاة الشابة ،لماذا يعرؼ راع بسيط القراءة؟ فقد كاف يتردد حتى
سف السادس عشرة عاماً عمى المدرسة األكميريكية ،وأىمو أرادوا لو أف يصبح قسيساً ،تتشرؼ بو
عائمة متواضعة ،مف وسط فبلحي ،تكد مف أجؿ لقمتيا وىي بذلؾ كأغنامو .
درس البلتينية واإلسبانية والبلىوت ،لكنو منذ طفولتو المبكرة كاف يحمـ بمعرفة العالـ ،ويكسب
معرفة أفضؿ مف مجرد معرفة الذات اإلليية أو آثاـ البشر .
ٍ
ذات
مساء جميؿ ،وىو ذاىب لرؤية ذويو ،تسمّح بالشجاعة وأخبر والده بأنو اليريد أف يكوف راىباً
بؿ يريد السفر .
ومروا آنفاً بيذه القرية ،إنيـ يأتوف إلى ىنا
ياولدي ،رجاؿ مف العالـ بأسره قد أتوا إلى ىناّ ،ليبحثوا عف أشياء جديدة ،لكنيـ يبقوف الرجاؿ أنفسيـ ،يذىبوف إلى اليضبة لزيارة القصر
ويجدوف أف الماضي أفضؿ مف الحاضر ،أكانوا ذوي شعر فاتح ،أو ذوي بشرة غامقة ،فيـ
يشبيوف رجاؿ قريتنا .
قاؿ الشاب :
-لكنني ال أعرؼ قصور الببلد التي قدـ منيا ىؤالء الرجاؿ .
تابع األب :
-عندما رأى ىؤالء الرجاؿ حقولنا ونساءنا حبذوا العيش ىنا إلى األبد .
قاؿ اإلبف :
أتعرؼ عمى نساء وحقوؿ وأراضي الببلد التي قدـ منيا ىؤالء الرجاؿ ،إنيـ ال يديموف
أريد أف ّالبقاء بيننا .
قاؿ األب :
-لكف ىؤالء الرجاؿ يممكوف الماؿ الوفير ،أما عندنا فالرعاة وحدىـ مف يستطيع رؤية مختمؼ
البمداف .
-إذاً سأصبح راعياً .
لـ يضؼ األب شيئاً بعد ،وفي صباح اليوـ التالي أعطى لولده كيس نقود يحتوي عمى ثبلث قطع
ذىبية إسبانية قديمة .
-ذات يوـ ،وجدتيا في أحد الحقوؿ ،وكنت أفكر أنيا حؽ لمكنيسة بمناسبة ترقيتؾ فييا ،لكف
خذىا واشتر لنفسؾ بيا قطيعاً ،واذىب عبر العالـ ،إلى أف يأتي اليوـ الذي تعمـ فيو أف قصرنا ىو
األعظـ ،ونساءنا ىف أجمؿ النساء ،ومنحو بركتو .
ق أر الولد في عيني والده الرغبة في تطواؼ العالـ أيضاً ،رغبة كانت تحيا معو رغـ عشرات السنيف
التي حاوؿ أف يمضييا مقيماً في المكاف نفسو يأكؿ ويشرب ويغفو فيو كؿ ليمة .
×××
تموف األفؽ بالموف األحمر ،ثـ بدت الشمس .
ّ
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينو وبيف أبيو ،فأحس بالسعادة ،كاف قد عرؼ مف قبؿ كثي ارً مف
القصور ،وكثي ارً مف النساء ،لكف أياً منيف ال تعادؿ تمؾ التي ينتظرىا بعد مسيرة يوميف مف اآلف،
كاف يمتمؾ معطفاً ،وكتاباً وبإمكانو أف يبادلو مقابؿ آخر ،وقطيعاً مف الغنـ ،واألكثر أىمية مف ىذا
كمو أنو كؿ يوـ يتحقؽ حمـ حياتو الكبير :الترحاؿ ...
وعندما سيتعب مف التجواؿ في ريؼ األندلس ،فإنو سيستطيع بيع أغنامو ليصبح بحا ارً ،وعندما
تعرؼ عمى مدف كثيرة ،ونساء كثيرات ،وفرص عديدة ليظؿ سعيداً .
سيمؿ البحر ،فإنو سيكوف قد ّ
ثـ تساءؿ وىو يشاىد بزوغ الشمس :
-كيؼ يمكف لممرء أف يبحث عف اإللو في مدرسة إكميريكية؟ .
مر مف ىنا مرات عديدة .
لـ يكف قد جاء إطبلقاً حتى ىذه الكنيسة ،مع أنو ّ
ٍ
المتناه ،ولو ترؾ أغنامو تقوده ،ولو لبعض الوقت ،لوصؿ إلى اكتشاؼ أشياء جديدة
العالـ كبير،
ومفعمة بالفائدة .
-المشكمة ىي انيا ال تعي أنيا تعبر دروباً جديدة كؿ يوـ ،وال تبلحظ أف المراعي تغيرت ،وأف
الفصوؿ متباينة ،ألنيا ال تممؾ مف ىاجس سوى الماء والكؤل .
-إف الشيء نفسو يجري لكؿ الناس ػ فكر الراعي ػ حتى بالنسبة لي أنا الذي لـ أفكر بنساء
أخريات منذ التقيت ابنة ذلؾ التاجر .
وقدر أنو سيكوف ػ تبعاً لحساباتو ػ في " طريفو " قبؿ وقت الغداء ،ىناؾ ...
نظر إلى السماءّ ،
سيستطيع مبادلة كتابو بآخر أكبر حجماً ،وتعبئة زجاجتو خم ارً ،وأف يحمؽ ذقنو ،ويقص ضعره،
عميو أف يكوف عمى أتـ استعداد لمقاء الفتاة الشابة ،ولـ يكف يريد حتى أف يتصور احتماؿ
اع آخر قبمو ،يممؾ مف الغنـ أكثر منو ،قاصداً طمب يدىا .
امكانية وصوؿ ر ٍ
-إنيا تماماً إمكانية تحقيؽ حمـ يجعؿ الحياة ذات أىمية ػ تخيؿ رافعاً نظره نحو السماء وىو يسرع
في خطواتو .
لقد تذكر لتوه أف ىناؾ في " طريفو " امرأة عجوز تعرؼ تفسير األحبلـ ،في ىذه الميمة حمـ بالحمـ
الذي كاف يراوده ...الحمـ القديـ نفسو ..
×××
قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخؿ المنزؿ ،إلى غرفة يفصميا عف الصالة ستار مف الببلستيؾ
متعدد األلواف ،كانت ىناؾ طاولة ،وصورة لؤلب المقدس السيد المسيح ،وكرسياف .
ٍ
منخفض جداً،
جسمت العجوز ،ورجتو أف يفعؿ مثميا ،ثـ أمسكت بيديو وأخذت بالدعاء بصوت
كاف ىذا أشبو مايكوف بصبلة غجرية ،لقد التقى كثي ارً مف الغجر في دربو مف قبؿ ،فقد كانوا
يسافروف أيضاً ،لكنيـ لـ يكونوف ييتموف بالغنـ ،بؿ اف الشائع بيف الناس ىو أف الغجري يقضي
وقتو في خداع الناس ،ويقاؿ أيضاً أف ىناؾ عيداً بينيـ وبيف الشيطاف ،وأنيـ يسرقوف األطفاؿ،
ليجعموا منيـ عبيداً ليـ في مخيماتيـ الغامضة .
بل صغي ارً كاف كثير التخوؼ وتراوده فكرة أف يختطفو العجر ،وعاوده
عندما كاف الراعي الشاب طف ً
ىذا الخوؼ القديـ عندما كانت العجوز تمسؾ بيديو .
-لكف توجد ىنا صورة السيد المسيح _ ف ّكر محاو ًال أف يطمئف نفسو ،لـ يكف يريد ليديو أف
ترتجفا ،أو أف تبلحظ العجوز خوفو ،وفي صمت تبل صبلةً .
أمر مثير ! قالت العجوز دوف أف تفارؽ عيناىا يد الولد .
ٌوابتسمت مف جديد ،أما ىو فقد كاف يشعر مف وقت إلى آخر بثورة أعصابو ،يداه أخذتا ترتجفاف
رغماً عنو ،والحظت العجوز ذلؾ ،صمـ أف يسحبيا عمى الفوز ثـ قاؿ :
أنا لـ ِآت إلى ىنا مف اجؿ قراءة خطوط يدي .
وىو اآلف يتأسؼ دخولو ىذه الدار وحسب أنو سيكوف مف األفضؿ أف يدفع قيمة االستشارة
وينصرؼ دوف أف يعرؼ شيئاً ،فقد عمؽ دوف شؾ أىمية كبرى عمى حمـ تكرر .
قالت العجوز :
-أتيت تسألني عمى األحبلـ ،واألحبلـ ىي لغة اهلل ،وعندما يتكمـ اهلل بمغة البشر فأنا أستطيع
تفسيرىا ،لكنو عندما يتكمـ بمغة روحؾ ،فمف يفيمو أحد سواؾ ،وعمى أية حاؿ ،عميؾ أف تدفع
قيمة استشارتي .
-حيمة أخرى ػ فكر الشاب ،وعمى الرغـ مف كؿ شيء فإف الراعي قد قرر المجازفة .إنو يتعرض
دائماً لخطر الذئاب ،أو لخطر الجفاؼ ،وىذا تماماً ما يجعؿ مف مينتو مينة ىامة ومثيرة .
قاؿ الشاب :
-حممت بالحمـ نفسو مرتيف عمى التوالي .كنت متواجداً مع أغنامي عمى أرض أحد المراعي،
حينما ظير طفؿ وأخذ يمعب مع البيائـ ،وأنا ال أحبذ كثي ارً أف يأتي أحد ليميو مع نعاجي ،فيي
تخاؼ مف رؤية أشخاص ال تعرفيـ ،لكف األطفاؿ ينجحوف دائماً في الميو معيا دوف أف يسببوا
ليا الخوؼ ،إنني أجعؿ لماذا ،وال أعرؼ كيؼ تستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية .
-ارجع إلى حممؾ ػ قالت العجوز ػ فمدي قدر عمى النار ،باالضافة إلى أنؾ التممؾ الكثير مف الماؿ
وتأخذ وقتي كمو .
-تابع الطفؿ المعب مع النعاج لفترة ػ أردؼ الراعي مرتبكاً قميبلً ػ وفجأة أخذ بيدي وقادني حتى
أىرامات مصر .
عدؿ الشاب عف الكبلـ لحظة ،ليرى إف كانت العجوز تعرؼ ماتكوف أىرامات مصر ،لكنيا بقيت
خرساء ،ثـ تابع :
ٍعندئذ أماـ أىرامات مصر( ،لفظ ىذه الكممى بمنتيى الدقة ،لتستطيع العجوز فيميا جيداً) ،كاف
الطفؿ يقوؿ لي " :إف ِ
تأت حتى ىنا ،فستجد كن ازً مخبأ " .وفي المحظة التي كاف يكاد أف يريني
فييا المكاف المحدد كنت استيقظ في المرتيف .
مكثت العجوز صامتة لمحظات ،ثـ عادت وأمسكت بيدي الشاب المتيف تفحصتيما بانتباه .
-لف أدعؾ تدفع اآلف أي شيء ،لكنني أريد عشر الكنز إف وجدتو .
أخذ الشاب يضحؾ ،إنيا ضحكة انشراح ورضا ،فيكذا سيدخر القميؿ مف الماؿ الذي يممكو بفضؿ
حمـ صار عبارة عف مسألة كنز مخبأ ! البد أف تكوف المرأة الطيبة العجوز غجرية ،فالغجر
أغبياء .
حسف ،كيؼ تفسريف ىذا الحمـ ؟ .
ٌ-أوالً يجب أف تقسـ .اقسـ لي أنؾ ستعطيني العشر مف كنزؾ مقابؿ ما سأقولو لؾ .
أقسـ الراعي ،وطمبت منو العجوز أف يكرر القسـ ،وىو يثبت عينيو في صورة السيد المسيح .
قالت العجوز :
-إنو حمـ بالمغة الكونية ،حمـ أستطيع تأويمو ،لكنو تأويؿ صعب جداً ،يبدو لي أني استحؽ
حصتي مما ستجد ،والتأويؿ ىو ذا :
"عميؾ أف تذىب حتى أىرامات مصر ،لـ أسمع عنيا مطمقاً لكف إف كاف مف أراؾ إياىا طفؿ،
منؾ رجبلً غنياً ".
فيذا يعني أنيا موجودة فعبلً ،ىناؾ ستجد كن ازً سيجعؿ َ
ذىؿ الشاب لموىمة األولى ،ثـ غضب ،لـ يكف بحاجة لممجيء ،لرؤية ىذه المرأة مف أجؿ شيء
تافو ،لكنو تذكر في نياية األمر أنو لـ يدفع شيئاً .
-لـ تؾ لدي حاجة إلضاعة وقتي ماداـ األمر ىكذا ػ قاؿ الشاب .
أنت ترى ،لقد كنت قد قمت لؾ أف حممؾ صعب التفسير ،األشياء البسيطة ىي األشياء األكثرعمي معرفة فنوف
روعة والعمماء وحدىـ مف يراىا ،وبما أنني لست واحدة منيـ فإنو يتوجب ّ
أخرى :قراءة الكؼ مثبلً .
عمي أف أفعؿ مف أجؿ الذىاب حتى مصر ؟
وماذا ّعمي أف أعيش
-أنا ال أقوـ إال بتفسير األحبلـ وليس بمقدوري تحويميا إلى حقيقة ،وليذا السبب ّ
مما تعطيني إياه بناتي .
-واف لـ أصؿ حتى مصر ؟
حسف ،عندىا لف أوفى أجري ولف تكوف ىذه المرة األولى .
ٌولـ تضؼ العجوز شيئاً ،بؿ طمبت مف الشاب االنصراؼ ألنو جعميا تضيع الكثير مف الوقت .
×××
انصرؼ الراعي خائباً وعازماً عمى أال يعتقد باألحبلـ بعد اآلف ،ثـ تذكر أف عميو القياـ بأشياء
مختمفة ،ذىب لمبحث عف شيء يأكمو ،ولمبادلة كتابو مقابؿ آخر أكبر حجماً ،وجمس عمى مقعد
في الساحة ،ليتذوؽ الخمرة الجديدة التي ابتاعيا .
الخفية التي يممكيا ،يستطيع أف يكوف مرطباً لو .
إنو نيار حار ،ولع ّؿ الخمر ،بفضؿ أحد تأثيراتو
ّ
كانت أغنامو عند مدخؿ المدينة ،في حظيرة أحد االصدقاء الجدد .تعرؼ عمى الكثير مف الناس
في ىذه األنحاء ،وىذا ماجعمو يحب السفر ألياـ متتمية ،فعندما نرى األشخاص أنفسيـ كما ىي
الحاؿ عميو في المدرسة اإلكميريكية ػ فإننا نتوصؿ إلى اعتبارىـ جزءاً مف حياتنا ،وبما أنيـ
يش ّكموف جزءاً مف حياتنا ،فإنيـ يبحثوف في نياية األمر عف تغييرىا كما يرغبوف بغير رضى ،ألف
كؿ الناس يعتقدوف معرفة كيؼ يجب أف نعيش تماماً ،لكف أياً كاف ال يعرؼ قطعاً كيؼ يتوجب
عميو أف يعيش ىو نفسو حياتو الخاصة ،كما لدى ىذه المرأة المنجمة التي تجيؿ كيؼ تحوؿ
األحبلـ إلى واقع .
قرر االنتظار حتى حموؿ الظبل ،قبؿ أف يذىب إلى الريؼ مع نعاجو ،فبعد ثبلثة أياـ سيمتقي ثاني ًة
ابنة التاجر .
بدأ بقراءة الكتاب الذي كاف قد حصؿ عميو مف خوري طريفو .كاف مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألة
دفف مف بدايتو ،باالضافة إلى ذلؾ كانت أسماء الشخصيات معقدة لمغاية .ثـ حدث نفسو ،بأنو لو
قدر لو يوماً أف يؤلؼ كتاباً ،فسوؼ يورد الشخصيات واحدة واحدة ،كي يوفر لقرائو حفظ أسمائيا
دفعة واحد عف ظير قمب .
عندما كاف يق أر بتركيز تمؾ القصة الجميمة عف دفف في الثمج ،والتي منحتو احساساً بالرطوبة رغـ
الشمس المحرقة ...جاء رجؿ عجوز لمجموس بجانبو والحديث معو .
-ماذا يفعؿ ىؤالء ؟ سأؿ العجوز مشي ارً إلى المارة في الساحة .
أجاب الراعي بميجة جافة :
-إنيـ يعمموف ...وتظاىر بالقراءة .
وفي الواقع ،فقد كاف يحمـ بالذىاب لجز صوؼ نعاجو أماـ ابنة التاجر كي تممس بنفسيا مقدرتو
المرات .وأف الشابة تبدو
عمى الثياـ بالكثير مف األمور اليامة ،كاف قد ّ
تخيؿ ىذا المشيد عشرات ّ
لو مندىشة عندما يشرح ليا عف الغنـ وكيؼ يجز الصوؼ مف الخمؼ إلى األماـ ،لقد بذؿ
مابوسعو لتذكر بعض القصص الجيدة وروايتيا ليا أثناء عممية الجز ،كانت في الغالب قصصاً
قرأىا في الكتب ،وىو يروييا ،كما لو أنو عاشيا بنفسو ،ولف تعرؼ مطمقاً الفرؽ طالما أنيا تجيؿ
قراءة الكتب .
أصر العجوز عمى الكبلـ حينذاؾ ،واخبره أنو متعب وعطش ،وطمب أف يشرب جرعة مف الخمر،
ّ
فقدـ لو الشاب زجاجتو عمّو يذىب ويتركو بحالو .
لكف العجوز كاف يريد الثرثرة بإلحاح ،فسأؿ الراعي عف الكتاب الذي يقرأه .
فكر الشاب أف يكوف فظّاً ويغير مقعده ،لكنو تذكر أف أباه قد عمّمو أف يحترـ المسنيف ،عندىا
ناوؿ الرجؿ العجوز الكتاب لسببيف :أوالىما ،ألنو كاف يجد نفسو فعبلً غير قادر عمى لفظ العنواف،
وثانييما ،كي يغير العجوز مقعده إف كاف يجيؿ فعبلً القراءة حتى ال يشعر بالذؿ .
ِ
كتاب ميـ
ى ْـ ػ تنحنح العجوز متفحصاً الكتاب مف وجوىو كميا كـ لو كاف شيئاً غريباً ػ إنو ٌولكنو ممؿ جداً .
ولشد ماتفاجأ الراعي عندما وجد أف العجوز يجيد القراءة .وأنو كاف قد ق أر مف قبؿ ىذا الكتاب.
وأنو كتاب ممؿ كـ أكد العجوز ،فالوقت ال يزاؿ مناسباً كي يستبدلو بآخر .
تابع العجوز :
-إنو كتاب يتحدث عف الشيء نفسو الذي تحدثت عنو الكتب كميا تقريباً ،عف عجز الناس في
اختيار مصيرىـ ،وأخي ارً يجعمنا ندرؾ أكبر خدعو في العالـ .
-ماىي أكبر خدعة في العالـ ؟! سأؿ الشاب مندىشاً .
-ىي ذي " :في إحدة لحظات وجودنا ،نفقد السيطرة عمى حياتنا التي ستجد نفسيا محكومة
بالقدر ،وىنا تكمف خديعة العالـ الكبرى " .
قاؿ الشاب :
-بالنسبة لي ،لـ تجر األمور بيذه الطريقة ،فقد كانوا يريدوف أف يجعموا مني كاىناً لكنني قررت
أف أكوف راعياً .
-ىكذا أفضؿ لؾ ،ألنؾ تحب الترحاؿ .
-لقد حدس أفكاري ػ قاؿ لنفسو سنتياغو ،بينما كاف العجوز يتصفح الكتاب ،دوف أف يظير أية
لرده .
نية ّ
زياً غريباً ،فقد كاف يبدوا أنو عربي الييئة ،وىذا شيء مألوؼ في
الحظ الراعي أف العجوز يرتدي ّ
تمؾ المنطقة ،فإفريقية عمى بضع ساعات مف " طريفة " ويكفي اجتياز المضيؽ الصغير بواسطة
القارب وغالباً مايأتي العرب لمتسوؽ مف المدينة فالناس يشاىدونيـ وىـ يصموف عدة مرات في
اليوـ بطريقة تدعو لمفضوؿ .
مف أيف أنت ؟ سأؿ الشاب .-مف أماكف عدة .
اع ،ومف الممكف أف أتواجد في أماكف مختمفة،
-اليمكف ألحد أف يكوف مف أماكف عدة ،فأنا ر ٍ
ٍ
لمكاف واحد ،مدينة قريبة مف قصر قديـ جداً ،فيناؾ ُولدت .
لكنني أنتمي
-لنقؿ إذف إنني ولدت في سالـ
لـ يكف الراعي يعرؼ أيف تقع سالـ ،لكنو لـ يطرح سؤاالً ،كي اليشعر بأنو سخيؼ نتيجة جيمو .
انيمؾ بمراقبة الساحة لمحظة ،فالناس يذىبوف ويجيئوف ،ويبدوف منشغميف لمغاية .
سأؿ الشاب :
كيؼ ىي سالـ؟ باحثاً عف أية عبلمة ال عمى التعييف .-كما ىي دائماً مف األزؿ .
لـ يكف في ىذا أية عبلقة تدؿ عمييا ،لكف عمى األقؿ كاف يعمـ أف سالـ ليست في األندلس ،واال
لكاف عرفيا .
وماذا تفعموف أنتـ في سالـ؟-ما أفعمو في سالـ؟ !
انفجر لممرة األولى العجوز ضاحكاً ،لكنني أنا ممؾ سالـ ،أي سؤاؿ ىذا ! ...
الناس يقولوف الكثير مف الكممات الغريبة ،ومف المستحسف أحياناً أف يعيش المرء مع النعاج
صدؽ ،أما عندما
الخرساء ،ويكتفي بالبحث عف الماء والغذاء ،أو مع الكتب التي تحكي قصصاً التُ ّ
يتكمـ المرء مع البشر فإف ىؤالء يقولوف بعض األمور التي تجعمنا جاىميف كيؼ نتابع الحديث .
قاؿ العجوز :
أنا أدعى " ممكي صادؽ " ،كـ تممؾ مف الغنـ؟-ما يمزـ .
كاف العجوز يريد أف يعرؼ األكثر عف حياتو .
-لدينا مشكمة إذف ،فأنا ال أستطيع أف أساعدؾ ،مادمت تفكر بامتبلؾ ما يمزمؾ مف الغنـ .
بدأ الشاب يعاني نوعاً مف الضيؽ ،فيو لـ يكف قد طمب منو أية مساعدة .فالشيخ العجوز ىو
الذي كاف قد طمب خم ارً ،وأراد أف يثرثر ،وىو الذي كاف قد اىتـ بالكتاب .
أعد إلي الكتاب ،يجب أف أذىب لمبحث عف أغنامي ومتابعة طريقي .أعطني منيا العشر ،وسأعمّمؾ كيؼ تصؿ إلى كنزؾ المخبأ .تذكر الفتى حممو ،وفجأة صار كؿ شيء واضحاً لو .
فالمرأة العجوز لـ تجعمو يدفع شيئاً ،لكف ىذا الشيخ ،سينجح في تحصيؿ مبمغ أكبر مقابؿ معمومة
لـ تكف تتعمّؽ بأي واقع ،البد أنو غجري أيضاً ويمكف أف يكوف زوجيا .
في تمؾ األثناء ،ودوف أف يقوؿ أية كممة ،انحنى العجوز ،والتقط غصناً مف األرض ،وشرع يكتب
شيئاً عمى رمؿ الساحة ،وفي المحظة التي انحنى فييا ،لمع شيء ما عمى صدره ،كاف الضوء
باى ارً لدرجة جعمت الشاب شبو أعمى .
لكف وبحركة سريعة ومدىشة لرجؿ في عمره ،سارع العجوز لشد معطفو عمى صدره .
زاؿ انبيار عيني الفتى ،فاستطاع أف يرى بوضوع ماكاف الرجؿ يكتبو ،ق أر اسـ أبيو ،واسـ أمو
عمى رماؿ الساحة الرئيسية لممدينة الصغيرة ،ألعاب طفولتو ،ليالي المدرسة اإلكميريكية الباردة ،ثـ
ق أر سيرة حياتو حتى ىذه المحظة ،ق أر أشياء لـ يكف قد رواىا ألحد قط ،كتمؾ المرة التي سرؽ فييا
سبلح أبيو وذىب الصطياد الوعوؿ الجبمية ،أو كتجربتو الجنسية األولى والوحيدة .
-أنا ممؾ سالـ ػ قاؿ العجوز .
-لماذا يثرثر ممؾ مع راع؟ تساءؿ الفتى في ذىوؿ وحيرة .
أىميا ىو أنؾ كنت قاد ارً عمى انجاز " أسطورتؾ الشخصية " .
توجد عدة أسباب ،لكف لنقؿ أف ّلـ يكف الشاب يعرؼ ماكاف العجوز يقصد بقولو " :أسطورة شخصية " .
-ىي ماكنت دائماً تتمنى أف تفعؿ ،فكؿ واحد منا يعرؼ ماىي أسطورتو الشخصية وىو في ريعاف
شبابو ،في ىذه الفترة مف الحياة ،يكوف كؿ شيء واضحاً ،كؿ شيء ممكناً ،وال يخاؼ المرء مف
خفية تنشط إلثبات
أف يحمـ أو يتمنى مايحب أف يفعمو في حياتو .وكمما جرى الوقت ،فإف قوى ّ
استحالة تحقيؽ األسطورة الشخصية .
لـ يكف لقوؿ العجوز أي معنى بالنسبة لمراعي الشاب .
لكنو كاف يريد معرفة ماىية ىذه " القوى الخفية " .إف ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاىا !
-إنيا قوى قد تبدو سيئة ،ولكنيا في الواقع ىي تمؾ التي تعمّمؾ كيؼ تحقؽ أسطورتؾ الشخصية،
إنيا ىي التي تعد عقمؾ ،وارادتؾ ألف ىناؾ حقيقة كبرى في ىذا العالـ :
أي شيء فعمت ،فإنؾ عندما تريد شيئاً بالفعؿ ،فيذا يعني أف ىذه الرغبة قد ولدت
"فأياً كنت ،و ّ
الكمية " ،وأنيا رسالتؾ عمى األرض " .
في " النفس ّ
-حتى لو كانت الرغبة فقط ىي رغبة في الترحاؿ ؟ أو في الزواج مف ابنة تاجر أقمشة؟
الكمية تتغذى مف سعادة الناس أو مف شقائيـ ،مف الرغبة ،مف
أو البحث عف الكنز ،فإف النفس ّالغيرة ،وانجاز األسطورة الشخصية ىو االلتزاـ األوؿ واألوحد لمناس ،وكؿ شيء ليس إال شيئاً
واحداً .
"وعندما تريد شيئاً ما ،فإف الكوف بأسره يتضافر ليوفر لؾ تحقيؽ رغبتؾ " .
المارة ،وكاف العجوز ىو المبادر في إعادة فتح
احتفظا بالصمت لمحظة ،راقبا فييا الساحة و ّ
الحديث :
-لماذا ترعى الغنـ؟
-ألنني أحب الترحاؿ .
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربتو الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقاؿ :
فضؿ شراء عربة صغيرة ليبيع
ىذا الرجؿ أيضاً كاف دائماً يريد الترحاؿ عندما كاف طفبلً ،لك ّنو ّالبوشار ويجمع الماؿ طيمة سنيف عديدة ،وعندما يصبح عجو ازً سيسافر ليمضي شي ارً في
إفريقية ،إنو لـ يدرؾ أبداً أف االنساف يمتمؾ القدرة لينفذ مايحمـ بو .
ٍ
بصوت ٍ
عاؿ .
-كاف عميو أف يكوف راعياً ػ ف ّكر الشاب
-لقد ف ّكر في ذلؾ ػ قاؿ العجوز ػ لكف باعة البوشار ذوو شخصيات أكبرـ ف تمؾ التي ىـ عمييا
يفضموف
الرعاة ،فباعة البوشار لدييـ بيوت تؤوييـ ،بينما الرعاة يناموت تحت النجوـ ،والناس ّ
تزويج بناتيـ مف باعة بوشار عمى تزويجيـ مف الرعاة .
بغصة في الصميـ ،وىو يف ّكر بابنة التاجر ،ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد
شعر الراعي ّ
بائع بوشار .
-وأخي ارً ػ أردؼ العجوز ػ فإف مايف ّكر بو الناس عادة عف باعة البوشار وعف الرعاة يصبح لدييـ
أىـ مف األسطورة الشخصية .
تصفّح العجوز الكتاب وتسمّى بقراءة صفحة منو ،انتظر الراعي قميبلً ثـ قاطعو بنفس الطريقة التي
قوطع ىو بيا :
-لماذا قمت لي ىذه األشياء؟
-ألنؾ تحاوؿ أف تعيش أسطورتؾ الشخصية ،وألنؾ عمى وشؾ العدوؿ عنيا .
-وأنت تظير دائماً في ىذه المحظات؟
-ليس بيذا الشكؿ دائماً ،لكنني ال أتخمّى عنو أبداً ...فمرة أظير عمى شكؿ فكرة جديدة ،أو
كطريقة لمتخمص مف ورطة ،ومرة اخرى أظير في لحظة روحانية ،أجعؿ فييا االشياء سيمة
المناؿ ،وىكذا ...لكف أغمب الناس ال يبلحظوف شيئاً .
روى أنو في االسبوع الماضي ،كاف مجب ارً عمى الظيور ألحد المنقبيف عمى شكؿ حجر ،فقد كاف
ىذا الرجؿ قد تخمّى عف كؿ شيء ،ورحؿ سعياً لمحصوؿ عمى الزمرد .
خمس سنوات عمؿ خبلليا بتكسير االحجار عمى طوؿ أحد األنيار ،كاف قد كسر خبلليا تسعمائة
وتسعاً وتسعيف ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعيف حج ارً ،محاالً أف يجد زمردة ،في تمؾ األثناء ف ّكر
ٍ
عندئذ إال حجر واحدة ،ليكتشؼ زمردتو ،وبما أنو كاف رجبلً دأب في
بالتراجع ،ولـ يكف ينقصو
الجد خمؼ أسطورتو الشخصية ،فقد قرر العجوز التدخؿ ،فتحوؿ إلى حجر تدحرجت عند أقدامو،
وتحت وطأة غضبو واحساسو باستبلبو خبلؿ خمس سنوات ضاعت مف عمره ،قذؼ بتمؾ الحجر
إلى البعيد ،ورماىا بقوة كبيرة جعمتيا ترتطـ بحجر أخرى ،فتفتت لتكشؼ عف أجمؿ زمردة في
العالـ .
قاؿ العجوز وفي عينيو شيء مف المرارة :
-إف الناس يتعمّموف مبك ارً مبرر حياتيـ ،وربما ليذا السبب نفسو أيضاً ،يتخمّوف عف عاجبلً عف
المتابعة ،لكف ىكذا ىي الدنيا .
ٍ
حينئذ أف نقطة البداية بالنسبة لممحادثة التي دارت بينيما كانت الكنز المخبأ .
تذكر الشاب
ودفنت نتيجة ارتفاع مياه السيؿ نفسيا ،واف
لقد نُبشت الكنوز بفعؿ السيؿ الجاري ػ قاؿ العجوزػ ُكنت تريد معرفة المزيد عف كنزؾ ،عميؾ أف تتنازؿ عف عشر قطيعؾ .
-أفبل يمكف لعشر الكنز أف يفي باألمر؟
بدا الشيخ خائباً :
-إذا وعدت بشيء ال تممكو بعد ،فإنؾ ستفقد الرغبة في الحصوؿ عميو .
قاؿ لو الراعي بأنو كاف قد وعد الغجرية بعشر الكنز .
تأوه العجوز وصرخ :
-محتالوف ،عمى أية حاؿ ،انو لجميؿ أف تتعمـ أف لكؿ شيء في الحياة ثمناً ،وىذه ىي الفكرة
التي حاوؿ مجاىدو عيد األنوار تعميميا .
ثـ أعاد الكتاب إلى الشاب قائبلً :
ىيا
-غداً وفي مثؿ ىذه الساعة تصحب لي عشر قطيعؾ ،وسوؼ أرشدؾ كيؼ تجد كنزؾ بنجاحّ ،
مساء .
عمت
ً
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة .
×××
حاوؿ الشاب الرجوع إلى قرائتو ،لكنو لـ يتم ّكف مف التركيز ،فقد كاف مضطرباً ومتوت ارً ،ألنو أدرؾ
أف العجوز يقوؿ الحقيقة ،ذىب لمبحث عف البائع المتجوؿ ،واشترى منو كيساً مف البوشار
بل في قرارة نفسو ىي عميو أف يخبره بما قاؿ العجوز .
متسائ ً
مف األفضؿ أحياناً ،أف نترؾ األشياء كما ىي عميو ػ ف ّكر دوف أف يقوؿ شيئاً ،فمو تكمـ ألمضى
بائع البوشار ثبلثة أياـ بالتفكير ليقرر إف كاف سيتخمّى عف كؿ شيء ،لكنو كاف قد اعتاد العربة
الصغيرة .
كاف يستطيع أف يوفر عميو ىذا االرتياب المؤلـ ،أخذ يييـ في المدينة ،ونزؿ حتى الميناء ،حيث
يوجد مبنى كبير ،ذو نوافذ خاصة ،كاف الناس يأتوف لشراء بطاقات السفر منيا مصر ...إنيا
توجد في إفريقية .
ماذا تريد؟ سأؿ موظؼ الحجز .-ربما غداً ػ أجاب مبتعداً .
عندما يبيع واحدة مف نعاجو ،فإنو سيستطيع االنتقاؿ إلى الجية األخرى مف المضيؽ ،لكف ىذه
الفكرة أرعبتو .
-ىاىو حالـ آخر ػ قاؿ قاطع التذاكر لزميمو بينما كاف الشاب يبتعد ػ ليس لديو مايغطي نفقات
سفره .
في حيف أنو عندما كاف اماـ الكوة ،كاف قد ف ّكر بنعاجو ،وامتمكو الخوؼ مف الذىاب إلييا .فخبلؿ
وتمعـ كيؼ يجز الصوؼ ،والعناية بالنعاج الحوامؿ،
ىاتيف السنتيف تعمّـ كؿ شيء عف تربية الغنـّ ،
وحماية قطيعو مف الذئاب ،كاف يعرؼ حقوؿ ومراعي األندلس كميا ،ويعرؼ السعر الدقيؽ ومبيع
كؿ واحده مف دوابو .
قرر العودة إلى حظيرة صديقو عبر أطوؿ الطرؽ ،كاف في المدينة قصر أيضاً ،أراد تسمّؽ المنحدر
الحجري والذىاب لمجموس عمى حائط السوؽ ليستطيع رؤية أفريقية ،فأحدىـ كاف قد شرح لو أف
العرب الذيف احتموا إسبانية كميا تقرياً ،ولزمف طويؿ قد جاؤوا مف ىناؾ ،لكنو يكره العرب ألنيـ
جاؤوا بالغجر .
تحدث فييا مع
ومف األعمى ،يستطيع أف يرى أيضاً الجزء األكبر مف المدينة والساحة التي ّ
العجوز .
-لعف اهلل الساعة التي التقيت فييا بيذا العجوز ػ ف ّكر ػ فيو قد ذىب بكؿ بساطة لمبحث عف امرأة
قادرة عمى تفسير االحبلـ ،فبل تمؾ المرأة ،وال ذاؾ العجوز ،لـ يعمّقا أية أىمية عمى كونو راع ،فقد
كانا شخصيف منعزليف ال يعتقداف بشيء في الحياة ،واليفيماف أف الرعاة ينتيوف في االرتباط
بدوابيـ ،فالراعي يعرؼ بدقة كؿ واحدة منيا ،ويعرؼ أف كانت بينيا واحدة عرجاء ،وأيا منيا
جزىا وذبحيا .واف قرر الرحيؿ يوماً،
ستضع بعد شيريف ،إنو يعرؼ الكسوالت منيا ومتى يكوف ّ
فإنيا ستتألـ كثي ارً .
أخذت الريح الشرقية تعصؼ ،فمع ىذه الريح جاء قوـ مف السفياء الكفار ،وقبؿ أف يعرؼ "
طريفو " ،لـ يكف ليخيؿ إليو أف إفريقية كانت قريبة جداً ،األمر الذي يش ّكؿ خط ارً كبي ارً ،فالعرب
يستطيعوف غزو الببلد مف جديد .أخذت الريح تعصؼ بقوة أكبر .
-ىاأنذا بيف أغنامي والكنزػ قاؿ لنفسو ،وكاف عميو أف يقرر أف يختار بيف شيء ألفو وآخر يحب
بأىمية النعاج بالنسبة إليو ،وماجعمو يتأكد
كثي ارً لو يحصؿ عميو ،وىناؾ ابنة التاجر ،لكنيا ليست ّ
مف ذلؾ ىو لو أنيا لف تمتقيو مابعد الغد ،لما كانت انتبيت إلى ذلؾ :األياـ كميا متشابية لدييا،
وعندما تكوف األياـ تشبو بعضيا بعضاً ،فيذا يعني أف الناس قد توقفوا عف مبلحظة األشياء
الطيبة التي تخطر في حياتيـ طالما أف الشمس تعبر السماء باستمرار .
حدث نفسو ػ لقد تعودنا عمى ذلؾ،
-لقد غادرت أبي ،أمي ،وقصر المدينة التي ُولدت فييا ػ ّ
واالغناـ سوؼ تعتاد عمى غيابي .
مف ىناؾ ،في االعمى ،راقب الساحة ،كاف البائع المتجوؿ يتابع بيع بوشاره ،جاء زوجاف شاباف
ليجمسا عمى المقعد الذي شيد حواره مع العجوز ،ثـ تبادال قبمة طويمة .
-بائع البوشار ...ػ تمتـ في نفسو دوف أف يتـ الجممة ،ألف الرياح أخذت تعصؼ بشكؿ أقوى،
وشعر بيا تمطـ وجيو ،إنيا جمبت العرب ببل شؾ ،لكنيا كانت تأتي أيضاً برائحة الصحراء،
وبالنساء المحجبات ،وتحمؿ عرؽ وأحبلـ أولئؾ الذيف كانوا قد رحموا ذات يوـ بحثاً عف المجيوؿ،
أو عف الذىب ،والمغامرات واألىرامات .
أخذ الشاب يغبط الريح عمى حريتيا ،وأدرؾ أف الشيء يمنعو أف يكوف شبيياً بيا ،فاألغناـ ،وابنة
التاجر ،وحقوؿ األندلس لـ تكف إال مراحؿ مف أسطورتو الشخصية .
×××
عند ظييرة الغد التقى الراعي الشاب بالعجوز ،وكاف قد أحضر معو ستاً مف أغنامو ،وقاؿ لو :
إنني مندىش فصديقي اشتري مني القطيع عمى الفور ،فطيمة حياتو كاف يحمـ بأف يكوف راعياً،
إذف ىذا فأؿ خير .
قاؿ العجوز :
-األمور تسير دائماً ىكذا ،ونحف نسمي ىذا " :المبدأ المناسب" ،فأنت عندما تمعب لممرة األولى
فإنؾ ستربح ربحاً مؤكداً ،إنو حظ المبتدئ .
-ولماذا ىذا؟
-ألف الحياة تريدؾ أف تعيش أسطورتؾ الحقيقة .
يتفحص النعاج الستى ،وقد الحظ إف إحداىا عرجاء ،لكف الفتى قد شرح لو بأف ىذا ليس
ثـ بدأ ّ
ذكاء واألوفر صوفاً ،ثـ سألو :
بذي أىمية ،ألنيا كانت الدابة األكثر ً
أيف يوجد الكنز؟-الكنز موجود في مصر قرب األىرامات .
اعترتو رجفة ،فالغجرية العجوز كانت قد قالت لو الشيء نفسو ،لكنيا لـ تأخذ أجرىا .
-كي تصؿ إلى كنزؾ عميؾ أف تكوف يقظاً لمعبلمات ،فقد كتب اهلل قدرنا عمى جبيننا ،واختار لكؿ
منا الحياة التي عميو أف يحياىا ،وليس عميؾ إال أف تق أر ما ُكتب لؾ .
وقبؿ أف يتمكف الشاب مف أف يقوؿ أي شيء ،أخذت فراشة ليؿ تحوـ بينو وبيف الرجؿ العجوز،
فتذكر جده ،ذاؾ الذي سمعو يقوـ عندما كاف طفبلً ،إف فراش الميؿ عبلمة حظ ،والشيء نفسو
بالنسبة لمجنادب ،والجراد األخضر ،والسحالي الرمادية ،والحندقوقات ذات األوراؽ األربعة .
-ىذا ىو تماماً ػ قاؿ العجوز الذي كاف بمقدوره قراءة أفكاره ػ كما عمّمؾ جدؾ ،ىنا تكمف
العبلمات .
ٍ
عشية
عندئذ ،وتذكر األلؽ الذي بير عينيو
ثـ فتح المعطؼ الذي يتمؼ بو ،فتأثر الفتى بما رآه
ّ
مرصعة باالحجار الكريمة .
البارحة ،فقد كاف العجوز يتقمّد قبلدة مف الذىب ّ
قد كاف ممكاً حقيقياً ،وكاف لزاماً عميو أف يتن ّكر بيذا الزي ليتحاشى قطاع الطرؽ .
تسمياف "
خذ ػ قاؿ وىو ينتزع حج ارً بيضاء وأخرى سوداء ،كانتا مثبتتيف في وسط قبلدتو ػ إنيما ّأوريـ وتوميـ" ،السوداء تعني نعـ والبيضاء تعني ال .فعندما ال تتوصؿ إلى فيـ العبلمات ،فإف
اسع باستمرار التخاذ
ىاتيف الحجريف سيفيدانؾ ،لكف ليكف سؤالؾ الذي تطرحو موضوعياً دائماًَ ،
وعميؾ أف تدفع مقابؿ ذلؾ ست
قرارؾ بنفسؾ ،فالكنز موجود قرب األىرامات وىذا تعرفو مسبقاً،
َ
غنمات ،فأنا مف ساعدؾ عمى اتخاذ القرار .
وضع الشاب الحجريف في جعبتو ،وسيأخذ مف اآلف فصاعداً ق ارراتو بنفسو .
التنس عمى الخصوص أف تمضي
احد،
التنس أف الكؿ ليس إال شيئاً و ً
التنس لغة العبلمات ،و َ
َ
َحتى آخر أسطورتؾ الشخصية .وقبؿ أف أودعؾ أحب أف أروي لؾ حكاية صغيرة .
"ثمة تاجر كبير ،أرسؿ ابنو ليكتشؼ سر السعادة عند أكثر الرجاؿ حكمة ،مشى الولد أربعيف
يوماً في الصحراء ،ووصؿ إخي ارً أماـ قصر جميؿ يقع عمى قمة جبؿ ،وىناؾ كاف يعيش الحكيـ
الذي ُّ
يجد في البحث عنو .
فبدؿ أف يمتقي رجبلً مباركاً ،فإف بطمنا داخؿ صالة تعج بنشاط كثيؼ :تجار يدخموف ويخرجوف،
وأناس يثرثروف ،وفي إحدى الزوايا فرقة موسيقية صغيرة تعزؼ ألحاناً ىادئة ،وكاف ىناؾ مائدة
محممة بمأكوالت مف أطيب وأشيى ما تنتج تمؾ البقعة مف العالـ .ىذا ىو الحكيـ الذي يتحدث مع
ّ
ىذا وذلؾ ،وكاف عمى الشاب أف يصبر طيمة ساعتيف حتى يأتي دوره .
أصغى الحكيـ إلى الشاب الذي كاف شرح لو دوافع زيارتو ،لكف الحكيـ أجابو أف الوقت لديو كي
يكشؼ لو سر السعادة ،وطمب منو القياـ بجولة في القصر ثـ العودة لرؤيتو بعد ساعتيف .
-أريد أف أطمب منؾ معروفاً ػ أضاؼ الحكيـ وىو يعطي إلى الشاب ممعقة كاف قد صب فييا
قطرتيف مف الزيت ػ ،أمسؾ الممعقة بيدؾ طواؿ جولتؾ وحاوؿ أال ينسكب الزيت منيا .
أخذ الشاب ييبط ،ويصعد سبللـ القصر ،مثبتاً عينيو دائماً عمى الممعقة ،وبعد ساعتيف عاد إلى
حضرة الحكيـ .
-إذاً ػ سأؿ ىذا ،ىؿ رأيت السجاد العجمي الموجود في صالة الطعاـ؟ ىؿ رأيت الحديثة التي
أمضى كبير الحدائقييف سنوات عشرة في تنظيميا؟ ىؿ الحظت أروقة مكتبتي الرائعة؟
ير شيئاً مف كؿ ىذا عمى االطبلؽ ،فشاغمو الوحيد
كاف عمى الشاب المرتبؾ أف يعترؼ بأنو لـ َ
كاف أال تنسكب قطرتا الزيد التي عيد لو الحكيـ بيما .
وتعرؼ عمى عجائب عالمي ػ قاؿ لو الحكيـ ػ فبل يمكف الوثوؽ برجؿ تجيؿ البيت
حسف ،عد ّالذي يسكنو .
اطمأف الشاب أكثر ،وأخذا الممعقة ،وعاد يتجوؿ في القصر ،معي ارً انتباىو ىذه المرة لكؿ روائع
الفف التي كانت معمقة عمى الجدراف ،وفي السقوؼ ،رأي البساتيف والجباؿ المحيطة بيا وروعة
الزىور ،واالتقاف في وضع كؿ واحدة مف تمؾ الروائع في مكانيا المناسب ،وعند عودتو إلى
الحكيـ ،روى لو ما رآه بالتفصيؿ .
كنت عيدت لؾ بيما؟
ولكف أيف قطرتي الزيت المتيف ُنظر الشاب إلى الممعقة والحظ أنو قد سكبيا .
سر السعادة ىو بأف
ٌحسف ػ قاؿ حكيـ الحكماء ػ ىاؾ النصيحة الوحيدة التي سأقوليا لؾ " ّ :
تنظر إلى عجائب الدنيا كمّيا ،ولكف دوف أف تنسى أبداً وجود قطرتي الزيت في الممعقة " .
اع أف يحب السفر ،لكف ليس لو
مكث الراعي صامتاً ،كاف قد فيـ حكاية الممؾ العجوز ،فيمكف لر ٍ
أف ينسى نعاجو أبداً .
نظر العجوز إلى الشاب ،وبكفيو المبسوطتيف ،قاـ ببعض الحركات الغريبة فوؽ رأيو ثـ جمع
غنامو ومضى .
×××
عمى أحد مرتفعات مدينة " طريفة " الصغيرة كاف ىناؾ حصف قديـ بناه العرب فيما مضى ،ومف
يجمس عمى أسواره يستطيع أف يرى مف ىناؾ بائع البوشار وجزءاً مف إفريقية .
"ممكي صادؽ " ممؾ " سالـ " ،يجمس ىذا المساء عمى متاريس الحصف ،ويشعر بالريح الشرقية
وسيدىا،
تمطـ وجيو ،كانت األغناـ قريبة منو تتوقؼ عف الحركة كدرة وقمقة بسبب تبدؿ راعييا ّ
والتغيرات التي حصمت ،فإف كؿ ماكانت ترغب بو ،ىو ماتأكمو وتشربو .
كاف يراقب القارب الصغير الذي يبتعد عف الميناء ،لف يمتقي ىذا الشاب مف جديد ،وذلؾ بعد أف
يجعمو يدفع العشر مثمما أنو لـ يكف قد لقى إبراىيـ ،ألف لآللية أساطير خاصة ،وليس ليا
أمنيات .
غير أف ممؾ " سالـ " ،ومف عميؽ ضميره قد تمنى لمشاب النجاح .
ماتحدث عني
عمي أف أكرره لو مرات عديدة ،حتى إذا
ّ
لؤلسؼ ! سينسى إسمى عما قريب ،كاف ّ
استطاع أف يقوؿ إنني " ممكي صادؽ " ممؾ " سالـ ".
لتوه :
ثـ رفع عينيو إلى السماء ،مشوشاً قميبلً مما كاف يف ّكر بو ّ
-أنا أدرؾ أف ىذا ليس إال أباطيؿ ،كما قمت أنت نفسؾ يا إليي ،لكف الممؾ العجوز يشعر أحياناً
بالحاجة لمشعور باالعتزاز بالنفس .
×××
حدث الشاب نفسو .
ياليا مف بمد غريب إفريقية ىذه ! ّكاف جالساً في مكاف ما يشبو المقيى ،وسائر المقاىي التي استطاع رؤيتيا ،وىو يعبر أزقّة
المدينة الضيقة .كاف ىناؾ رجاؿ ،يد ّخنوف غميوناً ضخماً يتبادلونو مف فـ إلى فـ .
وخبلؿ عدة ساعات رأى رجاالً يتجولوف يداً بيد ،ونساء محجبات ،ورجاؿ ديف يصعدوف إلى قمـ
أبراج عالية ،ويؤذنوف ،بينما كاف سائر الناس يركوف ،ويمطموف رؤوسيـ باألرض .
سره .
-إنيا ممارسات الكفّار ػ قاؿ في ّ
فعندما كاف طفبلً ،اعتار أف يرى في كنيسة قريتو تمثاالً لمقديس " جاؾ األعظـ " ممتطياً حصانو
مجرداً سيفو ،واطئاً بقدميو شخصيات مشابية ليؤالء الناس .
األبيضّ ،
كاف يشعر بالغـ والوحدة بشكؿ مخيؼ ،نظرة تشاؤـ ،زد عمى ذلؾ أنو في غمرة الترحاؿ الطويؿ قد
نسي واحدة مف الجزيئات ،يمكف ليا أف تبعده عف كنزه كثي ارً مف الوقت :في تمؾ الببلد يتكمّموف
العربية .
يقدمو لطاولة أخرى،
اقترب صاحب المقيى ،فأشار إليو بإصبعو أف يحضر لو مشروباً كاف قد رآه ّ
المر ،وتمنى لو كاف خم ارً .
إنو الشاي ّ
لكف الوقت كاف غير مناسب بالتأكيد ألف يشغؿ بالو بمثؿ ىذه األمور ،فأولى بو أال يف ّكر اآلف إال
بكنزه ،والطريقة التي تم ّكنو مف الحصوؿ عميو ،فبيع أغنامو م ّكنو مف امتبلؾ مبمغ ميـ نسبياً،
كاف يعمـ أف لمماؿ جانبو السحري ،فيو يمنح االنساف الشعور باألماف وبأنو ليس وحيداً تماماً،
ومف الممكف أف ينتيي األمر خبلؿ أياـ ،ويجد نفسو عند أقداـ األىرامات ،فالرجؿ المسف ،وبيذا
الذىب البلمع عمى صدره ،ليس بحاجة مطمقاً ألف يروي األكاذيب كي يحصؿ عمى ست غنمات .
حدثو الممؾ العجوز عف عبلمات ،وخبلؿ عبور المضيؽ ،ف ّكر كثي ارً بيا .
لقد ّ
يتحدث ،فطيمة الوقت الذي كاف قضاه في أرياؼ األندلس كاف معتاداً أف
نعـ إنو يدرؾ تماماً عما ّ
معيناً
يق أر عمى األرض وفي السماوات المؤشرات المتعمّقة بالدرب التي عميو أف يسمكيا ،واف طائ ارً ّ
عمى يدؿ عمى وجود أفعى بالقرب منو ،وشجرة تدؿ عمى وجود الماء عمى بضع كيمومترات مف
المكاف ،األغناـ عمّمتو كؿ ىذه األشياء .
بل ،وىو الذي سييدي اإلنساف ػ قاؿ لنفسو ،فشعر باالطمئناف،
-اإللو ىو الذي ييدي األغناـ فع ً
وبدا لو الشاي أقؿ مرورة .
-مف أنت؟ سمع سؤاالً بالمغة االسبانية .
شعر بارتياح كبير ،فيو كاف يحمـ بعبلمات ،وىاىو قد ظير مف ينبئ بيا .
-كيؼ لؾ أف تتكمـ اإلسبانية؟ سأؿ الشاب .
كاف القادـ الجديد ،شاباً يرتدي الزي العربي ،أما لوف بشرتو يجعؿ المرء يحسبو مف أبناء المدينة،
وكانا يبدواف متقاربيف في السف والطوؿ .
-كؿ الناس ىنا يتكمّموف اإلسبانية تقريباً ،فميس بيننا وبيف أسبانية إال أقؿ مف ساعتيف .
-اجمس واطمب لنفسؾ شيئاً عمى حسابي ،أما أنا فاطمب لي خم ارً ،فأنا أشمئز مف ىذا الشاي .
اليوجد خمر في ببلدنا ،فالديف يمنعو .ٍ
عندئذ أخبره الشاب بأف عميو أف يتوجو إلى األىرامات .
فضؿ أخي ارً أال يقوؿ شيئاً ،فقد كاف بمقدور العربي أف يقوده
وقد أوشؾ أف يتحدث عف كنزه ،لك ّنو ّ
إلى ىناؾ مقابؿ حصة مف الكنز ،وتذكر ما كاف قد قالو العجوز حوؿ موضوع االقتراحات .
-أود لو تقودني إلى ىناؾ إف كاف ىذا ممكناً ،أستطيع أف أدفع لؾ ما تستحقو كدليؿ .
ىؿ لديؾ فكرة عف كيفية الذىاب إلى ىناؾ؟ٍ
عندئذ أف صاحب المقيى كاف عمى مقربة منو ،يصغي بانتاه إلى المحادثة ،أزعجو حضوره
الحظ
يضيع ىذه الفرصو .
قميبلً ،لكف البأس فقط حظي بدليؿ ولف ّ
قاؿ القادـ الجديد :عميؾ اجتياز الصحراء اإلفريقية الكبرى ،وىذا سيتطمب منؾ الماؿ ،فقبؿ كؿشيء أريد أف أعمـ إف كنت تممؾ ما يكفي .
وجد الشاب في سؤاؿ الفتى شيئاً مف الفضوؿ ،لك ّنو كاف يثؽ بالرجؿ العجوز ،الذي قاؿ لو أنو
عندما يصمـ المرء عمى تحقيؽ شيء ما ،فإف العالـ كمو يتضافر في صالحو .
سحب نقوده مف جيبو ،وأراىا لرفيقو الجديد ،اقترب صاحب المقيى ونظر أيضاً ،تبادؿ الرجبلف
بضع كممات بالمغة العربية ،وبدا صاحب المقيى غاضباً .
ىيا بنا ػ قاؿ الفتى ػ فيو اليريد بقاءنا ىنا .
ّأحس الشاب بنفسو أكثر اطمئناناً ،قاـ لكي يدفع الحساب ،لكف صاحب المقيى أخذه مف ذراعو،
وراح يممي عميو محاضرة طويمة دوف توقؼ ،كاف الشاب قوياً لكنو في بمد غريب ،أما صاحبو
الجديد ،فقد دفع صاحب المقيى جانباً وصحبو لمخارج .
مالؾ ،فػ " طنجة " ليست كسائر إفريقية ،نحف ىنا في ميناء ،والموانئ تكوف دائماً وك ارً
-إنو يريد َ
لمصوص .
ىب لمساعدتو ،في الوقت الذي وجد نفسو في موقؼ
كاف يستطيع أف يثؽ بصديقو الجديد ،الذي ّ
وعده .
صعب ،سحب مالو مف جيبو ّ
قاؿ اآلخر وىو يتناوؿ الماؿ :
-غداً نستطيع الوصوؿ إلى األىرامات ،لكف يجب أف أشتري جمميف .
الضيقة ،وفي كؿ الزوايا والحنايا ،كانت ىناؾ بضائع معروضة
وانطمؽ اإلثناف في أزقّة " طنجة "
ّ
عمى مباسط لمبيع ،وصبل أخي ارً إلى وسط ساحة كبيرة كاف يشغميا سوؽ أسبوعي ،آالؼ مف
ينس
األشخاص يتحادثوف ،يبيعوف ويشتروف ،لـ يرفع الشاب نظره عف صديقو الجديد ،فيو لـ َ
أف مالو كمّو صار اآلف بيف يديو ،كاف يود لو يستطيع أف يطمب استرجاعو ،لكف شعر في قرارة
نفسو أف في ىذا شيئاً مف عدـ المباقة ،فيو لـ يكف يعرؼ عادات ىذه الببلد العربية التي يطأ
أرضيا اآلف .
-تكفي مراقبو ،فيو أقوى منو ػ قاؿ في نفسو .
فجأة ،وفي وسط ىذه األكواـ مف البضائع ،وقعت عيناه عمى أجمؿ سيؼ رآه في حياتو ،غمده مف
مرصع باألحجار الكريمة .فعاىد نفسو عمى أف يشتري ىذا السيؼ عندما
فضة ،ومقبضو أسودّ ،
يعود مف مصر .
قاؿ لصاحبو :
-اسأؿ التاجر كـ سعره؟
وقد الحظ أنو استغرؽ ثانيتيف مف الغفمة فقط وىو يتأمؿ السبلح ،انقبض قمبو كما لو أف صدره
مسمر العينيف في
تقمّص فجأة ،خشي االلتفات حولو ،فيو يعمـ ّ
جيداً ما الذي ينتظره ،وبقي ّ
السيؼ ،وأخي ارً تسمّح بالشجاعة واستدار ،كاف كؿ شيء حولو ،السوؽ ،الناس الذيف كانوا
يروحوف ويجيئوف ،يصرخوف ،يشتروف السجاد ،والبندؽ والخس بجوار أطباؽ النحاس ،والرجاؿ
الذيف كانوا يسيروف يداً بيد ،والنساء المحجبات ،والعطور الغريبة ،لكف مامف أثر لصديقو ،مامف
شيء عمى اإلطبلؽ ،الظؿ لو .
حاوؿ أف يقنع نفسو في بداية األمر ،أنو وصديقو قد ضبلّ بعضيما وغابا عف أبصار بعضيما
بعضاً صدفةً ،فقرر أف يبقى في مكانو عمى أمؿ أف يعود إليو صديقو قريباً .
وبعد وقت قصير صعد رجؿ إلى أحد تمؾ األبراج المشيورة ،وبدأ باآلذاف ،وكؿ الموجوديف جثوا،
ولطموا األرض ،بجباىيـ ،وأخذوا يرتموف ،ثـ بعد ذلؾ ،وكمستعمرة مف النمؿ في غمرة العمؿ،
حزموا يرتموف ،ثـ بعد ذلؾ ،وكمستعمرة مف النمؿ في غمرة العمؿ ،حزموا بضائعيمو انصرفوا .
راقب الشاب الشمس فترة طويمة ،إلى أف اختفت ىي أيضاً خمؼ البيوت البيضاء المحيطة
وتخيؿ كيؼ أنو عندما أشرقت عميو ذات صباح كاف مايزاؿ عمى أرض قارة أخرى .كاف
بالساحة،
ّ
راعياً ،وكاف لديو ستوف غنمة ،وكاف عمى موعد مع الفتاة الشابة ،وفي الصباح أثناء تجوالو في
األرياؼ ،كاف يعمـ مايمكف أف يتعرض إليو ،واآلف ومع الشمس التي تغيب في ٍ
بمد آخر ،يجد
نفسو غريباً عمى أرض غريبة ال يستطيع حتى أف يفيـ المغة التي يتكممونيا .
لـ يعد راعياً ،ولـ يعد يمتمؾ شيئاً ،والحتى الماؿ البلزـ كي يعود عمى أعقابو ويستدرؾ كؿ شيء .
-حصؿ كؿ ىذا مابيف شروؽ وغروب الشمس نفسيا ػ قاؿ في نفسو ػ راثياً لحالو ،مف ّك ارً بأف
األشياء تتغير أحياناً في الحياة في مدى وجيز اليسمح لممرء أف بالتعود عمى ما آلت إليو .
كاف يخجؿ مف االستسبلـ لمبكاء ،لـ يكف قد بكى إطبلقاً أماـ أغنامو ،لكف ساحة السوؽ كانت
خاوية ،وكاف ىو بعيداً عف وطنو .
بكى وبكى ،ألف اإللو كاف ظالماً ،وألنو يجازي الناس الذيف يؤمنوف بأحبلميـ الخاصة .
-عندما كنت مع أغنامي ،كنت سعيداً أشارؾ بسعادتي كؿ مف يحيطوف بي ،وكاف الناس يرونني
قادماً ،ويستقبمونني استقباالً جيداً ،أما اآلف فأنا حزيف وتعيس ،ماذا سأفعؿ؟ سأصبح أشد لؤماً،
ولف أثؽ بأي إنساف كاف بعد اآلف .ىناؾ شخصاً خانني ،وسأكؿ كؿ ىؤالء الذيف وجدوا كنو ازً
مخبأة ألنني لـ أجد كنزي ،وسأسعى باستمرار الدخار الماؿ الذي اممكو ،فأنا مازلت ضعيفاً
لمواجية العالـ .
ليتفحص ماكاف لديو فييا ،فربما بقي شيء مف الوجبة التي كاف يأكميا عمى حافّة
فتح جعبتو
ّ
القارب ،لكنو لـ يجد إال الكتاب الضخـ ،والمعطؼ ،والحجريف الكريمتيف المتيف كاف العجوز قد
أعطاه إياىما ،وعند رؤيتو ليما اعتمؿ في صدره شعور بالعزاء ،فقد كاف دفع مقابميا ست
ذىبية ،كاف بمقدروه بيعيما وىكذا يستطيع أف
غنمات ،إنيما حجراف ثمينتاف انتزعتا مف قبلدة ّ
يحصؿ عمى بطاقة عودتو .
-سأصبح مف اآلف أكثر خبثاً ػ ف ّكر وىو يستخرج الحجريف ليخبئيما في قعر جيبو ،كاف في
يعج دائماً بالمصوص .
الميناء والشيء الصادؽ الوحيد الذي قالو ذلؾ المص :الميناء ّ
فيـ اآلف جيود صاحب المقيى اليائسة ،فقد كاف يحاوؿ أف يقوؿ لو بأال يثؽ بذلؾ الرجؿ ،أنا
ككؿ اآلخريف :أنظر إلى العالـ كما أتمنى أف يكوف ،وليس كما تجري األمور في الواقع .
يتفحص الحجريف الثمينتيف ،داعبيما بمطؼ وتحسس حرارتيما ونعومتيما ،إنيما نزه الوحيد،
بقي ّ
ومجرد لمسيما كفيؿ ألف يزرع في نفسو نوعاً مف الشعور بالسكينة فقد كانتا تذ ّكرانو بالرجؿ
ّ
العجوز " :عندما تريد شيئاً بالفعؿ ،فإف الوجود كمّو يتضافر ليييئ لؾ الحصوؿ عميو ".
كاف يتم ّنى لو يفيـ كيؼ يمكف ليذا أف يكوف صحيحاً .
اآلف يجد نفسو ىناؾ عمى ساحة سوؽ مقفرة ،اليممؾ درىماً في جيبو ،دوف أغناـ يحرسيا في
الميؿ ،أما الحجراف فقد كانتا تش ّكبلف الدليؿ الذي يثبت أنو قد التقى ممكاً يعرؼ أسطورتو
الجنسية األولى .
الشخصية ،وعمى اطّبلع بما قد فعمو بسبلح أبيو ،وبتجربتو
ّ
الحجراف تفيداف في التنبؤ وتدعياف " أوريـ وتوميـ " ،أعادىما إلى مكانيما في الجعبة وقرر أف
يقوـ بالتجربة ،فالعجوز كاف قد قاؿ لو أف عميو طرح أسئمة واضحة ،ألف الحجريف التفيداف
السائؿ في شيء إف لـ يكف يعرؼ مايريد .
ٍ
عندئذ سأؿ الشاب إف كانت بركة العجوز ترافقو دائماً ،سحب مف جيبو واحد مف الحجريف فكانت
"نعـ" ،ثـ سأؿ ىؿ سأجد كنزي؟ وضع يده في جيبو ليمسؾ بواحدة منيا ،عندىا انزلقتا كمتاىما مف
ثقب موجود في القماش ،لـ يكف قد الحظ قط أف جعبتو مثقوبة ،انحنى ليمتقط أوريـ وتوميـ،
مرت في ذاكرتو جممة أخرى " :تعمّـ أف
ليعيدىما إلى الكيس ،ولكف عند رؤيتو ليما عمى األرضّ ،
تتبع وأف تحترـ العبلمات " ،ىذا ماكاف قد قالو الممؾ العجوز أيضاً .
عبلمة ! وشرع الشاب بالضحؾ لوحده ،ثـ التقط الحجريف ،أعادىما إلى جعبتو الفتوقة ،والتي لـ
يكف لديو أية رغبة في إصبلحيا .تستطيع الحجراف اليرب مف ىذا الثقب إف أرادتيا ،كاف قد فيـ
أف ىناؾ بعض األشياء التي اليجوز لممرء أف يطمبيا كي الييرب مف قدره المحتوـ .
-لقد وعدت أف أتخذ ق ارراتي الخاصة بنفسي ػ قاؿ في نفسو ،لكف الحجريف كانتا قد أحبرتاه بأف
ممياً مف جديد إلى السوؽ
العجوز كاف دائماً إلى جانبو ،وىذا الجواب أعاد لو الثقة بنفسو .نظر ّ
المقفرة ،ولـ يعد يشعر باليأس الذي كاف يعذّبو مف قبؿ ،ولـ يعد العالـ الذي يحيط بو عالماً
غريباً ،بؿ صار عالماً جديداً ،فبعد كؿ شيء ،ىذا ماكاف يرمي إليو " :معرفة عوالـ جديدة ،فحتى
اع آخر ".
لو لـ يصؿ إلى أىرامات مصر ،فقد ذىب إلى أبعد مما يذىب إليو أي ر ٍ
-آه ! ليتيـ يعمموف أنو بأقؿ ساعتيف مف السفر في القارب يوجد الكثير مف األشياء المختمفة
...ػ قاؿ لنفسو .
تبدى العالـ الجديد أماـ ناظريو عمى شكؿ سوؽ أسبوعية مقفرة ،في حيف كاف قد رأى ىذا المكاف
يغص بالحياة ،وىو لف ينساه ،تذ ّكر السيؼ الذي دفع ثمناً غالياً مف أجؿ تأممو لحظة،
مف قبؿ ّ
وفجأة شعر أف بإمكانو أف ينظر لمعالـ إما مف خبلؿ نظرة ضحية السارؽ البائسة ،أو مف خبلؿ
نظرة المغامر الذي يسعى وراء كنز .
إنني مغامر يسعى بحثاً عف كنز ػ ف ّكر قبؿ أف يغط منيكاً في ٍنوـ عميؽ .
×××
ييزه مف كتفو ،كاف قد ناـ وسط ساحة السوؽ األسبوعي الذي بدأت
أفاؽ وىو يحس بأف أحداً ما ّ
تدب فيو الحركة ،نظر حولو باحثاً عف أغنامو ،لك ّنو تنبو إلى أنو اآلف في ٍ
عالـ آخر ،واستبدؿ
اإلحساس بالحزف الذي يكابده بإحساس السعادة ،وأصبح بمقدوره اآلف االنطبلؽ ،وأف يكد لمبحث
وراء الطعاـ والشراب ،وصار أكثر إص ار ارً في البحث عف الكنز ،لـ يكف لديو درىـ في جيبو ،لك ّنو
يممؾ اإليماف بالحياة ،ومساء األمس اختار أف يكوف مغام ارً مشابياً لشخصيات اعتاد أف يق أر
عنيا في الكتب .
بتريث ،حيث كاف التجار قد أخذوا بنصب براكاتيـ ،فساعد رجبلً يبيع
أخذ ّ
يتنزه عمى أرض الساحة ّ
السكاكر عمى نصب براكتو ،وكانت ترتسـ عمى وجو ىذا الرجؿ ابتسامة المثيؿ ليا ،كاف جذالً
جيد .
لمغاية ،يفيض حبو ارً ،ومنفتحاً عمى الحياة ،ومستعداً لمقاء يوـ عمؿ ّ
تعرؼ عميو .
ابتسامتو تذ ّكر نوعاً ما بالشيخ ،ذلؾ الممؾ العجوز الغريب ،الذي كاف قد ّ
-ىذا اليصنع الحموى ،ألنو يريد السفر ،أو الزواج مف ابنة تاجر ،كبلّ إنو يصنع السكاكر ألنو
يحب ىذه المينة ػ ف ّكر الشاب ػ ثـ الحظ أنو كاف قاد ارً عمى فعؿ مايفعمو الشيخ ،وىو معرفة إف
كاف المرء قريباً أو بعيداً عف أسطورتو الشخصية .
تبينت ذلؾ أبداً .
-ىذا سعؿ مع أنني لـ أكف قد ّ
أعد مف الحموى ،فأكميا بسرور كبير ،ثـ شكره
قدـ لو الرجؿ ما ّ
عندما فرغا مف تركيب البراكةّ ،
وانطمؽ في طريقو ،وبعد أف ابتعد قميبلً عنو رواده التفكير بأف البراكة قد نصبت مف قبؿ شخصيف
اثنيف ،أحدىما يتكمّـ العربية ،واآلخر األسبانية ،ومع ذلؾ كانا متفاىميف .
حدث نفسو ػ لقد حصمت عمى ىذه الخبرة مف ِق َبؿ األغناـ وىاأنذا
توجد لغة فيما وراء الكممات ػ ّأتوصؿ إلى ذلؾ مع البشر .
ّ
إنو يتعمّـ أشياء جديدة ومتنوعة كاف قد اختبرىا مف قبؿ ،ومع ذلؾ فيي جديدة ألنيا قد وجدت
مصادفة عبر دربو دوف أف يكوف قد حسب ليا حساباً ،ىذا ألنو اعتاد عمى مثؿ ىذه األشياء .
الستطعت ف ّؾ رموز العالـ .
لو أستطيع أف اتعمّـ فؾ رموز ىذه المغة التي تتجاوز الكمماتُ
" -كؿ شيء ىو شيء واحد وفريد " ،ىذا ماقالو الرجؿ العجوز .
قرر أف يجوب بكؿ ىدوء شوارع " طنجة " الصغيرة ،فبيذه الطريقة فقط سينجح بإدراؾ العبلمات،
وىذا يتطمّب دوف شؾ قد ارً كبي ارً مف الصبر ،لكف الصبر ىو الفضيمة األولى التي يتعمّميا الراعي .
عممياً ،في ىذا العالـ الغريب ،الدروس نفسيا التي تعمّميا مف أغنامو .
يطبؽ
ّ
ومرة أخرى فيـ كيؼ ّ
" -فك ّؿ شيء ىو شيء واحد وفريد " ،كاف قد قاؿ الرجؿ العجوز .
×××
الزجاجيات شروؽ الشمس ،فأحس بالغـ الذي كاف يكابده عند مطمع كؿ صباح ،فيو
رأى تاجر
ّ
قمة طريؽ منحدرة ،ومف النادر
في المكاف نفسو منذ مايقارب الثبلثيف عاماً ،وكاف متجره يقع في ّ
يغير مينتو ،فكؿ ماكاف قد تعمّمو
مرور زبوف واحد مف ىناؾ ،وقد فات األواف عمى التاجر كي ّ
الزجاجيات .
عبر حياتو كمّيا ىو بيع وشراء
ّ
جاء وقت صار فيو متجره معروفاً مف ِقبؿ كثير مف الناس .
وجنود ألماف ،وكمّيـ لدييـ الماؿ الوفير ،في حيف أف
تجار عرب ،جيولوجيوف فرنسيوف وانكميز،
ٌ
غنياً ،وسيكوف
تخيؿ كيؼ سيصبح رجبلً ّ
بيع الزجاج في ذلؾ الوقت كاف يش ّكؿ مغامرة كبيرة ،وقد ّ
كميف عندما يشيخ .
عنده تمؾ االنسوة الجميبلت
ّ
مضى الوقت بطيئاً ،والمدينة عمى حاليا ،وازدىرت مدينة " سبتة " أكثر مف " طنجة " وأخذت
التجارة منحنى آخر ،ولـ يبؽ بعد زمف قميؿ إال بعض المحبلّت القميمة في المرتفع ،ولف يأتي مف
يتسمّؽ طريقاً منحدرة مف أجؿ ىذه المخازف التعيسة .
أما تاجر األواني فمـ يكف ليممؾ الخيار ،فقد عاش الثبلثيف عاماً مف عمره في بيع وشراء
الزجاجيات ،وصار الوقت متأخ ارً كي ينخرط باتجاه آخر .
ّ
طواؿ فترة الصباح ،كاف يراقب الرائحيف والغاديف القبلئؿ في الطريؽ الصغيرة ،وىذا ماكاف يفعمو
المارة فرداً فرداً .
منذ سنوات حتى صار يعرؼ عادات ّ
وقبؿ موعد الغداء بمحظات قميمة توقؼ شاب غريب أماـ واجية المتجر .كاف يرتدي كسائر الناس،
الزجاجيات اكتشؼ ببصيرتو الثاقبو أنو لـ يكف يممؾ الماؿ .
لكف تاجر
ّ
وعمى الرغـ مف ذلؾ ،فقد قرر أف يعود إلى متجره وينتظر بضع دقائؽ حتى ينصرؼ الشاب .
×××
عمى باب المتجر ،كانت قد عمقت يافطة تشير إلى أف صاحبو يجيد التكمّـ بعدة لغات .لمح الشاب
أحدىـ يظير خمؼ طاولة مبسط السمع ،فقاؿ لو :
-إنني أستطيع تنظيؼ ىذه المزىريات ،ففي ىذه الحالة التي ىي عمييا ،فإف أحداً لف يشترييا،
ىذا إف أردت ذلؾ .
نظر التاجر دوف أف ينبس ببنت شفة .
-بالمقابؿ ،فإنؾ سوؼ تعطيني شيئاً آكمو ،اتفقنا؟
بقي الرجؿ صامتاً ،وفيـ الشاب أف عميو أف يتّخذ ق ار ارً .كاف معطفو في جعبتو ،ولـ يكف بحاجة
إليو في الصحراء ،تناولو وأخذ ينظّؼ بو األواني الزوجاجية ،وبعد نصؼ ساعة كاف قد نظّؼ
ماكاف يوجد في الواجية بينما دخؿ زبوناف واشتريا عدداً منيا ،وعندما فرغ مف تنظيفيا كمّيا،
طمب مف صاحبيا أف يعطيو شيئاً يسد بو رمقو .
ىيا َّ
الزجاجيات .
نتغد ػ قاؿ تاجر
ّ
ّعمّؽ لوحة عمى الباب ،وذىبا إلى مقيى صغير في أعمى المرتفع ،وبينما كانا جالسيف عمى
الزجاجيات مبتسماً :
الطاولة الوحيدة ىناؾ ،قاؿ بائع
ّ
داع لتنظيؼ أي مف
لـ يكف ىناؾ أي ٍالزجاجيات ،فالشرع القرآني يرغـ عمى إطعاـ الجائع كائناً
ّ
مف كاف ىذا الجائع .
-لكف لماذا تركتني أقوـ بيذا العمؿ؟
الزجاجيات كانت متّسخة ،وأنت مثمي ،كبلنا بحاجة لتطيير رأسو مف األفكر السيئة .
ألفّ
عندما فرغا مف الطعاـ ،التفت التاجر نحو الشاب :
الزجاجيات ،إف في ذلؾ
كنت تنظّؼ
أريدؾ أف تعمؿ في متجري ،فقد دخؿ اليوـ زبوناف بينما َّ
لعبلمة حسنة .
عـ يتكمّموف ،مثميـ
يت ّكمـ الناس كثي ارً عف العبلمات ػ ف ّكر الراعي ػ لك ّنيـ عمى األصح ال يعمموف ّمثمي ،أنا الذي لـ أكف قد الحظت أنو طيمة كثير مف السنيف كنت أتكمّـ مع أغنامي لغة دوف
كممات .
الزجاجيات .
ىؿ تريد أف تعمؿ لدي؟ ألح تاجرّ
-أستطيع أف أعمؿ طيمة الوقت المتبقي مف اليوـ ػ أجاب الشاب ػ سأنظّؼ حتى طموع الفجر
الزجاجيات كمّيا ،بالمقابؿ يمزمني بعض الماؿ كي أكوف غداً في مصر .
ّ
فجأة أخذ التاجر بالضحؾ وقاؿ :
جيدة لقاء بيع أي قطعة منيا ،سيمزمؾ
لو نظّفتزجاجياتي طيمة عاـ بأكممو ،أو كسبت عمولة ّ
ّ
اقتراض الماؿ الكثير كي تذىب حتى مصر ،فآالؼ الكيمومترات الصحراوية تفصؿ " طنجة " عف
أىرامات مصر .
خيـ فاصؿ مف الصمت ،وفجأة بدت معو المدينة غافية ،فما عاد ُيممح فييا أي نشاط،
عندىا ّ
وانتيت محادثات التجار فيما بينيـ ،وآذاف الرجاؿ الذيف كانوا يصعدوف إلى المئذنة قد توقؼ ،ولـ
المرصعة .
يقد يرى تمؾ السيوؼ الجميمة ذات المقابض
ّ
شخصية ،ال كنز ،ال أىرامات بعد اآلف ،كاف يشعر
ال رجاء ،ال مغامرة ،ال مموؾ كبار ال أساطير
ّ
كـ لو أف العالـ بأسره قد صار أخرس ،ألف روحو قد ُغمِّفت بالصمت .
يبؽ ىناؾ ألـ ،أو عذاب ،أو إخفاؽ ،بكؿ بساطة لـ يكف يممؾ إال نظرة جوفاء تعبر باب الحانة
لـ َ
ورغبة عارمة في الموت لدى رؤيتو كؿ شيء ينتيي في ىذه المحظة والى األبد .
نظر إليو ذلؾ التاجر محتا ارً ،فذلؾ السرور الذي كاف قد لمحو عمى وجيو في ذاؾ الصباح قد
اختفى فجأة .
الزجاجيات ،لكف الشاب بقي
أستطيع أف أعطيؾ الماؿ كي ترجع إلى ببلدؾ يا بني ػ قاؿ تاجرّ
صامتاً ،ثـ نيض ،أصمح ثيابو ،ولممـ جعبتو .
سأعمؿ عندؾ ػ قاؿ ،ثـ أضاؼ بعد فترة أخرى مف الصمت .-يمزمني الماؿ لشراء بعض األغناـ .
×××
::الجزء الثاني ::
الزجاجيات ،لكف ىذا العمؿ لـ يكف ىو
لـ يكف قد مضى أكثر مف شير عمى عمؿ الشاب عند بائع
ّ
يكؼ عف التذمر طواؿ النيار ،آم ارً ّإياه مف وراء طاولتو بأف
الذي يطمح إليو حقاً ،فالتاجر لـ يكف ّ
ينتبو عمى الدواـ إلى الحاجات المعروضة خشية أف ينكسر منيا شيء ،ولكنو بقي ،فعمى الرغـ
متذم ارً ،فيو عمى األقؿ لـ يكف ظالماً ،فقد كاف يتمقّى منو عمولة البأس بيا
مف أف التاجر كاف ّ
لقاء كؿ قطعة تُباع ،وقد استطاع حتى اآلف ادخار بعض الماؿ ،وبعد أف قاـ بحساباتو ىذا
الصباح ،ألفى أنو لو عمؿ طواؿ اليوـ ،وبنفس ىذه الشروط لمزمو عاـ كامؿ كي يستطيع شراء
بعض األغناـ .
الزجاجيات خارج المخزف ،سيكوف مف المستطاع وضع رؼ في
إنني أود ولو أقوـ بعرضّ
المارة مف ىناؾ في أسفؿ الجبؿ .
الخارج ،إنو سيجذب ّ
رؼ ! إف الناس ستصطدـ بو في الممر،
لـ يسبؽ لي أففعمت شيئاً مماثبلً ػ أجاب التاجر ػ ّ
ُ
شـ .
والزجاج سوؼ يتي ّ
يتعرض بعضيا لمدغة أفعى،
عندما ُكنت اطوؼ بأغنامي في القرى ،فقد كاف مف الممكف أف ّ
ضحية ذلؾ ،ىذا الخطر يش ّكؿ جزءاً مف حياة األغناـ والرعاة .
وتذىب
ّ
يمبي طمبات أحد الزبائف ،لقد باع اآلف ثبلث مزىريات مف الكريستاؿ ،فقد نشط البيع
راح التاجر ّ
المؤدية إلييـ
أكثر مف أي وقت مضى ،وكأف العالـ قد عاد إلى ماكاف عميو عندما كانت الطريؽ
ّ
واحدة مف أىـ الطرؽ التي تجذب الزبائف في " طنجة ".
المارة يتزايدوف أكثر فأكثر ػ قاؿ التاجر لمستخدمو عندما انصرؼ الزبوف ػ واف مانكسو
أصبح ّاآلف يمكف أف يؤمف لي معيشة أفضؿ ،ويمكف أف يسمح لؾ بشراء أغنامؾ في ٍ
وقت وجيز ،ماذا
ّ
نريد مف الحياة أكثر مف ىذا؟
-ىذا ألنو يتوجد عمينا أف نقتفي العبلمات ػ أجاب الشاب دوف تفكير ػ لك ّنو تأسؼ ألنو تكمّـ
ىكذا ،فالتاجر لـ يكف قد ُمنّي أبداً بفرصة لقاء ممؾ .
ىذا ىو ماداعو الشيخ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئيف " ،ألف الحياة تريد لئلنساف أفيحيا أسطورتو الشخصية .
عمى كؿ حاؿ ،فيـ التاجر جيداً عـ كاف يتحدثو مستخدمو ،فحضور ىذا األخير يمثّؿ بحد ذاتو
عبلمة ،وعمى مر األياـ وبازدياد الماؿ الذي صار يكسبو بعد مجيئو لـ يعد نادماً عمى استئجار
ىذا الشاب األسباني ،غير أف أجر ىذا األخير كاف أكثر مف العادي ،وبما أنو كاف يعتقد بأف البيع
سيسر أيضاً نحو األفضؿ ،فإنو قد دفع لمشاب مايستحقو كعمولة .لكف حدسو كاف ينبئو أف
يغير الحديث بخصوص عرض البضائع :
عما قريب إلى أغنامو ،سألو كي ّ
الشاب سيعود ّ
كنت تريد الذىاب لرؤية األىرامات؟
لماذا َتحدثوا لي كثي ارُ عنيا ػ أجاب الشاب متحاشياً الكبلـ عف حممو .
-ألنيـ ّ
فالكنز صار اآلف مسألة ذكرى مؤلمة باستمرار ،وكاف يحاوؿ أف يمنع نفسو مف التفكير بو بعد .
قاؿ التاجر :
-إنني ماعرفت أحداً ىنا أراد اجتياز الصحراء فقط كي يرى األىرامات ،فيي ليست إال كومة مف
الحصى ،حتى أنؾ لتستطيع أنت أف تبني لنفسؾ ىرماً في حديقتؾ .
لتوه إلى
إنؾ لـ تحمـ إطبلقاً بالسفر ػ قاؿ الشاب وىو يمضي ليمبي طمب زبوف آخر آتى ّالمخزف .
التحدث مع معمّمو عف رؼ البضائع ،قاؿ :
وفي اليوـ الثالث ،عاد الشاب إلى
ّ
فأنت وأنا لسنا مف " حساف " ،ذلؾ التاجر الغني الذي لف يتأثر أبداً في
أنا ال أحب التغيير كثي ارًَ ،نتحمؿ تبعة أخطائنا .
حاؿ خسارتو بصفقة ،أما نحف اإلثنيف ،فسوؼ يتوجب عمينا أف
ّ
-ىذا صحيح ػ أجاب الشاب .
سأؿ التاجر :
رؼ العرض ىذا؟
تصر كثي ارً عمى ّ
لماذا ّ-أريد العودة بسرعة إلى أغنامي ،وعندما تيب رياحنا فعمينا أف نغتنميا ،وأف نعمؿ مابوسعنا كي
يحالفنا مايسمونو بػ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئ " .
بقي التاجر صامتاً لمحظة ثـ قاؿ :
-منحنا النبي القرآف ،الذي فرض عمينا خمسة فروض فقط ،عمينا مراعاتيا في حياتنا ،األكثر
أىمية منيا ىو ذا :وحدانية اإللة ،والفروض األخرى ىي :الصبلة خسمة أوقات في اليوـ ،صياـ
ّ
يتحدث
رمضاف ،وواجب الزكاف لمساعدة الفقراء ،صمت بينما كانت عيناه مغرورقتيف بالدموع وىو ّ
عف النبي .كاف رجبلً ورعاً لمغاية ،وحتى لو كاف يبدو غالباً لجوجاً ونافذ الصبر ،فإنو يجيد لمعيش
منسجماً مع الشرع اإلسبلمي .
-وماىو الفرض الخامس ؟ ػ سأؿ الشاب
حممت إطبلقاً بأحبلـ السفر .الفرض الخامس ىو أف يقوـ كؿ
منذ يوميف سألتني إف لـ أكف قدُ
مسمـ مؤمف بالسفر .فأنو يتوجب عمينا أف نقوـ خبلؿ عمرنا برحمة واحدة عمى األقؿ إلى مدينة
فضمت
"مكة
فتياً ّ
المكرمة" .فػ " م ّكة " أيضاً ىي مدينة تبعد عنا أكثر مف األىرامات .وعندما كنت ّ
ّ
أف أستثمر القميؿ نـ الماؿ الذي كنت أممكو في شؽ طريقي في ىذه التجارة ،عمى أمؿ أف أصبح
الزجاجيات ،ألنيا أشياء حساسة،
غنياً ،وأممؾ الماؿ ،لكنني لـ أكف ألستطيع أف أعيد ألحد بعناية
ّ
ّ
يمروف عمى مخزني ،في طريقيـ إلى " مكة " ،كاف مف
حينذاؾ كنت أرى مجموعات مف الناس ّ
بينيـ حجاج أثرياء يرافقيـ موكب مف الخدـ ،وجماؿ لكف معظميـ كاف أكثر فق ارً مني .كمّيـ كانوا
يذىبوف ويعودوف سعداء ،وكانوا يضعوف عمى أبواب مساكنيـ رموز قياميـ بالحج ،وأحد أولئؾ
ّاء ،وكاف يعيش مف خبلؿ إصبلح أحذية ىذا وذاؾ ،وقد أخبرني أنو قد مشى عاماً
الحجيج كاف حذ ً
يتوجب عميو المرور عمى منازؿ
بكاممو في الصحراء ،ولك ّنو كاف يشعر بالتعب أكثر عندما كاف ّ
كثيرة في " طنجة " لشراء الجمد .
سأؿ الشاب :
-لماذا التذىب اآلف إلى م ّكة ؟
لتحمؿ ىذه األياـ الرتيبة ،وىذه
ألف مكة تجعمنيّ
اتمسؾ بالحياة ،وىي التي تمنحني القوة ّ
المزىريات المنضدة عمى الرفوؼ ،والغداء والعشاء في ىذا المطعـ البائس ،وأخشى أف أحقؽ
حياً .أما أنت ...فإنؾ تحمـ باألغناـ ،وباالىرامات ،أنت لست
حممي ،ثـ أفقد كؿ رغبة بأف أبقى ّ
تخيمت مف قبؿ
مثمي ألنؾ تريد تحقيؽ أحبلمؾ ،أما أنا فكؿ ما أريده ىو أف أحمـ بػ " مكة " ،لقد ّ
المقدس ،والدورات
آالؼ المرات ،عبور الصحراء ووصولي إلى الساحة التي يوجد بيا الحجر
ّ
وتخيمت مف سيكوف بجانبي أو أمامي ،مف
أتميا قبؿ أف أستطيع لمسو،
ّ
عمي اف ّ
السبع التي ّ
األقاويؿ والدعوات التي سنقوليا ونتبادليا معاً .لكنني أخشى أال يكوف ذلؾ سوى خيبة كبيرة،
أفضؿ أف أكتفي بالحمـ .
وليذا ّ
وفي ذلؾ اليوـ سمح التاجر لمشاب بإنشاء رؼ عرض البضائع ،فميس بنفس الطريقة يعيش
الناس كمّيـ أحبلميـ .
×××
رؼ البضائع يجذب إلى المتجر عدداً كبي ارً مف الزبائف ،األمر الذي جعؿ الشاب
مر شيراف ،وصار ّ
ّ
يحسب أنو سيستطيع خبلؿ أشير ستة العودة إلى أسبانية وشراء ستيف غنمة ،فبأقؿ مف عاـ
سيستطيع مضاعفة قطيعو ،وأف يتاجر مع العرب ألنو نجح في تعمّـ ىذه المغة الغريبة .
منذ ىذا الصباح المشيود عمى أرض ساحة السوؽ ،لـ يعد يستخدـ أبداً أوريـ وتوميـ ،ألف مصر
الزجاجيات ،عمى
قد أصبحت بالنسبة لو حمماً بعيد المناؿ ،حمماً يبعد عنو كما تبعد م ّكة عف بائع
ّ
كؿ حاؿ صار مقتنعاً ََ بعممو اآلف ،ولـ يكف يتوقؼ عف التفكير باليوـ الذي سيرسو فيو كمنتصر
في "طريفو ".
-تذ ّكر دائماً أف تعرؼ ماتريد ػ ىكذا كاف قد قاؿ الممؾ العجوز ،والشاب كاف يعرؼ مايريد أف يعمؿ
في ىذا الصدد .
فمف الممكف أف يكوف كنزه ىو أف يأتي إلى ىذه األرض الغريبة ،وأف يمتقي بسارؽ ،وأف يضاعب
أغنامو مرتيف دوف أف ينفؽ قرشاً واحداً .
الزجاجية ،لغة دوف كممات ،وتفسير
ىامة كتجارة األواني
ّ
كاف فخو ارً بنفسو ،ألنو تعمّـ أشياء ّ
العبلمات .
في عصر ذات اليوـ ،رأي رجبلً في أعمى المرتبفع ،كاف ىذا الرجؿ يشكو ألنو لـ يستطع أف يجد
مكاناً مناسباً يشرب فيو شيئاً مابعد كؿ ىذا العناء ،مف تسمّؽ المنحدر .
بل :
كاف الشاب يعرؼ اآلف لغة العبلمات فراح يبحث عف معمّمو ليكمّمو قائ ً
نقدـ الشاي لمناس الذيف يتسمّقوف المنحدر .
عمينا أف ّأجاب التاجر :
يوجد ىنا الكثر مف األماكف التي يمكف أف يُشرب فييا الشاي .سيعجبوف
سيكوف بإمكاننا تقديـ الشاي إلى الزبائف في أقداح مف الكريستاؿ ،بيذه الطريقة ُبالشاي ،وسيبتاعوف األواني الزجاجية ألف أكثر مايفتف الناس ىو الجماؿ .
أخذ التاجر يطمب رأي مستخدمو دوف أف يجيب بشيء لكف في ذلؾ المساء بالذات ،وبعد أف أدى
صواتو ،وأغمؽ مخزنو ،جمس عمى الرصيؼ ،ثـ دعاه إلى تدخيف النرجيمة ،ىذا الغميوف الغريب
الذي يد ّخنو العرب !
ٍ
شيء أنت تجري؟ سأؿ تاجر الزجاج العجوز .
-وراء أي
-كنت قد أخبرتؾ أنني بحاجة إلى تعويض أغنامي ،ومف أجؿ ىذا يمزمني الماؿ .
وضع الرجؿ جمرات جديدة في النرجيمة وأخذ نفَساً طويبلً .
الجيد مف الرديء ،واعرؼ بعمؽ
مرت عمى إدارتي ىذا المخزف ،فإنا أعرؼ الرجاج ّ
ثبلثوف عاماً ّخصوصيات ىذه التجارة كمّيا ،فأنا معتاد عمى مخزني ،وعمى حجمو ،وعمى زبائني ،ولو شرعت
أىمية أكثر فأكثر ،وسيتوجب عمي أف
في بيع الشاي بأقداح مف الكريستاؿ ،فإف
القضية ستزداد ّ
ّ
أغير طريقتي في الحياة .
-ألف يكوف في ىذا شيء حسف ؟
-أنا معتاد عمى نمط حياتي ،فقبؿ مجيئؾ كنت أفكر بأنني قد أضعت وقتي بالمكاف نفسو ،بينما
غيروا أعماليـ ،فبعضيـ خسر ،وبعضيـ مف ازدىر عممو ،وىذا
أصدقائي كميـ ،عمى العكس ،قد ّ
ماجعمني أغرؽ في الغـ ،وأنا أعرؼ أف األمر لـ يكف فعبلً ىكذا،
-فقد أصبح مخزني بالمستوى الذي كنت أتمناه دائماً ،وال أريد التغيير ألنني ال أعرؼ كيؼ أتغير،
أصبحت منسجماً مع نفسي .
وقد
ُ
ٍ
عندئذ أردؼ العجوز :
لـ يكف الشاب يعرؼ مايقوؿ،
كنت بالنسبة لي بركة وىا أنذا اليوـ أفيـ شيئاً :أف أية نعمة تُرفض يمكف أف تنمقب إلى
لقد َنقمة ،فأنا ال أنتظر بعد شيئاً مف الحياة ،وأنت ،أنت تجبرني عمى استشفاؼ ثروات ،وآفاؽ لـ
تخطر عمى بالي ،وقد عرفتيا اآلف ،وعرفت إمكانياتي البلمحدودة ،وسأتألـ كثي ارً ألنني لـ أكف
ىكذا مف قبؿ ،ألنني أدرؾ اآلف إنني أستطيع امتبلؾ كؿ شيء ،لكنني ال أريد ذلؾ .
-لحسف الحظ أنني لـ أكف قد قمت شيئاً لبائع البوشار ػ قاؿ الشاب في نفسو .
تابع اإلثناف تدخيف النرجيمة والتحدث بالمغة العربية ،بيمكا كانت الشمس تميؿ لمغروب ...
كاف الشاب مسرو ارً ألنو يتكمـ العربيو فمنذ عيد بعيد اعتقد أف نعاجو تستطيع تعميمو كؿ شيء،
لكنيا كانت عاجزة عف تعميمو المغة العربية .
ىناؾ أشياء أخرى في العالـ ال تُحسف النعاج تعميميا لئلنساف ،ف ّكر وىو ينظر لمتاجر دوف أفيقوؿ شيئاً ،ىذا ألنيا التبحث عف أي شيء آخر غير الماء والكؤل ،أظف أنيا ليست ىي التي
تعمـ ،وانما انا مف يتعمـ .
" -مكتوب " ػ قاؿ التاجر أخي ارً .
-ماذا يعني ىذا؟
-كاف يجب أف تولد عربياً كي تفيـ ذلؾ ،لكف يمكف أف تكوف الترجمة شيء مف ىذا القبيؿ " :ىو
يقدـ لمزبائف
شيء قد ُكتب عمينا" ،وبينما كاف ُيطفي جمرات النرجيمة قاؿ لمشاب إنو يستطيع أف ّ
الشاء في أقداح مف الزجاج،
في بعض األحياف ،يستحيؿ عمى المرء أف يسيطر عمى مجرى الحياة .
×××
صار الناس يتسمّقوف الطريؽ المنحدرة ،وكانوا يشعروف بالتعب لدى وصوليـ أعبلىا .
لمزجاجيات الجميمة ،وشاء بالنعناع يُشرب كمرطب لذيذ،
في عمية ذلؾ المنحدة كاف ىناؾ متجر
ّ
زجاجية رائعة .
يقدـ ليـ في كؤوس
كاف الناس يدخموف لتناوؿ الشاس الذي ّ
ّ
-لـ تخطر بباؿ زوجتي إطبلقاً ىذه الفكرة ػ قاؿ رجؿ وقد اشترى بضع أكواب زجاجية ،فقد كاف
لديو زوار في ذلؾ المساء ،وسوؼ يُفتنوف بروعة ىذه األكواب ،زبوف آخر أ ّكد مف جيتو أف
زجاجية ،فيي تحافظ عمى طيب نكيتو ،فشرب الشاي
قدـ بكؤوس
الشاي سيكوف أفضؿ عندما ُي ّ
ّ
زجاجية واحد مف تقاليد الشرؽ بسبب مغرياتو السحرية .
بكؤوس
ّ
يتقصدوف الصعود حتى قمة المنحدر،
وفي وقت قصير انتشر الحبر بيف الناس ،وبدأ الكثير منيـ
ّ
تقدـ الشاي في
ليتعرفوا عمى المتجدر الذي د ّ
شف ىذا التجديد لتجارة مندثرة ،وافتتحت متاجر آخرى ّ
ّ
كؤوس مف الزجاج ،لكف موقعيا لـ يكف في عالية طريؽ منحدرة ،األمر الذي لـ يجمب ليا الزبائف
اضطر التاجر إلى تشغيؿ عامميف جديديف ،وقد توجب عميو أف يستورد باالضافة
بسرعة كبيرة و ّ
كميات كبيرة مف الشاي كي تفي بحاجة االستيبلؾ المتزايد يوماً إثر يوـ ،مف ِقبؿ
إلى
الزجاجيات ّ
ّ
طشيف لؤلشياء الجديدة .
الناس والرجاؿ المتع ّ
مرت أشير ستة .
وىكذا ّ
×××
مرت عميو منذ أف وطئت قدميو
أفاؽ الشاب قبؿ طموع السمي ،أحد عشر شي ارً وتسعة أياـ قد ّ
إفريقية لممرة األولى .
لبس البدلة العربية المصنوعة مف الكتّاف األبيض ،لقد اشتراىا خصيصاً مف أجؿ ىذا اليوـ .غطّى
رأسو بعمامة مثبتاً ّإياىا بعقاؿ مصنوع مف جمد الجمؿ ،وأخي ارً انتعؿ صندالً جديداً ،ونزؿ بيدوء .
مكوف مف خبز وسمسـ ،وشرب الشاي الساخف
تزود بفطور خفيؼ ّ
كانت المدينة ماتزاؿ غافيةّ ،
زجاجية ،ثـ جمس عمى عتبة المخزف وأخذ يد ّخف النرجيمة وحده .
في كأف
ّ
المستمرة التي كانت تصفر
د ّخف بصمت ،دوف أف يف ّكر بشيء ،دوف أف يسمع إال وشوشة الريح
ّ
حاممة معيا رائحة الصحراء ،ثـ عندما انيى تناوؿ الشاي ،وضع يده داخؿ واحدة مف جيوبو،
جيد مف الماؿ يمكف أف يشتري لو مائة
وظ ّؿ لمحظات يتأمؿ ماكاف قد سحبو منيا ،إنو مبمغٌ ّ
وعشريف غنمة ،مع بطاقة عودتو ورخصة استيراد وتصدير مف بمده والبمد الذي يقيـ فيو في
الوقت الحاضر .
انتظر بفارغ الصبر استيقاظ التاجر العجوز مف نومو ،قـ جاء لفتح المخزف .وىكذا سيتناوال
سوية ىذا الصباح .
الشاي ّ
في ىذا اليوـ سأنصرؼ ػ قاؿ الشاب ػ فقد صار لدي الماؿ البلزـ لشراء أغنامي ،وأنت أيضاًلديؾ مايكفي كي تذىب إلى م ّكة .
لـ يقؿ التاجر العجوز شيئاً .
ألح الشاب ػ ساعدتني كثي ارً .
أطمب مباركتؾ ػ ّتابع العجوز تحضير الشاي بصمت ،وبعد ألي استدار نحو الشاب وقاؿ :
جيداً مثمما أنت
-أنا فخور بؾ ،لقد أنعشت مخزني ،ولكنني لف أذىب إلى مكف ،أنت تعرؼ ذلؾ ّ
عمى يقيف بأنؾ لف تشتري األغناـ أبداً .
-مف قاؿ لؾ ىذا؟ سأؿ الشاب مندىشاً .
الزجاجيات العجوز بكؿ بساطة :
أجاب تاجر
ّ
" -مكتوب " ،ثـ باركو .
×××
ذىب الشاب إلى غرفتو ،وجمع متاعو الذي مؤل ثبلثة أكياس ،ولحظة الرحيؿ تماماً انتبو إلى
اع ،التي كانت ماتزاؿ في إحدى زوايا الغرفة ،وىي في حالة يرثى ليا ،لقد
جعبتو العتيقة ،جعبتو كر ٍ
تناسى تماماً وجودىا ،وفي داخميا يوجد كتابو القديـ ،ومعطفو ،والذي عندما سحبو منيا ،ف ّكر أف
ٍ
عندئذ
كيدية ألوؿ ولد يمتقيو في طريو ،ثـ تدحرجف الحجراف أرضاً " أوريـ وتوميـ " فتذ ّكر
يقدمو
ّ
ّ
مر دوف أف يف ّكر في لقائو معو،
الممؾ العجوز ،وقد اندىش تماماً لدى إدراكو أف زمناً طويبلً قد ّ
بل ،خافض الرأي إلى
كمياً إلى العمؿ دوف انقطاع لكسب الماؿ الذي يج ّنبو العودة ذلي ً
فانصرافو ّ
أسبانية ،ىذا الشعور سيطر عميو ومنعو مف تذ ّكر ذلؾ .
" -التتراجع عف أحبلمؾ ،وكف متيقّظاً إلى العبلمات " ػ كاف قد قاؿ لو العجوز .
التقط أوريـ وتوميـ مف عمى األرض ،وقد تممّكو مف جديد إحساس غريب بأف الممؾ عمى مقربة
منو ،وأنو قد عمؿ بشكؿ شاؽ طيمة سنة ،وىاىي العبلمات تشير إلى أف لحظة االنطبلؽ قد
بدأت .
العربية .
أتحدث
تعممني أبداً أف ّ
ّ
سألفي نفسي عمى ماكانت عميو تماماً ػ ف ّكر ػ فالنعاج لـ ّومع ذلؾ فقد عمّمتو شيئاً ميماً آخر ،وىو أف ىناؾ لغة ما في العالـ يفيميا الجميع ،وقد
استخدميا ىو طيمة ذلؾ الوقت كي يعمؿ عمى االرتقاء بالمتجر ،إنيا لغة الحماي ،أشياء يقوـ بيا
المرء بحب وولع كي يحصؿ عمى نتيجة يأمميا أو يؤمف بيا ،لـ تعد " طنجة " بالنسبة إليو مدينة
تولد لديو شعور بأنو مثمما استطاع اكتشاؼ ىذا المكاف ،فإنو بالمثؿ يستطيع
غريبة ،فقد ّ
اكتشاؼ العالـ .
-عندما تبتغي شيئاً بالفعؿ ،فإف العالـ بأسره يسعى ليسمح لؾ تحقيؽ مبتغاؾ ،كاف قد قاؿ الممؾ
العجوز .
لكف الممؾ العجوز لـ يتكمّـ عف لصوص الصحراء الشاسعة ،وال عف الناس ،الذيف يعرفوف
يتحدث عف االىرامات عمى أنيا كومة مف الحصى،
أحبلميـ وال يريدوف تحقيقيا ،الممؾ العجوز لـ ّ
وقد نسي أف يقوؿ أيضاً أنو عند امتبلؾ الماؿ لشراء قطيع أكبر مف ذلؾ الذي كنت تممكو مف قبؿ
فبل تتردد بشرائو .
يمبي طمبات
التقط الجعبة ،وتناوليا مع بقية األمتعة األخرى ونزؿ السمّـ .كاف التاجر العجوز ّ
زوجيف أجنبييف ،بينما زبائف أخروف يتناولوف الشاي في المخزف في أقداح مف الزجاج .بالنسبة
جيدة لنيار جديد .
ليذه الساعة مف الصباح ،كانت بداية ّ
ومف المكاف الذي نظر فيو لمتاجر ،الحظ لممرة األولى أف شعره كشعر الممؾ العجوز .ثـ تذ ّكر
ابتسامة بائع السكاكر أوؿ يوـ أفاؽ فيو " طنجة " حيث لـ يكف لديو أية فكرة أيف يذىب ،ولـ يكف
لديو مايؤكؿ ،فقط تمؾ االبتسامة التي استدعت في خاطره ذكرى الممؾ العجوز .
مر مف ىنا وترؾ بصمة ػ ف ّكر الشاب ،ربما كا واحد مف ىؤالء األشخاص سنحت لو
-إنو قد ّ
فرصة التعرؼ عمى الممؾ في لحظة أو أخرى مف حياتو ،لقد قاؿ في الحقيقة أنو يظير دائماً لمف
يعيش أسطورتو الشخصية .
الزجاجيات فيو اليريد أف يبكي :كاف باالمكاف رؤيتو في ىذا الوضع،
رحؿ دوف أف يودع تاجر
ّ
سيتحسر عمى تمؾ الحقبة وعمى كؿ األشياء الحسنة التي تعمّميا .
لكنو
ّ
وازدادت ثقتو بنفسو وأحس برغبة عارمة في اكتشاؼ العالـ .
جيداً مف قبؿ ألرعى أغنامي مف جديد .
-لكنني ذاىب باتجاه الريؼ الذي أعرفو ّ
لـ يعد مقتنعاً بقراره ،إذ أنو عمؿ سنة بكامميا مف أجؿ تحقيؽ حمـ ،صار مع مرور الوقت يفقد
المحصمة حممو .
أىميتو شيئاً فشيئاً ،ربما ألنو لـ يكف في
ّ
ّ
الزجاجيات الذي قرر عدـ السفر
مف يعمـ؟ في نياية األمر ،أليس مف األفضؿ أف نكوف كتاجرّ
مطمقاً إلى مكة والعيش مع رغبة السفر إلييا؟ لكنو تناوؿ "أوريـ وتوميـ" ،ىاتاف الحجراف المتاف
حدث نفسو ،فإنو دخؿ
تمدانو بقوة وارادة ذلؾ الممؾ العجوز ،ولعمّو بفعؿ مصادفة أو عبلمو ػ ّ
كانتا ّ
المقيى الذي دخمو في اليوـ األوؿ ،سارقو لـ يكف ىناؾ ،أما صاحب المقيى ،فقد أحضر إليو
كوباً مف الشاي .
حدث نفسو ،فقد تعمّمت العناية باالغناـ ،وىذا ماال أنساه أبداً،
بمقدوري دائماً أف أعود راعياً ػ ّلكف ربما ،لف تتوفر لي بعد فرصة أخرى لمذىاب إلى أىرامات مصر ،فالرجؿ العجوز كاف يمتمؾ
عمى قبلدة مف ذىب ،وكاف يعرؼ قصتي ،إنو ممؾ حقيقي ،ممؾ ِ
عالـ .
فيو عمى بعد أقؿ مف ساعتي سفر بالقارب مف سيوؿ األندلس ،لكف بينو وبيف االىرامات ىناؾ
صحراء شاسعة .
تصور الموقؼ كما يمي :أنو اآلف عمى بعد ساعتيف مف كنزه ،لكف حتى
لقد فيـ أنو يمكف أيضاً ّ
ىذه المسافة التي ال تستغرؽ أكثر مف ساعتيف مف السفر قد كمّفتو تكريس سنة كاممة مف العمؿ .
-إنني أعرؼ جيداً لماذا أريد العودة إلى اغنامي ،ألنني أعرؼ أنيا ال تتطمب كثي ارً مف العمؿ ،وأف
المرء يستطيع أف يحبيا ،لكف ال أعرؼ إف كانت يمكف لمصحراء أف تُحب ،عمماً بأف الصحراء ىي
التي تحتوي عمى كنزي ،واذا لـ أستطع إيجاده فبإمكاني الرجوع إلى بمدي ،ومع ذلؾ فإف الحياة قد
أعطتني فجأة الماؿ الكافي ،ولدي كؿ الوقت الذي أحتاجو ،فمماذا أحجـ إذف؟
في ىذه المحظة عاوده شعور عارـ بالغبطة ،فيو يستطيع أف يعود راعياً ،ويستطيع أف يعود بائع
زجاجية ،وربما يخفي العالـ كثي ارً مف الكنوز األخرى ،لك ّنو حمـ بحمـ تكرر ،والتقى ممكاً ،وىذا
أواف
ّ
ال يحصؿ لكؿ الناس .
كاف مسرو ارً لمغاية عندما خرج مف المقيى ،فقد تذكر أحد ممولي التاجر بالبضائع ،والذي كاف
يحمؿ إليو أوانيو الزجاجية بواسطة القوافؿ التجارية العابرة لمصحراء .
احتفظ بأوريـ وتوميـ بيف يديو ،فبسبب ىاتيف الحجريف ىاىو يعود إلى الدرب التي تؤدي بو إلى
كنزه .
-إنني دائماً مع ىؤالء الذيف يعيشوف أسطورتيـ الشخصية .كاف قد قاؿ الممؾ العجوز .
ولـ يفتو الذىاب حتى المرفأ ،ليعمـ إف كانت األخرامات بعيدة فعبلً .
×××
كاف االنكميزي جالساً في مدخؿ مبنى تصدر منو رائحة الدواب والعرؼ والغبار ،وكأنو ليس بمرفأ
وانما حظيرة لمماشية .
حدث االنكميزي نفسو وىو يتسمّى بتقميب مجمة
ألمر عمى مكاف كيذا ػ ّ
أمضي ج ّؿ ىذه األياـ ّكيميائة ػ عشر أعواـ مف الدراسة كي أنتيي إلى حظيرة ماشية !
كرست في البحث عف
كاف عميو أف يتابع طريقو وأف يؤمف بالعبلمات ،فكؿ حياتو ودراساتو قد ّ
المغة الفريدة ،التي يتحدث بيا الكوف ،في البداية كاف قد اىتـ باالسبرانتو ،ثـ باألدياف ،ولينتيي
بالخيمياء ،لقد أجاد التكمّـ بمغة االسبرانتو وانسجـ تماماً مع مختمؼ األدياف ،لك ّنو لـ يصبح
خيميائياً بعد ،وقد نجح دوف شؾ بتحميؿ أشياء ىامة ،لكف أبحاثو وصمت إلى مرحمة لـ يعد
يستطيع تجاوزىا .
حاوؿ إقامة عبلقة مع أحد الخيميائييف ،ال عمى التعييف ،فالخيميائيوف شخصيات غريبة ال
يف ّكروف إال بأنفسيـ ،ويمتنعوف في أكثر األحياف عف تقديـ مساعدتيـ ،مف يعمـ إف كانوا لـ
يكتشفوا بعد سر االنجاز العظيـ ،وبعبارة أخرى " ،حجر الفبلسفة " ،وليذا السبب يتغمّقوف عمى
أنفسيـ بصمت .
لقد أنفؽ جزءاً مف الثروة التي تركيا لو والده باحثاً دوف جدوى عف حجر الفبلسفة ،وتردد عمى
أكبر مكتبات العالـ ،واشتري أىـ وأندر الكتب المتعمّقة بالخيمياء ،ففي إحداىا كاف قد اكتشؼ أف
خيميائياً عربياً زار أوروبا منذ سنوات عديدة ،قيؿ أف عمره أكثر مف مائتي عاماً وأنو اكتشؼ
حجر الفبلسفة ،واكسير الحياة .لقد أثّرت ىذه القصة باالنكميزي كثي ارً ،وكاف يمكف ليذه الرواية أف
مجرد أسطورة مف بيف سائر األساطير الكثيرة ،لوال أف واحداً مف أصدقائو العائديف مف رحمة
تبقى ّ
حدثو عف أعرابي يممؾ قدرات خارقة .
أثرية في الصحراء كاف قد ّ
الفيوـ " ػ كاف قد قاؿ لو ػ والناس يرووف أف عمره مائتي عاماً ،ويستطيع
إنو يعيش في واحة " ّ
تحويؿ أي معدف إلى ذىب ،عندىا عرؼ االنكميزي الذي أثارتو القصة انفعا ًال ببل حدود ،فألغى في
الحؿ كافة التزاماتو السابقة ،وجمع أىـ كتبو واآلف ىاىو ذا ىنا في ىذا المرفأ المشابو لحظيرة
الماشية .
وفي ىذه األثناء كانت قافمة تجارية كبيرة عمى أىبة االستعداد لبلنطبلؽ الجتياز الصحراء .وكانت
ىذه القافمة ستمر في طريقيا إلى الفيوـ .
-البد لي مف أف ألتقي ىذا الخيميائي المعيف ػ ف ّكر اإلنكميزي .
وأصبحت رائحة الحيوانات محتممة بعض الشيء .
وحياه .
دخؿ شاب عربي يحمؿ أمتعتو أيضاً إلى المبنى الذي يحؿ فيو االنكميزي ّ
-أيف تذىب؟ سأؿ العربي .
أجاب االنكميزي :
-إلى الصحراء ،وعاد إلى قراءتو ،لـ تكف لديو الرغبة في المحادثة حينذاؾ ،إذ كاف بحاجة
سيخضعو بالتأكيد لنوع مف
لمراجعة ماكاف قد تعمّمو خبلؿ تمؾ السنوات العشرة ،ألف الخيميائي ُ
االختبار .
تناوؿ الفتى العربي كتاباً أيضاً وأخذ يق أر بدوره ،لقد كتب الكتاب بالمغة األسبانية ػ يالمحظ ػ ف ّكر
لفيوـ ،فسوؼ
االنكميزي ،فيو يجيد األسبانية أكثر مف العربية ،واف كاف ىذا الفتى سيذىب إلى ا ّ
يتحدث معو عندما الينيمؾ بأشياء ذات قيمة .
×××
-ىذا مضحؾ ،عمى أية حاؿ ػ ف ّكر الشاب بينما كاف يحاوؿ قراءة مشاىد الدفف الذي بدأت بو
القصة .
سنتاف مرتا عمى بداية قراءتي ليذا الكتاب ،وحتى اآلف لـ أتوصؿ إلى تجاوز أكثر مف بضع
صفحات منو ،لـ يستطع التركيز ،فيو مازاؿ متردداً في القرار الذي عميو اتخاذه ،لكنو يدرؾ اآلف
أف األمر ىاماً ،وىو أف الق اررات التمثّؿ إال البداية ،فعندما يتّخذ أي انساف ق ار ارً فإنو ينجرؼ في
الحقيقة ضمف تيار عنيؼ يحممو نحو مصير لـ يكف قد استشفو مطمقاً .حتى في الحمـ ،في
المحظة التي اتخذ فييا القرار .
-عندما اخترت الرحيؿ بحثاً عف كنزي ،فإنني لـ أكف اتصور أبداً أنني سأعمؿ في متجر
الزجاجيات ػ ف ّكر في نفسو ليؤكد استنتاجو ػ وبالطريقة نفسيا ،فإنو يمكف ليذه القافة أف تنسجـ
ّ
مع قرار اتخذتو ،لكف مسيرتيا ستبقى دائماً غامضة .
في قبالتو ،أوروبي يق أر كتاباً أيضاً ،إنو سمج ،فقد نظر إليو باحتقار لدى دخموه ،كاف مف الممكف
أف يكونا صديقيف حميميف ،لكف األوروبي قطع الطريؽ في الحاؿ ،أغمؽ الشاب كتابو ولـ يرد أف
يتصرؼ بأي شيء يبدو فيو مشابياً ليذا األوروبي ،تناوؿ مف جيبو " أوريـ وتوميـ " وأخذ يمعب
ّ
بالحجريف .
فجأة أطمؽ الغريب صرخة :
-أوريـ وتوميـ !
وبأقصى سرعة أعاد الشاب الحجريف إلى جيبو .-ليستا لمبيع .
قيماً ػ قاؿ االنكميزي ،إنما بمّورات صخرية ليس إال ،فيناؾ مبلييف البمّورات
-إنيما ال تش ّكبلف شيئاً ّ
الصخرية عمى األرض ،ولكف بالنسبة ليا إنيا أريـ وتوميـ ،لـ أكف أعرؼ أنيما موجودتاف في
ىذه البقعة مف العالـ .
قدميما لي ممؾ كيدية ػ قاؿ الشاب .
لقد ّمكث الغريب مطرؽ الرأس ثـ غرز يديو في جيبو وأخرج منيا وىو يرتجؼ حجريف مماثمتيف .
-لقد تحدثت عف ممؾ ؟ !
لكنؾ ال تعتقد بأف ممكاً يستطيع التحدث إلى ر ٍاع ػ أجاب الشاب راغباً ىذه المرة أف يضع حداً
لمحديث .
-بالعكس تماماً ،إف الرعاة أوؿ مف رد االعتبار لممؾ رفض بقية الناس االعتراؼ بو ،وليس مف
الغرابة أف يتحدث المموؾ إلى الرعاة .
ثـ أضاؼ خشية أف يستعصي الفيـ عمى الراعي :
-لقد ورد ىذا في التوراة ،فيو الكتاب ،الذي عممني كيؼ أصنع ىاتيف الحجريف ،كانتا األداة
الوحيدة لمتنبؤ الذي يبيحو اهلل ،واألساقفة يحممونيا ضمف قبلدة ذىبية .
أحس الشاب بالسعادة لوجوده في ىذا المكاف .
ربما في ىذا عبلمة ػ قاؿ االنكميزي ،كما لو كاف يف ّكر بصوت ٍعاؿ .
حدثؾ عف العبلمات؟ قاؿ الشاب الذي كاف اىتمامو يزداد شيئاً فشيئاً .
-مف ّ
-كؿ شيء في الحياة عبلمة ػ قاؿ االنكميزي الذي أغمؽ اآلف المجمة التي يقرأىاػ لقد صنع الكوف
بمغة يستطيع العالـ فيميا ،لكف األنساف نسييا ،وأنا أبحث ،مف بيف أشياء أخرى ،عف ىذه المغة
بل يعرؼ ىذه المغة الكونية .إنو خيميائي .
عمي أف ألتقي رج ً
الكونية ،وليذا أنا ىناّ ،
لكف المحادثة قط قطعت مف ِقبؿ مسؤوؿ المرفأ :
الفيوـ بعد ظير ىذا اليوـ .
ستنطمؽ قافمة ّ-لكنني ذاىب إلى مصر ػ قاؿ الشاب .
الفيوـ في مصر ػ أجاب الرجؿ الضخـ ،وأنت تبدو لي كعربي غريب .
ّ-إنني إسباني .
سر االنكميزي بذلؾ ،حتى لو ارتدى الشاب الزي العربي ،فيو عمى األقؿ أوروبي .
َّ
-إنو يسمى العبلمات بالحظ ػ قاؿ االنكميزي لدى خروج اآلخر ػ ولو كنت استطيع أل لّفت موسوعة
ضخمة بخصوص كممتي حظ ومصادفة ،فبياتيف الكممتيف كتبت المغة الكونية .
ثـ تابعا الحديث ،وقد قاؿ لو االنكميزي بأنو ليس مف قبيؿ المصادفة أف يكوف التقاه وىو يمسؾ
بأوريـ وتوميـ ،وسألو إف كاف ىو أيضاً يمضي لمبحث عف الخيميائي .
-انا أمضي لمبحث عف كنز ػ اجاب الشاب ،وقد ندـ عمى ذلؾ حاالً .
لتوه ،ثـ قاؿ :
لكف األنكميزي لـ يعمّؽ أية ّ
أىمية عمى ماقالو الشاب ّ
-بشكؿ أو بآخر أنا أيضاً .
-إنني ال أعرؼ ماتكوف الخيمياء ػ أجاب الشاب في المحظة التي ناداىما فييا رئيس المرفأ في
الخارج .
×××
-أنا رئيس القافمة ػ قاؿ رجؿ ذو لحية طويمة وعينيف سوداويف ػ واف حياة أو موت ىؤالء الذيف
أقودىـ منوط بي ،ألف الصحراء امرأة متقمّبة األىواء ،فيي تجعؿ الرجاؿ مجانيف أحياناً .
كانت القافمة تضـ مايقارب المائتي شخصاً ،وكثي ارً مف الحيوانات :جماالً ،خيوالً ،بغاالً ،وطيو ارً.
والى جانب الرجاؿ الذيف كاف بعضيـ يحمؿ سيفاً في حزامو ،أو بندقية عمى كتفو كاف ىناؾ نسوة
وأطفاؿ ،كاف في حوزة األنكميزي عدة حقائب سفر ،مميئة بالكتبة ،جمبة كبيرة كانت تييمف عمى
الساحة ،وقد توجب عمى الرئيس أف يكرر خطابو عدة مرات كي يفيمو الجميع .
-يوجد ىنا أنواع مختمفة مف الناس ،في قموبيـ مختمؼ أنواع اآللية ،أما أنا فإليي الوحيد ىو
اهلل ،وأقسـ باهلل أنني سأفعؿ مابوسعي ،وسأبذؿ قصارى جيدي كي أقير الصحراء ثانية ،لكنني
أريد أف يقسـ كؿ منكـ باإللو الذي يؤمف بو مف أعماؽ قمبو ،بأف يمتثؿ لقيادتي في كؿ الظروؼ،
التمرد في الصحراء يعني الموت .
ألف ّ
يصـ اآلذاف مف الحشد الذي أخذ كؿ فرد مف أفراده يقسـ متخذاً إليو شاىداً لقسمو .
ارتفع ضجيج ّ
أقسـ الشاب بالسيد المسيح ،أما اإلنكميزي فقد احتفظ بصمتو ،وقد استمرت التمتمة وقتاً يتجاوز
أداء القسـ ،فقد كاف الناس يرجوف عناية السماء أيضاً .
انطمؽ رنيف بوؽ يؤذف باالنطبلؽ ،وامتطى كؿ واحد سرج دابتو .اإلنكميزي والشاب كانا قد اشتريا
عبر الشاب عف شفقتو عمى مطية
جمميف ،وواجيا صعوبة بارتقاء ظيري مطيتييما ،وقد ّ
المحممة بأكياس ثقيمة مميئة بالكتب .
االنكميزي
ّ
-ليس ىناؾ مصادفات ػ قاؿ االنكميزي محاو ًال متابعة المحادثة التي بدأت في المرفأ ػ إنو واحد مف
أصدقائي مف دفعي إلى المجيء إلى ىناؾ ألنو كاف يعرؼ عربياً يػ ...
لكف القافمة انطمقت وصار مف المستحيؿ أف يسمع ماكاف يرويو ،لكف الشاب فيـ في الحاؿ ماكاف
يرمي إليو ،فيذه السمسمة الغامضة التي تربط شيئاً بآخر والتي قادتو ليصبح راعياً ،وأف يحمـ
مرات عديدة بالحمـ نفسو ،والى تواجده في مدينة قريبة مف إفريقية ،وأف يمتقي ممكاً في ساحة،
الزجاجيات و ...
وليتعرؼ عمى تاجر
وليسرؽ،
ّ
ُ
ّ
الشخصية دافعاً حقيقياً لمحياة ػ استنتج
كمّما اقتربنا مف تحقيؽ أحبلمنا ،أصبحت األسطورةّ
محدثاً نفسو .
الشاب ّ
يجدوف في المسير في الصباح ويتوقفوف
اتّخذت القافمة في سيرىا وجية المشرؽ ،فكانوا ّ
لئلستراحة عندما تصبح الشمس حارقة ،ثـ يواصموف السفر عندما تبدأ باالنخفاض ،لـ يكف
الشاب يتكمّـ كثي ارً مع االنكميزي ،الذي كاف يمضي معظـ وقتو غارقاً في كتبو .
بدأ يرقب بصمت مسير الحيوانات والناس عبر الصحراء ،حيث صار كؿ شيء مختمفاً عما كاف
عمت الفوضى ،وعبل الصراخ ،وبكاء االطفاؿ ،وحمحمة
عميو يوـ االنطبلؽ ،ففي ذلؾ اليوـ ّ
الدواب ،وفي وسط ىذه المعمعة كاف ىناؾ أوامر االدالء والتجار المجوجة .
أما في الصحراء ،فمـ يكف ىناؾ سوى الريح األ ز ّلية ،والصمت الذي ال يبدده إال وقع حوافر
يتحدثوا فيما بينيـ إطبلقاً .
الدواب ،حتى األدالء لـ ّ
الجمالة ذات مساء ػ لكف الصحراء
لقد اجتزت مرات عديدة امتدادات مف الرماؿ كيذه ػ قاؿ أحد ّويجبر عمى أف يموذ بالصمت .
واسعة واآلفاؽ بعيدة بحيث يشعر اإلنساف بأنو صغير جداً أمامياُ ،
الجماؿ قولو عمى الرغـ مف أنو لـ يكف قد طرؽ الصحراء مف قبؿ ،ولكف
فيـ الشاب ماكاف يريد ّ
في كؿ مرة كاف ينظر فييا إلى البحر أو النار ،كاف بمقدوره أف يقضي ساعات عديدة دوف أف
ينطؽ بكممة ،غارقاً في قمب البعد اليائؿ والقدرة العجيبة ليذه العناصر .
الزجاجيات ،أستطيع أيضاً أف أتعمـ مف
لقد تتممذت مف معاشرة أغنامي ،وتعمّمت وأنا أبيعّ
الصحراء ،فيي تبدو لي أكثر شيخوخة وأكثر حكمة .
كانت الريح نفسيا في " طريفو " عندما كاف جالساً عمى األسوار ،ربما تداعب ىذه الريح صوؼ
نعاجو اآلف ،وىي تطوؼ أرياؼ األندلس سعياً وراء الماء والكؤل .
-لـ تعد أغنامي ػ قاؿ لنفسو دوف أف يشعر بحنيف حقيقي إلى مسقط رأسو ػ ولعمّيا تعودت عمى
اع آخر ونسيتني بالتأكيد ،فالوضع أفضؿ فكذا ،فمف اعتاد عمى الترحاؿ ،كاألغناـ يعرؼ أنو ال بد
رٍ
أف يأتي وقت يكوف فيو الرحيؿ أم ارً المفر منو .
تذ ّكر مف ذلؾ ابنة التاجر ،وشعر كأنو متأكد مف انيا قد تزوجت ،ربما مف بائع بوشار ،أو مف
راع يجيد القراءة ،يقص عمييا عجائب الحكايات فيو ليس الوحيد الذي يستطيع أف يفعؿ ذلؾ،
لكف ىنا االحساس الباطني ولّد عنده شيئاً مف االضطراب :ىؿ كاف يتعمّـ بدوره ىذه المغة الكونية
الشييرة التي تعرؼ ماضي وحاضر الناس قاطبة؟ إنيا ىواجس ػ كانت أمو تقوؿ ذلؾ باستمرار .
وقد بدأ يدرؾ أف ىذه األحاسيس عبارة عف غطسات سريعة لمروح في التيار الكوني لمحياة ،والذي
في رحمو تاريخ كؿ الناس م ِ
تحد بتاريخ واحد :بطريقة نتم ّكف معيا أف نعرؼ كؿ شيء ،ألف كؿ
ُ
شيء مكتوب .
الزجاجيات .
" -مكتوب " ػ قاؿ وىو يف ّكر بتاجر
ّ
فمما كانت القافمة تصؿ أما حجر كبير كانت تمؼ حوليا ،واف
كانت الصحراء مف رمؿ ومف حجارةّ ،
كانت كتمة صخرية فإنيا كانت ترسـ لتجاوزىا منعطفاً واسعاً ،وعندما يكوف الرمؿ ناعماً جداً
بالنسبة لخؼ الجماؿ ،فقد كانوا يبحثوف عف ممر يكوف فيو الرمؿ أكثر مقاومة ،وأحياناً تكوف
األرض مغطاة بالممح وذلؾ في موقع بحيرة قديمة ،وعندما كانت الحيوانات تعاني مف التعب ،كاف
الجمالة ينزلوف األحماؿ عف ظيورىا ويساعدونيا بحمؿ االمتعة عمى ظيورىـ ،وىكذا كانوا يعبوف
ّ
المرر الصعب ،ثـ يعيدوف تمؾ األمتعة مف جديد إلى ظيور الدواب ،واذا مرض أو مات أحد
األدالّء ،فإنيـ كانوا يقترعوف ليختاروا بديبلً عنو .
لـ يكف لكؿ ىذا إال سبب واحد :فقياـ القافمة بكؿ ىذه األنعطافات ال ييـ كثي ارً ،طالما أف القافمة
تيمـ شطر ىدؼ واحد .
وبعد أف تغمّبت عمى كؿ العقبات لمحت أماىا النجـ الذي كانت تيتدي بو إلى الوجية التي توجد
فييا الواحة ،وعندما رأى الناس أماميـ عند الفجر بريؽ ىذا النجـ في السماء أدركوا أنو يدلّيـ
عمى مكاف فيو الماء والنساء والنخيؿ والتمر .
كاف االنكميزي الشخص الوحيد الذي لـ يبلحظ البتة شيئاً مف كؿ ىذا ،لقد كاف منيمكاً بقراءة
كتبو .
والشاب أيضاً كاف معو كتاب ،وقد حاوؿ قراءتو منذ األياـ األولى مف السفر ولكنو وجد في مراقبة
القافمة واالصغاء إلى الريح أم ارً أىـ مف القراءة بكثير .
فمنذ أف تآلؼ مع جممو ،وتعمّؽ بو ،ألقى كتابو ،واستراح مف عبئو ،ومع ذلؾ فإنو في كؿ مرة كاف
أىمية .
يتخيؿ أنو سيمقى أحداً ذا ّ
يفتح فييا ىذا الكتاب كاف ّ
الجماؿ الذي كاف يتواجد باستمرار إلى جانبو ،وعند استراحة
صداقة وثيقة قامت بينو وبيف ّ
المساء ،أثناء السيرة حوؿ النار ،كاف يروي لو مغامراتو عندما كاف راعياً .
يحدثو أيضاً عف حياتو ،وقاؿ لو :
الجماؿ ّ
وخبلؿ إحدى تمؾ المحادثات ،أخذ ّ
كنت أسكف في ٍبمدة قرب القاىرة ،كاف لدي بستاني ،وأطفالي ،وحياة مف الممكف أال تتغير حتى
مماتي ،وفي إحدى السنوات أعطى البستاف محصوالً أفضؿ بكثير مف المعتاد ،فسافرنا جميعاً إلى
مكة ألداء الفرض الوحيد الذي لـ أكف قد أديتو حتى ذلؾ الحيف ،فأحسست بعد ذلؾ بالطمأنينة
والراحة ،وباستعدادي لمقاء الموت بسبلـ .وفي يوـ مف األياـ أخذت األرض تيتز ،وأخذ نير النيؿ
الفائض يخرج مف مجراه ،والذي كنت أعتقد أنو لف يحصؿ إال لآلخريف ،حصؿ لي أيضاً ،خاؼ
جيراني مف فقد بساتيف الزيتوف بسبب الفيضاف ،وخافت زوجتي أف ترى األطفاؿ يغرقوف ،وخفت
أنا مف رؤية ماقد جنيتو طيمة عمري ينيار .
وبعد لحظة تابع :
-لـ يكف في اليد حيمة ،ولـ يكف ىناؾ مايمكف الحصوؿ عميو مف األرض ،فصرت مضط ارً إليجاد
جماؿ .لكنني تم ّكنت أف استجيب لكبلـ اهلل ،يجب عمى
وسيمة أخرى لمعيش ،فيا أنذا اليوـ ّ
االنساف أال يخاؼ مف المجيوؿ ،ألف كؿ انساء قادر عمى اكتساب مايريد ،وماىو ضروري لو.
فكؿ مانخشاه ىو أف نخسر مانممؾ ،سواء مايتعمّؽ بحياتنا أو بزروعنا ،لكف ىذا الخوؼ يتبلشي
عندما نفيـ اف صيرورتنا وصيرورة العالـ قد خطّتيا يد واحدة .
×××
كانت القوافؿ تتبلقى في محطة المساء ،لدى كؿ واحدة مايمزـ لؤلخرى ،كـ لو أف كؿ شيء كاف
فعبلً قد كتب بيد واحدة .
الجمالة يتبادلوف المعمومات عف العواصؼ الرممية ،ويجتمعوف حوؿ المواقد ليسردوا حكايات
كاف ّ
الصحراء ،وفي أوقات أخرى يزورىـ رجاؿ مثمثّموف ،كانوا مف البدو الذيف يراقبوف الطريؽ التي
ويقدموف المعمومات عف قطّاع الطرؽ أو عف القبائؿ المتمردة ،يصموف بصمت،
تسمكيا القوافؿّ ،
ويرحموف بصمت ممفحيف بجبلبياتيـ ذات الموف القاتـ ،ومثمثّميف بطريقة ال تظير منيا إال
عيونيـ .
الجماؿ إلى الشاب واالنكميزي المذيف كانا
وفي إحدى السيرات التي عقدت حوؿ النار ،انضـ ّ
الجماؿ :
يجمساف قرب النار ،فقاؿ ّ
-تنتشر إشاعات بأف حرباً ستقوـ بيف القبائؿ .
ظؿ الرجاؿ الثبلثة صامتيف ،الحظ الشاب األسباني أف نوعاً مف الخوؼ الغامض يسري بينيـ،
ميز لغة دوف كممات ،إنيا المغة الكونية .
عمماً بأف أحداً منيـ لـ يتفوه بكممة ،لمرة أخرى ّ
ثمة خطر .
بعد فترة مف الوقت سأؿ االنكميزي إف كاف ىناؾ ّ
الجماؿ :
أجاب ّ
-إف مف يتوغؿ في الصحراء اليستطيع العودة عمى اعقابو ،وعندما النستطيع الرجوع إلى الخمؼ،
فمف يكوف أمامنا سوى التفكير بالطريقة األفضؿ لممضي إلى األماـ ،والباقي عمى اهلل ،بما في ذلؾ
الخطر .
وختـ قولو وىو يمفظ ىذه الكممة الغامضة " :مكتوب ! "
الجماؿ ػ فيي تمؼ
عميؾ أف تعطي انتباىؾ أكثر إلى القوافؿ ػ قاؿ الشاب لبلنكميزي بعد رحيؿ ّوتدور كثي ارً ،لكنيا تتوجو دائماً نحو النقطة نفسيا .
عميؾ أف تق أر أكثر عف العالَـ ػ عمّؽ االنكميزي ػ فالكتب ىي تماماً كالقوافؿ .
وأنتَ
يتقدـ متسارعاً أكثر ،لـ يعد الصمت
ذلؾ الرتؿ الكبير مف الرجاؿ والحيوانات ،أخذ مذ ذلؾ الحيف ّ
يخيـ في النيار وحسب ،وانما بدأ يحؿ شيئاً فشيئاً في المساء أيضاً ،حتى في المحظة التي اعتاد
ّ
فييا الناس عمى الثرثرة وىـ مجتمعوف حوؿ النار ،كما أف رئيس القافمة قرر ذات يوـ عدـ إشعاؿ
ٍ
مكونة مف الحيوانات
النار لي ً
بل كي اليمفتوا االنتباه ،صار المسافروف عندئذ يناموف ضمف حمقة ّ
كي يحموا أنفسيـ مف برد الميؿ .
المخيـ .
عيف الرئيس خفراء مسمّحيف لحماية
ّ
كذلؾ ّ
وفي إحدى الميالي ،لـ يستطع االنكميزي النوـ ،فذىب إلى الشاب األسباني يثـ تمشيا معاً بيف
الكثباف القريبة ،كاف القمر بد ارً وروى الشاب لئلنكميزي كؿ شيء عف حياتو ،بدا االنكميزي ميتماً
الزجاجيات الذي ازدىر يوماً عف يوـ منذ
بشكؿ خاص لما رواه الشاب عف فترة عممو في متجر
ّ
أف بدأ الشاب يعمؿ بو .
الكمية" ،
ىنا يكمف المبدأ الذي يؤثر في كؿ شي ػ قاؿ ،ىذامايسمونو في الخيمياء بػ " النفس ّ
ّ
إيجابية
فعندما تمتمؾ الرغبة في شيء ما بك ّؿ جوارحنا نكوف أكثر قرباً مف النفس الكمّية ،إنيا لقوة
ّ
دائماً .
ثـ قاؿ أيضاً بأف ىذا ليس مف امتيازات البشر فقط :فكؿ ماىو موجود عمى سطح األرض لو روح
أيضاً سواء كاف معدناً ،او نباتاً ،أو حيواناً ،أو فكرة .
التحوؿ ،ألف األرض كائف حي وليا
وكؿ ماىو موجود تحت أو فوؽ سطح األرض ال يتوقؼ عف
ّ
روح ،ونحف جزء مف ىذه الروح التي ناد ارً ماندرؾ أنيا تعمؿ في مصمحتنا ،وحتى في متجر
الزجاجيات عميؾ أف تعمـ أف المزىريات نفسيا كانت تتعاوف لمساعدتؾ عمى النجاح .
ّ
بل القمر والرمؿ األبيض ،ثـ قاؿ أخي ارً :
احتفظ الشاب بالصمت لبعض الوقت متأم ً
-مف خبلؿ مراقبتي لمقافمة التي كانت تسير عبر الصحراء ،أدركت أنيا ىي والصحراء تتكمّماف
المغة نفسيا ،وليذا السبب سمحت ليا بعبورىا ،ولـ تتوقؼ الصحراء عف مراقبة كؿ خطوة مف
خطواتيا لتتحقؽ إف كانت عمى ائتبلؼ كامؿ معيا ،واف كاف األمر كذلؾ ،فإف القافمة ستصؿ حتى
الواحة ،ولو أف الواحد منا وعمى الرغـ مف الشجاعة التي يممكيا ،لـ يفيـ ىذه المغة ليمؾ مف
اليوـ األوؿ .
الوضاء .
ثـ تابعا معاً مراقبة القمر
ّ
-ىذا ىو سحر العبلمات ػ أردؼ الشاب ػ لقد رأيت كيؼ يق أر األدالّء عبلمات الصحراء ،وكيؼ أف
روح القافمة تتحاور مع روح الصحراء .
وبعد فترة وجيرة مف الزمف جاء دور االنكميزي في الحديث ،فقاؿ :
عمي في الواقع أف أمنح القافمة انتباىاً أكثر .
ّفأردؼ الشاب :
عمي أف أق أر كتبؾ .
وأنا ّ×××
كانت كتباً غريبة فعبلً ،إذ أنيا تتحدث عف الزئبؽ ،عف الممح ،عف التنبؤات ،عف المموؾ ،لكنو لـ
يكف ليفيـ منيا شيئاً عمى االطبلؽ ،مع ذلؾ كانت ىناؾ فكرة تُذكر دوماً في كؿ الكتب تقريباً،
تجميات لشيء واحد وفريد .
وىي أف االشياء كميا ليست إال ّ
واكتشؼ في أحد الكتب أف النص األكثر أىمية ىو عف الخيمياء ويشتمؿ عمى بضعة أسطر فقط،
زمردة بسيطة .
وكانت مكتوبة عمى ّ
الزمرد ػ قاؿ لو االنكميزي بكؿ فخر ،فقد استطاع أف يعمّـ رفيقو شيئاً .
ىذا ىو لوح ّ-ولكف لماذا ىذا العدد الكبير مف الكتب؟
-لكي أتم ّكف مف فيـ ىذه السطور القبلئؿ ػ اجاب االنكميزي دوف أف يكوف ىو نفسو مقتنعاً تماماً
بيذا الجواب .
بقية الكتب كميا ،فقد كاف يروي تاريخ مشاىير
أما الكاتب الذي أثار اىتماـ الشاب أكثر مف ّ
الخيميائييف ،لقد كانوا رجا ًال نذروا حياتيـ كميا في تنقية المعادف في مختبراتيـ .وكانوا يعتقدوف
ٍ
فعندئذ لف يبقى
نوعية،
بأنو لدى تسخيف معدف ما لسنوات وسنوات ،فإنو يتحرر مف كؿ خواصو ال ّ
الكمية ،وىذا الشيء الفريد سيم ّكف الكيميائييف مف فيـ كؿ مايوجد عمى
في مكانو إال النفس ّ
األرض ،ألنو المغة التي بفضميا كانت األشياء تتواصؿ مع بعضيا بعضاً ،ىذا ىو االكتشاؼ الذي
سموه بػ
ّ
"االنجاز العظيـ " والذي يتآلؼ مف جزء سائؿ وجزء صمب .
سأؿ الشاب :
-أال تكفي مراقبة البشر والعبلمات الكتشاؼ ىذه المغة؟
أجاب االنكميزي بانزعاج :
ىوس مفرط في تبسيط األشياء ،فالخيمياء عمؿ جاد ودؤوب ،ومف المحتّـ متابعة كؿ طور
لديؾ َمف السيرورة كما عمّميا المعمّموف .
اكتشؼ الشاب أف الجزء السائؿ مف االنجاز العظيـ ىو المادة التي كانت تدعى " إكسير الحياة
المديد " ،وىذا اإلكسير لـ يكف يشفي األمراض فحسب ،بؿ يحمي الخيميائي مف الشيخوخة أيضاً.
أما الجزء الصمب فيو ماكاف ُيدعى " حجر الفبلسفة " .
قاؿ االنكميزي :
-ليس مف السيؿ أبداً اكتشاؼ " حجر الفبلسفة " ،فالخيميائيوف كانوا يمضوف سنوات عديدة في
مختبراتيـ لمراقبة النار التي تنقّي المعادف ،وطواؿ مراقبتيـ لمنار ،كانوا يتخمّصوف مف ضمائرىـ
تطير نفوسيـ
شيئاً فشيئاً مف كؿ أباطيؿ العالـ ،إلى أف الحظوا ذات يوـ أف تنقية المعادة كانت ّ
أيضاً .
الزجاجية ألنيما
الزجاجيات الذي قاؿ أف عمييما تنظيؼ أوانييما
تذ ّكر الشاب حينذاؾ بائع
ّ
ّ
سيجداف نفسييما أيضاً قد تخمّصا مف األفكار السيئة ،ولقد اقتنع أكثر فأكثر بأنو يمكف تعمّـ
الخيمياء في الحياة اليومية أيضاً .
خاصية خارقة لممألوؼ تماماً،
باإلضافة إلى ذلؾ ػ تابع االنكميزي ػ فإف حجر الفبلسفة يمتمؾّ
ٍ
معدف بخس إلى ذىب .
كميات كبيرة مف
فيكفي جزء صغير منيا لتحويؿ ّ
انطبلقاً مف ىذا ،فإف اىتماـ الشاب بالخيمياء صار أكبر بكثير ،فقد ف ّكر بأنو بقميؿ مف الصبر
سوؼ يستطيع تحويؿ كؿ شي إلى ذىب .
لقد ق أر سير الحياة لشخصيات مختمفة ،كانوا قد وفقوا إلى ذلؾ ،ىيمفيتيوس ،إيمي ،فولكانولي،
جابر ،وكانت سيرىـ جذّابة ،فكمّيـ عاشوا أساطيرىـ الشخصية حتى النياية ،كانوا يسافروف،
يتمقوف العمماء ويصنعوف المعجزات عمى مرأى مف عيوف المشككيف ،وكانوا يممكوف حجر
الفبلسفة واكسير الحياة المديدة .
لكنو عندما كاف يريد أف يتعمّـ بدوره كيفية استخبلص ىذا االنجاز العظيـ ،فقد كاف يجد نفسو
مرمزة ونصوص غامضة .
محتا ارً ،فمـ يكف يجد في تمؾ الكتب إال رسوماً ،وتعميمات ّ
-لماذا يستعمموف لغة يصعب فيميا جداً ؟ سأؿ االنكميزي ذات مساء .
باالضافة إلى ذلؾ الحظ ػ وفي ىذه المناسبة ػ أف االنكميزي لـ يكف صافي المزاج ،كما لو انو كاف
يفتقد كتبو .
كي اليكوف ىذا مفيوماً إال مف ِقبؿ ىؤالء القمّة الذيف لدييـ المسؤولية الكافية لمقدرة عمى الفيـٍ
عندئذ وخبلؿ زمف قصير
يحولوف الرصاص إلى ذىب،
تصور لو أف كؿ الناس أخذوا ّ
_ أجابو _ ّ
جداً ،فإف الذىب سيفقد قيمتو ولف يساوي شيئاً أبداً .وحدىـ فقط أصحاب العقوؿ العنيدة مف
الباحثيف المثابريف ىـ الذيف يتوصمّوف إلى اإلنجاز العظيـ .ىذا ىو سبب وجودي في وسط
الصحراء ،وبالتحديد كي ألتقي خيميائياً حقيقياً يعينني عمى فؾ الرموز .
سأؿ الشاب :
في أي وقت ُكتبت ىذه الكتب؟منذ عدة قروف ،زفي ذلؾ الزمف لـ تكف المطبعة قد اختُرعت بعد ،فمـ يكف يتس ّنى لكؿ الناسالتوصؿ إلى معرفة الخيمياء .
ّ
-لماذا إذف ىذه المغة الغريبة؟ وكؿ ىذه الرسوـ واألشكاؿ؟
عمى الرغـ مف ىذا اإللحاح ،فإف االنكميزي لـ يجب عمى ىذا السؤاؿ ،بؿ اكتفى بأنو قاؿ أنو منذ
يتحدثوف
عدة أياـ يراقب القافمة دوف أف يكتشؼ شيئاً جديداً ،وأنو لـ يبلحظ إال شيئاً واحداً ،إنيـ ّ
أكثر فأكثر عف الحرب .
×××
أعاد الشاب الكتب إلى االنكميزي ذات يوـ .
-حسف ،ىؿ تعمّمت الكثير؟ ػ سأؿ االنكميزي بفضوؿ لجوج ،فقد كاف بحاجة إلى مف يثرثر معو
لينسى الخوؼ مف الحرب .
-تعمّمت أف لمعالـ روحاً ،وأف مف يستطيع إدراؾ ىذه الروح سيكوف مقدوره إدراؾ لغة األشياء،
الكمية
عممت أف خيميائييف عديديف قد عاشوا أساطيرىـ الشخصية ،وتوصموا إلى اكتشاؼ النفس ّ
وحجر الفبلسفة واكسير الحياة المديدة .لكنني تعمّمت عمى األخص أف ىذه األشياء عمى درجة مف
زمردة .
البساطة بحيث يمكف أف تُنقش عمى ّ
شعر االنكميزي بالخيبة لدى رؤيتو أف حصيمة سنوات الدراسة والرمزو الغامضة ،والكممات المتعذّرة
الفيـ ،وأجيزة المختبرات ،الشيء مف كؿ ىذا قد جذب انتباه الشاب .
-البد أف نفسو فظّة وغير مصقولة لتحسس ىذه األشياء ػ قاؿ في نفسو ،ثـ تناوؿ كتبو وأعادىا
إلى األكياس المعمّقة بسرج الجمؿ .
-عد إلى قافمتؾ ،ىي أيضاً لـ تعمّمني شيئاً يُذكر .
تأمؿ اتساع الصحراء الصامت والرماؿ التي تثيرىا الحيوانات في سيرىا .
عاد الشاب إلى ّ
سره ػ فنيجو ليس نيجي ،ونيجي ليس نيجو ،ولكف كؿ
لكؿ طريقتو في التعمّـ ػ كرر الشاب في ّواحد منا يسعى وراء اسطورتو الشخصية ،وليذا فإنني احترمو .
الجماؿ
صارت القافمة تسير ليبلً نيا ارً ،وفي كؿ لحظة كاف يظير ليـ الرسؿ ذوو الوجوه الممثّمة ،و ّ
شبت ،وانيـ سيكونوف محظوظيف لو
الذي غدا صديقاً لمشاب ،نبأ بأف الحرب بيف القبائؿ قد ّ
نجحوا في الوصوؿ إلى الواحة ،فمقد أنيكت الحيوانات ،والناس سادىـ الصمت أكثر فاكثر ،وأصبح
رغاء جمؿ ما يخيؼ كؿ الناس ،والذي لـ يكف سابقاً سوى جمؿ يرغي ،لع ّؿ في ذلؾ مؤشر لبدى
ٍ
ىجوـ ما ؟
الجماؿ ،اليبدو مضطرباً جداً مف خطر اندالع الحرب .
ومع ذلؾ فإف ّ
-أنا حي ػ قاؿ الشاب وىو يمتيـ حفنة مف البمح في ليمة غاب فييا القمر وخمدت النار .
-عندما آكؿ فإنني ال أفعؿ شيئاً آخر سوى األكؿ ،وعندما أمشي ،فإنني أمشي ،ىذا كؿ شيء،
ضي وال في
واذا اضطررت يوماً لمقتاؿ ،فكؿ األياـ تتساوى عند الموت ،فأنا ال أحيا في ما َّ
ييمني ،واف كنت تستطيع اف تعيش
مستقبمي ،فميس لي سوى الحاضر ألعيشو ،وىو وحده الذي ّ
فأنت إذاً رجؿ سعيد .ستدرؾ أف في الصحراء حياة ،وفي السماء نجوـ ،وأف
الحاضر دوماًَ ،
ٍ
عندئذ احتفاالً كبي ارً ألنيا
المتقاتميف يتحاربوف ألف ىذا جزٌء مف الحياة اإلنسانية ،والحياة ستصبح
تمثّؿ دائماً المحظة التي تعيشيا فقط .
بعد انتقضاء ليمتيف ،وبينما كاف الشاب عمى وشؾ النوـ ،نظر الفتى إلى السماء ،نحو النجـ الذي
كاف يرشدىـ إلى وجية سيرىـ ،تراءى لو أف األفؽ أكثر انخفاضاً بقميؿ مف المعيود ،ألف مئات
النجوـ كانت تعمو الصحراء .
الجماؿ .
-إنيا الواحة ػ قاؿ لو ّ
لماذا إذف النذىب إلييا حاالً ؟-ألننا بحاجة لمنوـ .
×××
فتح عينيو عندما كانت الشمس تنبثؽ مف األفؽ وأمامو ،ىناؾ حيث كانت النجوـ الصغيرة تتؤلأل
في الميؿ ،كاف يمتد صؼ النياية لو مف أشجار النخيؿ ويحت ّؿ كؿ اتساع الصحراء .
لتوه فرحاً .
-وصمنا إلييا ػ ىتؼ االنكميزي الذي أفاؽ ّ
ظ ّؿ الشاب صامتاً ،فقد تعمّـ الصمت مف الصحراء ،واكتفى بمشاىدة أشجار النخيؿ تنتصب أمامو،
كاف مايزاؿ عميو أف يقطع درباً طويمة كي يصؿ إلى األىرامات ،وفي يوـ ما لف يكوف ىذا الصباح
الجماؿ عنو ،وكاف يحاوؿ أف يعيش
سوى ذكرى ،أما اآلف ،إنيا لحظة الحاضر ،العيد الذي تكمّـ ّ
ىذه المخظة مع ِ
العبر التي استقاىا مف ماضيو ،واألحبلـ التي يرسميا مف أجؿ مستقبمو ،ويوماً
ما لف تكوف رؤية ىذه اآلالؼ مف أشجار النخيؿ سوى ذكرى ،لكنيا اآلف تعني بالنسبة إليو الظؿ
والماء ومبلذاً مف الحرب .
بالطريقة نفسيا التي يبدو فييا جمؿ يرغي عبلمة لمخطر ،والشيء نفسو عندما يمكف لصؼ مف
أشجار النخيؿ أف يمثّؿ معجزة .
العالـ يتكمّـ بأكثر مف لغة ػ قاؿ لنفسو .×××
عندما يتسارع مرور الزمف ،فإف القوافؿ أيضاً تَ ُغ ّذ بالمسير ػ ف ّكر الخيميائي وىو يرى مئات
األشخاص والحيوانات يصموف إلى الواحة ،وس ّكانيا الذيف يندفعوف لمقاء القادميف الجدد ،والغبار
المتصاعد الذي كاف يحجب شمس الصحراء واألطفاؿ يقفزوف مبتيجيف لدى رؤية الغرباء .
يتجمعوف مف أجؿ لقاء رئيس القافمة ،واف اجتماعيـ معو
الحظ الخيميائي أف شيوخ القبائؿ كانوا
ّ
قد طاؿ ،لكف ىذا لـ يثر اىتمامو بشيء ،لقد استطاع أف يرى مف قبؿ الكثير مف الناس يصموف
ومتسوليف
ويرحموف ،ومع ذلؾ كانت الواحة والصحراء ثابتتيف ال تتغيراف ،كاف قد رأي مموكاً،
ّ
يجوبوف ىذه المساحات المديدة والرماؿ التي يتغير شكميا بفعؿ الرياح ،لكنيا كانت ىي نفسيا
تمؾ التي عرفيا مذ كاف صغي ارً ،وعمى الرغـ مف ذلؾ فإنو لـ يكف يستطيع أف يخمد في أعماؽ
قمبو شيئاً مف ذلؾ الحبور الذي يشعر بو كؿ مسافر ،وذلؾ عندما رأى اخضرار النخيؿ يح ّؿ مح ّؿ
صفرة األرض وزرقة السماء .
-ربما قد خمؽ اهلل الصحراء كي يبتيج اإلنساف عند مشيد أشجار النخيؿ ػ ف ّكر ػ عزـ إذف أف
يف ّكر بمسائؿ أكثر عممية ،كاف يعمـ أف مع ىذه القافمة سيصؿ االنساف الذي يتوجب عميو أف
يعمّمو جزءاً مف أسراره ،أخبرتو العبلمات بذلؾ .لـ يكف يعرؼ بعد ىذا اإلنساف ،لكف عينيو
لمجرد رؤيتو ،كاف يأمؿ أف يكوف موىوباً كتمميذه السابؽ .
الخبيرتيف ستتعرفاف عميو
ّ
لست أدري لماذا ينبغي ليذه األشياء أال تُنقؿ إال بالسر فقط ػ فّكر الخيميائي ػ ىذا ليس إال ألف
ُ -
بحرية إلى كؿ المخموقات .
األمر يعني تماماً أس ار ارً حقيقية ،فاهلل قد كشؼ أسراره
ّ
توجب عمييا االنتقاؿ بيذه الطريقة،
لـ يكف يرى ليذا إال تفسي ارً واحداً ،ىو أف ىذه األشياء قد ّ
ألنيا دوف شؾ قد استخمصت مف حياة طاىرة .وأنو مف الصعب ليذا النموذج مف الحياة أف يُ َح َّد
عمى شكؿ رسوـ أو كممات ،ألف الناس يستسمموف إلغراء الرسوـ والكممات ،واخي ارً ينسوف المغة
الكونية .
×××
الفيوـ ،لـ يكف الفتى ليستطيع أف
اقتيد القادموف الجدد في الحاؿ إلى حضرة شيوخ قبائؿ واحة ّ
يصدؽ ماتراه عيناه :فبدؿ أف يرى يئ ارً محاطة ببعض أشجار النخيؿ (حسب الوصؼ الذي كاف قد
ّ
قرأه مرة في أحد كتب التاريخ ).
الحظ أف الواحة أكبر بكثير مف العديد مف قرى في إسبانية ،فيي تحتوي عمى ثبلثمائة بئ ارً،
الممونة تنتشر بيف أشجار النخيؿ .
وخمسيف ألؼ نخمة ،وعدد كبير مف الخياـ ّ
-كأننا نعيش حكاية ألؼ ليمة وليمة ػ قاؿ االنكميزي المستعجؿ لمقابمة الخيميائي .
وخبلؿ لحظات أُحيطوا بأطفاؿ ينظروف بفضوؿ إلى المطيات والجماؿ والناس القادميف ،كاف الرجاؿ
كف يتنازعف عمى االقمشة واألحجار الكريمة
يريدوف أف يستعمموا عف عبلمات معركة ،والنساء َّ
ٍ
حينئذ بدا صمت الصحراء حمماً بعيداً ،فالجيمع يتكمّموف دوف انقطاع،
التي أحضرىا الباعة،
يضحكوف ،وييزجوف ويغ ّنوف بأعمى أصواتيـ ،وكأنيـ خرجوا مف عالـ الروح ،ليجدوا أنفسيـ في
الجماؿ
عالـ البشر ،كاف الناس فرحيف وراضيف ،عمى الرغـ مف الحفظّات التي اتُخذت أمس ،فإف ّ
حيادية ،ألف معظـ مف يعيش بيا ىـ
قد شرح لمشاب أف الواحات في الصحراء ،تُعتبر دائماً أرضاً
ّ
مف األطفاؿ والنساء ،وىناؾ واحات في ىذا الجانب كما في الجانب اآلخر ،بحيث أف المتحاربيف
كانوا يذىبوف ليتعاركوا وسط رماؿ الصحراء تاركيف الواحات بسبلـ كأماكف مبلذ .
جمع رئيس القافمة كؿ أفرادىا ،ولـ يكف ىذا ليتـ بسيولة ،واعمميـ أنيـ سيحمّوف ضيوفاً لدى
وسيقدموف ليـ صدر المكاف طالما أف الحرب
س ّكاف الواحات الذيف سيستقبمونيـ في خياميـ
ّ
حراسو،
قائمة بيف العشائر ،فيذا ىو قانوف الضيافة التقميدي .ثـ طمب مف الجميع بما فييـ ّ
عينيـ رؤساء العشائر .
بتسميـ أسمحتيـ إلى الرجاؿ الذي ّ
وضح ػ فالواحة اليمكف أف تكوف مبلذاً لممتحاربيف .
-ىذه ىي قواعد الحرب ػ ّ
ولشد ما ذىؿ الفتى عندكا رأي االنكميزي يخرج مف جيبو مسدساً مطمياً بمعدف الكروف ويسمّمو
ّ
لمرجؿ المكمّؼ بجمع األسحمة .
-لماذا تحمؿ مسدساً؟ سأؿ الشاب .
لتوصمو إلى غاية ىدفو .
كي يساعدني عمى الثقة بالناس ػ أجاب االنكميزي الذي كاف سعيداًّ
مف جيتو كاف الشاب يحمـ بكنزه ،وكمّما اقترب منو أكثر بدت األمور تبدو أكثر صعوبة ،ولـ يعد
يتجمى ماسماء الممؾ العجوز " بحظ المبتدئ " ،واآلف كاف يعرؼ ذلؾ ،يبدأ البرىاف عمى اإلصرار
تعجؿ أو نفوذ صبر،
والشجاعة لمف يبحث عف أسطورتو الشخصية ،كما أف عميو أال يُظير أي ّ
كؿ ال يجازؼ بعدـ رؤية العبلمات التي وضعيا اهلل في طريقو .
-إف اهلل مف وضعيا في دربي ػ ف ّكر مندىشاً ،فيو نفسو حتى اآلف يعتبر العبلمات كشيء ينتمي
إلى العالـ ،شيء ما كاألكؿ ،أو النوـ ،كالرحيؿ بحثاً عف الحب أو عف العمؿ ،لكنو لـ يخطر ببالو
أبداً ،أف يكوف لغة يخاطب اهلل بيا عبده ليرشده إلى ماعميو أف يفعؿ .
التكف لجوجاً ػ كرر في ذىنو ػ ومثمما قاؿ الجماؿ " :كؿ عندما يحيف وقت الطعاـِ ،وسر عندما
ّ
ّ
تزؼ ساعة السير ".
في اليوـ األوؿ كاف الجميع نائميف تحت تأثير التعب ،بما فييـ اإلنكميزي ،ألفى الشاب نفسو بعيداً
في خيمة يشعميا خمسة فتياف آخريف مف أقرانو .
تحدث الشاب عف حياتو
كانوا مف سكاف الصحراء ،ويتوقوف إلى سماع قصص عف المدف الكبرىّ ،
الزجاجيات عندما تخؿ االنكميزي وقطع عميو
كراع ،وكاف أف يأتي عمى ذكر تجربتو في مخزف
ّ
ذلؾ .
بحثت عنؾ طواؿ فترة الصيؼ ػ قاؿ االنكميزي وىو يصحب رفيقو إلى الخارج ػ يجب أف
لقدُ
تساعدني عمى معرفة أيف يسكف الخيميائي .
حاوال إيجاده بوسائميما الخاصة ،فبلبد لمخيميائي أف يعيش بنمط مختمؼ عف باقي سكاف الواحة،
المحتمؿ كثي ارً وجود فرف مشتعؿ عمى الدواـ في خيمتو ،وبعد طوؿ مسير ،انتييا إلى إدراؾ
ومف ُ
يتصوراف ،وأف فييا مئات ومئات مف الخياـ .
شيء واضح وىو أف الواحة أكثر اتساعاً مما كانا
ّ
لقد أضعنا نيا ارً كامبلً ػ قاؿ االنكميزي ،وىو يجمس مع رفيقو قرب أحد آبار الواحة .-ربما كاف مف األفضؿ لو سألنا عنو ػ قاؿ الشاب .
الفيوـ ،وبدا متردداً ،لكنو وافؽ في
لـ يكف االنكميزي يرغب في أف يفصح عف سبب وجوده في ّالنياية وطمب مف الشاب الذي يفوقو في تكمّـ العربية ،أف يأخذ األمر عمى عاتقو .
ٍ
ماء وسأليا :
ّ
تقدـ الشاب عندئذ مف امرأة وصمت ّ
لتوىا كي تمؤل قربتيا ً
ياسيدتي ! ُّ
أود لو أعرؼ أيف يقيـ خيميائي يعيش في ىذه الواحة .
-مساء الخير ّ
نبيت الشاب
أجابت المرأة بأنيا لـ تسمع عمى االطبلؽ أحداً أتى عمى ذكره .لكنيا قبؿ أف ترحؿ ّ
متزوجات ،وىذا مف
إلى عدـ حقو في التوجو بالحديث إلى نساء يتّشحف بالسواد ،ألنيف نساء ّ
التقاليد التي يجب احتراميا ،ثـ انصرفت في الحاؿ .
أحس االنكميزي بخيبة أمؿ حادة ،ىكذا يكوف قد قاـ بكؿ ىذه الرحمة مف أجؿ الشيء ! رفيقو
أحس باألسؼ أيضاً ،فاالنكميزي مثمو كاف يجري وراء اسطورتو الشخصية ،وعندما يكوف المرء في
ىذا الصدد ،فإف العالـ بأسره يتضافر ليجعمو يحصؿ عمى مبتغاه ،ىكذا كاف قد قاؿ الممؾ العجوز،
واليمكف لو أف ُيخطئ .
لكنت حاولت
لـ أكف قد سمعت قط أحداً يتكمّـ عف خيميائييف أمامي ػ قاؿ الشاب ػ واال ُمساعدتؾ .
بريؽ مف األمؿ شع مف نظرة االنكميزي وىتؼ قائبلً :
-لكف ىذا مؤكد ،فربما ليس ىنا مف يعرؼ ماىو الخيميائي ...استعمـ عف الرجؿ الذي يعالج
أمراض القرية كميا .
يتحدث إلييف عمى الرغـ
عدة نساء يرتديف السواد ،جئف إلى البئر إلحضار الماء ،لكف الشاب لـ ّ
مف إلحاح االنكميزي ،أخي ارً اقترب رجؿ منيما ،فسألو الشاب :
-ىؿ تعرؼ أحداً يعالج األمراض في القرية؟
-إف اهلل ىو الذي يعالج األمراض كميا ،أجاب الرجؿ وقد بدا عميو الخوؼ مف ىذيف الغريبيف،
انتما تبحثاف عف سحرة ،أنتما اإلثنيف ! ..
ومضي في طريقو بعد أف تبل عدة آيات مف القرآف .
ظير رجؿ آخر ،كاف أكبر عم ارً مف سابقو يحمؿ دلواً صغي ارً ،فطرح الشاب عميو السؤاؿ نفسو .
-إف كاف ىناؾ وجود ليذا الرجؿ ،فيو البد أنو عمى درجة كبيرة مف القوة ػ أجاب الرجؿ العجوز
بعد قميؿ مف التفكير ثـ تابع ػ حتى أف شيوخ العشائر اليستطيعوف رؤيتو عمى ىواىـ عند الحاجة.
يجب أف يقرر ىو ذلؾ ،انتظ ار باألحرى نياية الحرب ،وارحبل مع القافمة ،والتسعيا أبداً إلى التوغؿ
في حياة الواحة ،ختـ قولو مبتعداً .
ٍ
عندئذ بدت شابة ترتدي ثياباً مختمفة ،فابتيج االنكميزي ،لقد كاف عمى الطريؽ الصحيح ،كانت
جرة عمى كتفيا ،وتضع خما ارً حوؿ رأسيا ،لكنيا كانت سافرة الوجو .اقترب الشاب ليسأليا
تحمؿ ّ
عف موضوع الخيميائي .
قوتيا
أحس الشاب كما لو أف الزمف كاف يتوقؼ ،وكما لو أف النفس ّ
الكمية كانت تنبعث بكؿ ّ
أمامو .
وعندما رأى عينييا السوداويف ،وشفتييا المترددتيف بيف الصمت واالبتساـ فيـ الجزء الرئيسي مف
يتحدثيا العالـ ،والتي باستطاعة كائنات األرض كميا أف تفيميا عبر القموب .
المغة التي ّ
كاف ىذا ىو مايدعى بالحب ،شيء أقدـ مف وجود البشر ،ووجود الصحراء ،والذي كاف ومايزاؿ
ينبثؽ دائماً وبقوة ،وفي كؿ مكاف عندما تمتقي نظرتاف كما تمتقي اآلف ىاتاف النظرتاف قرب البئر.
ٍ
عندئذ عف ابتسامة ،إنيا عبلمة ،عبلمة كاف قد انتظرىا دوف أف يعمـ خبلؿ فترة
انفرجت الشفتاف
الزجاجيات ،وفي صمت
طويمة مف حياتو ،ولطالما قد بحث عنيا في الكتب ،وقرب نعاجو ،وفي
ّ
الصحراء .
ىاىي ذي لغة الكوف الخالصة ،مفيومة دوف أدنى شرح ،ألف الكوف ليس بحاجة إلى أي تفسير
كي يتابع دورانو في الفضاء البلمتناىي .
إف مافيمو في تمؾ المحظة ىو انو أماـ امرأة حياتو ،وعمييا أف تعمـ ذلؾ دونما أية ضرورة
لمكبلـ ،كاف متأكداً مف ىذا أكثر مف تأكده مف أي شيء آخر في العالـ ،عمى الرغـ مف أف آبائو
وآباء آبائو كانوا قد قالوا إف عمى االنساف أف يحب أوالً ،ثـ يخطب ،أف يعرؼ اآلخر ،وأف يممؾ
الماؿ قبؿ أف يتزوج .مف كاف يقوؿ ذلؾ ،لـ يكف يعرؼ مطمقاً المغة الكونية ،ألف المرء عندما
يغوص في ىذه المغة يسيؿ عميو أف يدرؾ أف في ىذا العالـ يوجد شخص ينتظر شخصاً آخر،
سواء أكاف ىذا في وسط الصحراء أو في قمب المدف الكبرى ،وعندما يمتقي ىؤالء الشخصاف،
أىمية ،ولحظة الحاضر وحدىا ىي التي تبقى .وىذا
وتتقاطع نظرتاىما ،فإف الماضي والمستقبؿ ال ّ
اليقيف العجيب بأف كؿ شيء يوجد تحت قبة السماء قد خطّتو اليد نفسيا ،اليد التي أنجحت
الحب ،وخمقت لكؿ كائف روح شقيقة ،وىذا الكائف يعمؿ ،ويستريح ،ويبحث عف الكنوز في وضح
النيار ،ولو أف األمر لـ يكف كذلؾ ،لما وجد أي معنى ألحبلـ الجنس البشري .
-مكتوب ػ قاؿ في نفسو .
وحرؾ صاحبو قائبلً :
نيض االنكميزي الذي كاف جالساًّ ،
-ىيا اذىب واسأليا .
اقترب الشاب مف الفتاة التي ابتسمت مف جديد ،فابتسـ وسأليا :
-ماذا تدعيف؟
-فاطمة ػ أجابت وىي تغض مف طرفيا .
جئت منو .
إنو اسـ تحممو بعض النسوة في البمد الذي ُ-إنو اسـ ابنة النبي ػ قالت فاطمة ػ ومجاىدونا قد نقموه إلى ىناؾ .
كانت الشابة الحموة تتحدث بفخر عف المجاىديف ،واالنكميزي يقؼ جانباً يمح ،فسأليا الشاب إف
كانت تعرؼ شيئاً عف الرجؿ الذي يشفي األمراض .