باولو كويلو الخيمائي 1 .pdf


À propos / Télécharger Visionner le document
Nom original: باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf
Auteur: Moh

Ce document au format PDF 1.5 a été généré par Microsoft® Word 2010, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 07/10/2012 à 21:24, depuis l'adresse IP 41.201.x.x. La présente page de téléchargement du fichier a été vue 1408 fois.
Taille du document: 699 Ko (89 pages).
Confidentialité: fichier public


Aperçu du document


‫الخيميائي‪ ..‬باولو كويمو‬

‫وفيما ىـ سائروف‪ ،‬دخؿ قرية فقمبتو امرأة اسميا مرثا في بيتيا‪ ،‬وكانت ليذه أخت تدعى مريـ‬
‫والتي جمست عند قدمي يسوع‪ ،‬وكانت تسمع كبلمو‪ ،‬وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة‬

‫فوقفت وقالت ‪:‬‬

‫يارب‪ ،‬أما تبالي بأف أختي قد تركتني أخدـ وحدي‪ ،‬فقؿ ليا أف تعينني‪ .‬فأجاب يسوع وقاؿ ليا ‪:‬‬‫‪-‬مرثا ! مرثا‪ ،‬أنت تيتميف وتضطربيف ألجؿ أمور كثيرة ولكف الحاجة إلى واحد‪ .‬فاختارت مريـ‬

‫النصيب الصالح الذي ينزع منيا ‪.‬‬

‫إنجيؿ لوقاه اإلصحاح العاشر ‪– 83‬‬

‫‪::‬تمييػد ‪::‬‬
‫تناوؿ الخيميائي بيده كتاباً‪ ،‬كاف قد أحضره أحد أفراد القافمة‪ ،‬لـ يكف لمكتاب غبلؼ‪ ،‬ولكنو‬

‫استطاع عمى الرغـ مف ذلؾ التعرؼ عمى اسـ الكاتب " أوسكار وايمد " وىو يقمب صفحاتو‪ ،‬وقع‬
‫نظره عمى قصة كانت تتحدث عف " نرجس … " الشؾ أف الخيميائي يعرؼ أسطورة " نرجس "‬
‫ىذا الشاب الوسيـ الذي يذىب كؿ يوـ ليتأمؿ بياءه المتميز عمى صفحة ماء البحيرة ‪.‬‬

‫كاف متباىياً لمغاية بصورتو‪ ،‬لدرجة أنو سقط ذات يوـ في البحيرة‪ ،‬وغرؽ فييا‪ ،‬في المكاف الذي‬
‫سقط فيو‪ ،‬نبتت وردة سميت باسمو‪" :‬وردة النرجس ‪".‬‬

‫لكف الكاتب " أوسكار " لـ ينو روايتو بيذا الشكؿ‪ ،‬بؿ قاؿ أنو عند موت نرجس‪ ،‬جاءت اإلريادات‬
‫(آلية الغابة) إلى ضفة البحيرة العذبة المياه‪ ،‬فوجدتيا قد تحولت إلى زير مف الدموع المرة‪،‬‬
‫فسألتيا ‪:‬‬

‫‪-‬لماذا تبكيف؟‬

‫أبكي نرجساً ‪ .‬اجابت البحيرة ‪.‬‬‫فعمقت اإلريادات قائمة ‪:‬‬

‫ليس في ىذا مايدىشنا‪ ،‬وعمى الرغـ مف أننا كنا دوماً في إثره في الغابة‪ ،‬فقد كنت الوحيدة التي‬‫تمكنت مف تأمؿ حسنو عف كثب ‪.‬‬
‫‪-‬كاف نرجس جميبلً إذاً ؟‬

‫مكثت البحيرة صامت ًة لمحظات ثـ قالت ‪:‬‬

‫أنا أبكي نرجساً لكنني لـ ألحظ مف قط أنو كاف جميبلً‪ ،‬إنما أبكيو ألنو في كؿ مرة انحنى فييا‬‫عمى ضفافي كنت أتمكف مف أف أرى في عينيو انعكاساً لحسني ‪.‬‬
‫‪-‬إنيا لقصة جميمة جداً‪ .‬قاؿ الخيميائي‪.‬‬

‫‪::‬الجزء األوؿ ‪::‬‬
‫كاف ُيدعى سنتياغو ‪.‬‬
‫كاف النيار يتبلشى عندما وصؿ بقطيعو أماـ كنيسة قديمو ميجورة‪ ،‬سقفيا قد انيار منذ زمف‬

‫بعيد‪ .‬وفي الموضع الذي كاف يوجد فيو الموىؼ نمت شجرة جميز عمبلقة ‪.‬‬

‫قرر أف يقضي الميؿ في ىذا المكاف‪ ،‬أدخؿ نعاجو مف الباب المحطـ‪ ،‬ووضع بضع ألواح بطريقو‬

‫بمنعيا بيا مف الفرار أثناء الميؿ ‪.‬لـ يكف ىناؾ ذئاب في تمؾ المنطقة‪ ،‬فذات مرة ىربت دابة فكمفو‬

‫ذلؾ إضاعة نيار بكاممو في البحث عف النعجة الفارة ‪.‬‬

‫مد معطفو عمى األرض وتمدد‪ ،‬وجعؿ مف كتابو الذي فرغ مف قراءتو وسادة ‪.‬‬

‫قبؿ أف يغرؼ في النوـ أكثر فكر بأف عميو قراءة كتب أكبر‪ ،‬وسيكرس إلنيائيا وقتاً أكبر‪ ،‬وسوؼ‬
‫يكوف لو منيا وسادات أكثر راحة مف أجؿ الميؿ ‪.‬‬

‫عندما أفاؽ‪ ،‬كانت العتمة التزاؿ قائمة‪ ،‬نظر إلى األعمى فرأى النجوـ تممع‪ ،‬مف خبلؿ السقؼ الذي‬

‫انيار نصفو ‪.‬‬

‫فقاؿ في نفسو ‪:‬‬

‫كنت أتمنى فعبلً لو نمت ٍ‬‫لوقت أطوؿ ‪.‬‬

‫فقد رأي حمماً‪ ،‬إنو حمـ األسبوع الفائت‪ ،‬ومف جديد أفاؽ قبؿ نيايتو‪ .‬نيض وشرب جرعة مف‬

‫الخمر‪ ،‬ثـ تناوؿ عصاه‪ ،‬وأخذ بإيقاظ نعاجو التي كانت ماتزاؿ راقدة‪ ،‬وقد الحظ أف معظـ البيائـ‬
‫ولما يسعد وعيو ىو‪ ،‬وكأنما ىناؾ قدرة غريبة قد‬
‫تستعيد وعييا وتتخمص بسرعة مف نعاسيا ّ‬
‫ربطت حياتو بحياة تمؾ األغناـ‪ ،‬والتي تطوؼ معو الببلد منذ عاميف سعياً وراء الماء والكؤل ‪.‬‬

‫‪-‬قد تعودت عمى فعبلً لدرجة أنيا صارت تعرؼ مواقيتي ػ قاؿ في نفسو بصوت منخفض‪ ،‬وبعد‬

‫لحظة مف التفكير تراءى لو أف العكس ىو الصحيح‪ ،‬إذ أنو ىو الذي قد اعتار عمييا وعمى‬
‫مواقيتيا ‪.‬‬

‫كانت بعض النعاج تماطؿ باالستيقاظ‪ ،‬فكاف يوقظيا واحدة إثر أخرى بعصاه‪ ،‬منادياً كؿ نعجة منيا‬

‫باسميا‪ ،‬فقد كاف مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج عمى فيـ مايقوؿ‪ ،‬وكاف يق أر ليا مقاطع مف بعض‬

‫الكتب‪ ،‬أو يتحدث إلييا عف عزلة أو سرور راع‪ ،‬بحياتو في الريؼ‪ ،‬ويفسر ليا آخر المستجدات‬
‫التي قد رآىا في المدف التي اعتاد أف يمر بيا ‪.‬‬

‫مع ذلؾ منذ قبؿ يوـ أمس‪ ،‬لـ يكف لديو عممياً‪ ،‬موضوع محادثة آخر سوى تمؾ الشابة التي تسكف‬

‫في المدينة التي سيصؿ إلييا بعد أربعة أياـ‪ ،‬لـ يكف قد زارىا إال لمرة واحدة في العاـ الفائت ‪.‬‬

‫كاف التاجر يممؾ متج ارً لمقماش‪ ،‬وكاف يحبذ أف يجز صوؼ أغنامو عمى مرأى منو‪ ،‬كي يتحاشى‬

‫الوقوع ضحية لمغش‪ ،‬لقد قاد الراعي قطيعو إليو ألف أحد أصدقائو قد دلّو عمى المتجر ‪.‬‬
‫×××‬
‫‪-‬أنا بحاجة ألف أبيع قميبلً مف الصوؼ ػ قاؿ لمتاجر ‪.‬‬

‫كاف المتجر يغص بالزبائف‪ ،‬لذا فقد طمب التاجر مف الراعي االنتظار حتى المساء‪ ،‬فذىب ليجمس‬

‫عمى رصيؼ المتجر وأخرج مف حقيبتو كتاباً ‪.‬‬

‫‪-‬لـ أكف أعمـ أف بإمكاف الرعاة قراءة الكتب ‪.‬‬

‫قاؿ صوت امرأة كانت بجانبو‪ ،‬كانت ىذه الشابة تمثؿ نموذجاً لنساء منطقة األندلس بشعرىا‬
‫األسود المسدوؿ‪ ،‬وعينييا المتيف تذكراف توعاً ما بالفاتحيف العرب القدماء ‪.‬‬

‫‪-‬ذلؾ ألف النعاج تعمـ أشياء أكثر مما ىو في الكتب ػ أجاب الراعي الشاب ‪.‬‬

‫بقيا يثرثراف أكثر مف ساعتيف‪ ،‬ىي أخبرتو بأنيا ابنة التاجر‪ ،‬وتحدثت عف الحياة في القرية‪ ،‬وعف‬

‫رتابة األياـ فييا‪ ،‬والراعي حدثيا عف األندلس‪ ،‬وعف آخر المستجدات التي رآىا في المدف التي‬

‫مر فييا ‪.‬‬
‫ّ‬
‫كاف سعيداً ألنو لـ يكف مجب ارً عمى التحدث مع أغنامو دائماً ‪.‬‬
‫كيؼ تعممت القراءة؟ سألت الشابة لتوىا ‪.‬‬‫‪-‬كسائر الناس‪ ،‬في المدرسة ‪.‬‬

‫اع؟‬
‫‪-‬لكف‪ ،‬وربما أنؾ تعرؼ القراءة‪ ،‬لماذا لـ تصبح إال مجرد ر ٍ‬

‫وارب الراعي كي اليرد عمى ىذا السؤاؿ‪ ،‬ألنو كاف متأكداً مف أف الفتاة لف تفيمو ‪.‬‬

‫تابع رواية سير ترحالو‪ ،‬وعيناىا العربيتاف الصغيرتاف تحممقاف قـ تنغمقاف بفعؿ االنذىاؿ‬

‫والمفاجأة ‪.‬‬

‫كاف يشعؿ أف الوقت يمر سريعاً‪ ،‬وتمنى ليذا اليوـ أال ينتيي‪ ،‬ولوالد الفتاة أف يبقى مشغوالً لزمف‬

‫أطوؿ‪ ،‬وأف يطمب منو االنتظار ثبلثة أياـ ‪.‬‬

‫وانتابو إحساس لـ يكف قد ألـ بو مف قبؿ أبداً‪ :‬إنو الرغبة في االستقرار في مدينة بالذات مع‬

‫الشابة ذات الشعر األسود‪ ،‬فمف تكوف األياـ رتيبة متشابية‪ ،‬لكف التاجر‪ ،‬ظير أخيرا‪ ،‬فطمب منو‬

‫أف يجز لو صوؼ أربع نعاج‪ ،‬دفع إليو التاجر ثمف الصوؼ ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة ‪.‬‬
‫حتى اآلف لـ يكف يعوزه إال أربعة أياـ‪ ،‬مف أجؿ الوصوؿ إلى تمؾ البمدة نفسيا‪ ،‬كاف مبتيجاً‬

‫وبالوقت نفسو مرتاباً مف أف تكوف الفتاة قد نسيتو‪ ،‬فالرعاة الذيف يمروف مف ىنا لجز صوؼ‬

‫أغناميـ ليسوا قبلئؿ ‪.‬‬

‫‪-‬غير ميـ ػ قاؿ متحدثاً إلى أغنامو _ فأنا أيضاً أعرؼ فتيات أخريات‪ ،‬في مدف أخرى ‪.‬‬

‫لكنو كاف في قرارة نفسو يعترؼ أف لقاءه بيا لو أىميتو‪ ،‬وأف الرعاة كالبحارة أو التجار المتجوليف‪،‬‬

‫يعمموف دائماً أف مدينة يوجد فييا مف يجعميـ ينسوف متعة التجواؿ في العالـ بممئ حريتيـ ‪.‬‬
‫بينما أخذت تبدو خيوط الشمس األولى‪ ،‬بدأ الراعي يتقدـ بأغنامو باتجاه الشمس المشرقة ‪.‬‬

‫‪-‬إنيا تتبعني‪ ،‬فيي ليست بحاجة عمى اإلطبلؽ إلى اتخاذ قرار – فكر‪ -‬ربما ليذا السبب فإنيا‬

‫تبقى بقربي‪ ،‬وبقدر ماسيبقى راعييا عارفاً بأفضؿ المراعي األندلسية بقدر ماستبقى تمؾ األغناـ‬
‫صديقاتو‪ ،‬فحتى لو تشابيت األياـ بعضيا ببعضيا اآلخر‪ ،‬مكونة ساعات ممتدة بيف طموع‬

‫الشمس وغروبيا‪ ،‬حتى لو أف تمؾ النعاج لـ تق أر قط أي كتاب خبلؿ حياتيا القصيرة‪ ،‬حتى لو‬

‫جيمت لغة البشر الذيف يرروف ماكاف يحصؿ في القرى‪ ،‬فيي تكتفي بالماء والكؤل‪ ،‬وىذا بالمحصمة‬
‫ٍ‬
‫كاؼ‪ .‬وفي المقابؿ فيي تمنح صوفيا‪ ،‬وصحبتيا بسخاء‪ ،‬ومف وقت آلخر لحميا أيضاً‪ ،‬ولو أنني‬
‫بيف لحظة وأخرى قد تحولت إلى غوؿ وأخذت بذبحيا وحدة إثر األخرى‪ .‬فإنيا لف تستوعب‬

‫نايحصؿ‪ ،‬إال عندما يوشؾ القطيع عمى اليبلؾ‪ ،‬وذلؾ ألنيا تثؽ بي‪ ،‬ولـ تعد تعتمد عمى غرائزىا‪،‬‬

‫وىذا كمو ألنني أنا الذي أسوقيا إلى المراعي ‪.‬‬

‫أخذ الراعي يفاجأ بأفكاره‪ ،‬وصار يجدىا غريبة ‪.‬‬

‫ربما بدت الكنيسة‪ ،‬مع شجرة الجميز المنتصبة في الداخؿ مسكونة باألرواح‪ .‬ىؿ كاف ىذا ىو‬

‫السبب الذي جعؿ ىذا الحمـ يعاوده أيضاً‪ ،‬وىؿ ليذا يعاني مف شعور الغضب تجاه نعاجو‪،‬‬
‫صديقاتو المخمصات دوماً؟‬

‫شرب قميبلً مف الخمر الذي تبقى لديو مف عشاء ليمة األمس‪ ،‬وشد معطفو عمى جسده‪ ،‬فيو يعمـ‬

‫أف الشمس ستكوف في أوجيا بعد بضع ساعات‪ ،‬وسيصبح الطقس حا ارً جداً‪ ،‬لدرجة لف يستطيع‬
‫معيا اصطحاب قطيعو عبر الريؼ ‪.‬‬

‫في تمؾ الساعة مف الصيؼ‪ ،‬كانت إسبانية كميا غافية‪ ،‬الحرارة مرتفعة حتى في الميؿ‪ ،‬وخبلؿ ذلؾ‬

‫الوقت كمو يتوجب عميو أف يحمؿ معطفو معو ‪.‬‬

‫وكمّما كانت تتممكو الرغبة في الشكوى مف ىذا العبء تحديداً‪ ،‬كاف يتذكر أنو بفضمو يجابو برودة‬

‫الصباح الباكر ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وتقبؿ بامتناف ثقؿ معطفو الذي‬
‫عمينا أف نكوف مستعديف دائماً لمفاجآت الطقس ػ تخيؿ‬‫عندئذ ّ‬
‫كاف ىناؾ مبرر لوجوده كمثؿ الشاب‪ ،‬فبعد سنيف مف تطواؼ سيوؿ األندلس‪ ،‬صار يعرؼ عف‬
‫ظير قمب‪ ،‬أسماء مدف المنطقة كميا‪ ،‬وكاف ىذا ما أعطى لحياتو معنى‪ ،‬إنو الترحاؿ ‪...‬‬

‫كاف ينوي ىذه المرة أف يشرح لمفتاة الشابة‪ ،‬لماذا يعرؼ راع بسيط القراءة؟ فقد كاف يتردد حتى‬

‫سف السادس عشرة عاماً عمى المدرسة األكميريكية‪ ،‬وأىمو أرادوا لو أف يصبح قسيساً‪ ،‬تتشرؼ بو‬
‫عائمة متواضعة‪ ،‬مف وسط فبلحي‪ ،‬تكد مف أجؿ لقمتيا وىي بذلؾ كأغنامو ‪.‬‬

‫درس البلتينية واإلسبانية والبلىوت‪ ،‬لكنو منذ طفولتو المبكرة كاف يحمـ بمعرفة العالـ‪ ،‬ويكسب‬

‫معرفة أفضؿ مف مجرد معرفة الذات اإلليية أو آثاـ البشر ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ذات‬
‫مساء جميؿ‪ ،‬وىو ذاىب لرؤية ذويو‪ ،‬تسمّح بالشجاعة وأخبر والده بأنو اليريد أف يكوف راىباً‬
‫بؿ يريد السفر ‪.‬‬

‫ومروا آنفاً بيذه القرية‪ ،‬إنيـ يأتوف إلى ىنا‬
‫ياولدي‪ ،‬رجاؿ مف العالـ بأسره قد أتوا إلى ىنا‪ّ ،‬‬‫ليبحثوا عف أشياء جديدة‪ ،‬لكنيـ يبقوف الرجاؿ أنفسيـ‪ ،‬يذىبوف إلى اليضبة لزيارة القصر‬

‫ويجدوف أف الماضي أفضؿ مف الحاضر‪ ،‬أكانوا ذوي شعر فاتح‪ ،‬أو ذوي بشرة غامقة‪ ،‬فيـ‬
‫يشبيوف رجاؿ قريتنا ‪.‬‬

‫قاؿ الشاب ‪:‬‬

‫‪-‬لكنني ال أعرؼ قصور الببلد التي قدـ منيا ىؤالء الرجاؿ ‪.‬‬

‫تابع األب ‪:‬‬

‫‪-‬عندما رأى ىؤالء الرجاؿ حقولنا ونساءنا حبذوا العيش ىنا إلى األبد ‪.‬‬

‫قاؿ اإلبف ‪:‬‬

‫أتعرؼ عمى نساء وحقوؿ وأراضي الببلد التي قدـ منيا ىؤالء الرجاؿ‪ ،‬إنيـ ال يديموف‬
‫أريد أف ّ‬‫البقاء بيننا ‪.‬‬

‫قاؿ األب ‪:‬‬

‫‪-‬لكف ىؤالء الرجاؿ يممكوف الماؿ الوفير‪ ،‬أما عندنا فالرعاة وحدىـ مف يستطيع رؤية مختمؼ‬

‫البمداف ‪.‬‬

‫‪-‬إذاً سأصبح راعياً ‪.‬‬

‫لـ يضؼ األب شيئاً بعد‪ ،‬وفي صباح اليوـ التالي أعطى لولده كيس نقود يحتوي عمى ثبلث قطع‬
‫ذىبية إسبانية قديمة ‪.‬‬

‫‪-‬ذات يوـ‪ ،‬وجدتيا في أحد الحقوؿ‪ ،‬وكنت أفكر أنيا حؽ لمكنيسة بمناسبة ترقيتؾ فييا‪ ،‬لكف‬

‫خذىا واشتر لنفسؾ بيا قطيعاً‪ ،‬واذىب عبر العالـ‪ ،‬إلى أف يأتي اليوـ الذي تعمـ فيو أف قصرنا ىو‬

‫األعظـ‪ ،‬ونساءنا ىف أجمؿ النساء‪ ،‬ومنحو بركتو ‪.‬‬

‫ق أر الولد في عيني والده الرغبة في تطواؼ العالـ أيضاً‪ ،‬رغبة كانت تحيا معو رغـ عشرات السنيف‬

‫التي حاوؿ أف يمضييا مقيماً في المكاف نفسو يأكؿ ويشرب ويغفو فيو كؿ ليمة ‪.‬‬
‫×××‬

‫تموف األفؽ بالموف األحمر‪ ،‬ثـ بدت الشمس ‪.‬‬
‫ّ‬
‫تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينو وبيف أبيو‪ ،‬فأحس بالسعادة‪ ،‬كاف قد عرؼ مف قبؿ كثي ارً مف‬

‫القصور‪ ،‬وكثي ارً مف النساء‪ ،‬لكف أياً منيف ال تعادؿ تمؾ التي ينتظرىا بعد مسيرة يوميف مف اآلف‪،‬‬

‫كاف يمتمؾ معطفاً‪ ،‬وكتاباً وبإمكانو أف يبادلو مقابؿ آخر‪ ،‬وقطيعاً مف الغنـ‪ ،‬واألكثر أىمية مف ىذا‬

‫كمو أنو كؿ يوـ يتحقؽ حمـ حياتو الكبير‪ :‬الترحاؿ ‪...‬‬

‫وعندما سيتعب مف التجواؿ في ريؼ األندلس‪ ،‬فإنو سيستطيع بيع أغنامو ليصبح بحا ارً‪ ،‬وعندما‬

‫تعرؼ عمى مدف كثيرة‪ ،‬ونساء كثيرات‪ ،‬وفرص عديدة ليظؿ سعيداً ‪.‬‬
‫سيمؿ البحر‪ ،‬فإنو سيكوف قد ّ‬
‫ثـ تساءؿ وىو يشاىد بزوغ الشمس ‪:‬‬

‫‪-‬كيؼ يمكف لممرء أف يبحث عف اإللو في مدرسة إكميريكية؟ ‪.‬‬

‫مر مف ىنا مرات عديدة ‪.‬‬
‫لـ يكف قد جاء إطبلقاً حتى ىذه الكنيسة‪ ،‬مع أنو ّ‬
‫ٍ‬
‫المتناه‪ ،‬ولو ترؾ أغنامو تقوده‪ ،‬ولو لبعض الوقت‪ ،‬لوصؿ إلى اكتشاؼ أشياء جديدة‬
‫العالـ كبير‪،‬‬
‫ومفعمة بالفائدة ‪.‬‬

‫‪-‬المشكمة ىي انيا ال تعي أنيا تعبر دروباً جديدة كؿ يوـ‪ ،‬وال تبلحظ أف المراعي تغيرت‪ ،‬وأف‬

‫الفصوؿ متباينة‪ ،‬ألنيا ال تممؾ مف ىاجس سوى الماء والكؤل ‪.‬‬

‫‪-‬إف الشيء نفسو يجري لكؿ الناس ػ فكر الراعي ػ حتى بالنسبة لي أنا الذي لـ أفكر بنساء‬

‫أخريات منذ التقيت ابنة ذلؾ التاجر ‪.‬‬

‫وقدر أنو سيكوف ػ تبعاً لحساباتو ػ في " طريفو " قبؿ وقت الغداء‪ ،‬ىناؾ ‪...‬‬
‫نظر إلى السماء‪ّ ،‬‬
‫سيستطيع مبادلة كتابو بآخر أكبر حجماً‪ ،‬وتعبئة زجاجتو خم ارً‪ ،‬وأف يحمؽ ذقنو‪ ،‬ويقص ضعره‪،‬‬

‫عميو أف يكوف عمى أتـ استعداد لمقاء الفتاة الشابة‪ ،‬ولـ يكف يريد حتى أف يتصور احتماؿ‬

‫اع آخر قبمو‪ ،‬يممؾ مف الغنـ أكثر منو‪ ،‬قاصداً طمب يدىا ‪.‬‬
‫امكانية وصوؿ ر ٍ‬

‫‪-‬إنيا تماماً إمكانية تحقيؽ حمـ يجعؿ الحياة ذات أىمية ػ تخيؿ رافعاً نظره نحو السماء وىو يسرع‬

‫في خطواتو ‪.‬‬

‫لقد تذكر لتوه أف ىناؾ في " طريفو " امرأة عجوز تعرؼ تفسير األحبلـ‪ ،‬في ىذه الميمة حمـ بالحمـ‬
‫الذي كاف يراوده ‪ ...‬الحمـ القديـ نفسو ‪..‬‬
‫×××‬
‫قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخؿ المنزؿ‪ ،‬إلى غرفة يفصميا عف الصالة ستار مف الببلستيؾ‬
‫متعدد األلواف‪ ،‬كانت ىناؾ طاولة‪ ،‬وصورة لؤلب المقدس السيد المسيح‪ ،‬وكرسياف ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫منخفض جداً‪،‬‬
‫جسمت العجوز‪ ،‬ورجتو أف يفعؿ مثميا‪ ،‬ثـ أمسكت بيديو وأخذت بالدعاء بصوت‬

‫كاف ىذا أشبو مايكوف بصبلة غجرية‪ ،‬لقد التقى كثي ارً مف الغجر في دربو مف قبؿ‪ ،‬فقد كانوا‬

‫يسافروف أيضاً‪ ،‬لكنيـ لـ يكونوف ييتموف بالغنـ‪ ،‬بؿ اف الشائع بيف الناس ىو أف الغجري يقضي‬

‫وقتو في خداع الناس‪ ،‬ويقاؿ أيضاً أف ىناؾ عيداً بينيـ وبيف الشيطاف‪ ،‬وأنيـ يسرقوف األطفاؿ‪،‬‬

‫ليجعموا منيـ عبيداً ليـ في مخيماتيـ الغامضة ‪.‬‬

‫بل صغي ارً كاف كثير التخوؼ وتراوده فكرة أف يختطفو العجر‪ ،‬وعاوده‬
‫عندما كاف الراعي الشاب طف ً‬
‫ىذا الخوؼ القديـ عندما كانت العجوز تمسؾ بيديو ‪.‬‬

‫‪-‬لكف توجد ىنا صورة السيد المسيح _ ف ّكر محاو ًال أف يطمئف نفسو‪ ،‬لـ يكف يريد ليديو أف‬

‫ترتجفا‪ ،‬أو أف تبلحظ العجوز خوفو‪ ،‬وفي صمت تبل صبلةً ‪.‬‬

‫أمر مثير ! قالت العجوز دوف أف تفارؽ عيناىا يد الولد ‪.‬‬
‫ ٌ‬‫وابتسمت مف جديد‪ ،‬أما ىو فقد كاف يشعر مف وقت إلى آخر بثورة أعصابو‪ ،‬يداه أخذتا ترتجفاف‬

‫رغماً عنو‪ ،‬والحظت العجوز ذلؾ‪ ،‬صمـ أف يسحبيا عمى الفوز ثـ قاؿ ‪:‬‬
‫أنا لـ ِ‬‫آت إلى ىنا مف اجؿ قراءة خطوط يدي ‪.‬‬

‫وىو اآلف يتأسؼ دخولو ىذه الدار وحسب أنو سيكوف مف األفضؿ أف يدفع قيمة االستشارة‬

‫وينصرؼ دوف أف يعرؼ شيئاً‪ ،‬فقد عمؽ دوف شؾ أىمية كبرى عمى حمـ تكرر ‪.‬‬

‫قالت العجوز ‪:‬‬

‫‪-‬أتيت تسألني عمى األحبلـ‪ ،‬واألحبلـ ىي لغة اهلل‪ ،‬وعندما يتكمـ اهلل بمغة البشر فأنا أستطيع‬

‫تفسيرىا‪ ،‬لكنو عندما يتكمـ بمغة روحؾ‪ ،‬فمف يفيمو أحد سواؾ‪ ،‬وعمى أية حاؿ‪ ،‬عميؾ أف تدفع‬

‫قيمة استشارتي ‪.‬‬

‫‪-‬حيمة أخرى ػ فكر الشاب‪ ،‬وعمى الرغـ مف كؿ شيء فإف الراعي قد قرر المجازفة‪ .‬إنو يتعرض‬

‫دائماً لخطر الذئاب‪ ،‬أو لخطر الجفاؼ‪ ،‬وىذا تماماً ما يجعؿ مف مينتو مينة ىامة ومثيرة ‪.‬‬

‫قاؿ الشاب ‪:‬‬

‫‪-‬حممت بالحمـ نفسو مرتيف عمى التوالي‪ .‬كنت متواجداً مع أغنامي عمى أرض أحد المراعي‪،‬‬

‫حينما ظير طفؿ وأخذ يمعب مع البيائـ‪ ،‬وأنا ال أحبذ كثي ارً أف يأتي أحد ليميو مع نعاجي‪ ،‬فيي‬

‫تخاؼ مف رؤية أشخاص ال تعرفيـ‪ ،‬لكف األطفاؿ ينجحوف دائماً في الميو معيا دوف أف يسببوا‬

‫ليا الخوؼ‪ ،‬إنني أجعؿ لماذا‪ ،‬وال أعرؼ كيؼ تستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية ‪.‬‬

‫‪-‬ارجع إلى حممؾ ػ قالت العجوز ػ فمدي قدر عمى النار‪ ،‬باالضافة إلى أنؾ التممؾ الكثير مف الماؿ‬

‫وتأخذ وقتي كمو ‪.‬‬

‫‪-‬تابع الطفؿ المعب مع النعاج لفترة ػ أردؼ الراعي مرتبكاً قميبلً ػ وفجأة أخذ بيدي وقادني حتى‬

‫أىرامات مصر ‪.‬‬

‫عدؿ الشاب عف الكبلـ لحظة‪ ،‬ليرى إف كانت العجوز تعرؼ ماتكوف أىرامات مصر‪ ،‬لكنيا بقيت‬

‫خرساء‪ ،‬ثـ تابع ‪:‬‬
‫ ٍ‬‫عندئذ أماـ أىرامات مصر‪( ،‬لفظ ىذه الكممى بمنتيى الدقة‪ ،‬لتستطيع العجوز فيميا جيداً)‪ ،‬كاف‬
‫الطفؿ يقوؿ لي‪ " :‬إف ِ‬
‫تأت حتى ىنا‪ ،‬فستجد كن ازً مخبأ " ‪ .‬وفي المحظة التي كاف يكاد أف يريني‬
‫فييا المكاف المحدد كنت استيقظ في المرتيف ‪.‬‬

‫مكثت العجوز صامتة لمحظات‪ ،‬ثـ عادت وأمسكت بيدي الشاب المتيف تفحصتيما بانتباه ‪.‬‬
‫‪-‬لف أدعؾ تدفع اآلف أي شيء‪ ،‬لكنني أريد عشر الكنز إف وجدتو ‪.‬‬

‫أخذ الشاب يضحؾ‪ ،‬إنيا ضحكة انشراح ورضا‪ ،‬فيكذا سيدخر القميؿ مف الماؿ الذي يممكو بفضؿ‬
‫حمـ صار عبارة عف مسألة كنز مخبأ ! البد أف تكوف المرأة الطيبة العجوز غجرية‪ ،‬فالغجر‬

‫أغبياء ‪.‬‬

‫حسف‪ ،‬كيؼ تفسريف ىذا الحمـ ؟ ‪.‬‬
‫ ٌ‬‫‪-‬أوالً يجب أف تقسـ‪ .‬اقسـ لي أنؾ ستعطيني العشر مف كنزؾ مقابؿ ما سأقولو لؾ ‪.‬‬

‫أقسـ الراعي‪ ،‬وطمبت منو العجوز أف يكرر القسـ‪ ،‬وىو يثبت عينيو في صورة السيد المسيح ‪.‬‬

‫قالت العجوز ‪:‬‬

‫‪-‬إنو حمـ بالمغة الكونية‪ ،‬حمـ أستطيع تأويمو‪ ،‬لكنو تأويؿ صعب جداً‪ ،‬يبدو لي أني استحؽ‬

‫حصتي مما ستجد‪ ،‬والتأويؿ ىو ذا ‪:‬‬

‫"عميؾ أف تذىب حتى أىرامات مصر‪ ،‬لـ أسمع عنيا مطمقاً لكف إف كاف مف أراؾ إياىا طفؿ‪،‬‬

‫منؾ رجبلً غنياً ‪".‬‬
‫فيذا يعني أنيا موجودة فعبلً‪ ،‬ىناؾ ستجد كن ازً سيجعؿ َ‬
‫ذىؿ الشاب لموىمة األولى‪ ،‬ثـ غضب‪ ،‬لـ يكف بحاجة لممجيء‪ ،‬لرؤية ىذه المرأة مف أجؿ شيء‬
‫تافو‪ ،‬لكنو تذكر في نياية األمر أنو لـ يدفع شيئاً ‪.‬‬

‫‪-‬لـ تؾ لدي حاجة إلضاعة وقتي ماداـ األمر ىكذا ػ قاؿ الشاب ‪.‬‬

‫أنت ترى‪ ،‬لقد كنت قد قمت لؾ أف حممؾ صعب التفسير‪ ،‬األشياء البسيطة ىي األشياء األكثر‬‫عمي معرفة فنوف‬
‫روعة والعمماء وحدىـ مف يراىا‪ ،‬وبما أنني لست واحدة منيـ فإنو يتوجب ّ‬
‫أخرى‪ :‬قراءة الكؼ مثبلً ‪.‬‬

‫عمي أف أفعؿ مف أجؿ الذىاب حتى مصر ؟‬
‫وماذا ّ‬‫عمي أف أعيش‬
‫‪-‬أنا ال أقوـ إال بتفسير األحبلـ وليس بمقدوري تحويميا إلى حقيقة‪ ،‬وليذا السبب ّ‬

‫مما تعطيني إياه بناتي ‪.‬‬

‫‪-‬واف لـ أصؿ حتى مصر ؟‬

‫حسف‪ ،‬عندىا لف أوفى أجري ولف تكوف ىذه المرة األولى ‪.‬‬
‫ ٌ‬‫ولـ تضؼ العجوز شيئاً‪ ،‬بؿ طمبت مف الشاب االنصراؼ ألنو جعميا تضيع الكثير مف الوقت ‪.‬‬
‫×××‬
‫انصرؼ الراعي خائباً وعازماً عمى أال يعتقد باألحبلـ بعد اآلف‪ ،‬ثـ تذكر أف عميو القياـ بأشياء‬

‫مختمفة‪ ،‬ذىب لمبحث عف شيء يأكمو‪ ،‬ولمبادلة كتابو مقابؿ آخر أكبر حجماً‪ ،‬وجمس عمى مقعد‬

‫في الساحة‪ ،‬ليتذوؽ الخمرة الجديدة التي ابتاعيا ‪.‬‬

‫الخفية التي يممكيا‪ ،‬يستطيع أف يكوف مرطباً لو ‪.‬‬
‫إنو نيار حار‪ ،‬ولع ّؿ الخمر‪ ،‬بفضؿ أحد تأثيراتو‬
‫ّ‬
‫كانت أغنامو عند مدخؿ المدينة‪ ،‬في حظيرة أحد االصدقاء الجدد‪ .‬تعرؼ عمى الكثير مف الناس‬

‫في ىذه األنحاء‪ ،‬وىذا ماجعمو يحب السفر ألياـ متتمية‪ ،‬فعندما نرى األشخاص أنفسيـ كما ىي‬

‫الحاؿ عميو في المدرسة اإلكميريكية ػ فإننا نتوصؿ إلى اعتبارىـ جزءاً مف حياتنا‪ ،‬وبما أنيـ‬

‫يش ّكموف جزءاً مف حياتنا‪ ،‬فإنيـ يبحثوف في نياية األمر عف تغييرىا كما يرغبوف بغير رضى‪ ،‬ألف‬

‫كؿ الناس يعتقدوف معرفة كيؼ يجب أف نعيش تماماً‪ ،‬لكف أياً كاف ال يعرؼ قطعاً كيؼ يتوجب‬

‫عميو أف يعيش ىو نفسو حياتو الخاصة‪ ،‬كما لدى ىذه المرأة المنجمة التي تجيؿ كيؼ تحوؿ‬

‫األحبلـ إلى واقع ‪.‬‬

‫قرر االنتظار حتى حموؿ الظبل‪ ،‬قبؿ أف يذىب إلى الريؼ مع نعاجو‪ ،‬فبعد ثبلثة أياـ سيمتقي ثاني ًة‬

‫ابنة التاجر ‪.‬‬

‫بدأ بقراءة الكتاب الذي كاف قد حصؿ عميو مف خوري طريفو‪ .‬كاف مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألة‬

‫دفف مف بدايتو‪ ،‬باالضافة إلى ذلؾ كانت أسماء الشخصيات معقدة لمغاية‪ .‬ثـ حدث نفسو‪ ،‬بأنو لو‬

‫قدر لو يوماً أف يؤلؼ كتاباً‪ ،‬فسوؼ يورد الشخصيات واحدة واحدة‪ ،‬كي يوفر لقرائو حفظ أسمائيا‬
‫دفعة واحد عف ظير قمب ‪.‬‬

‫عندما كاف يق أر بتركيز تمؾ القصة الجميمة عف دفف في الثمج‪ ،‬والتي منحتو احساساً بالرطوبة رغـ‬

‫الشمس المحرقة ‪ ...‬جاء رجؿ عجوز لمجموس بجانبو والحديث معو ‪.‬‬
‫‪-‬ماذا يفعؿ ىؤالء ؟ سأؿ العجوز مشي ارً إلى المارة في الساحة ‪.‬‬

‫أجاب الراعي بميجة جافة ‪:‬‬

‫‪-‬إنيـ يعمموف ‪ ...‬وتظاىر بالقراءة ‪.‬‬

‫وفي الواقع‪ ،‬فقد كاف يحمـ بالذىاب لجز صوؼ نعاجو أماـ ابنة التاجر كي تممس بنفسيا مقدرتو‬

‫المرات‪ .‬وأف الشابة تبدو‬
‫عمى الثياـ بالكثير مف األمور اليامة‪ ،‬كاف قد ّ‬
‫تخيؿ ىذا المشيد عشرات ّ‬
‫لو مندىشة عندما يشرح ليا عف الغنـ وكيؼ يجز الصوؼ مف الخمؼ إلى األماـ‪ ،‬لقد بذؿ‬
‫مابوسعو لتذكر بعض القصص الجيدة وروايتيا ليا أثناء عممية الجز‪ ،‬كانت في الغالب قصصاً‬

‫قرأىا في الكتب‪ ،‬وىو يروييا‪ ،‬كما لو أنو عاشيا بنفسو‪ ،‬ولف تعرؼ مطمقاً الفرؽ طالما أنيا تجيؿ‬

‫قراءة الكتب ‪.‬‬

‫أصر العجوز عمى الكبلـ حينذاؾ‪ ،‬واخبره أنو متعب وعطش‪ ،‬وطمب أف يشرب جرعة مف الخمر‪،‬‬
‫ّ‬
‫فقدـ لو الشاب زجاجتو عمّو يذىب ويتركو بحالو ‪.‬‬
‫لكف العجوز كاف يريد الثرثرة بإلحاح‪ ،‬فسأؿ الراعي عف الكتاب الذي يقرأه ‪.‬‬

‫فكر الشاب أف يكوف فظّاً ويغير مقعده‪ ،‬لكنو تذكر أف أباه قد عمّمو أف يحترـ المسنيف‪ ،‬عندىا‬

‫ناوؿ الرجؿ العجوز الكتاب لسببيف ‪:‬أوالىما‪ ،‬ألنو كاف يجد نفسو فعبلً غير قادر عمى لفظ العنواف‪،‬‬

‫وثانييما‪ ،‬كي يغير العجوز مقعده إف كاف يجيؿ فعبلً القراءة حتى ال يشعر بالذؿ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫كتاب ميـ‬
‫ى ْـ ػ تنحنح العجوز متفحصاً الكتاب مف وجوىو كميا كـ لو كاف شيئاً غريباً ػ إنو ٌ‬‫ولكنو ممؿ جداً ‪.‬‬

‫ولشد ماتفاجأ الراعي عندما وجد أف العجوز يجيد القراءة‪ .‬وأنو كاف قد ق أر مف قبؿ ىذا الكتاب‪.‬‬

‫وأنو كتاب ممؿ كـ أكد العجوز‪ ،‬فالوقت ال يزاؿ مناسباً كي يستبدلو بآخر ‪.‬‬
‫تابع العجوز ‪:‬‬

‫‪-‬إنو كتاب يتحدث عف الشيء نفسو الذي تحدثت عنو الكتب كميا تقريباً‪ ،‬عف عجز الناس في‬

‫اختيار مصيرىـ‪ ،‬وأخي ارً يجعمنا ندرؾ أكبر خدعو في العالـ ‪.‬‬
‫‪-‬ماىي أكبر خدعة في العالـ ؟! سأؿ الشاب مندىشاً ‪.‬‬

‫‪-‬ىي ذي " ‪:‬في إحدة لحظات وجودنا‪ ،‬نفقد السيطرة عمى حياتنا التي ستجد نفسيا محكومة‬

‫بالقدر‪ ،‬وىنا تكمف خديعة العالـ الكبرى " ‪.‬‬

‫قاؿ الشاب ‪:‬‬

‫‪-‬بالنسبة لي‪ ،‬لـ تجر األمور بيذه الطريقة‪ ،‬فقد كانوا يريدوف أف يجعموا مني كاىناً لكنني قررت‬

‫أف أكوف راعياً ‪.‬‬

‫‪-‬ىكذا أفضؿ لؾ‪ ،‬ألنؾ تحب الترحاؿ ‪.‬‬

‫‪-‬لقد حدس أفكاري ػ قاؿ لنفسو سنتياغو‪ ،‬بينما كاف العجوز يتصفح الكتاب‪ ،‬دوف أف يظير أية‬

‫لرده ‪.‬‬
‫نية ّ‬

‫زياً غريباً‪ ،‬فقد كاف يبدوا أنو عربي الييئة‪ ،‬وىذا شيء مألوؼ في‬
‫الحظ الراعي أف العجوز يرتدي ّ‬
‫تمؾ المنطقة‪ ،‬فإفريقية عمى بضع ساعات مف " طريفة " ويكفي اجتياز المضيؽ الصغير بواسطة‬

‫القارب وغالباً مايأتي العرب لمتسوؽ مف المدينة فالناس يشاىدونيـ وىـ يصموف عدة مرات في‬
‫اليوـ بطريقة تدعو لمفضوؿ ‪.‬‬

‫مف أيف أنت ؟ سأؿ الشاب ‪.‬‬‫‪-‬مف أماكف عدة ‪.‬‬

‫اع‪ ،‬ومف الممكف أف أتواجد في أماكف مختمفة‪،‬‬
‫‪-‬اليمكف ألحد أف يكوف مف أماكف عدة‪ ،‬فأنا ر ٍ‬

‫ٍ‬
‫لمكاف واحد‪ ،‬مدينة قريبة مف قصر قديـ جداً‪ ،‬فيناؾ ُولدت ‪.‬‬
‫لكنني أنتمي‬
‫‪-‬لنقؿ إذف إنني ولدت في سالـ‬

‫لـ يكف الراعي يعرؼ أيف تقع سالـ‪ ،‬لكنو لـ يطرح سؤاالً‪ ،‬كي اليشعر بأنو سخيؼ نتيجة جيمو ‪.‬‬

‫انيمؾ بمراقبة الساحة لمحظة‪ ،‬فالناس يذىبوف ويجيئوف‪ ،‬ويبدوف منشغميف لمغاية ‪.‬‬
‫سأؿ الشاب ‪:‬‬

‫كيؼ ىي سالـ؟ باحثاً عف أية عبلمة ال عمى التعييف ‪.‬‬‫‪-‬كما ىي دائماً مف األزؿ ‪.‬‬

‫لـ يكف في ىذا أية عبلقة تدؿ عمييا‪ ،‬لكف عمى األقؿ كاف يعمـ أف سالـ ليست في األندلس‪ ،‬واال‬
‫لكاف عرفيا ‪.‬‬

‫وماذا تفعموف أنتـ في سالـ؟‬‫‪-‬ما أفعمو في سالـ؟ !‬

‫انفجر لممرة األولى العجوز ضاحكاً‪ ،‬لكنني أنا ممؾ سالـ‪ ،‬أي سؤاؿ ىذا ‪! ...‬‬

‫الناس يقولوف الكثير مف الكممات الغريبة‪ ،‬ومف المستحسف أحياناً أف يعيش المرء مع النعاج‬

‫صدؽ‪ ،‬أما عندما‬
‫الخرساء‪ ،‬ويكتفي بالبحث عف الماء والغذاء‪ ،‬أو مع الكتب التي تحكي قصصاً التُ ّ‬

‫يتكمـ المرء مع البشر فإف ىؤالء يقولوف بعض األمور التي تجعمنا جاىميف كيؼ نتابع الحديث ‪.‬‬

‫قاؿ العجوز ‪:‬‬

‫أنا أدعى " ممكي صادؽ "‪ ،‬كـ تممؾ مف الغنـ؟‬‫‪-‬ما يمزـ ‪.‬‬

‫كاف العجوز يريد أف يعرؼ األكثر عف حياتو ‪.‬‬

‫‪-‬لدينا مشكمة إذف‪ ،‬فأنا ال أستطيع أف أساعدؾ‪ ،‬مادمت تفكر بامتبلؾ ما يمزمؾ مف الغنـ ‪.‬‬

‫بدأ الشاب يعاني نوعاً مف الضيؽ‪ ،‬فيو لـ يكف قد طمب منو أية مساعدة‪ .‬فالشيخ العجوز ىو‬

‫الذي كاف قد طمب خم ارً‪ ،‬وأراد أف يثرثر‪ ،‬وىو الذي كاف قد اىتـ بالكتاب ‪.‬‬
‫أعد إلي الكتاب‪ ،‬يجب أف أذىب لمبحث عف أغنامي ومتابعة طريقي ‪.‬‬‫أعطني منيا العشر‪ ،‬وسأعمّمؾ كيؼ تصؿ إلى كنزؾ المخبأ ‪.‬‬‫تذكر الفتى حممو‪ ،‬وفجأة صار كؿ شيء واضحاً لو ‪.‬‬

‫فالمرأة العجوز لـ تجعمو يدفع شيئاً‪ ،‬لكف ىذا الشيخ‪ ،‬سينجح في تحصيؿ مبمغ أكبر مقابؿ معمومة‬

‫لـ تكف تتعمّؽ بأي واقع‪ ،‬البد أنو غجري أيضاً ويمكف أف يكوف زوجيا ‪.‬‬

‫في تمؾ األثناء‪ ،‬ودوف أف يقوؿ أية كممة‪ ،‬انحنى العجوز‪ ،‬والتقط غصناً مف األرض‪ ،‬وشرع يكتب‬

‫شيئاً عمى رمؿ الساحة‪ ،‬وفي المحظة التي انحنى فييا‪ ،‬لمع شيء ما عمى صدره‪ ،‬كاف الضوء‬

‫باى ارً لدرجة جعمت الشاب شبو أعمى ‪.‬‬

‫لكف وبحركة سريعة ومدىشة لرجؿ في عمره‪ ،‬سارع العجوز لشد معطفو عمى صدره ‪.‬‬

‫زاؿ انبيار عيني الفتى‪ ،‬فاستطاع أف يرى بوضوع ماكاف الرجؿ يكتبو‪ ،‬ق أر اسـ أبيو‪ ،‬واسـ أمو‬

‫عمى رماؿ الساحة الرئيسية لممدينة الصغيرة‪ ،‬ألعاب طفولتو‪ ،‬ليالي المدرسة اإلكميريكية الباردة‪ ،‬ثـ‬
‫ق أر سيرة حياتو حتى ىذه المحظة‪ ،‬ق أر أشياء لـ يكف قد رواىا ألحد قط‪ ،‬كتمؾ المرة التي سرؽ فييا‬
‫سبلح أبيو وذىب الصطياد الوعوؿ الجبمية‪ ،‬أو كتجربتو الجنسية األولى والوحيدة ‪.‬‬
‫‪-‬أنا ممؾ سالـ ػ قاؿ العجوز ‪.‬‬

‫‪-‬لماذا يثرثر ممؾ مع راع؟ تساءؿ الفتى في ذىوؿ وحيرة ‪.‬‬

‫أىميا ىو أنؾ كنت قاد ارً عمى انجاز " أسطورتؾ الشخصية ‪" .‬‬
‫توجد عدة أسباب‪ ،‬لكف لنقؿ أف ّ‬‫لـ يكف الشاب يعرؼ ماكاف العجوز يقصد بقولو‪ " :‬أسطورة شخصية ‪" .‬‬

‫‪-‬ىي ماكنت دائماً تتمنى أف تفعؿ‪ ،‬فكؿ واحد منا يعرؼ ماىي أسطورتو الشخصية وىو في ريعاف‬

‫شبابو‪ ،‬في ىذه الفترة مف الحياة‪ ،‬يكوف كؿ شيء واضحاً‪ ،‬كؿ شيء ممكناً‪ ،‬وال يخاؼ المرء مف‬

‫خفية تنشط إلثبات‬
‫أف يحمـ أو يتمنى مايحب أف يفعمو في حياتو‪ .‬وكمما جرى الوقت‪ ،‬فإف قوى ّ‬
‫استحالة تحقيؽ األسطورة الشخصية ‪.‬‬

‫لـ يكف لقوؿ العجوز أي معنى بالنسبة لمراعي الشاب ‪.‬‬

‫لكنو كاف يريد معرفة ماىية ىذه " القوى الخفية "‪ .‬إف ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاىا !‬

‫‪-‬إنيا قوى قد تبدو سيئة‪ ،‬ولكنيا في الواقع ىي تمؾ التي تعمّمؾ كيؼ تحقؽ أسطورتؾ الشخصية‪،‬‬

‫إنيا ىي التي تعد عقمؾ‪ ،‬وارادتؾ ألف ىناؾ حقيقة كبرى في ىذا العالـ ‪:‬‬

‫أي شيء فعمت‪ ،‬فإنؾ عندما تريد شيئاً بالفعؿ‪ ،‬فيذا يعني أف ىذه الرغبة قد ولدت‬
‫"فأياً كنت‪ ،‬و ّ‬
‫الكمية " ‪ ،‬وأنيا رسالتؾ عمى األرض " ‪.‬‬
‫في " النفس ّ‬
‫‪-‬حتى لو كانت الرغبة فقط ىي رغبة في الترحاؿ ؟ أو في الزواج مف ابنة تاجر أقمشة؟‬

‫الكمية تتغذى مف سعادة الناس أو مف شقائيـ‪ ،‬مف الرغبة‪ ،‬مف‬
‫أو البحث عف الكنز‪ ،‬فإف النفس ّ‬‫الغيرة‪ ،‬وانجاز األسطورة الشخصية ىو االلتزاـ األوؿ واألوحد لمناس‪ ،‬وكؿ شيء ليس إال شيئاً‬

‫واحداً ‪.‬‬

‫"وعندما تريد شيئاً ما‪ ،‬فإف الكوف بأسره يتضافر ليوفر لؾ تحقيؽ رغبتؾ ‪" .‬‬

‫المارة‪ ،‬وكاف العجوز ىو المبادر في إعادة فتح‬
‫احتفظا بالصمت لمحظة‪ ،‬راقبا فييا الساحة و ّ‬
‫الحديث ‪:‬‬
‫‪-‬لماذا ترعى الغنـ؟‬

‫‪-‬ألنني أحب الترحاؿ ‪.‬‬

‫أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربتو الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقاؿ ‪:‬‬

‫فضؿ شراء عربة صغيرة ليبيع‬
‫ىذا الرجؿ أيضاً كاف دائماً يريد الترحاؿ عندما كاف طفبلً‪ ،‬لك ّنو ّ‬‫البوشار ويجمع الماؿ طيمة سنيف عديدة‪ ،‬وعندما يصبح عجو ازً سيسافر ليمضي شي ارً في‬
‫إفريقية‪ ،‬إنو لـ يدرؾ أبداً أف االنساف يمتمؾ القدرة لينفذ مايحمـ بو ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬
‫عاؿ ‪.‬‬
‫‪-‬كاف عميو أف يكوف راعياً ػ ف ّكر الشاب‬

‫‪-‬لقد ف ّكر في ذلؾ ػ قاؿ العجوز ػ لكف باعة البوشار ذوو شخصيات أكبرـ ف تمؾ التي ىـ عمييا‬

‫يفضموف‬
‫الرعاة‪ ،‬فباعة البوشار لدييـ بيوت تؤوييـ‪ ،‬بينما الرعاة يناموت تحت النجوـ‪ ،‬والناس ّ‬
‫تزويج بناتيـ مف باعة بوشار عمى تزويجيـ مف الرعاة ‪.‬‬

‫بغصة في الصميـ‪ ،‬وىو يف ّكر بابنة التاجر‪ ،‬ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد‬
‫شعر الراعي ّ‬
‫بائع بوشار ‪.‬‬

‫‪-‬وأخي ارً ػ أردؼ العجوز ػ فإف مايف ّكر بو الناس عادة عف باعة البوشار وعف الرعاة يصبح لدييـ‬

‫أىـ مف األسطورة الشخصية ‪.‬‬

‫تصفّح العجوز الكتاب وتسمّى بقراءة صفحة منو‪ ،‬انتظر الراعي قميبلً ثـ قاطعو بنفس الطريقة التي‬

‫قوطع ىو بيا ‪:‬‬

‫‪-‬لماذا قمت لي ىذه األشياء؟‬

‫‪-‬ألنؾ تحاوؿ أف تعيش أسطورتؾ الشخصية‪ ،‬وألنؾ عمى وشؾ العدوؿ عنيا ‪.‬‬

‫‪-‬وأنت تظير دائماً في ىذه المحظات؟‬

‫‪-‬ليس بيذا الشكؿ دائماً‪ ،‬لكنني ال أتخمّى عنو أبداً ‪ ...‬فمرة أظير عمى شكؿ فكرة جديدة‪ ،‬أو‬

‫كطريقة لمتخمص مف ورطة‪ ،‬ومرة اخرى أظير في لحظة روحانية‪ ،‬أجعؿ فييا االشياء سيمة‬

‫المناؿ‪ ،‬وىكذا ‪ ...‬لكف أغمب الناس ال يبلحظوف شيئاً ‪.‬‬

‫روى أنو في االسبوع الماضي‪ ،‬كاف مجب ارً عمى الظيور ألحد المنقبيف عمى شكؿ حجر‪ ،‬فقد كاف‬

‫ىذا الرجؿ قد تخمّى عف كؿ شيء‪ ،‬ورحؿ سعياً لمحصوؿ عمى الزمرد ‪.‬‬

‫خمس سنوات عمؿ خبلليا بتكسير االحجار عمى طوؿ أحد األنيار‪ ،‬كاف قد كسر خبلليا تسعمائة‬

‫وتسعاً وتسعيف ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعيف حج ارً‪ ،‬محاالً أف يجد زمردة‪ ،‬في تمؾ األثناء ف ّكر‬
‫ٍ‬
‫عندئذ إال حجر واحدة‪ ،‬ليكتشؼ زمردتو‪ ،‬وبما أنو كاف رجبلً دأب في‬
‫بالتراجع‪ ،‬ولـ يكف ينقصو‬

‫الجد خمؼ أسطورتو الشخصية‪ ،‬فقد قرر العجوز التدخؿ‪ ،‬فتحوؿ إلى حجر تدحرجت عند أقدامو‪،‬‬
‫وتحت وطأة غضبو واحساسو باستبلبو خبلؿ خمس سنوات ضاعت مف عمره‪ ،‬قذؼ بتمؾ الحجر‬
‫إلى البعيد‪ ،‬ورماىا بقوة كبيرة جعمتيا ترتطـ بحجر أخرى‪ ،‬فتفتت لتكشؼ عف أجمؿ زمردة في‬

‫العالـ ‪.‬‬

‫قاؿ العجوز وفي عينيو شيء مف المرارة ‪:‬‬

‫‪-‬إف الناس يتعمّموف مبك ارً مبرر حياتيـ‪ ،‬وربما ليذا السبب نفسو أيضاً‪ ،‬يتخمّوف عف عاجبلً عف‬

‫المتابعة‪ ،‬لكف ىكذا ىي الدنيا ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أف نقطة البداية بالنسبة لممحادثة التي دارت بينيما كانت الكنز المخبأ ‪.‬‬
‫تذكر الشاب‬

‫ودفنت نتيجة ارتفاع مياه السيؿ نفسيا‪ ،‬واف‬
‫لقد نُبشت الكنوز بفعؿ السيؿ الجاري ػ قاؿ العجوزػ ُ‬‫كنت تريد معرفة المزيد عف كنزؾ‪ ،‬عميؾ أف تتنازؿ عف عشر قطيعؾ ‪.‬‬
‫‪-‬أفبل يمكف لعشر الكنز أف يفي باألمر؟‬

‫بدا الشيخ خائباً ‪:‬‬

‫‪-‬إذا وعدت بشيء ال تممكو بعد‪ ،‬فإنؾ ستفقد الرغبة في الحصوؿ عميو ‪.‬‬

‫قاؿ لو الراعي بأنو كاف قد وعد الغجرية بعشر الكنز ‪.‬‬

‫تأوه العجوز وصرخ ‪:‬‬

‫‪-‬محتالوف‪ ،‬عمى أية حاؿ‪ ،‬انو لجميؿ أف تتعمـ أف لكؿ شيء في الحياة ثمناً‪ ،‬وىذه ىي الفكرة‬

‫التي حاوؿ مجاىدو عيد األنوار تعميميا ‪.‬‬
‫ثـ أعاد الكتاب إلى الشاب قائبلً ‪:‬‬

‫ىيا‬
‫‪-‬غداً وفي مثؿ ىذه الساعة تصحب لي عشر قطيعؾ‪ ،‬وسوؼ أرشدؾ كيؼ تجد كنزؾ بنجاح‪ّ ،‬‬

‫مساء ‪.‬‬
‫عمت‬
‫ً‬

‫واختفى عبر إحدى زوايا الساحة ‪.‬‬

‫×××‬
‫حاوؿ الشاب الرجوع إلى قرائتو‪ ،‬لكنو لـ يتم ّكف مف التركيز‪ ،‬فقد كاف مضطرباً ومتوت ارً‪ ،‬ألنو أدرؾ‬
‫أف العجوز يقوؿ الحقيقة‪ ،‬ذىب لمبحث عف البائع المتجوؿ‪ ،‬واشترى منو كيساً مف البوشار‬

‫بل في قرارة نفسو ىي عميو أف يخبره بما قاؿ العجوز ‪.‬‬
‫متسائ ً‬

‫مف األفضؿ أحياناً‪ ،‬أف نترؾ األشياء كما ىي عميو ػ ف ّكر دوف أف يقوؿ شيئاً‪ ،‬فمو تكمـ ألمضى‬

‫بائع البوشار ثبلثة أياـ بالتفكير ليقرر إف كاف سيتخمّى عف كؿ شيء‪ ،‬لكنو كاف قد اعتاد العربة‬

‫الصغيرة ‪.‬‬

‫كاف يستطيع أف يوفر عميو ىذا االرتياب المؤلـ‪ ،‬أخذ يييـ في المدينة‪ ،‬ونزؿ حتى الميناء‪ ،‬حيث‬

‫يوجد مبنى كبير‪ ،‬ذو نوافذ خاصة‪ ،‬كاف الناس يأتوف لشراء بطاقات السفر منيا مصر ‪ ...‬إنيا‬

‫توجد في إفريقية ‪.‬‬

‫ماذا تريد؟ سأؿ موظؼ الحجز ‪.‬‬‫‪-‬ربما غداً ػ أجاب مبتعداً ‪.‬‬

‫عندما يبيع واحدة مف نعاجو‪ ،‬فإنو سيستطيع االنتقاؿ إلى الجية األخرى مف المضيؽ‪ ،‬لكف ىذه‬

‫الفكرة أرعبتو ‪.‬‬

‫‪-‬ىاىو حالـ آخر ػ قاؿ قاطع التذاكر لزميمو بينما كاف الشاب يبتعد ػ ليس لديو مايغطي نفقات‬

‫سفره ‪.‬‬

‫في حيف أنو عندما كاف اماـ الكوة‪ ،‬كاف قد ف ّكر بنعاجو‪ ،‬وامتمكو الخوؼ مف الذىاب إلييا‪ .‬فخبلؿ‬

‫وتمعـ كيؼ يجز الصوؼ‪ ،‬والعناية بالنعاج الحوامؿ‪،‬‬
‫ىاتيف السنتيف تعمّـ كؿ شيء عف تربية الغنـ‪ّ ،‬‬
‫وحماية قطيعو مف الذئاب‪ ،‬كاف يعرؼ حقوؿ ومراعي األندلس كميا‪ ،‬ويعرؼ السعر الدقيؽ ومبيع‬
‫كؿ واحده مف دوابو ‪.‬‬

‫قرر العودة إلى حظيرة صديقو عبر أطوؿ الطرؽ‪ ،‬كاف في المدينة قصر أيضاً‪ ،‬أراد تسمّؽ المنحدر‬

‫الحجري والذىاب لمجموس عمى حائط السوؽ ليستطيع رؤية أفريقية‪ ،‬فأحدىـ كاف قد شرح لو أف‬

‫العرب الذيف احتموا إسبانية كميا تقرياً‪ ،‬ولزمف طويؿ قد جاؤوا مف ىناؾ‪ ،‬لكنو يكره العرب ألنيـ‬
‫جاؤوا بالغجر ‪.‬‬

‫تحدث فييا مع‬
‫ومف األعمى‪ ،‬يستطيع أف يرى أيضاً الجزء األكبر مف المدينة والساحة التي ّ‬
‫العجوز ‪.‬‬

‫‪-‬لعف اهلل الساعة التي التقيت فييا بيذا العجوز ػ ف ّكر ػ فيو قد ذىب بكؿ بساطة لمبحث عف امرأة‬

‫قادرة عمى تفسير االحبلـ‪ ،‬فبل تمؾ المرأة‪ ،‬وال ذاؾ العجوز‪ ،‬لـ يعمّقا أية أىمية عمى كونو راع‪ ،‬فقد‬
‫كانا شخصيف منعزليف ال يعتقداف بشيء في الحياة‪ ،‬واليفيماف أف الرعاة ينتيوف في االرتباط‬
‫بدوابيـ‪ ،‬فالراعي يعرؼ بدقة كؿ واحدة منيا‪ ،‬ويعرؼ أف كانت بينيا واحدة عرجاء‪ ،‬وأيا منيا‬

‫جزىا وذبحيا‪ .‬واف قرر الرحيؿ يوماً‪،‬‬
‫ستضع بعد شيريف‪ ،‬إنو يعرؼ الكسوالت منيا ومتى يكوف ّ‬
‫فإنيا ستتألـ كثي ارً ‪.‬‬

‫أخذت الريح الشرقية تعصؼ‪ ،‬فمع ىذه الريح جاء قوـ مف السفياء الكفار‪ ،‬وقبؿ أف يعرؼ "‬

‫طريفو "‪ ،‬لـ يكف ليخيؿ إليو أف إفريقية كانت قريبة جداً‪ ،‬األمر الذي يش ّكؿ خط ارً كبي ارً‪ ،‬فالعرب‬
‫يستطيعوف غزو الببلد مف جديد‪ .‬أخذت الريح تعصؼ بقوة أكبر ‪.‬‬

‫‪-‬ىاأنذا بيف أغنامي والكنزػ قاؿ لنفسو‪ ،‬وكاف عميو أف يقرر أف يختار بيف شيء ألفو وآخر يحب‬

‫بأىمية النعاج بالنسبة إليو‪ ،‬وماجعمو يتأكد‬
‫كثي ارً لو يحصؿ عميو‪ ،‬وىناؾ ابنة التاجر‪ ،‬لكنيا ليست ّ‬
‫مف ذلؾ ىو لو أنيا لف تمتقيو مابعد الغد‪ ،‬لما كانت انتبيت إلى ذلؾ‪ :‬األياـ كميا متشابية لدييا‪،‬‬

‫وعندما تكوف األياـ تشبو بعضيا بعضاً‪ ،‬فيذا يعني أف الناس قد توقفوا عف مبلحظة األشياء‬
‫الطيبة التي تخطر في حياتيـ طالما أف الشمس تعبر السماء باستمرار ‪.‬‬

‫حدث نفسو ػ لقد تعودنا عمى ذلؾ‪،‬‬
‫‪-‬لقد غادرت أبي‪ ،‬أمي‪ ،‬وقصر المدينة التي ُولدت فييا ػ ّ‬

‫واالغناـ سوؼ تعتاد عمى غيابي ‪.‬‬

‫مف ىناؾ‪ ،‬في االعمى‪ ،‬راقب الساحة‪ ،‬كاف البائع المتجوؿ يتابع بيع بوشاره‪ ،‬جاء زوجاف شاباف‬
‫ليجمسا عمى المقعد الذي شيد حواره مع العجوز‪ ،‬ثـ تبادال قبمة طويمة ‪.‬‬

‫‪-‬بائع البوشار ‪ ...‬ػ تمتـ في نفسو دوف أف يتـ الجممة‪ ،‬ألف الرياح أخذت تعصؼ بشكؿ أقوى‪،‬‬

‫وشعر بيا تمطـ وجيو‪ ،‬إنيا جمبت العرب ببل شؾ‪ ،‬لكنيا كانت تأتي أيضاً برائحة الصحراء‪،‬‬

‫وبالنساء المحجبات‪ ،‬وتحمؿ عرؽ وأحبلـ أولئؾ الذيف كانوا قد رحموا ذات يوـ بحثاً عف المجيوؿ‪،‬‬

‫أو عف الذىب‪ ،‬والمغامرات واألىرامات ‪.‬‬

‫أخذ الشاب يغبط الريح عمى حريتيا‪ ،‬وأدرؾ أف الشيء يمنعو أف يكوف شبيياً بيا‪ ،‬فاألغناـ‪ ،‬وابنة‬

‫التاجر‪ ،‬وحقوؿ األندلس لـ تكف إال مراحؿ مف أسطورتو الشخصية ‪.‬‬
‫×××‬

‫عند ظييرة الغد التقى الراعي الشاب بالعجوز‪ ،‬وكاف قد أحضر معو ستاً مف أغنامو‪ ،‬وقاؿ لو ‪:‬‬

‫إنني مندىش فصديقي اشتري مني القطيع عمى الفور‪ ،‬فطيمة حياتو كاف يحمـ بأف يكوف راعياً‪،‬‬

‫إذف ىذا فأؿ خير ‪.‬‬

‫قاؿ العجوز ‪:‬‬

‫‪-‬األمور تسير دائماً ىكذا‪ ،‬ونحف نسمي ىذا‪ " :‬المبدأ المناسب"‪ ،‬فأنت عندما تمعب لممرة األولى‬

‫فإنؾ ستربح ربحاً مؤكداً‪ ،‬إنو حظ المبتدئ ‪.‬‬
‫‪-‬ولماذا ىذا؟‬

‫‪-‬ألف الحياة تريدؾ أف تعيش أسطورتؾ الحقيقة ‪.‬‬

‫يتفحص النعاج الستى‪ ،‬وقد الحظ إف إحداىا عرجاء‪ ،‬لكف الفتى قد شرح لو بأف ىذا ليس‬
‫ثـ بدأ ّ‬

‫ذكاء واألوفر صوفاً‪ ،‬ثـ سألو ‪:‬‬
‫بذي أىمية‪ ،‬ألنيا كانت الدابة األكثر ً‬
‫أيف يوجد الكنز؟‬‫‪-‬الكنز موجود في مصر قرب األىرامات ‪.‬‬

‫اعترتو رجفة‪ ،‬فالغجرية العجوز كانت قد قالت لو الشيء نفسو‪ ،‬لكنيا لـ تأخذ أجرىا ‪.‬‬

‫‪-‬كي تصؿ إلى كنزؾ عميؾ أف تكوف يقظاً لمعبلمات‪ ،‬فقد كتب اهلل قدرنا عمى جبيننا‪ ،‬واختار لكؿ‬

‫منا الحياة التي عميو أف يحياىا‪ ،‬وليس عميؾ إال أف تق أر ما ُكتب لؾ ‪.‬‬

‫وقبؿ أف يتمكف الشاب مف أف يقوؿ أي شيء‪ ،‬أخذت فراشة ليؿ تحوـ بينو وبيف الرجؿ العجوز‪،‬‬
‫فتذكر جده‪ ،‬ذاؾ الذي سمعو يقوـ عندما كاف طفبلً‪ ،‬إف فراش الميؿ عبلمة حظ‪ ،‬والشيء نفسو‬
‫بالنسبة لمجنادب‪ ،‬والجراد األخضر‪ ،‬والسحالي الرمادية‪ ،‬والحندقوقات ذات األوراؽ األربعة ‪.‬‬
‫‪-‬ىذا ىو تماماً ػ قاؿ العجوز الذي كاف بمقدوره قراءة أفكاره ػ كما عمّمؾ جدؾ‪ ،‬ىنا تكمف‬

‫العبلمات ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عشية‬
‫عندئذ‪ ،‬وتذكر األلؽ الذي بير عينيو‬
‫ثـ فتح المعطؼ الذي يتمؼ بو‪ ،‬فتأثر الفتى بما رآه‬
‫ّ‬

‫مرصعة باالحجار الكريمة ‪.‬‬
‫البارحة‪ ،‬فقد كاف العجوز يتقمّد قبلدة مف الذىب ّ‬
‫قد كاف ممكاً حقيقياً‪ ،‬وكاف لزاماً عميو أف يتن ّكر بيذا الزي ليتحاشى قطاع الطرؽ ‪.‬‬

‫تسمياف "‬
‫خذ ػ قاؿ وىو ينتزع حج ارً بيضاء وأخرى سوداء‪ ،‬كانتا مثبتتيف في وسط قبلدتو ػ إنيما ّ‬‫أوريـ وتوميـ" ‪ ،‬السوداء تعني نعـ والبيضاء تعني ال‪ .‬فعندما ال تتوصؿ إلى فيـ العبلمات‪ ،‬فإف‬
‫اسع باستمرار التخاذ‬
‫ىاتيف الحجريف سيفيدانؾ‪ ،‬لكف ليكف سؤالؾ الذي تطرحو موضوعياً دائماً‪َ ،‬‬
‫وعميؾ أف تدفع مقابؿ ذلؾ ست‬
‫قرارؾ بنفسؾ‪ ،‬فالكنز موجود قرب األىرامات وىذا تعرفو مسبقاً‪،‬‬
‫َ‬
‫غنمات‪ ،‬فأنا مف ساعدؾ عمى اتخاذ القرار ‪.‬‬

‫وضع الشاب الحجريف في جعبتو‪ ،‬وسيأخذ مف اآلف فصاعداً ق ارراتو بنفسو ‪.‬‬

‫التنس عمى الخصوص أف تمضي‬
‫احد‪،‬‬
‫التنس أف الكؿ ليس إال شيئاً و ً‬
‫التنس لغة العبلمات‪ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫ َ‬‫حتى آخر أسطورتؾ الشخصية ‪.‬وقبؿ أف أودعؾ أحب أف أروي لؾ حكاية صغيرة ‪.‬‬
‫"ثمة تاجر كبير‪ ،‬أرسؿ ابنو ليكتشؼ سر السعادة عند أكثر الرجاؿ حكمة‪ ،‬مشى الولد أربعيف‬

‫يوماً في الصحراء‪ ،‬ووصؿ إخي ارً أماـ قصر جميؿ يقع عمى قمة جبؿ‪ ،‬وىناؾ كاف يعيش الحكيـ‬

‫الذي ُّ‬
‫يجد في البحث عنو ‪.‬‬

‫فبدؿ أف يمتقي رجبلً مباركاً‪ ،‬فإف بطمنا داخؿ صالة تعج بنشاط كثيؼ‪ :‬تجار يدخموف ويخرجوف‪،‬‬

‫وأناس يثرثروف‪ ،‬وفي إحدى الزوايا فرقة موسيقية صغيرة تعزؼ ألحاناً ىادئة‪ ،‬وكاف ىناؾ مائدة‬

‫محممة بمأكوالت مف أطيب وأشيى ما تنتج تمؾ البقعة مف العالـ‪ .‬ىذا ىو الحكيـ الذي يتحدث مع‬
‫ّ‬
‫ىذا وذلؾ‪ ،‬وكاف عمى الشاب أف يصبر طيمة ساعتيف حتى يأتي دوره ‪.‬‬
‫أصغى الحكيـ إلى الشاب الذي كاف شرح لو دوافع زيارتو‪ ،‬لكف الحكيـ أجابو أف الوقت لديو كي‬
‫يكشؼ لو سر السعادة‪ ،‬وطمب منو القياـ بجولة في القصر ثـ العودة لرؤيتو بعد ساعتيف ‪.‬‬

‫‪-‬أريد أف أطمب منؾ معروفاً ػ أضاؼ الحكيـ وىو يعطي إلى الشاب ممعقة كاف قد صب فييا‬

‫قطرتيف مف الزيت ػ ‪ ،‬أمسؾ الممعقة بيدؾ طواؿ جولتؾ وحاوؿ أال ينسكب الزيت منيا ‪.‬‬

‫أخذ الشاب ييبط‪ ،‬ويصعد سبللـ القصر‪ ،‬مثبتاً عينيو دائماً عمى الممعقة‪ ،‬وبعد ساعتيف عاد إلى‬
‫حضرة الحكيـ ‪.‬‬

‫‪-‬إذاً ػ سأؿ ىذا‪ ،‬ىؿ رأيت السجاد العجمي الموجود في صالة الطعاـ؟ ىؿ رأيت الحديثة التي‬

‫أمضى كبير الحدائقييف سنوات عشرة في تنظيميا؟ ىؿ الحظت أروقة مكتبتي الرائعة؟‬

‫ير شيئاً مف كؿ ىذا عمى االطبلؽ‪ ،‬فشاغمو الوحيد‬
‫كاف عمى الشاب المرتبؾ أف يعترؼ بأنو لـ َ‬
‫كاف أال تنسكب قطرتا الزيد التي عيد لو الحكيـ بيما ‪.‬‬

‫وتعرؼ عمى عجائب عالمي ػ قاؿ لو الحكيـ ػ فبل يمكف الوثوؽ برجؿ تجيؿ البيت‬
‫حسف‪ ،‬عد ّ‬‫الذي يسكنو ‪.‬‬

‫اطمأف الشاب أكثر‪ ،‬وأخذا الممعقة‪ ،‬وعاد يتجوؿ في القصر‪ ،‬معي ارً انتباىو ىذه المرة لكؿ روائع‬

‫الفف التي كانت معمقة عمى الجدراف‪ ،‬وفي السقوؼ‪ ،‬رأي البساتيف والجباؿ المحيطة بيا وروعة‬
‫الزىور‪ ،‬واالتقاف في وضع كؿ واحدة مف تمؾ الروائع في مكانيا المناسب‪ ،‬وعند عودتو إلى‬

‫الحكيـ‪ ،‬روى لو ما رآه بالتفصيؿ ‪.‬‬

‫كنت عيدت لؾ بيما؟‬
‫ولكف أيف قطرتي الزيت المتيف ُ‬‫نظر الشاب إلى الممعقة والحظ أنو قد سكبيا ‪.‬‬

‫سر السعادة ىو بأف‬
‫ ٌ‬‫حسف ػ قاؿ حكيـ الحكماء ػ ىاؾ النصيحة الوحيدة التي سأقوليا لؾ " ‪ّ :‬‬
‫تنظر إلى عجائب الدنيا كمّيا‪ ،‬ولكف دوف أف تنسى أبداً وجود قطرتي الزيت في الممعقة ‪" .‬‬

‫اع أف يحب السفر‪ ،‬لكف ليس لو‬
‫مكث الراعي صامتاً‪ ،‬كاف قد فيـ حكاية الممؾ العجوز‪ ،‬فيمكف لر ٍ‬

‫أف ينسى نعاجو أبداً ‪.‬‬

‫نظر العجوز إلى الشاب‪ ،‬وبكفيو المبسوطتيف‪ ،‬قاـ ببعض الحركات الغريبة فوؽ رأيو ثـ جمع‬

‫غنامو ومضى ‪.‬‬
‫×××‬

‫عمى أحد مرتفعات مدينة " طريفة " الصغيرة كاف ىناؾ حصف قديـ بناه العرب فيما مضى‪ ،‬ومف‬

‫يجمس عمى أسواره يستطيع أف يرى مف ىناؾ بائع البوشار وجزءاً مف إفريقية ‪.‬‬

‫"ممكي صادؽ " ممؾ " سالـ "‪ ،‬يجمس ىذا المساء عمى متاريس الحصف‪ ،‬ويشعر بالريح الشرقية‬

‫وسيدىا‪،‬‬
‫تمطـ وجيو‪ ،‬كانت األغناـ قريبة منو تتوقؼ عف الحركة كدرة وقمقة بسبب تبدؿ راعييا ّ‬

‫والتغيرات التي حصمت‪ ،‬فإف كؿ ماكانت ترغب بو‪ ،‬ىو ماتأكمو وتشربو ‪.‬‬

‫كاف يراقب القارب الصغير الذي يبتعد عف الميناء‪ ،‬لف يمتقي ىذا الشاب مف جديد‪ ،‬وذلؾ بعد أف‬

‫يجعمو يدفع العشر مثمما أنو لـ يكف قد لقى إبراىيـ‪ ،‬ألف لآللية أساطير خاصة‪ ،‬وليس ليا‬

‫أمنيات ‪.‬‬

‫غير أف ممؾ " سالـ "‪ ،‬ومف عميؽ ضميره قد تمنى لمشاب النجاح ‪.‬‬

‫ماتحدث عني‬
‫عمي أف أكرره لو مرات عديدة‪ ،‬حتى إذا‬
‫ّ‬
‫لؤلسؼ ! سينسى إسمى عما قريب‪ ،‬كاف ّ‬
‫استطاع أف يقوؿ إنني " ممكي صادؽ " ممؾ " سالـ ‪".‬‬
‫لتوه ‪:‬‬
‫ثـ رفع عينيو إلى السماء‪ ،‬مشوشاً قميبلً مما كاف يف ّكر بو ّ‬

‫‪-‬أنا أدرؾ أف ىذا ليس إال أباطيؿ‪ ،‬كما قمت أنت نفسؾ يا إليي‪ ،‬لكف الممؾ العجوز يشعر أحياناً‬

‫بالحاجة لمشعور باالعتزاز بالنفس ‪.‬‬
‫×××‬

‫حدث الشاب نفسو ‪.‬‬
‫ياليا مف بمد غريب إفريقية ىذه ! ّ‬‫كاف جالساً في مكاف ما يشبو المقيى‪ ،‬وسائر المقاىي التي استطاع رؤيتيا‪ ،‬وىو يعبر أزقّة‬

‫المدينة الضيقة‪ .‬كاف ىناؾ رجاؿ‪ ،‬يد ّخنوف غميوناً ضخماً يتبادلونو مف فـ إلى فـ ‪.‬‬

‫وخبلؿ عدة ساعات رأى رجاالً يتجولوف يداً بيد‪ ،‬ونساء محجبات‪ ،‬ورجاؿ ديف يصعدوف إلى قمـ‬

‫أبراج عالية‪ ،‬ويؤذنوف‪ ،‬بينما كاف سائر الناس يركوف‪ ،‬ويمطموف رؤوسيـ باألرض ‪.‬‬
‫سره ‪.‬‬
‫‪-‬إنيا ممارسات الكفّار ػ قاؿ في ّ‬

‫فعندما كاف طفبلً‪ ،‬اعتار أف يرى في كنيسة قريتو تمثاالً لمقديس " جاؾ األعظـ " ممتطياً حصانو‬

‫مجرداً سيفو‪ ،‬واطئاً بقدميو شخصيات مشابية ليؤالء الناس ‪.‬‬
‫األبيض‪ّ ،‬‬
‫كاف يشعر بالغـ والوحدة بشكؿ مخيؼ‪ ،‬نظرة تشاؤـ‪ ،‬زد عمى ذلؾ أنو في غمرة الترحاؿ الطويؿ قد‬
‫نسي واحدة مف الجزيئات‪ ،‬يمكف ليا أف تبعده عف كنزه كثي ارً مف الوقت‪ :‬في تمؾ الببلد يتكمّموف‬

‫العربية ‪.‬‬

‫يقدمو لطاولة أخرى‪،‬‬
‫اقترب صاحب المقيى‪ ،‬فأشار إليو بإصبعو أف يحضر لو مشروباً كاف قد رآه ّ‬
‫المر‪ ،‬وتمنى لو كاف خم ارً ‪.‬‬
‫إنو الشاي ّ‬
‫لكف الوقت كاف غير مناسب بالتأكيد ألف يشغؿ بالو بمثؿ ىذه األمور‪ ،‬فأولى بو أال يف ّكر اآلف إال‬

‫بكنزه‪ ،‬والطريقة التي تم ّكنو مف الحصوؿ عميو‪ ،‬فبيع أغنامو م ّكنو مف امتبلؾ مبمغ ميـ نسبياً‪،‬‬

‫كاف يعمـ أف لمماؿ جانبو السحري‪ ،‬فيو يمنح االنساف الشعور باألماف وبأنو ليس وحيداً تماماً‪،‬‬

‫ومف الممكف أف ينتيي األمر خبلؿ أياـ‪ ،‬ويجد نفسو عند أقداـ األىرامات‪ ،‬فالرجؿ المسف‪ ،‬وبيذا‬

‫الذىب البلمع عمى صدره‪ ،‬ليس بحاجة مطمقاً ألف يروي األكاذيب كي يحصؿ عمى ست غنمات ‪.‬‬

‫حدثو الممؾ العجوز عف عبلمات‪ ،‬وخبلؿ عبور المضيؽ‪ ،‬ف ّكر كثي ارً بيا ‪.‬‬
‫لقد ّ‬
‫يتحدث‪ ،‬فطيمة الوقت الذي كاف قضاه في أرياؼ األندلس كاف معتاداً أف‬
‫نعـ إنو يدرؾ تماماً عما ّ‬

‫معيناً‬
‫يق أر عمى األرض وفي السماوات المؤشرات المتعمّقة بالدرب التي عميو أف يسمكيا‪ ،‬واف طائ ارً ّ‬

‫عمى يدؿ عمى وجود أفعى بالقرب منو‪ ،‬وشجرة تدؿ عمى وجود الماء عمى بضع كيمومترات مف‬

‫المكاف‪ ،‬األغناـ عمّمتو كؿ ىذه األشياء ‪.‬‬

‫بل‪ ،‬وىو الذي سييدي اإلنساف ػ قاؿ لنفسو‪ ،‬فشعر باالطمئناف‪،‬‬
‫‪-‬اإللو ىو الذي ييدي األغناـ فع ً‬

‫وبدا لو الشاي أقؿ مرورة ‪.‬‬

‫‪-‬مف أنت؟ سمع سؤاالً بالمغة االسبانية ‪.‬‬

‫شعر بارتياح كبير‪ ،‬فيو كاف يحمـ بعبلمات‪ ،‬وىاىو قد ظير مف ينبئ بيا ‪.‬‬
‫‪-‬كيؼ لؾ أف تتكمـ اإلسبانية؟ سأؿ الشاب ‪.‬‬

‫كاف القادـ الجديد‪ ،‬شاباً يرتدي الزي العربي‪ ،‬أما لوف بشرتو يجعؿ المرء يحسبو مف أبناء المدينة‪،‬‬
‫وكانا يبدواف متقاربيف في السف والطوؿ ‪.‬‬

‫‪-‬كؿ الناس ىنا يتكمّموف اإلسبانية تقريباً‪ ،‬فميس بيننا وبيف أسبانية إال أقؿ مف ساعتيف ‪.‬‬

‫‪-‬اجمس واطمب لنفسؾ شيئاً عمى حسابي‪ ،‬أما أنا فاطمب لي خم ارً‪ ،‬فأنا أشمئز مف ىذا الشاي ‪.‬‬

‫اليوجد خمر في ببلدنا‪ ،‬فالديف يمنعو ‪.‬‬‫ٍ‬
‫عندئذ أخبره الشاب بأف عميو أف يتوجو إلى األىرامات ‪.‬‬

‫فضؿ أخي ارً أال يقوؿ شيئاً‪ ،‬فقد كاف بمقدور العربي أف يقوده‬
‫وقد أوشؾ أف يتحدث عف كنزه‪ ،‬لك ّنو ّ‬

‫إلى ىناؾ مقابؿ حصة مف الكنز‪ ،‬وتذكر ما كاف قد قالو العجوز حوؿ موضوع االقتراحات ‪.‬‬
‫‪-‬أود لو تقودني إلى ىناؾ إف كاف ىذا ممكناً‪ ،‬أستطيع أف أدفع لؾ ما تستحقو كدليؿ ‪.‬‬

‫ىؿ لديؾ فكرة عف كيفية الذىاب إلى ىناؾ؟‬‫ٍ‬
‫عندئذ أف صاحب المقيى كاف عمى مقربة منو‪ ،‬يصغي بانتاه إلى المحادثة‪ ،‬أزعجو حضوره‬
‫الحظ‬

‫يضيع ىذه الفرصو ‪.‬‬
‫قميبلً‪ ،‬لكف البأس فقط حظي بدليؿ ولف ّ‬
‫قاؿ القادـ الجديد‪ :‬عميؾ اجتياز الصحراء اإلفريقية الكبرى‪ ،‬وىذا سيتطمب منؾ الماؿ‪ ،‬فقبؿ كؿ‬‫شيء أريد أف أعمـ إف كنت تممؾ ما يكفي ‪.‬‬

‫وجد الشاب في سؤاؿ الفتى شيئاً مف الفضوؿ‪ ،‬لك ّنو كاف يثؽ بالرجؿ العجوز‪ ،‬الذي قاؿ لو أنو‬

‫عندما يصمـ المرء عمى تحقيؽ شيء ما‪ ،‬فإف العالـ كمو يتضافر في صالحو ‪.‬‬

‫سحب نقوده مف جيبو‪ ،‬وأراىا لرفيقو الجديد‪ ،‬اقترب صاحب المقيى ونظر أيضاً‪ ،‬تبادؿ الرجبلف‬

‫بضع كممات بالمغة العربية‪ ،‬وبدا صاحب المقيى غاضباً ‪.‬‬

‫ىيا بنا ػ قاؿ الفتى ػ فيو اليريد بقاءنا ىنا ‪.‬‬
‫ ّ‬‫أحس الشاب بنفسو أكثر اطمئناناً‪ ،‬قاـ لكي يدفع الحساب‪ ،‬لكف صاحب المقيى أخذه مف ذراعو‪،‬‬
‫وراح يممي عميو محاضرة طويمة دوف توقؼ‪ ،‬كاف الشاب قوياً لكنو في بمد غريب‪ ،‬أما صاحبو‬

‫الجديد‪ ،‬فقد دفع صاحب المقيى جانباً وصحبو لمخارج ‪.‬‬

‫مالؾ‪ ،‬فػ " طنجة " ليست كسائر إفريقية‪ ،‬نحف ىنا في ميناء‪ ،‬والموانئ تكوف دائماً وك ارً‬
‫‪-‬إنو يريد َ‬

‫لمصوص ‪.‬‬

‫ىب لمساعدتو‪ ،‬في الوقت الذي وجد نفسو في موقؼ‬
‫كاف يستطيع أف يثؽ بصديقو الجديد‪ ،‬الذي ّ‬
‫وعده ‪.‬‬
‫صعب‪ ،‬سحب مالو مف جيبو ّ‬

‫قاؿ اآلخر وىو يتناوؿ الماؿ ‪:‬‬

‫‪-‬غداً نستطيع الوصوؿ إلى األىرامات‪ ،‬لكف يجب أف أشتري جمميف ‪.‬‬

‫الضيقة‪ ،‬وفي كؿ الزوايا والحنايا‪ ،‬كانت ىناؾ بضائع معروضة‬
‫وانطمؽ اإلثناف في أزقّة " طنجة "‬
‫ّ‬
‫عمى مباسط لمبيع‪ ،‬وصبل أخي ارً إلى وسط ساحة كبيرة كاف يشغميا سوؽ أسبوعي‪ ،‬آالؼ مف‬

‫ينس‬
‫األشخاص يتحادثوف‪ ،‬يبيعوف ويشتروف‪ ،‬لـ يرفع الشاب نظره عف صديقو الجديد‪ ،‬فيو لـ َ‬
‫أف مالو كمّو صار اآلف بيف يديو‪ ،‬كاف يود لو يستطيع أف يطمب استرجاعو‪ ،‬لكف شعر في قرارة‬
‫نفسو أف في ىذا شيئاً مف عدـ المباقة‪ ،‬فيو لـ يكف يعرؼ عادات ىذه الببلد العربية التي يطأ‬

‫أرضيا اآلف ‪.‬‬

‫‪-‬تكفي مراقبو‪ ،‬فيو أقوى منو ػ قاؿ في نفسو ‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬وفي وسط ىذه األكواـ مف البضائع‪ ،‬وقعت عيناه عمى أجمؿ سيؼ رآه في حياتو‪ ،‬غمده مف‬

‫مرصع باألحجار الكريمة‪ .‬فعاىد نفسو عمى أف يشتري ىذا السيؼ عندما‬
‫فضة‪ ،‬ومقبضو أسود‪ّ ،‬‬
‫يعود مف مصر ‪.‬‬

‫قاؿ لصاحبو ‪:‬‬

‫‪-‬اسأؿ التاجر كـ سعره؟‬

‫وقد الحظ أنو استغرؽ ثانيتيف مف الغفمة فقط وىو يتأمؿ السبلح‪ ،‬انقبض قمبو كما لو أف صدره‬

‫مسمر العينيف في‬
‫تقمّص فجأة‪ ،‬خشي االلتفات حولو‪ ،‬فيو يعمـ ّ‬
‫جيداً ما الذي ينتظره‪ ،‬وبقي ّ‬
‫السيؼ‪ ،‬وأخي ارً تسمّح بالشجاعة واستدار‪ ،‬كاف كؿ شيء حولو‪ ،‬السوؽ‪ ،‬الناس الذيف كانوا‬

‫يروحوف ويجيئوف‪ ،‬يصرخوف‪ ،‬يشتروف السجاد‪ ،‬والبندؽ والخس بجوار أطباؽ النحاس‪ ،‬والرجاؿ‬

‫الذيف كانوا يسيروف يداً بيد‪ ،‬والنساء المحجبات‪ ،‬والعطور الغريبة‪ ،‬لكف مامف أثر لصديقو‪ ،‬مامف‬
‫شيء عمى اإلطبلؽ‪ ،‬الظؿ لو ‪.‬‬

‫حاوؿ أف يقنع نفسو في بداية األمر‪ ،‬أنو وصديقو قد ضبلّ بعضيما وغابا عف أبصار بعضيما‬
‫بعضاً صدفةً‪ ،‬فقرر أف يبقى في مكانو عمى أمؿ أف يعود إليو صديقو قريباً ‪.‬‬

‫وبعد وقت قصير صعد رجؿ إلى أحد تمؾ األبراج المشيورة‪ ،‬وبدأ باآلذاف‪ ،‬وكؿ الموجوديف جثوا‪،‬‬
‫ولطموا األرض‪ ،‬بجباىيـ‪ ،‬وأخذوا يرتموف‪ ،‬ثـ بعد ذلؾ‪ ،‬وكمستعمرة مف النمؿ في غمرة العمؿ‪،‬‬

‫حزموا يرتموف‪ ،‬ثـ بعد ذلؾ‪ ،‬وكمستعمرة مف النمؿ في غمرة العمؿ‪ ،‬حزموا بضائعيمو انصرفوا ‪.‬‬

‫راقب الشاب الشمس فترة طويمة‪ ،‬إلى أف اختفت ىي أيضاً خمؼ البيوت البيضاء المحيطة‬

‫وتخيؿ كيؼ أنو عندما أشرقت عميو ذات صباح كاف مايزاؿ عمى أرض قارة أخرى‪ .‬كاف‬
‫بالساحة‪،‬‬
‫ّ‬
‫راعياً‪ ،‬وكاف لديو ستوف غنمة‪ ،‬وكاف عمى موعد مع الفتاة الشابة‪ ،‬وفي الصباح أثناء تجوالو في‬

‫األرياؼ‪ ،‬كاف يعمـ مايمكف أف يتعرض إليو‪ ،‬واآلف ومع الشمس التي تغيب في ٍ‬
‫بمد آخر‪ ،‬يجد‬
‫نفسو غريباً عمى أرض غريبة ال يستطيع حتى أف يفيـ المغة التي يتكممونيا ‪.‬‬

‫لـ يعد راعياً‪ ،‬ولـ يعد يمتمؾ شيئاً‪ ،‬والحتى الماؿ البلزـ كي يعود عمى أعقابو ويستدرؾ كؿ شيء ‪.‬‬
‫‪-‬حصؿ كؿ ىذا مابيف شروؽ وغروب الشمس نفسيا ػ قاؿ في نفسو ػ راثياً لحالو‪ ،‬مف ّك ارً بأف‬

‫األشياء تتغير أحياناً في الحياة في مدى وجيز اليسمح لممرء أف بالتعود عمى ما آلت إليو ‪.‬‬

‫كاف يخجؿ مف االستسبلـ لمبكاء‪ ،‬لـ يكف قد بكى إطبلقاً أماـ أغنامو‪ ،‬لكف ساحة السوؽ كانت‬

‫خاوية‪ ،‬وكاف ىو بعيداً عف وطنو ‪.‬‬

‫بكى وبكى‪ ،‬ألف اإللو كاف ظالماً‪ ،‬وألنو يجازي الناس الذيف يؤمنوف بأحبلميـ الخاصة ‪.‬‬

‫‪-‬عندما كنت مع أغنامي‪ ،‬كنت سعيداً أشارؾ بسعادتي كؿ مف يحيطوف بي‪ ،‬وكاف الناس يرونني‬

‫قادماً‪ ،‬ويستقبمونني استقباالً جيداً‪ ،‬أما اآلف فأنا حزيف وتعيس‪ ،‬ماذا سأفعؿ؟ سأصبح أشد لؤماً‪،‬‬
‫ولف أثؽ بأي إنساف كاف بعد اآلف‪ .‬ىناؾ شخصاً خانني‪ ،‬وسأكؿ كؿ ىؤالء الذيف وجدوا كنو ازً‬
‫مخبأة ألنني لـ أجد كنزي‪ ،‬وسأسعى باستمرار الدخار الماؿ الذي اممكو‪ ،‬فأنا مازلت ضعيفاً‬

‫لمواجية العالـ ‪.‬‬

‫ليتفحص ماكاف لديو فييا‪ ،‬فربما بقي شيء مف الوجبة التي كاف يأكميا عمى حافّة‬
‫فتح جعبتو‬
‫ّ‬
‫القارب‪ ،‬لكنو لـ يجد إال الكتاب الضخـ‪ ،‬والمعطؼ‪ ،‬والحجريف الكريمتيف المتيف كاف العجوز قد‬
‫أعطاه إياىما‪ ،‬وعند رؤيتو ليما اعتمؿ في صدره شعور بالعزاء‪ ،‬فقد كاف دفع مقابميا ست‬

‫ذىبية‪ ،‬كاف بمقدروه بيعيما وىكذا يستطيع أف‬
‫غنمات‪ ،‬إنيما حجراف ثمينتاف انتزعتا مف قبلدة ّ‬
‫يحصؿ عمى بطاقة عودتو ‪.‬‬
‫‪-‬سأصبح مف اآلف أكثر خبثاً ػ ف ّكر وىو يستخرج الحجريف ليخبئيما في قعر جيبو‪ ،‬كاف في‬

‫يعج دائماً بالمصوص ‪.‬‬
‫الميناء والشيء الصادؽ الوحيد الذي قالو ذلؾ المص‪ :‬الميناء ّ‬
‫فيـ اآلف جيود صاحب المقيى اليائسة‪ ،‬فقد كاف يحاوؿ أف يقوؿ لو بأال يثؽ بذلؾ الرجؿ‪ ،‬أنا‬
‫ككؿ اآلخريف‪ :‬أنظر إلى العالـ كما أتمنى أف يكوف‪ ،‬وليس كما تجري األمور في الواقع ‪.‬‬

‫يتفحص الحجريف الثمينتيف‪ ،‬داعبيما بمطؼ وتحسس حرارتيما ونعومتيما‪ ،‬إنيما نزه الوحيد‪،‬‬
‫بقي ّ‬
‫ومجرد لمسيما كفيؿ ألف يزرع في نفسو نوعاً مف الشعور بالسكينة فقد كانتا تذ ّكرانو بالرجؿ‬
‫ّ‬

‫العجوز‪ " :‬عندما تريد شيئاً بالفعؿ‪ ،‬فإف الوجود كمّو يتضافر ليييئ لؾ الحصوؿ عميو ‪".‬‬
‫كاف يتم ّنى لو يفيـ كيؼ يمكف ليذا أف يكوف صحيحاً ‪.‬‬

‫اآلف يجد نفسو ىناؾ عمى ساحة سوؽ مقفرة‪ ،‬اليممؾ درىماً في جيبو‪ ،‬دوف أغناـ يحرسيا في‬

‫الميؿ‪ ،‬أما الحجراف فقد كانتا تش ّكبلف الدليؿ الذي يثبت أنو قد التقى ممكاً يعرؼ أسطورتو‬

‫الجنسية األولى ‪.‬‬
‫الشخصية‪ ،‬وعمى اطّبلع بما قد فعمو بسبلح أبيو‪ ،‬وبتجربتو‬
‫ّ‬
‫الحجراف تفيداف في التنبؤ وتدعياف " أوريـ وتوميـ "‪ ،‬أعادىما إلى مكانيما في الجعبة وقرر أف‬
‫يقوـ بالتجربة‪ ،‬فالعجوز كاف قد قاؿ لو أف عميو طرح أسئمة واضحة‪ ،‬ألف الحجريف التفيداف‬

‫السائؿ في شيء إف لـ يكف يعرؼ مايريد ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ سأؿ الشاب إف كانت بركة العجوز ترافقو دائماً‪ ،‬سحب مف جيبو واحد مف الحجريف فكانت‬

‫"نعـ"‪ ،‬ثـ سأؿ ىؿ سأجد كنزي؟ وضع يده في جيبو ليمسؾ بواحدة منيا‪ ،‬عندىا انزلقتا كمتاىما مف‬
‫ثقب موجود في القماش‪ ،‬لـ يكف قد الحظ قط أف جعبتو مثقوبة‪ ،‬انحنى ليمتقط أوريـ وتوميـ‪،‬‬

‫مرت في ذاكرتو جممة أخرى‪ " :‬تعمّـ أف‬
‫ليعيدىما إلى الكيس‪ ،‬ولكف عند رؤيتو ليما عمى األرض‪ّ ،‬‬
‫تتبع وأف تحترـ العبلمات "‪ ،‬ىذا ماكاف قد قالو الممؾ العجوز أيضاً ‪.‬‬
‫عبلمة ! وشرع الشاب بالضحؾ لوحده‪ ،‬ثـ التقط الحجريف‪ ،‬أعادىما إلى جعبتو الفتوقة‪ ،‬والتي لـ‬
‫يكف لديو أية رغبة في إصبلحيا‪ .‬تستطيع الحجراف اليرب مف ىذا الثقب إف أرادتيا‪ ،‬كاف قد فيـ‬

‫أف ىناؾ بعض األشياء التي اليجوز لممرء أف يطمبيا كي الييرب مف قدره المحتوـ ‪.‬‬

‫‪-‬لقد وعدت أف أتخذ ق ارراتي الخاصة بنفسي ػ قاؿ في نفسو‪ ،‬لكف الحجريف كانتا قد أحبرتاه بأف‬

‫ممياً مف جديد إلى السوؽ‬
‫العجوز كاف دائماً إلى جانبو‪ ،‬وىذا الجواب أعاد لو الثقة بنفسو‪ .‬نظر ّ‬
‫المقفرة‪ ،‬ولـ يعد يشعر باليأس الذي كاف يعذّبو مف قبؿ‪ ،‬ولـ يعد العالـ الذي يحيط بو عالماً‬

‫غريباً‪ ،‬بؿ صار عالماً جديداً‪ ،‬فبعد كؿ شيء‪ ،‬ىذا ماكاف يرمي إليو‪ " :‬معرفة عوالـ جديدة‪ ،‬فحتى‬
‫اع آخر ‪".‬‬
‫لو لـ يصؿ إلى أىرامات مصر‪ ،‬فقد ذىب إلى أبعد مما يذىب إليو أي ر ٍ‬

‫‪-‬آه ! ليتيـ يعمموف أنو بأقؿ ساعتيف مف السفر في القارب يوجد الكثير مف األشياء المختمفة‬

‫‪ ...‬ػ قاؿ لنفسو ‪.‬‬

‫تبدى العالـ الجديد أماـ ناظريو عمى شكؿ سوؽ أسبوعية مقفرة‪ ،‬في حيف كاف قد رأى ىذا المكاف‬

‫يغص بالحياة‪ ،‬وىو لف ينساه‪ ،‬تذ ّكر السيؼ الذي دفع ثمناً غالياً مف أجؿ تأممو لحظة‪،‬‬
‫مف قبؿ ّ‬
‫وفجأة شعر أف بإمكانو أف ينظر لمعالـ إما مف خبلؿ نظرة ضحية السارؽ البائسة‪ ،‬أو مف خبلؿ‬
‫نظرة المغامر الذي يسعى وراء كنز ‪.‬‬

‫إنني مغامر يسعى بحثاً عف كنز ػ ف ّكر قبؿ أف يغط منيكاً في ٍ‬‫نوـ عميؽ ‪.‬‬
‫×××‬

‫ييزه مف كتفو‪ ،‬كاف قد ناـ وسط ساحة السوؽ األسبوعي الذي بدأت‬
‫أفاؽ وىو يحس بأف أحداً ما ّ‬
‫تدب فيو الحركة‪ ،‬نظر حولو باحثاً عف أغنامو‪ ،‬لك ّنو تنبو إلى أنو اآلف في ٍ‬
‫عالـ آخر‪ ،‬واستبدؿ‬
‫اإلحساس بالحزف الذي يكابده بإحساس السعادة‪ ،‬وأصبح بمقدوره اآلف االنطبلؽ‪ ،‬وأف يكد لمبحث‬

‫وراء الطعاـ والشراب‪ ،‬وصار أكثر إص ار ارً في البحث عف الكنز‪ ،‬لـ يكف لديو درىـ في جيبو‪ ،‬لك ّنو‬
‫يممؾ اإليماف بالحياة‪ ،‬ومساء األمس اختار أف يكوف مغام ارً مشابياً لشخصيات اعتاد أف يق أر‬

‫عنيا في الكتب ‪.‬‬

‫بتريث‪ ،‬حيث كاف التجار قد أخذوا بنصب براكاتيـ‪ ،‬فساعد رجبلً يبيع‬
‫أخذ ّ‬
‫يتنزه عمى أرض الساحة ّ‬
‫السكاكر عمى نصب براكتو‪ ،‬وكانت ترتسـ عمى وجو ىذا الرجؿ ابتسامة المثيؿ ليا‪ ،‬كاف جذالً‬

‫جيد ‪.‬‬
‫لمغاية‪ ،‬يفيض حبو ارً‪ ،‬ومنفتحاً عمى الحياة‪ ،‬ومستعداً لمقاء يوـ عمؿ ّ‬

‫تعرؼ عميو ‪.‬‬
‫ابتسامتو تذ ّكر نوعاً ما بالشيخ‪ ،‬ذلؾ الممؾ العجوز الغريب‪ ،‬الذي كاف قد ّ‬
‫‪-‬ىذا اليصنع الحموى‪ ،‬ألنو يريد السفر‪ ،‬أو الزواج مف ابنة تاجر‪ ،‬كبلّ إنو يصنع السكاكر ألنو‬

‫يحب ىذه المينة ػ ف ّكر الشاب ػ ثـ الحظ أنو كاف قاد ارً عمى فعؿ مايفعمو الشيخ‪ ،‬وىو معرفة إف‬

‫كاف المرء قريباً أو بعيداً عف أسطورتو الشخصية ‪.‬‬
‫تبينت ذلؾ أبداً ‪.‬‬
‫‪-‬ىذا سعؿ مع أنني لـ أكف قد ّ‬

‫أعد مف الحموى‪ ،‬فأكميا بسرور كبير‪ ،‬ثـ شكره‬
‫قدـ لو الرجؿ ما ّ‬
‫عندما فرغا مف تركيب البراكة‪ّ ،‬‬
‫وانطمؽ في طريقو‪ ،‬وبعد أف ابتعد قميبلً عنو رواده التفكير بأف البراكة قد نصبت مف قبؿ شخصيف‬

‫اثنيف‪ ،‬أحدىما يتكمّـ العربية‪ ،‬واآلخر األسبانية‪ ،‬ومع ذلؾ كانا متفاىميف ‪.‬‬

‫حدث نفسو ػ لقد حصمت عمى ىذه الخبرة مف ِق َبؿ األغناـ وىاأنذا‬
‫توجد لغة فيما وراء الكممات ػ ّ‬‫أتوصؿ إلى ذلؾ مع البشر ‪.‬‬
‫ّ‬
‫إنو يتعمّـ أشياء جديدة ومتنوعة كاف قد اختبرىا مف قبؿ‪ ،‬ومع ذلؾ فيي جديدة ألنيا قد وجدت‬
‫مصادفة عبر دربو دوف أف يكوف قد حسب ليا حساباً‪ ،‬ىذا ألنو اعتاد عمى مثؿ ىذه األشياء ‪.‬‬
‫الستطعت ف ّؾ رموز العالـ ‪.‬‬
‫لو أستطيع أف اتعمّـ فؾ رموز ىذه المغة التي تتجاوز الكممات‬‫ُ‬
‫" ‪-‬كؿ شيء ىو شيء واحد وفريد " ‪ ،‬ىذا ماقالو الرجؿ العجوز ‪.‬‬

‫قرر أف يجوب بكؿ ىدوء شوارع " طنجة " الصغيرة‪ ،‬فبيذه الطريقة فقط سينجح بإدراؾ العبلمات‪،‬‬

‫وىذا يتطمّب دوف شؾ قد ارً كبي ارً مف الصبر‪ ،‬لكف الصبر ىو الفضيمة األولى التي يتعمّميا الراعي ‪.‬‬

‫عممياً‪ ،‬في ىذا العالـ الغريب‪ ،‬الدروس نفسيا التي تعمّميا مف أغنامو ‪.‬‬
‫يطبؽ‬
‫ّ‬
‫ومرة أخرى فيـ كيؼ ّ‬
‫" ‪-‬فك ّؿ شيء ىو شيء واحد وفريد "‪ ،‬كاف قد قاؿ الرجؿ العجوز ‪.‬‬
‫×××‬

‫الزجاجيات شروؽ الشمس‪ ،‬فأحس بالغـ الذي كاف يكابده عند مطمع كؿ صباح‪ ،‬فيو‬
‫رأى تاجر‬
‫ّ‬
‫قمة طريؽ منحدرة‪ ،‬ومف النادر‬
‫في المكاف نفسو منذ مايقارب الثبلثيف عاماً‪ ،‬وكاف متجره يقع في ّ‬
‫يغير مينتو‪ ،‬فكؿ ماكاف قد تعمّمو‬
‫مرور زبوف واحد مف ىناؾ‪ ،‬وقد فات األواف عمى التاجر كي ّ‬
‫الزجاجيات ‪.‬‬
‫عبر حياتو كمّيا ىو بيع وشراء‬
‫ّ‬
‫جاء وقت صار فيو متجره معروفاً مف ِقبؿ كثير مف الناس ‪.‬‬

‫وجنود ألماف‪ ،‬وكمّيـ لدييـ الماؿ الوفير‪ ،‬في حيف أف‬
‫تجار عرب‪ ،‬جيولوجيوف فرنسيوف وانكميز‪،‬‬
‫ٌ‬
‫غنياً‪ ،‬وسيكوف‬
‫تخيؿ كيؼ سيصبح رجبلً ّ‬
‫بيع الزجاج في ذلؾ الوقت كاف يش ّكؿ مغامرة كبيرة‪ ،‬وقد ّ‬
‫كميف عندما يشيخ ‪.‬‬
‫عنده تمؾ االنسوة الجميبلت‬
‫ّ‬
‫مضى الوقت بطيئاً‪ ،‬والمدينة عمى حاليا‪ ،‬وازدىرت مدينة " سبتة " أكثر مف " طنجة " وأخذت‬

‫التجارة منحنى آخر‪ ،‬ولـ يبؽ بعد زمف قميؿ إال بعض المحبلّت القميمة في المرتفع‪ ،‬ولف يأتي مف‬
‫يتسمّؽ طريقاً منحدرة مف أجؿ ىذه المخازف التعيسة ‪.‬‬

‫أما تاجر األواني فمـ يكف ليممؾ الخيار‪ ،‬فقد عاش الثبلثيف عاماً مف عمره في بيع وشراء‬

‫الزجاجيات‪ ،‬وصار الوقت متأخ ارً كي ينخرط باتجاه آخر ‪.‬‬
‫ّ‬
‫طواؿ فترة الصباح‪ ،‬كاف يراقب الرائحيف والغاديف القبلئؿ في الطريؽ الصغيرة‪ ،‬وىذا ماكاف يفعمو‬
‫المارة فرداً فرداً ‪.‬‬
‫منذ سنوات حتى صار يعرؼ عادات ّ‬

‫وقبؿ موعد الغداء بمحظات قميمة توقؼ شاب غريب أماـ واجية المتجر ‪.‬كاف يرتدي كسائر الناس‪،‬‬

‫الزجاجيات اكتشؼ ببصيرتو الثاقبو أنو لـ يكف يممؾ الماؿ ‪.‬‬
‫لكف تاجر‬
‫ّ‬
‫وعمى الرغـ مف ذلؾ‪ ،‬فقد قرر أف يعود إلى متجره وينتظر بضع دقائؽ حتى ينصرؼ الشاب ‪.‬‬
‫×××‬

‫عمى باب المتجر‪ ،‬كانت قد عمقت يافطة تشير إلى أف صاحبو يجيد التكمّـ بعدة لغات‪ .‬لمح الشاب‬
‫أحدىـ يظير خمؼ طاولة مبسط السمع‪ ،‬فقاؿ لو ‪:‬‬

‫‪-‬إنني أستطيع تنظيؼ ىذه المزىريات‪ ،‬ففي ىذه الحالة التي ىي عمييا‪ ،‬فإف أحداً لف يشترييا‪،‬‬

‫ىذا إف أردت ذلؾ ‪.‬‬

‫نظر التاجر دوف أف ينبس ببنت شفة ‪.‬‬

‫‪-‬بالمقابؿ‪ ،‬فإنؾ سوؼ تعطيني شيئاً آكمو‪ ،‬اتفقنا؟‬

‫بقي الرجؿ صامتاً‪ ،‬وفيـ الشاب أف عميو أف يتّخذ ق ار ارً ‪.‬كاف معطفو في جعبتو‪ ،‬ولـ يكف بحاجة‬
‫إليو في الصحراء‪ ،‬تناولو وأخذ ينظّؼ بو األواني الزوجاجية‪ ،‬وبعد نصؼ ساعة كاف قد نظّؼ‬
‫ماكاف يوجد في الواجية بينما دخؿ زبوناف واشتريا عدداً منيا‪ ،‬وعندما فرغ مف تنظيفيا كمّيا‪،‬‬

‫طمب مف صاحبيا أف يعطيو شيئاً يسد بو رمقو ‪.‬‬

‫ىيا َّ‬
‫الزجاجيات ‪.‬‬
‫نتغد ػ قاؿ تاجر‬
‫ّ‬
‫ ّ‬‫عمّؽ لوحة عمى الباب‪ ،‬وذىبا إلى مقيى صغير في أعمى المرتفع‪ ،‬وبينما كانا جالسيف عمى‬

‫الزجاجيات مبتسماً ‪:‬‬
‫الطاولة الوحيدة ىناؾ‪ ،‬قاؿ بائع‬
‫ّ‬

‫داع لتنظيؼ أي مف‬
‫لـ يكف ىناؾ أي ٍ‬‫الزجاجيات‪ ،‬فالشرع القرآني يرغـ عمى إطعاـ الجائع كائناً‬
‫ّ‬
‫مف كاف ىذا الجائع ‪.‬‬
‫‪-‬لكف لماذا تركتني أقوـ بيذا العمؿ؟‬

‫الزجاجيات كانت متّسخة‪ ،‬وأنت مثمي‪ ،‬كبلنا بحاجة لتطيير رأسو مف األفكر السيئة ‪.‬‬
‫ألف‬‫ّ‬
‫عندما فرغا مف الطعاـ‪ ،‬التفت التاجر نحو الشاب ‪:‬‬

‫الزجاجيات‪ ،‬إف في ذلؾ‬
‫كنت تنظّؼ‬
‫أريدؾ أف تعمؿ في متجري‪ ،‬فقد دخؿ اليوـ زبوناف بينما َ‬‫ّ‬

‫لعبلمة حسنة ‪.‬‬

‫عـ يتكمّموف‪ ،‬مثميـ‬
‫يت ّكمـ الناس كثي ارً عف العبلمات ػ ف ّكر الراعي ػ لك ّنيـ عمى األصح ال يعمموف ّ‬‫مثمي‪ ،‬أنا الذي لـ أكف قد الحظت أنو طيمة كثير مف السنيف كنت أتكمّـ مع أغنامي لغة دوف‬

‫كممات ‪.‬‬

‫الزجاجيات ‪.‬‬
‫ىؿ تريد أف تعمؿ لدي؟ ألح تاجر‬‫ّ‬

‫‪-‬أستطيع أف أعمؿ طيمة الوقت المتبقي مف اليوـ ػ أجاب الشاب ػ سأنظّؼ حتى طموع الفجر‬

‫الزجاجيات كمّيا‪ ،‬بالمقابؿ يمزمني بعض الماؿ كي أكوف غداً في مصر ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فجأة أخذ التاجر بالضحؾ وقاؿ ‪:‬‬

‫جيدة لقاء بيع أي قطعة منيا‪ ،‬سيمزمؾ‬
‫لو نظّفت‬‫زجاجياتي طيمة عاـ بأكممو‪ ،‬أو كسبت عمولة ّ‬
‫ّ‬
‫اقتراض الماؿ الكثير كي تذىب حتى مصر‪ ،‬فآالؼ الكيمومترات الصحراوية تفصؿ " طنجة " عف‬

‫أىرامات مصر ‪.‬‬

‫خيـ فاصؿ مف الصمت‪ ،‬وفجأة بدت معو المدينة غافية‪ ،‬فما عاد ُيممح فييا أي نشاط‪،‬‬
‫عندىا ّ‬
‫وانتيت محادثات التجار فيما بينيـ‪ ،‬وآذاف الرجاؿ الذيف كانوا يصعدوف إلى المئذنة قد توقؼ‪ ،‬ولـ‬
‫المرصعة ‪.‬‬
‫يقد يرى تمؾ السيوؼ الجميمة ذات المقابض‬
‫ّ‬

‫شخصية‪ ،‬ال كنز ‪ ،‬ال أىرامات بعد اآلف‪ ،‬كاف يشعر‬
‫ال رجاء‪ ،‬ال مغامرة‪ ،‬ال مموؾ كبار ال أساطير‬
‫ّ‬
‫كـ لو أف العالـ بأسره قد صار أخرس‪ ،‬ألف روحو قد ُغمِّفت بالصمت ‪.‬‬

‫يبؽ ىناؾ ألـ‪ ،‬أو عذاب‪ ،‬أو إخفاؽ‪ ،‬بكؿ بساطة لـ يكف يممؾ إال نظرة جوفاء تعبر باب الحانة‬
‫لـ َ‬
‫ورغبة عارمة في الموت لدى رؤيتو كؿ شيء ينتيي في ىذه المحظة والى األبد ‪.‬‬
‫نظر إليو ذلؾ التاجر محتا ارً‪ ،‬فذلؾ السرور الذي كاف قد لمحو عمى وجيو في ذاؾ الصباح قد‬

‫اختفى فجأة ‪.‬‬

‫الزجاجيات‪ ،‬لكف الشاب بقي‬
‫أستطيع أف أعطيؾ الماؿ كي ترجع إلى ببلدؾ يا بني ػ قاؿ تاجر‬‫ّ‬
‫صامتاً‪ ،‬ثـ نيض‪ ،‬أصمح ثيابو‪ ،‬ولممـ جعبتو ‪.‬‬
‫سأعمؿ عندؾ ػ قاؿ‪ ،‬ثـ أضاؼ بعد فترة أخرى مف الصمت ‪.‬‬‫‪-‬يمزمني الماؿ لشراء بعض األغناـ ‪.‬‬

‫×××‬

‫‪::‬الجزء الثاني ‪::‬‬

‫الزجاجيات‪ ،‬لكف ىذا العمؿ لـ يكف ىو‬
‫لـ يكف قد مضى أكثر مف شير عمى عمؿ الشاب عند بائع‬
‫ّ‬
‫يكؼ عف التذمر طواؿ النيار‪ ،‬آم ارً ّإياه مف وراء طاولتو بأف‬
‫الذي يطمح إليو حقاً‪ ،‬فالتاجر لـ يكف ّ‬
‫ينتبو عمى الدواـ إلى الحاجات المعروضة خشية أف ينكسر منيا شيء‪ ،‬ولكنو بقي‪ ،‬فعمى الرغـ‬

‫متذم ارً‪ ،‬فيو عمى األقؿ لـ يكف ظالماً‪ ،‬فقد كاف يتمقّى منو عمولة البأس بيا‬
‫مف أف التاجر كاف ّ‬

‫لقاء كؿ قطعة تُباع‪ ،‬وقد استطاع حتى اآلف ادخار بعض الماؿ‪ ،‬وبعد أف قاـ بحساباتو ىذا‬
‫الصباح‪ ،‬ألفى أنو لو عمؿ طواؿ اليوـ‪ ،‬وبنفس ىذه الشروط لمزمو عاـ كامؿ كي يستطيع شراء‬
‫بعض األغناـ ‪.‬‬

‫الزجاجيات خارج المخزف‪ ،‬سيكوف مف المستطاع وضع رؼ في‬
‫إنني أود ولو أقوـ بعرض‬‫ّ‬
‫المارة مف ىناؾ في أسفؿ الجبؿ ‪.‬‬
‫الخارج‪ ،‬إنو سيجذب ّ‬

‫رؼ ! إف الناس ستصطدـ بو في الممر‪،‬‬
‫لـ يسبؽ لي أف‬‫فعمت شيئاً مماثبلً ػ أجاب التاجر ػ ّ‬
‫ُ‬
‫شـ ‪.‬‬
‫والزجاج سوؼ يتي ّ‬

‫يتعرض بعضيا لمدغة أفعى‪،‬‬
‫عندما ُ‬‫كنت اطوؼ بأغنامي في القرى‪ ،‬فقد كاف مف الممكف أف ّ‬
‫ضحية ذلؾ‪ ،‬ىذا الخطر يش ّكؿ جزءاً مف حياة األغناـ والرعاة ‪.‬‬
‫وتذىب‬
‫ّ‬
‫يمبي طمبات أحد الزبائف‪ ،‬لقد باع اآلف ثبلث مزىريات مف الكريستاؿ‪ ،‬فقد نشط البيع‬
‫راح التاجر ّ‬

‫المؤدية إلييـ‬
‫أكثر مف أي وقت مضى‪ ،‬وكأف العالـ قد عاد إلى ماكاف عميو عندما كانت الطريؽ‬
‫ّ‬
‫واحدة مف أىـ الطرؽ التي تجذب الزبائف في " طنجة ‪".‬‬

‫المارة يتزايدوف أكثر فأكثر ػ قاؿ التاجر لمستخدمو عندما انصرؼ الزبوف ػ واف مانكسو‬
‫أصبح ّ‬‫اآلف يمكف أف يؤمف لي معيشة أفضؿ‪ ،‬ويمكف أف يسمح لؾ بشراء أغنامؾ في ٍ‬
‫وقت وجيز‪ ،‬ماذا‬
‫ّ‬
‫نريد مف الحياة أكثر مف ىذا؟‬
‫‪-‬ىذا ألنو يتوجد عمينا أف نقتفي العبلمات ػ أجاب الشاب دوف تفكير ػ لك ّنو تأسؼ ألنو تكمّـ‬

‫ىكذا‪ ،‬فالتاجر لـ يكف قد ُمنّي أبداً بفرصة لقاء ممؾ ‪.‬‬
‫ىذا ىو ماداعو الشيخ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئيف "‪ ،‬ألف الحياة تريد لئلنساف أف‬‫يحيا أسطورتو الشخصية ‪.‬‬

‫عمى كؿ حاؿ‪ ،‬فيـ التاجر جيداً عـ كاف يتحدثو مستخدمو‪ ،‬فحضور ىذا األخير يمثّؿ بحد ذاتو‬

‫عبلمة‪ ،‬وعمى مر األياـ وبازدياد الماؿ الذي صار يكسبو بعد مجيئو لـ يعد نادماً عمى استئجار‬

‫ىذا الشاب األسباني‪ ،‬غير أف أجر ىذا األخير كاف أكثر مف العادي‪ ،‬وبما أنو كاف يعتقد بأف البيع‬

‫سيسر أيضاً نحو األفضؿ‪ ،‬فإنو قد دفع لمشاب مايستحقو كعمولة‪ .‬لكف حدسو كاف ينبئو أف‬

‫يغير الحديث بخصوص عرض البضائع ‪:‬‬
‫عما قريب إلى أغنامو‪ ،‬سألو كي ّ‬
‫الشاب سيعود ّ‬
‫كنت تريد الذىاب لرؤية األىرامات؟‬
‫لماذا َ‬‫تحدثوا لي كثي ارُ عنيا ػ أجاب الشاب متحاشياً الكبلـ عف حممو ‪.‬‬
‫‪-‬ألنيـ ّ‬

‫فالكنز صار اآلف مسألة ذكرى مؤلمة باستمرار‪ ،‬وكاف يحاوؿ أف يمنع نفسو مف التفكير بو بعد ‪.‬‬
‫قاؿ التاجر ‪:‬‬

‫‪-‬إنني ماعرفت أحداً ىنا أراد اجتياز الصحراء فقط كي يرى األىرامات‪ ،‬فيي ليست إال كومة مف‬

‫الحصى‪ ،‬حتى أنؾ لتستطيع أنت أف تبني لنفسؾ ىرماً في حديقتؾ ‪.‬‬

‫لتوه إلى‬
‫إنؾ لـ تحمـ إطبلقاً بالسفر ػ قاؿ الشاب وىو يمضي ليمبي طمب زبوف آخر آتى ّ‬‫المخزف ‪.‬‬

‫التحدث مع معمّمو عف رؼ البضائع‪ ،‬قاؿ ‪:‬‬
‫وفي اليوـ الثالث‪ ،‬عاد الشاب إلى‬
‫ّ‬
‫فأنت وأنا لسنا مف " حساف "‪ ،‬ذلؾ التاجر الغني الذي لف يتأثر أبداً في‬
‫أنا ال أحب التغيير كثي ارً‪َ ،‬‬‫نتحمؿ تبعة أخطائنا ‪.‬‬
‫حاؿ خسارتو بصفقة‪ ،‬أما نحف اإلثنيف‪ ،‬فسوؼ يتوجب عمينا أف‬
‫ّ‬
‫‪-‬ىذا صحيح ػ أجاب الشاب ‪.‬‬

‫سأؿ التاجر ‪:‬‬

‫رؼ العرض ىذا؟‬
‫تصر كثي ارً عمى ّ‬
‫لماذا ّ‬‫‪-‬أريد العودة بسرعة إلى أغنامي‪ ،‬وعندما تيب رياحنا فعمينا أف نغتنميا‪ ،‬وأف نعمؿ مابوسعنا كي‬

‫يحالفنا مايسمونو بػ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئ ‪" .‬‬

‫بقي التاجر صامتاً لمحظة ثـ قاؿ ‪:‬‬

‫‪-‬منحنا النبي القرآف‪ ،‬الذي فرض عمينا خمسة فروض فقط‪ ،‬عمينا مراعاتيا في حياتنا‪ ،‬األكثر‬

‫أىمية منيا ىو ذا ‪:‬وحدانية اإللة‪ ،‬والفروض األخرى ىي‪ :‬الصبلة خسمة أوقات في اليوـ‪ ،‬صياـ‬
‫ّ‬
‫يتحدث‬
‫رمضاف‪ ،‬وواجب الزكاف لمساعدة الفقراء‪ ،‬صمت بينما كانت عيناه مغرورقتيف بالدموع وىو ّ‬

‫عف النبي‪ .‬كاف رجبلً ورعاً لمغاية‪ ،‬وحتى لو كاف يبدو غالباً لجوجاً ونافذ الصبر‪ ،‬فإنو يجيد لمعيش‬
‫منسجماً مع الشرع اإلسبلمي ‪.‬‬

‫‪-‬وماىو الفرض الخامس ؟ ػ سأؿ الشاب‬

‫حممت إطبلقاً بأحبلـ السفر‪ .‬الفرض الخامس ىو أف يقوـ كؿ‬
‫منذ يوميف سألتني إف لـ أكف قد‬‫ُ‬
‫مسمـ مؤمف بالسفر‪ .‬فأنو يتوجب عمينا أف نقوـ خبلؿ عمرنا برحمة واحدة عمى األقؿ إلى مدينة‬

‫فضمت‬
‫"مكة‬
‫فتياً ّ‬
‫المكرمة"‪ .‬فػ " م ّكة " أيضاً ىي مدينة تبعد عنا أكثر مف األىرامات‪ .‬وعندما كنت ّ‬
‫ّ‬
‫أف أستثمر القميؿ نـ الماؿ الذي كنت أممكو في شؽ طريقي في ىذه التجارة‪ ،‬عمى أمؿ أف أصبح‬

‫الزجاجيات‪ ،‬ألنيا أشياء حساسة‪،‬‬
‫غنياً‪ ،‬وأممؾ الماؿ‪ ،‬لكنني لـ أكف ألستطيع أف أعيد ألحد بعناية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يمروف عمى مخزني‪ ،‬في طريقيـ إلى " مكة " ‪ ،‬كاف مف‬
‫حينذاؾ كنت أرى مجموعات مف الناس ّ‬
‫بينيـ حجاج أثرياء يرافقيـ موكب مف الخدـ‪ ،‬وجماؿ لكف معظميـ كاف أكثر فق ارً مني‪ .‬كمّيـ كانوا‬
‫يذىبوف ويعودوف سعداء‪ ،‬وكانوا يضعوف عمى أبواب مساكنيـ رموز قياميـ بالحج‪ ،‬وأحد أولئؾ‬

‫ّاء‪ ،‬وكاف يعيش مف خبلؿ إصبلح أحذية ىذا وذاؾ‪ ،‬وقد أخبرني أنو قد مشى عاماً‬
‫الحجيج كاف حذ ً‬
‫يتوجب عميو المرور عمى منازؿ‬
‫بكاممو في الصحراء‪ ،‬ولك ّنو كاف يشعر بالتعب أكثر عندما كاف ّ‬
‫كثيرة في " طنجة " لشراء الجمد ‪.‬‬

‫سأؿ الشاب ‪:‬‬

‫‪-‬لماذا التذىب اآلف إلى م ّكة ؟‬

‫لتحمؿ ىذه األياـ الرتيبة‪ ،‬وىذه‬
‫ألف مكة تجعمني‬‫ّ‬
‫اتمسؾ بالحياة‪ ،‬وىي التي تمنحني القوة ّ‬
‫المزىريات المنضدة عمى الرفوؼ‪ ،‬والغداء والعشاء في ىذا المطعـ البائس‪ ،‬وأخشى أف أحقؽ‬

‫حياً‪ .‬أما أنت ‪ ...‬فإنؾ تحمـ باألغناـ‪ ،‬وباالىرامات‪ ،‬أنت لست‬
‫حممي‪ ،‬ثـ أفقد كؿ رغبة بأف أبقى ّ‬
‫تخيمت مف قبؿ‬
‫مثمي ألنؾ تريد تحقيؽ أحبلمؾ‪ ،‬أما أنا فكؿ ما أريده ىو أف أحمـ بػ " مكة "‪ ،‬لقد ّ‬

‫المقدس‪ ،‬والدورات‬
‫آالؼ المرات‪ ،‬عبور الصحراء ووصولي إلى الساحة التي يوجد بيا الحجر‬
‫ّ‬
‫وتخيمت مف سيكوف بجانبي أو أمامي‪ ،‬مف‬
‫أتميا قبؿ أف أستطيع لمسو‪،‬‬
‫ّ‬
‫عمي اف ّ‬
‫السبع التي ّ‬
‫األقاويؿ والدعوات التي سنقوليا ونتبادليا معاً‪ .‬لكنني أخشى أال يكوف ذلؾ سوى خيبة كبيرة‪،‬‬
‫أفضؿ أف أكتفي بالحمـ ‪.‬‬
‫وليذا ّ‬
‫وفي ذلؾ اليوـ سمح التاجر لمشاب بإنشاء رؼ عرض البضائع‪ ،‬فميس بنفس الطريقة يعيش‬

‫الناس كمّيـ أحبلميـ ‪.‬‬
‫×××‬

‫رؼ البضائع يجذب إلى المتجر عدداً كبي ارً مف الزبائف‪ ،‬األمر الذي جعؿ الشاب‬
‫مر شيراف‪ ،‬وصار ّ‬
‫ّ‬
‫يحسب أنو سيستطيع خبلؿ أشير ستة العودة إلى أسبانية وشراء ستيف غنمة‪ ،‬فبأقؿ مف عاـ‬
‫سيستطيع مضاعفة قطيعو‪ ،‬وأف يتاجر مع العرب ألنو نجح في تعمّـ ىذه المغة الغريبة ‪.‬‬

‫منذ ىذا الصباح المشيود عمى أرض ساحة السوؽ‪ ،‬لـ يعد يستخدـ أبداً أوريـ وتوميـ‪ ،‬ألف مصر‬

‫الزجاجيات‪ ،‬عمى‬
‫قد أصبحت بالنسبة لو حمماً بعيد المناؿ‪ ،‬حمماً يبعد عنو كما تبعد م ّكة عف بائع‬
‫ّ‬
‫كؿ حاؿ صار مقتنعاً ََ بعممو اآلف‪ ،‬ولـ يكف يتوقؼ عف التفكير باليوـ الذي سيرسو فيو كمنتصر‬

‫في "طريفو ‪".‬‬

‫‪-‬تذ ّكر دائماً أف تعرؼ ماتريد ػ ىكذا كاف قد قاؿ الممؾ العجوز‪ ،‬والشاب كاف يعرؼ مايريد أف يعمؿ‬

‫في ىذا الصدد ‪.‬‬

‫فمف الممكف أف يكوف كنزه ىو أف يأتي إلى ىذه األرض الغريبة‪ ،‬وأف يمتقي بسارؽ‪ ،‬وأف يضاعب‬

‫أغنامو مرتيف دوف أف ينفؽ قرشاً واحداً ‪.‬‬

‫الزجاجية‪ ،‬لغة دوف كممات‪ ،‬وتفسير‬
‫ىامة كتجارة األواني‬
‫ّ‬
‫كاف فخو ارً بنفسو‪ ،‬ألنو تعمّـ أشياء ّ‬

‫العبلمات ‪.‬‬

‫في عصر ذات اليوـ‪ ،‬رأي رجبلً في أعمى المرتبفع‪ ،‬كاف ىذا الرجؿ يشكو ألنو لـ يستطع أف يجد‬
‫مكاناً مناسباً يشرب فيو شيئاً مابعد كؿ ىذا العناء‪ ،‬مف تسمّؽ المنحدر ‪.‬‬

‫بل ‪:‬‬
‫كاف الشاب يعرؼ اآلف لغة العبلمات فراح يبحث عف معمّمو ليكمّمو قائ ً‬

‫نقدـ الشاي لمناس الذيف يتسمّقوف المنحدر ‪.‬‬
‫عمينا أف ّ‬‫أجاب التاجر ‪:‬‬

‫يوجد ىنا الكثر مف األماكف التي يمكف أف يُشرب فييا الشاي ‪.‬‬‫سيعجبوف‬
‫سيكوف بإمكاننا تقديـ الشاي إلى الزبائف في أقداح مف الكريستاؿ‪ ،‬بيذه الطريقة ُ‬‫بالشاي‪ ،‬وسيبتاعوف األواني الزجاجية ألف أكثر مايفتف الناس ىو الجماؿ ‪.‬‬

‫أخذ التاجر يطمب رأي مستخدمو دوف أف يجيب بشيء لكف في ذلؾ المساء بالذات‪ ،‬وبعد أف أدى‬

‫صواتو‪ ،‬وأغمؽ مخزنو‪ ،‬جمس عمى الرصيؼ‪ ،‬ثـ دعاه إلى تدخيف النرجيمة‪ ،‬ىذا الغميوف الغريب‬

‫الذي يد ّخنو العرب !‬
‫ٍ‬
‫شيء أنت تجري؟ سأؿ تاجر الزجاج العجوز ‪.‬‬
‫‪-‬وراء أي‬

‫‪-‬كنت قد أخبرتؾ أنني بحاجة إلى تعويض أغنامي‪ ،‬ومف أجؿ ىذا يمزمني الماؿ ‪.‬‬

‫وضع الرجؿ جمرات جديدة في النرجيمة وأخذ نفَساً طويبلً ‪.‬‬

‫الجيد مف الرديء‪ ،‬واعرؼ بعمؽ‬
‫مرت عمى إدارتي ىذا المخزف‪ ،‬فإنا أعرؼ الرجاج ّ‬
‫ثبلثوف عاماً ّ‬‫خصوصيات ىذه التجارة كمّيا‪ ،‬فأنا معتاد عمى مخزني‪ ،‬وعمى حجمو‪ ،‬وعمى زبائني‪ ،‬ولو شرعت‬

‫أىمية أكثر فأكثر‪ ،‬وسيتوجب عمي أف‬
‫في بيع الشاي بأقداح مف الكريستاؿ‪ ،‬فإف‬
‫القضية ستزداد ّ‬
‫ّ‬
‫أغير طريقتي في الحياة ‪.‬‬
‫‪-‬ألف يكوف في ىذا شيء حسف ؟‬

‫‪-‬أنا معتاد عمى نمط حياتي‪ ،‬فقبؿ مجيئؾ كنت أفكر بأنني قد أضعت وقتي بالمكاف نفسو‪ ،‬بينما‬

‫غيروا أعماليـ‪ ،‬فبعضيـ خسر‪ ،‬وبعضيـ مف ازدىر عممو‪ ،‬وىذا‬
‫أصدقائي كميـ‪ ،‬عمى العكس‪ ،‬قد ّ‬
‫ماجعمني أغرؽ في الغـ‪ ،‬وأنا أعرؼ أف األمر لـ يكف فعبلً ىكذا‪،‬‬

‫‪-‬فقد أصبح مخزني بالمستوى الذي كنت أتمناه دائماً‪ ،‬وال أريد التغيير ألنني ال أعرؼ كيؼ أتغير‪،‬‬

‫أصبحت منسجماً مع نفسي ‪.‬‬
‫وقد‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫عندئذ أردؼ العجوز ‪:‬‬
‫لـ يكف الشاب يعرؼ مايقوؿ‪،‬‬

‫كنت بالنسبة لي بركة وىا أنذا اليوـ أفيـ شيئاً‪ :‬أف أية نعمة تُرفض يمكف أف تنمقب إلى‬
‫لقد َ‬‫نقمة‪ ،‬فأنا ال أنتظر بعد شيئاً مف الحياة‪ ،‬وأنت‪ ،‬أنت تجبرني عمى استشفاؼ ثروات‪ ،‬وآفاؽ لـ‬
‫تخطر عمى بالي‪ ،‬وقد عرفتيا اآلف‪ ،‬وعرفت إمكانياتي البلمحدودة‪ ،‬وسأتألـ كثي ارً ألنني لـ أكف‬
‫ىكذا مف قبؿ‪ ،‬ألنني أدرؾ اآلف إنني أستطيع امتبلؾ كؿ شيء‪ ،‬لكنني ال أريد ذلؾ ‪.‬‬
‫‪-‬لحسف الحظ أنني لـ أكف قد قمت شيئاً لبائع البوشار ػ قاؿ الشاب في نفسو ‪.‬‬

‫تابع اإلثناف تدخيف النرجيمة والتحدث بالمغة العربية‪ ،‬بيمكا كانت الشمس تميؿ لمغروب ‪...‬‬

‫كاف الشاب مسرو ارً ألنو يتكمـ العربيو فمنذ عيد بعيد اعتقد أف نعاجو تستطيع تعميمو كؿ شيء‪،‬‬

‫لكنيا كانت عاجزة عف تعميمو المغة العربية ‪.‬‬

‫ىناؾ أشياء أخرى في العالـ ال تُحسف النعاج تعميميا لئلنساف‪ ،‬ف ّكر وىو ينظر لمتاجر دوف أف‬‫يقوؿ شيئاً‪ ،‬ىذا ألنيا التبحث عف أي شيء آخر غير الماء والكؤل‪ ،‬أظف أنيا ليست ىي التي‬

‫تعمـ‪ ،‬وانما انا مف يتعمـ ‪.‬‬

‫" ‪-‬مكتوب " ػ قاؿ التاجر أخي ارً ‪.‬‬
‫‪-‬ماذا يعني ىذا؟‬

‫‪-‬كاف يجب أف تولد عربياً كي تفيـ ذلؾ‪ ،‬لكف يمكف أف تكوف الترجمة شيء مف ىذا القبيؿ‪ " :‬ىو‬

‫يقدـ لمزبائف‬
‫شيء قد ُكتب عمينا"‪ ،‬وبينما كاف ُيطفي جمرات النرجيمة قاؿ لمشاب إنو يستطيع أف ّ‬
‫الشاء في أقداح مف الزجاج‪،‬‬
‫في بعض األحياف‪ ،‬يستحيؿ عمى المرء أف يسيطر عمى مجرى الحياة ‪.‬‬

‫×××‬

‫صار الناس يتسمّقوف الطريؽ المنحدرة‪ ،‬وكانوا يشعروف بالتعب لدى وصوليـ أعبلىا ‪.‬‬

‫لمزجاجيات الجميمة‪ ،‬وشاء بالنعناع يُشرب كمرطب لذيذ‪،‬‬
‫في عمية ذلؾ المنحدة كاف ىناؾ متجر‬
‫ّ‬
‫زجاجية رائعة ‪.‬‬
‫يقدـ ليـ في كؤوس‬
‫كاف الناس يدخموف لتناوؿ الشاس الذي ّ‬
‫ّ‬
‫‪-‬لـ تخطر بباؿ زوجتي إطبلقاً ىذه الفكرة ػ قاؿ رجؿ وقد اشترى بضع أكواب زجاجية‪ ،‬فقد كاف‬

‫لديو زوار في ذلؾ المساء‪ ،‬وسوؼ يُفتنوف بروعة ىذه األكواب‪ ،‬زبوف آخر أ ّكد مف جيتو أف‬
‫زجاجية‪ ،‬فيي تحافظ عمى طيب نكيتو‪ ،‬فشرب الشاي‬
‫قدـ بكؤوس‬
‫الشاي سيكوف أفضؿ عندما ُي ّ‬
‫ّ‬

‫زجاجية واحد مف تقاليد الشرؽ بسبب مغرياتو السحرية ‪.‬‬
‫بكؤوس‬
‫ّ‬
‫يتقصدوف الصعود حتى قمة المنحدر‪،‬‬
‫وفي وقت قصير انتشر الحبر بيف الناس‪ ،‬وبدأ الكثير منيـ‬
‫ّ‬

‫تقدـ الشاي في‬
‫ليتعرفوا عمى المتجدر الذي د ّ‬
‫شف ىذا التجديد لتجارة مندثرة‪ ،‬وافتتحت متاجر آخرى ّ‬
‫ّ‬
‫كؤوس مف الزجاج‪ ،‬لكف موقعيا لـ يكف في عالية طريؽ منحدرة‪ ،‬األمر الذي لـ يجمب ليا الزبائف‬

‫اضطر التاجر إلى تشغيؿ عامميف جديديف‪ ،‬وقد توجب عميو أف يستورد باالضافة‬
‫بسرعة كبيرة و ّ‬
‫كميات كبيرة مف الشاي كي تفي بحاجة االستيبلؾ المتزايد يوماً إثر يوـ‪ ،‬مف ِقبؿ‬
‫إلى‬
‫الزجاجيات ّ‬
‫ّ‬
‫طشيف لؤلشياء الجديدة ‪.‬‬
‫الناس والرجاؿ المتع ّ‬

‫مرت أشير ستة ‪.‬‬
‫وىكذا ّ‬
‫×××‬
‫مرت عميو منذ أف وطئت قدميو‬
‫أفاؽ الشاب قبؿ طموع السمي‪ ،‬أحد عشر شي ارً وتسعة أياـ قد ّ‬
‫إفريقية لممرة األولى ‪.‬‬

‫لبس البدلة العربية المصنوعة مف الكتّاف األبيض‪ ،‬لقد اشتراىا خصيصاً مف أجؿ ىذا اليوـ‪ .‬غطّى‬
‫رأسو بعمامة مثبتاً ّإياىا بعقاؿ مصنوع مف جمد الجمؿ‪ ،‬وأخي ارً انتعؿ صندالً جديداً‪ ،‬ونزؿ بيدوء ‪.‬‬

‫مكوف مف خبز وسمسـ‪ ،‬وشرب الشاي الساخف‬
‫تزود بفطور خفيؼ ّ‬
‫كانت المدينة ماتزاؿ غافية‪ّ ،‬‬
‫زجاجية‪ ،‬ثـ جمس عمى عتبة المخزف وأخذ يد ّخف النرجيمة وحده ‪.‬‬
‫في كأف‬
‫ّ‬

‫المستمرة التي كانت تصفر‬
‫د ّخف بصمت‪ ،‬دوف أف يف ّكر بشيء‪ ،‬دوف أف يسمع إال وشوشة الريح‬
‫ّ‬
‫حاممة معيا رائحة الصحراء‪ ،‬ثـ عندما انيى تناوؿ الشاي‪ ،‬وضع يده داخؿ واحدة مف جيوبو‪،‬‬

‫جيد مف الماؿ يمكف أف يشتري لو مائة‬
‫وظ ّؿ لمحظات يتأمؿ ماكاف قد سحبو منيا‪ ،‬إنو مبمغٌ ّ‬
‫وعشريف غنمة‪ ،‬مع بطاقة عودتو ورخصة استيراد وتصدير مف بمده والبمد الذي يقيـ فيو في‬

‫الوقت الحاضر ‪.‬‬

‫انتظر بفارغ الصبر استيقاظ التاجر العجوز مف نومو‪ ،‬قـ جاء لفتح المخزف‪ .‬وىكذا سيتناوال‬

‫سوية ىذا الصباح ‪.‬‬
‫الشاي ّ‬
‫في ىذا اليوـ سأنصرؼ ػ قاؿ الشاب ػ فقد صار لدي الماؿ البلزـ لشراء أغنامي‪ ،‬وأنت أيضاً‬‫لديؾ مايكفي كي تذىب إلى م ّكة ‪.‬‬
‫لـ يقؿ التاجر العجوز شيئاً ‪.‬‬

‫ألح الشاب ػ ساعدتني كثي ارً ‪.‬‬
‫أطمب مباركتؾ ػ ّ‬‫تابع العجوز تحضير الشاي بصمت‪ ،‬وبعد ألي استدار نحو الشاب وقاؿ ‪:‬‬
‫جيداً مثمما أنت‬
‫‪-‬أنا فخور بؾ‪ ،‬لقد أنعشت مخزني‪ ،‬ولكنني لف أذىب إلى مكف‪ ،‬أنت تعرؼ ذلؾ ّ‬

‫عمى يقيف بأنؾ لف تشتري األغناـ أبداً ‪.‬‬

‫‪-‬مف قاؿ لؾ ىذا؟ سأؿ الشاب مندىشاً ‪.‬‬

‫الزجاجيات العجوز بكؿ بساطة ‪:‬‬
‫أجاب تاجر‬
‫ّ‬
‫" ‪-‬مكتوب " ‪ ،‬ثـ باركو ‪.‬‬

‫×××‬

‫ذىب الشاب إلى غرفتو‪ ،‬وجمع متاعو الذي مؤل ثبلثة أكياس‪ ،‬ولحظة الرحيؿ تماماً انتبو إلى‬

‫اع‪ ،‬التي كانت ماتزاؿ في إحدى زوايا الغرفة‪ ،‬وىي في حالة يرثى ليا‪ ،‬لقد‬
‫جعبتو العتيقة‪ ،‬جعبتو كر ٍ‬

‫تناسى تماماً وجودىا‪ ،‬وفي داخميا يوجد كتابو القديـ‪ ،‬ومعطفو‪ ،‬والذي عندما سحبو منيا‪ ،‬ف ّكر أف‬
‫ٍ‬
‫عندئذ‬
‫كيدية ألوؿ ولد يمتقيو في طريو‪ ،‬ثـ تدحرجف الحجراف أرضاً " أوريـ وتوميـ " فتذ ّكر‬
‫يقدمو‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مر دوف أف يف ّكر في لقائو معو‪،‬‬
‫الممؾ العجوز‪ ،‬وقد اندىش تماماً لدى إدراكو أف زمناً طويبلً قد ّ‬

‫بل‪ ،‬خافض الرأي إلى‬
‫كمياً إلى العمؿ دوف انقطاع لكسب الماؿ الذي يج ّنبو العودة ذلي ً‬
‫فانصرافو ّ‬
‫أسبانية‪ ،‬ىذا الشعور سيطر عميو ومنعو مف تذ ّكر ذلؾ ‪.‬‬

‫" ‪-‬التتراجع عف أحبلمؾ‪ ،‬وكف متيقّظاً إلى العبلمات " ػ كاف قد قاؿ لو العجوز ‪.‬‬

‫التقط أوريـ وتوميـ مف عمى األرض‪ ،‬وقد تممّكو مف جديد إحساس غريب بأف الممؾ عمى مقربة‬
‫منو‪ ،‬وأنو قد عمؿ بشكؿ شاؽ طيمة سنة‪ ،‬وىاىي العبلمات تشير إلى أف لحظة االنطبلؽ قد‬

‫بدأت ‪.‬‬

‫العربية ‪.‬‬
‫أتحدث‬
‫تعممني أبداً أف ّ‬
‫ّ‬
‫سألفي نفسي عمى ماكانت عميو تماماً ػ ف ّكر ػ فالنعاج لـ ّ‬‫ومع ذلؾ فقد عمّمتو شيئاً ميماً آخر‪ ،‬وىو أف ىناؾ لغة ما في العالـ يفيميا الجميع‪ ،‬وقد‬

‫استخدميا ىو طيمة ذلؾ الوقت كي يعمؿ عمى االرتقاء بالمتجر‪ ،‬إنيا لغة الحماي‪ ،‬أشياء يقوـ بيا‬

‫المرء بحب وولع كي يحصؿ عمى نتيجة يأمميا أو يؤمف بيا‪ ،‬لـ تعد " طنجة " بالنسبة إليو مدينة‬

‫تولد لديو شعور بأنو مثمما استطاع اكتشاؼ ىذا المكاف‪ ،‬فإنو بالمثؿ يستطيع‬
‫غريبة‪ ،‬فقد ّ‬
‫اكتشاؼ العالـ ‪.‬‬

‫‪-‬عندما تبتغي شيئاً بالفعؿ‪ ،‬فإف العالـ بأسره يسعى ليسمح لؾ تحقيؽ مبتغاؾ‪ ،‬كاف قد قاؿ الممؾ‬

‫العجوز ‪.‬‬

‫لكف الممؾ العجوز لـ يتكمّـ عف لصوص الصحراء الشاسعة‪ ،‬وال عف الناس‪ ،‬الذيف يعرفوف‬

‫يتحدث عف االىرامات عمى أنيا كومة مف الحصى‪،‬‬
‫أحبلميـ وال يريدوف تحقيقيا‪ ،‬الممؾ العجوز لـ ّ‬
‫وقد نسي أف يقوؿ أيضاً أنو عند امتبلؾ الماؿ لشراء قطيع أكبر مف ذلؾ الذي كنت تممكو مف قبؿ‬
‫فبل تتردد بشرائو ‪.‬‬

‫يمبي طمبات‬
‫التقط الجعبة‪ ،‬وتناوليا مع بقية األمتعة األخرى ونزؿ السمّـ‪ .‬كاف التاجر العجوز ّ‬
‫زوجيف أجنبييف‪ ،‬بينما زبائف أخروف يتناولوف الشاي في المخزف في أقداح مف الزجاج‪ .‬بالنسبة‬

‫جيدة لنيار جديد ‪.‬‬
‫ليذه الساعة مف الصباح‪ ،‬كانت بداية ّ‬
‫ومف المكاف الذي نظر فيو لمتاجر‪ ،‬الحظ لممرة األولى أف شعره كشعر الممؾ العجوز‪ .‬ثـ تذ ّكر‬

‫ابتسامة بائع السكاكر أوؿ يوـ أفاؽ فيو " طنجة " حيث لـ يكف لديو أية فكرة أيف يذىب‪ ،‬ولـ يكف‬
‫لديو مايؤكؿ‪ ،‬فقط تمؾ االبتسامة التي استدعت في خاطره ذكرى الممؾ العجوز ‪.‬‬

‫مر مف ىنا وترؾ بصمة ػ ف ّكر الشاب‪ ،‬ربما كا واحد مف ىؤالء األشخاص سنحت لو‬
‫‪-‬إنو قد ّ‬

‫فرصة التعرؼ عمى الممؾ في لحظة أو أخرى مف حياتو‪ ،‬لقد قاؿ في الحقيقة أنو يظير دائماً لمف‬
‫يعيش أسطورتو الشخصية ‪.‬‬

‫الزجاجيات فيو اليريد أف يبكي‪ :‬كاف باالمكاف رؤيتو في ىذا الوضع‪،‬‬
‫رحؿ دوف أف يودع تاجر‬
‫ّ‬
‫سيتحسر عمى تمؾ الحقبة وعمى كؿ األشياء الحسنة التي تعمّميا ‪.‬‬
‫لكنو‬
‫ّ‬
‫وازدادت ثقتو بنفسو وأحس برغبة عارمة في اكتشاؼ العالـ ‪.‬‬

‫جيداً مف قبؿ ألرعى أغنامي مف جديد ‪.‬‬
‫‪-‬لكنني ذاىب باتجاه الريؼ الذي أعرفو ّ‬

‫لـ يعد مقتنعاً بقراره‪ ،‬إذ أنو عمؿ سنة بكامميا مف أجؿ تحقيؽ حمـ‪ ،‬صار مع مرور الوقت يفقد‬

‫المحصمة حممو ‪.‬‬
‫أىميتو شيئاً فشيئاً‪ ،‬ربما ألنو لـ يكف في‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الزجاجيات الذي قرر عدـ السفر‬
‫مف يعمـ؟ في نياية األمر‪ ،‬أليس مف األفضؿ أف نكوف كتاجر‬‫ّ‬
‫مطمقاً إلى مكة والعيش مع رغبة السفر إلييا؟ لكنو تناوؿ "أوريـ وتوميـ"‪ ،‬ىاتاف الحجراف المتاف‬

‫حدث نفسو‪ ،‬فإنو دخؿ‬
‫تمدانو بقوة وارادة ذلؾ الممؾ العجوز‪ ،‬ولعمّو بفعؿ مصادفة أو عبلمو ػ ّ‬
‫كانتا ّ‬
‫المقيى الذي دخمو في اليوـ األوؿ‪ ،‬سارقو لـ يكف ىناؾ‪ ،‬أما صاحب المقيى‪ ،‬فقد أحضر إليو‬

‫كوباً مف الشاي ‪.‬‬

‫حدث نفسو ‪ ،‬فقد تعمّمت العناية باالغناـ‪ ،‬وىذا ماال أنساه أبداً‪،‬‬
‫بمقدوري دائماً أف أعود راعياً ػ ّ‬‫لكف ربما‪ ،‬لف تتوفر لي بعد فرصة أخرى لمذىاب إلى أىرامات مصر‪ ،‬فالرجؿ العجوز كاف يمتمؾ‬
‫عمى قبلدة مف ذىب‪ ،‬وكاف يعرؼ قصتي‪ ،‬إنو ممؾ حقيقي‪ ،‬ممؾ ِ‬
‫عالـ ‪.‬‬
‫فيو عمى بعد أقؿ مف ساعتي سفر بالقارب مف سيوؿ األندلس‪ ،‬لكف بينو وبيف االىرامات ىناؾ‬
‫صحراء شاسعة ‪.‬‬

‫تصور الموقؼ كما يمي‪ :‬أنو اآلف عمى بعد ساعتيف مف كنزه‪ ،‬لكف حتى‬
‫لقد فيـ أنو يمكف أيضاً ّ‬
‫ىذه المسافة التي ال تستغرؽ أكثر مف ساعتيف مف السفر قد كمّفتو تكريس سنة كاممة مف العمؿ ‪.‬‬
‫‪-‬إنني أعرؼ جيداً لماذا أريد العودة إلى اغنامي‪ ،‬ألنني أعرؼ أنيا ال تتطمب كثي ارً مف العمؿ‪ ،‬وأف‬

‫المرء يستطيع أف يحبيا‪ ،‬لكف ال أعرؼ إف كانت يمكف لمصحراء أف تُحب‪ ،‬عمماً بأف الصحراء ىي‬

‫التي تحتوي عمى كنزي‪ ،‬واذا لـ أستطع إيجاده فبإمكاني الرجوع إلى بمدي‪ ،‬ومع ذلؾ فإف الحياة قد‬
‫أعطتني فجأة الماؿ الكافي‪ ،‬ولدي كؿ الوقت الذي أحتاجو‪ ،‬فمماذا أحجـ إذف؟‬

‫في ىذه المحظة عاوده شعور عارـ بالغبطة‪ ،‬فيو يستطيع أف يعود راعياً‪ ،‬ويستطيع أف يعود بائع‬

‫زجاجية‪ ،‬وربما يخفي العالـ كثي ارً مف الكنوز األخرى‪ ،‬لك ّنو حمـ بحمـ تكرر‪ ،‬والتقى ممكاً‪ ،‬وىذا‬
‫أواف‬
‫ّ‬
‫ال يحصؿ لكؿ الناس ‪.‬‬
‫كاف مسرو ارً لمغاية عندما خرج مف المقيى‪ ،‬فقد تذكر أحد ممولي التاجر بالبضائع‪ ،‬والذي كاف‬
‫يحمؿ إليو أوانيو الزجاجية بواسطة القوافؿ التجارية العابرة لمصحراء ‪.‬‬

‫احتفظ بأوريـ وتوميـ بيف يديو‪ ،‬فبسبب ىاتيف الحجريف ىاىو يعود إلى الدرب التي تؤدي بو إلى‬

‫كنزه ‪.‬‬

‫‪-‬إنني دائماً مع ىؤالء الذيف يعيشوف أسطورتيـ الشخصية‪ .‬كاف قد قاؿ الممؾ العجوز ‪.‬‬

‫ولـ يفتو الذىاب حتى المرفأ‪ ،‬ليعمـ إف كانت األخرامات بعيدة فعبلً ‪.‬‬
‫×××‬

‫كاف االنكميزي جالساً في مدخؿ مبنى تصدر منو رائحة الدواب والعرؼ والغبار‪ ،‬وكأنو ليس بمرفأ‬

‫وانما حظيرة لمماشية ‪.‬‬

‫حدث االنكميزي نفسو وىو يتسمّى بتقميب مجمة‬
‫ألمر عمى مكاف كيذا ػ ّ‬
‫أمضي ج ّؿ ىذه األياـ ّ‬‫كيميائة ػ عشر أعواـ مف الدراسة كي أنتيي إلى حظيرة ماشية !‬

‫كرست في البحث عف‬
‫كاف عميو أف يتابع طريقو وأف يؤمف بالعبلمات‪ ،‬فكؿ حياتو ودراساتو قد ّ‬
‫المغة الفريدة‪ ،‬التي يتحدث بيا الكوف‪ ،‬في البداية كاف قد اىتـ باالسبرانتو‪ ،‬ثـ باألدياف‪ ،‬ولينتيي‬
‫بالخيمياء‪ ،‬لقد أجاد التكمّـ بمغة االسبرانتو وانسجـ تماماً مع مختمؼ األدياف‪ ،‬لك ّنو لـ يصبح‬

‫خيميائياً بعد‪ ،‬وقد نجح دوف شؾ بتحميؿ أشياء ىامة‪ ،‬لكف أبحاثو وصمت إلى مرحمة لـ يعد‬
‫يستطيع تجاوزىا ‪.‬‬

‫حاوؿ إقامة عبلقة مع أحد الخيميائييف‪ ،‬ال عمى التعييف‪ ،‬فالخيميائيوف شخصيات غريبة ال‬

‫يف ّكروف إال بأنفسيـ‪ ،‬ويمتنعوف في أكثر األحياف عف تقديـ مساعدتيـ‪ ،‬مف يعمـ إف كانوا لـ‬

‫يكتشفوا بعد سر االنجاز العظيـ‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ " ،‬حجر الفبلسفة " ‪ ،‬وليذا السبب يتغمّقوف عمى‬

‫أنفسيـ بصمت ‪.‬‬

‫لقد أنفؽ جزءاً مف الثروة التي تركيا لو والده باحثاً دوف جدوى عف حجر الفبلسفة‪ ،‬وتردد عمى‬

‫أكبر مكتبات العالـ‪ ،‬واشتري أىـ وأندر الكتب المتعمّقة بالخيمياء‪ ،‬ففي إحداىا كاف قد اكتشؼ أف‬
‫خيميائياً عربياً زار أوروبا منذ سنوات عديدة‪ ،‬قيؿ أف عمره أكثر مف مائتي عاماً وأنو اكتشؼ‬

‫حجر الفبلسفة‪ ،‬واكسير الحياة‪ .‬لقد أثّرت ىذه القصة باالنكميزي كثي ارً‪ ،‬وكاف يمكف ليذه الرواية أف‬

‫مجرد أسطورة مف بيف سائر األساطير الكثيرة‪ ،‬لوال أف واحداً مف أصدقائو العائديف مف رحمة‬
‫تبقى ّ‬
‫حدثو عف أعرابي يممؾ قدرات خارقة ‪.‬‬
‫أثرية في الصحراء كاف قد ّ‬

‫الفيوـ " ػ كاف قد قاؿ لو ػ والناس يرووف أف عمره مائتي عاماً‪ ،‬ويستطيع‬
‫إنو يعيش في واحة " ّ‬
‫تحويؿ أي معدف إلى ذىب‪ ،‬عندىا عرؼ االنكميزي الذي أثارتو القصة انفعا ًال ببل حدود‪ ،‬فألغى في‬

‫الحؿ كافة التزاماتو السابقة‪ ،‬وجمع أىـ كتبو واآلف ىاىو ذا ىنا في ىذا المرفأ المشابو لحظيرة‬
‫الماشية ‪.‬‬

‫وفي ىذه األثناء كانت قافمة تجارية كبيرة عمى أىبة االستعداد لبلنطبلؽ الجتياز الصحراء‪ .‬وكانت‬

‫ىذه القافمة ستمر في طريقيا إلى الفيوـ ‪.‬‬

‫‪-‬البد لي مف أف ألتقي ىذا الخيميائي المعيف ػ ف ّكر اإلنكميزي ‪.‬‬

‫وأصبحت رائحة الحيوانات محتممة بعض الشيء ‪.‬‬

‫وحياه ‪.‬‬
‫دخؿ شاب عربي يحمؿ أمتعتو أيضاً إلى المبنى الذي يحؿ فيو االنكميزي ّ‬
‫‪-‬أيف تذىب؟ سأؿ العربي ‪.‬‬

‫أجاب االنكميزي ‪:‬‬

‫‪-‬إلى الصحراء‪ ،‬وعاد إلى قراءتو‪ ،‬لـ تكف لديو الرغبة في المحادثة حينذاؾ‪ ،‬إذ كاف بحاجة‬

‫سيخضعو بالتأكيد لنوع مف‬
‫لمراجعة ماكاف قد تعمّمو خبلؿ تمؾ السنوات العشرة‪ ،‬ألف الخيميائي ُ‬
‫االختبار ‪.‬‬

‫تناوؿ الفتى العربي كتاباً أيضاً وأخذ يق أر بدوره‪ ،‬لقد كتب الكتاب بالمغة األسبانية ػ يالمحظ ػ ف ّكر‬

‫لفيوـ‪ ،‬فسوؼ‬
‫االنكميزي‪ ،‬فيو يجيد األسبانية أكثر مف العربية‪ ،‬واف كاف ىذا الفتى سيذىب إلى ا ّ‬
‫يتحدث معو عندما الينيمؾ بأشياء ذات قيمة ‪.‬‬

‫×××‬
‫‪-‬ىذا مضحؾ‪ ،‬عمى أية حاؿ ػ ف ّكر الشاب بينما كاف يحاوؿ قراءة مشاىد الدفف الذي بدأت بو‬

‫القصة ‪.‬‬

‫سنتاف مرتا عمى بداية قراءتي ليذا الكتاب‪ ،‬وحتى اآلف لـ أتوصؿ إلى تجاوز أكثر مف بضع‬

‫صفحات منو‪ ،‬لـ يستطع التركيز‪ ،‬فيو مازاؿ متردداً في القرار الذي عميو اتخاذه‪ ،‬لكنو يدرؾ اآلف‬

‫أف األمر ىاماً‪ ،‬وىو أف الق اررات التمثّؿ إال البداية‪ ،‬فعندما يتّخذ أي انساف ق ار ارً فإنو ينجرؼ في‬
‫الحقيقة ضمف تيار عنيؼ يحممو نحو مصير لـ يكف قد استشفو مطمقاً‪ .‬حتى في الحمـ‪ ،‬في‬
‫المحظة التي اتخذ فييا القرار ‪.‬‬

‫‪-‬عندما اخترت الرحيؿ بحثاً عف كنزي‪ ،‬فإنني لـ أكف اتصور أبداً أنني سأعمؿ في متجر‬

‫الزجاجيات ػ ف ّكر في نفسو ليؤكد استنتاجو ػ وبالطريقة نفسيا‪ ،‬فإنو يمكف ليذه القافة أف تنسجـ‬
‫ّ‬
‫مع قرار اتخذتو‪ ،‬لكف مسيرتيا ستبقى دائماً غامضة ‪.‬‬

‫في قبالتو‪ ،‬أوروبي يق أر كتاباً أيضاً‪ ،‬إنو سمج‪ ،‬فقد نظر إليو باحتقار لدى دخموه‪ ،‬كاف مف الممكف‬
‫أف يكونا صديقيف حميميف‪ ،‬لكف األوروبي قطع الطريؽ في الحاؿ‪ ،‬أغمؽ الشاب كتابو ولـ يرد أف‬
‫يتصرؼ بأي شيء يبدو فيو مشابياً ليذا األوروبي‪ ،‬تناوؿ مف جيبو " أوريـ وتوميـ " وأخذ يمعب‬
‫ّ‬
‫بالحجريف ‪.‬‬

‫فجأة أطمؽ الغريب صرخة ‪:‬‬
‫‪-‬أوريـ وتوميـ !‬

‫وبأقصى سرعة أعاد الشاب الحجريف إلى جيبو ‪.‬‬‫‪-‬ليستا لمبيع ‪.‬‬

‫قيماً ػ قاؿ االنكميزي‪ ،‬إنما بمّورات صخرية ليس إال‪ ،‬فيناؾ مبلييف البمّورات‬
‫‪-‬إنيما ال تش ّكبلف شيئاً ّ‬

‫الصخرية عمى األرض‪ ،‬ولكف بالنسبة ليا إنيا أريـ وتوميـ‪ ،‬لـ أكف أعرؼ أنيما موجودتاف في‬
‫ىذه البقعة مف العالـ ‪.‬‬

‫قدميما لي ممؾ كيدية ػ قاؿ الشاب ‪.‬‬
‫لقد ّ‬‫مكث الغريب مطرؽ الرأس ثـ غرز يديو في جيبو وأخرج منيا وىو يرتجؼ حجريف مماثمتيف ‪.‬‬
‫‪-‬لقد تحدثت عف ممؾ ؟ !‬

‫لكنؾ ال تعتقد بأف ممكاً يستطيع التحدث إلى ر ٍ‬‫اع ػ أجاب الشاب راغباً ىذه المرة أف يضع حداً‬

‫لمحديث ‪.‬‬

‫‪-‬بالعكس تماماً‪ ،‬إف الرعاة أوؿ مف رد االعتبار لممؾ رفض بقية الناس االعتراؼ بو‪ ،‬وليس مف‬

‫الغرابة أف يتحدث المموؾ إلى الرعاة ‪.‬‬

‫ثـ أضاؼ خشية أف يستعصي الفيـ عمى الراعي ‪:‬‬

‫‪-‬لقد ورد ىذا في التوراة‪ ،‬فيو الكتاب‪ ،‬الذي عممني كيؼ أصنع ىاتيف الحجريف‪ ،‬كانتا األداة‬

‫الوحيدة لمتنبؤ الذي يبيحو اهلل‪ ،‬واألساقفة يحممونيا ضمف قبلدة ذىبية ‪.‬‬

‫أحس الشاب بالسعادة لوجوده في ىذا المكاف ‪.‬‬

‫ربما في ىذا عبلمة ػ قاؿ االنكميزي‪ ،‬كما لو كاف يف ّكر بصوت ٍ‬‫عاؿ ‪.‬‬

‫حدثؾ عف العبلمات؟ قاؿ الشاب الذي كاف اىتمامو يزداد شيئاً فشيئاً ‪.‬‬
‫‪-‬مف ّ‬

‫‪-‬كؿ شيء في الحياة عبلمة ػ قاؿ االنكميزي الذي أغمؽ اآلف المجمة التي يقرأىاػ لقد صنع الكوف‬

‫بمغة يستطيع العالـ فيميا‪ ،‬لكف األنساف نسييا‪ ،‬وأنا أبحث‪ ،‬مف بيف أشياء أخرى‪ ،‬عف ىذه المغة‬

‫بل يعرؼ ىذه المغة الكونية ‪.‬إنو خيميائي ‪.‬‬
‫عمي أف ألتقي رج ً‬
‫الكونية‪ ،‬وليذا أنا ىنا‪ّ ،‬‬
‫لكف المحادثة قط قطعت مف ِقبؿ مسؤوؿ المرفأ ‪:‬‬
‫الفيوـ بعد ظير ىذا اليوـ ‪.‬‬
‫ستنطمؽ قافمة ّ‬‫‪-‬لكنني ذاىب إلى مصر ػ قاؿ الشاب ‪.‬‬

‫الفيوـ في مصر ػ أجاب الرجؿ الضخـ‪ ،‬وأنت تبدو لي كعربي غريب ‪.‬‬
‫ ّ‬‫‪-‬إنني إسباني ‪.‬‬

‫سر االنكميزي بذلؾ‪ ،‬حتى لو ارتدى الشاب الزي العربي‪ ،‬فيو عمى األقؿ أوروبي ‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪-‬إنو يسمى العبلمات بالحظ ػ قاؿ االنكميزي لدى خروج اآلخر ػ ولو كنت استطيع أل لّفت موسوعة‬

‫ضخمة بخصوص كممتي حظ ومصادفة‪ ،‬فبياتيف الكممتيف كتبت المغة الكونية ‪.‬‬

‫ثـ تابعا الحديث‪ ،‬وقد قاؿ لو االنكميزي بأنو ليس مف قبيؿ المصادفة أف يكوف التقاه وىو يمسؾ‬
‫بأوريـ وتوميـ‪ ،‬وسألو إف كاف ىو أيضاً يمضي لمبحث عف الخيميائي ‪.‬‬
‫‪-‬انا أمضي لمبحث عف كنز ػ اجاب الشاب‪ ،‬وقد ندـ عمى ذلؾ حاالً ‪.‬‬

‫لتوه‪ ،‬ثـ قاؿ ‪:‬‬
‫لكف األنكميزي لـ يعمّؽ أية ّ‬
‫أىمية عمى ماقالو الشاب ّ‬

‫‪-‬بشكؿ أو بآخر أنا أيضاً ‪.‬‬

‫‪-‬إنني ال أعرؼ ماتكوف الخيمياء ػ أجاب الشاب في المحظة التي ناداىما فييا رئيس المرفأ في‬

‫الخارج ‪.‬‬

‫×××‬
‫‪-‬أنا رئيس القافمة ػ قاؿ رجؿ ذو لحية طويمة وعينيف سوداويف ػ واف حياة أو موت ىؤالء الذيف‬

‫أقودىـ منوط بي‪ ،‬ألف الصحراء امرأة متقمّبة األىواء‪ ،‬فيي تجعؿ الرجاؿ مجانيف أحياناً ‪.‬‬

‫كانت القافمة تضـ مايقارب المائتي شخصاً‪ ،‬وكثي ارً مف الحيوانات‪ :‬جماالً‪ ،‬خيوالً‪ ،‬بغاالً‪ ،‬وطيو ارً‪.‬‬

‫والى جانب الرجاؿ الذيف كاف بعضيـ يحمؿ سيفاً في حزامو‪ ،‬أو بندقية عمى كتفو كاف ىناؾ نسوة‬
‫وأطفاؿ‪ ،‬كاف في حوزة األنكميزي عدة حقائب سفر‪ ،‬مميئة بالكتبة‪ ،‬جمبة كبيرة كانت تييمف عمى‬
‫الساحة‪ ،‬وقد توجب عمى الرئيس أف يكرر خطابو عدة مرات كي يفيمو الجميع ‪.‬‬

‫‪-‬يوجد ىنا أنواع مختمفة مف الناس‪ ،‬في قموبيـ مختمؼ أنواع اآللية‪ ،‬أما أنا فإليي الوحيد ىو‬

‫اهلل‪ ،‬وأقسـ باهلل أنني سأفعؿ مابوسعي‪ ،‬وسأبذؿ قصارى جيدي كي أقير الصحراء ثانية‪ ،‬لكنني‬

‫أريد أف يقسـ كؿ منكـ باإللو الذي يؤمف بو مف أعماؽ قمبو‪ ،‬بأف يمتثؿ لقيادتي في كؿ الظروؼ‪،‬‬

‫التمرد في الصحراء يعني الموت ‪.‬‬
‫ألف ّ‬
‫يصـ اآلذاف مف الحشد الذي أخذ كؿ فرد مف أفراده يقسـ متخذاً إليو شاىداً لقسمو ‪.‬‬
‫ارتفع ضجيج ّ‬
‫أقسـ الشاب بالسيد المسيح‪ ،‬أما اإلنكميزي فقد احتفظ بصمتو‪ ،‬وقد استمرت التمتمة وقتاً يتجاوز‬
‫أداء القسـ‪ ،‬فقد كاف الناس يرجوف عناية السماء أيضاً ‪.‬‬

‫انطمؽ رنيف بوؽ يؤذف باالنطبلؽ‪ ،‬وامتطى كؿ واحد سرج دابتو ‪.‬اإلنكميزي والشاب كانا قد اشتريا‬

‫عبر الشاب عف شفقتو عمى مطية‬
‫جمميف‪ ،‬وواجيا صعوبة بارتقاء ظيري مطيتييما‪ ،‬وقد ّ‬
‫المحممة بأكياس ثقيمة مميئة بالكتب ‪.‬‬
‫االنكميزي‬
‫ّ‬

‫‪-‬ليس ىناؾ مصادفات ػ قاؿ االنكميزي محاو ًال متابعة المحادثة التي بدأت في المرفأ ػ إنو واحد مف‬

‫أصدقائي مف دفعي إلى المجيء إلى ىناؾ ألنو كاف يعرؼ عربياً يػ ‪...‬‬

‫لكف القافمة انطمقت وصار مف المستحيؿ أف يسمع ماكاف يرويو‪ ،‬لكف الشاب فيـ في الحاؿ ماكاف‬
‫يرمي إليو‪ ،‬فيذه السمسمة الغامضة التي تربط شيئاً بآخر والتي قادتو ليصبح راعياً‪ ،‬وأف يحمـ‬

‫مرات عديدة بالحمـ نفسو‪ ،‬والى تواجده في مدينة قريبة مف إفريقية‪ ،‬وأف يمتقي ممكاً في ساحة‪،‬‬

‫الزجاجيات و ‪...‬‬
‫وليتعرؼ عمى تاجر‬
‫وليسرؽ‪،‬‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫الشخصية دافعاً حقيقياً لمحياة ػ استنتج‬
‫كمّما اقتربنا مف تحقيؽ أحبلمنا ‪ ،‬أصبحت األسطورة‬‫ّ‬

‫محدثاً نفسو ‪.‬‬
‫الشاب ّ‬

‫يجدوف في المسير في الصباح ويتوقفوف‬
‫اتّخذت القافمة في سيرىا وجية المشرؽ‪ ،‬فكانوا ّ‬
‫لئلستراحة عندما تصبح الشمس حارقة ‪ ،‬ثـ يواصموف السفر عندما تبدأ باالنخفاض‪ ،‬لـ يكف‬

‫الشاب يتكمّـ كثي ارً مع االنكميزي‪ ،‬الذي كاف يمضي معظـ وقتو غارقاً في كتبو ‪.‬‬

‫بدأ يرقب بصمت مسير الحيوانات والناس عبر الصحراء‪ ،‬حيث صار كؿ شيء مختمفاً عما كاف‬

‫عمت الفوضى‪ ،‬وعبل الصراخ‪ ،‬وبكاء االطفاؿ‪ ،‬وحمحمة‬
‫عميو يوـ االنطبلؽ‪ ،‬ففي ذلؾ اليوـ ّ‬
‫الدواب‪ ،‬وفي وسط ىذه المعمعة كاف ىناؾ أوامر االدالء والتجار المجوجة ‪.‬‬

‫أما في الصحراء‪ ،‬فمـ يكف ىناؾ سوى الريح األ ز ّلية‪ ،‬والصمت الذي ال يبدده إال وقع حوافر‬
‫يتحدثوا فيما بينيـ إطبلقاً ‪.‬‬
‫الدواب‪ ،‬حتى األدالء لـ ّ‬

‫الجمالة ذات مساء ػ لكف الصحراء‬
‫لقد اجتزت مرات عديدة امتدادات مف الرماؿ كيذه ػ قاؿ أحد ّ‬‫ويجبر عمى أف يموذ بالصمت ‪.‬‬
‫واسعة واآلفاؽ بعيدة بحيث يشعر اإلنساف بأنو صغير جداً أماميا‪ُ ،‬‬

‫الجماؿ قولو عمى الرغـ مف أنو لـ يكف قد طرؽ الصحراء مف قبؿ‪ ،‬ولكف‬
‫فيـ الشاب ماكاف يريد ّ‬
‫في كؿ مرة كاف ينظر فييا إلى البحر أو النار ‪ ،‬كاف بمقدوره أف يقضي ساعات عديدة دوف أف‬
‫ينطؽ بكممة‪ ،‬غارقاً في قمب البعد اليائؿ والقدرة العجيبة ليذه العناصر ‪.‬‬

‫الزجاجيات‪ ،‬أستطيع أيضاً أف أتعمـ مف‬
‫لقد تتممذت مف معاشرة أغنامي‪ ،‬وتعمّمت وأنا أبيع‬‫ّ‬
‫الصحراء‪ ،‬فيي تبدو لي أكثر شيخوخة وأكثر حكمة ‪.‬‬

‫كانت الريح نفسيا في " طريفو " عندما كاف جالساً عمى األسوار‪ ،‬ربما تداعب ىذه الريح صوؼ‬
‫نعاجو اآلف‪ ،‬وىي تطوؼ أرياؼ األندلس سعياً وراء الماء والكؤل ‪.‬‬

‫‪-‬لـ تعد أغنامي ػ قاؿ لنفسو دوف أف يشعر بحنيف حقيقي إلى مسقط رأسو ػ ولعمّيا تعودت عمى‬

‫اع آخر ونسيتني بالتأكيد‪ ،‬فالوضع أفضؿ فكذا‪ ،‬فمف اعتاد عمى الترحاؿ‪ ،‬كاألغناـ يعرؼ أنو ال بد‬
‫رٍ‬

‫أف يأتي وقت يكوف فيو الرحيؿ أم ارً المفر منو ‪.‬‬

‫تذ ّكر مف ذلؾ ابنة التاجر‪ ،‬وشعر كأنو متأكد مف انيا قد تزوجت‪ ،‬ربما مف بائع بوشار‪ ،‬أو مف‬
‫راع يجيد القراءة‪ ،‬يقص عمييا عجائب الحكايات فيو ليس الوحيد الذي يستطيع أف يفعؿ ذلؾ‪،‬‬

‫لكف ىنا االحساس الباطني ولّد عنده شيئاً مف االضطراب‪ :‬ىؿ كاف يتعمّـ بدوره ىذه المغة الكونية‬
‫الشييرة التي تعرؼ ماضي وحاضر الناس قاطبة؟ إنيا ىواجس ػ كانت أمو تقوؿ ذلؾ باستمرار ‪.‬‬

‫وقد بدأ يدرؾ أف ىذه األحاسيس عبارة عف غطسات سريعة لمروح في التيار الكوني لمحياة‪ ،‬والذي‬
‫في رحمو تاريخ كؿ الناس م ِ‬
‫تحد بتاريخ واحد ‪ :‬بطريقة نتم ّكف معيا أف نعرؼ كؿ شيء‪ ،‬ألف كؿ‬
‫ُ‬
‫شيء مكتوب ‪.‬‬
‫الزجاجيات ‪.‬‬
‫" ‪-‬مكتوب " ػ قاؿ وىو يف ّكر بتاجر‬
‫ّ‬

‫فمما كانت القافمة تصؿ أما حجر كبير كانت تمؼ حوليا‪ ،‬واف‬
‫كانت الصحراء مف رمؿ ومف حجارة‪ّ ،‬‬
‫كانت كتمة صخرية فإنيا كانت ترسـ لتجاوزىا منعطفاً واسعاً‪ ،‬وعندما يكوف الرمؿ ناعماً جداً‬

‫بالنسبة لخؼ الجماؿ‪ ،‬فقد كانوا يبحثوف عف ممر يكوف فيو الرمؿ أكثر مقاومة‪ ،‬وأحياناً تكوف‬

‫األرض مغطاة بالممح وذلؾ في موقع بحيرة قديمة‪ ،‬وعندما كانت الحيوانات تعاني مف التعب‪ ،‬كاف‬

‫الجمالة ينزلوف األحماؿ عف ظيورىا ويساعدونيا بحمؿ االمتعة عمى ظيورىـ‪ ،‬وىكذا كانوا يعبوف‬
‫ّ‬
‫المرر الصعب‪ ،‬ثـ يعيدوف تمؾ األمتعة مف جديد إلى ظيور الدواب‪ ،‬واذا مرض أو مات أحد‬

‫األدالّء‪ ،‬فإنيـ كانوا يقترعوف ليختاروا بديبلً عنو ‪.‬‬

‫لـ يكف لكؿ ىذا إال سبب واحد‪ :‬فقياـ القافمة بكؿ ىذه األنعطافات ال ييـ كثي ارً ‪ ،‬طالما أف القافمة‬
‫تيمـ شطر ىدؼ واحد ‪.‬‬

‫وبعد أف تغمّبت عمى كؿ العقبات لمحت أماىا النجـ الذي كانت تيتدي بو إلى الوجية التي توجد‬
‫فييا الواحة‪ ،‬وعندما رأى الناس أماميـ عند الفجر بريؽ ىذا النجـ في السماء أدركوا أنو يدلّيـ‬

‫عمى مكاف فيو الماء والنساء والنخيؿ والتمر ‪.‬‬

‫كاف االنكميزي الشخص الوحيد الذي لـ يبلحظ البتة شيئاً مف كؿ ىذا‪ ،‬لقد كاف منيمكاً بقراءة‬

‫كتبو ‪.‬‬

‫والشاب أيضاً كاف معو كتاب‪ ،‬وقد حاوؿ قراءتو منذ األياـ األولى مف السفر ولكنو وجد في مراقبة‬

‫القافمة واالصغاء إلى الريح أم ارً أىـ مف القراءة بكثير ‪.‬‬

‫فمنذ أف تآلؼ مع جممو‪ ،‬وتعمّؽ بو‪ ،‬ألقى كتابو‪ ،‬واستراح مف عبئو‪ ،‬ومع ذلؾ فإنو في كؿ مرة كاف‬
‫أىمية ‪.‬‬
‫يتخيؿ أنو سيمقى أحداً ذا ّ‬
‫يفتح فييا ىذا الكتاب كاف ّ‬
‫الجماؿ الذي كاف يتواجد باستمرار إلى جانبو‪ ،‬وعند استراحة‬
‫صداقة وثيقة قامت بينو وبيف ّ‬
‫المساء‪ ،‬أثناء السيرة حوؿ النار‪ ،‬كاف يروي لو مغامراتو عندما كاف راعياً ‪.‬‬

‫يحدثو أيضاً عف حياتو‪ ،‬وقاؿ لو ‪:‬‬
‫الجماؿ ّ‬
‫وخبلؿ إحدى تمؾ المحادثات‪ ،‬أخذ ّ‬
‫كنت أسكف في ٍ‬‫بمدة قرب القاىرة‪ ،‬كاف لدي بستاني‪ ،‬وأطفالي‪ ،‬وحياة مف الممكف أال تتغير حتى‬

‫مماتي‪ ،‬وفي إحدى السنوات أعطى البستاف محصوالً أفضؿ بكثير مف المعتاد‪ ،‬فسافرنا جميعاً إلى‬
‫مكة ألداء الفرض الوحيد الذي لـ أكف قد أديتو حتى ذلؾ الحيف‪ ،‬فأحسست بعد ذلؾ بالطمأنينة‬

‫والراحة‪ ،‬وباستعدادي لمقاء الموت بسبلـ‪ .‬وفي يوـ مف األياـ أخذت األرض تيتز‪ ،‬وأخذ نير النيؿ‬

‫الفائض يخرج مف مجراه‪ ،‬والذي كنت أعتقد أنو لف يحصؿ إال لآلخريف‪ ،‬حصؿ لي أيضاً‪ ،‬خاؼ‬

‫جيراني مف فقد بساتيف الزيتوف بسبب الفيضاف‪ ،‬وخافت زوجتي أف ترى األطفاؿ يغرقوف‪ ،‬وخفت‬

‫أنا مف رؤية ماقد جنيتو طيمة عمري ينيار ‪.‬‬
‫وبعد لحظة تابع ‪:‬‬

‫‪-‬لـ يكف في اليد حيمة‪ ،‬ولـ يكف ىناؾ مايمكف الحصوؿ عميو مف األرض‪ ،‬فصرت مضط ارً إليجاد‬

‫جماؿ ‪.‬لكنني تم ّكنت أف استجيب لكبلـ اهلل‪ ،‬يجب عمى‬
‫وسيمة أخرى لمعيش‪ ،‬فيا أنذا اليوـ ّ‬

‫االنساف أال يخاؼ مف المجيوؿ‪ ،‬ألف كؿ انساء قادر عمى اكتساب مايريد‪ ،‬وماىو ضروري لو‪.‬‬

‫فكؿ مانخشاه ىو أف نخسر مانممؾ‪ ،‬سواء مايتعمّؽ بحياتنا أو بزروعنا‪ ،‬لكف ىذا الخوؼ يتبلشي‬

‫عندما نفيـ اف صيرورتنا وصيرورة العالـ قد خطّتيا يد واحدة ‪.‬‬
‫×××‬
‫كانت القوافؿ تتبلقى في محطة المساء‪ ،‬لدى كؿ واحدة مايمزـ لؤلخرى‪ ،‬كـ لو أف كؿ شيء كاف‬

‫فعبلً قد كتب بيد واحدة ‪.‬‬

‫الجمالة يتبادلوف المعمومات عف العواصؼ الرممية‪ ،‬ويجتمعوف حوؿ المواقد ليسردوا حكايات‬
‫كاف ّ‬
‫الصحراء‪ ،‬وفي أوقات أخرى يزورىـ رجاؿ مثمثّموف‪ ،‬كانوا مف البدو الذيف يراقبوف الطريؽ التي‬
‫ويقدموف المعمومات عف قطّاع الطرؽ أو عف القبائؿ المتمردة‪ ،‬يصموف بصمت‪،‬‬
‫تسمكيا القوافؿ‪ّ ،‬‬
‫ويرحموف بصمت ممفحيف بجبلبياتيـ ذات الموف القاتـ‪ ،‬ومثمثّميف بطريقة ال تظير منيا إال‬

‫عيونيـ ‪.‬‬

‫الجماؿ إلى الشاب واالنكميزي المذيف كانا‬
‫وفي إحدى السيرات التي عقدت حوؿ النار‪ ،‬انضـ ّ‬
‫الجماؿ ‪:‬‬
‫يجمساف قرب النار‪ ،‬فقاؿ ّ‬
‫‪-‬تنتشر إشاعات بأف حرباً ستقوـ بيف القبائؿ ‪.‬‬

‫ظؿ الرجاؿ الثبلثة صامتيف‪ ،‬الحظ الشاب األسباني أف نوعاً مف الخوؼ الغامض يسري بينيـ‪،‬‬
‫ميز لغة دوف كممات‪ ،‬إنيا المغة الكونية ‪.‬‬
‫عمماً بأف أحداً منيـ لـ يتفوه بكممة‪ ،‬لمرة أخرى ّ‬
‫ثمة خطر ‪.‬‬
‫بعد فترة مف الوقت سأؿ االنكميزي إف كاف ىناؾ ّ‬

‫الجماؿ ‪:‬‬
‫أجاب ّ‬

‫‪-‬إف مف يتوغؿ في الصحراء اليستطيع العودة عمى اعقابو‪ ،‬وعندما النستطيع الرجوع إلى الخمؼ‪،‬‬

‫فمف يكوف أمامنا سوى التفكير بالطريقة األفضؿ لممضي إلى األماـ‪ ،‬والباقي عمى اهلل‪ ،‬بما في ذلؾ‬
‫الخطر ‪.‬‬

‫وختـ قولو وىو يمفظ ىذه الكممة الغامضة ‪ " :‬مكتوب ! "‬

‫الجماؿ ػ فيي تمؼ‬
‫عميؾ أف تعطي انتباىؾ أكثر إلى القوافؿ ػ قاؿ الشاب لبلنكميزي بعد رحيؿ ّ‬‫وتدور كثي ارً‪ ،‬لكنيا تتوجو دائماً نحو النقطة نفسيا ‪.‬‬

‫عميؾ أف تق أر أكثر عف العالَـ ػ عمّؽ االنكميزي ػ فالكتب ىي تماماً كالقوافؿ ‪.‬‬
‫وأنت‬‫َ‬
‫يتقدـ متسارعاً أكثر‪ ،‬لـ يعد الصمت‬
‫ذلؾ الرتؿ الكبير مف الرجاؿ والحيوانات‪ ،‬أخذ مذ ذلؾ الحيف ّ‬

‫يخيـ في النيار وحسب‪ ،‬وانما بدأ يحؿ شيئاً فشيئاً في المساء أيضاً‪ ،‬حتى في المحظة التي اعتاد‬
‫ّ‬
‫فييا الناس عمى الثرثرة وىـ مجتمعوف حوؿ النار‪ ،‬كما أف رئيس القافمة قرر ذات يوـ عدـ إشعاؿ‬
‫ٍ‬
‫مكونة مف الحيوانات‬
‫النار لي ً‬
‫بل كي اليمفتوا االنتباه‪ ،‬صار المسافروف عندئذ يناموف ضمف حمقة ّ‬
‫كي يحموا أنفسيـ مف برد الميؿ ‪.‬‬

‫المخيـ ‪.‬‬
‫عيف الرئيس خفراء مسمّحيف لحماية‬
‫ّ‬
‫كذلؾ ّ‬
‫وفي إحدى الميالي‪ ،‬لـ يستطع االنكميزي النوـ‪ ،‬فذىب إلى الشاب األسباني يثـ تمشيا معاً بيف‬

‫الكثباف القريبة‪ ،‬كاف القمر بد ارً وروى الشاب لئلنكميزي كؿ شيء عف حياتو‪ ،‬بدا االنكميزي ميتماً‬
‫الزجاجيات الذي ازدىر يوماً عف يوـ منذ‬
‫بشكؿ خاص لما رواه الشاب عف فترة عممو في متجر‬
‫ّ‬
‫أف بدأ الشاب يعمؿ بو ‪.‬‬

‫الكمية" ‪،‬‬
‫ىنا يكمف المبدأ الذي يؤثر في كؿ شي ػ قاؿ ‪ ،‬ىذا‬‫مايسمونو في الخيمياء بػ " النفس ّ‬
‫ّ‬
‫إيجابية‬
‫فعندما تمتمؾ الرغبة في شيء ما بك ّؿ جوارحنا نكوف أكثر قرباً مف النفس الكمّية‪ ،‬إنيا لقوة‬
‫ّ‬

‫دائماً ‪.‬‬

‫ثـ قاؿ أيضاً بأف ىذا ليس مف امتيازات البشر فقط ‪:‬فكؿ ماىو موجود عمى سطح األرض لو روح‬

‫أيضاً سواء كاف معدناً ‪ ،‬او نباتاً ‪ ،‬أو حيواناً ‪ ،‬أو فكرة ‪.‬‬

‫التحوؿ‪ ،‬ألف األرض كائف حي وليا‬
‫وكؿ ماىو موجود تحت أو فوؽ سطح األرض ال يتوقؼ عف‬
‫ّ‬
‫روح‪ ،‬ونحف جزء مف ىذه الروح التي ناد ارً ماندرؾ أنيا تعمؿ في مصمحتنا‪ ،‬وحتى في متجر‬

‫الزجاجيات عميؾ أف تعمـ أف المزىريات نفسيا كانت تتعاوف لمساعدتؾ عمى النجاح ‪.‬‬
‫ّ‬
‫بل القمر والرمؿ األبيض‪ ،‬ثـ قاؿ أخي ارً ‪:‬‬
‫احتفظ الشاب بالصمت لبعض الوقت متأم ً‬

‫‪-‬مف خبلؿ مراقبتي لمقافمة التي كانت تسير عبر الصحراء‪ ،‬أدركت أنيا ىي والصحراء تتكمّماف‬

‫المغة نفسيا‪ ،‬وليذا السبب سمحت ليا بعبورىا‪ ،‬ولـ تتوقؼ الصحراء عف مراقبة كؿ خطوة مف‬

‫خطواتيا لتتحقؽ إف كانت عمى ائتبلؼ كامؿ معيا‪ ،‬واف كاف األمر كذلؾ‪ ،‬فإف القافمة ستصؿ حتى‬

‫الواحة‪ ،‬ولو أف الواحد منا وعمى الرغـ مف الشجاعة التي يممكيا‪ ،‬لـ يفيـ ىذه المغة ليمؾ مف‬

‫اليوـ األوؿ ‪.‬‬

‫الوضاء ‪.‬‬
‫ثـ تابعا معاً مراقبة القمر‬
‫ّ‬

‫‪-‬ىذا ىو سحر العبلمات ػ أردؼ الشاب ػ لقد رأيت كيؼ يق أر األدالّء عبلمات الصحراء‪ ،‬وكيؼ أف‬

‫روح القافمة تتحاور مع روح الصحراء ‪.‬‬

‫وبعد فترة وجيرة مف الزمف جاء دور االنكميزي في الحديث‪ ،‬فقاؿ ‪:‬‬

‫عمي في الواقع أف أمنح القافمة انتباىاً أكثر ‪.‬‬
‫ ّ‬‫فأردؼ الشاب ‪:‬‬
‫عمي أف أق أر كتبؾ ‪.‬‬
‫وأنا ّ‬‫×××‬

‫كانت كتباً غريبة فعبلً ‪ ،‬إذ أنيا تتحدث عف الزئبؽ‪ ،‬عف الممح‪ ،‬عف التنبؤات‪ ،‬عف المموؾ‪ ،‬لكنو لـ‬
‫يكف ليفيـ منيا شيئاً عمى االطبلؽ‪ ،‬مع ذلؾ كانت ىناؾ فكرة تُذكر دوماً في كؿ الكتب تقريباً‪،‬‬

‫تجميات لشيء واحد وفريد ‪.‬‬
‫وىي أف االشياء كميا ليست إال ّ‬
‫واكتشؼ في أحد الكتب أف النص األكثر أىمية ىو عف الخيمياء ويشتمؿ عمى بضعة أسطر فقط‪،‬‬

‫زمردة بسيطة ‪.‬‬
‫وكانت مكتوبة عمى ّ‬
‫الزمرد ػ قاؿ لو االنكميزي بكؿ فخر‪ ،‬فقد استطاع أف يعمّـ رفيقو شيئاً ‪.‬‬
‫ىذا ىو لوح ّ‬‫‪-‬ولكف لماذا ىذا العدد الكبير مف الكتب؟‬

‫‪-‬لكي أتم ّكف مف فيـ ىذه السطور القبلئؿ ػ اجاب االنكميزي دوف أف يكوف ىو نفسو مقتنعاً تماماً‬

‫بيذا الجواب ‪.‬‬

‫بقية الكتب كميا‪ ،‬فقد كاف يروي تاريخ مشاىير‬
‫أما الكاتب الذي أثار اىتماـ الشاب أكثر مف ّ‬
‫الخيميائييف‪ ،‬لقد كانوا رجا ًال نذروا حياتيـ كميا في تنقية المعادف في مختبراتيـ‪ .‬وكانوا يعتقدوف‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ لف يبقى‬
‫نوعية‪،‬‬
‫بأنو لدى تسخيف معدف ما لسنوات وسنوات‪ ،‬فإنو يتحرر مف كؿ خواصو ال ّ‬
‫الكمية‪ ،‬وىذا الشيء الفريد سيم ّكف الكيميائييف مف فيـ كؿ مايوجد عمى‬
‫في مكانو إال النفس ّ‬
‫األرض‪ ،‬ألنو المغة التي بفضميا كانت األشياء تتواصؿ مع بعضيا بعضاً‪ ،‬ىذا ىو االكتشاؼ الذي‬
‫سموه بػ‬
‫ّ‬
‫"االنجاز العظيـ " والذي يتآلؼ مف جزء سائؿ وجزء صمب ‪.‬‬
‫سأؿ الشاب ‪:‬‬

‫‪-‬أال تكفي مراقبة البشر والعبلمات الكتشاؼ ىذه المغة؟‬

‫أجاب االنكميزي بانزعاج ‪:‬‬

‫ىوس مفرط في تبسيط األشياء‪ ،‬فالخيمياء عمؿ جاد ودؤوب‪ ،‬ومف المحتّـ متابعة كؿ طور‬
‫لديؾ َ‬‫مف السيرورة كما عمّميا المعمّموف ‪.‬‬
‫اكتشؼ الشاب أف الجزء السائؿ مف االنجاز العظيـ ىو المادة التي كانت تدعى " إكسير الحياة‬

‫المديد "‪ ،‬وىذا اإلكسير لـ يكف يشفي األمراض فحسب‪ ،‬بؿ يحمي الخيميائي مف الشيخوخة أيضاً‪.‬‬

‫أما الجزء الصمب فيو ماكاف ُيدعى " حجر الفبلسفة ‪" .‬‬
‫قاؿ االنكميزي ‪:‬‬

‫‪-‬ليس مف السيؿ أبداً اكتشاؼ " حجر الفبلسفة "‪ ،‬فالخيميائيوف كانوا يمضوف سنوات عديدة في‬

‫مختبراتيـ لمراقبة النار التي تنقّي المعادف‪ ،‬وطواؿ مراقبتيـ لمنار‪ ،‬كانوا يتخمّصوف مف ضمائرىـ‬

‫تطير نفوسيـ‬
‫شيئاً فشيئاً مف كؿ أباطيؿ العالـ‪ ،‬إلى أف الحظوا ذات يوـ أف تنقية المعادة كانت ّ‬
‫أيضاً ‪.‬‬
‫الزجاجية ألنيما‬
‫الزجاجيات الذي قاؿ أف عمييما تنظيؼ أوانييما‬
‫تذ ّكر الشاب حينذاؾ بائع‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫سيجداف نفسييما أيضاً قد تخمّصا مف األفكار السيئة‪ ،‬ولقد اقتنع أكثر فأكثر بأنو يمكف تعمّـ‬

‫الخيمياء في الحياة اليومية أيضاً ‪.‬‬

‫خاصية خارقة لممألوؼ تماماً‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ذلؾ ػ تابع االنكميزي ػ فإف حجر الفبلسفة يمتمؾ‬‫ّ‬

‫ٍ‬
‫معدف بخس إلى ذىب ‪.‬‬
‫كميات كبيرة مف‬
‫فيكفي جزء صغير منيا لتحويؿ ّ‬
‫انطبلقاً مف ىذا‪ ،‬فإف اىتماـ الشاب بالخيمياء صار أكبر بكثير‪ ،‬فقد ف ّكر بأنو بقميؿ مف الصبر‬
‫سوؼ يستطيع تحويؿ كؿ شي إلى ذىب ‪.‬‬

‫لقد ق أر سير الحياة لشخصيات مختمفة‪ ،‬كانوا قد وفقوا إلى ذلؾ‪ ،‬ىيمفيتيوس‪ ،‬إيمي‪ ،‬فولكانولي‪،‬‬

‫جابر‪ ،‬وكانت سيرىـ جذّابة‪ ،‬فكمّيـ عاشوا أساطيرىـ الشخصية حتى النياية‪ ،‬كانوا يسافروف‪،‬‬
‫يتمقوف العمماء ويصنعوف المعجزات عمى مرأى مف عيوف المشككيف‪ ،‬وكانوا يممكوف حجر‬

‫الفبلسفة واكسير الحياة المديدة ‪.‬‬

‫لكنو عندما كاف يريد أف يتعمّـ بدوره كيفية استخبلص ىذا االنجاز العظيـ‪ ،‬فقد كاف يجد نفسو‬
‫مرمزة ونصوص غامضة ‪.‬‬
‫محتا ارً‪ ،‬فمـ يكف يجد في تمؾ الكتب إال رسوماً‪ ،‬وتعميمات ّ‬
‫‪-‬لماذا يستعمموف لغة يصعب فيميا جداً ؟ سأؿ االنكميزي ذات مساء ‪.‬‬

‫باالضافة إلى ذلؾ الحظ ػ وفي ىذه المناسبة ػ أف االنكميزي لـ يكف صافي المزاج‪ ،‬كما لو انو كاف‬
‫يفتقد كتبو ‪.‬‬

‫كي اليكوف ىذا مفيوماً إال مف ِقبؿ ىؤالء القمّة الذيف لدييـ المسؤولية الكافية لمقدرة عمى الفيـ‬‫ٍ‬
‫عندئذ وخبلؿ زمف قصير‬
‫يحولوف الرصاص إلى ذىب‪،‬‬
‫تصور لو أف كؿ الناس أخذوا ّ‬
‫_ أجابو _ ّ‬
‫جداً‪ ،‬فإف الذىب سيفقد قيمتو ولف يساوي شيئاً أبداً‪ .‬وحدىـ فقط أصحاب العقوؿ العنيدة مف‬
‫الباحثيف المثابريف ىـ الذيف يتوصمّوف إلى اإلنجاز العظيـ‪ .‬ىذا ىو سبب وجودي في وسط‬

‫الصحراء‪ ،‬وبالتحديد كي ألتقي خيميائياً حقيقياً يعينني عمى فؾ الرموز ‪.‬‬
‫سأؿ الشاب ‪:‬‬

‫في أي وقت ُكتبت ىذه الكتب؟‬‫منذ عدة قروف‪ ،‬زفي ذلؾ الزمف لـ تكف المطبعة قد اختُرعت بعد‪ ،‬فمـ يكف يتس ّنى لكؿ الناس‬‫التوصؿ إلى معرفة الخيمياء ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-‬لماذا إذف ىذه المغة الغريبة؟ وكؿ ىذه الرسوـ واألشكاؿ؟‬

‫عمى الرغـ مف ىذا اإللحاح‪ ،‬فإف االنكميزي لـ يجب عمى ىذا السؤاؿ‪ ،‬بؿ اكتفى بأنو قاؿ أنو منذ‬

‫يتحدثوف‬
‫عدة أياـ يراقب القافمة دوف أف يكتشؼ شيئاً جديداً‪ ،‬وأنو لـ يبلحظ إال شيئاً واحداً‪ ،‬إنيـ ّ‬

‫أكثر فأكثر عف الحرب ‪.‬‬

‫×××‬
‫أعاد الشاب الكتب إلى االنكميزي ذات يوـ ‪.‬‬

‫‪-‬حسف‪ ،‬ىؿ تعمّمت الكثير؟ ػ سأؿ االنكميزي بفضوؿ لجوج‪ ،‬فقد كاف بحاجة إلى مف يثرثر معو‬

‫لينسى الخوؼ مف الحرب ‪.‬‬

‫‪-‬تعمّمت أف لمعالـ روحاً‪ ،‬وأف مف يستطيع إدراؾ ىذه الروح سيكوف مقدوره إدراؾ لغة األشياء‪،‬‬

‫الكمية‬
‫عممت أف خيميائييف عديديف قد عاشوا أساطيرىـ الشخصية‪ ،‬وتوصموا إلى اكتشاؼ النفس ّ‬

‫وحجر الفبلسفة واكسير الحياة المديدة ‪.‬لكنني تعمّمت عمى األخص أف ىذه األشياء عمى درجة مف‬

‫زمردة ‪.‬‬
‫البساطة بحيث يمكف أف تُنقش عمى ّ‬
‫شعر االنكميزي بالخيبة لدى رؤيتو أف حصيمة سنوات الدراسة والرمزو الغامضة‪ ،‬والكممات المتعذّرة‬
‫الفيـ‪ ،‬وأجيزة المختبرات‪ ،‬الشيء مف كؿ ىذا قد جذب انتباه الشاب ‪.‬‬

‫‪-‬البد أف نفسو فظّة وغير مصقولة لتحسس ىذه األشياء ػ قاؿ في نفسو‪ ،‬ثـ تناوؿ كتبو وأعادىا‬

‫إلى األكياس المعمّقة بسرج الجمؿ ‪.‬‬

‫‪-‬عد إلى قافمتؾ‪ ،‬ىي أيضاً لـ تعمّمني شيئاً يُذكر ‪.‬‬

‫تأمؿ اتساع الصحراء الصامت والرماؿ التي تثيرىا الحيوانات في سيرىا ‪.‬‬
‫عاد الشاب إلى ّ‬
‫سره ػ فنيجو ليس نيجي‪ ،‬ونيجي ليس نيجو‪ ،‬ولكف كؿ‬
‫لكؿ طريقتو في التعمّـ ػ كرر الشاب في ّ‬‫واحد منا يسعى وراء اسطورتو الشخصية‪ ،‬وليذا فإنني احترمو ‪.‬‬

‫الجماؿ‬
‫صارت القافمة تسير ليبلً نيا ارً‪ ،‬وفي كؿ لحظة كاف يظير ليـ الرسؿ ذوو الوجوه الممثّمة‪ ،‬و ّ‬

‫شبت‪ ،‬وانيـ سيكونوف محظوظيف لو‬
‫الذي غدا صديقاً لمشاب‪ ،‬نبأ بأف الحرب بيف القبائؿ قد ّ‬
‫نجحوا في الوصوؿ إلى الواحة‪ ،‬فمقد أنيكت الحيوانات‪ ،‬والناس سادىـ الصمت أكثر فاكثر‪ ،‬وأصبح‬
‫رغاء جمؿ ما يخيؼ كؿ الناس‪ ،‬والذي لـ يكف سابقاً سوى جمؿ يرغي‪ ،‬لع ّؿ في ذلؾ مؤشر لبدى‬
‫ٍ‬
‫ىجوـ ما ؟‬
‫الجماؿ‪ ،‬اليبدو مضطرباً جداً مف خطر اندالع الحرب ‪.‬‬
‫ومع ذلؾ فإف ّ‬
‫‪-‬أنا حي ػ قاؿ الشاب وىو يمتيـ حفنة مف البمح في ليمة غاب فييا القمر وخمدت النار ‪.‬‬

‫‪-‬عندما آكؿ فإنني ال أفعؿ شيئاً آخر سوى األكؿ‪ ،‬وعندما أمشي‪ ،‬فإنني أمشي‪ ،‬ىذا كؿ شيء‪،‬‬

‫ضي وال في‬
‫واذا اضطررت يوماً لمقتاؿ‪ ،‬فكؿ األياـ تتساوى عند الموت‪ ،‬فأنا ال أحيا في ما َّ‬
‫ييمني‪ ،‬واف كنت تستطيع اف تعيش‬
‫مستقبمي‪ ،‬فميس لي سوى الحاضر ألعيشو‪ ،‬وىو وحده الذي ّ‬

‫فأنت إذاً رجؿ سعيد‪ .‬ستدرؾ أف في الصحراء حياة‪ ،‬وفي السماء نجوـ‪ ،‬وأف‬
‫الحاضر دوماً‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ احتفاالً كبي ارً ألنيا‬
‫المتقاتميف يتحاربوف ألف ىذا جزٌء مف الحياة اإلنسانية‪ ،‬والحياة ستصبح‬
‫تمثّؿ دائماً المحظة التي تعيشيا فقط ‪.‬‬

‫بعد انتقضاء ليمتيف‪ ،‬وبينما كاف الشاب عمى وشؾ النوـ‪ ،‬نظر الفتى إلى السماء‪ ،‬نحو النجـ الذي‬

‫كاف يرشدىـ إلى وجية سيرىـ‪ ،‬تراءى لو أف األفؽ أكثر انخفاضاً بقميؿ مف المعيود‪ ،‬ألف مئات‬

‫النجوـ كانت تعمو الصحراء ‪.‬‬

‫الجماؿ ‪.‬‬
‫‪-‬إنيا الواحة ػ قاؿ لو ّ‬

‫لماذا إذف النذىب إلييا حاالً ؟‬‫‪-‬ألننا بحاجة لمنوـ ‪.‬‬

‫×××‬

‫فتح عينيو عندما كانت الشمس تنبثؽ مف األفؽ وأمامو‪ ،‬ىناؾ حيث كانت النجوـ الصغيرة تتؤلأل‬

‫في الميؿ‪ ،‬كاف يمتد صؼ النياية لو مف أشجار النخيؿ ويحت ّؿ كؿ اتساع الصحراء ‪.‬‬
‫لتوه فرحاً ‪.‬‬
‫‪-‬وصمنا إلييا ػ ىتؼ االنكميزي الذي أفاؽ ّ‬

‫ظ ّؿ الشاب صامتاً‪ ،‬فقد تعمّـ الصمت مف الصحراء‪ ،‬واكتفى بمشاىدة أشجار النخيؿ تنتصب أمامو‪،‬‬
‫كاف مايزاؿ عميو أف يقطع درباً طويمة كي يصؿ إلى األىرامات‪ ،‬وفي يوـ ما لف يكوف ىذا الصباح‬

‫الجماؿ عنو‪ ،‬وكاف يحاوؿ أف يعيش‬
‫سوى ذكرى‪ ،‬أما اآلف‪ ،‬إنيا لحظة الحاضر‪ ،‬العيد الذي تكمّـ ّ‬
‫ىذه المخظة مع ِ‬
‫العبر التي استقاىا مف ماضيو‪ ،‬واألحبلـ التي يرسميا مف أجؿ مستقبمو‪ ،‬ويوماً‬

‫ما لف تكوف رؤية ىذه اآلالؼ مف أشجار النخيؿ سوى ذكرى‪ ،‬لكنيا اآلف تعني بالنسبة إليو الظؿ‬

‫والماء ومبلذاً مف الحرب ‪.‬‬

‫بالطريقة نفسيا التي يبدو فييا جمؿ يرغي عبلمة لمخطر‪ ،‬والشيء نفسو عندما يمكف لصؼ مف‬

‫أشجار النخيؿ أف يمثّؿ معجزة ‪.‬‬

‫العالـ يتكمّـ بأكثر مف لغة ػ قاؿ لنفسو ‪.‬‬‫×××‬

‫عندما يتسارع مرور الزمف‪ ،‬فإف القوافؿ أيضاً تَ ُغ ّذ بالمسير ػ ف ّكر الخيميائي وىو يرى مئات‬

‫األشخاص والحيوانات يصموف إلى الواحة‪ ،‬وس ّكانيا الذيف يندفعوف لمقاء القادميف الجدد‪ ،‬والغبار‬

‫المتصاعد الذي كاف يحجب شمس الصحراء واألطفاؿ يقفزوف مبتيجيف لدى رؤية الغرباء ‪.‬‬

‫يتجمعوف مف أجؿ لقاء رئيس القافمة‪ ،‬واف اجتماعيـ معو‬
‫الحظ الخيميائي أف شيوخ القبائؿ كانوا‬
‫ّ‬
‫قد طاؿ‪ ،‬لكف ىذا لـ يثر اىتمامو بشيء‪ ،‬لقد استطاع أف يرى مف قبؿ الكثير مف الناس يصموف‬
‫ومتسوليف‬
‫ويرحموف‪ ،‬ومع ذلؾ كانت الواحة والصحراء ثابتتيف ال تتغيراف‪ ،‬كاف قد رأي مموكاً‪،‬‬
‫ّ‬

‫يجوبوف ىذه المساحات المديدة والرماؿ التي يتغير شكميا بفعؿ الرياح‪ ،‬لكنيا كانت ىي نفسيا‬

‫تمؾ التي عرفيا مذ كاف صغي ارً‪ ،‬وعمى الرغـ مف ذلؾ فإنو لـ يكف يستطيع أف يخمد في أعماؽ‬

‫قمبو شيئاً مف ذلؾ الحبور الذي يشعر بو كؿ مسافر‪ ،‬وذلؾ عندما رأى اخضرار النخيؿ يح ّؿ مح ّؿ‬
‫صفرة األرض وزرقة السماء ‪.‬‬
‫‪-‬ربما قد خمؽ اهلل الصحراء كي يبتيج اإلنساف عند مشيد أشجار النخيؿ ػ ف ّكر ػ عزـ إذف أف‬

‫يف ّكر بمسائؿ أكثر عممية‪ ،‬كاف يعمـ أف مع ىذه القافمة سيصؿ االنساف الذي يتوجب عميو أف‬
‫يعمّمو جزءاً مف أسراره‪ ،‬أخبرتو العبلمات بذلؾ‪ .‬لـ يكف يعرؼ بعد ىذا اإلنساف‪ ،‬لكف عينيو‬

‫لمجرد رؤيتو‪ ،‬كاف يأمؿ أف يكوف موىوباً كتمميذه السابؽ ‪.‬‬
‫الخبيرتيف ستتعرفاف عميو‬
‫ّ‬
‫لست أدري لماذا ينبغي ليذه األشياء أال تُنقؿ إال بالسر فقط ػ فّكر الخيميائي ػ ىذا ليس إال ألف‬
‫‪ُ -‬‬

‫بحرية إلى كؿ المخموقات ‪.‬‬
‫األمر يعني تماماً أس ار ارً حقيقية‪ ،‬فاهلل قد كشؼ أسراره‬
‫ّ‬
‫توجب عمييا االنتقاؿ بيذه الطريقة‪،‬‬
‫لـ يكف يرى ليذا إال تفسي ارً واحداً‪ ،‬ىو أف ىذه األشياء قد ّ‬

‫ألنيا دوف شؾ قد استخمصت مف حياة طاىرة‪ .‬وأنو مف الصعب ليذا النموذج مف الحياة أف يُ َح َّد‬
‫عمى شكؿ رسوـ أو كممات‪ ،‬ألف الناس يستسمموف إلغراء الرسوـ والكممات‪ ،‬واخي ارً ينسوف المغة‬

‫الكونية ‪.‬‬

‫×××‬
‫الفيوـ‪ ،‬لـ يكف الفتى ليستطيع أف‬
‫اقتيد القادموف الجدد في الحاؿ إلى حضرة شيوخ قبائؿ واحة ّ‬
‫يصدؽ ماتراه عيناه‪ :‬فبدؿ أف يرى يئ ارً محاطة ببعض أشجار النخيؿ (حسب الوصؼ الذي كاف قد‬
‫ّ‬

‫قرأه مرة في أحد كتب التاريخ ‪).‬‬

‫الحظ أف الواحة أكبر بكثير مف العديد مف قرى في إسبانية‪ ،‬فيي تحتوي عمى ثبلثمائة بئ ارً‪،‬‬

‫الممونة تنتشر بيف أشجار النخيؿ ‪.‬‬
‫وخمسيف ألؼ نخمة‪ ،‬وعدد كبير مف الخياـ ّ‬
‫‪-‬كأننا نعيش حكاية ألؼ ليمة وليمة ػ قاؿ االنكميزي المستعجؿ لمقابمة الخيميائي ‪.‬‬

‫وخبلؿ لحظات أُحيطوا بأطفاؿ ينظروف بفضوؿ إلى المطيات والجماؿ والناس القادميف‪ ،‬كاف الرجاؿ‬

‫كف يتنازعف عمى االقمشة واألحجار الكريمة‬
‫يريدوف أف يستعمموا عف عبلمات معركة‪ ،‬والنساء َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بدا صمت الصحراء حمماً بعيداً‪ ،‬فالجيمع يتكمّموف دوف انقطاع‪،‬‬
‫التي أحضرىا الباعة‪،‬‬

‫يضحكوف‪ ،‬وييزجوف ويغ ّنوف بأعمى أصواتيـ‪ ،‬وكأنيـ خرجوا مف عالـ الروح‪ ،‬ليجدوا أنفسيـ في‬

‫الجماؿ‬
‫عالـ البشر‪ ،‬كاف الناس فرحيف وراضيف‪ ،‬عمى الرغـ مف الحفظّات التي اتُخذت أمس‪ ،‬فإف ّ‬
‫حيادية‪ ،‬ألف معظـ مف يعيش بيا ىـ‬
‫قد شرح لمشاب أف الواحات في الصحراء‪ ،‬تُعتبر دائماً أرضاً‬
‫ّ‬
‫مف األطفاؿ والنساء‪ ،‬وىناؾ واحات في ىذا الجانب كما في الجانب اآلخر‪ ،‬بحيث أف المتحاربيف‬
‫كانوا يذىبوف ليتعاركوا وسط رماؿ الصحراء تاركيف الواحات بسبلـ كأماكف مبلذ ‪.‬‬

‫جمع رئيس القافمة كؿ أفرادىا‪ ،‬ولـ يكف ىذا ليتـ بسيولة‪ ،‬واعمميـ أنيـ سيحمّوف ضيوفاً لدى‬

‫وسيقدموف ليـ صدر المكاف طالما أف الحرب‬
‫س ّكاف الواحات الذيف سيستقبمونيـ في خياميـ‬
‫ّ‬
‫حراسو‪،‬‬
‫قائمة بيف العشائر‪ ،‬فيذا ىو قانوف الضيافة التقميدي‪ .‬ثـ طمب مف الجميع بما فييـ ّ‬
‫عينيـ رؤساء العشائر ‪.‬‬
‫بتسميـ أسمحتيـ إلى الرجاؿ الذي ّ‬
‫وضح ػ فالواحة اليمكف أف تكوف مبلذاً لممتحاربيف ‪.‬‬
‫‪-‬ىذه ىي قواعد الحرب ػ ّ‬

‫ولشد ما ذىؿ الفتى عندكا رأي االنكميزي يخرج مف جيبو مسدساً مطمياً بمعدف الكروف ويسمّمو‬
‫ّ‬
‫لمرجؿ المكمّؼ بجمع األسحمة ‪.‬‬
‫‪-‬لماذا تحمؿ مسدساً؟ سأؿ الشاب ‪.‬‬

‫لتوصمو إلى غاية ىدفو ‪.‬‬
‫كي يساعدني عمى الثقة بالناس ػ أجاب االنكميزي الذي كاف سعيداً‬‫ّ‬
‫مف جيتو كاف الشاب يحمـ بكنزه‪ ،‬وكمّما اقترب منو أكثر بدت األمور تبدو أكثر صعوبة‪ ،‬ولـ يعد‬

‫يتجمى ماسماء الممؾ العجوز " بحظ المبتدئ "‪ ،‬واآلف كاف يعرؼ ذلؾ‪ ،‬يبدأ البرىاف عمى اإلصرار‬

‫تعجؿ أو نفوذ صبر‪،‬‬
‫والشجاعة لمف يبحث عف أسطورتو الشخصية‪ ،‬كما أف عميو أال يُظير أي ّ‬
‫كؿ ال يجازؼ بعدـ رؤية العبلمات التي وضعيا اهلل في طريقو ‪.‬‬

‫‪-‬إف اهلل مف وضعيا في دربي ػ ف ّكر مندىشاً‪ ،‬فيو نفسو حتى اآلف يعتبر العبلمات كشيء ينتمي‬

‫إلى العالـ‪ ،‬شيء ما كاألكؿ‪ ،‬أو النوـ‪ ،‬كالرحيؿ بحثاً عف الحب أو عف العمؿ‪ ،‬لكنو لـ يخطر ببالو‬

‫أبداً‪ ،‬أف يكوف لغة يخاطب اهلل بيا عبده ليرشده إلى ماعميو أف يفعؿ ‪.‬‬

‫التكف لجوجاً ػ كرر في ذىنو ػ ومثمما قاؿ الجماؿ‪ " :‬كؿ عندما يحيف وقت الطعاـ‪ِ ،‬‬‫وسر عندما‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تزؼ ساعة السير ‪".‬‬

‫في اليوـ األوؿ كاف الجميع نائميف تحت تأثير التعب‪ ،‬بما فييـ اإلنكميزي‪ ،‬ألفى الشاب نفسو بعيداً‬
‫في خيمة يشعميا خمسة فتياف آخريف مف أقرانو ‪.‬‬

‫تحدث الشاب عف حياتو‬
‫كانوا مف سكاف الصحراء‪ ،‬ويتوقوف إلى سماع قصص عف المدف الكبرى‪ّ ،‬‬

‫الزجاجيات عندما تخؿ االنكميزي وقطع عميو‬
‫كراع‪ ،‬وكاف أف يأتي عمى ذكر تجربتو في مخزف‬
‫ّ‬
‫ذلؾ ‪.‬‬
‫بحثت عنؾ طواؿ فترة الصيؼ ػ قاؿ االنكميزي وىو يصحب رفيقو إلى الخارج ػ يجب أف‬
‫لقد‬‫ُ‬
‫تساعدني عمى معرفة أيف يسكف الخيميائي ‪.‬‬

‫حاوال إيجاده بوسائميما الخاصة‪ ،‬فبلبد لمخيميائي أف يعيش بنمط مختمؼ عف باقي سكاف الواحة‪،‬‬

‫المحتمؿ كثي ارً وجود فرف مشتعؿ عمى الدواـ في خيمتو‪ ،‬وبعد طوؿ مسير‪ ،‬انتييا إلى إدراؾ‬
‫ومف ُ‬
‫يتصوراف‪ ،‬وأف فييا مئات ومئات مف الخياـ ‪.‬‬
‫شيء واضح وىو أف الواحة أكثر اتساعاً مما كانا‬
‫ّ‬
‫لقد أضعنا نيا ارً كامبلً ػ قاؿ االنكميزي‪ ،‬وىو يجمس مع رفيقو قرب أحد آبار الواحة ‪.‬‬‫‪-‬ربما كاف مف األفضؿ لو سألنا عنو ػ قاؿ الشاب ‪.‬‬

‫الفيوـ‪ ،‬وبدا متردداً‪ ،‬لكنو وافؽ في‬
‫لـ يكف االنكميزي يرغب في أف يفصح عف سبب وجوده في ّ‬‫النياية وطمب مف الشاب الذي يفوقو في تكمّـ العربية‪ ،‬أف يأخذ األمر عمى عاتقو ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ماء وسأليا ‪:‬‬
‫ّ‬
‫تقدـ الشاب عندئذ مف امرأة وصمت ّ‬
‫لتوىا كي تمؤل قربتيا ً‬
‫ياسيدتي ! ُّ‬
‫أود لو أعرؼ أيف يقيـ خيميائي يعيش في ىذه الواحة ‪.‬‬
‫‪-‬مساء الخير ّ‬

‫نبيت الشاب‬
‫أجابت المرأة بأنيا لـ تسمع عمى االطبلؽ أحداً أتى عمى ذكره‪ .‬لكنيا قبؿ أف ترحؿ ّ‬
‫متزوجات‪ ،‬وىذا مف‬
‫إلى عدـ حقو في التوجو بالحديث إلى نساء يتّشحف بالسواد‪ ،‬ألنيف نساء ّ‬
‫التقاليد التي يجب احتراميا‪ ،‬ثـ انصرفت في الحاؿ ‪.‬‬

‫أحس االنكميزي بخيبة أمؿ حادة‪ ،‬ىكذا يكوف قد قاـ بكؿ ىذه الرحمة مف أجؿ الشيء ! رفيقو‬

‫أحس باألسؼ أيضاً‪ ،‬فاالنكميزي مثمو كاف يجري وراء اسطورتو الشخصية‪ ،‬وعندما يكوف المرء في‬
‫ىذا الصدد‪ ،‬فإف العالـ بأسره يتضافر ليجعمو يحصؿ عمى مبتغاه‪ ،‬ىكذا كاف قد قاؿ الممؾ العجوز‪،‬‬

‫واليمكف لو أف ُيخطئ ‪.‬‬

‫لكنت حاولت‬
‫لـ أكف قد سمعت قط أحداً يتكمّـ عف خيميائييف أمامي ػ قاؿ الشاب ػ واال ُ‬‫مساعدتؾ ‪.‬‬
‫بريؽ مف األمؿ شع مف نظرة االنكميزي وىتؼ قائبلً ‪:‬‬

‫‪-‬لكف ىذا مؤكد‪ ،‬فربما ليس ىنا مف يعرؼ ماىو الخيميائي ‪ ...‬استعمـ عف الرجؿ الذي يعالج‬

‫أمراض القرية كميا ‪.‬‬

‫يتحدث إلييف عمى الرغـ‬
‫عدة نساء يرتديف السواد‪ ،‬جئف إلى البئر إلحضار الماء‪ ،‬لكف الشاب لـ ّ‬
‫مف إلحاح االنكميزي‪ ،‬أخي ارً اقترب رجؿ منيما‪ ،‬فسألو الشاب ‪:‬‬
‫‪-‬ىؿ تعرؼ أحداً يعالج األمراض في القرية؟‬

‫‪-‬إف اهلل ىو الذي يعالج األمراض كميا‪ ،‬أجاب الرجؿ وقد بدا عميو الخوؼ مف ىذيف الغريبيف‪،‬‬

‫انتما تبحثاف عف سحرة‪ ،‬أنتما اإلثنيف ‪! ..‬‬

‫ومضي في طريقو بعد أف تبل عدة آيات مف القرآف ‪.‬‬

‫ظير رجؿ آخر‪ ،‬كاف أكبر عم ارً مف سابقو يحمؿ دلواً صغي ارً‪ ،‬فطرح الشاب عميو السؤاؿ نفسو ‪.‬‬

‫‪-‬إف كاف ىناؾ وجود ليذا الرجؿ‪ ،‬فيو البد أنو عمى درجة كبيرة مف القوة ػ أجاب الرجؿ العجوز‬

‫بعد قميؿ مف التفكير ثـ تابع ػ حتى أف شيوخ العشائر اليستطيعوف رؤيتو عمى ىواىـ عند الحاجة‪.‬‬

‫يجب أف يقرر ىو ذلؾ‪ ،‬انتظ ار باألحرى نياية الحرب‪ ،‬وارحبل مع القافمة‪ ،‬والتسعيا أبداً إلى التوغؿ‬

‫في حياة الواحة‪ ،‬ختـ قولو مبتعداً ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ بدت شابة ترتدي ثياباً مختمفة‪ ،‬فابتيج االنكميزي‪ ،‬لقد كاف عمى الطريؽ الصحيح‪ ،‬كانت‬

‫جرة عمى كتفيا‪ ،‬وتضع خما ارً حوؿ رأسيا‪ ،‬لكنيا كانت سافرة الوجو‪ .‬اقترب الشاب ليسأليا‬
‫تحمؿ ّ‬
‫عف موضوع الخيميائي ‪.‬‬

‫قوتيا‬
‫أحس الشاب كما لو أف الزمف كاف يتوقؼ‪ ،‬وكما لو أف النفس ّ‬
‫الكمية كانت تنبعث بكؿ ّ‬

‫أمامو ‪.‬‬

‫وعندما رأى عينييا السوداويف‪ ،‬وشفتييا المترددتيف بيف الصمت واالبتساـ فيـ الجزء الرئيسي مف‬

‫يتحدثيا العالـ‪ ،‬والتي باستطاعة كائنات األرض كميا أف تفيميا عبر القموب ‪.‬‬
‫المغة التي ّ‬

‫كاف ىذا ىو مايدعى بالحب‪ ،‬شيء أقدـ مف وجود البشر‪ ،‬ووجود الصحراء‪ ،‬والذي كاف ومايزاؿ‬
‫ينبثؽ دائماً وبقوة‪ ،‬وفي كؿ مكاف عندما تمتقي نظرتاف كما تمتقي اآلف ىاتاف النظرتاف قرب البئر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ عف ابتسامة‪ ،‬إنيا عبلمة‪ ،‬عبلمة كاف قد انتظرىا دوف أف يعمـ خبلؿ فترة‬
‫انفرجت الشفتاف‬

‫الزجاجيات‪ ،‬وفي صمت‬
‫طويمة مف حياتو‪ ،‬ولطالما قد بحث عنيا في الكتب‪ ،‬وقرب نعاجو‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬
‫الصحراء ‪.‬‬

‫ىاىي ذي لغة الكوف الخالصة‪ ،‬مفيومة دوف أدنى شرح‪ ،‬ألف الكوف ليس بحاجة إلى أي تفسير‬
‫كي يتابع دورانو في الفضاء البلمتناىي ‪.‬‬

‫إف مافيمو في تمؾ المحظة ىو انو أماـ امرأة حياتو‪ ،‬وعمييا أف تعمـ ذلؾ دونما أية ضرورة‬

‫لمكبلـ‪ ،‬كاف متأكداً مف ىذا أكثر مف تأكده مف أي شيء آخر في العالـ‪ ،‬عمى الرغـ مف أف آبائو‬
‫وآباء آبائو كانوا قد قالوا إف عمى االنساف أف يحب أوالً‪ ،‬ثـ يخطب‪ ،‬أف يعرؼ اآلخر‪ ،‬وأف يممؾ‬

‫الماؿ قبؿ أف يتزوج‪ .‬مف كاف يقوؿ ذلؾ‪ ،‬لـ يكف يعرؼ مطمقاً المغة الكونية‪ ،‬ألف المرء عندما‬

‫يغوص في ىذه المغة يسيؿ عميو أف يدرؾ أف في ىذا العالـ يوجد شخص ينتظر شخصاً آخر‪،‬‬

‫سواء أكاف ىذا في وسط الصحراء أو في قمب المدف الكبرى‪ ،‬وعندما يمتقي ىؤالء الشخصاف‪،‬‬

‫أىمية‪ ،‬ولحظة الحاضر وحدىا ىي التي تبقى‪ .‬وىذا‬
‫وتتقاطع نظرتاىما‪ ،‬فإف الماضي والمستقبؿ ال ّ‬
‫اليقيف العجيب بأف كؿ شيء يوجد تحت قبة السماء قد خطّتو اليد نفسيا‪ ،‬اليد التي أنجحت‬

‫الحب‪ ،‬وخمقت لكؿ كائف روح شقيقة‪ ،‬وىذا الكائف يعمؿ‪ ،‬ويستريح‪ ،‬ويبحث عف الكنوز في وضح‬
‫النيار‪ ،‬ولو أف األمر لـ يكف كذلؾ‪ ،‬لما وجد أي معنى ألحبلـ الجنس البشري ‪.‬‬
‫‪-‬مكتوب ػ قاؿ في نفسو ‪.‬‬

‫وحرؾ صاحبو قائبلً ‪:‬‬
‫نيض االنكميزي الذي كاف جالساً‪ّ ،‬‬
‫‪-‬ىيا اذىب واسأليا ‪.‬‬

‫اقترب الشاب مف الفتاة التي ابتسمت مف جديد‪ ،‬فابتسـ وسأليا ‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تدعيف؟‬

‫‪-‬فاطمة ػ أجابت وىي تغض مف طرفيا ‪.‬‬

‫جئت منو ‪.‬‬
‫إنو اسـ تحممو بعض النسوة في البمد الذي ُ‬‫‪-‬إنو اسـ ابنة النبي ػ قالت فاطمة ػ ومجاىدونا قد نقموه إلى ىناؾ ‪.‬‬

‫كانت الشابة الحموة تتحدث بفخر عف المجاىديف‪ ،‬واالنكميزي يقؼ جانباً يمح‪ ،‬فسأليا الشاب إف‬

‫كانت تعرؼ شيئاً عف الرجؿ الذي يشفي األمراض ‪.‬‬


Aperçu du document باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 1/89

 
باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 2/89
باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 3/89
باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 4/89
باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 5/89
باولو كويلو - الخيمائي-1.pdf - page 6/89
 







Télécharger le fichier (PDF)




Sur le même sujet..





Ce fichier a été mis en ligne par un utilisateur du site Fichier PDF. Identifiant unique du document: 00134899.
⚠️  Signaler un contenu illicite
Pour plus d'informations sur notre politique de lutte contre la diffusion illicite de contenus protégés par droit d'auteur, consultez notre page dédiée.


adplus-dvertising