نحو تحقيق الهدف لأحياء القيم الأسلامية فى التخطيط والعمارة المعاصرة .pdf
À propos / Télécharger Aperçu
Nom original: نحو تحقيق الهدف لأحياء القيم الأسلامية فى التخطيط والعمارة المعاصرة.pdf
Auteur: sec.mervat
Ce document au format PDF 1.5 a été généré par Microsoft® Word 2013, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 07/09/2014 à 10:10, depuis l'adresse IP 197.8.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 539 fois.
Taille du document: 1.3 Mo (24 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
جامعة الملك فيصل
كلية العمارة والتخطيط
نحو تحقيق الهدف ألحياء القيم األسالمية
فى التخطيط والعمارة المعاصرة
بحـث مقـدم إلـ ـى
النـدوة العـالميـة عن العمارة األسـالميـة والتخطي ـط
( 01-5يناير ) 0891
للدكتور مهندس /عبد الباقى محمد إبراه ـيم
استـاذ تخطي ـط المـدن بجـامعـة عين شمس
وكبير خبراء األمم المتحدة للتخطي ـط العمرانى
نحو تحقيق الهدف ألحياء القيم األسالمية فى التخطيط والعمارة المعاصرة
(ملخص بحث )
كثرياً ما ظهرت الرغبة األكيدة عند كثري من املفكرين واملعماريني املسلمني إىل ضرروة العودة إىل إحياء الرتاث
العرىب واألسالمى ىف العمارة والتخطيط املعاصر ،فذهب فريق يدعو إىل دراسة مبادىء ونظريات العمارة األسالمية من
حيث تصميم الفراغات واألشكال واألنشاء والزخارف وعالقتها بالقيم احلضارية االسالمية إجتماعياً وإقتصادياً وذهب
فريق آخر يدعو إىل ضرورة تطعيم العمارة املعاصرة ببعض عناصر العمارة األسالمية دون تعمق ىف األسس التخطيطية
والتصميمة ،ومع ذلك قفد ظلت هذه العدوة حمصورة ىف نطاق ضيق مل يتسع بعد حىت تتبناه مدارس العمارة ىف
اجلامعات العربية واإلسالمية ومل تصل أصداء هذه الدعوة بعد إىل كثري من املسئولني عن املشروعات العمرانية سواء ىف
التنفيذ أو بالتصريح للتنفيذ ،أما املهتمني هبذه الدعوة قد ظهر عنهم كثري من املقاالت والكتيبات والندوات وقليل جدا
من األعمال واملشروعات الىت تعكس ما عندهم من أفكار أو أجتاهات ،وىف خارج نطاق هذه الدعوة احلضارية ظل
معظم املخططون واملعماريون ميارسون مهنتهم بقدر ما حتصلوا عليه من خربة وعلم توارثوه من العمارة الغربية ،وهم
مي لئون املدن األسالمية والعربية وبسرعة فائقة هبذا اخلليط املتنافر من املباىن السكنية واألدراية والتجارية ....وهم يقدمون
نتاج أعماهلم أما عن جهل باألصول احلضارية للعمارة اإلسالمية أو عن رغبة ىف كثرة االنتاج وبالتبعية كثرة العائد وأما
عن تدخل أصحاب املباىن وإمالء رغباهتم السطحية عليهم ،وهكذا يصبح النتاج العمراىن العام معرباً تعبرياً صادقاً عن
اجملتمع مبعمارية وخمططية وأصحاب املباىن فيه .وبذلك تصبح الدعوة اىل االنتماء احلضارى ليست فقط دعوة علمية أو
مهنية بقدر ماهى دعوة ثقافية وإجتماعية وحضرية بل هى جزء أساسى من الدعوة االسالمية الشاملة .
وحىت ال يطول اجلدل حول املبادىء واملفاهيم البد من وضوح الطريق حنو حتقيق اهلدف من إحياء القيم
األسالمية ىف التخطيط والعمارة املعاصرة ،فهناك الثوابت املناخية واجلغرافية وهناك املتغريات التكنولوجية واإلجتماعية
واإلقتصادية وهناك األستمرارية احلضارية الىت يعرب عنها باملعاصرة وهناك التفاعل املستمر مع هذه الثوابت واملتغريات ،
وكلها عوال حتدد املنهج العلمى ىف حتديد الصور الواقعية لتحدد البيئة التخطيطية واملعمارية ىف املدينة األسالمية ،ومن
جانب آخر فأن نتائج الدراسات العلمية واألكادميية كثرياً ماتفقد جدواها على الطريق السريع للمتغريات وأمام السيل
اجلارف من املباىن الىت تظهر كل يوم مضيفة عقبة بعد عقبة ىف الطريق إىل إحياء القيم احلضارية ىف التخطيط والعمارة
األسالمية املعاصرة لذلك فإن املنهج العلمى للبحث البد وأن توازيه إجراءات فورية ملعاجلة البيئة العمرانية القائمة والىت
متثل اجلزء االكرب من املشكلة مع كبح مجاح مايظهر حديثاً من بناء أو إخضاعه هلذه األجراءات وهنا تلتقى السلطة
بأصحاب املباىن كعاملني أساسني ىف وضع األجراءات الفورية موضع التنفيذ ،وإذا كان من املتسري وضع بعض القواعد
والنظم الفورية الىت تضمن الباس البيئة العمرانية ثوباً جديداً تظهر عليه مالمح القيم احلضارية للعمارة االسالمية ،فإىل
أى حد ميكن أشراك السلطة وأصحاب املباىن ىف تنفيذ هذه القواعد وهذه النظم الفورية ،ومن هنا يبدأ خط جديد
حنو حتقيق اهلدف ألحياء القيم األسالمية ىف التخطيط والعمارة املعاصرة ،يشرتك فيه السلطة والرأى العام ورجال
الدعوة األسالمية جبانب اخلرباء واملتخصصني من املخططني واملعمارين سواء منهم من يشارك ىف اخلط األكادميى هلذه
الدعوة أو من ميارس العمل التخطيطى واملعمارى امللتزم بالدعوة إذا جاز هذا التعبري ،كما يبدأ اخلط اجلديد مبجموعة
متناسقة من النظم واللوائح الىت تعاون القائمني على إدارة املدن على تأكيد اخلط األساسى للدعوة وهو إحياء القيم
األسالمية ىف التخطيط والعمارة عمالً وسلوكاً ىف آن واحد وىف وقت ممكن حىت التفقد املدن االسالمية بعض الزمام ان
مل يكن كل الزمام ويكون من العسري بعد ذلك تطويعها للدعوة احلضارية االسالمية الىت ندعو اليها مجيعا.
تشري مقدمة البحث إىل تطور الفكر ألحياء الرتاث احلضارى ليس ىف العامل األسالمى فقط لكن كذلك ىف
العامل الغرىب الذى أحس بفقدان التوازن بني اإلحتياجات املادية واالحتياجات املعنوية حلياه االنسان حياه متوازنة وهذا
ىف الواقع هو اساس الدعوة االسالمية لنظام احلياة ومع ذلك فقد ظل املعماريون والفنانون العرب منساقني وراء التقدم
املادى للغرب إىل احلد الذى أنساهم واقعهم بل وتراثهم احلضارى .
وكان البد من حتليل مقومات البيئة احلضارية للمدينة األسالمية بشقيها الطبيعى والثقاىف أو مبعىن آخر
بشقيها الثابت واملتغري.
وما يرتبط بكل منهما من عناصر ومؤثرات ،ومدى التغريات الىت تطرأ على هذه املقومات حىت ميكن قياس
ا لتغيري احلضارى الذى تتأثر به املدن األسالمية ،ومن مث إيضاح االستمرار احلضارى الذى عاشته وتعيشه ىف الوقت
احلاضر ومدى إرتباط ذلك مبستقبلها .
ويدخل البحث بعد ذلك ىف صلب املوضوع للبحث عن السبيل إىل إحياء القيم احلضارية ىف ختطيط املدينة
األسالمية ،سواء أكان ذ لك ىف احملافظة على الرتاث احلضارى للعمارة التارخيية أو ىف إظهار القيم احلضارية ىف املناطق
املتبقية حالياً – أو ىف ختطيط املناطق املتدهورة من املدن األسالمية أو ىف إظهار القيم احلضارية ىف ختطيط املناطق
اجلديدة من هذه املدن ،وعلى ضوء هذه األجتاهات األربعة ميكن وضع النظم و الوائح الىت تعطى الفكر التخطيطى
واهلدف احلضارى مبقدماته التطبيقية سواء على املستوى العام أو اخلاص من مسئولية بناء املدن االسالمية فليس البحث
هنا عن اهلدف بقدر ماهو عن الوسائل الىت حتققه وأساس الدعوة هو الرجوع إىل تعاليم الدين األسالمى ىف البناء
السليم للفرد واجملتمع ومن مث ىف بناء بيئته احلضرية أو الريفية السليمة .
وحىت تسري الدعوة إىل إحياء القيم االسالمية ىف التخطيط والعمارة ىف مساراهتا الصحيحة العلمية فأنه البد
من إجياد كيان تنظيمى لدعمها ورعايتها فللجامعات دورها التعليمى الذى ال تستطيع التحرك خارجه ىف نشر هذه
الدعوة وإيصاهلا إىل املسئولني واملواطنني معا ،مث هناك اجلمعيات الثقافية واملعمارية والفنية الىت تستطيع أن تقوم بدور
إعالمى ىف هذا اجملال ولكن تبقى احلاجة ماسة إىل كيان تنظيمى ثابت له مقوماته العلمية والعملية الىت ميكن أن تدعم
هبا هذه الدعوة وترعاها .
وإذا كنا نرى ىف الوقت احلاضر ظهور مؤسسات تعمل ىف هذا األجتاه مثل مؤسسة جائزة أغاخان للعمارة
الىت أقامت هلا سكرتارية خاصة ىف فيالدلفيا ىف الواليات املتحدة للعمل على أحياء الرتاث الثقاىف ىف العمارة االسالمية
املعاصرة سواء عن طريق البحوث أو الندوات أو اجلوائز املعمارية ،....فإنه من األجدى أن تقوم أحد املؤسسات اخلريية
ىف اململكة العربية السعودية مبثل هذا الدور بل رمبا بأكثر منه تأثرياً وإال يقتصر هذا الدور على إحياء الرتاث الثقاىف
للعمارة األسالمية فقط بل على توجيه التخطيط العمراىن ىف العامل االسالمى وجهته الىت تتناسب مع هذا الرتاث وىف
ضوء املتطلبات التكنولوجية احلديثة .
ومن ناحية أخرى رمبا يكون من األجدى أن تبدأ الدعوة من مركز علمى ينشأ ىف أحدى اجلامعات باململكة
العربية السعودية بتوىل تنظيم هذه الدعوة ودعمها ورعايتها على أن تتبعه مراكز فرعية له ىف خمتلف الدول االسالمية كل
يعمل ىف نطاق بيئته احمللية على أن تلتقى النتائج والدراسات سنوياً ىف مؤمترات إسالمية جتتمع أثناء موسم احلج تأكيداً
للمحتوى الشامل للدين األسالمى لكل أوجه احلياة.
" وقل أعملوا فسريى اهلل عملكم ورسوله واملؤمنون "
دكتور عبد الباقى محمد إبراهــيم
استاذ تخطيــط المدن بجـامعة عين شمس
وكبير خبراء األمم المتحدة للتخطيط العمرانى
-0مقدمـة :
تطور الفكر ألحياء التراث الحضارى :
كثرياً ما ترددت فكرة إحياء الرتاث احلضارى ىف خمتلف الدول وعلى فرتات متقاربة من التاريخ
احلديث وذلك ىف حماولة ملوازنة األحتياجات املادية باألحتياجات العاطفية حلياة السكان ،وقد ظهر هذا
االجتاه واضحاً بعد ظهور الثورة الصناعية وعندما أخذت األله تلعب دورها الكبري ىف توجيه احلياة اليومية
للسكان ،ومع الزيادة املضطردة ىف معدل التقدم لتكنولوجى بعد الثورة الصناعية مل جيد األنسان خاصة ىف
الدول النامية عنده القدره الكافية على موائمة هذا املعدل مبعدالت تفاعله األجتماعى مع التطور
التكنولوجى السريع ومن مث على موازنة أحتياجاته املادية بإحتياجاته املعنوية ،ففى عام 5491إختذت
مجاعة املؤمتر الدوىل للعمارة املعاصرة ىف جنيف قراراً يهدف إىل ضروروة قيام العمارة املعاصرة وختطيط املدن
بتوفري اجلوانب املعنوية والروحية والعاطفية لالنسان ،وقد جاءت هذه التوصية ىف الوقت الذى كانت فيه
العمارة الغربية توجه أساساً خلدمة األحتياجات املادية السريعة لالنسان بعد ظهور حركة التصنيع السريع
وبرامج التنمية األقتصادية ىف الدول الغربية قبل احلرب العاملية الثانية معتمدة ىف ذلك على ماتوفره هلا
مستعمراهتا ىف الشرق من مصادر للمواد اخلام أو أسواقاً واسعة لتسويق منتجاهتا الىت كانت حتمل معها
املقومات احلضارية الغربية .االمر الذى قلب املعاير احلضارية للدول املستعمرة وتركها عاجزة عن ربط قدميها
حبديثها أو عن ممارسة التطور املتوازن أقتصادياً وأجتماعياً .
وأنعكس ذلك بالتبعية على الكيانات اإلجتماعية للسكان ومن مث على الكيانات الطبيعية ملدهنم
وعمارهتم املعاصرة ،وهكذا أخذت املظاهر العاملية ىف التخطيط والعمارة أو باألحرى املظاهر الغربية ىف
التخطيط والعمارة ترتك آثارها بسرعة ىف خمتلف أمصار األرض دون أن جتد لديها الوقت الكاىف لتنمو منوها
الطبيعي الذى ترتبط فيه بالبيئات الثقافية والبيئات الطبيعية هلذه االمصار .
ومع استمرار الفارق احلضارى بني الدول املتقدمة والدول النامية مل جتد املدينة ىف الدول النامية
فرصة ألن متد جذورها وتنمو ىف بيئتها الطبيعية أو ىف بيئتها الثقافية بل استمرت أجياالً طويلة من الزمن تنمو
ىف بيئة صناعية غريبة عنها ،واألمثلة على ذلك كثرية ىف الدول العربية والبرتولية منها بصفة خاصة ،ومل تبق
إال بعض أجزاء املدن التارخيية كما ىف املغرب وتونس والقاهرة تشري إىل املاضى احلضارى هلذه املدن .
وإذا كانت القلة القليلة من املفكرين ىف هذه الدول حتاول أن تضع أصابعها على بداية اخليوط
هلذه الظاهرة الىت كادت تقضى على املقومات احلضارية ىف الدول النامية إال أن مواد الشعوب ىف هذه الدول
ال تزال تتأثر باحلضارات الغربية عنها ،ومن هنا كانت ضخامة الدور الذى يضطلع به هؤالء املفكرون ىف
سبيل ربط شعوهبم مبقومات تراثهم احلضارى وىف مقدمة هؤالء خمططو املدن واملعماريون الذين يرمسون البيئة
الطبيعية حلضارة شعوهبم ،زد على ذلك أن سواد الشعوب ىف الدول النامية هتتم ىف املقام األول بقوت يومها
قبل غريها الهثة وراء األجنازات التكنولوجية للدول املتقدمة ومرتبطة بزيوهلا أقتصادياً وسياسياً فاقدة بذلك
مقوماهتا احلضارية .
وحتاول هذه الدراسة أن تكون حماولة لربط املدينة العربية برتاثها احلضارى ليس من ناحية الفلسفية
فقط بل أيضاً من النواحى التطبيقية والتقنية أو التشريعية الىت تضمن هلا البقاء واألستمرار ،وهناك مفهوم
البد من إيضاحه ىف هذا الشأن وهو أن احملافظة على املباىن التارخيية ذات القيمة احلضرية اخلاصة هلا وسائل
ختتلف عن وسائل وأسس احملافظة على القيم احلضارية للعمارة العربية مع تكاملها املستمر مع املتغريات
العصرية .
-0المقومات الحضارية للمدينة :
من الطبيعى أن تستمد املدينة تراثها احلضارى من خالل البيئة احلضارية الىت تنموفيها ،وتنقسم
البيئة احلضارية إىل قسمني :البيئة الثقافية :وهى تتغري على مر العصور ،والبيئة الطبيعية :وهى ثابته مع
الزمن وتكاد ال ختتلف من عهد إىل آخر ،وهكذا تتطور املدينة بني مؤثرين أساساين أحدمها متغري واألخر
يكاد يكون ثابتاً ،األمر الذى يستدعى حتليل العناصر املكونة هلذين املؤثرين أو مبعىن آخر حتليل العناصر
املكونة لكل من البيئة الثقافية والبيئة الطبيعية الىت تنو فيها املدينة .
مقومات البيئة الثقافية للمدينة
تضم مقومات البيئة الثقافية الىت تتطور فيها املدينة العناصر املتكاملة التالية -:
-0الخلفية التاريخية للمدينة :
من خالل اخللفية التارخيية للشعب ميكن إدارك الظروف احلضارية الىت عاشتها املدينة ىف مراحل
تارخيها الطويل ومدى تأثريها باحلضارات احمللية أو احلضارات الواردة عليها وما تركته كل منها من رواسب
تغلغلت ىف شخصية الشعب وكيان املدينة ،وما يهم املخطط هنا هو تقدير مدى إرتباط الشعوب مبدهنم
عاطفياً وطبيعياً ،ففى املدن الفرعونية واإلغريقية والرومانية القدمية أمثلة ناطقة عن مدى أنعكاس شخصية
سكاهنا على التكوين الطبيعى هلذه املدن ،فإرتباط سكان املدينة الفرعونية ميا بعد احلياة الدنيا ظهر ىف
معابدهم وقبورهم ملدن األخرة خبالف مدن احلياة الدنيا ،كما أن دميوقراطية احلكم واملساواة ىف عصر
األغريق ظهرت ىف التقسيمات املتساوية ىف املدن األغريقية بالرغم من تضاريسها اجلبلية املتغرية وتقديس
الشعب للنظام والقانون عند الرومان ظهر ىف الوحدات القياسية الىت شكلت املدن الرومانية ،وىف مدن
العصور الوسطى بأوروبا أمثلة واضحة عن مدى اإلرتباط العاطفى بني الشعب واملدينة ،فالعالقات
اإل نسانية القوية بني السكان أظهرت ىف هذه املدن أمثلة حية ىف العالقات احلسية بني املباىن والفراغات الىت
تتكون منها املدينة ،وىف مدينة املنصور ىف بغددا القدمية جند مثالً مدى وضوح مركزية احلكم وتركيزه ىف يد
احلاكم مع ظهور احلرية احملدودة ىف التخطيطات احمللية لكل حى من أحياء املدينة ،كما أوضحت ظاهرة
إرتباط السكان مبدهنم ىف مدينة مثل القاهرة ،فمنذ الفتح اإلسالمى حىت قاهرة الفاطميني كان كل واىل أو
حاكم يتوىل اخلالفة ىف مصر يبىن مدينته اجلديدة داخل االسوار الدفاعية مث ينشأ مسجده ىف وسط املدينة
لتصدر منه أحكام اإلسالم وتعاليمه ،فنشأت العواصم اإلسالمية ىف مصر منفصلة بعضها عن البعض
األخر مما أفقدها صفة األستمرار والنمو العضوى الطبيعى ،فعلى أنقاض مدينة كانت تقام مدينة أخرى
وجبوار مدينة كانت تقوم األخرى وليس للشعب ىف ذلك يد أو توجيه اللهم إال املشاركة ىف التشييد ،ومع
تعرض املدينة العربية ىف مصر بعد ذلك إىل الفتوحات العثمانية والفرنسية والربيطانية إنفصل احلاكم عن
احملكوم وإنفصل نتيجة لذلك الشعب عن أمور مدنه وإنفصلت جمموعاته ىف أحياء مغلقة وحىت بعد أن
فتحت البوابات أماماهم استمرت ظاهرة اإلنفصال العاطفى بني السكان واملدينة وهذه من أهم املشاكل
األنسا نية الىت تواجهها املدينة العربية ىف مصر بل وىف كثري من البالد العربية األخرى ،ومل تعد املشكلة أمام
املخطط العرىب هى توجيه منو املدينة ىف الطريق السليم فقط بل أصبحت املشكلة األساسية أمامه هى هتيئة
الظروف األجتماعية والطبيعية الىت تساعد على ارتباط السكان عاطفياً مبدهنم حىت ميكن ملخططاهتا
املستقبلة أن تتفاعل معهم وتنمو منوها العضوى السليم األمر الذى يدعو إىل ضروروة دعوة املواطنني
مبستوياهتم الثقافية املختلفة إىل اإلشرتاك بصورة أو بأخرى ىف نشاط التخطيط العمراىن ملدهنم.
ومن خالل اخللفية التارخيية للمدن ميكن التعرف على الفرتات احلضارية اهلامة الىت غرست
جذورها القوية ىف مقومات املدينة وحياة سكاهنا ،وم مث ميكن حتليل هذه املقومات وإستخالص األساليب
الىت ميكن هبا ربط الرتاث احلضارى هلذه املدن بتخطيطها وعمارهتا املعاصرة ،وهذا هو أحد أركان هذه
الدراسة حيث ركز البحث على أقوى الفرتات احلضارية الىت مرت هبا املدينة العربية وهى فرتة العصر
األسالمى الىت غرست جذورها احلضارية ليس فقط ىف الكيان الطبيعى أو التخطيطى واملعمارى للمدينة
ولكن قبل ذلك ىف جزء من الكيان الثقاىف واألجتماعى لسكاهنا والذى استمر بعد ذلك بالرغم مما تعرضت
له هذه املدن من مؤثرات وحضارات غريبة عنها أضعفت تكوينها العضوى وأفقدهتا شخصيتها وأصالتها إىل
حد كبري قد تعجز اجلهود املخلصة عن معاجلتها إال من خالل بعث جديد للروح واملبادىء األسالمية الىت
تنظم احلياة اليومية للسكان ومن مث تنظيم اهليكل العمراىن الذى يعيشون فيه .
-2التطور العلمى التكنولوجى :
تتطور املنجزات العلمية والتكنولوجية الىت توفر اإلحتياجات املادية لالنسان مبعدالت فائقة ال تكاد
تدع لإلنسان فرصة ملوازنتها بإحتياجاته املعنوية والعاطفية وهذه من أبرز مقومات احلضارة الغربية الىت تكاد
جترف أمامها التيارات احلضارية األخرى ،والنواحى العلمية والتكنولوجية كذلك تؤثر على نسبة كبرية من
الوقت الذى حيياه األنسان داخل مسكنه أو ىف مقر عمله أو ىف مكان ترفيهه وىف الوقت نفسه على احلياة
اخلارجية لالنسان وسلوكه ىف حركته وتنقله بني سكنه ومقر عمله ومراكز خدماته املختلفة ،ومل تدع له غري
قليل من الوقت يرجع فيه إىل طبيعته وإنسانيته من هنا جاءت الدعوة إىل ضرورة موازنة املاديات باملعنويات
ىف حياة األنسان وسلوكه األمر الذى يدعو إليه اإلسالم دائماً .
وملا كان التطور العلمى والتكنولوجى يسري بقوة كبرية الميكن مقاومتها باملقومات األنسانية
والعاطفية لالنسان فإن األمر يستوجب فصل مسار التقدم التكنولوجى عن جمال املقومات األنسانية
والعاطفية لالنسان وذلك ىف حماولة لتوفري بعض التوازن بني املسارين ىف حياة األنسان وحركته ىف املدينة ،
فإذا كان أثر التطور العلمى والتكنولوجى يظهر ىف احلركة اآللية لوسائل املواصالت كما أن أثر املقومات
األنسانية يظهر ىف احلركة الطبيعية لالنسان فإن األمر يتطلب الفصل بني احلركتني وإذا كان للحركة األلية
مقياس متغري فإن احلركة الطبيعية لالنسان مقياس يكاد يكون ثابتاً ،وكال املقياسني البد وأن يتقابال ىف
التكوين الطبيعى للمدينة ،وهذا أول ما يواجهه املخطط من حتديات ىف التصميم احلضرى للمدينة الىت
نشأت ىف االصل على اساس املقياس الطبيعى للحركة الطبيعية لإلنسان وهذا ما حتاول هذه الدراسة معاجلته
ىف املدينة املعاصرة ،أما التقدم العلمى والتكنولوجى ىف البناء فيظهر ىف مواد وعناصر اإلنشاءات ونظرياهتا
املتطورة وهذه أهم املشاكل الىت يواجهها املعمارى ىف حماولته لربط الرتاث احلضارى بالتقدم العلمى ىف
العمارة املعاصرة والىت تشكل احليز الفراغى للمدن .
-3المستوى المعيشى لالنسان :
يرتبط التطور العلمى والتكنولوجى من ناحية أخرى باملستوى املعيشى لإلنسان أى مبستوى ثقافته
و مستوى دخله معاً ،األمر الذى يؤثر على متطلباته املعيشية الىت يوفرها له العلم والتكنولوجيا ىف مكان
عمله أو سكنه أو سبل أنتقاله والىت تنعكس مجيعها على البيئة العمرانية للمدينة ،ومن هنا ختتلف الصورة
العمرانية للمدينة ىف الدول املتقدمة عنها ىف الدول النامية ،كما ختتلف أجزاء املدينة الىت تتمتع مبستوى
أعلى من الدخول والثقافة عنها ىف األجزاء األقل مستوى ولذلك جند أن إرتفاع مستوى الدخل ىف الدول
النامية ال يعىن إرتفاع املستوى احلضارى إال إذا كان مرتبطاً بإرتفاع ىف املستوى الثقاىف .
وإذا كانت املستويات الثقافية لالنسان تتفاوت ىف اجملتمعات النامية فهى تكاد تكون متقاربة ىف
اجملتمعات املتقدمة الذى يصبح مستوى الدخل فيها هو أساس املقارنة للمستوى املعيشى لألنسان ،
وخيتلف الدخل القومى أو الثروة القومية من جمتمع ألخر تبعاً إلمكانياته اإلقتصادية كما خيتلف معدل
تطورها من جمتمع ألخر تبعاً الختالف معدل تطورمها العلمى والتكنولوجى ،األمر الذى يضع الدول النامية
ومنها الدول العربية حتت الضغط الدائم حملاولة مالحقة التقدم التكنولوجى للدول املتقدمة هبدف األرتفاع
باملستوى املعيشى ملواطنيهم مما اليدع هلا جماالً ملالحقة التطور اإلجتماعى بالطفرات العلمية ،وبذلك يغلب
ميزان املاديات على ميزان القيم احلضارية الىت بدأت تتالشى ىف كثري من األحياء احلديثة للمدن العربية
والرغبة ألعادة تطويرها تكون متأخرة إال مبحاولة اإلصالح وليس هبدف التغيري .
ونظرة إىل املتطلبات املعيشية للعائلة العربية جند بعضها ال يزال يرتبط بالقيم املتوارثة وإن كان
حيتويها حيز من العمارة الغربية ،وبعضها األخر يرتبط بقيم مستوردة من الغرب ىف فرتة من الزمن ختتلف
اقتصادياً وإجتماعياً عن الفرتة املعاصرة الىت تتطلب حيزاً أصغر من املسطح السكىن .
ونظرة أخرى إىل املتطلبات املعيشية للعائلة العربية خارج السكن جندها ال تزال ترتبط بالقيم
احلضارية واإلجتماعية املتورثة وإن كان حيتويها حيز من التصميم احلضرى الغرىب ،وتدرجيياً تتحول هذه
املتطلبات لتتناسب مع احليز احلضرى الىت متارس فيه ويفقد اجملتمع بذلك قيمه احلضارية الىت إرتبط هبا
سنوات طويلة ،وهذه إحدى نتائج الغزو احلضرى الغرىب على القيم احلضارية للمجتمع العرىب واألسالمى ،
ليس فقط ىف الكيان العمراىن للمستوطنات البشرية الىت يعيش فيها ولكن أيضاً ىف عاداته وتقاليده ومن مث
ىف العالقات األنسانية الىت تربط أفراده ومجاعاته األمر الذى يستوجب صحوة عارمة ألحياء القيم االسالمية
عقيدة وممارسة يومية هبدف بناء األنسان الفاضل حىت يسهل بناء العمران الذى يعكس هذه القيم .
-4العالقات األنسانية :
وتظهر العالقات األنسانية بني اجلماعات وبني األفراد ىف اجملتمع الواحد ىف مدى أرتباط
السكان باألنشطة اجلماعية ىف مدى أرتباط السكان باالنشطة اجلماعية الىت تضمها املدينة ىف مبانيها
املختلفة ومنها على سبيل املثال ما يأتى -:
-5النشاط اإلجتماعى :الذى يظهر ىف أفراح اجملتمع وأتراحه أو ىف حفالته ولقائاته اليومية أو املومسية
والىت كانت من أهم مقومات املدن القدمية مبساحاهتا وميادينها العامة .
-2النشاط التجارى :الذى يظهر ىف حترك السكان ىف األسواق أو ىف اسلوب املعامالت التجارية بني
األفراد والىت كانت من أهم مقومات وسط املدينة األغريقية مبحالهتا التجارية كما كانت من
مقومات املدن العربية القدمية حيث ظهرت احلانات واألسواق العامة واملتخصصة .
-3النشاط السياسى :والذى يظهر ىف مدى ممارسة اجملتمع للدميقراطية ىف احلكم واأللتزام بالقانون
والنظام ورأى اجلماعة وحرية التعبري ىف اللقاءات السياسية والىت كانت من أهم مقومات وسط
املدينة الرومانية كما كانت بعد ذلك البيعة والشورى ىف االسالم متارس ىف ساحات املساجد أو
خارجها من الساحات العامة .
والعالقات األنسانية ترتبط من ناحية باملقومات اإلقتصادية واملادية للمجتمع كما تربط من
ناحية أخرى مبقوماته الثقافية واألنسانية ،وكالمها يتغري بتغري موارد الثروة القومية كما أن كالمها يتأثر
باملوجات احلضارية الىت يتعرض هلا اجملتمع على مر السنني ،االمر الذى يؤكد التفاعل املستمر بني العناصر
املادية واألنسانية ىف بناء اجملتمع وأن كان للبيئة الطبيعية واملناخية الىت يعيش فيها أثرمها على التكوين
البيوجلى لألنسان وتنعكس كل هذه العوامل بالتبعية على السلوك العام لإلنسان وإحتياجاته املعيشية ىف
املدينة والقرية .
والعالقات األنسانية من جهة أخرى تتأثر باملقومات العلمية والتكنولوجيه للمجتمع ومبدى إرتباط
األنسان باآللة أو انفصاله عنها ،ويتضح ذلك من ظهور التكوينات األسرية الصغرية واملتباعدة ىف
اجملتمعات الصناعية وظهور التكوينات األسرية الكبرية املرتابطة ىف اجملتمعات الريفية أو البدوية ،كما يظهر
أثر التطور التكنولوجى كذلك على طرق األتصال بني الناس وىف طريقة حتريك اجلماهري والتأثري عليها ومن
مث على مدى ترابطهم واشرتاكهم ىف تسيري أمور مدهنم وقراهم ،وملا كانت املقومات العلمية أو التكنولوجية
للمجتمع تتطور مع الزمن مبعدل كبري فان آثارها على العالقات األنسانية تأتى متأخرة ومبعدل تغيري أقل
وهذا إيضاح أخر ملدى تكامل العناصر املكونة للبيئة املادية و االنسانية ىف بناء املدينة .
-5التقاليد والعادات :
ويظهر سلوك اجملتمعات ىف التقاليد والعادات املرتبطة هبا بسبب ما ترسب لديها من آثار
احلضارات الىت مرت هبا على مر العصور ،وهذا ما يعطى هذه اجملتمعات خصائص مميزة تظهر فيها
اجلوانب اإلنسانية الىت ميكن األلتجاء إليها ألبراز تراثها احلضارى وخيتلف مدى إرتباط اجملتمعات بالتقاليد
والعادات مبدى تأثرهم باحلضارات املتعاقبة سواء منها احلضارات احمللية أو اخلارجية ،كما خيتلف مدى
إ رتباط هذه اجملتمعات بالتقاليد والعادات مبدى تأثر هذه اجملتمعات بالتطورات العلمية والتكنولوجية الىت
سادت العامل بعد الثورة الصناعية والىت ساعدت على إجياد نوع من األندماج احلضارى على املستوى العاملى
وإذا كان بعض العلماء يتكهنون بإكتمال هذا األندماج ىف املستقبل القريب أو البعيد إال أن سنة اهلل ىف
خلقه قد حتول دون ذلك وتستمر شعوب األرض وقبائلها حمتفظة بكياناهتا احلضارية وأن تعارفت وتعاونت.
وإذا كانت التقاليد والعادات ترتبط مبا ترسب لدى اجملتمعات من آثار احلضارات املتعاقبة فهى
بدورها تنعكس على املراحل املتعاقبة لنمو املدينة وقد يكون إرتباط كل مرحلة باألخرى ارتباطاً طبيعياً
وعضوياً إذا ما نشأت املدينة ىف إستمرارية حضارية نابعة من مقوماهتا احمللية كما هو احلال ىف املدينة الغربية
حيث يكاد هذا اإلرتباط أن يكون طبيعيا بني املراحل الىت مرت فيها وقد يكون االرتباط بني مرحلة وأخرى
ىف منو املدينة إرتباطاً شكلياً إذا ما نشأت املدينة ىف بيئات حضارية متعاقبة عليها من اخلارج كما هو احلال
ىف كثري من مدن الدول النامية حيث يوجد إنفصال يكاد يكون كامالً بني املراحل املختلفة الىت مرت هبا
املدينة على مر العصور ،ميكن من خالله إستقراء تاريخ املدينة ىف مراحلها املختلفة ،ففى القطاع العرضى
ملدينة القاهرة من شرقها إىل غرهبا على سبيل املثال ميكن للمرء أن يستقرء تاريخ املدينة العريقة منذ الفتح
األسالمى إىل الفتح العثماىن ومن اإلحتالل الفرنسى إىل اإلحتالل الربيطاىن ليس فقط ىف الكيان الطبيعى
الحياء املدينة املختلفة أو ىف مبانيها ومرافقها العامة ولكن أيضاً ىف حياة الفرد وتقاليده وىف مأكله وملبسه
ب ل وىف عالقاته األنسانية وتكويناته األجتماعية ،وهنا يصبح التحدى أكثر قساوة بالنسبة للمخطط أو
املعمارى الذى حياول ربط املدينة برتاثها احلضارى .
-6الدين :
والدين يعترب منبع األحتياجات الروحية واملعنوية لالنسان ،فهو بذلك ميثل ثقل التوازن بني هذه
اإلحتياجات واإلحتياجات املادية لإلنسان ،والدين اإلسالمى خبالف غريه من األديان ينظم األحتياجات
املادية واملعيشية ويوازيها مع القيم السلوكية والروحية وذلك هبدف خلق اإلنسان املتكامل واجملتمع املتكامل
ومن مث خلق املدينة املتكاملة أو الفاضلة .
لقد كانت الكنيسة ىف املاضى متثل الثقل الطبيعى ىف تكوين املدينة ىف العصور الوسطى ىف أوروبا
كما كانت متثل ىف نفس الوقت مركز الثقل أو حمور األلتقاء الروحى واملعنوى لسكاهنا وهى بذلك توفر
التوازن بني أحتياجات األنسان الروحية واحتياجاته املادية الىت تنظمها إحتادات التجار والصناع وتظهر ىف
مباىن املراكز التجارية حول الساحات العامة ومعها دار املدينة كمصدر للسلطات ومقر للحكم .
واملسجد ىف املدينة اإلسالمية كان ميثل مركز اإللتقاء الروحى والثقاىف للسكان وكان ملتصقاً
بكياناهتم العمرانية كما كان ميثل ىف نفس الوقت مصدر السلطات حيث تتم بيعه احلكام والوالة وكان
يلتصق باملسجد ىف كثري من األحيان بعض اخلدمات الصحية واألجتماعية والثقافية ،كما كان ساحة
املسجد الداخلية مقراً للتجمعات التعليمية واالجتماعية ،كما كانت ملتقى للجماهري لتتلقى توجيهات
احلاكم او الواىل مع املشاركة األجيابية ىف تسيري أمور مدهنم ،وإذا كانت ساحة اجلامع اخلارجية قد شهدت
بعض النشاط التجارى إال أن احملالت التجارية أخذت تبعد عن الساحة ممتدة على طول الشوارع التجارية
الىت تتالقى عند هذه الساحة وىف نفس األجتاه إمتدت التجمعات السكانية وأصبح الشارع التجارى ميثل
العمود الفقرى للنشاط التجارى واإلجتماعى للحى ىف املدينة األسالمية ،ومع حتول إرتباط اجملتمع
باملسجد كمركز للنشاط العام جذب الشارع التجارى إليه أنواعاً أخرى من االنشطة األدارية والتعليمية
والرتفيهية وأصبحت وظيفة املسجد بعد ذلك قاصرة على أداء الشعائر الدينية كما أرتبط ىف كثري من
االحيان بإسم منشئه وبانيه من ذوى الورع والتقوى وفقد بذلك كيانه األول ىف ختطيط املدينة ،وختلف
بذلك اجملتمع عن دينه وختلفت املدينة االسالمية تبعاً لذلك عن كياهنا احلضارى .
وخيتلف ارتباط اجملتمع مبراكزه الدينية والروحانية بإختالف ارتباطهم باملاديات الىت أوجدها التقدم
العلمى والتكنولوجى فاجملتمعات املتحضرة تستطيع موازنة إحتياجاهتا املادية بتوفري األحتياجات املعنوية
الالزمة هلا ،أما اجملتمعات الفنية والىت ليس هلا جذور عميقة من احلضارة فتحاول البحث عن مصادر روحية
جديدة لتوفري النقص الذى لديها ىف اإلحتياجات العاطفية والروحية وهى ىف ذلك تعتمد على اجلذور
احلضارية ألصل األنسان ىف صورها املتعددة وأمثلة ذلك كثرية ىف اجملتمع األمريكى أو الغرىب الذى طغت فيه
املاديات على املعنويات .
وهكذا تصبح املراكز الدينية أحدى املقومات األساسية إلحياء القيم احلضارية ىف املدينة املعاصرة
سواء أكان ذلك ىف إعادة ختطيط املدينة القدمية أو ىف ختطيط املدينة احلديثة ،لذلك جند انه ألحياء القيم
العمرانية اإلسالمية ىف املدن املعاصرة البد من إعادة بناء القاعدة األساسية ألحياء القيم الدينية وتأصيلها ىف
اجملتمع حىت ميكن أن ينعكس بعد ذلك تلقائياً على التكوين العمراىن هلذه املدن .
-2مقومات البيئة الطبيعية للمدينة
تعترب البيئة الطبيعية مبثابة الشق الثابت من البيئة العامة الىت تنمو فيها املدينة وتشتمل البيئة
الطبيعية على العناصر األتية -:
-0طبيعة االرض :
ختتلف طبيعة األرض الىت تنمو عليها املدينة من السهل األخضر أو السهل الصحراوى
إىل املرتفع ذو الطبيعة اجلرداء أو ذو الطبيعة اخلضراء اليانعة ،وال تنعكس طبيعة األرض فقط على
الشكل العام للمدينة الذى حتدده شبكات الطرق واملمرات الىت تتابع تضاريس األرض ولكنها ىف
نفس الوقت تنعكس على التعبري املعمارى ملواد البناء احمللية كما ىف تعبري البناء باحلجر ىف املدينة
األردنية أو ىف تعبري البناء بالطابوق ىف املدينة العراقية ،وتنعكس طبيعة األرض كذلك على التعبري
املعمارى إلجتاه احلياة ىف املباىن املختلفة للمدينة سواء أكان إىل الداخل كما ىف املدن الصحراوية
أو ىف اخلارج كما ىف مدن املرتفعات ذات اخلضرة الدائمة ،ويظهر هذا التأثري كذلك ىف أجتاه
الفتحات للمباىن فتبدو صغرية رأسية ىف املباىن الىت تتجه إىل الداخل وأفقية واسعه ىف املباىن الىت
تتجه احلياة فيها إىل اخلارج لتستقبل الشمس والضوء كما ىف املدن الغربية ،كما تتحكم طبيعة
األرض من ناحية أخرى ىف نوعية االنشاء ىف املباىن وارتفاعاهتا.
وملا كانت طبيعة األرض ختتلف من منطقة إىل أخرى جند أن تشكيل املدينة وعمارهتا بالتاىل
بإختالف موقعها ىف هذه املناطق اللهم إال إذا تعرضت إىل التشكيالت الفنية أو القيم املعمارية
الواردة من بيئات أخرى ودائماً ما يكون إرتباط املدينة بالبيئة الطبيعية إرتباطاً عضوياً معرباً عن
أصالتها الىت تكملها قيمها احلضارية األخرى .
-2العوامل المناخية :
تتمثل الظروف املناخية ىف درجات احلرارة والرطوبة وىف حركة الشمس وميوهلا وىف
كميات األمطار وموامسها وسرعة الرياح واجتاهاهتا ،وهذه عوامل ثابتة لكل أقليم توجه مبانيها
وجمموعاته العمرانية .كما توحى باملعاجلات املعمارية الىت تساعد على توجيه حركة اهلواء أو احلماية
من الشمس أو استعمال مواد البناء الىت تناسب أى من هذه الظروف املناخية ،وقد تكون هذه
املعاجلات تلقائية نابعة من البيئة احمللية مثل الىت ظهرت ىف العمارة األسالمية كما ىف األفنية
ومالقف اهلواء واملشربيات أو ىف توجيه املداخل أو ىف معاجلة الفتحات أو الطرق واملمرات وقد
تكون املعاجلات صناعية كذلك ظهرت ىف كثري من البحوث التكنولوجية والدراسات العلمية الىت
تعاجل تأثري الظروف املناخية على العمارة ىف املناطق املناخية املختلفة ىف العامل ،وليس هناك جمال
لسردها أو تفصيلها ملا كانت عناصر البيئة الطبيعية هى الشق الثابت للبيئة العامة ومتيز خمتلف
األقطار واألمصار وتؤثر تأثرياً مباشراً على العمارة والتخطيط فيها فهى بذلك متثل األساس األول
الذى يلجأ إليه املعمارى واملخطط ىف رسم البيئة الطبيعية للمدينة حماوالً ىف ذلك اإلعتماد على
املعاجلات الطبيعية حىت يؤكد الشخصية احمللية للمدينة مع اإلستعانة مبا يوفره له التقدم العلمى
والتكنولوجى من طرق لإلنشاء أومواد مستحدثة للبناء تتناسب مع القدرات املالية والتنفيذية
السائدة ومع ذلك فإن إستكمال الصورة التخطيطية للمدينة البد وأن يرتبط من ناحية أخرى
بالقيم احلضارية جملتمعها حىت خيرج التخطيط معرباً بصدق عن البيئة الثقافية والطبيعية الىت تعيش
فيها املدينة .
-3التغيير فى المقومات الحضارية :
يعتمد التخطيط للمستقبل أساساً على معرفة معدالت التغيري ىف العناصر املختلفة املكونة لكل من
البيئة الثقافية أو البيئية الطبيعية للمدن ،على ضوء قياس هذه املعدالت ميكن التبصر مبستقبل هذه املدن ،
ويأتى ىف املقدمة معدل التغري ىف املستوى املعيشى لإلنسان ويأتى بعد ذلك وبالتبعية معدل التغري ىف
العالقات اإلنسانية بني اجلماعات مث معدل تطورهم األجتماعى والثقاىف مث معدل التغري ىف التقاليد
والعادات وفوق كل ذلك إرتباط الناس بدينهم وهو ما يعكس على سلوكهم العام وطرق حياهتم ومتطلباهتم
املعيشية وهى عوامل ىف جمملها تؤثر تأثرياً مباشراً على تشكيل مستوطناهتم البشرية.
ومن ناحية أخرى جند أن معدالت التغري ىف عناصر البيئة الطبيعية الىت تنمو فيها املدن تكاد تكون
منعدمة بالنسبة للظروف الطبيعية واملناخية الثابتة وأن كانت هذه املعدالت تتغري قليالً بالنسبة إلستعماالت
مواد البناء الطبيعي ة املتوفرة ويزيد معدل هذا التغري بصورة أكرب بالنسبة ملواد البناء الصناعية الىت ترتبط
بالتقدم العلمى والتكنولوجى للمجتمع .
ومع التطور الطبيعى او العضوى للمدن على مر العصور دائماً ما جند أن هناك خيطاً واضحاً يربط
بني العناصر املكونة للبيئة الثقافية والبيئية الطبيعية وهذا هو اخليط الواضح للبيئة احلضارية الىت تعيش فيها
هذه املدن اللهم إذا تعرضت هذه املدن إىل صدمات قوية وضربات قاصمة ىف فرتات التاريخ املختلفة قد
تقطع هذا اخليط فرتات حمدودة من الزمن تطول أو تقصر تبعاً لقوة إرتباط السكان مبدهنم ومقاومتهم
للحضارات الغربية عنها ،وهكذا قد تطول فرتة إلتئام هذا اخليط أو تقصر تبعاً لعمق الرتاث احلضارى عند
سكان هذه املدن .
األستمرار الحضارى فى العالم العربى
جند ىف التحليل السابق للبيئة الىت تعيش فيها املدينة مدخالً علميا للبحث عن ربط الرتاث
احلضارى بتخطيط املدن العربية املعاصرة وعمارهتا احلديثة ،وقد جاء هذا التحليل مسبقاً جملريات البحث
حىت تكون عناصر ماثلة أمام كل مرحلة من مراحل الدراسة وذلك حىت تتأكد النظرة املتكاملة كأهم
مقومات الدراسات التخطيطة .
وإذا رجعنا إىل جذور احلضارات املختلفة للمنطقة العربية وجدنا أمامنا حضارتني رئيسيتني ظهرتا
على ضفاف هنرى الدجلة والفرات ىف الشرق وهنر النيل ىف مصر ،فقد أشرقت احلضارة ىف منطقة مابني
النهرين منذ أكثر من 1555عاماً ىف سومر وشهدت املنطقة أول ساكىن احلضر ىف التاريخ فمن حضارة
الكليني منذ 9555عاماً قبل امليالد واستمرت أكثر من 2055عاماً إىل حضارة األشوريني منذ 5201
قبل امليالد واستمرت أكثر من 055عاماً مث احلضارة الفارسية منذ 135قبل امليالد واستمرت حواىل
055عاماً إىل أن ظهرت احلضارة اإلسالمية ىف عهد األمويني منذ عام 055حىت عام 011وإزدهرت
هذه احلضارة ىف عصر العباسني من عام 015وإستمرت زهاء 155عاماً.
وعلى ضفاف النيل ظهرت احلضارة الفرعونية منذ أكثر من 1555عاماً وامتدت جذورها العريقة
بفنوهنا وعلومها إىل أن أتصلت باحلضارة األغريقية مث احلضارة الرومانية ىف الغرب وتركت هبا كثرياً من
مقوماهتا وقد تعرضت هذه احلضارة ىف هنايتها إىل غزو اهلكسوس الذى إستمر وقتاً ليس بالقصري إندثرت
فيها حضارة النيل وتعرضت املنطقة إىل احلضارات األغريقية مث الرومانية الىت أختذتا من األسكندرية عاصمة
هلا ،إىل أن دخلت احلضارة األسالمية أرض الكنانة وبىن عمرو بن العاص مدينته اإلسالمية األوىل ىف
الفسطاط عام 092مث مدينة العسكر الىت بناها العباسيون عام 015م مشال الفسطاط مث جاء أمحد بن
طولون ليبىن القطائع ومسجده الشهري عام 555م مشال العسكر مث جاء جوهر الصقلى ليبىن القاهرة ىف
يوليو عام 409مشال القطائع إىل أن جاء حكم املماليك وأنتهى احلكم العثماىن .
وبالرغم من ظهور احلضارة األسالمية ىف كل من منطقة ما بني النهرين والنيل وما تركته ىف شعوب املنطقة
العربية بأسرها من آثار عميقة سواء ىف الدين واللغة أو ىف التقاليد والعادات وىف املتطلبات املعيشية ومن مث
ختطيط املدن وعمارهتا ،إال أن احلضارتني القدميتني إستمرارمها احلضارى ىف بعض جوانب احلياة ىف كال
املنطقتني كما إستمرت عناصر البيئة الطبيعية لكال املنطقتني تؤثر على العمارة القدمية ىف كل منهما مث
إ ستمرت نفس هذه العناصر تؤثر على العمارة األسالمية فيما بعد ،ومع ذلك فقد أختلفت خمططات
املدن ىف كل من احلضارتني القدمييتني عنها ىف احلضارة اإلسالمية وذلك نظراً للتطورات اجلذرية ىف العالقات
اإلنسانية وىف القيم احلضارية الىت غرستها احلضارة األسالمية ىف شعوب هذه املنطقة.
وكان للبيئة الثقافية آثارها الىت أنعكست على التكوينات العمرانية للمدن ىف ذلك العصر وظهر ذلك ىف
سيطرة احلكام وإنفصاهلم عن الشعوب مع أحساساهم بعدم األمان الداخلى فأقيمت احلوائط الدفاعية
السميكة حول القصور كما أقيمت نفس العناصر الدفاعية حول املدن لعدم األمان اخلارجى ،ومن ناحية
أخرى ظهرت اخلطوط املستقيمة املتعامدة ىف ختطيط املدينة كأثر من آثار السيطرة والتسلط على املدينة
وسكاهنا كظاهرة من مظاهر احلكم ىف هذه األزمنة .
نحو إحياء القيم الحضارية فى تخطيط المدينة األسالمية
ميكن إحياء القيم احلضارية ىف ختطيط املدينة العربية املعاصرة باألساليب الثالثة التالية :
-5األسلوب األول ويرتبط بإظهار الرتاث احلضارى للعمارة التارخيية واحملافظة عليها سواء أكانت ىف مباىن
منفصلة أو ىف جمموعات من هذه املباىن ،ويشارك ىف هذه العملية إدارات اآلثار مع إدارات ختطيط
املدن .
-2األسلوب الثاىن ويرتبط مبحاولة إخضاع املناطق القائمة ىف املدن للقيم احلضارية للتخطيط والعمارة
األسالمية ،وهذا الدور يعترب من مسئولية اجملالس البلدية ملا هلا من قوة تنظيمية وتنفيذية .
-3األسلوب الثالث ويرتبط مبحاولة ختطيط وتصميم املناطق اجلديدة على أساس تطبيق القيم احلضارية
للتخطيط والعمارة مع األخذ باألعتبار املنجزات التكنولوجية احلديثة واملتطلبات املعيشية املتطورة والىت ال
تتعارض مع القيم احلضارية للمجتمع اإلسالمى .
ولكل من هذه األساليب طبيعة خاصة ىف حبثها وأن كانت ىف النهاية تتداخل وتتكامل ىف رسم
الصورة العامة للمدينة العربية املعاصرة .
المحافظة على التراث الحضارى للعمارة التاريخية :
يتبع ىف هذا األجتاه إسلوبان متضاربان :األجتاه األول ىف تفري املناطق احمليطة باملبىن التارخيى
إلظهاره منفصالً كأثر من آثار املاضى دون آرتباط كبري بالتكوينات التخطيطية أو املعمارية احمليطة به ،
وينقسم الفكر املعمارى أو التخطيطى هنا إما إىل إجياد نوع من التباين بني العمارة القدمية للمبىن بتشكيالته
احلرة ومواده الطبيعية والعمارة املعاصرة بتشكيالهتا املنتظمة وموادها املصنعة أو إجياد نوع من التجانس بني
العمارة القدمية للمبىن والعمارة املعاصرة الىت حتيط به وتلتزم بالقيم احلضارية مع تطبيق أحدث األساليب
التكنولوجية حىت تساير التطور املستمر ىف احلياة املعاصرة ،وىف هذه احلالة تصبح العمارة املعاصرة احمليطة
باملبىن إمتداد للعمارة القدمية ،وهنا قد ينزلق الفكر املعمارى إىل أسلوب تبسيط العمارة القدمية وخلطها
ببعض العناصر املعمارية احلديثة أو إضافة بعض الزخارف القدمية عليها للوصول إىل هذه دون وعى حقيقى
وعميق بالقيم احلضارية للعمارة العريقة .
ويتجه األسلوب اآلخر للمحافظة على الرتاث احلضارى للعمارة التارخيية إىل إعتبار املبىن األثرى
القدمي ممثالً لفرتة تارخيية معينة من تاريخ املدينة ال ميكن فصله عن الفرتات الالحقة وىف هذه احلالة يلتزم
املخطط بوضع املبىن األثرى ىف وضعه األساسى من حيث عالقاته احلسية باملباىن والفراغات احمليطة به حىت
تظهر قيمته التشكيلية وإرتباطه باملقياس األنساىن الذى الزمه منذ أنشائه ،ويستلزم هذا األسلوب دراسة
واعية لتخطيط وتصميم املباىن احمليطة باملبىن األثرى أو املالصقة له ،وتشييد املباىن اجلديدة حوله ليس
بنفس األسلوب القدمي ولكن مبا يتطلبه العصر من أساليب علمية وتكنولوجية ىف البناء وما تتطلبه احلياة
املعاصرة من احتياجات مادية ومعنوية تأكيداً إلستمرار احلياة ىف أعصاب املدينة دون أى أنفصال قد يقطع
اإلستمرار احلضارى فيها ،وذلك مع ضروروة إجياد التوازن املستمر بني اإلحتياجات املادية واإلحتياجات
العاطفية ىف البيئة العمرانية للمجتمع كما حتث تعاليم الدين األسالمى احلنيف على إجياد نفس التوازن ىف
حياة اجملتمع نفسه .
إن احملافظة على الرتاث احلضارى للعمارة التارخيية ىف املدينة القدمية يتطلب كذلك التفاعل مع
املنجزات التكنولوجية املتمثلة ىف وسائل النقل وطرق املواصالت اآللية األمر الذى يستوجب فصل حركة
األنسان عن حركة السيارة كلما كان ذلك ممكناً على أن ختدم السيارة املناطق القدمية من املدينة ىف أضيق
احلدود دون إجياد فرصة للمرور العابر ،أما حركة األنسان ىف املدينة القدمية فريتبط باملقياس األنساىن لفرا
الشارع والذى حتدده أرتفاعات املباىن ،األمر الذى يستدعى حتديد إرتفاعات األدوار ىف املباىن اجلديدة
وربطها بإ رتفاعات املباىن القدمية القائمة ،وهكذا تتحدد لكل منطقة من املدينة القدمية قوانينها التنظيمية
واخلاصة الىت تضمن ربط القيم احلضارية للعمارة التارخيية بالعمارة املعاصرة فيها سواء بالنسبة للتشكيالت
اخلارجية أو األلوان أو بتنسيق املواقع احمليطة هبا .
وللمدن القدمية القائمة إعتبارات خاصة من الناحية اإلجتماعية إذ كثريا ما تضم املستويات
املعيشية الدنيا من اجملتمع بعد هجرة سكاهنا األصليون إىل الضواحى وهذه الظاهرة كثرياً ما تقف حجر عثره
ىف سبيل وصول هذه املناطق إىل املستوى اإلنساىن الالئق األمر الذى يقتضى نشر التوعية املعيشية لسكان
هذه األحياء جنباً إىل جنب مع عمليات التخطيط وحتسني البيئة واحملافظة عليها وذلك حىت ال ينفصل بناء
التشكيل الطبيعى للمدن عن بناء األنسان فيها خاصة ىف تلك املناطق الىت تعكس أكثر من غريها الرتاث
احلضارى والقيم املعمارية األصيلة .
إظهار القيم الحضارية فى المناطق المبنية :
متثل املناطق املبنية حول األحياء التارخيية اجلزء األكرب من الكيان الطبيعى للمدينة إذ أقيمت على
مراحل متعاقبة وىف ظروف حضارية خمتلفة إىل أن إختذت وضعها القائم مبا فيه من نقص املرافق أو مشاكل
ختطيطة وكثرياً ما يعجز التخطيط احلديث عن حتقيق أهدافه ىف هذه املناطق املبنية فيلجأ إىل املناطق غري
الصاحلة منها ليقيم على أنقاضها مناطق حديثة ،وإن كانت هذه املناطق احلديثة تتحرك تبعاً ملخططات
مرحلية إال أهنا ىف النهاية متثل عمالً جديداً من أساسه شأهنا ىف ذلك شأن املناطق اجلديدة عند أطراف
املدينة ويبقى اجلزء القائم من املدينة جامداً أمام أى ختطيط جديد وأن كان يدخل ضمن املراحل املستقبلية
للتخطيط العام للمدينة ،فهو بذلك يبقى أجياال طويلة من الزمن دون أى معاجلات ختطيطية تذكر اللهم
إال ما تتعرض له هذه املناطق من عمليات توسعة للشوارع أو إقامة املباىن احلديثة ىف األراضى اخلالية منها ،
من هنا كان البحث عن أسلوب إظهار الرتاث احلضارى ىف املناطق املبنية من املدينة حول اجلزء القدمي منها
عمالً شاقاً أمام املخطط ليس فقط من الناحية النظرية ولكن أيضاً من الناحية التنفيذية ،فاملعاجلة
التخطيطية ملثل هذه املناطق متس سكاهنا قبل أن متس مبانيها ،وميكن أن تكون املعاجلة التخطيطية هلذه
املناطق بعد ذلك مبثابة عملية إصالح للبيئة احلضارية فيها أكثر منها ختطيطاً شامالً مبعناه املعروف .
وقد تبدأ عملية إصالح البيئة احلضارية للمناطق املبنية من املدينة هبدف إحياء القيم احلضارية فيها ىف
األجتاهني التالني -:
أ) نقل حركة المرور من داخل المناطق إلى خارجها :
وهذا األجتاه حياول بقدر اإلمكان نقل حركة السيارات من الشوارع الرئيسية الىت أصبحت تكون
شرايني اخلدمات ىف األحياء القدمية القائمة إىل خارجها وذلك لفصل حركة السيارة فيها عن حركة اإلنسان ،
وختصيص هذه الشرايني بعد ذلك للخدمات الداخلية لألحياء السكنية بعد حتويل املرور السريع منها إىل
خارج كل منطقة أو حى ،وهكذا تصبح عملية توسعة الشوارع الرئيسية عملية غري إنسانية بعد أن جتمعت
على جوانبها مبرور الزمن خمتلف األنشطة اجلماعية للسكان وأصبحت بذلك متثل الشرايني الطولية لألحياء
السكنية .
إن عمليات التوسعة ملثل هذه الشوارع هبدف تيسري سريان مرور السيارات فيها تساعد على فقدان
احلياة ىف هذه الشرايني خاصة إذا علمنا أن عمليات التوسعة تنفذ على مدى فرتات زمنية متباعدة كلما
زادت كثافات املرور فيها ،ذلك باألضافة إىل التكلفة الباهظة لنزع امللكيات للمباىن واألراضى على جوانب
هذه الطرق الرئيسية خاصة مع األرتفاع املستمر ىف أسعار هذه األراضى .
وملا كانت الشوارع الرئيسية الىت ترتكز على جوانبها خمتلف األنشطة اجلماعية لألحياء السكنية
تعترب مبثابة أعصاب احلياة بالنسبة هلذه األحياء فإن األمر يستدعى ضرورة البحث عن مسارات أخرى
جديدة لوسائل األنتقال السريعة الىت متر فيها ،وهنا قد ال جيد املخطط بدائل أخرى لنقل هذه احلركة إىل
الشرايني الىت حتيط باألحياء السكنية إذ أن معظم األحياء السكنية ىف املدن العربية ال تفصلها شوارع رئيسية
وهى وأن إنفصلت إجتماعياً فهى ملتحمة طبيعياً ،وإذا علمنا أن التخطيط احلديث حياول فصل األحياء
السكنية القائم ة بطرق للمواصالت السريعة كجزء من الشبكة الرئيسية ملواصالت املدينة فأن األمر يستدعى
شق مثل هذه الطرق خالل املناطق القدمية املبنية حيث تلتحم األحياء القائمة وذلك مع حماولة توسعة أى
شوارع فرعية قد توجد عند خط ألتحام هذه األحياء بعضها ببعض إذا مسحت الظروف بذلك ،وهكذا
ميكن تفادى األسلوب القائم ىف توسعة الشوارع الرئيسية الىت متثل شرايني احلياة ىف األحياء السكنية ىف
املناطق القائمة .
وبالدراسة العلمية لهذا األتجاه تتضح الحقائق األتية -:
-5إن قيمة األرض على جوانب الشرايني الرئيسية الىت خترتق األحياء السكنية القائمة كثرياً ما تكون
أضعاف قيمة األراضى ىف األماكن الىت تلتحم عندها األحياء السكنية ،وعلى ذلك فتكاليف نزع
امللكية على جانىب الشرايني الرئيسية لألحياء السكنية القائمة تفوق تكاليف نزع امللكية الالزمة لفصل
األحياء بشرايني جديدة للمواصالت السريعة .
-2إن حالة املباىن على جوانب الشرايني الرئيسية الىت متر ىف قلب األحياء السكنية دائماً ما تكون أحسن
حاالً وأعلى مثناً من املباىن القائمة عند خط األلتحام األحياء األمر الذى يزيد من العبء على اإلقتصاد
القومى عامة عند توسعة الشرايني الرئيسية احلالية لألحياء السكنية .
-3نظراً لألتساع الذى طرأ على الشرايني الرئيسية بأواسط األحياء ىف املاضى دون غريها من الشوارع
الداخلية فإن إرتفاعات املباىن على جانىب هذه الشرايني قد إزدادت هى األخرى عما كانت عليه من
قبل وإزداد بذلك معه استغالهلا عن املباىن املوجودة عند خطوط التحام األحياء ،وهذا ما يضاعف مرة
-9
-1
-0
-0
أخرى زيادة تكاليف توسعة الشرايني الرئيسية لألحياء باألضافة إىل فقدان أعداد أكثر من الوحدات
السكنية أو التجارية أو األدارية ىف املباىن الىت على جوانب هذه الشرايني .
أن عملية توسعة الشرايني الرئيسية الىت متر بقلب األحياء السكنية تتطلب من جهة أخرى إحاءات
تنظيمية وقانونية معقدة نظراً لتنوع استعماالت األرض على جوانبها خاصة بالنسبة لألستعمال األدارى
والتجارى األمر الذى ال يظهر عند شق الطرق اجلديدة ىف املناطق القدمية الفاصلة بني األحياء
السكنية.
ان شق الطرق اجلديدة ىف املناطق القدمية الىت تفصل األحياء السكنية قد ال تتطلب إنشاء شبكات
إضافية للمرافق العامة إذ ميكن األستمرار ىف األعتماد على شبكات املرافق العامة القائمة ىف الشرايني
الرئيسية القائمة وأن حتولت هذه الشرايني بعد ذلك إىل طرق للمشاه ،ومن ناحية أخرى ميكن أن
تتحمل الطرق اجلديدة شبكات جديدة للمرافق عوضاً عن الشبكات القدمية املتهالكة الىت تتحملها
الشرايني الرئيسية لألحياء .
دائماً ما تتطلب عمليات توسعة الشوارع وقتاً طويالً إبتداء من إعتماد خطوط التنظيم اجلديدة إىل أن
تبدأ أعمال التوسعة مث إعادة البناء الىت جترى تبعاً ألمكانيات أصحاب األراضى املتأثرة بالتوسعة سواء
من حيث التمويل أو التصميم أو األنشاء األمر الذى يشوه الشوارع الرئيسية وال يوفر هلا األكتمال
السريع .
أن شق شبكات الطرق اجلديدة الفاصلة بني األحياء سوف ال يستوجب أن يقام على جوانبها أى
مباىن إدارية أو جتارية أو غريها مما يوفر كثرياً من امليزانيات العامة الىت قد ترصد هلذا الغرض إذا متت
أعمال التوسعة للشرايني الرئيسية لألحياء السكنية .
ب) تطوير المناطق المبنية :
اهلدف من تطوير البيئة ىف املناطق املبنية من املدينة هو حماولة إعادة تشكيل املباىن القائمة لتوفري بعض
املظاهر الىت ختدم القيم احلضارية مع البدء باملباىن الىت على جوانب الشرايني الرئيسية الىت تلتف حوهلا
االحياء السكنية و ميكن أن يقسم العمل ىف تطوير البيئة ىف هذه الشراين إىل النواحى التالية -:
-5اإلرتداد بواجهات احملالت التجارية واملداخل ىف املباىن القائمة مبسافات ترتواح بني مرتين أو ثالثة تبعاً
ألتساع الشارع وذلك خللق منطقة مغطاة أمام هذه احملالت وأن إختلفت املسافات بني األعمدة الىت
تظهر بسبب هذا األجراء أو بني أرتفاعتها املرتبطة بأرتفعات األدوار األرضية للمباىن القائمة ،هذا وقد
تستعمل العقود حلل املشاكل التنفيذية الىت قد تنتج عن هذا األجتاه .
-2معاجلة الواجهات األمامية للمباىن القائمة سواء بتوحيد خط السماء لكل جمموعة متقاربة منها لتفادى
التكبيري الكبري ىف خط السماء على جوانب الطرق ،أو بطمس الزخارف والتشكيالت املعمارية
الرخيصة على واجهات هذه املباىن مع ترك الفتحات كعناصر معمارية مستقلة ىف املسطحات املقفلة
من املباىن كأحد قيم العمارة األسالمية ورمبا تدخل هذه العملية كإجراء التحديد املباىن القدمية القائمة
تضع نظمة البلديات ويتم مبعرفة أصحاب البنايات مع أعطائهم الفرصة لزيادة نسبة إستثمارها .
-3إعطاء املباىن على جوانب الطرق أولواناً متجانسة حبيث يطغى على املبىن الواحد لون واحد وحبيث يتم
ذلك حبرية كاملة إظهارا للطابع األنساىن لواجهىت الشارع مع تأكيد اللون الطبيعى ملواد البناء أو اخلشب
ىف الفتحات كلما أمكن ذلك ،ورمبا تدخل هذه العملية كذلك ىف إجراءات حتديد املباىن القائمة .
-9األقالل من التأثري الطوىل للشرفات سواء بقفل أجزاء من واجهاهتا أو قفل جوانبها وذلك لتأكيد
تشكيل العناصر املعمارية ىف الواجهات وميكن بعد ذلك حتديد فرا الشرفات بالعقود إذا قل املسطح
املفتوح منها أو بأى معاجلة معمارية أخرى عند جتديد الواجهات .
-1حماولة توفري مناذج مصنعة من املشربيات سواء من اخلشب أو األملونيوم أو البالستيك وذلك حلجب
الرؤيا عن الشرفات من اخلارج وتوفري اخلصوصية للسكان عند استعمال الشرفات إحياءا للقيم
األسالمية وتأكيداً لوظيفة املشربيات .
ويتطلب هذا املوضوع دراسة تفصيلية منفصلة لكل واجهة على جانىب الشارع بعد الفحص الكامل
إلستعماالت األرض وحالة املباىن وإرتفاعتها على كال اجلانني ،كما أن األمر يتطلب توعية السكان
وأصحاب العقارات بالقيم احلضارية هلذا العمل قبل إعتماده ليكون ملزماً للتنفيذ سواء من إعتمادات
بلديات املدن أو عن طريق العمل التعاوىن مع ضرورة إشرتاك أصحاب العقارات ىف عمليات التمويل ،
ويكون هلم األحقية ىف زيادة نسبة إستثمار مبانيهم بعد عمليات التجديد الذى تضع نظمه البلديات
وهذا األجتاه ال يعىن عدم خضوع املناطق ملراحل التخطيط الطويل األجل إذا البد أن يرتبط به كمستوى
أدىن من مستويات التخطيط احمللى لألحياء السكنية باملدينة .
إظهار القيم الحضارية فى تخطيط المناطق المتدهورة:
دائماً ما يظهر األثر احلقيقى والواقعى للمخططات التنفيذية للمدن ىف مد شبكات الطرق وتقسم
األراضى مع قليل من التنمية احلضرية الىت تظهر التشكيل املعمارى للمدينة ،وهذا هو األنطباع الذى لدى
كثري من املسئولني والعامة حىت صار التخطيط العمراىن لديهم ال يتعدى رمساً لشبكات الطرق واملرافق ،ومل
يظهر للتنمية احلضرية ىف املدينة العربية األسالمية بعد ذلك أثر يذكر ىف حني أن التنمية احلضرية هى املعرب
احلقيقى عن القيم احلضارية ىف التخطيط العمراىن وتظهر االثار التنفيذية للتخطيط العمراىن أكثر ما تظهر
ىف املناطق املتدهورة حيث تتفاقم املشاكل اإلجتماعية والبيئية للسكان ويصبح من األفضل إزالة هذه املناطق
بعد ختطيطيها بأى شكل من األشكال .
وللمتتبع للخطوات التنفيذية لتخطيط مثل هذه املناطق يالحظ أنه مبجرد شق الطرق الرئيسية
احمليطة مبنطقة ما ،تبدأ عملية بناء العمارات على جوانب هذه الطرق حيث ترتفع أسعار األراضى فجأة
نتيجة لقوانني التنظيم العمراىن الىت تساعد على زيادة إستغالل األراضى وإرتفاع املباىن على الطرق العريضة
والىت دائماً ما تكون هى الطرق الرئيسية على أطراف املناطق العمرانية ،ومع إستمرار عملية بناء العمارات
على جوانب هذه الطرق تبدأ األدوار األرضية منها تتحول إىل حمالت جتارية وعامة جتذب إليها حركة نشاط
السكان ىف املنطقة وتظهر احلاجة إىل مواقف للسيارات ختدم هذه احملالت التجارية والعامة ،ومع الوقت
تزداد احلاجة وتتفاقم املشكلة ،ويرجع املسئولون يبحثون عن مرحلة أخرى من مراحل توسعة الشوارع
وهكذا ،وىف هذه األثناء ومع التنمية السريعة ألطراف املناطق على طول الشوارع الرئيسية جند أن قلب
املنطقة ال يتحرك بنفس معدل السرعة الىت تنمو هبا االطراف االمر الذى يتسبب ىف خلل عضوى للتنمية
العمرانية للمنطقة يظهر ىف توزيع حركة السكان على أطراف املدينة بدال من تركيزها ىف قلب املنطقة الذى
يستمر مدة طويلة دون حياة تذكر وتصبح الشوارع الرئيسية واجهات للمناطق املتدهورة .
لقد توارث املخططون هذا األجتاه الذى ظهر ىف مدن املغرب حيث تضرهم احلاجة إىل ترك قلب
املناطق مفتوحاً يضم السوق التجارى واملدرسة واحلدائق ومالعب األطفال وهو ما يتناسب فعال مع البيئة
أو السلوك اإلجتماعى لسكان املدن الغربية زز وال يتناسب قطعا مع البيئة أو السلوك االجتماعى لسكان
املدن العربية واإلسالمية األمر الذى يتطلب نظرية أخرى مناسبة تطبق فيها القيم التخطيطية للمدينة
األسالمية وتستوعب حركة السياسات داخل املناطق التخطيطية مع فصلها عن حركة املشاة ،وىف هذه
احلالة يبدأ املخطط احملافظة على املباىن ذات القيمة الثقافية واحلضارية أو املباىن ذات القيمة اإلقتصادية
وحيدد األجتاهات الرئيسية لشبكات الطرق القائمة كدليل لألجتاهات العامة لشبكة الطرق ىف املخطط
اجلديد حرصاً على ما يكون متوفراً فيها من مرافق عامة أو شبكات لألتصاالت والكهرباء مكون من األوفق
األحتفاظ هبا من وجهة النظر اإلقتصادية مث يبدأ املخطط بعد ذلك ىف حصر امللكيات اخلاصة والعامة
وتقييم أمثاهنا قبل إجراء التخطيط العام للمنطقة ،وىف ضوء التخطيط العام للمدينة وحتديد نوع التنمية
احلضرية ىف كل منطقة ميكن حتديد املكونات التخطيطية األساسية لكل منطقة من ناحية عدد السكان
القائمني أو املنتفعني وكثافات البناء ونوعية اإلستعماالت الىت ترتجم بعد ذلك إىل إحجام أكثر منها إىل
مسطحات ،ومن هذا املنطلق تبدأ العملية التخطيطية على أساس األعتبارات التالية -:
-5القيم احلضارية للتخطيط كما يرد بعد ذلك ىف ختطيط املناطق اجلديدة .
-2التكامل التخطيطى ىف املراحل التنفيذية .
-3إشراك القطاعني اخلاص والعام ىف عملية التنمية احلضرية .
-9وضع نظام لتجميع امللكيات واعتبار األرض ملكيات خاصة أو مشاع أو تعاونية...
وبعد األنتهاء من التخطيط التفصيلى حتتسب امللكيات وحتدد نوعيتها مث يقدر بعد ذلك السعر
اجلديد لالرض وتبدأ دراسة اجلدوى وإستثمار االرض وحتديد قيمة العائد خاصة للملكيات العامة أو
التعاونية أو املشاع ،وهذا ما خيرج عن نطاق هذا الكتاب الذى يركز أساساً على أحياء القيم احلضارية
ىف التخطيط العمراىن أما اجلوانب العلمية للعملية التخطيطة فلها مراجعها اخلاصة.
إظهار القيم الحضارية فى تخطيط المناطق الجديدة :
ومع التحليل السابق للعناصر التخطيطة واملعمارية للمدينة العربية القدمية ميكن افساح الطريق أمام
املخطط املعاصر ىف تطبيق هذه القيم وهذه العناصر ىف التخطيطات احلديثة مع إعطاء اإلعتبار الكامل
للوسائل التكنولوجية وإستعماهلا حبيث ال يتعارض مع القيم احلضارية للمدينة تأكيداً ملبدأ املعاصرة مع
اإلستمرار احلضارى ىف بناء املدن ،وهنا يكمن الفكر االساسى للتخطيط احلديث .فإذا كان اهليكل العام
للمدينة العربية القدمية قد تشكل على اساس املقياس اإلنساىن املتولد عن احلركة الطبيعية لإلنسان وملا كان
اهليكل العام للمدينة املعاصرة يتأثر أساساً باملقياس املتولد عن احلركة اآللية املتغرية السرعة فإن الفكر
األساسى للتخطيط احلديث يهدف إىل إجياد اللقاء املناسب بني كال املقياسني وربط عناصر الزمن والفرا
واملكان ىف التشكيل العام للمدينة .
وينتقل البحث عن إظهر القيم احلضارية ىف ختطيط املناطق اجلديدة بعد ذلك إىل حتديد متظلبات
اجملتمع اجلديد وبلورهتا ىف حجوم ومسطحات ميكن توزيعها التوزيع املناسب ىف التخطيط احلديث مع إجياد
الروابط الىت حتكم العالقات احلسية بني هذه احلجوم وهذه املسطحات لتشكيل التكوين الفراغى للمناطق
املختلفة من املدينة سواء ىف منطقة الوسط أو ىف األحياء السكنية احمليطة هبا وهو ما سوف تعاجله هذه
الدراسة بالتفصيل .
وغالباً ما يغلب على املناطق اجلديدة ىف املدن األستعمال السكىن سواء أكان ذلك ىف صورة
جمموعات أو خاليا أو مناطق سكنية تبعاً لظروف ومتطلبات االمتداد العمراىن ىف كل مدينة وغالباً مايقتصر
ختطيط املناطق اجلديدة على حتديد اإلستعماالت املختلفة وتوزيعها ىف نطاق الشبكة املتكاملة للطرق
الرئيسية والفرعية وكذلك حتديد نظم البناء الىت تتناسب مع كل إستعمال تبعاً للكثافات السكانية أو البنائية
املقدرة ،ويرتك االمر بعد ذلك للمنتفعني باألراضى املخصصة ككل أستعمال ألستكمال اإلستثمار األمثل
لكل قطعة ومن مث حتديد املعامل املعمارية لالبنية اجلديدة الىت تقام عليها سواء على أساس موحد للتعبري
املعمارى أو يرتك االمر لكل منهم للتعبري عن ذاته و اسلوبه ىف حرية كاملة سواء اقتنع بضرورة األنتماء إىل
الرتاث احلضارى والتعبري عنه بشكل من األشكال أو بالتحرر من هذا اإلنتماء وإختيار ما يناسبه من تعبري
أو تصميم ،وكثرياً ما نرى وضوح التنافر ىف عمارة الدول النامية لسبب أو آلخر الجمال لتحليله هنا حيث
تتداخل فيه املؤثرات الثقافية والبيئة األقتصادية والتكنولوجية وتتفاعل ىف خلق هذا التنافر .
ويصبح التساؤل حول إحياء القيم احلضارية ىف ختطيط املناطق اجلديدة منحصراً ىف إجياد االسلوب
الذى ميكن التحكم به ىف املظهر املعمارى العام ىف االجزاء ذات االستعماالت العامة واألقالل من هذا
التحكم تدرجيياً إىل أن تعطى احلرية الكاملة للتعبري الفردى ىف املباىن املنفصلة الىت التدخل ىف حتديد احليز
الفراغى لالجزاء ذات االستعمال العام ىف املناطق اجلديدة ،ويرتبط هذا االجتاه من ناحية أخرى مبسامهة
األنواع املختلفة لإلستثمار ىف التنمية العمرانية هلذه املناطق سواء االستثمار العام أو التعاوىن أو اخلاص ،
وكلما زاد االستثمار العام ىف التنمية العمرانية كلما زادت فرص التحكم ىف تشكيلها ومن مث ىف حتديد
مالحمها املعمارية ،وهكذا احلال أو أقل قليالً بالنسبة لدور االستثمار التعاوىن ىف زيادة فرص التحكم ىف
التشكيل احلضرى إىل ان يزول تقريباً هذا التحكم بالنسبة لالستثمار اخلاص الذى الخيضع اال اىل نظم
البناء و لوائحه املعتمدة فقط مع قليل من التوجيهات املعمارية الىت ختدم أحياء القيم احلضارية إذا كان ذلك
.
ممكناً
وإذا إستقر االجتاه على تطبيق هذه التقسيمات لألنواع الثالثة لألستثمار ىف تنمية األجزاء ذات
االستعماالت املختلفة ىف املناطق اجلديدة فإن األمر يستدعى ىف نفس الوقت تقسيم هذه االستعماالت
حبيث تتناسب مع التقسيمات الثالثة لالستثمار ىف التنمية العمرانية مع األلتزام بالقيم واملالمح التخطيطة
للمدينة االسالمية ،عندئذن ميكن حتديد األطار العام لتخطيط املناطق اجلديدة حبيث تعكس القيم
احلضارية للعمران االسالمى ،وبعد ذلك ميكن حتديد شبكة الطرق الىت تتكامل مع هذا األجتاه ىف
التخطيط واحلفاظ على كل من املقياس املتولد عن حركة األنسان واملقياس املتولد عن حركة السيارة ىف
األجزاء املختلفة من التخطيط األمر الذى يستدعى عزل طرق املشاه هنائياً ىف االجزاء ذات األستعمال العام
واألقالل من هذا العزل تدرجيياً حىت تصبح الشوارع الرئيسية خمصصة فقط ملرور السيارة دون أن تتحمل
طرق السيارات أى مسارات أخرى لشبكات املرافق العامة من مياه أو جمارى أو كهرباء أو تليفون ،وهنا
يتطلب االمر إستيعاب هذه الشبكات ىف مسارات أخرى ترتبط مبسارات األنسان أكثر منها مبسارات
السيارة توفرياً ألعمال الصيانة والتشغيل واحلفر او التجديد دون اخللل باملسارات السريعة حلركة املرور الىت
حتدد املناطق اجلديدة أو حبركة املرور الداخلية ىف هذه املناطق ،هبذا ميكن حتديد مسارات الشبكات العامة
من جهة واستعماالت االراضى و تشكيالهتا املعمارية من ناحية أخرى لتحدد بذلك التشكيل النهائى
للتخطيط اجلديد الذى يهدف إىل أحياء الرتاث احلضارى للمدينة األسالمية مع التأكيد بصفة خاصة على
دور املسجد ومكانته ىف التكوين املعمارى كمركز احلياة ىف احلى السكىن اجلديد .
من هذا املنطلق وضعت اخلطوط األساسية لنظرية ختطيط املناطق اجلديدة حبيث تعرب عن القيم
احلضارية لتخطيط املدينة األسالمية من جهة وتواكب التطور التكنولوجى املتقدم من جهة أخرى ،ومن
أسس هذه النظرية ومرتكزها هو وجود املسجد ىف مركز الثقل ملخطط العام للمنطقة له كيانه املعمارى املميز
ويلتحم من جهة باخلدمات الثقافية والصحية واألجتماعية ويطل من ناحية أخرى على الساحة العامة الىت
تلتف حوهلا اخلدمات األدارية واألمنية والبلدية ومكاتب اخلدمات العامة ،حبيث تأخذ مباىن هذه اخلدمات
مقياس أقل من مقياس املسجد تأكيداً لكيانه املعمارى الذى يتناسب مع كيانه الديىن واألجتماعى ،ومن
جهىت ساحة املسجد ميتد العمود الفقرى كمحور للمنطقة له كيان الشارع التجارى املخصص للمشاه على
جانبيه احملالت التجارية املتخصصة يعلوها املكاتب التجارية واملهنية الىت تعلوها وحدات سكنية صغرية
للعاملني باخلدمات وميثل العمود الفقرى للمنطقة أعلى نسبة من البناء وبالتبعية أعلى نسبة من الكثافة
السكانية األمر الذى يساعد على زيادة نسبة إستغالل األرض ىف حمور احلى ومن مث على زيادة سعر االرض
ىف قلب املنطقة أكثر منها عند أطرافها على طول الطرق الرئيسية احملددة هلا .حيث تقل نسبة استغالل
األرض إىل أقل نسبة ممكنة ،وميثل العمود الفقرى للحى مع ساحة املسجد واملباىن احمليطة هبا حمور النشاط
السكاىن للمنطقة األمر الذى ال بد وأن خيضع إىل استثمار رأس املال العام أو التعاوىن حىت ميكن التحكم
ىف تصميماته املعمارية حبيث تعرب عن القيم املعمارية اإلسالمية العربية ،وخيدم حمور احلى شبكة من الشوارع
املرتدة تنتهى مبواقع للسيارات خلف املباىن املكونة له .
وعلى طول جانىب العمود الفقرى وخلف مبانيه حتدد قطع كبرية من األرض ميكن تنميتها
كمجموعات سكنية كبرية على أفنية داخلية بإرتفاع أقل عن أرتفاع مباىن حمور احلى وبالتاىل بكثافة سكانية
أقل وكذلك بنسبة أقل إلستغالل االرض وبالتاىل بسعر أقل ،وميكن أن يقوم القطاع اخلاص الكبري أو
القطاع التعاوىن أو العام بتنمية هذه اجملموعات السكنية حىت ميكن التحكم ىف التصميم املعمارى الذى يعرب
عن القيم املعمارية وأن اختلفت تفاصيلها من جمموعة اىل أخرى تأكيداً ملبدأ األختالف ىف الوحدة العامة ،
وختدم هذه اجملموعات شبكة الطرق الرادة املتفرغة من شوارع اخلدمة احمليطة باملنطقة ،وكذلك شبكة من
طرق ملرور املشاه تصب ىف الطريق الرئيسى للمشاه ىف حمور احلى .
وعلى جانىب اجملموعات السكنية ختصص املساحات املتبقية للتقسيمات العادية حبيث تصغر هذه
التقسيمات ناحية اجملموعات السكنية وتكرب ىف االجتاه اخلارجى للمنطقة حىت أطرافها وعند الطرق الرئيسية
احملددة هلا حيث تقل كثافة البناء إىل أقل قدر ممكن وتقل بذلك نسبة إستغالل األرض وبالتبعية سعرها ،
وختدم هذه التقسيمات شبكة الطرق الرادة مع شبكة من طرق املشاه تصب ىف هنايتها ىف طريق املشاه
الرئيسى ىف حمور احلى ،وىف هذه التقسيمات ترتك احلرية ألصحاهبا من األستثمار اخلاص بالبناء عليها كل
حسب إدراكه الثقاىف بالقيم احلضارية للعمارة األسالمية وإن كان من األوفق وضع النظم واللوائح الىت
تساعد على جتانس البيئة املعمارية ىف هذه التقسيمات مبا يتالئم مع القيم احلضارية للعمارة االسالمية ،
سواء أكان ذلك ىف حتديد اللون أو األرتفاع أو فرا البناء حبيث توجه املباىن إىل الداخل كلما أمكن ذلك ،
وزيادة األفنية اخلاصة عن املساحات اخلارجية املرتوكة بني املباىن بعكس ماعليه لوائح التنظيم ىف معظم
احلاالت ىف املدن العربية.
وتعاجل النظرية التخطيطة كذلك جانباً آخر من التخطيط وهو شبكات املرافق ،ففى املناطق
اجلديدة ميكن أن يتحمل طريق املشاه ىف حمور احلى الفروع الرئيسية لشبكات املياه واجملارى والكهرباء
واهلاتف سواء ىف انفاق حتت الطريق أو حيز أكرب من األنفاق ميكن أن يتحول إىل خماىبء عند الطوارىء ،
وتتفرع أفرع هذه الشبكات لتخدم باقى أجزاء احلى حتت شبكة طرق املشاه الىت تصب ىف الطريق الرئيسى
للمشاه ىف حمور احلى ،وهبذا املنطق ختصص شبكة الطرق الرادة ملرور السيارات فقط ،حبيث ال تتوقف
حركة السري فيها عند أى طارىء أو إجراء أى إصالحات أو تعديالت ىف شبكات املرافق العامة ،كما
ميكن صيانة هذه الشبكات من طرق املشاة دون عناء كبري نظراً لطبيعة تغطية هذه الطرق مبواد سهلة التغيري
ومن ناحية اخرى توجه النظرية التخطيطية املناطق اخلضراء الالزمة للسكان إىل األطراف احمليطة
باحلى فاصلة بذلك الطرق الرئيسية ومشكلة ىف نفس الوقت حزاماً أخضراً حول كل حى وبذلك ميكن
تفادى تلوث البيئة من آثار مرور السيارات الكثيف على األطراف ومحاية احلى من العواصف عوضاً عن
األحزمة اخلضراء الىت تقام حول املدن الصحراوية والىت يصعب إثبات صالحيتها هلذا الغرض.
وإذا كان احملور التجارى للحى ميثل حموراً أساسياً للنشاط التجارى واألدارى للسكان فإن اخلدمات
التعليمية والرتفيهية واحمللية للحى ميكن أن متتد على حمور آخر متعامد على احملور التجارى ماراً كذلك
بساحة املسجد ،حبيث خيدم كل جانب من حمور اخلدمات التعليمية والرتفيهية املنطقة السكنية على جانبيه
،حبيث ميكن فصل مدارس البنني املشرتكة ( أبتدائى وإعدادى ) عن مدارس البنات املشرتكة (إبتدائى
وإعدادى ) مبركز فرعى للخدمات احمللية .
وعلى ضوء هذه اخلطوط العريضة لنظرية ختطيط املناطق اجلديدة ميكن للمخطط أن يوجه املخطط العام
للمدينة حبيث ميكن تطبيق أسس النظرية ىف املناطق اجلديدة مع األختالف الالزم ىف الكثافات الكلية لكل
منطقة ومن مث ىف نسب إستغالل األرض وهذا ما خيتلف بإختالف بعد أو قرب املنطقة عن وسط املدينة ،
ولكن البد من وضع حدود دنيا وأخرى عليا هلذه الكثافات حبيث ال تؤثر عن املقومات التخطيطة املناسبة
واملعربة عن القيم احلضارية للمدينة األسالمية .