المشائخ بالمغرب (1) .pdf
À propos / Télécharger Aperçu
Ce document au format PDF 1.5 a été généré par Microsoft® Office Word 2007, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 23/11/2014 à 01:54, depuis l'adresse IP 92.90.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 1299 fois.
Taille du document: 1.4 Mo (302 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
http://www.shamela.ws
مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة
الكتاب :طبقات املشائخ ابملغرب
املؤلف :أبو العباس أمحد بن سعيد الدرجيين
حققه وقام بطبعه :إبراهيم طالي
الناشر[ :د .ان].
املطبعة :مطبعة البعث ،قسنطينة -اجلزائر
اتريخ النشر[ :د .ت].
عدد األجزاء2 :
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
[صفحة 1الغالف]
كتاب طبقات املشائخ ابملغرب
أتليف
الشيخ أيب العباس أمحد بن سعيد الدرجيين رمحه هللا
املتوىف حوايل 076هـ
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
اجلزء األول
حققه وقام بطبعه
إبراهيم طالي
_____________
[صفحة 2وراء الغالف غري مرقمة يف األصل املطبوع]
مجيع احلقوق حمفوظة
_____________
[صفحة 2وراء الغالف غري مرقمة يف األصل املطبوع]
بسمميحرلا نمحرلا هللا
احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات.
تقدمي الكتاب
[صفحة 3غري مرقمة يف األصل املطبوع ،وغري مرقونة]
_____________
[صفحة 4غري مرقمة يف األصل املطبوع ،وغري مرقونة]
_____________
[صفحة 5غري مرقمة يف األصل املطبوع ،وغري مرقونة]
_____________
[صفحة 0غري مرقمة يف األصل املطبوع بيضاء]
_____________
[صفحة -أ]-
بسمميحرلا نمحرلا هللا
وصلى هللا على سيدان دمحم وآله
مقدمة [احملقق غري مرقونة]
.........................
_____________
[صفحة -ب -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ج -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -د -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -هـ -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -و -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ز -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ح -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ط -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ي -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ك -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ل -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -م -غري مرقونة]
_____________
[صفحة -ن -غري مرقونة]
مقدمة
احلمد هلل الذي خلق السمات واألرض وجعل الظلمات والنور يعلم ما يسرون وما تعلنون وهللا
عليم بذات الصدور ،خلق اإلنسان عمله البيان وكل شيء عنده مبقدار سبحان من جعل له
عينني ولساان وشفتني ،وهديناه النجدين ،فسعيد يسره لليسرى وشقي يسره للعسرى ،هو الذي
خلقكم وما تعلمون ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ،امحده من عرف جالله وكربايءه وأقدس
من دون التشبيه صفته وأمساءه ،والصالة والسالم على سيدان دمحم خامت النبيني واملرسلني الذي
أرسله هللا رمحة للعاملني ونسخ بشريعة دينه كل شريعة ودين ،وعلى آله وأصحابه األكرمني،
واتبعيهم إبحسان إىل يوم الدين واتبعي التابعني صلى هللا عليهم أمجعني صالة دائمة إىل يوم
الدين.
()1/1
-------------------------------------------------------------------
وبعد :فان العلم دليل يقتدي به ،وايل طريق الرشد هاد يهتدي به " إمنا خيشى هللا من عباده
العلماء " " والعلماء ورثة األنبياء " ويف اآلية واخلرب دليل على أن العلم ما صاحبه العمل،
وصادفته اخلشية والوجل فإنه من أخشى هللا تعاىل ملا لديه ،ويسعى فيما يقدم بني يديه ،وهل ملن
عرى من اخلشية فوز بعمل احلسنات ،واستحقاق وراثة تلك الدرجات؟
وينبغي ملن نزع إىل هذا النزع وطلب هذا العمل األرفع ،آن يتعرف مناقب السلف واألخبار،
وحيصل سريهم الصاحلة ليقتدي حبميد تلك اآلاثر ،فإن ذلك مما يقوى الرغبة واالشتياق ()1
واحلرص على املصري إىل تلك املنازل السنية واللحاق ،وخيص على الطريق األثوم ،وينهي عن
أهواء اهلاون يف هواء اخلسران والندم ،فما أتقمن من عرف طريق الصالح إن يتبعه! وما أقبح من
جهة أن يضيعه! وقد استمرت عادة أصحابنا أن أول ما ميرن عليه املبتدئ أذا وصل ،السكينة
والوقار وتعليم سري السلف ،لتكون هلم على اتباعهم معينة ،فإذا اكتسى تلك السلف تلك احللة
قلما بدهلا ،مث بعد ذلك " ما يفتح هللا الناس من رمحة قلما بدهلا ،وما ميسك فال مرسل له من
بعده وهو العزيز احلكيم " .فاهلل ينفعهم وينفع هبم يف الدنيا والدين ،وجيعلنا آلاثرهم مقتدين ،ال
مبدلني وال مغريين وينقذان برمحته أمجعني ،وهو ارحم الرامحني [فقرة مل ترقن]
__________
( )1يف نسخة :االستيثاق
()2/1
-------------------------------------------------------------------
كتاب أىب زكرايء حيىي بن أيب بكر رضى هللا عنه ( )1استخلص ذلك وانتقيه فبادرت إلجابة
سؤاله إجيااب لعظم حرمة السؤال وان كان ينبغي أن أكون ممن استعفى واستقال فرأيت عصيانه
من النكري بل احملظور ،فأخذت يف هتذيب الكتاب املذكور وأضيف إىل ذلك ما ال بد منه من
خطبة وشعر غري مشهور ،على أين معرتف ابلقصر والفهامة ،وراغب يف اإلغضاء من ذوى
الفطان والنباهة متيقن أن املاء يطيب بطيب موارده ،وان كان أجاجا ،وقد يعود مرا معاىف وان
كان عذاب ثجاجا ،وال شك أين قصدت الفن الذي بدأت بذكره مل احفل بعيب عائب ،وال
بشكره فان ظفرت مبوافقة من أجيب سؤاله فقد ظفرت ابملرغوب ،فان قصرت فال غرو إلبطاء
السكيت ( )2عن شاء اجمللى وهللا اسأله .التوفيق واإلرشاد إىل سواء الطريق ،وقد رأيت أن أقدم
مقدمة تكون فراشا للكتاب ،تفهم منها ألفاظ اصطلح عليه أصحابنا املتأخرون ،وفيها عند من
ال يعرفها اضطراب ،مث آتى بتسمية مشاخيها وذكر طبقاهتم خلفا عن سلف ،على ترتيب يتأتى
بيانه ،ليتم املقصود ويتألف ،مث اجرد السرية وانقلها من الكتاب املذكور ،على حسب ما وقعت
فيه ،وما كان يف ألفاظه خشونة نقلت معانية فيكون نفهم ما سئلت سهال على قارئه.
ذكر ألفاظ مما اصطلح عليها أهل الطريق ويتعارفون بينهم
فمن ذلك العزابة واحدهم عزايب ،هذه اللفظة
__________
( )1يشر اىل اتريخ أيب زكرايء حيىي بن أيب بكر الذي ال زال خمطوطا وهو أصل هذا الكتاب
( )2السكيت بصيفة التصغري :آخر اخليل يف احللبة عكس اجمللى
()3/1
-------------------------------------------------------------------
استعملتها لقبا لكل من الزم الطريق وطلب العلم وسري أهل اخلري ،وحافظ عليها وعمل هبا ،فان
حسن مجيع هذه الصفات مسي عزابيا ،وان حافظ على السري والعمل هبا فقط مسي به ،وأن
حصل العلم دون السري والعمل هبا واحملافظة عليها مل يسم هبذا االسم ن واعلم أن هلذا الصنف
سيما انفردوا هبا ،وأحواال عرفوا هبا ،ال يتفضل عليهم فيها سواهم ،وذلك يف تسميتهم،
وخطاهبم ،ومؤاكلتهم ،ولباسهم ،وأوقات نومهم وقيامهم ،وأورادهم وصيامهم ،وعبادهتم ،وعندهم
يف ذلك قوانني يعتادوهنا وحدود ال يتعدوهنا ،وهذا االسم مشتق من العزوب عن الشيء وهو
البعد عنه ،فاستعري ملن بعد عن األمور الدنيوية الشاغلة عن اآلخرة ،ولو استقصينا وصف تلك
األحوال ال تسع القول فطال ،وسيأيت ذكر ما أمكن من ذلك يف موضعه إن شاء هللا ،وأول ما
استعمل هذا اللقب يف أايم أيب عبد هللا دمحم بن أيب بكر رضى هللا عنه ،ملا أسس احللقة ورتب
قوانينها.
احللقة ،اسم جلماعة تشتمل على الشيخ يعلمهم العلم ويلقنه السري ويبصرهم يف الدين حبسب ما
يفتح هللا على كل واحد منه حيصل البعض ،وان أعياه الكل " ،فان مل يصبها وابل فطل " فكأهنم
حملقون ولو أهنم مفرتقون.
التلميذ اسم للواحد املبتدئ عند الدخول يف الطريق سواء كان طالب فنو أو مقتصرا على
الصالحية فقط وأصل هذه اللفظة فارسي.
()4/1
-------------------------------------------------------------------
اخلتمة :اجتماعهم لذكر هللا والدعاء عند طلوع الشمس وعند غروهبا بشيخ أو بغري ،وكأهنم
خيتمون به عمل الليل وعمل النهار.
اجملتمع واجلمع وامليعاد ،ألفاظ مرتادفة على معىن واحد وهو أن جيمعهم الشيخ على وعظ
يفيدهم ،أو لتذمري ارمهم يكون شورى من أصالح فساد أو تالقي فوات ،أو أمر مبعروف أو هني
عن منكر ،فمع االختيار أن يكون ذلك يوم االثنني ويوم االثنني ويوم اخلميس ،ويكون يف أي
وقت دعت إليه احلال ،ليال أو هنارا ،يف أي يوم كان ،أول من رتبة أبو احلر على بن احلصني مبكة
()1
اهلجران واإلبعاد ألفاظ ترتادف على معىن واحد وذلك ،أو ظهرت عليه خزية أو أتى بنقيصة يف
قول أو عمل أو تصنيع ،فأنه يهاجره كل أهل الصالح فال يكلم وال خيطر حالت بينه وبني أهل
اخلري ،فان اتب واستغفر قبل منه ورجع إىل اجلماعة ،وزال عنه شني ذلك الوسم ،وكان بقاؤه يف
وحشة اهلجران بقدر عظم اجلرم وصغره ،وتوبة اجملرم وإصراره ،فمنهم من يتوب فريجعه يف احلال،
ومنهم من يبقى ساعة أو ساعتني أو يوما أو يومني أو أايما أو أعواما أو عمره أن عظم اجلرم
ودوام اجملرم على اإلصرار وترك االستغفار ،أسال هللا أن يقينا شر أنفسنا وشر كل ذي شر.
__________
( )1أبو احلر علي بن احلصني العنربي الشاري من أصحاب عبدهللا بن حيىي طالب احلق واما من
الشراه ،عاش يف أوائل القرن الثاين جبنوب اجلزيرة العربية رمحه هللا
()5/1
-------------------------------------------------------------------
الظهور :تولية أمام عدل يسند إليه األمور.
الكتمان :مالزمة األمر سرا بال امام
والية الدفاع :أن يدهم أهل الكتمان بداامة ،فيولوا عليهم من يدفع عنهم العدو.
ذكر طبقات املشائخ وتسمية املشاهري منهم جيال بعد جيل
هذا الفصل نقتله مما فعله الشيخ ابو عمار عبد الكاىف رضى هللا عنه :وذلك أنه ملا رأى العزابة
يسندون أمر دينهم واحدا عن واحد ،اكابر ذلك ،وثقة عن ثقة ،رأى من حسن نظرة أن يكون
ذلك جولة عن مجلة ،ومل يتخللها خلل وال اختالل ،لن ذلك أذا كان واحدا عن واحد دخله
الغلط ووقع فيه الطعن وألن أخبار اآحاد ضعيفة عند اصحاب احلديث فرتبها رمحة هللا على
املبني من سين اهلجرة ،والتاريخ الذي بينه وبني هجرة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،وذكر ممن أشتملت عليه
كل مخسني سنة من املئني املذكورة.
فالذين اجتمعت عليهم اخلمسون األوىل من املائة االوىل هم أصحاب رسول هللا عليه وسلم،
وفضيلتهم هنع هللا يضر ،وامساؤهم ومزاايهم أشهر من أن حنتاج إىل تعدادهم ،فهم جموم اهلدى ومصابيح
الدجا ،وأمنا نعتت على مكانتهم من أمهاد الفضل ،تربكا بذكرهم ،ولئال يكون السكوت عن
ذكرهم يف حماهلم من التقدم اعراضا ،أو التجوز عن شرفهم غمضا ( )1وأغماضا ()2
__________
( )1تساهال
( )2التجاوز عن الشيء وتركه
()0/1
-------------------------------------------------------------------
وممن اشتملت عليهم اخلمسون اخلرى من املائة االوىل :جابر بن زيد االزدي ،وعبدهللا بن أابض
املدىن ،وعمران بن حطان الشيباين ،وجعفر بن السماك العبدى واوب بالل مرادس وعروة ابنا
ادية وهي جدة هلما واما ابنا جدير حنطليان فيما ذكر املربد ،وصحار العبدي ،وقريب ،وزحاف،
وسامل بن عطية اهلالىل ،واخلباب بن كليب ،واالحنف بن قيس ،وأايس بن معاوية ،ونظراؤهم
كثريون.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة الثانية :أبو عبيدة مسلم بن ايب كرمية التميمي،
وضمام بن السائب ،وابو مودود حاجب الطائى ،وابو عبيدة عبد هللا بن القاسم ،وأبو محزة بن
نوح الدهان ،وعبدهللا بن حيىي الكندي ،وابو محزة املختار بن عوف الشارى ويلج بن عقبة،
وابرهن ابن عبد الرمحن ،وابو احلر على ابن احلصني العنربى ،وابو يزيد اخلوارزمي ،وأبو دمحم
املهدى ،وابو روح ومازن ابنا كنانة ،ونظراؤهم كثري.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة الثانية ومن هنا أنتشار املذهب ابملغرب ،ولذلك
كان رجاله شرقيني وغربيني عراب وبربرا تالمذة ايب عبيده وغريهم ،الربيع أبن حبيب ووائل بن
ايوب احلضرمى وابو غسان خملد بن املعرد ،وعبد السالم بن عبد القدوس ،وحمبوب بن الرحيل،
وأبو اخلطاب املعافري وهو عبد االعلى بن السمح وعبد داود القبلى ،وامساعيل بن درار
الغدامسى ،وعبد الوهاب بن عبد الرمحن ابن رستم ،وابو حامت امللزوزى وابو سفيان ،ونظراؤهم
كثري.
()7/1
-------------------------------------------------------------------
وممن اشتملت عليهم اخلمسون االوىل من املائة الثالثة :افلح بن عبد الوهاب ،وابو مرادس،
ومهدى ،واابن بن وسيم ،ودمحم بن اينس ،وبو مهاصر ،وابو زكرايء التوكييت ،وعبد احلميد،
ونظراؤهم كثري.
ممن اشتملت عليه اخلمسون االخرية من املائة الثالثة :دمحم بن افلح وابنه يوسف وسعد بن أيب
يوسف وعمروس ابن فتح ،ابو منصور الياس ،وابو معروف ،ونظراؤهم كثري.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة الرابعة :حسنون ابن ايوب ،وابو مسور اليهراسىن،
وابو اخلطاب وسيل بن سيتنت ( )1الزواعي ،وابو القاسم يزيد بن خملد ،وابو خزر يغلى بن
زلتاف ،وهي امه وهو ابن أيوب ،وعبود املزاتى ،وجنون بن ميراين ،وسليمان بن ماطوس،
وسليمان بن زرقون النفوسى ،ودمحم بن مسلم وابو سهل الفارسى ،ونظراؤهم كثري.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االخرية من املائة الرابعة :أبو نوح سعيد ابن زنغيل وابو صاحل بكر
بن القاسم اليهراسىن ،وابو زكرايء فيصل بن اىب مسور ،وابو عمر النملى ،وابو موسى عيسى بن
السميح الزواغى ،وابو نوح سعيد بن خبلف املدوىن ،وابو دمحم ويسالن ابن يعقوب ونظراؤهم
كثري.
وممن أشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة اخلامسة :ومن هنا ابتداء العزابة ابو عبدهللا دمحم بن
بكر،
__________
( )1اثبته صاحب السري ابسم وسيل بن سنتني ،وكذلك صاحب االابضية يف موكب التاريخ وهو
أصح.
()8/1
-------------------------------------------------------------------
وزكرايء ويونس امبا فصيل بن أيب مسور ،وعبدهللا بن مانوج وعبدهللا بن زورتني ،وويسالن بن اىب
صاحل وابو بكر الزواغى وورسفالس ابن مهدى وعبدهللا أبن اخلري ،وورسفالس بن عبدهللا ،وابو
مكدول مطلكودانس الزنزىف ،وأهل غار " أجمان " وابو جابر بن سدرمام ،وابو عمران موسى بن
زكرايء ،وكباب امب مصلح وابو حيىي زكرايء بن جرانن ،وعبدهللا املدوىن ونظراؤهم كثري.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االخرية من املائة اخلامسة :سليمان بن خيلف
،وابو خيلف ،وابو سليمان داود بن أيب يوسف ،وابو العباس امحد بن دمحم بن بكر ،وعيسى بن
يرشوكسن وحيىي بن اىب بكر ،وزكرايء بن اىب زكرايء ،وماكسن ابن اخلري ،ومزين بن عبدهللا ن
ومصال بن حيىي ،وسليمان ابن موسى ،وعبدهللا ابن سالم ،وامساعيل بن ييدير.
وممن اشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة السادسة :عبد الرمحن بن معلى ،وحيىي بن زكرايء،
وايوب بن امساعيل بن املعيز ،وعبدهللا بن دمحم .فاىل هنا انتهت تسمية من مسينا – مث قال فهؤالء
أئمتنا يف الدين وقاداتنا يف االسالم رمحهم هللا.
" قال الشيخ ابو العباس " فهذا الرتتيب الذي رتبه الشيخ ابو عمار عبد الكاىف رضى هللا عنه
حسن يف املعىن إال أنه مل يذكر الطبقة اليت فيها شيوخه ومعاضروه إال بعضا من الكل واستغىن
فيها عن كثري من العدد ،وفيمن مسى كفاية ،ولوال قصده االكتفاء بتسمية من مسى لزدت من
معاصره عدة مشائخ ،أئمة أهل علم ودين ،وأصحاب
()9/1
-------------------------------------------------------------------
تواليف اضراب عثمان بن خليفه السوىف وقرانؤه ولكىن عدلت عن ذلك إذ املقصور تسمية
مجاعة فاحملصول قد حصل ،ورأيت ان أذكر مجاعة االشياخ الذين اخذوا عن اجلماعة اليت أنتهى
إليها ترتيب الشيخ الذين أىب عمار واضمهم إىل اخلمسني من املائة اليت حنن فيها وهم الذين
أخذان عنهم ويف آخر الكتاب أذكر أن شاء هللا ما وصل إىل وصح عندى من مناقبهم،
وكراماهتم ،فيتقدم ذكر مناقب من تقدميهم فيكون كل واحد يف رتبته ،وجيرى كل سابق يف حلبته.
ففمن أشتملت عليه اخلمسون االخرية من املائة السادسة :ابو عمارة عبد الكاىف بن يعقوب
التناويت ،وابو يعقوب يوسف بن ابراهيم السدراتى ،وابنه ابراهيم ،وزكرايء ابن صاحل ،وفيصل بن
اىب مسعود ،وأسحاق بن ابراهيم ودمحم التميجارى ،وموسى النفوسى ،وابو نوح بن يوسف وابنه
حيي ،ويوسف بن خلفون ،ودمحم بن أيب على السوىف ،وعبد السالم بن عبد الكرمي ،والفضل بن
أيب سفيان ،امساعيل بن صاحل ،ويوسف بن دمحم الوسياين ،وىف هذه الطبقة أدركتهم يعدون جدى
سليمان أبن علي ،وجدى خيلف بت خيلف النفوسى ،ونظراؤهم كثري.
ممن أشتملت عليه اخلمسون االوىل من املائة السابعة :مشائخ جيلنا فمنهم من صار إىل هللا
ومنهم االحياء فمن االموات دمحم بن اىب مجيل ،وسعد بن معاذ ،وابراهيم أبن اسحاق ،وابو سهل
حيىي ،وابو يعقوب بن عبدهللا وميمون بن معدين ،وقد اشري علي ابن انظم والدي يف سلكهم
ومن االحياء ،حيىي بن فيصل ،وعيسى بن زكرايء
()16/1
-------------------------------------------------------------------
وصاحل بن سليمان الزواغي ،وحيىي بن داود السعيدى ( )1ويبيب بن دمحم ،وامحد بن دمحم ،وعمر
بن خيلف الزواغى ،ومن هذه الطبقة معاصرون من أهل االجتهاد والزهد والكرامات وليسوا
هنالك يف العلوم :عبد الكاىف ابن ومنو الريغى ،وابراهيم بن عيسى املديوىن ،وسليمان أبن يكىن
ونظراء النوعني كثري.
فهؤالء أشياخنا وقادتنا وائمتنا وساداتنا جعلهم هللا اعالما للهدى وجنبنا ابتباعهم سبيل املوبقات
والردى وحشران أمجعني يف زمرة اوليائه املتقني.
مث انخذ يف ذكر ما بسطنا الجله مقدمة الكتاب ،ونذكر االمم فاالمم من اخبار املتقدمني ،وأنتى
بعده مبناقب الصاحلني ،ورمبا اندرج ذكر بعض املناقب يف أثناء التاريخ واالخبار ،وهللا املوفق وبه
نعتصم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ومن ها هنا أبتدائ يف أستخراج ما أنبه عليه من الكتاب املذكور فأول ذلك ذكر سبب مصري
مذهب االابضية ببالد املغرب وابتداء امرهم ونقتله من ارض املشرق واخبار العلم اخلمسة النفر.
حدث غري واحد من اصحابنا عن االمام افلح عن ابنه عبد الوهاب عن جده عبد الرمحن بن
رستم أنه قال :أول من جاء يطلب مذهب االابضية وحنن بقريوان أفريقية ،سالمة بن سعيد قال
قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة االابضية وعكرمة يدعو إىل مذهب الصفرية ،فسمعت
سالمة يقول وددت ان لو ظهر هذا االمر يعىن مذهب
__________
( )1كذا ابلنسخ ولعله ابلصاد نسبة إىل صعيد مصر.
()11/1
-------------------------------------------------------------------
االابضية يوما واحدا من أول النهار إىل آخر فال أسف على احلياة بعدة ،فقيام عبد الرمحان
جمتهدا يف ذلك االمر ،فقال له رجل من أهل الدعوة اذا كنت تريد العلم مبا كلفت به وعلقت
مطلبه خباطرك ،فدونك أرض البصرة ،فان هبا رجال عاملا يكىن ،أاب عبيدة مسلم بن اىب كرمية
التميمي ،فانك جتد عنده ما تطلب ،فلذلك توجه عبد الرمحن بن رستم إىل البصرة رمحة هللا،
وقيل أن أمه هي اليت ارشدته إىل ذلك وله حديث سأذكره بعد أن شاء هللا عند اخلمسة النفر
الذين قرأوا على أيب عبيدة واذكر ما صح عندان من خربهم يف موضعه من الكتاب.
ذكر فضائل الفرس من العجم
بلغنا أن رسول اله ملسو هيلع هللا ىلص ملا نزل قوله تعاىل " :اييها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه " اآلية
أشار إىل سليمان الفارسى وكان جالسا بني يديه قال :لعلهم أن يكونو من رهط هذا ،وعنه صلى
هللا عليه وسلم قال " :أن هلل كنزا ليس من ذهب وال من فضة ،لكنه يف بطون ابناء فارس "
وذكر ابن داب عن عمر بن اخلطاب رصى هللا عنه أنه مشى ذات يوم مع املغرية بن شعبة ،وكان
املغرية اعور ،فقال له عمر رضى هللا عنه ك هل أبصرت بعينيك هذه قط شيئا اي مغرية؟ قال نعم
اي أمري املؤمنني قال له عمر سيعود االسالم كما عورت مث ليعمن حىت ال يدرى من له وال من
عليه ،فاذا أتى علية مائة وستون سنة رد عليه مسعه وبصره ،بوفد كوفد امللوك ،طيبة ارواحهم،
صاحلة اعماهلم ،فقال له املغرية من أي ماء اي امري املؤمنني؟ امن احلجاز ام من ماء العراق ام من
ماء
()12/1
-------------------------------------------------------------------
الشام؟ فوىل عنه عمر وتركه ،فوليت الفرس اتهرت على رأس ستني ومائة .وعن رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم قال :لو تعلق الدين ابلثراي لنالته رجال من العجم ،واسعدهم به فارس ،وروى زيد
بن اسلم ان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص رأى رؤاي وقصها على أصحابه ،فقال رأيت غنما سوداء خالطتها غنم
بيض ،فتأولتها ان العجم يدخلون االسالم فيشرتكونكم يف نسائكم ،واموالكم ،فتعجبوا من
ذلك ،فقال :العجم يدخلون بالدان اي رسول هللا! فقال :أي ،والذي نفسي بيده لو أن الدين
تعلق ابلثراي لنالته رجاله من العجم ،واسعدهم به أهل فارس ،ومن طريق آخر أن الن ى صلى هللا
عليه وسلم قال :لو تعلق العلم ابلثراي لنالته الفرس ،وقال بعض املفسرين يف قوله تعاىل":
ستدعون إىل الفرس ،وقال بعض املفسرين يف قوله تعاىل" :ستدعون إىل قوم أوىل ابس شديد
تقاتلوهنم أو يسلمون " هم بنو جنيفة وقال بعضهم هم فارس.
وذكر أبن قتيبة وعمرو بن حبر اجلاحظ وغرياما من أصحاب التاريخ عن أبن عباس رضى هللا
عنهما أنه قال ملا كان ليلة مولد الن ى ملسو هيلع هللا ىلص ،ارتج ايوان كسرى ،فسقطت منه أربع عشرة شرافة
فعظم ذلك اهل مملكته فما كان ابوشك من أن كتب إليه صاحب اليمن خيربه أن حبرية ساوة
غاضت تلك الليلة ،وكتب إليه صاحب الشام خيربه أن وادى السماوة انقطع تلك الليلة وكتب
إليه صاحب طربية خيربه أن ماء تلك الليلة مل جير يف حبرية طربية ،وكتب غليه صاحب فارس خيربه
أن بيوت النريان مخدت تلك الليلة ،ومل ختمد قبل ذلك أبلف سنة فلما تواترت الكتب عليه ابرز
سرية وظهر ألهل مملكته فاخربهم اخلرب ،فقال :املوبذان ايها امللك أىن رأيت تلك
()13/1
-------------------------------------------------------------------
الليلة رؤاي هالتىن ،قال له وما رايت؟ قال له :رأيت أبال صعااب تقود خيال عرااب حىت أقتحمت
دجلة وانتشرت يف بالدان فقال له :لقد رأيت ،فما عندك يف ـاويلها؟ فقال له :ما عندي فيها وال
يف أتويلها شئ ،ولكن أرسل إىل عاملك ابحلرية يوجه إليك رجال من علمائهم فاهنم أهل علم
ابلداثن فبعث إليه رجال من علمائهم فاهنم أهل علم ابحلداثن فبعث إليه فوجه إليه عبد املسيح
بن نفيلة الغساىن ،فلما قدم عليه أخربه كسرى اخلرب فقال :أيها امللك وهللا ما عندى أخربه
كسرى اخلرب فقال :ايها امللك وهللا ما عندى فيها وال يف أتويلها شئ ،ولكن جهزىن إىل خال ىل
يف الشام ،يقال له سطيح فقال :جهزوه ،فلما قدم على سطيح وجده أختصر فناداه فلم جيبه
وكلمه فلم يرد عليه فقال عبد املسيح:
فرفع إليه سيطح رأسه فقال :عبد املسيح على مجل مشيخ إىل سطيح بعثط ملك بىن ساسان
الرجتاج االيوان ومخود النريان ،ورؤاي املوبذان ،رأى أبال صعااب ،تقود خيال عرااب ،حىت اقتحمت
الوادى ،وانشرت يف البالد! عبد املسيح :أذا ظهرت التالوة ،وغاض وادى السماوة ،وغارت
حبرية ساوة وظهر صاحب اهلرواة فليس الشام بشام ،ميلك منهم ملوك وملكات على عدد
الشرافات ،وكل ما هو آت آت ،مث قال:
[فقرة مل ترقن]
()14/1
-------------------------------------------------------------------
مث اتى كسرى فاخربه اخلرب فغمه وهاله مث تعزى ،وقال إىل أن ميلك أربعة عشر ملكا يدور
الزمان ،فملك منهم تسعة إىل مبعث رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،وقال ابن قتيبة فاهلل اعلم ممن التمام ،وليس
إال اخلمسة االئمة الذين ولوا بتاهرت من ارض بعض املغرب ،ولوها نيفا على مائة ومخسني فيما
ذكر بعض الرواة ،قال أبو العباس امحد رمحه هللا .اما قول الشيخ ان التمام كان ابالئمة اخلمسة
واهنم منهم فاان اراد يف النسب ال يف غريه ،واراد ان واليتهم اذ ولول صحيحا غال ان واليتهم
على دين االسالم ومذهب العدل والقوام.
فضائل الرببر من العجم
وعن فضائل الرببر من العجم ما بلغىن ان عائشة رضى
()15/1
-------------------------------------------------------------------
هللا عنها ،دخل عليها ذات مرة رجل من الرببر وهى جالسة ومعها نفر من املهاجرين واالنصار،
فقامت عائشة وسادهتا فطرحتها للرببرى دوهنم ،فانسل القوم واجلني بذلك ،فلما قضى الرببرى
حاجته وخرج ارسلت إليهم عائشة ،حىت أجتمعو إليها ،فقالت هلم :ما الذي اوجب خروجهم
على تلك احلال؟ قالوا :ال يثارك علينا وعلى نفسك رجال كنا نزدريه ،وننتقص قومه ،فقالت امنا
فعلت ذلك ملا قال فيهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،قالت اتعرفون فالان الرببري؟ قالوا نعم ،قالت كنت اان
ورسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،ذات مرة جالسني ،اذ دخل علينا ذلك الرببرى مصفر الوجه غائر العنني ،فنظر
إليه رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،فقال ما دهاك؟ أمرض؟ فارقتىن ابألمس ظاره الدم فجئتنين الساعة كأمنا
انتشرت من قرب ،فقال ،اي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،بت يف هم شديد ،فقال ما امك؟ قال :تردد بصرك
يف ابالمس خفت ان يكون نزل يف قرآن فقال :ال حيزنك ذلك ،فامنا ترديدى البصرة فيك لن
جربيل عليه السالم جاءىن ،فقال أوصيك بتقوى هللا وابلرببر قلت :وأى الرببر؟ قال قوم هذا،
واشار إليك فنظرت غليك ،فقلم جلربيل ما شأهنم؟ قال :قوم حييون دين هللا بعد ان كاد ميوت
وجيدونه بعد أذا يبلى مث قال جربيل :اي دمحم دين هللا خلق من خلق هللا نشأ ابحلجارة واهله
ابملدينة ،خلقه ضعيفا مث ينميه وينشئة ،حىت يعلو ويعظم ،ويثمر كما تثمر الشجرة مث يقع وامنا
يقع رأسه ابملغرب ،والشئ إذا وقع مل يرفع من وسطه ،وال من اسفله ،امنا يرفع من عند رأسه.
وبلغنا عن عمر بن اخلطاب رضى هللا عنه انه قدم عليه
()10/1
-------------------------------------------------------------------
وفد من الرببر ،من لواته ارسلهم إليه عمرو بن العاص وهم حملقو الرؤوس واللحا ،فقال هلم عمر
من أنتم قالوا من الرببر من لواته؟ فقال عمر جللسائه :هل فيكم من يعرف هذه القبيلة يف شئ
من قبائل العرب والعجم ،قالوا :ال ،قال :العباس بن مرادس السلمى عندى منهم علم اي أمري
املؤمنني هؤالء من ولد بىن قيس ،وكان لقيس عدة من االوالد ،أحدهم يسمى بربر بن قيس ،وىف
خلقه بعض الرعونة فقال :اخرق ذات مرة فخرج إىل الربارى فكثر هبا نسله وولده ،فكانت
العرب تقول ترببروا أى كثروا فنظر إليه عمرو بن اخلطاب رضى هللا عنه فاستحضر ترمجاان يرتجم
كالمهم ،فقال هلم مالكم حملقو الرؤوس واللحا؟ فقالوا شعر نبت يف الكفر ،فاحببنا ان نبدله
بشعر ينبت يف االسالم ،فقال هل لكم مدائن تسكنوهنا فقالوا :ال ،قال :فهل لكم حصون
تتحصنون فيها؟ قالوا :ال فقال :هل لكم اسواق تتبايعون فيها؟ قالوا :ال ،قال :فبكى عمر بن
اخلطاب رضى هللا عنه ،فقال له جلساؤه وما يبكيك اي أمي املؤمنني؟ قال عمر أبكاين قلة هذه
العصابة من املسلمني ،واجتماع أمم الكفر عليها ،فان هللا تعاىل سيفتح لالسالم اباب من املغرب
بقوم يعز هبم االسالم ويذل هبم الكفر ،أهل خشية وبصائر ميوتون على ما أبصروا ،وليست هلم
مدائن يسكنون فيها وال حصون يتحصنون فيها ،وال أسواق يتبايعون فيها ،فلذلك بكيت
الساعة حني ذكرت
()17/1
-------------------------------------------------------------------
رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ن وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إىل عمرو بن العاص وأمره ان جيعلهم يف
مقدمات العسكر ،واحس إليهم عمر بن اخلطاب رضى هللا عنه وأكرمهم ،وأمرمهم ،وامر عمرو
بن العاص أن حيس إليهم ،فكانوا مع عمرو بن العاص حىت قتل عثمان ،فلما كان هذا اخلرب يف
عصابة من أهل املغرب عن عمر عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،رجوان أن يكونوا أئمتنا ومن اقتفى آاثرهم
وأن يكونوا أهل تلك الفضيلة.
وبلغنا ان رجال من 1رية اىب بكر الصديق رضى هللا عنه عن بعض اخللفاء أنه قال :اب أهل مكة
واي أهل املدينة اوصيكم ابهلل وابلرببر خريا ،فاهنم سياتونكم بدين هللا من املغرب بعد أن تضيعوه،
هم الذين ذكرهم هللا يف كتابه بقوله ":اي أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف أيتى
هللا بقوم حيبهم وحيبونه ،أذلة على املؤمنني أعزة على الكافرين .جياهدون يف سبيل هللا واسع عليم
" .ال ينظرون يف حسب امرئ غري طاعة هللا ،قال البكرى :فمن حني وقعت الفتنة امنا نقاتل حنن
العرب على الدينار والدرهم وأما الرببر فاهنم يقاتلون على دين هللا ليقيموه قال :وهو يرفع
احلديث إىل ابن مسعود رضى هللا عنه أن آخر حجة حججنا قام خطيبا فقال :اي أهل مكة واي
أهل املدينة اوصيكم بتقوى هللا وابلرببر فأهنم سيأتونكم بدين هللا من املغرب ،وهم الذين يستبدل
هللا بكم اذ يقول ":وان تتولوا يستبدل قوما غريكم مث ال يكونوا امثالكم " والذى نفس ابن
مسعود بيده لو ادركتهم كنت هلم أطوع من امائهم ،واقرب إليهم من داثرهم،
()18/1
-------------------------------------------------------------------
وبلغنا عن عائشة رضى هللا عنها اهنا أبصرت صبيا له ذؤابتان ذا مجال وهيئة فقالت من اى قبيل
هذا الص ى الشقى؟ قالوا من الرببر ،قالت عائشة الرببر يقرون الضيف ويضربون ابلسيف
ويلجمون امللوك جلام اخليل.
قلت وامنا قدم الشيخ رمحة هللا ذكر الفرس والرببر تنبيها على فضيلة ائمتنا اذ كانوا من الفرس
وفضيلة من انتهى إليه مذهبنا ابملغرب اذ كانوا جلهم الرببر ومل يقصد بذلك اتخري العرب عن
الفضيلة اذ فضيلة العرب افضل وشرفهم أقدم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واصحابة ،وعلى ألسنتهم أنزل
القرآن ،ومنهم كان أسالفنا من الصحابة والتابعني هلم ابحسان إىل يوم الدين ،ولكل خصلة من
الفضل حبسب عطاء هللا ويسره له ،وهللا يؤتى من فضله من يشاء وهللا واسع عليم.
خرب اخلمسة نفر (محلة العلم إىل املغرب)
أبو اخلطاب عبد االعلى بن املسيح املعافرى ،وعبد الرمحن بن رستم الفارسى ،وعاصم
السدراتى ،وامساعيل أبن درار الغدامسى ،وابو داود القبلى ،وحتدثهم إىل اىب عبيدة رمحة هللا
وأخبارهم االول فاالول.
أخبار عبد الرمحن بن رستم بن هبرام بن كسرى امللك الفارسى رمحه هللا
كان مولده ابلعراق وكان أبوه منجما وكان يرى يف علم مدخر عندهم ان ذريته ستلى أرض
املغرب ،وكان أبوه رستم متوجها من العراق ومعه عبد الرمحن أبنه وزوجته
()19/1
-------------------------------------------------------------------
ليصل إىل أرض املغرب ،فلما كان مبكه أو قريبا منها ادركته محامه ،وانتقضت أايمه فلقى عبد
الرمحن وامه احلجاج من أهل ارض املغرب مبكة فتزوج رجل من القريوان أن عبد الرمحن ،فأقبل
هبما حىت قدموا أرض القريوان ،ونشأ هبا عبد الرمحن.
فلما بلغ مبلغ الرجال وقرأ وتصفح ،نظر إليه رجل من أهل مذهبنا ،فقال له اي بىن ،ان كنت
جادا فيما أراك تطلبه فاقصد ااب عبيدة مسلم بن اىب كرميه ،جتد عنده ماتطلب .فسار عبد
الرمحن بن رستم إىل اىب عبيدة رمحة هللا فاجتمع ابلنفر الذى ذكران ،فصدوا ااب عبيده رمحه
فصافحهم ابو عبيده وسأهلم عن احواهلم ،ومن أين أقبلوا فاخربوه اهنم أرادوا تعلم العلم،
فاجاهبم إىل ذلك ،ومكثوا عنده عدة سنني ،وكان أبو عبيدة رمحة هللا مستخيفا ختوفا من بعض
أمراء البصرة ( )1فادخلهم سراب وجعل فيه سللسة وطفق يعمل القفاف بباب السرب فمىت رأى
شخصا مقبال حرك السلسلة فسكتوا فإذا انصرف حركها فيأخذون يف دراستهم ،وكان عبد
الرمحن شااب مجيال حديث السن وكان أبو عبيدة جيعل بينه وبني الناس سرتا لئال يشغلهم جبماله،
فلما بلغوا من العلم ما شاء هللا وأرادوا االنصراف إىل بالدهم رغب عجائز متصلحات من
املذهب إىل اىب عبيده يف أن يريهن عبد الرمحن ليودعنه ويزودنه ابلدعاء ،فقالت أحداهن :ابرك
هللا فيك كما ابرك يف عني الشمس ،وقالت الثانية ابرك هللا فيك كما ابرك يف انسان العني،
وقالت الثالثة :ابرك هللا فيك كما ابرك يف مطيب الطعام من امللح.
فلما عزموا على
__________
( )1هو احلجاج بن يوسف امري االمويني على العراق
()26/1
-------------------------------------------------------------------
املسري إىل بالدهم كلموا أاب عبيدة وشاوروه فيما يستقبلون من أمورهم ،فقالوا له :اي شيخنا
أرأيت أن لو كانت لنا قوة ابملغرب ووجدان يف أنفسنا طاقة أفنوىل علينا رجال منا؟ فقال هلم أبو
عبيدة توجهوا إىل بالدكم فان يكن يف أهل دعوتكم من العدد والعدة ما جتب معه التولية عليكم
فولوا على أنفسكم رجال منكم ،فان اىب فاقتلوه ،واشار إىل أىب اخلطاب رمحه هللا تعاىل.
قالوا فلما أرادوا اخلروج من عنده هيأ الشيخ املركوب لتوديعهم ،ووضع رجله يف الركاب فسأله
امساعيل عن ثالمثائة مسألة من مسائل االحكام قبل أن يستوى علة منت الدابة ن فقال له :أبو
عبيدة اتريد ان تكون قاضيا اي أبن درار؟ قال له :أرأيت أن أبتليت بذلك! فبماذا أتمرىن يرمحك
هللا؟ وقد ذكر أنه أمنا قال له ذلك يف موطن املذكور.
مث توجهوا إىل املغرب فلما وصلوا عرضوا االمامة على عبد الرمحن فاعتذر ابمانة كانت عنده
للناس فقبلوا عذره وأرادوا تواية اىب اخلطاب رمحه هللا.
امامة أىب اخلطاب عبد االعلى بن السمح
قال الشيخ أبو العباس رمحه هللا أمنا وضع الشيخ رمحه هللا يف هذا املوضع من كتابه ذكر والية أىب
اخلطاب ،مث والية الفرس ،ملا أعتمده من ذكر والية الفرس وأنتشار املذهب وائمىت ونقله إىل
أرض املغرب فلما كان ذلك هو املهم جعله أوال ،والذي ينبغى أن نقدم نبدأ بذكر من أستخلف
من اصحاب رسول هللا صلى هللا علىي وسلم ،مث أمامة عبد هللا بن وهب الراس ى رمحه
()21/1
-------------------------------------------------------------------
هللا ونبدأ من أخباره ،مث أتخذ السري على التدريج ،ولعل فعله أصلح والذي رآه أجنح ،أذ علم ما
عداه قد أنتهى حفظ االكثرين إليه واغنت شهرته عن الداللة عليه فنشرع يف ذكر والية من وىل
ابملغرب ،ولنبتدئ بذكر أىب اخلطاب رمحه هللا ،وله التقدم لسبقه إليه والستحقاقه أايه وسبق
فضيلة العرب مث ال بد أن شاء هللا من ذكر ما امكن من أخبار من اشرت إليهم يف موضع يفرد
لذلك أن شاء هللا تعاىل.
ذكر بعض أصحابنا انه ملا قدم ابو اخلطاب واصحابه من املشرق اىل طرابلس اهتم ابمور الناس
ومصاحل املسلمني من له فيهم نظر من املشائخ واالعيان ،وافاضل الناس ،واجتمعت مجاعة ممن
وصفته ،ذلك بعد قتل احلارث وعبد اجلبار ،والناس حينئذ يف الكتمان فكانوا يتفاوضون يف عقد
االمامة ،وفيمن هو أهل هلا ،فاجالوا أفكارهم فيمن يولونه امرهم ،مث اذا اجتمع رأيهم على
أمضاء ذلك جعلوا يرددون النظر فيما عزموا عليه هل هلم به طاقة؟ وهل يستطيعون مدافعه
عدوهم ام ال؟ فكانوا جيتمعون يف موضع يقال له " صياد " خبارج مدينة طرابلس ويظهرون أهنم
جيتمعون يف قضية أرض مشرتكة بني قوم أرادوا قسمتها ،وذكر أمنا أضهروا أهنم أجتمعوا يف قضية
جلل وأمراة ختاصما فيها وتفاقم أمراما فكاهنم يريدون أصالحها ،وكلما أنقضى جملس وانفصلوا
دخل منهم مجع إىل واىل املدينة فسلموت عليه مداراة له ،حىت إذا اتفق
()22/1
-------------------------------------------------------------------
رأيهم على عقد االمامة اجتمعت كلمتهم على مبايعة اىب اخلطاب رمحه هللا.
وذكر بعض اصحابنا اهنم ملا اتفقوا على ذلك جعلوا بينهم موعدا معلوما ليجتمعوا فيه بصياد،
فاتفقوا على ان ايتى كل واحد منهم جبماعة رجال من عشرية واتباعه ،وأن أيتوا ابألسحلة
وجيعلوا الدروق يف اجلواليق وخيفوهنا ابلتنب ،وجعلوا امارة بينهم وبني من يف املدينة من مشائخ
أهل دعوهتم ومن ال يقدر على النهوض معهم اهنم أذا رأوهم دخلو املدينة املدينة جبماعتهم ان
يستهروا السالح ،واخربوهم سرا أن االمام ابو اخلطاب فلما كانوا ابملوعد الذي جيتمعون فيه
بعامة املسلمني من شيوخ القبائل من نفوسه وهوارة وزريشة ،وزانته وغريهم فتوافوا بصياد ن
ومعهم ابو اخلطاب ،حني عمدوا لعقد ما اعتقدوا قالوا له امض معنا على بركة هللا إىل الذى
ترددان فيه منذ زمان ،قال فخرج معهم أبو اخلطاب ومل يدر ما يريدونه فلما وصلوا صياد تكلم
متكلمهم ،فقال أليس قد اجتمع رائينا على ما قد علمتوه؟ قالوا بلى ،قال فأمتوا أمركم إذا
فقامت منهم طائفة انحية فتناجنوا ساعة ن مث رجعوا فقالوا الىب اخلطاب أبسط يديك لنبايعك
على أن حتكم بيننا بكتاب هللا وسنة نبيئه ملسو هيلع هللا ىلص وآاثر الصاحلني ،فقال هلم أبو اخلطاب ما حسبت
أن هلذا كان خروجى معكم ،فقالوا ال بد لنا من تقليدك أمور املسلمني ،فلما رأى جدهم ،قال ال
أقبل أن أحتمل امانتكم أال على شروط ،قالو كل شرط جيوز فنحن نعطيكه ،ونعطيك فيه ،فقال
هلم :شرطى عليكم أن ال تذكروا يف عسكرى مسألة احلارث وعبد اجلبار ،خوفا من أن يكون يف
مجاعة املسلمني أختالف وفرقة.
()23/1
-------------------------------------------------------------------
بيان مسالة احلارث وعبد اجلبار واختالف الناس فيها
وقد حدث بعض أصحابنا أن مسألة احلارث وعبد اجلبار أتصلت إىل املشرق فكان بني اصحابنا
الذين يف املشرق هبذه املسالة أختالف وفرقة ويف املغرب أشد من ذلك ،حىت كتب إليهم أبو
عبيده وأبو مودود حاجب الطائى رضى هللا عنهما ابلكف عن ذكرها .قال الشيخ أبو العباس
اخلالف الذي يف املسالة قدميا وحديثا أصلة يف الوالية املعينة هل تنتقل إىل الوقوف أم ال إال أن
أنتقلت حبكم كتعني إىل الرباءة؟ وهذه املسألة مبينة يف العقائد ويف الفقه ،على اليقني هلى يدفعه
الشك؟ فعند أصحابنا ان اليقني يدفع الشك وال يدفعه الشك فالوالية ال تنقل إىل الووقف
وعند الزيدية أهنا تنتقل إىل الوقوف وهلم يف ذلك أشكاالت ايتى ذكرها ومدافعتها ن وذلك أن
احلارث وعبد اجلبار كاان رجلني موصوفني ابلصالح ،واما من أهل الوالية ،فوجدا يف موضع واحد
مقتولني وسيف كل واحد منهما يف جثة اآلخر .فوقع االختالف فيها ،فقائل يقول ان كال منهما
قتل االخر ،فينبغي أن نربأ منهما فهذا ارذل االقوال ،وقائل ابن كل واح منهما قتل اآلخر إال أان
ال ندرى الباغى منها فنربا منه وال املبغى عليه فنتواله فال يسعنا إال الوقوف عن واليتها والرباءة
منهما هذا قول اصحاب عبدهللا بن زيد ،فقائل أهنما ابقيان على ما كاان يستحقانه من الوالية
ألن صالحيتها متيقنة وقتل احهما اآلخر مشكوك فيه فال نتوقف عن وايتها فهذا من االحتمال،
اذ من االحتمال الذي سبق إىل اخليال أن يكون البغاة الذين قتلواما قد أوجلوا سيف كل واحد
منهما يف جثة صاحبة وتركواما ملا أرادوه من هذا اخلالف
()24/1
-------------------------------------------------------------------
فهذا قول اصحابنا.
وللزيدية ( )1هنا افراط مبسئلتني ،احدااما ان يقع اللعان بني الزوجني واما من أهل الوالية فال
بد أن يكون البغل قاذفا أو تكون املرأة زاينة ،وكال الفاحشتني من الكبائر إال أان ال ندرى من
أرتكيها منها فعلينا الوقوف او الرباءة ،والثانية أن ترى من بعد رجلني من أهل الوالية وقد جرد
كل واحد منهما سيفه ،وضرب صاحبه حىت ماات ولست تدرى الباغى وال املبغى عليه ،قلنا هذا
كله احتماالت ولنا يف رسول هللا اسوة حسنة ،أذا نزل عليه ":وممن حولكم من االعراب
منافقون ومن أهل املدينة ،مردوا على النفاق ،ال تعلمهم حنن نعلمهم " ،فلم يبلغنا عنه صلى هللا
عليه وسلم أنه توقف عن مواصلة أحد ممن أظهر االميان من أهل املدينة وال من االعراب وال انه
جتنب أحدا مع انه ملسو هيلع هللا ىلص أمل انه ال يعلمهم ،وان هللا تعاىل يعلمهم ،بل أبقاهم على ما هم عليه من
الوالية املتقدم اليقني هبا حىت فضحتهم اآلية من سور براءة يف قوله تعاىل :ومهم فلما عرفوا يقينا
أنتقلت الوالية إىل الرباءة ،فاطلب ذلك يف موضعه جتده.
وبلغىن عن انس من أصحابنا الذين ابلشرق .بل قد وقفت عليه من قوهلم :أهنم رحجوا قول
اصحابنا يف القتيلني واملقتولني ،ورحجوا قول الزيدية يف املالعنيني فاعتمد هذاك هللا على القرآن
وما تعلق به يدحض كل قول خيالفه ،فهذا هو اخلالف الذى يف املسئلة.
رجعنا ،فأراد ابو اخلطاب رضى هللا عنه أن يقطع االختالف من مجاعة املسلمني ابمامته ،فقالوا
له لك ذلك
__________
( )1لعله اليزيدية .أتمل
()25/1
-------------------------------------------------------------------
علينا فبايعوه على القيام حبقوق هللا ،وعلى ما فيه يف الكتاب والسنة واتباع االئمة املهتدي ،فقبل
مبايعتهم ،وانصرف إىل املدينة ومعه مجاعة املسلمني ،وذكر بعض أصحابنا ان والية أىب اخلطاب
كانت على رأس اربعني ومائة سنة ،مث أجتمع رأيهم على دخول املدينة مدينة طرابلس وهبا عامل
اليب جعفر املنصور ،فعمدوا إىل رجال ابسلحتهم فحملوها يف اجلواليق افواه اجلمال ،وكأهنم عري
اقبلت إىل املدينة وقد جعلوا افواه اجلواليق إىل داخلها من أسفل ،وجعلوا مع كل مجل رجلني
ابلسالح ،فلما توسطوا املدينة ومل يفطن احد مبا صنعوا فتحوا اجلواليق ،فخرج الرجال والسالح
يف أيديهم ،وقالوا :ال حكم إال هلل ،وال طاعة إال طاعة هللا وطاعة اىب اخلطاب ،وقصدوا حنو
العامل ليقتلوه ،فأىب عليهم أبو اخلطاب ،وقصدوا حنو العامل ليقتلوه فأىب عليهم أبو اخلطاب من
ذلك ،وقال :أمنا دخلنا عليهم ابالمان .فلما رءاهم اهل املدينة وقد شهروا السالح قالوا
ابالمان :هذه غدرة ،فقال هلم اصحاب أىب اخلطاب :ال أبس عليكم لسنا أبهل غدر .فمن أراد
العافية منكم فليقم يف منزله ،وخير أبو اخلطاب العامل يف االقامة يف املدينة وينخلع عن العمل،
أو اخلروج ابالمان .فاختار اخلروج إىل أرض املشرق ،ودفع الىب اخلطاب مفتاح بني املال فأخذها
منه.
فاحسن ابو اخلطاب هنع هللا يضر السرية وعدل يف سريته واحكامه ،وكانت والية أيب اخلطاب اربع سنني
وقد ويل على رأس أربعني ومائة ،وبلغنا ان امرأة من نساء القريوان كتبت بطاقة إىل االمام ايب
اخلطاب هنع هللا يضر تشكو اليه جور (ورفجومة) تقول فيما كتبت له( :اما بعد " اي أمري املؤمنني " فان
ىل ابنة وقد بلغت يف اخلوف عليها
()20/1
-------------------------------------------------------------------
من ورجفومة واحلوطة عليها ان حفرت حفرة حتت سريري وصنتها فيها عنهم خشية ان يفسدوها
كما فعلوا ابمثاهلا فانظر الينا والسالم) وكانت ورفجومة والة مدينة القريوان فلما وصلت البطاقة
اىل ايب اخلطاب هنع هللا يضر صادفته وهو يتوضأ ،فقرأها وجعل يبكي رمحة مبا نزل هبا ،فنادى (الصالة
مجاعة) واجتمع اليه الناس وصلى هبم ،مث صعد املنرب خطيبا ،،فحمد هللا وانثى عليه مث أخذ يف
ترغيب اصحابه يف اجلهاد وامر رعيته يف التأهب واالستعداد ،وان يعزموا على املصابرة واجلالد،
فخرج من املسجد وسل عند اببه سيفه وكسر غمده ،قال :ال حكم إال هلل ترغيبا يف اجلهاد
وغضبا هلل ولدينه ،وبلغنا من طريق آخر ان ورفجومة أخرجوا امرأة من القريوان وهي تصيح
وتقول :اغيثوىن معاشر املسلمني ،فلم جتد احدا يدفع عنها فلما بلغ أاب اخلطاب رمحه هللا ما نزل
هبا ،واستغاثتها مبعشر املسلمني فلم جتد أحدا يدفع عنها قال أبو اخلطاب جميبا هلا :لبيك لبيك.
وقد ذكر بعض أصحابنا ان امرأة من أهل القريوان طلبها ورفجومة فصاحت من القريوان اي ااب
اخلطاب اغثىن فمد هللا يف صوهتا فسمعها أبو اخلطاب من مدينة طرابلس ،فقال هلا :لبيك اي
اختاه ،قال الشيخ ابو العباس رمحه هللا وال ينكر هذا وامثاله من كرامات االولياء يؤيده ما بلغنا
عن رسول هللا صلى عليه وسلم يقول هللا جل وعال ":ال يوال العبد خيدمىن حىت احبه فإذا أحببته
وهبت له عيين فريى هبا ومسعي فيسمع هبا" احلديث ،وال تقل العني واالذن ههنا جارحتان ،بل
الكالم عليها كالكالم على امثاهلما مما نزل يف القرآن وفيما ورد يف السنة ،وكل ذلك حممول على
قدرة هللا تعاىل،
()27/1
-------------------------------------------------------------------
قال :فعند ذلك أمر أبو اخلطاب مناديه ابن ينادى :النفري النفري فعسكر على طرف املدينة حىت
أجتمع إليه من اصحابه مجوع كثرية ،مث أن أاب اخلطاب خرج فيمن اجتمع له من أصحابه ومعه
عبد الرمحن بن رستم افارسى رضى هللا عنه ن فخرجوا يف سنة ممحملة ذات جوع وجذب،
فامدهم هللا ابجلراد ن فإذا نزلوا نزل معهم ،واذا ارحتلوا ارحتل معهم.
وبلغنا ان ااب اخلطاب ملا خرج امر مناديه فنادى :ايها الناس من له ابوان كبريان أو أحداما
فلريجع ،ومن له عروس قريب عهدها فلريجع ،ومن اراد الرجوع منكم فلريجع ابلليل رجعت
طائفة من عسكره فلما كان ابلغد أمر خيال تقطع وراءه فوجد أثر من رجع من الناس إىل أهلهم،
مث فعل ذلك يف الليلة الثانية ويف الليلة الثالثة ،حىت رجعت خيلة فاخربته ابنه مل يبق من يرجع،
وانه مل يبق معه إال من له رغبة يف اجلهاد .فعرض عسكره يف ستة آالف ،وقال فيما قال :اىن
ألرجو ملن خرج يف عسكران ومات جماهدا ان يكون من أهل اجلنة اال من من فيه أحدى ثالث
قتل نفس بغري نفس ،وافرتاش يف حرام ز واقتناء أرض غصبا .،فمن كانت فيه هذه اخلصال أو
واحدة منهن فليعلم انه واجد منهن خمرجا أما قاتل النفس فبان ينقاد الولياء انه واجد منهن
خمرجا أما مل يعلم له ويل ليشهد على نفسه برتكها واما االثنتان االخرياتن فانه ليشهد على نفسه
برتكهما والتخلى عنهما .وبلغنا ان أاب اخلطاب مر مبدينة " قابس " فحاصر أهلها حىت ضعفوا
واذعنوا له ابلطاعة فجعل على املدينة عامال ،وارحتل حىت اذا نزل على القريوان فحاصر املدينة
عامال ،وارحتل حىت اذا نزل على القريوان مرض عاصم السدراتى مرضا شديدا ،كان من اخيار
()28/1
-------------------------------------------------------------------
أهل العسكر ،واجندهم ،واشهدهم شوكة على أهل القريوان فسمع مبرضه أهل القريوان وأنه
أشتهى القثاء فبعث أهل القريوان ببائع القثاء ،فسممعوا واحدة من قثائه ،وامروه ان ال يبيعها
اال لعاصم السدراتى فمضى البياع مبا عنده من القثاء إىل املعسكر ،فاشرتى لعصم اصحابه تلك
املسمومة فأتوه هبا فاكلها فثار فيه مسعها ،حىت هلك ،وقد هرب البياع حني ابعها فاستشهد
عاصم رمحه هللا فصاح أهل املدينة أين عاصم السدراتى املقتول ابلسم؟ مث جعلوا يقولون مات
عاصمكم اي بربر.
فعلم أبو اخلطاب أهنم خدعوه وبلغ منه موت عاصم مبلغا عظيما ،فقال الصحابه :أهنم خدعوان
وغدروان ،فسنخدعهم ونغدرهم كما فعلوا ،فخدعهم رمحة هللا ،وامر اهل العسكر ابن أيخذوا
سالحهم وخيال اخبيتهم وخيرجوا حتت الليل وايخذوا الطريق شبه اهلاربية مذعورين ،فاصبح منزل
عسكر اىب اخلطاب خاليا ،فظن أهل القريوان أهنم هربوا منهم ليال ،وقالوا :اهنزمت الرببر،
واخذوا آباثرهم ن ومضى أبو اخلطاب رمحه هللا فيمن معه إىل واد وراء فحص رقادة ،وكمن فيه
خبلية ورجله ،فأخذ اهل املدينة يف طلب اىب اخلطاب واصحابه .فلما حلقوا هبم ،وجدوهم
معسكرين فثار ابو اخلطاب وأصحابه يف وجوههم ،فهزموهم فتبعهم أبو اخلطاب واصحابه،
يقتلوهنم ،حىت دخلوا معهم املدينة فتحصلت املدينة ألىب اخلطاب يف سنة احدى واربعني ومائة
من التاريخ.
فلما وىل ابو اخلطاب املدينة أستعمل عليها عبد الرمحن بن رستم رمحه هللا ،وقد أمر أبو اخلطاب
أصحابه حني كان يف حصار املدينة ان ال يفسدوا زرعا وال غريه.
()29/1
-------------------------------------------------------------------
وحدث بعض أصحابنا ان شيخا من شيوخ القريوان بعث ابنا له يراتد مزرعة كانت له بقرب منزل
عسكر اىب اخلطاب فقال اي بىن :أذهب وانظر هل بقى يف مزرعتنا شئ قال :فخرج الغالم إىل
املزرعة فوجدها ساملة لن ينلها فساد ،فرجع الغالم إىل أبيه فأخربه ،فعجب لذلك وعجب الناس
لعدل اىب اخلطاي وسريته وطاعة أصحابه له فيما ايمرهم به وينهاهم عنه .وكان من مقالة الشيخ
املذكور اذ ذاك ملن حضره من أهل القريوان :أتظنون ان ااب اخلطاب يشبه من ويل عليكم قبلة
دنيا وفضال؟ وأن سريهتم كسريته حسنا وعدال؟ كال وهللا .أين مثل أىب اخلطاب يف سريته وعدله
وفضله!
وبلغنا ان أمرأتني قد خرجتا من القريوان حني فتحها هللا الىب اخلطاب بعد هزمية أهلها ،فنظرت
احدااما إىل القتلى مزملني يف ثياهبم كاهنم رقود ،فقالن لصاحبتها :انظرى اليهم كاهنم رقود.
فسمى ذلك املوضع رقادة إىل اليوم وملا دخل ابو اخلطاب املدينة أمر أهل املدينة ابن خيرجوا إىل
قتالهم ليدفعوهم.
وقد أمر ابو اخلطاب من يتفقد القتلى ،فوجد قتيال واحدا منهم مسلواب ،وامر مناداي ينادى يف
عسكره من نزع عن أحد من القتلى شيئا فلريدده ،فلم يردد أحد شيئا فعلم ان سالبه عمل غري
صاحل ،فلما أيس من رده سلب القتيل املذكور طوعا ،وخمافة من عقاب هللا تعاىل ،ودعا أبو
اخلطاب ربه عزوجل أن يفضحه ويظهر على اعني الناس فامر أبو اخلطاب فرسان من عسكره
ابن خيرجوا وجيروا خيلهم بني يديه وكان فيهم رجل فارس ن سدراته فلما اجريت اخليل انقطع
حزام سرج السدراتى ،فوجد
()36/1
-------------------------------------------------------------------
كساء سفسارية حتت سرجه ،فسقط الكساء على أعني الناس وقيل بل كان جبة حرير .قلت
واجلراد أيضا عند االحيتاج إليه واجابه الدعاء على اخلائن كل ذلك من الكرامات فأخذه االمام
رمحه هللا فعزره حسب ما اقتضاه االجتهاد.
وبلغنا أن أاب اخلطاب رضى هللا عنه ملا هزمهم احسن فيهم السرية وامر اصحابه ان ال يتعبوا
مدبرا ،والجيهزوا على جريح فقال رجل من لواته من عسكر اىب اخلطاب يقال له خالد أانكل من
امواهلم كما أيكلون أموالنا ويعتقدون أهنا غنيمة احلت هلم؟ فقال :أبو اخلطاب رمحه هللا ان فعلنا
كما فعلوا فحق على هللا ان يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم فنكون كما قال هللا تعاىل " :كما
دخلت امة لعنت أختها فنكون كما قال هللا تعاىل ":كلما دخلت أمة لعنت أختها حىت أذا
أراركو فيها مجيعا قالت أخراهم ألوالهم ربنا هؤالء أضلوان فآهتم عذااب ضعفا من النار ،قال لكل
ضعف ولكن ال تعلمون ،وقالت أوالهم خلراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب مبا
كنتم تكسبون " ( )1( )2مث أن ااب اخلطاب توجه إىل املدينة طرابلس وقد استعمل عبد الرمحن
بن رستم رمحه هللا على القريوان .وعلى ما يليها من املدن ،فاستعمل عبد الرمحن على القيوروان
,وعلى ما يليها من املدن ،فاستعمل عبد الرمحن على كتابته رجال منهم يقال له عبدهللا بن
عقيب فصلحت أحوال الناس.
وقد كان الرجل السدراتى ملا مل مل يتجاوز عنه أبو اخلطاب رأى أن قد نزلت عليه مصيبة عظيمة
يف أجتماع الفضيحة واالعانة عليه ،فسار مغضبا ،متوجها إىل بغداد ليستنفر منها جيشا من
تلقاء ابال جعفر املنصور ،فلما وصل بغداد طلب الدخول على اىب جعفر فوقت على الباب سنة
ال يؤذن له يف الدخول على اىب جعفر وال ابالنصراف ،فبعد متام
__________
( )1سورة العراف :آيه 38 - 37
()31/1
-------------------------------------------------------------------
حول اذن له ابو جعفر يف الدخول ،فدخل عليه وخال به ،وسأله عن حاجته ،فقال له :حاجىت
أن تنفذ معى عسكرا إىل انحيتع املغرب ،فامر ابو جعفر ابالستعداد ابملسري إىل أرض املغرب،
فانفذ جيشا وجعل عليه دمحما بن االشعت اخلزاعى امريا .وذكر بعض أصحابنا ان عدد أهل
العسكر مخسون ألفا ،وقال :بعضهم سبعون ألفا ،فجعل على طائفة من العسكر رجال دون ابن
االشعت ،فتوجه ابن االشعث قاصدا إىل اىب اخلطاب ،فلما انفصل العسكر من مصر أرسل
عيونه فكانت العيون ختتلف بني الفريقني ابخبار كل عيونه فكانت العيون ختتلف بني الفريقني
ابخبار كل منهما إىل اآلخر ،وجبميع ما حيدث عندهم فقدمت عيون ابن االشعث من عند اىب
اخلطاب فسأهلم عن اخباره ،فقالوا له أجنمل ام نفضل؟ فقال :بل امجلوا ،فقالوا رأينا رهباان
ابلليل واسدا ابلنهار ،يتمنون لقاءك كما يتمىن املريض الطبيب ،لو زىن صاحبهم لرمجوه ولو
سرق لقطعوه ،خيلهم من نتاجهم ،ليس هلم بيت مال برتزقون منه وامنا معاشهم من كسب
ايديهم .فلما مسع ابن االشعت ما وصفوه هاله ذلك ظن فشاور االمري الذى دونه يف الرجوع
فاىب له من ذلك.
وملا رأى أبن االشعت ذلك وخاف تفرق الكلمة ،عمد إىل رجال من عسكره فامرهم أن يتزيوا
بزي الرسل ،كأهنم قدموا من ارض املشرق ،واودعتهم كتاب أستخرجه على لسان اىب جعفر،
وامرهم أن يتنجوا عن العسكر فإذا كان وقت الضحى من الغد اقبلوا كأهنم قادمني من بغداد
بكتاب خليفتهم فلما كان الوقت الذى وعدهم ابلقدهم فيه اقبلوا ،فلما رءاهم أهل العسكر
تبادروا ،وأتوا هبم إىل ابن االشعث ،فناولوه الكتاب الذى
()32/1
-------------------------------------------------------------------
قدموا به فقرأه وأظهر أن ااب جعفر أمره ابلرجوع ن فرجع ابلعسكر ملا أعتل به من أمر اىب جعفر
اايه ابلرجوع ألمر هو احوج إليهم فيه مما توجهوا إليه ،فرجع ،وكره صاحب ابن االشعث الرجوع
فلما رءاه كذلك أرسل إليه وأمر به فقتل ،فخيل إىل الناس أن أاب جعفر أمره بذلك ن وضم إىل
نفسه العسكرين .مث أنه كر راجعا إىل املشرق وتباطأ يف سريه وقرب املراحل ،والعيون ختتلف
ابخبار الفريقني فإذا ارحتل ابن االشعث أول النهار نزل عند أنتصافه ،فإذا كان إذا أرحتل ،وعيون
اىب اخلطاب كلما رأت ابن االشعث أرحتل مرحلة رجعت منهم طائفة ،وأبن األشعث كلما ارحتل
مرحلة أمر خيال تقطع األثر خلفه لتنظر هلى بقى يف عسكر اىب اخلطاب أم ال ،وعيون أبن
االشعث يف عسكره من عيون اىب اخلطاب أم ال ،وعيون أبن االشعث يف عسكر اىب اخلطاب
مقيمه ،فلما وصلت عيون أىب اجتمع إليه من عسكر ابن االشعث ختربه برجوعه – وقد اجتمع
على اىب اخلطاب زهاء تسعني ألفا – ابتدرت الناس إىل مواطنهم وذلك يف زمان احلصاد ن فقال
هلم أبو اخلطاب اي قوم :أن العرب أهل مكر وغدر ،فال تفرتقوا عن ملككم ،حىت تستيقنوا
برجوع القوم ،وغلبت عليه العمة فإذن هلم ابحلاق ( )3أهليهم فساروا وتفرقوا عنه ،وىف كل ذلك
مل تزل عيون أبن االشعث يف عسكر اىب اخلطاب.
فلما تيقنوا تفرق مجوع اىب اخلطاب اسرعوا ابملسري إىل صاحبهم ،فاخربوه فكر ابن االشعث
راجعا يطوى املراحل ،فلم يشعر ابو اخلطاب اال وعسكر ابن االشعث قد غشي حيز طرابلس،
وأبو اخلطاب هبا مقيم فقال الصحابه أن العدو قد غشي
()33/1
-------------------------------------------------------------------
حرميى فال يسعىن القعود عن املدافعة عن رعيىت ،وقد اعلمتكم من قبل مبا كنت أتوقعه من مكر
العرب ،قال ففرق الرسل أبو اخلطاب يف البلدان تستنفر عسكره وتستمدهم فارسل إىل عبد
الرمحن بن رستم يستحثه ،فأمر أبو اخلطاب اصحابه ابخلروج فاشار عليه بعضهم ابالقامة حىت
اتتيه امداده ،فاىب إال خلروج ،وقال :ال يسعىن املقام ،وقل دخل العدو حرمي رعيىت ،حىت أدفع،
حىت ادفع عنها ما غشيها أو احلق ابهلل ،فخرج مبن حضره من أصحابه ومن بقرب املدينة من
نفوسه وهو أرة وزويشة وغريهم يريد دمحم بن األشعث فالتقيا " بتاورغا " وهو على مسرية مثانية
أايم من طرابلس.
مقتل أىب اخلطاب واصحابه رمحهم هللا
حدث غري واحد من أصحابنا أن ااب اخلطاب ملا مسع برجوع أبن االشعث إليه مبن خرج مبن
حضره من أصحابه فأجد السري إليه ،فوجد أبو اخلطاب قد سبق إىل املاء انزال عليه فقال ابن
االشعث الصحابه :أن نزل أبو اخلطاب واصحابه واسرتحوا وسقوا كراعهم ،واستقوا فانكم ال
تظفرون هبم بشئ ،وال طاقة لكم هبم ،،واال فانتم أقدر عليهم منهم عليكم ،وهذا بتاروغا ،فلما
وصلهم ابو اخلطاب وعسكره شاقت نفوسهم إىل لقائهم ،واجلهاد يف سبيل هللا على بصرية
فالقاهم أبو اخلطاب يف قلة والعدو يف كثرة ن فاسرع القتل يف أصحاب أىب اخلطاب واشتد
القتال فكان الرجال بني الصفني تنهدم كاحليطان ،ومل يربج ابو اخلطاب زاصحابه رمحهم هللا حىت
أستشهدوا مجيعا ن وكانوا يف أربعة عشر ألفا فيما ذكر الرواة ،وقد ذكر بعضهم أثىن عشر الفا
فلم ينج من القتل إال السري ،فتسامعت رعيته مبقتله
()34/1
-------------------------------------------------------------------
فهربوا إىل اجلبال ،وجلأوا إىل احلصون املنيعة والقالع العلية.
وبلغنا أن عبد الرمحن بن رستم رحه هللا ملا وصلته رسل االمام اسرع ليحلق به ،فلما انتهى إىل
مدينة " قابس " تلقاه مقتل االمام وعسكره ،فافرتت عساكره وكر راجعا إىل مدينة القريوان،
فلما مسع عبد الرمحن بن حبيب مبصاب اىب اخلطاب ومن معه وتفرق العساكر اثر من مدينة
القريوان ،وطلب عبد الرمحن بن رستم فلم جيده ،فلم يزل يبحث على أخباره حىت ظفر به
فابتدره رجل ،فلم يزل يبحث على أخباره حىت ظفر به فابتدره رجل من أهل القريوان من
أصحاب عبد الرمحن بن رستم إىل عبد الرمحن بن حبيب شافعا إليه فيه فقال له أيها االمري ىل
أليك حاجة ،فقال حوائجكم كلها مقضية أال عبد الرمحن بن رستم ن رضى هللا عنه ،فقال أن مل
أسألك يف عبد الرمحن بن رستم ملا اراد أستعمال ابن حبيب على بعض أموال املسلمني ملا أراد
أستعمال ابن حبيب على بعض اموال املسلمني قال :اي معشر املسلمني أبن حبيب على بعض
أموال املسلمني قال :اي معشر املسلمني ،ال تولوا ابن حبيب أمور املسلمني ،فانه أبليس أال ان
عليه بشر ابن آدم فحقدها عليه ابن حبيب.
فلما تفرق جنود اىب اخلطاب وجنود عبد الرمحن بن رستم وختلص من أبن حبيب خرج عبد
الرمحن هو وأبنه عبد الوهاب وعبد هلما خائفني مستحقني ،متوجهني إىل أرض املغرب ،وليس
معه محولة وال مركب غري فرس واحد ،فمات الفرس يف بعض الطريق ،فدفنوه خمافة أن تقص
أثرهم ،فيطمع فيهم ،وذلك يف خارج قسطيلية ،فسمى ذلك املوضع " قرب الفرس " فلما عدموا
الفرس وقد ضعفت قوى عبد الرمحن تعاون عليه ابنه حيمله اترة وحيمله العبد اخرى ،فاذا محله
العبد قال عبد الوهاب:
()35/1
-------------------------------------------------------------------
أن ادركنا العدو فال حتطط اىب عن ظهرك ملا دون مخسمائة وحنوها ،واذا عىي العبد ومحله عبد
الوهاب قال :له العبد كقوله له العبد كقوله له ،فلما وصلوا حول واد ،أجج ( )1وهو جبل منبع
قصده عبد الرمحن وحتضن به.
وحدث أبو الربيع سليمان بن خيلف رمحه هللا عمن حدثه :أن عبد الرمحن ملا حتصن بوادى اجج
وحتصن ابجلبل ،حلقه هنالك ستون شيخا من شيوخ االابضية من طرابلس ،ومسع ابن االشعث
بذلك ،فأقبل جمدا معدا يف طلبه ،فأخرب أبنه قي جبل منيع ،حىت وصله فحاصر عبد الرمحن بن
رستم بعد أن عسكر على عسكره خمافة أن أيتيه أبن رستم واصحابه ،فأطال املكث حتته فوخم
عسكر أبن االشعث ووقع فيهم اجلدرى ومات منهم خلق كثري ،فجمع أبن االشعث أصحابه
فقال هلم مستشريا :قد رايتم هؤالء القوم وما هم فيه من املنعه واقامتنا عليهم ال جتدى شيئا فما
ترون يف االقامة عليهم او االرحتال عنهم؟ فاختلف رأيهم ،فجد هو على االرحتال ،فرجع إىل
القريوان وقد يئس من عبد الرمحن وأصحابه ودخلها وحتصن فيها.
والية اىب حامت يعقوب بن لبيب امللزوزى اهلوارى رمحه هللا
حدث غري واحد من أصحابنا ان أاب حامت وىل مدينة طرابلس يف رجب سنة أربع ومخسني وائة
ومكث فيها اربع سنني ،وكانت واليته دفاع ،وطلب احلق يرسل ثقاته مبا جيتمع من مال الصدقة
إىل عبد الرمحن
__________
( )1كذا اثبت يف النسخ ،وما تثبته املراجع األخرى :سوفجج.
()30/1
-------------------------------------------------------------------
قبل ظهوره ،وسبب والية اىب حامت ان مجاعة من أصحابه من بقية من كان مع أىب اخلطاب ملا
أنسوا من نفوسهم يف حيز طرابلس بعد أىب اخلطاب قوة ن اموا ابالجتماع المر ابرموه ن
فاظهروا عن انفسهم غريه ،كما فعلوا أول مرة يف تولية أىب اخلطاب ،فعزموا على القيام على حيز
طرابلس وواليها من قبل اىب جعفر املنصور فسمع الواىل ابجتماعهم فأخرج إليهم مخسمائة
فارس ،وأمر عليهم امري منهم .فلما وصلتهم اخليل ،قال هلم أمريها :أجيبوا ابلطاعة المري
املؤمنني ،قالوا اجبنا ابلطاعة المري املؤمنني .ال يعنون أاب جعفر ،وامري اخليل يعتقد أهنم عنوه،
فرجع خبيله إىل واىل املدينة ن فاخربوه ابجابتهم ن فلم يقنعه ذلك منهم مث أن مجاعة ايعان اهل
الدعوة اجتمعوا ليلة منصرف اخليل عنهم ،واتفقوا على عقد االمامة الىب حامت والية الدفاع،
فعقدوها له يف ليلتهم تلك ،فلما أصبح خرج إليهم الواىل بنفسه يف خيل عظيمة ،فلما أاتهم قال
أجيبوا لطاعة امري املؤمنني أىب جعفر املنصور ،فقالوا عليك لعنة هللا ،وعلى أي كافر معك ،يعنن
أاب جعفر فناجزهم القتال فاقتتلوا قتاال شديدا فهزمهم أبو حامت ومن معه من أهل الدعوة،
فاتبعوهم يقتلوهنم حىت دخلوا مدينة طرابلس ن فمات من ذوى اجلبابرة بشر كثري.
وبلغنا أن أاب حامت ملا هزم هللا على يديه العدو وقد كان معه من عوام الرببر من ال نظر له يف أمور
الدين وامنا حضروا تسليما المور املسلمني فعمدوا إىل أسالب القتلى فنزعوها عنهم ن فغضب
أبو حامت لذلك ،وقال ليس من سرية املسلمني أذا قتلوا من بغى عليهم من أهل التوحيد
()37/1
-------------------------------------------------------------------
أن يسلبوه ،بل يقولون ألهل املدينة أرجعوا إىل قتالكم فادفنوهم وخذوا ثياهبم .واآلن أما رددمت
االسالب ،وأما اعتزلت اموركم ،وتركت الوالية ،فلما مسعوا ذلك منه أطاعوه وردوا اسالب
القتلى .فدخل ابو حامت رمحه هللا مدينة طرابلس اثر اهلزمية فاقام هبا ما شاء هللا مث اندى ابخلروج
إىل افريقية ،فبلغنا أنه خرج إليه جيش من أفريقية ،فتلقاه أبو حامت ببعض الطريق ن فقاتلهم
فهزمهم هللا له ،وأحسن فيهم السرية ،فلم جيهز على جريح ومل يسلب قتيال.
فلما نزل ابلقريوان حاصره أهلها سنة ن وطال احلصار على أهلها فالقوا السلم واذعنوا واطاعوا،
إال ما كان من ابن االشعث فإنه أحنجر يف دار االمارة يف بقية من أصحابه الذين قدم هبم من
أرض املشرق ،فحاصره ابو حامت سنة أخرى ،بعد دخول املدينة فاجلى أبو حامت من هبا من بقية
جندا أبن االشعث فاعطى كل مخسة رغيفا لزاده ،فتفرق أولئك البقية منصرفني إىل املشرق،
وذكر بعض أصحابنا أن السدراتى اجمللود على اخليانه الذي جلب العسكر من ان السدراتى
اجمللود على اخليانة الذي جلب العسكر من املشرق ندم على ما فعل من أعانة العدو على قومه،
وأهل مذهبه ،واذاءته اايهم ،فخرج ببقية العسكر يريد هبم املشرق ،واظهر هلم أنه يريد أن يردهم
إىل بالدهم فأخذ هبم طريقا مضلة فهلكوا عن آخرهم.
ذكر وقعة مغمداس
وبلغنا ان أاب حامت مسع بطوالع أقبلوا من املشرق فخرج من مدينة طرابلس فتلقاهم مبوضع يقال
له (مغمداس)
()38/1
-------------------------------------------------------------------
على مسرية مثانية اايم من املدينة فلما وصلهم أبو حامت صفوا واقتلوا قتاال شديدا ن فهزم هللا
على يديه العدو فقتل منهم سته عشر ألفا ،وبلغنا ان رجال من احلضر لقى رجال من أهل
الدعوى ،فقال له املخالف ما تفسري اتورغا؟ (يقرعه مبقتل اىب اخلطاب واصحاب رمحهم هللا)
وكان صاحبنا فطينا فاجابة ،ابن قال تفسريها مغمداس فيه أربعة أكداس ،يف كل كدس أربعة
آالف ،مث ملا هزمهم رجع إىل طرابلس وحسنت حالته فيها.
مقتل أىب حامت واصحابه رمحهم هللا
وبلغنا ان ااب حامت ملا تكمن يف مدينة طرابلس دس الكتب إىل املشرق من بقى من الطوالع
بطرابلس والقريوان إىل أىب جعفر ببغداد ،يشكون ااب حامت .ويستقضون عليه ،فانفر إىل اىب حامت
جيشا كبريا .وامر عليه يزيد ابن حامت االزدى قال :فلما أنفصل يزيد بن حامت من مصر بعساكره،
ومسع أبو حامت بتوجهة ،مجع أصحابه ومن وىل عليه من القبائل ن فحضهم على اجلهاد ورغبهم
يف االستشهاد .وملا قرب يزيد من حيز طرابلس خرج إليه ابو حامت مبن معه من أصحابه ،حني
نزل موضعا يقال له " جىن " ومعه قبيلة من الرببر يقال هلا مليلة ،يزيد بن حامت على أىب حامت،
فسأل أبو حامت من حضره من هوارة هلى أعان ابن حامت على احد من الرببر؟ فقالوا :ليس أحد
من الرببر االقبيلة واحدة من هوارة .يقال هلا مليلة فقال أبو حامت :اللهم أذلل مليلة فاجاب هللا
دعوته فبقيت فيهم إىل اليوم ،فهم اذل الرببر ،قيل وكان مع أبن حامت رجل من نفوسه يقال له
عمر بن مطكود الغري.
()39/1
-------------------------------------------------------------------
فلما التقى الفريقان أقتتلوا قتاال شديدا ،فاستنجز القتل يف اصحابه أىب حامت ،فلما رأى ذلك أبو
حامت قال الصحابه :زفوىن إىل املوت يف سبيل هللا زفاف العروس وقفوا ىل قليال قال ،فتقدم أبو
حامت رمحه هللا حىت استشهد ومن معه من اصحابه رمحهم هللا.
وبلغنا ان املوضع الذى استشهدوا فيه يرى فيه نور ساطع يضئ يف كل ليلة اخلميس يبصره من
بعيد ن يصعد عمودا يف السماء وكذا ذكر من شاهده من أهل عصران على الصفة املذكرة.
وحدث يعقوب بن يوسف اليجراىن أنه أجتاز هو وصاحب له ابلوضع املذكور ،فلما هبطاه وهو
يف مطمئن من االرض ،أضاء هلم النور حىت تبني أثر احلشرات يف االرض ،كما تبني هنارا ،فلما
خرجا منه دخال يف مظلمة عظيمة ،فالتفتا إىل املوضع فاذا الضياء ساطع يف اهلواء والظلمة حتفهم
من كل جانب فعادا ،إىل املوضع فطفقا يدعون هللا تعاىل ملا تبيناه من كرامة ،وكان يعقوب رجال
شجاعا شديد املرة ال يروعه هول وال يصيبه خور بل كان ثبتا ال يتهم خربه
امامة عبد الرمحن بن رستم رمحه هللا
حدث غري واحد من أصحابنا ان عبد الرمحن بن رستم وىل بتاهرت على رأس ستني ومائة ،وذكر
بعضهم أنه وىل
()46/1
-------------------------------------------------------------------
سنة اثنني وستني ومائة ،وهللا اعلم أى التارخيني أصح وسبب واليته أن مجاعة اهل الدعوة اتفقوا
على ان ينتخبوا موضعا يبنون فيه مدينة تكون حصنا هلم ،فارسلوا رجاال من ذوى املعرفة،
وفرقوهم يف اجلهات يتخريون مكاان يصلح ملا حاولوه ،ورجعوا وقد وقع اختيارهم على اتهرت
فدلوهم عليها ،فاتفق مجهورهم مع اهل اتهرت القدمية على شئ معلوم أيخذونه على غلتها ،وقد
كانت قبل ذلك رايضا ال عمارة فيها إال السباع واهلوام.
فلما أتفقوا على عمارهتا أمروا مناداي ينادى بسباعها ووحوشها وهوامها ان أخرجوا فاان اردان
عمارة هذه االرض فأجلوها ثالثة أايم ،وبلغنا أهنم راوا وحوشها حتمل أوالدها خارجة هبا منها ن
فكان ذلك مما رغبهم يف عمارهتا وقوى عزمهم على انشائها .مث أهنم اطلقوا النريان فاحرتقت
أشجارها ،وبقى أصول ما احرتق منها فشق عليهم مؤونة أقتالعها ،فعمدوا إىل حيس فلثوه
بعسل ،وجعلوا حتت أصل كل شجرة منها شيئا قليال ،فلما جن الليل طرقت اخلنازير تلك
االصول ،فجعلت تتبع رائحة احليس ن وحتفر حتت االصول ،حىت أتت على آخرها ،فلما
أصبحوا وجدوها مقتلعة ،فعمدوا إىل مكان فأصلحوا لصالهتم ن فلما أرادوا بناءه وقع اختيارهم
على اربعة مواضع فاقرعوا عليها أيها جيعل املسجد اجلامع ،فوقعت القرعة على املكان االول
الذى اصلحوا لصالهتم ،فبنوا اجلامع به ،مث أخذوا ىف انشائها وعمارهتا ،فجعلوها دايرا وقصورا.
()41/1
-------------------------------------------------------------------
مث أن أهل اخلري والصالح وذوى اآلراء السديدة من مجاعة أهل الدعوة رأوا ان هلم قوة جتب
معها عليهم تولية أمام .فتشاوروا فيمن يرون لذلك أهال من القبائل ،فوجدوا من كل قبيلة رأسا
أو رأسني ،فكل منهم أهل لذلك فقال فضالؤهم :أن عبد الرمحن بن رستم ممن ال جتهلون
فضله ،وهو أحد محلة العلم وعامل االمام أىب اخلطاب رمحه هللا ،وقد كان املسلمون عرضووا
عنها ودفعها عن نفسه فهو أهل لالمامة لدينه وعلمه ،وسابقته ،ومكانه ،وغري ذلك من محيد
أوضافة ،ال سيما وليست له قبيلة متنعه أن بدل أو غري .فأن رأيتم توليته أموركم فافعلوا ،فاتفق
رأيهم مجيعا على توليته ،فبايعوه على االمامة ،بكتاب هللا وسنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،وآاثر اخللفاء
الراشدين ،فأحسن السرة يف أمامته ومل ينقم عليه احد يف حكومته ،ومل يكن يف أايمه أختالف،
واالابضية كلها يومئذ جمتمعة متآلفة مل يثر فيها أثئر.
قال الشيخ أبو العباس وقد وقفت يف كتابه املسالك واملمالك من ذكر بناء اتهرت على ما هو
أوضح وأزيد فائدة ،ورأيت أن أثبته يف هذا املوضع وأن كان يف بعصه خالف ملا صححناه عن
املشائخ .ذكر أبو عبيدة البكرى " أن اتهرت مدينة مسورة أهنا أربعة أبواب ابب الصفاء واباب
املنازل وابب االندلس وابب املطاحن ،وهلا قصبة مشرفة على السوق وتسمى املعصومة ،وهي
على هنر تسمى " انفس " ومنها شرب بساتينها وهي يف شئ ،وفيها
()42/1
-------------------------------------------------------------------
مجيع الثمار وهي شددية الربد كثرة الغيوم ،والثلج .وقال أبو عبد الرمحن بكر بن محاد ()1
[فقرة مل ترقن]
واتهرت اجلديدة على مخسة أميال منها اتهرت القدمية وهي يف شرق احلديثة ،ويقال أهنم ملا
ارادوا بناء اتهرت كانوا يبنون ابلنهار ،فاذا جن الليل واصبحوا وجدوا بنياهنم قد هتدم فبنوا
حينئذ اتهرت السفلى ،وهي احلديثة وكان صاحب اتهرت ميمون بن عبد الوهاب بن عبد
الرمحن بن رستم ،بن هبرام بن ذو شراز بن سابور بن اببكان بن سابور ذى االكتاف امللك
الفارسى .كان ميمون رأس االابضية وأمامهم ،وأمام الصفار ،والواصيلة ،وكان يسلم عليه
ابخلالفة ،وكان جمتمع الواصيلة قريبا من اتهرت ،وكان عددهم ثالثني ألفا ،يف بيوت كبيوت
االعراب حيملوهنا.
وتعاقب مملكة اتهرت بن ميمون وبنو اخوية امساعيل وعبد الرمحن بن الرستمية إىل سنة ستة
وتسعني ومائتني فوصل أبو عبد هللا الشيعى
__________
( )1هو االديب املشهور والشاعر التاهرتى ولد هبا وتوىف سنة 292هـ
()43/1
-------------------------------------------------------------------
مدينة اتهرت فدخلها ابألمان مث قتل فيها من الرستمية عددا ،كبريا ،،وبعث برؤوسهم إىل أخيه أيب
العباس ،واطيف هبا يف القريوان ،ونصبت على ابب رقادة .وأقام ملك بين رستم بتاهرت مائة
وثالثني سنة .وذكر دمحم ابن يوسف أن عبد الرمحن بن رستم كان خليفة أليب اخلطاب عبد األعلى
بن السمح بن عبيد بن حرملة أايم متلكه على افريقية ،فلما قتله دمحم بن األشعث اخلزاعي وذلك
يف صفر سنة اربع وأربعني ومائة هرب عبد الرمحن ابهله وما خف من ماله ،ونزل القريوان
فاجتمعت اليه مجاعة من اصحابه واتفقوا على تقدميه وبنيان مدينه جتمعهم ،فنزلوا موضع اتهرت
الربج وهو غيضة اشب ،ونزل عبد الرمحن منها موضعا مربعا ،ال شجر فيه ،قال الرببر( :نزل
اتفدمت :تفسريه :الدف شبهوه ابلدف لرتبيعه ،وادركتهم صالة اجلمعة فصلوها هنالك فلما
انقضت الصالة اثرت صيحة شديدة على أسد ظهر يف الشعراء فاخذ حيا وأويت به إىل املوضع
الذي صلوا فيه فقتل هنالك ،فقال عبد الرمحن بن رستم هذا موضع ال يفارقه سفك دم ،وال
حرب أبدا ،،وابتدروا من تلك الساعة فبنوا يف ذلك املوضع مسجدا ،وقطعوا خشبه من تلك
األشجار ،فهو كذلك إىل اليوم ،وهو مسجد جامع وهو من أربع بالطات ،قال :وكان موضع
اتهرت ملكا لقوم مستضعفني من منداس وصنهاجة فراودهم عبد الرحم على البيع ،فوافقهم ان
يودوا اليهم اخلراج من األسواق ،ويبيحوا هلم بنيان املساكن فاختطوا وبنوا ،ومسى موضع اتهرت
معسكر عبد الرمحن إىل اليوم ()1
__________
( )1راجع املغرب يف ذكر بالد افريقيا واملغرب ،وهو جزء من كتاب املسالك واملمالك من ص
00
()44/1
-------------------------------------------------------------------
قال الشيخ :وبلغنا أن الوايل على أهل عمان يف أايم عبد الرمحن رجل يسمى عبد الوارث ،وابو
عبيدة حي إذ ذاك ويف أمامة عبد الرمحن رمحه هللا .مث ان والية عبد الرمحن ابملغرب اتصلت مبن
ابلبصرة من أهل الدعوة فبعثوا اليه بثالثة امحال ماال ،فلما وصلت الرسل اتهرت جعلوا يسألون
عن دار اإلمارة وقد خلفوا املال خبارج املدينة ،فلما وصلوا الدار ،وجدوا اإلمام رمحه هللا يف
أعلى بيت يعمل بيده يف السقف ،والعبد يناوله الطني ،فسألوا العبد أن أيذن هلم ،وستأذن
عليهم .وقد علم العبد أن سيده يسمع كالمهم ،فقال له :اخرهم قليال :،فنزل وغسل من الطني
جسده ،فأذن هلم ،فدخلوا فسلموا عليه وامر خببز ومسن فقدم بني ايديهم فلما أكلوا استأذنوا
للتنحي عنه للنجوى ،فأذن هلم ،فتناجوا واتفقوا ان يدفعوا له املال ،واهنم راضون ما عاينوه من
أحواله .فلما وصلت األموال ووضعت لالمام ،شاور اصحابه فيها فاشاروا عليه ابن أيخذها،
ويبثها يف فقراء املسلمني ،ويف االسالم ،وفعل رمحه هللا ذلك مبحضر الرسل.
فلما رجعت الرسل إىل املشرق اعلموا اخواهنم بسرية عبد الرمحن وعدله وفضله ،وبعثوا بعد
ذلك ابموال أكثر من األوىل ،فلما وصلت إىل عبد الرمحن شاور اصحابه أيضا ،فقالوا :رأيك اي
أمري املؤمنني ،فقال اما إذ رددمت إىل الرأي ،فان رايي أن يرد إىل أهله ،فهم أحوج منا إليه فقد
قواان هللا واغناان ،فله احلمد ،فشق ذلك على الرسل وليس هلم بد من طاعة االمام ،فعجب أهل
املشرق من زهادة االمام يف الدنيا ورغبته يف اآلخرة فأقروا ابمامته ووصلوه بكتبهم .فكانت
اتهرت حرزا وحصنا جلماعة
()45/1
-------------------------------------------------------------------
أهل الدعوة ومسيت املعسكر املبارك .قلت أما كون اإلمام رمحه هللا وافق اصحابه يف صرف املال
األول يف الوجوه اليت ادلوا هبا ملا رأى يف ذلك من سد اخللل ،وأما رده املال اآلخر فلعله تعلق
بقوله ملسو هيلع هللا ىلص تؤخذ من اغنيائكم وترد يف فقرائكم ،فقصد التخصيص يف االضافة ورأى فقراء
مواضع أخذت منه الزكاة هبا أوىل ،ولعله علم ان يف املال األول ماال غري مال الصدقة ،وان املال
اآلخر كله من مال الصدقة فرأى فيه الرأي الذي ذكرته من صرفه يف فقراء اجلهة اليت أخذ منها
املال.
قال :فلما حضرت الوفاة عبد الرمحن رمحه هللا جعل االمامه شورى يف ستة نفر كصنع عمر بن
اخلطاب هنع هللا يضر :احدهم مسعود االندلسي ،وكان فاضال فقيها ،،ورعا من شيوخ املسلمني ،وابو
قدامة يزيد بن فندين اليفرىن ،ومروان االندلسي ،وعبد الوهاب بن عبد الرمحن ،وابو املوفق
سعدوس ابن عطية ،وشكر بن صاحل الكتامى ،فلما مات رمحه هللا اجتمع أهل الشورى
يتفاوضون فيمن يولونه أمور املسلمني فتدافعها بعضهم إىل بعض .اال ان عامة املسلمني مالت
نفوسهم إىل اثنني من النفر املسميني؛ احداما مسعود ،واآلخر عبد الوهاب فبعضهم أراد توليه
هذا ،وبعضهم أراد تولية هذا ،فمكثوا حنو شهرين يرون الرأي مث ان اجلمهور رجحوا مسعود أو
مالت نفوسهم إىل توليته ،فبادروا ليبايعوه ،فهرب واختفى فابتدروا عبد الوهاب ليبايعوه فلما
مسع مسعود برتكهم اايه وطلبهم عبد الوهاب خرج مبادرا ليكون أول
()40/1
-------------------------------------------------------------------
من يبايعه ،وكان أبو قدامة ملا مل متل قلوب الناس إليه ورأى انه قد خال منها اراد تولية عبد
الوهاب وقال :هو منا أقرب رمحا من غريه ،فلعل ذلك يعطفه علينا ،وامنا قال ذلك ألن ام عبد
الوهاب يفرنية فرجوا أن يؤثرهم يف األمر ،فقام ابو قدامه يف نفر من اصحابه فأبوا اال مبايعة عبد
الوهاب ملا يرجونه من يثاره اايهم ومع ذلك فقد ختوفت نفوسهم منه.
أمامه عبد الوهاب بن عبد الرمحن رمحهما هللا
فلما اراد الناس مبايعة عبد الوهاب تقدم مسعود األندلسي ليبايعه فعارضه ابن فندين واصحابه
ابلقول ،فقالوا نبايعه على شرط ان ال يقضى أمرا دون مجاعة معلومة ،فقال هلم مسعود :ال نعلم
يف اإلمامة شرطا غري ان حيكم فينا بكتاب هللا وسنة نبيه رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ،فرتك ابن فندين
واصحابه الشرط .فتقدم مسعود فبايع عبد الوهاب وابيعه الناس بعد ذلك بيعة عامة ومحلوه إىل
دار االمارة ومل يتخلف عن بيعته احد ومل ينقم عليه احد يف حكومة وال يف أمر من أموره حىت جنم
ابن فندين واصحابه.
أول افرتاق يف األابضية
مع ان طائفة تنتحل اسم االابضية يقال هلم (العمرية) مل جتمعنا واايهم العمرية من قبل وهم
يزعمون اهنم اابضية ،وسندون مذهبهم إىل عبد هللا بن مسعود رمحه هللا وهم تبع عيسى بن
عمري ،وسنفرد كتااب يف الرد عليهم ،ونقض ما خالفوا فيه أهل احلق ،ونذكر فيه
()47/1
-------------------------------------------------------------------
اإلفرتاقات والرد على كل فرقه خالفت أهل احلق ،قلت امنا نبه الشيخ رمحه هللا على ذكر
العمرية ليعلم ان االفرتاق قد كان من قبل ،وامنا عىن هنا أول االفرتاق ابملغرب ،قال الشيخ
امساعيل بن صاحل رمحه هللا سألت الشيخ أاب نوح بن يوسف رمحه هللا قلت :أين الكتاب الذي
وعد به اشيخ أبو زكرايء؟ قال قد قام عنه به الشيخ أبو عمار عبد الكاىف وهو الكتاب (املوجز
( )1رجعنا.
فأما سب افرتاق االابضية فيما ذكر غري واحد من اصحابنا فهو :ان عبد الوهاب رمحه هللا ملا
وىل املسلمني استعمل على واليته كلها أهل الورع والزهد ،وكل من علم انه ليست له رغبة يف
الوالية ،فاستعان على ما قلده هللا من أمور املسلمني ابهل العلم والبصائر يف الدين .وملا رأى
ذلك ابن فندين واصحابه وحتققوا خمالفة ما يرجونه من ايثاره اايهم ،تغريت قلوهبم وتنكرت
صدورهم وساءت ظنوهنم وسقط يف ايديهم وندموا على ما فرط منهم يف مبايعة عبد الوهاب،
واخذوا يف العلل واالابطيل ،وقالوا :امنا كانت والية عبد الوهاب على شرط ان ال يقطع أمرا
دون مجاعة معلومة ،ورجعوا يف حاجة ( )2امرهم الذي مل جيزه هلم اهل البصائر من قبل ،وجعلوا
يفتشون ذلك عند اجلهال والطغاة ،ومن ليست هلم بصرية يف الدين يستنزلون عقوهلم ،ويستفزون
افكارهم ،وحييلون عقائدهم واشاعوا انه حاىب عليهم بعض الناس ،ووالهم االمور دوهنم ،وزعموا
اهنم بذلك أولىمن سواهم ،وانه ال ينبغي ان يلي امر مجاعة املسلمني احد إذا كان يف اجلماعة من
هو
__________
( )1ال زال الكتاب من مجلة املخطوطات ن وقد قام الدكتور عمار الطاليب من جامعة اجلزائر
اخريا بدراسة عليه ،واخربين انه يقوم بطبعه.
( )2كذا يف النسخ ،ولعل الصواب :ورجعوا إىل جلاجة أمرهم
()48/1
-------------------------------------------------------------------
اعلم منه ،فتفاقم امرهم ،وكثر القيل والقال يف البلد ،وعظم داؤهم ،وكثر النزاع وانتشر اخلالف،
فتارة يقولون حنن وليناه ،واترة بقولون كيف يلينا وفينا اعلم منه ،واترة يقولون امنا كانت واليته
على شرط.
مث ان مجاعة املسلمني اجتمع رأيهم مع ابن فندين واصحابه على التوقف ،واصطلحوا على وضع
اوزار احلرب ويراسلوا يف هذه القضية اخواهنم ابلشرق ،فما اجابوهم به وقفوا عنده ،وعملوا به.
فبعثوا رسولني وتوجها إىل املشرق ،فلما وصال مصر وجدا هبا شعيب بن املعروف وشيعته فأخرباه
مبوت عبد الرمحن ومبايعة الناس عب الوهاب وخروج ابن فندين عليه وادعائه يف امامة عبد
الوهاب ،وما زخرف من األابطيل ،فلما مسع شعيب ما ذكراه من االختالف خال بطائفة من
اصحابه ،منهم ابو املتوكل ،فعزموا على املسري إىل اتهرت ليكونوا التاء على االمام ،مث ان
الرسولني توجها إىل مكة فوجدا أاب عمرو الربيع بن حبيب وااب غسان خملد بن املعرد رمحهم هللا
يف مجاعة من اصحابنا ،واخربااما مبا فيه من ارسال اخواهنم اليهم ،ومبا حدث ابملغرب ،فدفعا
اليهم كتبهم وقرأوها واجتمعوا ليجاوبوا عنها فكتبوا:
(
بسمميحرلا نمحرلا هللا ) ،صلى هللا على سيدان دمحم وآله وسلم تسليما .أما بعد ،فقد اتصل بنا ما
وقع قبلكم وما كتبتم فيه ،فأما ما ذكرمتوه من امر الشرط فليس من سرية املسلمني ان جيعلوا يف
االمامة شرطا :ان ال يقطع االمام امرا دون مجاعة معلومة .االمامة صحيحة والشرط ابطل ،فلو
صح يف االمامة الشرط ملا قام هلل حق وال اقيم له حد ،ولبطلت احلدود واالحكام ،وضاع احلق،
واجلماعة
()49/1
-------------------------------------------------------------------
يتعذر اتفاقها .على ان االمام ان قدم اليه سارق فال ميكنه ان يقيم عليه احلق فيقطع يده حىت
حتضر اجلماعة ،أو زىن أحد فال يرجم أو جيلد حىت حتضر اجلماعة ،وال جياهد االمام عدوا ،وال
ينهى عن منكر ،اال مبحضر اجلماعة ،فيكونوا كلهم اذا اماما ،وكلهم ال امام ،فهذا ابطال،
وتتبعه غري االستقامه ،ورمي االمامة به بغي ،والسؤال عن هذا غيب .واما ما ذكرمت من توليه رجل
ويف مجاعة املسلمني من هو اعلم منه فذلك جائز اذا كان مستكمال لشوط االمامة ،وكان من
أهل الفضل والدين والعدل والسياسة واملنزلة املرضية ،فقد وىل ابو بكر الصديق هنع هللا يضر؛ وزيد بن
اثبت افرض منه ،وعلى اقضى منه ،ومعاذ ابحلالل واحلرام اعرف منه ،وأيب بكتاب هللا أقرأ منه،
كل شهد له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بذلك ومع هذا فلم يكن احد منهم أوىل منه ابالمامة ،فاجلواب
اثبات الوالية وابطال الشرط ،ولو انعقدت عليه ،وختطئه من اختلفه واحله غري حمله)
ومما ضمنوه جواهبم ان االمامة ال تبطل اال حبدث يف االمام بعد االعذار واالنذار ،ومتادى
احملدث على االصرار واالستكبار ،فحينئذ جيب القيام عليه .وابطال ما صار من أمر املسلمني
اليه.
ونرجع إىل ذكر شعيب وذلك انه ملا انتهى اليه الرسوالن مبا قد تقدم ذكره من وقوع اخلالف
ابملغرب توجه إىل اتهرت يف نفر من اصحابه ،دون مشاورة من مبصر من املشائخ أهل الدعوة،
بل قد هناه عن ذلك من فطن به منهم فسار طمعا يف االمارة ،فلما وصل هو واصحابه دخل
على االمام ومل يكن له بد من الدخول عليه ،فسأله االمام رمحه
()56/1
-------------------------------------------------------------------
هللا عن االمامة والشرط فأجابه ابن االمامة صحيحة والشرط ابطل ،وسأله ايضا هل جتوز تولية
رجل ويف مجاعة املسلمني من هو اعلم منه؟ فاجاب جبواز ذلك .مث ان شعيبا خرج فتوجه حنو
ابن فندين ،واصحابه فأطعموه يف االمارة ،فندم على فتياه لالمام رمحه هللا فوازر ( )1ابن فندين
واصحابه على االمام ،وصار هلم عوان على اخلالف ،فخرج من ابملدينة من اكابر اصحاب ابن
فندين إىل املنازل املتدانية من اتهرت ،وجعلوا يستفسدون قلوب أهلهاوجيتمعون فيها حبل ما
انعقد من االمامة ويتناجون ابالمث والعدوان ،وذلك مسوا (النجوية) مث بعد ذلك وملا ادخلوا بذلك
شغبا يف االسالم مسوا (الشغبية) ،مث احلدوا يف امساء هللا تعاىل فسموا (امللحدة) .ومسوا النكاث
لنكثهم البيعة بغري حدث ،وبلغنا اهنم كانوا يدخلون املدينة ابجلماعات ،فتكلم مجاعة من
املسلمني بذلك ،واشاروا على االمام ابن ينهاهم عن ذلك ،فنهاهم االمام فلم ينتهوا ،وعاب
عليهم خروجهم من املدينة إىل املنازل فقالوا :هذه مدينتنا وتلك منالنا ،فان رأى االمام يف ذلك
منكرا تركناه .قال فاعرض عنهم االمام مث صاروا بعد ذلك يدخلون املدينة ابلسالح ،فاشار أيضا
مجاعة من املسلمني على االمام ابن ينهاهم عن ذلك .فقالوا :ان رأى االمام يف امساك السالح
منكرا تركناه قال :فاعرض عنهم االمام ،وامر اهل املدينة ابمساك السالح خمافة منهم من غدر
حيدث منهم
__________
( )1من وزارة موازرة على االمر عاونه وقواه ن مقلوب آزره
()51/1
-------------------------------------------------------------------
وبلغنا ان نفرا منهم اجتمعوا على غدر االمام فأداروا االمر بينهم ،فقال قائلهم كيف لنا
ابلوصول إىل قتله؟ فلم يتجه هلم ذلك .مث ان رجال اشار عليهم أبن حيضروا اتبوات فيجعلوه فيه،
وميضوا ابلتابوت إىل االمام كأهنم خمتصمون فيه ،وكان االتفاق قد تعذر ،ليفضي األمر إىل وضعه
على يد األمني ،مث ال يرضون اال ان يكون يف امانة االمام ،فعمدوا إىل اتبوت وادخلوا فيه الرجل
املشري ،ومعه سيفه وكان غلق التابوت من داخله ،قأقبلوا ابلتابوت إىل االمام رمحه هللا ،ففعلوا ما
عزموا عليه من املالحاة .حىت اظهروا ان كادوا يقتتلون ،فقال قائلهم لالمام ،اي أمري املؤمنني
أفصل بني هؤالء القوم ،وانزع التابوت من ايديهم مجيعا حىت يصطلحوا أو يصح ملن يصح منهم،
فقالوا ابمجعهم :قد اصاب فيما اشار به عليك اي امري املؤمنني ،فقال :دونكم وما أشار به .فقال
املختصمون :لسنا نثق ابمانة أحد اال أن يكون امري املؤمنني ،فتوخى رمحه هللا مرضاهتم
وساعدهم ،فقال :امحلوا اتبوتكم إىل حيث آمركم ان تضعوه ،فلما محلوه تبني لالمام ان الذي
محلوه ثقيل وقال متمثال (اي بؤسا للغدر فما اسجاه!!) مث ان االمام أتمل التابوت فوجده مغلقا
من داخله ،فازداد ريبة وغلب على ظنه اهنم ارادوا الغدر .وكانوا قد رغبوا يف ان ال يوضع
التابوت اال يف بيت ينام االمام فيه ،فلما وضعوه خرجوا مستبشرين فرحني ،وظنوا ان قد ظفروا
حباجتهم فخيبهم هللا ،ورد عليهم مكرهم وجعل كيدهم يف تضليل.
وقد ذكر اهنم قالوا لصاحبهم اذا انت قتلت االمام فأذن لصالة الصبح عند طلوع الفجر ،فاذا
مسعوا اذانه ابتدروا لدار االمام ،وان هو مل يؤذن علموا انه مل يظفر حباجته
()52/1
-------------------------------------------------------------------
فلما جن الليل أخذ االمام رمحه هللا يف صالته فلما فرغ منها وكانت عادته اذا فرغ منها ان
يتناول كااب فيقرأ فيه حينا من الليل ،فلما كانت تلك الليلة عمد االمام إىل زق منفوخ فوضعه
على فراشه .والقى عليه ملحفة بيضاء ،فلما قضى حاجته من قراءة الكتاب وحان وقت نومه
أخذ مصباحا وأوقده وكب علي غطاء يسرته ،وتنحى إىل جانب البيت واقبل على الصالة حبيث
ال يسمعه وال يراه من ابلتابوت .فلما هدأ صوت االمام عن صاحب التابوت ،وظن ان االمام قد
انم ،فتح التابوت فخرج منه فنظر يف البيت ميينا ومشاال ن فلم ير شيئا اال بياضا يف انحية البيت
كهيئة املضطجع ،فظن انه االمام ،فتيممه فجرد سيفه ،واالمام رمحه هللا يراه فلما وقف على
الفراش ضرب الزق ابلسيف فظن انه قد قتل االمام فلما مسع االمام وقعة السيف على الزق
كشف الغطاء عن املصباح وااته االمام والسيف يف يده فقده نصفني ولفه يف اتبوته.
فلما كان الغد اجتمعوا فسألوا من لقيهم ،هل حدث حادث فلم خيربوا بشيء فقال بعضهم
لبعض :امسع احد منكم عن االمام وصاحبكم شيئا؟ فكل قال :ال ،فقالوا :امضوا بنا لنأخذ
اتبوتنا ،فنقول قد اتفقنا .ففعلوا ذلك فقال هلم االمام :امضوا إىل حيث وضعتموه فخذوه.
فمضوا حىت دخلوا البيت فوجدوا اتبوهتم يف املوضع الذي تركوه فيه فحملوه ،فما وصلوا إىل
مأمنهم فتحوا التابوت فوجدوا صاحبهم قتيال مقدودا نصفني ،فخيب هللا سعيهم ،واخلف
ظنهم ،واحلد هلل ،فخرجوا من املدينة خوفا من ان يوقع هبم االمام واملسلمون لسوء صنعهم.
()53/1
-------------------------------------------------------------------
مث ان شعيبا خرج من عند االمام قال البن فندين واصحابه ماذا تنتظرون به فبادروه ورعيته
لتظفروا بغفلته وامنا قال ذلك استعجال وخوفا ان أييت اجلواب من املشرق فتكون عليهم احلجة
ويفرتق عنه أهل الشغب وقد علم ان الصواب ما افىت به أوال مث رجع عن الصواب حني طمع
فيما طمع فيه ،وكان ابن فندين واصحابه يرتبصون الدوائر ابملسلمني ،ويتوقعون فرصة ينتهزوهنا
ويرتقبون من أهل املدينة غرة جيدوهنا ،واالمام كما ذكران قد قد أمر ابمساك السالح رعيته
واصحابه ،فهم على ذلك فلما كان ذات يوم خرج االمام لبعض حاجاته ،فبادر يزيد بن فندين
واصحابه املدينة ليدخلوها على حي غفلة من أهلها فقامت يف املدينة الصيحة فتبادر الناس من
كل مكان فخرج افلح بن االمام يف سالحه مبادرا فوجدهم على ابب املدينة ،وقد كادوا
يدخلوهنا ،فوقف افلح على الباب واثبت احدى رجليه يف صفات الباب ( )1حىت انسلخ جلد
قدمه إىل العرقوب وجعل يتقى بدرقته ،حىت مل جيد فيها حصنا يتقى به شيئا ،فرمى هبا ،فاقتلع
ابب املدينة فترتس به ،وعادة يتقى به الطعن ،والضرب ،فتكامل عنده أهل املدينة فوجدوا يزيد
بن فندين مقالبلة ،وعلى رأس ابن فندين بيضتان ،وضربه افلح ابلسيف فقد البيضتني والرأس
ونشب السيف يف عمود الباب ،فخر ابن فندين صريعا ،،فوجد افلح يف يده بعض الشدة حني
ضربه فظن ان صالبة يف رأس ابن فندمي ،فقال (ما اقوى رأسك اي بربري اي مشوم) وملا رءاه
اصحابه صريعاص ولوا منهزمني ،فقتل منهم مجاعة كثرية فكان عدد القتلى اثىن عشر ألفا فعثر
هبم
__________
( )1كذا يف األصل ،ويف نسخه يف صفات ابلباب
()54/1
-------------------------------------------------------------------
شؤمهم أول مرة يف هالك هذا العدد الكثري .وبلغنا ان دم قتالهم سالت على ابب املدينة
كالسيل لكثرهتم.
مث ان أهل املدينة اجتمعوا يف عدد وحاولوا أن يردوا الباب كما كان مل يستطيعوا ذلك ،فقالوا
ألفلح اردد ما نزعت فقال :ردوا علي غضيب آنفا اردده لكم ،مث إن اإلمام رمحه ال رجع إىل
املدينة فوجد على ابهبا املقتلة فهاله ما رأى بسأل عن ذلك فاخرب مبا كان من ابن فندين
واصحابه فامر جبمع القتلى فجمعوا ،وصلى عليهم رجاء للصلح وطلبا للعافية لعامة املسلمني مث
ان شعيبا ملا اهنزم القوم هرب إىل مدينة طرابلس ،فاظهر خمالفة االمام والرباءة منه واستقبل
احلجاج بذلك ،واتصل ذلك ابلربيع رمحه هللا ومبن ابملشرق من أهل الدعوة فربؤوا من شعيب
وابن فندين ن ومن قتل معه ،ومن سلك سبيله ،االمن اتب.
وكان الربيع يقول يف جمالسه :عبد الوهاب امامنا وتقينا وامام املسلمني ويظهر الرباءة ممن خالفه،
فقيل له :كيف تربأ من شعيب بغري حدث؟ فقال :أي حدث أعظم من خالفة لعبد الوهاب
وبراءته منه؟ مث ان بقية اصحاب ابن فندين الذين مل يصابوا يوم قتل عمرت صدورهم ضغائن
واحقادا فتنحوا انحية عن املدينة ،فاجتمعوا بكدية ،فسميت كدية النكار ،وجعلوا يفشون
اخلالف والفساد سرا وجهرا ،ويف كل ذلك مل يزل شرهم يعود عليهم ،وبعد ان أهلك هللا ابن
فندين واصحابه قدم الرسوالن ابجلاب من فقهاء املشرق مشتمال على ماتقدم ذكره م والية عبد
الوهاب واستحقاقه االمامه ،وختطئه ابن فندين واصحابه ،والرباءة منهم.
فزاد ذلك يقينا كل من شرح هللا صدره للطاعة ،ومحدا
()55/1
-------------------------------------------------------------------
هلل على ما وهب له من سالمة دينه ودنياه ،وثبوت عقائدهم على صحة يقينهم.
وبلغنا ان ميمون بن عبد الوهاب قتل ليال وقطع حلمه اراب اراب ،فلما اصبح وجده اهل املدينة
على تلك احلال فأويت به إىل االمام رمحه اله فنظر إليه االمام فقال :أي بين ،اجتمعت يف مصيبيت
فيك ثالث امثال للعامة ،احداما قوهلم فيمن مرت اخليل بكسائه ،والثانية قوهلم فيمن اصيب
بليل ،والثالثة قوهلم اذا مسست ابن السلطان فأمسسه مس عنيفا .مث جهز ابنه ودفنه ،ومل يدر
من قتله وذلك بعد مصاب ابن فندين واصحابه ورجوع اجلواب .مث ان ابنا مليمون خرج ساعيا،
فلما وصل إىل النكار اندوه اي ابن املهدور دمه ،فرجع إىل جده عبد الوهاب فاخربه اخلرب،
فجعل يبحث عن قاتله حىت حقق ان النكار قتلوه ،فاخرج اليهم عسكرا وامر عليه ابن ميمون
فأدركهم بعد أايم فألفاهم جمتمعني على اهبة ينتظرون .فصادفوه فقاتلهم فهزمهم هللا له ،وقتل
منهم عددا كثريا ،فقصر الناس عن احصاء عدد القتلى ،فقالوا :أي امساء القوم اقل عددا
فصححوا ان أقل امساءهم هارون ،فقالوا احسبوا كم قتيال امسه هارون ،فوجدهم ثالمثائة ،فما
ظنك بسوى هارون فاومن هللا قوهتم ورد كيدهم واذهلم.
وكان بيت الرستميني بيت العلوم وجامعا لفنوهنا ،من علم التفسري واحلديث ،والفرائض،
واالصول ،والفروع وعلم اللسان ،وعلم النجوم ،وقد حكي عن بعضهم انه قال :معاذ هللا ان
تكون عندان امة ال تعرف منزلة القمر ،وبلغنا ان عبد الوهاب بعث ألف دينار إىل اخوانه
ابلبصرة ليشرتوا له هبا كتبا ،فاقتضى نظرهم ان يشرتوها ورقا
()50/1
-------------------------------------------------------------------
وتطوعوا ابملداد واجرة النساخ واملفسرين ،حىت اكملوا ديواان عظيما فبعثوا به اليه فشق ()1
مجيع الديوان فقال احلمد هلل اذ ليس فيه مسألة عزبت عىن اال مسألتان ولو سئلت عنهما
الجبت قياسا على نظائراما ووافقت الصواب.
حماربة االمام عبد الوهاب رمحه هللا للواصلية
حدث غري واحد من اصحابنا ان االمام عبد الوهاب رمحه هللا ملا أوهن هللا على يديه كلمة
النكار واورثهم اخلزي والعار ،حترك الواصلية بعض احلركة ،وهم قوم من الرببر اكثرهم من زانتة،
وذلك ملا احسوا بوقوع التفرق وحاولوا ان ينتهزوا فرصة ،فبلغ االمام ذلك فاعذر اليهم مرة بعد
مرة ،وقد نشأ يف الواصلية شاب حدث السن شجاع ال يقوم له شيء ،وهو ابن امريهم ،وفيهم
رجل ينتحل املناظرة فتتكاتفت كلمة الواصلية ،واجتمعوا من كل أوب منحازين من اتهرت،
واكثرهم أهل البادية .فاظهروا خمالفة االمام رمحه هللا ،فاعذر اليهم ،مث خرج اليهم ،بعساكر كثرية
فقاتلهم مرة بعد مرة فكان الشاب الواصلي ال يدرك احدا اال قتلة ،وابوه حيرضه على القتال.
فلما رأى ما نزل به منهم ،وان حرهبم مقيم ،أرسل إىل أهل نفوسه ستمدهم طالبا منهم جيشا
جنيبا يكون فيهم رجل مناظر عامل بفنون الرد على املخالفني ،ورجل عالم بفنون التفاسري ،ورجل
شجاع ،يستعده ملبارزة الشاب الواصلي ،وملا وصلت رسل االمام رمحه هللا إىل جبل نفوسه
ائتمروا فيمن يرسلونه إىل االمام ،فاجتمعوا
__________
( )1كذا ابلنسخ ،لعله فشقق مجيع الديوان ،فيكون من شقق الكالم :اخرجه اسحن خمرج ،يف
احلديث( :تشقيق الكالم عليكم شديد)
()57/1
-------------------------------------------------------------------
على ان يبعثوا اربعة نفر احدهم مهدى الويغوي ،والثاين ايوب بن العباس ،والثالث ابن أينيس،
والرابع قيل امسه دمحم ابو دمحم ،وقيل ابو احلسن االبدالين رمحهم هللا ،فاستحضرهم عامل جبل
نفوسه فمال حضروا اعلمهم مبا كان من استمداد االمام ،واتفاق اجلماعة على توجيههم وامروهم
ان يتأهبوا للمسري.
فبلغنا ان النفر تساءلوا فيما بينهم فقال هلم مهدي اما اان فاكفيكم املناظرة ،وقال دمحم بن أينيس
واان تفسري القرآن ،قد اخذته عن الثقات ،واعتمدوا على أيوب يف املبارزة .وأخذ النفر يف اهبة
السفر فخرجوا من جبل نفوسة متوجهني إىل اتهرت ،فلما انفصلوا عن اجلبل رغب اليهم دمحم بن
أينيس يف ان يكون هلم خادما فأبوا عليه ،فاحل عليهم إىل أن اجابوا رغبته فجعلوا كلما رحلوا،
ساروا هنارهم اىل الليل ،فاذا نزلوا عمد دمحم بن أينيس إىل خيلهم فعلفها ،مث اخذ يف معاجلة
معيشتهم فإذا طعموا أو انموا اقبل على الصالة راكعا ساجدا إىل الفجر ،وكان صائما هناره
وقائما ليله ،فكان هذا دأبه ودأهبم ،فلما رأوا متاديه على ذلك شق عليهم ،واشفقوا عليه.
فرغبوا اليه ان يرفق بنفسه أو يدع عن بعض ما تكلفه يف سفره ،وينام ساعة من ليله ،فأىب،
فعزموا عليه ان يرتك ،واال نظروا يف خادم سواه ،فلما حتقق جدهم وخشي ان يعزلوه عما توىل
من خدمتهم .قال :قد اجبت ،على ان أتذنوا يل يف ركعتني ال غري ،فطابت انفسهم وأذنوا له يف
الركعتني فلما كان يف الليلة املقبلة وقد فرغ من خدمتهم قام ليأيت ابلركعتني فقرأ يف الركعة االوىل
نصف القرآن ،ويف الثانية النصف اآلخر ،فطلع عليه الفجر ،فلما كان من الغد
()58/1
-------------------------------------------------------------------
وعلم اصحابه مبا كان منه شق عليهم اشد مما كان قبل ،فرغبوا اليه يف ان يعودوا اىل احلالة
األوىل ،ورأوا ذلك ارفق به مما صار اليه.
وبلغنا اهنم انموا ذات ليلة فاستيقظ احدهم فرأى ابن أينيس قائما يصلي وكانت ليلة مطرية
شديدة الربد والريح فسمع لكساء بن أينيس صريرا اذا ضربته الريح ،فقال :ان كان ال يدخل
اجلنة اال من كان مثلك اي ابن أينيس فستستوحش فيها .بل هللا لطيف بعباده ورمحته واسعة.
وبلغنا ان االمام رمحه هللا ملا مسع خبروجهم من جبل نفوسه متوجهني اليه قال لعبيدة من بشرين
منكم بقدومهم فهو حر ،وكان العبيد اذا اصبح خرجوا من املدينة ينظرون ميينا ومشاال ،وكان احد
عبيد االمام أعرج ال يستطيع النهوض مع العبيد فكان يرقى سور املدينة فلما كان يوم قدومهم
أبصرهم العبيد الذين كانوا يف خارج املدينة ،فلما حتققوا ذلك ابدروا يتسابقون ليخربوا االمام
فلما رءاهم االعرج عن بعد ،عجل إىل االمام فبشره ،فخرج حرا فجاءه اصحابه فوجدوا االعرج
قد سبقهم ابلبشارة فقالوا (فاز هبا االعرج) فلما وصل النفر املدينة اخربوا االمام ابهنم اربعة
فساءه ذلك ،وكان ينتظر قدوم عسكر كبري فلما دخلوا على االمام رمحه هللا ،سأهلم عن احواهلم
وعن قدومهم يف اربعة نفر دون عسكر .فاخربه كل واحد منهم مبا تكفل به ،واعلمه اهنم مبعونة
هللا عز وجل ومساعدة األمام يقومون مقام العسكر .فامر االمام رمحه هللا ابنزاهلم يف دار
الضيافة ،فاقاموا يف أبر حال.
وبلغنا ان االمام اجل قبل ذلك الواصلية أجال ،قبل قدوم النفوسيني ،فلما قدموا قال هلم :أتهبوا
للخروج
()59/1
-------------------------------------------------------------------
قالوا له :دعنا حىت نسرتيح وتسرتيح دوابنا فقد اساءها السفر ،فأسعفهم ،وملا جرى ذكر املناظرة
بينهم وبني االمام واعلمهم مهدى انه يكفيهم املناظرة قال هلم االمام :انه جرى بيين وبني
الواصلي املنتحل املناظرة كالم ،اريد ان اعرضه عليك فقال :افعل اي امري املؤمنني ،فجعل االمام
يعرض عليه ما وقع بينهما من مناظرة ،ويذكر سؤال كل واحد منهما ،وجواب اآلخر فكلما وجد
من كالم الواصلي حيدة ،قال :اي امري املؤمنني زاغ يف احلجة ،وزاغ عن احلجة ،حىت اطلع االمام
رمحه هللا على مجيع ما لبس فيه املعتزىل ،ومواضع حيداته ،فوثق ابن مهداي سيظفر ابملعتزيل.
وبلغنا ان مهداي ملا صار بتاهرت – جعل – يغيب عن اصحابه اايما ال يدرون له مستقرا ،حىت
ساءت ظنوهنم ،فلما كان ذات ليلة قدم عليهم ،فقالوا له :قد استبطأانك ففيم كان مغيبك؟
فقال هلم :اىن قد رددت اىل مذهب احلق سبعني عاملا من أهل اخلالف.
مث ان االمام بعث إىل رئيس املعتزلة ابنه سيخرج اليهم يف يوم كذا ،فلما كان ذلك اليوم وقد
ساءت ظنون املعتزلة وامتألت قلوهبم رعبا يتوقعون ما سيجلى هلم من أمر نفوسة فكانوا يف غم
شديد ،فامر االمام رعيته ابخلروج اىل الواصلية واحلضور ملناظرة مهدى للمعتزلة.
فقال له ايوب بن العباس اي امري املؤمنني خبيل نركبها ،فامر االمام رمحه هللا ايوب بدخول دار
الدواب فدخل االصطبل فجعل كلما رأى فرسا حسن الصورة ،أخذ بناصيته وجذبه فال تثبت
حوافره على األرض يكاد يسقط على رأسه ،حىت أتى على آخرها
()06/1
-------------------------------------------------------------------
فلم يعجبه منها شيء فقال ايوب لالمام امجع ( )1فرسي فان تعبه علي احسن إىل من غريه،
فامر االمام بفرسه فاحضر ،فلما جذبه كما فعل بكل فرس اجتذبه قبل ومل ايل جهدا يف جبذه
فاقنع الفرس برأسه يف اهلواء طاحما ،ومل تزل له حوافر مثبتة يف موضعها ،مث ردد النظر يف الفرس
فوجد به احلفاء ،فامر ابحراق الرمل حىت محي ،وفرش ،وأمر عليه فرسه يطأ ذلك الرمل حبوافره،
ففعل به ذلك ثالثة اايم ،فبعد ذلك امر الناس ابخلروج ،فخرجوا والتقى العسكران والناس
ينظرون اىل ايوب ،فيتعجبون مبا يسمعون عنه من اشجاعة ،وانه ال يلقى شجاعا اال قتله ،فاعذر
االمام اىل املعتزلة ودعاهم اىل ترك ما به ضلوا ،فأبوا اال املناصبة وسألوا املناظرة ،وقد صفت
الصفوف فخرج مهدى حملمد بن أينيس أخرج اليه فناظرة ،فقال له ابن اينيس رمحه هللا :بل
اخرج اليه انت ،ولست ابعلم منا ،ولكن اخشى ان يعقدين العرق الذي من قبل ذلك امسلته
نفسه فارسل إىل مهدى يف خفية من اصحابه :ان اان انظرتك فظفرت يب سرتت علي ،وان
ظفرت بك سرتت عليك ،فليس منا احد يدري ملن يكون الظفر .فارسل مهدى إىل اصحابه ان
عالمة ظفري ابملعتزيل ان أنزع القلنسوة عن رأسي ،واضعها حتت ركبيت ،مث تناظرا فجرت بينهما
وجوه من املناظرة والناس يعلمون ما يقولون ،فلم يظفر احد بصاحبه ،مث دخال يف مناظرات مل
يفقهها
__________
( )1يف نسخة القطب امجع على فرسي
()01/1
-------------------------------------------------------------------
احد غري االمام ،مث دخال يف وجه مل يفقهها أحد وال االمام ،فما كان ابوشك من ان ظفر به
مهدى والقى القلنسوة ،فكرب اصحاب مهدى لعلمهم بظفره ابملعتزيل ،فلما رأى املعتزيل ذلك
قال غدرت اي مهدى.
وافرتقا عن جملس املناظرة ن وقد اظفر هللا مهداي ،ونصر حجة أهل احلق وهلل احلمد .مث خرج
الفىت املشهور ابلشجاعة يطلب املبارزة ،فأخذ ايوب بن العباس يف اهبة اخلروج اليه فجبنذ فرسه
حىت استوى بني الصفني واراد ركوبه حبيث يراه كال الفريقني ،فتجاهل يف ركوبه ،فضحك منه
عامة الفريقني وازدروه ،فقال هلم ابو الفىت الواصلي اآلن جاء من يقتل ولدي ،افال ترون ان
فرسه ملا ركبه ادىل واسرتسل ،وال يفعل الفرس ذلك اال حتت الفارس احلاذق املمارس ،فخرج
ايوب اىل لفىت فبارزه فتطاردا قليال ،،وتضاراب حينا ،فحمل عليه ايوب فضربه وقتله ،وذكر بعض
أصحابنا اه شكه ابلرمح واحتمله كاجلرادة ،فلما رات املعتزلة رئيسها وفارسها صريعا ،ولوا
منهزمني بعد ما محى الوطيس وقتل الرئيس واستنجر القتل يف املعتزلة وكان أفلح بن عبد الوهاب
يضرب انحية وايوب يضرب انحية أخرى ،وكان سيف ايوب بن العباس ليس له اال حد واحد،
وقيل ان ذلك اذا عىي محله على عاتقه ،فلما امعن اهل العسكر يف قتل الواصلية ودخوهم،
وضعت احلرب اوزارها ،ومل يكن بقى من املعتزلة إال اليسري وصار املسلمون يعدوهنم من قتلة
أفلح من قتله أيوب فوجدوا احداما يزيد على اآلخر واحدا ،قيل وصاحب الزايدة هو افلح،
وذكر بعض اصحابنا ان قتلى افلح اربعمائة .وملا أوهن هللا املعتزلة ،وهنزموا وعسكر االمام ي
سافلتهم ،بلغنا ان ايوب بن العباس رأى شخصا
()02/1
-------------------------------------------------------------------
قائما كهيئة ارجل ىف حومة القتال ،فخاله رجال فضربه ابلسيف فأحس شدة ،فلما رجع قال
الصحابه :اىن ضربت شيئا فيه ومل ادر ما هو فتصفحوا القتلى فوجدوه عمودا قائما ،فلمسوه
أبيدهم ،فسقط منفصال من املوضع الذى أصابته ضربة ايوب.
مث بعد ذلك بزمان أرسلت املعتزلة إىل أيوب بن العباس ابن أيتيهم بعد فعله االفاعيل فيهم ،فعزم
على املسري إليهم فمنعه أصحابه فأىب إال املسري فحذروره الغدر ،فلم يعبا هبم ،فسار أيوب حىت
وصل بعض احيائهم ،فتيممه فإذا برجال من احي ينتظرون املامه هبم ،فانزلوه يف خص ورحبوا به
فلما جن الليل قدموا له العشاء وهي جفنة طعام عليها شاة ووطب من لنب ،قال أسند ظهره إى
دعامة اخلص وجعل يتلو القرآن ،حى طلع الفجر ،فصلى الصبح بوضوء العشاء ،فلما طلعت
عليه الشمس ،أمرهم ابن يقدموا فرسة ،فقدموه وهم عازمون على غدره فلما ركب فرسه تكلم
متكلمهم فقال :اي ايوب ان فتيان احلي راغبون يف أن تالعبهم على فرسك ،فقال ايوب ال ،مث
ان فتيان احلى ركبوا خيلهم ،فتناولوا قضباان يرتامون هبا ،وفيهم رجل شجاع قد تكفل هلم بغدر
ايوب فالعبهم ايوب قليال ،ومل يشعر اال والرجل خلفه قد ش عليه ابلرمح ،فتغافل عنه ايوب
حني علم به ،فلما اراد أن يضربه اتقى ايوب ضربته ،وشد عليه اويوب فقتله فحمل على
اصحابه فقتل منهم مثانية ،مث محل أخرى فقتل مثانية أخرى ،فصاح ايوب بنساء احلي هلى
يكفيكن ،أو ازيدكن؟ فقلن :قد اكتفينا ،قال فتوجه ايوب فمر بواد فوجد فيه
()03/1
-------------------------------------------------------------------
اسدا ولبوة وأشباهلما ،فشد عليها ابلسيف فقطع ارجلهما فرتكهما يزحفان ،واجتاز حبى من
احياء الرببر ،فقال اي أهل احلى من اراد منكم اللحم املكروه فليقصد الوادى عند السدرة فابتدر
احلى إىل الوادى فوجدوا االسد واللبوة وأشباهلما فطفق القوم أيكلون.
وذكر بعض اصحابنا ان مهداي كان رجال ورعا زاهدا يف الدنيا طالبا لآلخرة ،وكان له أخ أو ابن
خالة طالبا للالخرة من غري أعراض عن خطة من الدنيا فاختصما يوما بتاهرت إىل االمام ،فقال،
مهدى :اي امري املؤمنني ان هذا أخي قد شغلته دنيا حىت كاد يضر آبخرته ،فقال اآلخر :ان هذا
اخى قد شغله رفض دنياه حىت كاد يضر آبخرته ن فاعرض عنهما ودعا هلما خبري.
وملا توجه االمام رمحه هللا اىل جبل نفوسة اصابه مطر بني منازل نفوسة وهو مرحتل ،فقصد دار
مهدى فوجدها دار عابد زاهد ليست له رغبة يف الدنيا ،فلم جيد هبا ما يقى عن نفسه القطر،
فرغب اليه ابن خالته الذي له حظ من الدنيا وسأله انتقال اإلمام ومن معه اىل داره ،واعمله ان
ذلك ارفق ابالمام ملا هو فيه من اليسار ،واخف عن مهدى ملا علمه فيه من االقتار ،فاجابه
سؤاله ،فخرجوا اىل دار ابن خال مهدى ،ومهدى معه ،فلما دخلوا داره وجدوها دار ذي نعمة
وبسطة ،وسعة رزق ،فخلع على كل واحد منهم ثيااب جديدة مل يصبها مطر ،وفرش فرشا وثرية
واحضر أطعمة حفيلة وأظهر هلم من صنوف الرب ما استحسنه االمام غاية االستحسان ن حىت
استدعى منه ان
()04/1
-------------------------------------------------------------------
قال ملدى :اآلن خضمك ابن خالتك ( )1فيما اختصمتما ،وابن ان حجته قامت على حجتك.
وبلغنا ان مهداي خطب امرأة جببل نفوسة فاستشارت يف أمره شيخا من املشائخ .فقال هلا :ان
مهداي رجل له رغبة يف اآلخرة وزهد يف الدنيا واجتهاد يف الصالح وله أرض كرمية حمثوت هلا سد
فوق سد ،قد اهندمت سدودها وخربت رها ،ومل تدعه نفسه اىل اصالح شيء منها ،وال يستطيع
اصالحها العدد القليل من الناس ،واراد ان يتزوجك ،فال تصلح جسوره اال برتاب تنقليه على
رأسك فزادها ذلك رغبة فيه ويف صالحية وتزوجها مهدى ،وهي تنقل الرتاب على رأسها
الصالح اجلسور ،فذكرها الشيخ فيما اعملها من قبل به ،فحمدت هللا على ما اعطاها من
خدمة ويل من أوليائه .قال اشيخ ابو العباس وامنا ساق الشيخ رمحه هللا هذا اخلرب قبله ليعلمك
مبراتب الرجال وما حووا من درجات الكمال ،وهم مع نذلك ال يعتورهم كرب وال استنكاف ،بل
قد سلكوا سبيل من درج من اخيار االسالف ،فاهلل ينفعنا بربكتهم امجعني.
نزول االمام عبد الوهاب رمحة هللا على مدينة طرابلس
حدث غري واحد من اصحابنا ان االمام رمحه هللا أراد املسري اىل احلج فاخذ يف اهبة السفر ،مث
سار متوجها ،فلما وصل اىل جبال دمرا استعمل عليها رجال من أهلها
__________
( )1أي غلبك يف اخلصام
()05/1
-------------------------------------------------------------------
يقال له فزار ،مث توجه إىل جبل نفوسه ،فاجتمعت عليه مجوع نفوسه فاخربهم مبا عزم عليه من
تيممه احلج .فقالوا اي امري املؤمنني ان رايت املقا م فعلت ،فاان خنشى عليك من املسودة (،)1
فاهنم ان علموا مبسريك عن بالدك وتوجهك اىل بالدهم مل تسلم من افة تصيبك منهم ،من قتل،
او سجن ،او نكال .وقد تعني عليك القيام أبمور املسلمني ،والنظر فيما جيمع كلمتهم ،ويصلح
شأهنم فاقامتك فيهم آكد وواجب .فقد علمت انك لو غبت عنهم لضاعت احلقوق وتفرقت
الكلمة ،قال فأرسل االمام رمحه هللا إىل اخوانه ابملشرق وكان املقدم يف ذلك العصر يف العلم
والورع والفضل أاب الربيع بن حبيب ،رمحه هللا وابن عباد املصري ،فلما وصلهم الرسل والقوا
اليهما من القول ما دار بني االمام وبني مجاعة نفوسة ،واخربواما ان االمام يستفتيهما مستضيئا
علما من نوراما ،مع ما وهب هللا له من العلم ،معتمدا ان فتيا غريه يف انزلة خمتصة به أوىل،
واهنى للنفس عناهلوى .فاجابه الربيع ابن من كان مثلك يف العناية أبمور املسلمني وحمل امانتهم
وخاف على نفسه من أهل اجلور والبغي ،فينبغي له ان يستأجر من حيج عنه وهو حي .واجاب
ابن عباد ابن من كان على هذه الصفة فليس عليه حج ،الن امان الطريق من الشروط اليت هي
مشرتطة يف وجوب احلج .فمكث االمام رمحه هللا ينتظر رسله ،فلما قدمت الرسل ابجلوابني أخذ
جبواب الربيع وارسل من حيج عنه.
وأقام جببل نفوسة يف تلك احلالة سبعة أعوام يستدرجهم يف تعليم مسائل الصالة ،وانفصل عنه
فيما ذكر
__________
( )1لقب العباسيني.
()00/1
-------------------------------------------------------------------
قبل تكميلها .قال ابو العباس امحد بن الشيخ ايب عثمان سعيد ،وذلك الن نوازل مسائل
الصالة كثرية ،وهي أول ما حيافظ عليه ،وقد قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص(( :أول ما حياسب به العبد
الصالة)).
قال وكان االمام رمحه هللا ملا صرف الرسل اىل املشرق مجع مجوعا كثرية وعسكرا ونزل على
مدينة طرابلس حماصرا هلا وحماوال دخوهلا يف الطاعة ،واملصري إىل ما عليه أهل احلق ،فحاصرها
اشد احلصار ،مث رأى له الصواب يف االرحتال عنها فإرحتل عنها.
االفرتاق الثاين يف االابضية
حدث مجاعة من اصحابنا ان االمام رمحه هللا ملا اراد التوجه اىل اتهرت اجتمعت مجوع أهل بالد
طرابلس ،فسألوا واليا يوليه عليهم ،وأراد ان يوىل عليهم بعض وزرائه فلم يوافق ذلك مرادهم،
ورغبوا يف ان يوىل عليهم وزيره السمح ابن عبد االعلى رمحه هللا ،ملا رأوا حمبة اإلمام فيه ،وحسن
ظنه مع كونه ابن إمامهم .فلما علم اإلمام عبد الوهاب رمحه هللا إن رغبتهم يف السمح ،اذ ال
يقوم مقامه يف نصيحة وعناية وحسن حمبة احد ،مث قال هلم ومع هذا فاىن أو ثركم به على نفسي،
فاستعمله عليهم وارحتل إىل اتهرت.
فلما وىل السمح على حيز طرابلس احسن فيهم السرية ،وعدل يف احكامه ،فصلحت أحواهلم
فلم يزل مقرا إبمامة عبد الوهاب وانصحا له يف رعيته حىت حضرته الوفاة ،وقد كانت عماله على
نواحي طرابلس
()07/1
-------------------------------------------------------------------
سالكني مسلكه ،يف حسن السرية ،فاجتمع اليه اصحابه فقالوا له :اوصنا وأمران أبمرك ،فاان
مطيعوك يف احلياة وبعد املمات ،فانك مل اتل بيننا رشدا جزاك هللا عن رعيتك وعن االسالم خريا.
فقال هلم السمح رمحه هللا أوصيكم ونفسى بتقوى هللا ،والعمل مبا أمركم به ،واالنتهاء عما هناكم
عنه ،وطاعة امامكم عبد الوهاب وأتييده ما دام على احلق الذي عليه سلفه ،وجهاد من خالفه،
فبذلك تستقيم احوالكم ،وينتظر مشلكم ،ويتم خري دينكم ودنياكم .وتويف رمحه هللا ،فلما تويف
عظم مصابه وبلغ يف الناس فقده مبلغا عظيما.
وخلف ولدا امسه (خلف) فلشدة حمبة الناس يف السمح وعظم منزلته فيهم أحسنت العامة الظن
(خبلف) وأراد من ليست له بصرية يف الدين وال نظر يف العواقب توليته عليهم ،فقال أهل
البصائر :ال ينبغي لكم ان تفتاتوا على امامكم يف شيء مما قلده هللا من أموركم ،وواله من صاحل
مجهوركم ،فقال ذوو العقول القاصرة :اما ان فعلنا ذلك رجوان ان يكون وفق ارادة امامنا ،وقال
فريق منهم :نوليه على انفسنا ريثما يصل من االمام أمر نقف عنده ،فان اثبته اثبتناه ،وان عزله
عزلناه .فأىب ذلك كله أهل الصالح كاىب منيف امساعيل بن درار الغدامسى واىب احلسن ايوب،
وامثاهلما .فغلبت العامة وولوه من غري اذن االمام ،وال رضى من أهل الصالح فولوه على
انفسهم .وكاتبوا االمام مبوت عامله ،واقامتهم ولده مقامه ،على انه ان اجاز اجازوه واال عزلوه.
فلما وقف على ما خاطبوه جاوهبم مبا نصه:
()08/1
-------------------------------------------------------------------
بسمميحرلا نمحرلا هللا
وصلى هللا على سيدان دمحم وآله وصحبه
" أما بعد فاىن آمركم بتقوى هللا تعاىل ،واالتباع مبا آمركم به ،واالنتهاء عما هناكم عنه ،والذي
كتبتموين به من وفاة السمح وتولية بعض الناس خلفا ،خلفا منهم ورد أهل اخلري ذلك ،فان
موىل خلفا بغري اذن امامه قد أخطأ سرية املسلمني ،ومن اىب توليته فقد اصاب ،فاذا ااتكم كتايب
هذا فلريجع كل عامل استعمله السمح اىل عمله الذي ويل عليه ،االخلف بن السمح ،فحىت
أيتيه أمرى وتوبوا اىل ربكم لعلكم تفلحون "
فلما وصل جواب االمام أهل بالد طرابلس مبا تضمنه من رد العمال اىل اعماهلم ،وختطئة من وىل
خلفا ،وتصويب من توقف عن توليته ،قلقوا فكتبوا اىل االمام يراجعونه يف أمر خلف ،ويسألونه
ان جييز توليتهم اايه .فجاوب رمحه هللا بكتابني احداما اىل اجلماعة ،واآلخر أفراد به خلفا،
يعلمهم ان ذلك ال يسعه من قبل هللا تعاىل ،وانه ال سبيل اىل بقائه على عمل .مث اقتضى نظر
االمام رمحه هللا ان يوجه امناء من قبله اىل جهة طرابلس خمتربين الحواهلا ،وعلم ( )1اليهم بتولية
خلف على جهات طرابلس ان وجدوه قد اعتزل واطاع هللا ،وامر التقدمة .وان هم وجدوه مصرا
على اخلالف انبذا امر االمام وراءه ظهراي ،رفضوه .حىت حيكم هللا فيه وهو خري احلاكمني.
قال فوصل امناء االمام فوجدوا خلفا يف عتوه واستنكاره ،فدفعوا له كتااب
__________
( )1يريد عهد اليهم وأمرهم
()09/1
-------------------------------------------------------------------
ابالعتزال ،فاىب .وشايعه على ذلك اصحابه الذين ولوه واهنم ملا وصل كتاب االمام بتخطئتهم
كتبوا اىل اىب سفيان حمبوب بن الرحيل كتاب االمام بتخطئتهم كتبوا اىل اىب سفيان حمبوب بن
الرحيل كتااب وجهوه اليه ابملشرق ،وهو اذاك رأس مجاعة أهل الدعوة هنالك ،واملقدم عليهم بعد
انقراض طبقة الربيع ومعاصريه ،رافعني اليه ماصدر عن االمام فيهم ،وقدروا ما هم عليه من
اصابتهم بزعمهم ،وحسنوا تولية خلف ورجوا ان يكون منه جواب يوافق نظرهم الفاسد،
فوصلهم جوابه رمحه هللا بتخطئتهم وتصويب من امتنع عن توليته ،وتوجيب طاعة امامهم.
فلما وصلهم جواب حمبوب مبا خالف مواقفهم نبذوه واخذوا يف مسلك طرق الضالل ،حىت
اعلنوا بنبذ امامة عبد الوهاب وقالوا ما هو لنا ابمام ،وامنا امامنا خلف ،اذ هو يف حوزتنا،
واحلافظ جلماعتنا ،واجلامع لكلمتنا .واما عبد الوهاب فانه يف حوزة غري حوزتنا ،وغري أهل
جلماعتنا ،فربأ منهم أهل الدعوة وليس بيننا وبينهم خالف اال يف مسألة االقرار ابمامة عبد
الوهاب.
استعمال أبو عبيدة عبد احلميد اجلناوىن رمحة هللا وحماربته خلف بن السمح
ذكر مجاعة من اصحابنا ان عامل االمام عبد الوهاب رمحه هللا ابو احلسن ايوب ادركته منيته
فكتبت نفسة ومن حوهلم من بالد طرابلس اىل االمام ،خيربونه ويستدعون منه استعمال عامل،
فكاتبهم ابن يعلموه برجل يرضى العماهلم وتتفق عليه كلمة أهل الفضل منهم ،فسموه له،
فكاتبوه ابتفاق كلمتهم على اىب عبيدة عبد
()76/1
-------------------------------------------------------------------
احلميد اجلناوين ،فكتب بتوليته على اعماهلم والنظر يف امورهم ،وال علم له مبا أرادوه .ونفذ به
امر اإلمام فاجتمعت مجوع أهل بالد طرابلس من نفوسة وغريهم على أيب عبيدة ليسمعوا منه
ويطيعوا ،فلما قرأ كتاب االمام تنصل من الوالية وقال :اان ضعيف قاهلا مرارا فكتب الىالمام
متنصال ومقرا ابلعجز والضعف فلم يقبل منه االمام عذرا فكتب اليه ابالقامة على ما واله من
القيام على أمور املسلمني.
وكتب فيما كتب به اليه (ان كنت ضعيفا يف املال فبيت مال املسلمني تقويك ،وان كنت ضعيف
البدن فاحلق يقويك وان كنت ضعيفا يف العلم فعليك ابىب زكرايء الاللويت فاستعن به فيما
يستقبل من امورك) .فاجتمعت عليه أيضا اجلموع فقال هلم انتظروين ،فغاب عنهم ما يدرون ما
حياول فسار اىل عجوز نفوسية مشهورة ابلعلم والدين والصالح ،فاستشارها يف حتمل ما تقلد أو
الفرار ،فقالت له هلتعلم يف بالدك من أهل زمانك أقوم منك مبا كلفت له هل تعلم يف بالدك من
أهل زمانك أقوم منك مبا كلفت به واحق بتقليد ما تقلدت؟ قال :اما يف امور الرجال فال ،قالت
فادخل اذا فيما قلدك االمام ،واال فاىن اخشى ان هتشم عظامك يف انر جهنم ،فقد قامت
عليك احلجة ،فرجع اليهم وتقلد ما قلده من أ/ورهم فكانت مجاعة نفوسة يذكرون فضلها،
ويعرتفون هبا.
فلما وىل عبد احلميد احسن السرية وقام حبقوق هللا عز وجل وعمل بطاعته .فلما مسع خلف بن
السمح بتولية االمام عبد احلميد بلغ ذلك منه مبلغا عظيما ،واستكرب ،واستخف اشياعه من
الضالل فأطاعوه ،وجعل يشن الغارات على رعية عبد احلميد ،ويدس اللصوص ،فوجه اليه
()71/1
-------------------------------------------------------------------
أبو عبيدة احلميد أيمره ابلكف عن الرعية ،فلم يكف ،فكتب أبو عبيدة اىل االمام خيربه مبا نزل
ابلرعية فكتب اليه االمام ان يعامله ابملالطفة واملالينة ما استطاع ،لعله يتذكر أو خيشى ،فقال
له :ان مل جتد بدا من املدافعة فمدافع عن الرعية .فمكث يالطفة حينا اىل ان ورد عليه اخلرب
بوفاة االمام رمحه هللا.
امامة افلح بن عبد الوهاب رمحه هللا
وملا تويف عبد الوهاب تداىن العدو من اتهرت طمعا يف االستيالء عليها ،ورجوا الظفر هبا وابهلها
ملا ظنوه من عجزهم عن املدافعة ،اذا اضحوا بال امام ،فابتدر مجاعة أهل الدعوة ،فبايعوا افلح
بن عبد الوهاب ،فعقدوا له االمامة فكان ميمون النقيبة ،فسكن هللا به البالد ووقية من الفساد.
وما بلغ ااب عبيدة موت االمام وتولية ابنه افلح االمامة ،كتب ابو عبيدة اىل افلح يستشريه يف امر
اخلبيث بن الطيب ويستأذنه الدفاع ،فكتب اليه مبثل ما كتب به ابوه رمحه هللا.
فلما بلغ خلفا وفاة االمام وتولية افلح انف واستكرب ومل يقر ابمامته ،وال دان بطاعته ،واحناز مبن
معه اىل موضع يقال له (تيمىت) فسلط اشياعه على الطعام ،وشن الغارات على رعااي االمام،
واستباح االموال ،واخرب الداير ،وقتل الرجال ،حىت قتل عدة من اصحابه ،حيسب اهنم من
رعية ايب عبيدة عبد احلميد ،مث عظمت صولته واشتدت شوكته حىت استمال كثريا من الناس
فمالوا اليه ،واكثر ميلهم خصب جانب خلف ،وجذب حيز ايب عبيدة،
()72/1
-------------------------------------------------------------------
فكانوا معه طلبا ملعاشهم ورغبة يف الدنيا وكانوا معه على رأيه وبدعته.
وملا رأى قلة اصحاب ايب عبيدة وكثرة من معه من الضالل سولت له نفسه اخلبيث انتهاز
الفرصة ومبادرة ايب عبيدة واصحابه ليستأصل شافتهم ،فجمع عساكره وتيمم أاب عبيدة فلما مسع
به أبو عبيدة أمر اصحابه ابخلروج فخرجوا .فعسكر ببعد من اجلبل وملا تداىن العسكران بعث
خلف رعيال من خيله حنو أربعمائه فارس ،فهم اصحاب عبد احلميد أبن خيرجوا إىل حماربتهم
فمنهم عبد احلميد من ذلك رقواب ما عند االمام ،وطلبا للسالمة ،فقصدت اخليل قرية يقال هلا "
ويدوف " من رعيته عبد احلميد ،فانتهبوا ما امكنهم من االموال وقتلوا ما قدروا عليه من الرجال
وكان أكثر اخليل أخذه خلف واهل بيته ومواليه ومماليكه.
فلما حتقق عبد احلميد بغيهم ومل جيد بدا من قتاهلم امر أصحابه بقتاهلم .فالتقوا واهنزمت خيل
خلف وقتل منهم عدد كثري .فاراد أصحاب عبد احلميد أتباعهم فناهم عن ذلك .واحسن السرية
وملا رأى خلف ما أصاب اصحابه من اهلزمية والتقل ،كر راجعا إىل املوضوع الذي منه خرج وهو
موضع يقال له تيمىت فأقام به ،ورجع عبد احلميد إىل موضعه وأمر أصحابه ابلرجوع إىل
مواضعهم ،وظن ان القوم ال يريدون بعد ذلك ابسا ن مث أرسل إىل خلف أذا ما فعلت فكن يف
حيزك ،واكون يف حيزى ،وضع احلرب فأىب خلف إال احملاربة وجعل يشن الغارات على رعية عبد
احلميد ،وسلط عليها من يسومها أنواع العذاب ال أيلوا فسادا وقتال يف االموال ،واالنفس ،مث أن
خلفا أزدهى بكثرة من اجتمع له العدد ،فأمر أبو عبيده
()73/1
-------------------------------------------------------------------
اصحابه ابخلروج ،فخرجوا وهم يف عدد قليل ،ولكنهم أهل بصائر ميوتون على ما ابيديهم من
احلق .ال أيسفون على ما فاهتم من دنياهم وال يعدون زايدا اال تقوى هبم ،وال مطلبا اال ما
يقدمونه ألخراهم.
وقد اختلف يف عددهم فقيل سبعمائة وقيل عدد اصحاب بدر ثالمثاءة وثالثة عشر ،فاقبل