خيول الظلام .pdf
À propos / Télécharger Aperçu
Nom original: خيول الظلام.pdf
Titre: خيول الظلام
Auteur: علي الصراف
Ce document au format PDF 1.4 a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 21/11/2018 à 14:03, depuis l'adresse IP 102.159.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 822 fois.
Taille du document: 3.1 Mo (222 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
علي الصراف
كN - ----
سم
.
.
.
-.
خيول الظلامم
قطر والإخوان
والشرق الأوسط الجديد
(الطبعة الثانية)
وي)
قطر والإخوان والشرق الأوسط الجديد
علي الصراف
2
و»
و»
خيول ooاللاظعلا
قطر والإخوان والشرق
الأوسط الجديد
علي الصراف
(الطبعة الثانية)
إصدارات إي-كتب ،لندن 2017
3
DarkneSS Horses
Author: Ali Alsarraf
Copyright: The author
Published by: E-Kutub Ltd
& Distribution: Amazon, Google Books, Play Store
e-kutub.com
ISBN : 9781780581347
ملا
بد من مد يد
الطبعة الثانية ،لندن ،حزيران-يونيو 2017
تأليف :علي الصراف
،شركة بريطانية مسجلة في انجلترا برقم7513024 :
E-kutub
الناشرdtL :
موزعون :أمازون ،غوغل بوكس ،بلاي ستور ،إي-كتب
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف.
لا تجوز إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب إلكترونيا أو على ورق .كما لا
يجوز الاقتباس من دون الإشارة الى المصدر.
أي محاولة للنسخ أو إعادة النشر تعرض صاحبها الى المسؤولية القانونية.
إذا عثرت على نسخة عبر أي وسيلة أخرى غير موقع الناشر (إي -كتب) أو
غوغل بوكس ،أو بلاي ستور ،أو أمازون ،نرجو اشعارنا بوجود نسخة غير
مشروعة بالكتابة الينا:
ekutub.info@gmail.com
يمكنك الكتابة الى المؤلف على العنوان التالي:
alialsarraf@hotmail.com
لا يهدف هذا الكتاب الى المس بحصانة أمير أو وزير
ولا ينظر اليها إلا بعين الخير والأمل
ولكنه نقد لإنقياد أعمى وراء خيارات ظالمة
إنه "كلمة حق عند ذي سلطان جائر"
ونأمل أن يُصغى اليها
تلرسرات
م منا
بيته ،ب
يعنيه تدار
ل "ذي.ن
لأبناء اهل اذي
هه
.
حاددلو
هو
ا ترب ابا
بما اكتسب
ه من
تنمية.
كتسبو
ثقافة و علم.
المحتويات
-مقدمة الطبعة
الثانية 9 ..........................................
-مدخل 15 ..........................................................
الفصل :لوألا مقدمات الوهم والخطيئة
-قطر والنفاق والإسلام السياسي
19 .......................
-الدور والقوة بالمال
-قناة الجزيرة ،منبر الفوضى
الاستثمار القطري في الخارج :قصة إفلاسالفصل :ىناثلا خيارات الشر
47 ...................................
نبع الجريمة وشوكة الشيطان "كلا انه ليس بمسلم" الديمقراطية والعنف -صناعة التعصب
"نهاية التاريخ" والانسان الطائفي الأخير الإسلام السياسي ،حزب بلا دين نموذج الإخواني الجديد -شخصنة الحرب فى سوريا ،ماذا تعنى؟
الفصل :ثلاثلا الشرق الاوسط الجديد
133 ...................... .
أفكار الجريمة" -حدود الدم" :استراتيجية التفتيت والتمزيق
-تغيير الهويات :مشروع لتحطيم أمة
ما حصل في يونيو -أمريكا الغبية
الفصل :عبارلا الخيارات الضائعة
-الخير الذي لا جدال فيه
173 ...........................
-لن تأخذ منها أكثر من قطعة قماش
أن تكون مسلما بين المسلمين ماذا يعني أن تعمل لحساب غيرك؟خاتمة 199 .........................................................
ملاحق
203 ........................................................
8
مقدمة الطبعة الثانية
لم يتبدل الكثير بين عامي صدور الطبعة الأولى (،)4102
وصدور هذه الطبعة ( ،)7102سوى أن صوت "جماعة الإخوان
المسلمين" قد خفت قليلا ،ليوحي بنوع من "الإنحناء المؤقت أمام
العاصفة" ،وهذا ليس بجديد .بينما عمدت قطر الى أن تمتثل الى
مطالب الأشقاء الخليجيين الذين أعتبروا "الجماعة" تنظيما
إرهابيا ،كما عمدت الى الحد من دعمها المكشوف لهم ،وأن توفر
ضمانات تحول دون أن ينقلب نشاطهم الى تحد أمني .وذلك رغم
أنها بقيت توفر ملاذا آمنا لبعض قياداتهم.
ومن الصحيح تماما القول إن تولي الأمير الشاب تميم بن حمد
آل خليفة زمام المسؤولية قد رسم أفقا جديدا للعلاقات بين الدوحة
والرياض وباقي العواصم الخليجية ،وكان ذلك تعبيرا عن حرص
نزيه على التخلي عن استراتيجية الهدم الشامل ،التي تبنتها قطر،
على الأقل في محيطها الخليجي ،إلا أن العنصر الأهم في تلك
الاستراتيجية لم يتغير.
القناعة بأن هناك شيء يدعى "إسلام سياسي" معتدل ،ظلت
كما هي .وهذه مجرد خرافة مطلقة.
كما ظلت جماعة الإخوان تمثل من وجهة النظر الرسمية
القطرية ذلك "الإعتدال" الخرافي الذي يتعين حمايته وإتاحة
الفرصة له ،لكيلا يتم الدفع به الى صفوف الإرهاب ،والنظر اليه
كبديل سياسي قابل للتطويع.
الإيمان بالخرافات أمر مكلف عادة .ولقد ثبت على مدار
الوقت ،أن "الإسلام السياسي" (بمعنى الجماعات التي تتخذ من
الإسلام ستارا لممارسة السياسة) ،لا يمكنه أن يكون معتدلا.
أولا ،لأنه تكفيري بطبيعته.
وثانيا ،لأن إعتداله المزعوم لم يتأسس على قبول الآخر ،ولا
على قيم التعددية ،ولا احترام حقوق الإنسان ،ولا احترام الأقليات،
ولا حتى على قبول مبدأ إن الإسلام يقبل الاختلاف فيه كما يقبل
التعايش حتى مع الكفر( .وقل الحق من ربكم ،فمن شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر) .كما أنه ظل ينظر الى قيم الديمقراطية نظرة
احتقار وريبة .وظل يتطلع الى استخدامها كعمل انتهازي فحسب،
ومشروعه النهائي (إقامة دولة الخلافة) ظل كما هو طبعا.
وثالثا ،لأنه منتج ،بطبيعته ،للتطرف .فما من مدرسة فكرية
غلبت أو سادت ،إلا وكان من طبيعتها أن تنتج تطرفا على يمينها
وآخر على يسارها .وتطرف "الاعتدال" الإسلامي ظل صفة
ملازمة لوجود مختلف التنظيمات الإسلاموية ،وفي مقدمتها تنظيم
الإخوان الذي (وليس من باب الصدف أبدا) كان جهاز التوليد
الطبيعي لكل الإرهابيين ،والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
رابعا ،لا يمكن النظر الى هذا "الإسلام السياسي" بمعزل عن
تاريخه ،ولا بمعزل عن أصوله الفكرية .وهذه لم تعرف فكرا
إصلاحيا حقيقيا ،ولا ثورة تحرره من إرثه الدموي ،ولا من
خامسا ،ظل "الإسلام السياسي" تهديدا عقائديا مباشرا لمفهوم
الوطن ولوجود الدولة الحديثة ،وللوحدة الاجتماعية القائمة على
أسس المواطنة والمساواة حيال القانون.
ولئن دافع هذا الكتاب عن الفكرة القائلة إن "الإسلام السياسي"
يعمل كقنبلة نووية لتفجير المجتمعات العربية من داخلها ولتدمير
نموذج "الدولة الوطنية" القائم ،فقد أثبتت الحقائق المادية ،في
سوريا كما في ليبيا كما في العراق ،كم كان ذلك "الإسلام
السياسي" (بشقيه "السني" و"الشيعي" على حد سواء) مشروعا
فعليا للدمار الشامل.
10
وهذا إنما يفضي الى معنى واحد ،هو أنك لا تملك إلا أحد
خيارين لا ثالث لهما :إما أن تواصل الإيمان بتلك الخرافة ،لتضع
رهاناتك على تفجير المجتمع وتفجير الدولة ،لحساب نشوء كيانات
همجية تنفصل عن التحضر الإنساني برمته .أو أن تحارب
الإرهاب من منبعه "المعتدل" بالذات ،كما من كل منابعه الأخرى.
ملاحظتان لا بد منهما:
الأولى ،لا أحد يمكنه القول إن نموذج "الدولة الوطنية" القائم
هو نموذج صحيح أو مكتمل .وفي الحقيقة ،فان بروز الإرهاب
كظاهرة هو تعبير صريح على فشل هذا النموذج ،الذي غالبا ما
انتهى بنا الى دول ذات طبيعة استبدادية ،تعيش على مستويات
قبيحة من الفساد ،وعلى انتهاك دائم لقيم القانون ،وانعدام تام
للاعتراف بحق الشعوب في أن تمارس الحد الأدنى من الحقوق
والحريات.
ولكن ،وحيث أن "الدولة الوطنية" (في معانيها ،وفي هيكلها
المؤسسي على الأقل) هي وحدها النموذج الذي يمكنه أن يضعنا
في مصاف الكيانات القابلة للتطور ،وفي بيئة دولية لا تسمح بأي
شيء آخر أصلا ،فلا خيار أمامنا إلا إعادة تأسيس هذا النموذج
على ركائز العدل والمساواة واحترام الحقوق والحريات .وعلى
رأسها الحق ،بأن نتفاوت وأن نختلف ،ونبقى أحياء وأحرارا.
لقد آن الأوان لكي نعترف بأن نموذجنا الراهن للدولة الدولة
الوطنية كان نموذجا فاشلا ،وأن هذا الفشل بالذات كان واحدا من
أهم منابع الإرهاب التي يتعين تجفيفها.
وهذا ما يشير الى أن الفشل هو فشلنا نحن ،لا فشل المفهوم
نفسه الذي أنتج دولا متحضرة ومتقدمة وقادرة على مواصلة
التطور.
11
لقد أعطينا "ماكينة" للبناء ،تعمل على أسس (من قبيل
"الفصل بين السلطات" ،و"سيادة القانون" ،و"المساواة بين
المواطنين" و"المحاسبة والمساءلة" )...لكي تنتج تقدما
وتحضرا ،فقمنا بتحويرها ،لتأتي على مقاس كل دكتاتور أو
أحمق ،فتحولت الى ماكينة تنتج تخلفا وهمجية.
والثانية ،هي أن مؤلف
هذا
الكتاب لا "يُعادي" قطر ،ولا
قياداتها .إن الأخذ بزعم كهذا ينمّ عن فكرة سطحية تماما.
ويختارها من لا يريد أن يُفكر ،أو أن يقرأ أصلا.
قطر في عيني المؤلف ،دولة عربية عزيزة .ومجتمعها
مجتمع كريم ،وقياداتها تستحق ،حتى وإن أخطأت الخيار ،كل ما
تستحقه القيادات العربية الأخرى من التبجيل والاحترام.
إن من يحترم مفهوم "الدولة الوطنية" يتعين عليه أن يحترم
رموزها أيضا ،ويخاطب فيها الخير والأمل.
وإذا كان من دعوة يستطيع المؤلف توجيهها لصناع القرار في
على أسس سليمة ،بدلا من دعم عصابات "دولة الخلافة" ،فتكسبوا
أنتم ،كما تكسب الأمة العربية والإسلامية برمتها.
مع ذلك ،فان هذا لا يمنع ،ولا يفترض أن يمنع ،من القول إن
خيارات قطر الاستراتيجية الراهنة غير مقدسة .وإنها كغيرها قابلة
للنقد ،بل أنها واجبة النقد حتى على الذين يقومون بصناعتها ،وإنها
إذا اختارت دعم جماعات "الإسلام السياسي" فإنما تدعم بناء قنبلة
نووية لتفجير مجتمعات ودول بأسرها ،بل وتدعم ما يهدد بقاءها
هي نفسها ،دونما فائدة ولا طائل ،غير خدمة أولئك الذين يُسعدهم
دمارنا الشامل.
12
ولسوف يلاحظ القارى ،أنه حتى النقد هنا ،إنما يتعلق
بـ"فلسفة الخيارات" ،وليس بأصحابها .والمرء إنما يفعل ذلك
مع من يحب ويحترم بالدرجة الأولى.
وعندما يتعلق الأمر بكارثة كبرى تحيق بنا من كل جانب ،فان
المفارقة في تلك الفلسفة لا تعود مجرد "حكاية" اختلاف في
وجهات النظر .ولهذا السبب ،فان هذا الكتاب ما يزال يتمسك
بالقول إنه "كلمة حق عند ذي سلطان جائر" ،حتى يدرك ذو
السلطان أنه يستحق في أنفسنا مكانة أفضل بما لديه من قدرة على
الفعل الآخر.
وحسبي أني اجتهدت ،أما الكمال فـ لله وحده.
13
14
مدخل
يمكن لرجال السياسية أن يبرروا كل ما يفعلون .لهذا السبب
كل شيء مما يفعلون صحيح .يقتلون ،يدمرون ،ويفسدون،
ويظلون على حق دائما.
لقد اقتضى الأمر نحو أربعين عاما من ارتكاب الجريمة لكي
يقدم روبرت مكنمارا وزير الدفاع الاميركي السابق نوعا من
إعتذار في كشف حساب ذاتي ،عما حصل في اليابان وفيتنام ،قائلا
" ،اننا لو لم نكن
Ther
Foga
في الفيلم الوثائقي الشهير of W
خرجنا من الحرب ضد اليابان منتصرين لكنا قد انتهينا كمجرمي
حر لب .
https://www.youtube.com/watch?v=NOp3pUCHGow
ولكن ما النصر وما الهزيمة ،في أي حساب شخصي ،عن
حرب أسفرت عن قتل الملايين؟
إنهما صفر أخلاقي تام؛ إذ لا النصر نصر فعلا ،ولا الهزيمة
تأنيب ضمير.
إنهما ضحايا وتكاليف.
إنهما بشر يتم سحقهم من أجل خدمة مصالح يجدر بكل إنسان
أن يتساءل ما هي؟ وما قيمتها على وجه الحقيقة؟
في دوامة الصراعات والنزاعات على مصالح ،عادة ما تنخرط
الأمم في سفك دماء أحداها الأخرى ،تحت مسميات كثيرة
وتبريرات مروعة وشعارات فارغة.
إلا أن تاريخ الشعوب ،بكل مراراته ،يشهد على حقيقة لا راد
لها ،هي أنه لا نصر يدوم ،ولا هزيمة تدوم ،وأنه ما من مصلحة
إلا ويمكن تحقيقها بوسائل أخرى.
15
لقد حاول هتلر أن يحتل أوروبا .وقتل من أجل ذلك عشرات
الملايين ،في أعمال تحوّل الكثير منها الى إبادة وحشية ستظل
خالدة أمام التاريخ.
ألمانيا اليوم "تحتل" اوروبا بقدرتها على مد يد العون! وعلى
تحويل الشراكة المثمرة الى مكسب مشترك للجميع .وآخر ما
تحتاجه هو أن ترسل جنديا ليموت في النورماندي.
لقد اكتشفنا ،واكتشفت المانيا ،انه ما من شيء أكثر حماقة في
التاريخ من الحرب ،مهما بدت عادلة!
مواجهة الظلم والعدوان تبدو وكأنها الشيء الوحيد الذي يبرر
الحرب .ولكن المظلومين هم من يجب أن ينهضوا بها ،أولا.
وعندما تنصرهم ،تحاشى أن يتحولوا هم أنفسهم الى ظالمين.
فما أن يتحول المظلوم الى ظالم ،حتى لن يعود شيء عادلا.
فإذا كان من الصعب ،بمنطق التاريخ ،تبرير أي حرب ،فكيف
سيمكن تبرير حرب أهلية؟
قد تعثر على حرب عادلة ،يخوضها شعب دفاعا عن وجوده
وكيانه ،إلا أنك لن تعثر على حرب أهلية عادلة!
وعندما يتعلق الأمر بأي نزاع داخلي ،فانه ما أن ينطوي على
قتل أبرياء حتى لن يعود مقدسا.
والحروب الأهلية ليست أهلية إلا لأنها تتوجه ،في الأصل
والضرورة ،لقتل أبرياء .لهذا السبب ،فان البحث عن تلك
"الوسائل الأخرى" ،هو أول السبيل لرفع الظلم.
والظلم بدوره لا يدوم .ولو تكفلت التنمية البشرية به ،فان
"دوامه" لن يطول.
المعالجات المسالمة للمشكلات السياسية تبدو ضعيفة وقليلة
الفاعلية في الظاهر .إلا أنها ،إذ توفر أسسا أمتن للتغيير ،فإنها
أبقى من غيرها وأقرب الى الإنصاف.
16
فما بالك بمن يرخص نفسه وماله في خدمة مشروع للظلم
والتدمير؟
تمويل ودعم الإخوان المسلمين ،وغيرهم من خيول الظلام،
من أجل أن يخوضوا حروبا أهلية هنا وهناك وهنالك ،ليس من
العدل في شيء .وليس له صلة بالحقوق ولا بالحريات ولا
بالديمقراطية .إنه جزء من مشروع لاعادة رسم الخرائط في
المنطقة وفقا لرؤية عنصرية وحاقدة ،يغذيها "خبراء" وأكاديميون
وسياسيون مصابون بالهستيريا.
قطر ليست بحاجة الى هذا أبدا .وهذا الكتاب إنما يستعرض
جانب الحقيقة الذي لا يراه أولئك الذين يدفعوننا الى الهاوية ،دون
أن تعرف من أجل ماذا يفعلون.
لم يجلب الامريكيون إلا الدمار للعراق الذي زعموا أنهم سوف
يزرعون الديمقراطية فيه ،فزرعوا الفوضى والفشل والخراب،
وهو ما كان كافيا لتحويل حياة الملايين الى بؤس مطلق.
كان التبرير "الديمقراطي" قمينا بالاعتبار .ولكن كل الأدلة
أظهرت أنه كان مجرد "تبرير" وغطاء مهلهل لواحد من أعنف
أعمال الإبادة الهمجية.
أما النتيجة ،فكانت كارثة متعددة الأبعاد ،بل وباهظة الكلفة
على الولايات المتحدة نفسها ،فضلا عن العراق الذي تحوّل الى
حقل اختبار لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" .فما بالك بمن يريد
للمنطقة بأسرها أن تتحول الى عراق جديد؟ وما بالك بمن يدفع
المال لكي نغرق في حروب أهلية لا تنتهي؟ بل وما بالك بمن يريد
أن يجعل من خيول الظلام ،قوة السياسة الرئيسية في عالم عربي،
مسحوق أصلا بالفقر والظلم والحرمان؟
17
هل نحن بحاجة الى المزيد؟ وهل نقدر على المزيد من الفشل؟
وهل يمكن للقتل والفساد والفوضى ،باسم الدين والمذهب
والطائفة ،أن يكون شيئا أكثر من مشروع لدمار شامل؟
هل يمكن للإسلام السياسي ،أن يكون أقل من قنبلة نووية،
تفجر من حولها كل شيء :المجتمعات والأوطان والدول معا.
حتى القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي،
لم تفعلا باليابان ،كأمة ،ما يفعله الإسلام السياسي بهذه المنطقة!
نحن نعرف ماذا يقول العراقيون اليوم في الجريمة التي حاقت
ببلدهم ،تحت مسمى الديمقراطية ،ولكن ماذا سيقول "ماكنمارا
تمويل" الإخوان المسلمين بعد أربعين عاما من تفتيت المنطقة؟
وكم سيحمل من الضحايا على كتفيه؟ كم سيبكي؟ وكم سيُبكي؟
ع -صلى.
لندن ،أغسطس -آب 2014
18
مقدمات الوهم والخطيئة
قطر والنفاق والإسلام السياسي -الدور والقوة بالمال
-قناة الجزيرة ،منبر الفوضى
-الاستثمار القطري في الخارج :قصة إفلاس
19
20
قطر والنفاق والإسلام السياسي
سرا وعلانية ،تدعم قطر حركات "الإسلام السياسي" في
المنطقة ،بالمال والسلاح والترويج الدعائي.
ولكن ،ماذا يعني هذا الدعم؟ ما أهميته بالنسبة لقطر؟ وما هو
الهدف منه؟
أسئلة بسيطة يحتاج كل
إنسان أن يتأمل فيها من دون تفلسف
زائد
هل تتعلق المسألة بدعم "الديمقراطية" مثلا؟
تعالوا ندقق.
هل الإسلام السياسي "ديمقراطي" أصلا؟ وهل ،تتفشى
الديمقراطية في قطر الى ذلك الحد الذي يجعلها تنفق الأموال من
أجل نشر الديمقراطية أو الدفاع عنها في العالم العربي؟
عندما ينشر المرء رسالة الصدق ،أفلا يحتاج أن يكون هو
نفسه صادقا؟ وعندما يطلب المرء من الناس أن يلتزموا بمعايير
سياسية أو دينية أو أخلاقية ،أفليس من الأولى به أن يلتزم بها
أو لا؟
ما من دليل واحد ،في مرجعيات وأفكار وسياسات كل حركات
الإسلام السياسي ،يمكنه أن يثبت أن هذه الحركات تنتهج
الديمقراطية أو تقبلها.
في الواقع ،فان كل مبرر وجود "الإسلام السياسي" يقوم في
الأصل ،على مناهضة الديمقراطية بوصفها منهجا "ليبراليا
غربيا" يتناقض ،في تصورهم ،مع الإسلام.
ودع عنك الكتب والمحاضرات والمجادلات الكثيرة التي
خاضها ممثلو هذا "الإسلام السياسي" عن الديمقراطية بوصفها
كفرا ،فإن أكثر خطاباتهم اعتدالا ،في ظل الحملات الانتخابية
21
نفسها ،تقول إن الديمقراطية ليست سوى وسيلة ،يمكن استخدامها
مرة ،لكي لا يتم استخدامها في أي مرة بعد ذلك ،حيث يجب أن
تعود الحاكمية الى الله وشريعته.
وهؤلاء الناس لا يخفون شيئا من نواياهم المناهضة
للديمقراطية.
فإذا كان الأساس الأول للديمقراطية يقتضي مبدأ القبول
بالتداول السلمي للسلطة ،فان هؤلاء الناس إذا تسلموا سلطة فانهم
لا يعتزمون تركها ،لأنهم يعتقدون أن سلطتهم هي سلطة الله ،والله
لا يجوز أن يسلم سلطته لأي أحد .والله لا يعترف بحق أي أحد
أن يتسلمها منه (أي منهم ،باعتبارهم وكلاء الله على الأرض).
والديمقراطية في نظرهم صنؤ للعلمانية ،والعلمانية كفر.
وإذا كانت الديمقراطية تعني قبولا بتعددية الفكر والرأي ،فكل
فكر غير فكرهم كافر ،وكل رأي غير رأيهم في النار.
وإذا كان "الإخواني لا يتزوج إلا من إخوانية" حسب شريعة عصام
العريان ،فمحمد (صلى الله عليه وسلم) ،لم يكن إلا كافرا عندما
تزوج من قباطية!
ر
هذا هو "الإسلام السياسي" .إنه شريعة تكفير وتجريم للاخر.
كما إنه شريعة نفاق صريح ،وفصيح.
وهذا ما لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد ،بأي
ديمقراطية ،ولا بأي قيمة من قيمها.
وواقع "الديمقراطية" في قطر ،يقول انه لا توجد احزاب ،ولا
توجد تعددية ،ولا توجد انتخابات ،ولا يوجد برلمان ،ولا توجد
منافسات سياسية في أي مركز من مراكز السلطة أو المسؤولية،
ولا يوجد فكر يناقش فكرا على طول البلد وعرضه.
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
22
إذا لم تكن الديمقراطية هي الهدف من دعم "الاسلام السياسي"،
فما هو الهدف؟ هل يمكن أن يكون الإسلام نفسه هو الهدف؟
تعالوا ندقق.
هناك ما يبثت ،بالدليل القاطع ،أن الإسلام هو دين التعددية
الأول .أما دين "الإسلام السياسي" فانه ينبذ التعددية ويرفض
الاختلاف.
وهناك ما يثبت ،بالدليل القاطع أيضا ،إن الإسلام لا يقبل من
رسول الله نفسه ،أن يحساب الناس حتى ولو كفروا .أما دين
"الإسلام السياسي" فانه دين الحساب والعقاب والقتل والترويع.
وهناك ما يبثت ،بالدليل القاطع أيضا وأيضا ،أن الإكراه غير
مقبول في الدين نفسه فما بالك بكل شيء آخر؟ بينما الإكراه (في
الدين وغيره) هو دين "الإسلام السياسي".
فهل دين أهل الإسلام السياسي من الإسلام في شيء؟ بل هل
قرأوا كتاب الله فعلا؟ هل تمعنوا في دلالاته ومعانيه؟
يقول تعالى:
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف )92
"قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها" (الأنعام
(104
"من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة
وزر أخرى" (الإسراء )51
"يضل من يشاء ويهدي من يشاء" (فاطر )8
"ولو شاء ربك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مُختلفين" (هود)811:
"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ،أفأنت تكره الناس حتى
يكونوا مؤمنين" (يونس )99
ثم" :لا إكراه في الدين" (البقرة )652
ويقول سبحانه وتعالى" :فذكر إنما أنت مُذكز ( )12لست عليهم
بمُصيطر ( )22إلا مَن تَوَلى وَكفَرَ ( )32فَيُعَذِّبُهُ ا لَّهُ العذاب الأكبر ( )42إنّ
إلينا إيّابهمْ ( )52ثمّ إنّ علينا جسابهم"( .الغاشية).
23
(وهو ما يعني أن حسابهم ليس على الرسول نفسه ،فما بالك
بمحمد مرسي ،رسول الإخوان الذي صلت عليه قطر وسلمت
تسليما).
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
هل يمكن لأناس يُكفرون حتى المسلمين ،وحتى أولئك الذين
يشهدون بشهادة ألا إله إلا الله ،أن تكون لهم أي صلة بالإسلام؟
وماذا عن شريعته التي ظلوا ينقضون تحت شعار "الضرورات
تبيح المحظورات" .ولقد أجازوا حتى الاقتراض بالربا تحت هذا
الشعار .ولقد تغاضوا عن شريعته كلما كان ذلك في مصلحتهم أو
في مصلحة نفاقهم .ولكنهم يريدون لغيرهم أن يلتزموا حدود تلك
الشريعة ،إنما من دون أن يلتزموا بها هم أنفسهم.
وهو نفاق قديم ومكشوف ،إلا أنه ظل يتكرر.
ذات يوم سخر الرئيس جمال عبد الناصر من دعوة المرشد
العام للاخوان بالنسبة للحجاب ،الذي كان يريده لكل النساء ،إلا
بناته .انظر في هذا الرابط:
0Fg9uFnل https://www.youtube.com/watch?v=OWC
وما هذا إلا نموذج واحد من نماذج النفاق الذي يتبعون.
وبمقدار ما يتعلق الأمر بقطر ،فالسؤال الجدير بالاعتبار هو:
هل تقيم الدوحة شيئا من شريعة الإخوان المسلمين؟ هل تراها
مفيدة لنفسها لكي تدفع بفرضها على الأخرين؟
فإذا كان الأمر نفاقا ،فهل يمكن للنفاق المكشوف أن يؤدي الى
تحقيق أي غرض؟
وإذا لم تكن الديمقراطية ولا شريعة الإسلام هما الهدف من
دعم الإسلام السياسي بالمال والسلاح والترويج ،فما هو الهدف؟
سؤال بسيط.
وهو لا يحتاج تفلسفا زائدا للاجابة عليه.
24
ولكن عندما تعرف الجواب ،أرجوك ألا تصاب بالدهشة أو
الذعر.
لأن النهايات المقصودة ،ربما كانت أبعد من أن تخطر على
بال أي أحد.
25
26
الدور والقوة بالمال
تملك قطر الكثير من المال .الكثير جدا حتى أنها لا تعرف أين
تنفقه .ولكن المال وحده لا يصنع مكانة ولا دورا.
المال نسبي ،من حيث المبدأ .وقيمته الحقيقية تكمن في طريقة
توظيفه ،وليس في كميته!
قد تملك تريليونات الدولارات ،ولكنك عندما تبددها على طاولة
روليت ،فان قيمتها أقل بكثير من بضعة ملايين توظفها في بناء
أسرة قادرة على أن تنمو وتتطور.
بوضعها الرهان على الإخوان المسلمين لتمزيق دول المنطقة،
فقد اختارت قطر طاولة الروليت لتحرق ليس المال وحده ،وانما
لتحرق مجتمعات وأوطاناً بأسرها.
وبدلا من أن تختار قطر ،بأموالها الفائضة ،أن تبني جامعات،
أو أن تمول مشاريع زراعية ،أو صناعية تمتص الأيدي العاطلة
في عالم عربي فقير وجائع ،فقد اختارت أن تمول جماعات
جهادية!
وليس ثمة ما يبرر أن تسأل :ماذا أنتجت تلك الجماعات؟
يكفي أن تأخذ مثلا في أي بلد ،من تونس الى سوريا.
والكارثة قد تبدو كبيرة في سوريا ،ولكنها ليست أقل كبرا في
ليبيا ،كما أنها ليست أقل خطرا في مصر .أما في تونس ،فحدث
ولا حرج .فهذا بلد نجح الإخوانيون في تحويله ،في غضون
سنتين ،الى بلد مفلس ،لا تقدر حكومته أن تدفع رواتب موظفيها.
نعم ،لقد كان النظام في سوريا يستحق التغيير .ولكن بما يتوافق
مع طبيعة البلد الاجتماعية التعددية ،وليس بما يتوافق مع قدرات
المال على تجنيد الارهابيين ،وليس بقدرة المال على تمويل
مشروع طائفي (سني) يتحدى طوائف البلد الأخرى.
27
مشروع التغيير في سوريا ،لمَن يمكنه أن يثق بحكمة التاريخ،
كان يجب أن يتم سلميا وتدريجيا فقطإ ،كما كان يجب أن يتم بأيدي
مثقفين ،لا بأيدي أصوليين!
فالى ماذا قادنا مزيج المال بسوء الفهم؟
لقد قاد الى دمار شامل ،من دون أن يحدث أي تغيير! ولقد قاد
الى تهجير تسعة ملايين انسان ،والى تدمير حياة كل الباقين في
بلد كان يمكنه أن يجد سبيلا أفضل لاصلاح نفسه ،وتعديل خياراته
الاستراتيجية ،من دون سفك دماء.
فهل نقول "ألف مبروك" للعبقرية التي ينتجها الجهل المدجج
بالمال ،أو المال المدجج بالجهل؟
وما أدراك ما مصر.
إنها حجر الزاوية التي أراد المال القطري أن يهدمها لكي تنهدم
على رؤوسنا جميعا.
لقد اختارت قطر ،بالرهان على الإخوان المسلمين ،أن تمول
عصابة ،بعقليات شديدة التحجر ،لكي تحكم البلد الذي قدم لنا طه
حسين ،وتوفيق الحكيم ،وعباس محمود العقاد ،وأحمد شوقي،
وحافظ ابراهيم ،ولويس عوض ،وسلامة موسى ،ونجيب محفوظ،
و ...الكثير ممن يستحيل ذكرهم.
عصابة من السطحية بحيث أنها ما كانت قادرة على أن تعرف
طبيعة البلد الذي تحكمه؛ عصابة أخذتها العزة بالإثم حتى أنها لم
تكن مستعدة لتصغي لأي أحد؛ عصابة نظرت الى مجتمع يعتبر
نفسه مسلما قبل الإسلام ،على أنه كافر ،وعلى أنها وحدها التي
تمثل الإسلام فيه.
لقد وضعت قطر أموالها على طاولة الروليت هذه ،لكي تطحن
بها بلدا يبلغ تعداد سكانه نحو تسعين مليون نسمة.
28
ولو حدث وأنهم تنازعوا أو تشردوا ،كما يحدث في سوريا،
فلا أدري كم قطر كنا سنحتاج لايوائهم؟ ولا أدري كم من الاموال
كنا سنحتاج لإطعامهم؟ ولا أدري إن كانت قطر ستقدر على أن
تقدم لمخيمات اللاجئين منهم غطاء أو طعاما (لاسيما ونحن
نعرف ،أن ملايين اللاجئين السوريين ،لا يرفلون بالدمقس
وبالحرير بفضل تمويلات قطر ،التي قررت الإطاحة بالرئيس،
فأطاحت بشعبه).
ومثلما قاد الإخوان المسلمون تونس الى الإفلاس (وهي التي
بالكاد ينوف عدد سكانها عن 10ملايين نسمة) ،فانهم قادوا مصر
بالفعل الى الإفلاس أيضا .ولولا رحمة الباري ،وعطف الأشقاء
في السعودية والإمارات ،لكنا نقف اليوم أمام مجزرة بشرية ما
بعدها مجزرة.
مصر بلد ،حتى مجرد التدخل في شؤونه ،يجب أن يثير الذعر
قبل الإقدام على أي شيء فيه .فما بالك بتمويل الشر؟
إنظر في معدلات العيش تحت خط الفقر في العالم العربي
وستجد انها تشمل نحو 100مليون انسان (من مجموع السكان
البالغ 370مليون نسمة ،حسب تقرير التنمية البشرية للامم
المتحدة ،بينهم 40مليون إنسان يعانون من نقص في التغذية)،
وانظر الى عدد العاطلين عن العمل وستجد أنه يشمل 96مليون
عاطل %04 ،منهم من النساء ،وانظر الى معدلات الأمية وستجد
أنها تشمل 97مليون انسان (حسب منظمة التربية والثقافة والعلوم
الألكسو) ،أكثر من %06منهم من النساء .وانظر الى سوقالعمل وستجد أنها تجتاج الى 1.5مليون فرصة عمل في العام
لاستقبال الوافدين الجدد ،وإلا فانهم سيركبون قطار البطالة.
انظر الى كل هذا وغيره ،وستعرف كيف كان يمكن للمال أن
يبني مكانا ودورا إقليميا تاريخيا لقطر ،وكم كان سيجعلها أكبر
29
من قارة في عين كل إنسان ،وكم كان سيحيطها باحترام وتقدير
أمة بكاملها ،وكم كان سيجعلها قبلة للمحبين.
ولكنها اختارت طاولة الروليت ،لأنها لم تفهم ،أن المال لا يمنح
الإنسان قيمة ،بل أن الإنسان هو الذي يمنح القيمة للمال.
فهل تملك قطر الكثير من المال؟ أم أنها تملك الكثير من
الإفلاس فيه؟
30
قناة الجزيرة ،منيرالفوضى
لا تُذكر قطر إلا وقناة "الجزيرة" معها.
والحال ،فان هناك الكثير من المنطق وراء القول القائل إن
"الجزيرة" هي التي جعلت من قطر مركزا ذا معنى في الإعلام
وفي المكانة.
هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن ما يبدو وكأنه "اختراع بلد"
لقد كان لتلك القناة سبق الفضل الأول ،بأنها أخرجت الكلام
الذي كان يقال همسا ،الى العلن.
للمرة الأولى ،أصبحت
الخلافات
تصدح .وللمرة الأولى،
أصبح الجدل مكشوفا .وللمرة الأولى أصبح للحقيقة وجهان.
وللمرة الأولى ،صار الإعلام سباقا نحو الخبر ،بالصوت
والصورة .وبدلا من القالب الخشبي للإعلام الرسمي (الذي ظل
يرزح تحت القيود والكليشهات المقدسة) فقد أصبح الإعلام حار
اللغة . . . 9 ،للمرة الأولى لم يعد للرقابة ما تفعله ،فخرجت مع
كل هذا صحيح.
لقد كانت "الجزيرة" تستحق ،بالجرأة على كشف المستور،
وباطلاق العنان للمسكوت عنه ،أن تحتل المكانة الأرقى بين كل
وسائل الإعلام العربية .وظلت تملك التاج ،حتى بعدما نشأت
محطات أخرى حاولت أن تنافسها فيما ذهبت اليه.
ولكن !
شيء واحذ ظل ناقصا.
شيء واحد ،حوّل كل ذلك السبق الى رماد .وأطاح بالتاج،
وجعله تاج خشب لا أكثر.
31
شيء كان كل المعنى من وجود هذه القناة يكمن خلفه .ولما
اكتشفنا أن غيابه مقصوذ ،عيناً وليس سهوا ،صار من الواضح
أن لهذه المحطة دورا آخر؛ دورا لا قيمة فيه .يقصد اثارة
الضجيج ،حتى أصبحت القناة ،مجرد "ظاهرة صوتية" أخرى،
من ظواهر العرب الصوتية.
سأحاول تبسيط الأمر.
جميل أن نتجادل .وجميل أن نكشف عن خلافاتنا واختلافاتنا.
وجميل أن نعرّي عيوبنا .بل وجميل أن نعرّي صمتنا بشأنها.
هذا يشكل نصف المعادلة.
ولكن :من أجل ماذا نتجادل؟
في الإجابة على هذا السؤال يتحدد نصف المعادلة الأخر .وفي
هذا النصف بالذات يتحدد ما إذا كان تاج "الجزيرة" تاجا من ذهب،
أو خشبا مطليا بماء الترهات.
لقد اختارت "الجزيرة" أن تجعل من الضوضاء مكسبا إعلاميا.
ونجحت .ولكنها فشلت في توظيف تلك الضوضاء في اتجاه
مثمر ..،أياً كان.
بيوتنا ،قبل أن نثير ضجيج الاختلاف المعلن ،كانت منخورة
بفساد الصمت والطغيان .وكان من الواجب أن نهدم المعبد .ولكن،
ألم يكن من المنطقي بعد هذا ،أن نعيد بناء معبد آخر ،وفقا لفلسفة
ما تلائم العصر؟
كان يكفي أن يكون لأصحاب الدار فلسفتهم ،التي يضعون من
أجلها حجر بناء فوق ما نهدمه من حجر الطغيان.
فماذا اختاروا؟
لقد اختاروا الاكتفاء بالضجيج .وحولوه من صراع أفكار
وخيارات وبدائل ،الى صراع شتائم وعراك وضرب بالأحذية.
32
وعندما تحاول أن تتأمل ،لماذا اختار رعاة هذه القناة أن يتوقفوا
عند حدود تبادل الضرب بالأحذية (أو بالكلام الذي يشبه تبادل
الأحذية) ،فإنك سرعان ما سوف تكتشف السبب.
لقد كانت فلسفة "الجزيرة" هي هذه على وجه التحديد :أن
نتصارع ،أن نهدم ،وأن نتشاتم ،وأن نجعل التعايش مستحيلا بين
الفكرة والفكرة .إنما لكي تغذي فكرة التخريب والقتل وإشاعة
الفوضى ،والعجز عن التوافق على أي شيء.
وهذا ما لا علاقة له بأي ديمقراطية.
الديمقراطية مشروع تعايش وبناء .انها مشروع لأرض
مشتركة بين الرأي والرأي الأخر .وليست مشروعا للقذف والشتم
بين الرأيين .كما أنها ليست مشروعا للتناحرات "الفضائية" التي
تنقلب الى تناحرات دموية في الميدان .إنها اتجاه مشترك نحو
هدف عقلاني ما .وليست صراعا بيزنطيا في لا اتجاه.
لقد تم صنع "الجزيرة" لتحقق ما حققت .ومن ثم لتقف في
مكانها الفوضوي بالذات ،باعتباره خيارا مقصودا بذاته ،لكي
تكون منبرا للتناحرات ،وممثلا للجدل الفارغ.
ولم يمض وقت طويل ،حتى بات واضحا أنها اصبحت منبرا
رسميا للاخوان المسلمين ،لأن هذه العصابة المافياوية كانت هي
"المرشد" الذي سيأخذنا الى التمزق والتفتيت؛ هي "مكتب
الإرشاد" الذي سيكفل جعل التناحرات حربا أهلية تدور في كل
بيت ،بين المسلم والمسلم ،كما بين المسلم والمسيحي.
ولكن ،ما السبب وراء ذلك؟
الفكرة بسيطة للغاية.
وطنيا كنت أم قوميا ،فان صراعك التقليدي هو مع "الآخر"
(الخارجي) .والأخر هذا ،هو إما أن يكون مصالح الاستعمار
الجديد أو الامبريالية أو الصهيونية ،أو كلها مجتمعة.
33
منذ نشأة إسرائيل ،ونحن نتصارع مع عدو خارجي .ومنذ أن
حاولنا
الاستقلال ،ونحن
نتصارع،
من أجل حمايته ،مع عدو
خارجي.
طبعا ،أخطأنا كثيرا في كل وجه من وجوه هذا الصراع ،ولكن
الخارج ظل في الخارج! وبقينا نحاول أن نجد سبيلا لكي نتوحد
ولكن ،جاء الإسلام السياسي ليطرح علينا عدوا من نوع
مختلف .إنه الداخل .إنه "الآخر" (الداخلي)؛ الذي يُصلي ضد
"الآخر" الذي لا يُصلي؛ الذي يصوم ضد "الآخر" الذي لا يصوم،
أو الذي يلبس الحجاب ضد الأخر الذي لا يلبس الحجاب ...وهكذا.
لقد كان الهدف من نقل المعركة الى (الداخل) هو حماية
إسرائيل .واتاحة الفرصة لها لكي تتفرج على "أمراء الطوائف"
كيف يتناحرون.
وما أكثر فقهاء الزور والبهتان المؤهلون لنقل الحرب الى
الداخل !
لقد ؤجدت "الجزيرة" لكي تكون جزءا من هذا المشروع الذي
ظهر الإخوان المسلمون ليكونوا رأس الحربة فيه.
وبالنظر الى خارطة "الشرق الأوسط الجديد" فان مشروع
"الفوضى الخلاقة" ،كان بحاجة الى منبر للفوضى التي يتبادل
المتحاورون فيها الشتائم ،لا الأفكار .وبدلا من البحث عن أرضية
مشتركة للعيش المشترك ،فقد كان من طبيعة "الجزيرة" ومن
واجبها "الإخواني" هدم الأرض وتخريب المكان.
ودافعت قطر
على دور
"الجزيرة" الفضائي ،لان مشروع
التخريب و"التصغير" صار مشروعها الأوحد ،حتى بات من
الصعب التمييز ما إذا كانت قطر هي "الجزيرة" أو ما إذا كانت
"الجزيرة" هي قطر.
34
وهذه ،مأساة وطنية حقيقية؛ مأساة تكاد تبلغ حد الإهانة .لأن
الأوطان لا يمكنها أن تصغر الى هذا الحد.
الشيء الذي لم تعرفه قطر عن نفسها ،هو أنها تخسر إذا قدمت
نفسها كبرنامج فضائي ،وتخسر أكثر إذا كان هذا البرنامج من
انتاجها .ليس لأنه فضيحة سياسية ،بل لأنه فضيحة سوء فهم
حقيقي لمعنى التاريخ وللوسائل التي تحركه.
لو كانت البلدان تنشأ ،في القيمة والدور والمكانة ،من وراء
محطات فضائية ،فان الأمم المتحدة كان يجب أن تكون قمرا
صناعيا.
ولو كانت قطر تعول على قناة تلفزيونية لكي تغير مجرى
التاريخ ،في مجتمعات عميقة التاريخ ،وعميقة الثقافات ،فيحسن
بها ،أن تعود لتفهم.
فالتاريخ والمجتمعات لا يتحركان عبر التلفزيون.
وظيفة التلفزيون المثالية هي الإخبار والتنوير والتسلية ،وليس
الترويج لفوضى أو إرهاب أو زرع تناحرات من أجل التناحرات.
حتى انه لا يصلح لصنع ثورات .لأن الثورات ،مهما كانت
طبيعتها ،تحتاج أن تعود لتستقر على أرض الثقافة التي تنشأ
فيها .ولكي نصنع ثورة عبر التلفزيون وتصمد ،فيجب أن تتغير
الثقافة أولا ،وأن تصمد أمام امتحان التاريخ.
لو كان التاريخ يتحرك عبر الفضائيات ،لكانت "سي.أن.أن"
و"بي.بي.سي" و"سكاي نيوز" كافية تماما لاختراع كوكب آخر،
"على قد" الرؤية العنصرية والاستعلائية للغرب "الديمقراطي"؛
كوكب لا "جزيرة" فيه ،ولا قطر.
35
36
الاستثمار القطري في الخارج :قصة إفلاس
إذا أرادت قطر أن تستثمر في فرنسا ،فانها تشتري نادي سان
جيرمان ،أما إذا أرادت أن تستثمر في العالم العربي ،فانها تشتري
نادي "داعش" والإخوان !
قد تبدو هذه مجرد خلاصة ،قسرية ،القائمة استثمارات طويلة،
إلا انها شديدة الواقعية في الوقت نفسه.
ولكن قبل النظر في التوظيف السياسي للمال ،أنظر في
الخارطة الجغرافية للاستثمارات القطرية في الخارج ،وسترى
انها محكومة بـ"عقدة الخواجا" أيضا .ثم أنظر في الفرق بين قيمة
ما تستثمره قطر لدى "الخواجا" ،وبين القليل مما تستثمره في
البلدان العربية ،ولسوف تصاب بالحنق والاكتئاب.
الاستثمارات في الخارج ليست مجرد عملية اقتصادية
"ناشفة" .بكلام آخر ،انها ليست قصة تحقيق أرباح فقط ،بهدف
توفير احتياطات للمستقبل عندما تنضب ثروة النفط والغاز.
إنها قصة سياسة واقتصاد واستراتيجيات متداخلة.
وما لم تكن كذلك ،فانها ستكون نكتة ،في أفضل الاحوال،
وستكون مأساة في كل الأحوال.
أنظر في استثمارات قطر في الخارج ،وسترى أنها مدفوعة
بعامل رئيسي واحد :تحقيق أرباحا من دون أن يكون وراء المال
أي توظيف تنموي آخر .وبالأحرى فان هذا التوظيف يقصد خدمة
الطرف المستفيد من الاستثمار ،بينما يجني المستثمر" ...أرباحا".
في أفضل الصور تجري الأمور على النحو التالي :تمر
شركات غربية كبرى بأزمات ،أو تنقصها الإمكانيات للتوسع،
فتتقدم الأموال القطرية لنجدتها .المستفيد الرئيسي من "صفقة"
37
الاستثمار هذه ،هو تلك الشركات .تمر بضع سنوات ،فترتفع قيمة
أسهم تلك الشركات ،ليحقق حملة الأسهم القدامى والجدد أرباحا.
و ...خلصت القصة! (أو هكذا يعتقد "عباقرة" الاستثمار في
قطر).
المليار أصبح مليارا ونصف!
السؤال الأول الذي لا بد من مواجهته هو :ما هو العائد الحقيقي
الذي تجنيه قطر؟ أما السؤال الثاني فهو :أين ستذهب الأرباح؟ أما
السؤال الثالث ،وربما الأهم ،فهو :إذا كانت مقاييس الأرباح
(الكمية) ،تشتغل مع الأفراد ،أفهل تراها تشتغل مع الدول؟
صحيح تماما ،من الناحية الحسابية على الأقل ،أن قطر سوف
تجني عائدا ،ولكنه يقتصر على الزيادة في المال! ولكن صحيح
أيضا أن العائد الحقيقي إنما يذهب لحساب تمكين تلك الشركات
وزيادة قوتها .هذا أولا .كما أنه يذهب ،في وجه عام ،لحساب
إقتصاد البلد الذي يتم الإستثمار فيه .الشيء الآخر ،هو أن المليار
ونصف ستظل تدور في رحاب الدوائر الاقتصادية داخل البلد
الذي تم الاستثمار فيه .والأموال لن يمكن سحبها ،حتى لكأنها
غرقت في دوامة لا قرار لها .ومصيرها لن يتقرر إلا في الدوائر
السيادية العليا للبلد ،التي لا تعطي القليل إلا لتأخذ أكثر!
العنصر الأهم في النمط القطري للاستثمار ،هو أن المال لا
يخدم تطلعا اقتصاديا محددا ،ولا يدور في دائرة يمكن التحكم بها
داخليا ،ليبقى مجرد أرقام تدور في فلك يبتعد كلما زادت ! لاسيما
وأن تأثير سحبها سيكون أخطر على الاقتصاد العام للبلد المستثمر
لهذا السبب ،فان القرش الذي يدخل الى بلد لا يخرج منها!
ويبقى يدور هناك ليؤدي دوره في خدمة الاقتصاد ...هناك!
38
وهكذا ،فان المال الذي لا يدور في إطار اقتصادي محدد ،لكي
يخدم توجها تنمويا محددا ،في دائرة مصالح داخلية ،لن يعدو كونه
هباء .إنه مال خاضع لسلطة الأخرين ومصالحهم فحسب .وكلما
زاد أكثر ،كلما أصبحت السيطرة الخارجية عليه أكثر.
فاذا كان استثمار المال يمضي من أجل اكتناز المزيد من المال،
فالحقيقة النهائية هي ،أن الورق ورق ،والأرقام أرقام! وهذه توجد
مصارف مركزية تعرف كيف تتحكم بها .وبذلك فإنك ما لم تكن
قادرا على تدويرها في دائرة توظيف استراتيجي يمكنك التحكم
فيها ،فان الورق تمكن طباعته ،بغطاء من المال العشوائي نفسه!
والأرباح التي جعلت المليار ،مليارا ونصف (كقيمة نقدية) ،لن
يعود قرش واحد منها على الإطلاق .أولا ،لأنها دخلت في دائرة
خدمة لا دخل لك فيها .وثانيا ،لأن مليارا ونصف مثلها تمت
طباعته بضمانات مما جلب "المستثمر" الخارجي .وحتى ولو
أمكن سحب بعض الورق ،فانه يظل ورقا من دون اتجاه ،تنخفض
قيمته النقدية باستمرار.
قد يستطيع الأفراد أن يهنأوا بما يكسبوه من مال في بورصة
الاستثمار ،إلا أن الأمر مختلف تماما بالنسبة للدول.
لماذا؟
لأن صفقة سلاح واحدة ،على سبيل المثال ،سوف تكون كفيلة
بامتصاصه ،وامتصاص أضعاف أضعافه.
بهذه السهولة ،وبوسائل أخرى مثلها ،يتم امتصاص ما قد يُزعم
أنه "أرباح" تحققها دول !
وعندما تكون العشوائية هي سمة الاستثمار في المال من أجل
المال ! فان هذه الصفة تكفي بمفردها لكي تحدد "شخصية"
الاستثمار ،من ناحية ،وتقتله من ناحية أخرى.
لماذا؟
39
لأنها تعني أن الاستثمار لا يخدم هدفا استراتيجيا .ولا يخدم
مشروعا اقتصاديا يجري التوجه اليه بعناصر بناء داخلية .وبدلا
من أن تكون تمكينا للذات (كما تفعل الاستثمارات الصينية) ،فانها
تكون تمكينا للاخر على الذات !
من هنا بالذات ،فالكل يعرف أن هذا النمط من الاستثمارات
الخارجية ينضب أسرع مما تنضب الثروة في الداخل! وبالتالي،
فان التعويل على توفير "ضمانات لمستقبل الأجيال" ،ليس سوى
خدعة سمجة ،وغبية ،بل وترقى الى واحدة من أكبر عمليات
النصب والاحتيال في التاريخ.
المال في الخارج لا تحميه إلا قوة الاقتصاد في الداخل حيث
لا يمكن أن تطاله يد الابتزاز والمصادرة والاستيلاء والتآمر.
والمال في الخارج لا تحميه إلا دائرة التوظيف والانتاج في
الداخل ،وإلا عندما يكون مكملا لتلك الدائرة ويدور في فلكها.
من دون دائرة توظيف داخلية فعالة ،فان المال في الخارج ،لا
قيمة فيه .إنه مجرد وهم ،في أفضل الأحوال ،أو مجرد عملية
نهلب وتهريب.
الصين تملك استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة! وهي
أكبر حائز في العالم على سندات الخزانة الاميركية ،في حافظة
يبلغ مجموع قيمتها نحو 800مليار دولار.
الصين تعرف أن قيمة هذه السندات تتضاءل عاما بعد عام،
مع الانخفاض المتواصل لقيمة الدولار ،ومع التراجع المتواصل
لمكانة الولايات المتحدة الاقتصادية في العالم ،ومع كلفة التضخم
التي تجعل المال يتآكل تدريجيا ..،إلا أن الصين تضع أموالها
هناك:
-1من أجل دعم صادراتها الى الولايات المتحدة.
-2من أجل امتلاك ذراع قوية في المفاوضات التجارية.
40
-3من أجل تغطية النمو الاقتصادي المحلي.
-4من أجل التوسع في الاستثمارات والمشاريع التجارية
والتنموية في بقية أرجاء العالم.
-5من أجل ممارسة ضغط سياسي-اقتصادي مزدوج على
الإدارة الامريكية للحد من عواقب وتداعيات الأزمات الاقتصادية
والجيو-استراتيجية.
-6من أجل امتلاك نفوذ اقتصادي عالمي.
وهكذا ،فحتى ولو انتهى الأمر بتلك السندات الى الإفلاس ،وهو
أمر سيظل متوقعا ،إذا عجزت الولايات المتحدة عن دفع أقساط
ديونها ،البالغة 12تيريليون دولار ،فان الصين تكون قد حققت،
حتى ذلك الحين ،عوائد اقتصادية واستراتيجية تكاد لا تقدر بثمن.
العنصر الرئيسي في الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة
هو :التنمية في الصين.
هذا هو المفتاح!
بعبارة اخرى :الاستثمار في الخارج يجب أن يمضي لدعم نمو
اقتصادي حقيقي في الداخل.
والنمو الاقتصادي ،ليس مالا يوضع فوق مال .إنه مشاريع
عمل وانتاج وخدمات وتنمية بشرية وصناعة تقدم علمي
واجتماعي.
وبفضل استراتيجية التنمية المحلية ،أصبحت الصين ثاني أكبر
قوة اقتصادية في العالم.
من دون تنمية اقتصادية في الداخل ،فان كل استثمار في
الخارج لن يعدو كونه "لعب قمار" سوف ينتهي بالخسارة
والافلاس في آخر المطاف.
41
نعم ،تحقق الاستثمارات في الخارج عائدات تبدو ضخمة.
ولكن هذا هو الحال مع كل "عملية نصب" .تبدأ بالاغراء وتنتهي
بالافلاس.
وعندما يبدأ الكنس والشفط ،بذرائع وأساليب شتى ،فان
الثروات في الخارج لن يترك لها المجال للانسحاب.
فقد يكون قرارا "سياديا" أن تأتي بأموال شعبك الى الخارج.
ولكن سحبها قرار "سيادي" آخر ،ليس قرارك!
ما من أحد ،إلا ويعرف ذلك.
والحال ،فانه من دون مشروع تنموي قادر على أن يحمي
نفسه ،ويمضي الى الأمام ،فان الاستثمارات الخارجية لن تكون
أكثر من طاولة روليت ،يضع فوقها المقامرون دماء شعوبهم،
وتنتهي بسحقهم وركلهم ،بأرخص مما يُركل الشخاذون ،خارج
الكازينو.
ولك أن تتأمل في هذا المثال:
فقد كانت أزمة واحدة من قبيل الاجتياح العراقي للكويت ،كفيلة
بجعل "صندوق الاجيال الكويتي" يبلغ حافة الإفلاس ! عشرات
المليارات ،ذهبت هباء في رمشة عين .فالكويتيون الذين أرادوا
تحرير حاضرهم ،دفعوا الفاتورة من مستقبلهم .وبعد أن وضعوا
آمالهم في صندوقهم الاستثماري ،الذي كان من بين أوائل
الصناديق الاستثمارية السيادية في العالم ،إن لم يكن من أكبرها
أيضا على عتبة عام ،0991فقد انتهوا الى خسارة كل شيء من
ذلك الوهم ،ولم يكسبوا إلا بلدهم نفسه! الثوب الأخير على
أجسادهم .وبقيت لهم بضع ثروات تحت الأرض لم تتحول بعد
الى حسابات في باركليز بنك ! وإلا لكانت قد طارت وتبخرت هي
الأخرى.
وقال الحمد لله !
42
لقد حدث ذلك ،حتى ليجوز للمرء أن يعتقد أن الاجتياح كان
عراقيا ،بالجنود والمدرعات ،إلا أنه كان في الواقع اجتياحا
بريطانيا أميركيا بالفواتير التي اضطرت الكويت أن تبيع من أجل
تسديدها حصصا استثمارية كثيرة كانت تملكها هنا وهناك.
فهل كان الذين أغروا العراق بالاجتياح غافلين عما يعنيه من
ناحية الأموال الكويتية التي كانوا يرونها تكبر في مصارفهم؟!
وما من أحد ،إلا ويعرف انه لا يستطيع أن يأتمن الثعلب على
دجاجاته.
إلا أنهم ما يزالون يتمنون!
ولكن ليس لأنهم لا يعرفون ،بل لانهم ،بكل بساطة ،يتصرفون
كعملاء ... ،إنما من دون رواتب!
عملاء ،بالقلم العريض .يخدمون مصالح الأجنبي على حساب
مصالح شعوبهم ،وعلى حساب دماء ملايين الأبرياء ،خدمة
لأغراضهم الخاصة ...الخاصة فقط!
يملك الصندوق الاستثماري القطري رأسمالا يقدر بنحو 200
مليار دولار (حسب تقديرات عام .)4102
فأين توضع أموال هذا الصندوق؟
دقق في التفاصيل وسترى أن قطر تستثمر..،
-1لخدمة اقتصاد "الخواجا"،
-2في خارطة جغرافية عشوائية،
-3في خارطة صناعات عشوائية،
-4من دون هدف ذي مدلول تنموي محلي.
لقد اشترى جهاز الاستثمار القطري ،على سبيل المثال،
حصصا في (جنرال موترز) و(بورشه) و(فولكسفاغن) ،ولكن
ليس لأن قطر تريد أن تتحول الى صانع سيارات ،وليس لان
43
الدوحة تنتج براغي ولا أجزاء من المحركات لكي تفرضها لدى
أولئك المنتجين.
واشترى الجهاز فنادق هنا وهناك ،ولكن ليس للترويج للسياحة
في قطر ،ولا لضمان حجوزات في فنادقها.
واشترى الجهاز متاجر (ساينزبري) و(هارودز) ،ولكن ليس
لأن قطر تنتج بضائع للمستهلكين لكي تجد سوقا لنفسها هناك.
وعقب شراء متجر "هارودز" ،قال الشيخ حمد بن جاسم بن
جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية (آنذاك)،
الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة هيئة قطر للاستثمار
ورئيسها التنفيذي ،إن المستثمرين في قطر "سيبذلون قصارى جهدهم
لتحديث هذا المتجر وجعله أجمل مما هو عليه وبالتالي أفضل للسياحة
وللبريطانيين بشكل خاص"( .نقلا عن:
WWW.Cop18.qa/ar-Cla
انظر في مقال :شراكات واسعة النطاق في الخارج حرصاً على تحقيق الازدهار على
المدى البعيد).
"أفضل للسياحة" ،ولكن أين ولمن؟
الجواب :أفضل للسياحة في بريطانيا!
بمعنى آخر :قطر تشتري من أموال شعبها مركزا ،وتُنفق عليه
لكي يكون أفضل للسياحة في بريطانيا ،وليس للسياحة في قطر،
ولخدمة "البريطانيين بشكل خاص" ،وليس لخدمة القطريين.
وهذا هو الحال في كل استثمارات الفنادق الفخمة في أوروبا.
فالأموال القطرية تذهب الى هناك لخدمة اقتصاد السياحة ...هناك!
ويقول تقرير نشر في صحيفة "الشرق" القطرية (يوم 8-11
)3102إن "حجم الاستثمارات القطرية في بريطانيا بلغ 33,3مليار
دولار ،وتشمل :برج (شارد) في لندن وحصة "مهمة" في بنك (باركليز)؛
20و في المائة في الشركة المالكة لمطار هيثرو ،وحصة 20في المائة من
ملكية سوق (كامدن) ،وحصة 26في المائة من متاجر (سينسبري).
44
ويضيف التقرير أن قطر "أصبحت أكبر دولة تزود بريطانيا بالغاز
الطبيعي المسال بنسبة 85في المائة"( .نقلا عن:
http://www.menara.ma/ar/2013/11/08/872362
هل لاحظت ماذا يعني ذلك؟
هل لاحظت أن عائدات الغاز لا تخرج من بريطانيا!
هل لاحظت أن المال الذي تجنيه قطر من بريطانيا ،يتم
استثماره لخدمة "التنمية" في بريطانيا!
الشيء نفسه يحصل بالنسبة لاستثمارات قطر في فرنسا ،التي
تقدر بنحو 16,5مليار دولار ،وفي ألمانيا ،التي تقدر بـ 15,7
مليار دولار( .حسب نفس التقرير).
فما تدفعه شركات غربية لقاء الغاز ،تعود شركات غربية
أخرى لتأخذه ،مقابل أسهم!
هل يمكن أن يوجد سخف استثماري ،أقبح من هذا؟
كان الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني في القصيدة التي
مطلعها" :فظيع جهل ما يجري ..وأفظع منه أن تدري" ،يشكو كيف يتمدد
الاستعمار ليجدد غزوه بأيد "وطنية" .حتى قال في قمة من مشاعر
الخزي:
ترقى العار من بيع ..الى بيع بلا ثمن
ومن مستعمر غاز ..الى مستعمر وطني
ولكن البردوني ما كان ليتوقع أن يترقى العار ،في بعض
أوطاننا الى هذا الحد .فحتى "البيع بلا ثمن" صار بيعا نحن ندفع
ثمنه!
وبينما كانت قطر تتفاوض لشراء نادي مانشستر يونايتد
البريطاني ،بمبلغ مليارين ونصف المليار دولار ،كان رئيس
مجلس مفوضي هيئة الاستثمار في الأردن الدكتور خالد أبو ربيع
يقول إن حجم الاستثمارات القطرية في المملكة بلغ 1.540مليار
دولار.
45
هذا المسؤول المسكين لم يلاحظ أن الأردن ،بشعبه كله،
وبمكانته في بيئته ،أقل قيمة ،في عين قطر ،من قيمة نادي كرة
قدم في بريطانيا.
ولكن ،إذا كان كل ذلك سيئا بما يكفي ،فهناك ما هو أسوأ.
أنظر الى ما تنفقه قطر من أموالها لخدمة مشروع التمزيق
والتفتيت والإرهاب الذي ترعاه داعش والإخوان ،وسترى أن
التوظيف السياسي للمال ،لا ينتج بضائع ،ولا يقصد امتصاص
بطالة ،ولا يتجه الى دعم مشاريع للتنمية في دول الجوار العربي،
ولا رعاية خدمات ،وإنما نشر الخراب ،وزرع القتل والفوضى،
بقصد تحويل المنطقة برمتها الى بركان يتفجر من الداخل.
ويا ريت ،لو اقتصر الإفلاس التجاري على الاستثمار في سان
جيرمان!
على الأقل ،كان يمكن لهذا النادي أن يجد مشجعين عربا لم
يقتلهم نادي داعش والإخوان.
فاذا كان فظيعا جهل ما يجري ،فخيز للبردوني أنه مات ،دون
أن يدري!
46
الفصل الثاني
خيارات الشر
نبع الجريمة وشوكة الشيطان "كلا انه ليس بمسلم" -الديمقراطية والعنف
"نهاية التاريخ" والانسان الطائفي الأخير الإسلام السياسي ،حزب بلا دين -نموذج الإخواني الجديد
47
48
نبع الجريمة وشوكة الشيطان
لقد نشأت جماعة "الإخوان المسلمين" عام 1928في مدينة
الاسماعيلية .وللتاريخ والمكان معنيان.
أما بالنسبة للتاريخ ،فان نشأة الجماعة جاءت في خضم نضال
تحرري كان يقوده الوطنيون المصريون ،وفي مقدمتهم
"الوفديون" ،من أجل جلاء الاستعمار البريطاني واستقلال مصر.
أما بالنسبة للمكان ،فقد كانت الاسماعيلية مقرا لشركة قناة
السويس الاستعمارية وقاعدة عسكرية بريطانية.
لا ذنب للشيخ حسن البنا ،مؤسس الجماعة ،في أنه كان هناك
في ذلك التاريخ .فذلك قدر من أقدار المصادفات التي لا ذنب فيها
لأحد ،وهي لا تعني بحد ذاتها أي شيء.
ولكن ،ثمة من الحقائق ما يكفي ليرفع عن "القدر" عامل
الصدفة فيه.
تقتضي الحاجة أن نتعرف على البيئة التي نشأت فيها الجماعة،
لنعرف خياراتها في تلك البيئة .وهذا ما لا مصادفات ولا أقدار
إنه خيارات.
يقول مؤرخ الحركة الوطنية المصرية البارز الدكتور رفعت
السعيد في كتابه" :حسن البنا ..متى ،كيف ،ولماذا"( ،دار الطليعة
الجديدة ،دمشق ،الطبعة العاشرة) ،إن شخصية حسن البنا نشأت في خضم
عدة صراعات كانت تطغى على الحياة في مصر في ذلك الوقت.
الأول ،الصراع بين العلم وحركة التنوير عامة وبين القوى المحافظة.
والثاني ،الصراع بين الوطنية المصرية وبين دعاة الخلافة الاسلامية.
والثالث ،الصراع بين التبشير والتبشير المضاد.
والرابع ،التناقض بين دعاة الغربية والمتوسطية وبين رافضيها.
والخامس ،الصدام بين التجديد والتقليد.
49
Sur le même sujet..
cop18
kutub
darkness
gmail
7513024
menara
watch
author
hotmail
0fg9ufn
ekutub
alialsarraf
youtube
https
nop3puchgow