مطبوعة الأنثروبولوجيا الأستاذ غراز الطاهر .pdf
Nom original: مطبوعة الأنثروبولوجيا الأستاذ غراز الطاهر.pdf
Titre: مطبوعة الأنثروبولوجيا الأستاذ غراز الطاهر
Auteur: Tahar
Ce document au format PDF 1.4 a été généré par PDFCreator 2.5.2.5233, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 19/11/2019 à 14:28, depuis l'adresse IP 154.121.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 74 fois.
Taille du document: 595 Ko (83 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
وزارة اﻝﺘﻌﻠﻴم اﻝﻌﺎﻝﻲ واﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ
ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻤﺤﻤد اﻝﺼدﻴق ﺒن ﻴﺤﻲ -ﺠﻴﺠل-
ﻜﻠﻴﺔ اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﻗﺴم ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع
ﻤﺤﺎﻀرات ﻓﻲ ﻤﻘﻴﺎس
أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
اﻝﺴﻨﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ ﻋﻠم اﺠﺘﻤﺎع
إﻋداد :د .ﻏراز اﻝطﺎﻫر
اﻝرﺘﺒﺔ :أﺴﺘﺎذ ﻤﺤﺎﻀر ﺼﻨف – ب-
اﻝﺴﻨﺔ اﻝﺠﺎﻤﻌﻴﺔ2019/2018 :
ﻓﻬﺮس اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت
اﻟﺼﻔﺤﺔ
ﻣﻘﺪﻣﺔ
01
اﻟﻤﺤﻮر اﻷول :ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وأﻫﺪاﻓﻬﺎ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻷﺧﺮى
02
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻷوﻟﻰ :ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وأﻫﺪاﻓﻬﺎ
02
ﺗﻤﻬﻴﺪ
02
أوﻻ :ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
02
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
03
ﺛﺎﻟﺜﺎ :أﻫﺪاف دراﺳﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
04
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻧﺸﺄة اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ
06
أوﻻ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ
06
.1ﻋﻨﺪ اﻹﻏﺮﻳﻖ )اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء(
06
.2ﻋﻨﺪ اﻟﺮوﻣﺎن
07
.3ﻋﻨﺪ اﻟﺼﻴﻨﻴﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء
08
ﺛﺎﻧﻴﺎ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ
08
.1اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻓﻲ أوروﺑﺎ
09
.2اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب
09
ﺛﺎﻟﺜﺎ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ
11
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻷﺧﺮى
15
ﺗﻤﻬﻴﺪ
15
أوﻻ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻌﻠﻢ اﻷﺣﻴﺎء
16
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻌﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع
17
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
18
راﺑﻌﺎ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ
19
ﺧﺎﻣﺴﺎ :ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ
20
اﻟﻤﺤﻮر اﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وأﻫﻢ ﻓﺮوﻋﻬﺎ
22
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺮاﺑﻌﺔ :دراﺳﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة
22
ﺗﻤﻬﻴﺪ
22
أوﻻ :اﻟﺒﺪاﻳﺎت اﻷوﻟﻰ ﻟﺪراﺳﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
22
ﺛﺎﻧﻴﺎ :اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
23
.1اﻻﺗﺠﺎﻩ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ
24
أ .اﻻﺗﺠﺎﻩ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺘﺠﺰﻳﺌﻲ
24
ب .اﻻﺗﺠﺎﻩ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﻨﻔﺴﻲ
29
.2اﻻﺗﺠﺎﻩ اﻟﺒﻨﺎﺋﻲ اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ
32
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
35
أوﻻ :ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
35
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻓﺮوع اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
36
.1ﻓﺮع اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
36
.2ﻓﺮع اﻷﺟﻨﺎس اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ أو اﻷﺟﺴﺎم اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
37
ﺛﺎﻟﺜﺎ :اﻟﺼﻔﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن وﻋﺮوﻗﻪ
37
أ .اﻟﻌﺮق اﻷﺑﻴﺾ ) اﻟﻘﻮﻗﺎزي (
38
ب .اﻟﻌﺮق اﻷﺳﻮد ) اﻟﺰﻧﺠﻲ (
39
ج .اﻟﻌﺮق اﻷﺻﻔﺮ ) اﻟﻤﻨﻐﻮﻟﻲ (
39
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺴﺎدﺳﺔ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ
40
ﺗﻤﻬﻴﺪ
40
ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ
40
ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ
42
.1ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
43
.2ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
44
ﺛﺎﻟﺜﺎ :اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺸﺨﺼﻴﺔ
46
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
53
أوﻻ :ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
53
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻧﺸﺄة اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮرﻫﺎ
55
ﺛﺎﻟﺜﺎ :أﻗﺴﺎم اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
57
.1ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﻮﻳﺎت
57
أ .ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻮﺻﻔﻲ
59
ب .ﻋﻠﻢ أﺻﻮل اﻟﻠﻐﺎت
59
.2ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ) اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت (
60
.3ﻋﻠﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﻘﺎرن ) اﻷﺛﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ (
61
اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ :اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
65
أوﻻ :ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
65
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻧﺸﺄة اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺗﻄﻮرﻫﺎ
66
.1اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ
.2اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ
.3اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮون
ﺛﺎﻟﺜﺎ :أﻫﺪاف اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
.1ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﻤﺎذج ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻟﻸﺑﻨﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
.2ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺪاﺧﻞ واﻟﺘﺮاﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻈﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
66
67
69
70
71
72
.3ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ
اﻟﻬﻮاﻣﺶ واﻟﻤﺮاﺟﻊ:
79 -73
ﻤﻘدﻤﺔ
ﺘﻌـ ّـددت اﻝد ارﺴــﺎت واﻻﺘﺠﺎﻫــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺘﻨﺎوﻝــت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻓــﻲ اﻵوﻨــﺔ اﻷﺨﻴـرة ،ﺒوﺼــﻔﻬﺎ ﻋﻠﻤ ـﺎً
ﺤدﻴث اﻝﻌﻬد ،ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ﻤرور ﻤﺎ ﻴﻘرب ﻤن اﻝﻘرن ورﺒﻊ اﻝﻘرن ﻋﻠﻰ ﻨﺸﺄة ﻫذا اﻝﻌﻠم.
ﻝﻘـ ــد اﺘّﺴـ ــﻌت ﻤﺠـ ــﺎﻻت اﻝﺒﺤـ ــث واﻝد ارﺴـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ ﻫـ ــذا اﻝﻌﻠـ ــم اﻝﺠدﻴـ ــد ،وﺘـ ــداﺨﻠت ﻤوﻀـ ــوﻋﺎﺘﻪ ﻤـ ــﻊ
ﻤوﻀ ــوﻋﺎت ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠ ــوم اﻷﺨـ ــرى ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠ ــوم اﻷﺤﻴ ــﺎء واﻻﺠﺘﻤـ ــﺎع واﻝﻔﻠﺴ ــﻔﺔ .ﻜﻤ ــﺎ ﺘﻌـ ـ ّـددت
ﺘﺨﺼﺼــﺎﺘﻪ وﻤﺠﺎﻻﺘــﻪ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻓــﻲ اﻝﻤرﺤﻠــﺔ اﻷﺨﻴـرة ﺤﻴــث
ﻤﻨﺎﻫﺠــﻪ اﻝﻨظرﻴــﺔ واﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ،ﺘﺒﻌـﺎً ﻝﺘﻌـ ّـدد
ّ
اﻝﺘﻐﻴرات اﻝﻜﺒﻴرة واﻝﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ،اﻝﺘﻲ ﻜﺎن ﻝﻬﺎ آﺜﺎر واﻀﺤﺔ ﻓﻲ ﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸر ﻜﺄﻓراد و ﻜﻤﺠﺘﻤﻌﺎت .
ـﺘم ﺒد ارﺴــﺔ اﻹﻨﺴــﺎن ،ﺸــﺄﻨﻬﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك ﺸــﺄن اﻝﻌﻠــوم اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻷﺨــرى،
وﺒﻤــﺎ ّ
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﺘﻬـ ّ
ﻓﻬــﻲ ﺘـرﺘﺒط ارﺘﺒﺎطـﺎً وﺜﻴﻘـﺎً ﺒــﺎﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ اﻝــذي ﺘوﺠــد ﻓﻴــﻪ ،ﺤﻴــث ﺘﻌﻜــس ﺒﻨﻴﺘــﻪ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ واﻝﻘــﻴم
اﻝﺴﺎﺌدة ﻓﻴﻪ ،وﺘﺨدم ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻤﺼﺎﻝﺤﻪ ﻓﻲ اﻝﺘﺤﺴﻴن واﻝﺘطوﻴر .
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝـ ــوﺠﻴﻴن
ﺜﻤـ ــﺔ ﻤـ ــن ﻴـ ـ ّ
ـرد ﺒـ ــداﻴﺎت ﺘـ ــﺎرﻴﺦ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ اﻝﻌﺼـ ــور اﻝﻘدﻴﻤـ ــﺔ ،إﻻّ ّ
ّ
أن اﻷﺼــول اﻝﻨظرﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻝﻌﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ظﻬــرت
اﻝﻐ ـرﺒﻴﻴن ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻷوروﺒﻴــون ،ﻴــرون ّ
ﺘﻤت ﻜﺸوﻓﺎت ﺠﻐراﻓﻴﺔ وﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ﻻ
ّإﺒﺎن ﻋﺼر اﻝﺘﻨوﻴر ﻓﻲ أوروﺒﺎ )ﻋﺼر اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ ( ،ﺤﻴث ّ
ﻴﺴﺘﻬﺎن ﺒﻬﺎ ،ﻝﺒﻼد وﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺨﺎرج اﻝﻘﺎرة اﻷورﺒﻴﺔ .
ﺘﻐﻴـرات
وﻗد ّ
ﻗدﻤت ﻫذﻩ اﻝﻜﺸوﻓﺎت ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻫﺎﻤﺔ ﻋن اﻝﺸﻌوب اﻝﻘﺎطﻨﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻝﺒﻼدّ ،أدت إﻝـﻰ ّ
ﺠذرﻴﺔ ﻓﻲ اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻝﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻝﺴﺎﺌدة آﻨذاك ،ﻋن ﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸر وطﺒﻴﻌـﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ وﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬـﺎ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،واﺴــﺘﻘﻼﻝﻬﺎ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻌــد ﻋــن داﺌ ـرة
وﺘطورﻫــﺎ .وﻫــذا ﻤــﺎ ّأدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ ﺘطــوﻴر اﻝﻤﻌرﻓــﺔ
ّ
ّ
اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻝﻘد اﻨﺤﺴرت اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ – إﻝﻰ ﺤ ّـد ﻤـﺎ – ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر أﻤـﺎم اﻝﺘﻔﻜﻴـر
ﺘطورت اﻝﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﺴﺘطﺎع اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺒرﻴطـﺎﻨﻲ ) إدوارد ﺘـﺎﻴﻠور ( E. Tylorأن
اﻝﻌﻠﻤﻲ ،ﺤﻴث ّ
أن ﻋﻠﻤﺎّ ﺠدﻴداً ﻴﺠب أن ﻴﻨﺸﺄ
ﺘﻨوع أﺴﺎﻝﻴب ﺤﻴﺎة اﻝﺸﻌوب
وﺘطورﻫﺎ ،ظﺎﻫرة ﺠدﻴرة ﺒﺎﻝدراﺴﺔ ،و ّ
ّ
ﻴرى ﻓﻲ ّ
وﺴﻤﻰ ﺘﺎﻴﻠور ﻫذﻩ اﻝظﺎﻫرة ﺒـ" اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ Cultureأو اﻝﺤﻀﺎرة ."Civilization
وﻴﻘوم ﺒﻬذﻩ
اﻝﻤﻬﻤﺔّ .
ّ
وﺘﻐﻴ ارﺘـ ــﻪ اﻝﻌﻠﻤﻴـ ــﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ
وﻤـ ــﻊ دﺨـ ــول اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻤﺠـ ــﺎل اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴن ،ﺒﺄﺤداﺜـ ــﻪ ّ
ﺘﻐﻴـرات ﺠوﻫرﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻤوﻀـوﻋﻬﺎ وﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺘﻬﺎ ،ﺤﻴـث ﺘﺨﻠّـت ﻋـن اﻝﻤـﻨﻬﺞ
واﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ،طرأت ﻋﻠﻴﻬﺎ ّ
ﻋﻠﻤﻴـﺔ ،إﻀـﺎﻓﺔ إﻝـﻰ ﺘﺤدﻴـد ﻋﻼﻗـﺔ اﻝﺘـﺄﺜﻴر واﻝﺘـﺄﺜّر
اﻝﻨظري وأﺨذت ﺒﺎﻝﻤﻨﻬﺞ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻲ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ظـﺎﻫرة ّ
ﺘﻤﻴــز
ﺒﻴﻨﻬــﺎ وﺒــﻴن ﻤﻨظوﻤــﺔ اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ واﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻷﺨــرى .ﺤﻴــث أﺼــﺒﺤت اﻝﻨظ ـرة اﻝﺸــﺎﻤﻠﺔ ّ
ﻜﻠﻴـﺔ
اﻝﻤﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ،اﻝذي ﻴﺘطﻠّب دراﺴﺔ أي ﻤوﻀوع – ﻤﻬﻤﺎ ﻜﺎﻨت طﺒﻴﻌﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ -دراﺴﺔ ّ
ﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ ،ﺘﺤﻴط ﺒﺄﺒﻌﺎدﻩ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺒﺘﻠك اﻝﺘﻔﺎﻋﻼت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝﺔ ﺒﻴن أﺒﻌﺎد ﻫذا اﻝﻤوﻀوع وﺠواﻨـب اﻝﺤﻴـﺎة
اﻷﺨرى اﻝﺴﺎﺌدة ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ .
وﺘ ـﺄﺘﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤطﺒوﻋــﺔ ،ﻝﺘﻠﻘــﻲ اﻝﻀــوء ﻋﻠــﻰ أﺒــرز اﻝﺠواﻨــب ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻤــن ﺤﻴــث
ﻗﺴ ــﻤت اﻝﻤطﺒوﻋ ــﺔ إﻝــﻰ ﻤﺤ ــورﻴن ﺘﻀ ـ ّـﻤن ﻜ ـ ّل ﻤﻨﻬﻤـ ـﺎ ﻋ ــدداً ﻤ ــن
أﺒﻌــﺎدﻩ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ واﻝﺘطﺒﻴﻘﻴ ــﺔ .وﻝــذﻝكّ ،
1
اﻝﻤﺤﺎﻀرات ،ﻋﻠﻰ اﻝﻨﺤو اﻝﺘﺎﻝﻲ :
اﻝﻤﺤـــور اﻷول :ﺘﻀ ـ ّـﻤن ﺜ ــﻼث ﻤﺤﺎﻀـ ـرات ،ﺘطرﻗﻨ ــﺎ ﻓﻴﻬ ــﺎ إﻝ ــﻰ :ﻤﻔﻬ ــوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ وأﻫ ــداﻓﻬﺎ،
وﻨﺸﺄﺘﻬﺎ وﺘﺎرﻴﺨﻬﺎ ،وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى .
اﻝﻤﺤور اﻝﺜﺎﻨﻲ :ﺘﻀ ّـﻤن ﺨﻤـس ﻤﺤﺎﻀـرات ،ﺘطرﻗﻨـﺎ ﻓﻴﻬـﺎ إﻝـﻰ :اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺔ واﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬـﺎ
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ -اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ -اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ (
اﻝﻤﻌﺎﺼرة ،وأﻫم اﻝﻔروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ )اﻝﻌﻀوﻴﺔ –
ّ
وﻨﺄﻤــل ﻓــﻲ اﻷﺨﻴــر أن ﺘﺴــﺎﻫم ﻫــذﻩ اﻝﻤطﺒوﻋــﺔ ،ﻓــﻲ ﺘﻘــدﻴم رؤﻴــﺔ واﻀــﺤﺔ ﻋــن ﻫــذا اﻝﻌﻠــم اﻝﺤــدﻴث
اﻷﻋزاء.
اﻝﻤرﺠوة ﻝطﻠﺒﺘﻨﺎ
)اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ( ،ﻋﻠﻰ اﻷﻗ ّل ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌﻨﺎ وﺠﺎﻤﻌﺎﺘﻨﺎ ،وﺒﻤﺎ ﻴﺤﻘّق اﻝﻔﺎﺌدة
ّ
ّ
اﻝﻤﺤور اﻷول
ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ
وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻷوﻝﻰ
ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ
ﺘﻤﻬﻴد:
ﻴﺠﻤــﻊ اﻝﺒــﺎﺤﺜون ﻓــﻲ ﻋﻠــم " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ " ﻋﻠــﻰ ّأﻨــﻪ ﻋﻠــم ﺤــدﻴث اﻝﻌﻬــد ،إذا ﻤــﺎ ﻗــﻴس ﺒــﺒﻌض
أن اﻝﺒﺤـث ﻓـﻲ ﺸـؤون اﻹﻨﺴـﺎن واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت
اﻝﻌﻠوم اﻷﺨـرى ﻜﺎﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ واﻝطـب واﻝﻔﻠـك ..وﻏﻴرﻫـﺎ .إﻻّ ّ
اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻗ ــدﻴم ﻗ ــدم اﻹﻨﺴ ــﺎن ،ﻤ ــذ وﻋ ــﻰ ذاﺘ ــﻪ وﺒ ــدأ ﻴﺴ ــﻌﻰ ﻝﻠﺘﻔﺎﻋ ــل اﻹﻴﺠ ــﺎﺒﻲ ﻤـ ـﻊ ﺒﻴﺌﺘ ــﻪ اﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ
واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻝﻘد درج اﻝﻌﻠﻤﺎء واﻝﻔﻼﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻜـل ﻤﻜـﺎن وزﻤـﺎن ﻋﺒـر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ،ﻋﻠـﻰ وﻀـﻊ ﻨظرﻴـﺎت
ﻋن طﺒﻴﻌﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،وﻤـﺎ ﻴـدﺨل ﻓـﻲ ﻨﺴـﻴﺠﻬﺎ وأﺒﻨﻴﺘﻬـﺎ ﻤـن دﻴـن أو ﺴـﻼﻝﺔ ،وﻤـن ﺜ ّـم ﺘﻘﺴـﻴم
ﻜ ـ ّل ﻤﺠﺘﻤــﻊ إﻝــﻰ طﺒﻘــﺎت ﺒﺤﺴــب ﻋﺎداﺘﻬــﺎ وﻤﺸــﺎﻋرﻫﺎ وﻤﺼــﺎﻝﺤﻬﺎ .وﻗــد أﺴــﻬﻤت اﻝــرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴــﺔ
واﻻﻜﺘﺸﺎﻓﻴﺔ ،وأﻴﻀﺎً اﻝﺤروب ،ﺒدور ﻫﺎم ﻓﻲ ﺤدوث اﻻﺘﺼﺎﻻت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﻴن اﻝﺸـﻌوب واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت
ﻗرﺒت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وأﺘﺎﺤت ﻤﻌرﻓﺔ ﻜـ ّل ﻤﻨﻬـﺎ ﺒـﺎﻵﺨر ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﺎﻝﻠﻐـﺔ واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،ﺤﻴث ّ
ﻤﻌﻴن ﻝﺒداﻴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.
واﻝﻘﻴم ..وﻝذﻝك ،ﻓﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن ،ﺘﺤدﻴد ﺘﺎرﻴﺦ ّ
أوﻻً-ﻤﻔﻬوم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
إن ﻝﻔظ ــﺔ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ،Anthropologyﻫ ــﻲ ﻜﻠﻤ ــﺔ إﻨﻜﻠﻴزﻴ ــﺔ ﻤﺸ ــﺘﻘّﺔ ﻤ ــن اﻷﺼ ــل اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻲ
ّ
اﻝﻤﻜون ﻤـن ﻤﻘطﻌـﻴن :أﻨﺜروﺒـوس ،Anthroposوﻤﻌﻨـﺎﻩ " اﻹﻨﺴـﺎن " و ﻝوﺠـوس ،Locosوﻤﻌﻨـﺎﻩ "
ّ
ﻋﻠم " .وﺒذﻝك ﻴﺼﺒﺢ ﻤﻌﻨـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤـن ﺤﻴـث اﻝﻠﻔـظ " ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن " أي اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس
1
اﻹﻨﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎن .
2
ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺤﻴث ﻫو ﻜﺎﺌن ﻋﻀوي ﺤﻲ،
ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎّ ،
وﻝذﻝكّ ،
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ..وﻴﻘــوم ﺒﺄﻋﻤــﺎل ﻤﺘﻌـ ّـددة،
ﻴﻌــﻴش ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺘﺴــودﻩ ﻨظــم وأﻨﺴــﺎق اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻓــﻲ ظ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ّ
وﻴﺴــﻠك ﺴــﻠوﻜﺎً ﻤﺤـ ّـدداً؛ وﻫــو أﻴﻀ ـﺎً اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ،واﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺤدﻴﺜــﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة،
اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴــﺎن ﻤﻌﺘﻤــداً ﻋﻠــﻰ ﺘطـ ّـورﻩ ﻋﺒــر اﻝﺘــﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ اﻝطوﻴــل . .وﻝــذا ﻴﻌﺘﺒــر
وﻴﺤــﺎول ّ
2
ﻤﺘطو اًر ،ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن وﺴﻠوﻜﻪ وأﻋﻤﺎﻝﻪ.
ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ( ﻋﻠﻤﺎً
ّ
ﺒﺄﻨﻬـﺎ ﻋﻠـم )اﻷﻨﺎﺴـﺔ( اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴـدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻜﻤﺨﻠـوق ،ﻴﻨﺘﻤـﻲ
وﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ أﻴﻀـﺎًّ ،
إﻝﻰ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺤﻴواﻨﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ ،وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ّأﻨـﻪ اﻝوﺤﻴـد ﻤـن اﻷﻨـواع اﻝﺤﻴواﻨﻴـﺔ ﻜﻠّﻬـﺎ ،اﻝـذي ﻴﺼـﻨﻊ
ﻴﺘﻤﻴز ﻋﻨﻬﺎ ﺠﻤﻴﻌﺎً. 3.
اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ وﻴﺒدﻋﻬﺎ ،واﻝﻤﺨﻠوق اﻝذي ّ
ﺒﺄﻨﻬﺎ " ﻋﻠم دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن طﺒﻴﻌﻴﺎً واﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً
ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺼورة ﻤﺨﺘﺼرة وﺸﺎﻤﻠﺔ ّ
ﻜﻤﺎ ّ
4
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ﻻ ﺘ ــدرس اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻜﻜ ــﺎﺌن وﺤﻴ ــد ﺒذاﺘ ــﻪ ،أو ﻤﻨﻌ ــزل ﻋ ــن أﺒﻨ ــﺎء
وﺤﻀ ــﺎرﻴﺎً " أي ّ
ﺠﻨﺴﻪّ ،إﻨﻤـﺎ ﺘدرﺴـﻪ ﺒوﺼـﻔﻪ ﻜﺎﺌﻨـﺎً اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺎً ﺒطﺒﻌـﻪ ،ﻴﺤﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤﻌ ّـﻴن ﻝــﻪ ﻤﻴ ازﺘـﻪ اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﻓـﻲ
ﻤﻜﺎن وزﻤﺎن ﻤﻌﻴﻨﻴن .
ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒوﺼﻔﻬﺎ دراﺴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻓﻲ أﺒﻌﺎدﻩ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻝﺒﻴوﻓﻴزﻴﺎﺌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ،
ﻓﻬــﻲ ﻋﻠــم ﺸــﺎﻤل ﻴﺠﻤــﻊ ﺒــﻴن ﻤﻴــﺎدﻴن وﻤﺠــﺎﻻت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨــﺔ وﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻋــن ﺒﻌــض ،اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــم
اﻝﺘﺸـرﻴﺢ ﻋــن ﺘــﺎرﻴﺦ ﺘطـ ّـور اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻝﻌرﻗﻴـﺔ ،وﻋــن د ارﺴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻤــن
ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ وﻗراﺒﻴﺔ ودﻴﻨﻴﺔ وﻗﺎﻨوﻨﻴﺔ ،وﻤـﺎ إﻝﻴﻬـﺎ ..وﻜـذﻝك ﻋـن اﻹﺒـداع اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎﻻت
ّ
اﻝﻤﺘﻨوﻋﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل :اﻝﺘراث اﻝﻔﻜـري وأﻨﻤـﺎط اﻝﻘـﻴم وأﻨﺴـﺎق اﻝﻔﻜـر واﻹﺒـداع اﻷدﺒـﻲ واﻝﻔﻨـﻲ ،ﺒـل
اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّ
واﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد وﻤظــﺎﻫر اﻝﺴــﻠوك ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔٕ ،وان ﻜﺎﻨــت ﻻ ﺘ ـزال ﺘﻌطــﻲ
5
ﻋﻨﺎﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ.
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ " :ﻫ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺔ اﻝﺒﻴوﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ
وﻫ ــذا ﻴﺘواﻓ ــق ﻤ ــﻊ ﺘﻌرﻴ ــف ) ﺘ ــﺎﻴﻠور( اﻝ ــذي ﻴ ــرى ّ
اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن " إذ ﺘﺤـﺎول اﻝﻜﺸــف ﻋـن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻤظـﺎﻫر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻤوروﺜـﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن ،وﻤــﺎ
ﻴﺘﻠﻘــﺎﻩ ﻤــن ﺘﻌﻠــﻴم وﺘﻨﺸــﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ .وﺒﻬــذا اﻝﻤﻌﻨــﻰ ،ﺘﺘﻨــﺎول اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻤوﻀــوﻋﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻤــن
اﻝﺘﺨﺼﺼﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌﻠّق ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن .
اﻝﻌﻠوم و
ّ
ﺜﺎﻨﻴﺎً-طﺒﻴﻌﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
إن اﻝﺸﻌوب اﻝﻨﺎطﻘﺔ ﺒﺎﻝﻠﻐﺔ اﻹﻨﻜﻠﻴزﻴﺔ ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ،ﺘطﻠق ﻋﻠـﻰ ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ " :ﻋﻠـم اﻹﻨﺴـﺎن
ّ
وأﻋﻤﺎﻝﻪ " ﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴطﻠق اﻝﻤﺼطﻠﺢ ذاﺘﻪ ﻓـﻲ اﻝﺒﻠـدان اﻷوروﺒﻴـﺔ ﻏﻴـر اﻝﻨﺎطﻘـﺔ ﺒﺎﻹﻨﻜﻠﻴزﻴـﺔ ،ﻋﻠـﻰ " د ارﺴـﺔ
اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن" .وﻴﺼل ﻫذا اﻻﺨﺘﻼف إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ..ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻴﻌﻨﻲ
ـﺈن
ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔﻴزﻴﻘﻴــﺔ ،وﻴﻨظــر إﻝــﻰ ﻋﻠﻤــﻲ اﻵﺜــﺎر واﻝﻠﻐوﻴــﺎت ﻜﻔــرﻋﻴن ﻤﻨﻔﺼــﻠﻴن ،ﻓـ ّ
اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن ﻴﺴــﺘﺨدﻤون ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻹﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺎ أو اﻹﺜﻨوﻏراﻓﻴــﺎ( ﻝوﺼــف )اﻹﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( واﻝﺘــﻲ
ﻴطﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( .
ﻓﻔــﻲ إﻨﻜﻠﺘـ ار ﻤــﺜﻼً ،ﻴطﻠــق ﻤﺼــطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﻜﻴﺎﻨﺎﺘﻬــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ،
أن
أﻤ ـ ــﺎ ﻓ ـ ــﻲ أﻤرﻴﻜ ـ ــﺎ ،ﻓﻴ ـ ــرى اﻝﻌﻠﻤ ـ ــﺎء ّ
ﻤ ـ ــﻊ ﻤﻴ ـ ــل ﺨ ـ ــﺎص ﻝﻠﺘﺄﻜﻴ ـ ــد ﻋﻠ ـ ــﻰ د ارﺴ ـ ــﺔ اﻝﺸ ـ ــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴ ـ ــﺔّ .
3
أن ﻋﻠﻤــﺎء ﻓرﻨﺴــﺎ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻫــﻲ ﻋﻠــم د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺒداﺌﻴــﺔ واﻝﻤﻌﺎﺼ ـرة ،ﻓــﻲ ﺤــﻴن ّ
6
ﻴﻌﻨون ﺒﻬذا اﻝﻤﺼطﻠﺢ ،دراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،أي " اﻝﻌﻀوﻴﺔ " .
ﻓﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻴرّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻜﺎﺌن واﺤد ،ﻫـو اﻹﻨﺴـﺎن ،وﻴﺤـﺎول ﻓﻬـم أﻨـواع اﻝظـﺎﻫرات
اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘؤﺜّر ﻓﻴﻪ ..ﻓﻲ ﺤﻴن ﺘرّﻜز اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى اﻫﺘﻤﺎﻤﻬﺎ ﻋﻠـﻰ أﻨـواع ﻤﺤ ّـددة ﻤـن اﻝظـﺎﻫرات
ّأﻨــﻰ وﺠــدت ﻓــﻲ اﻝطﺒﻴﻌــﺔ .وﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻤــﺎ زال ،ﻴﺤــﺎول ﻓﻬــم ﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻴﻤﻜــن ﻓﻬﻤــﻪ أو
ﻤﻌرﻓﺘــﻪ ﻋــن طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا اﻝﻤﺨﻠــوق اﻝﻐرﻴــب اﻝــذي ﻴﺴــﻴر ﻋﻠــﻰ ﻗــدﻤﻴن ،وﻜــذﻝك ﻓﻬــم ﺴــﻠوﻜﻪ اﻝــذي ﻴﻔــوق
طﺒﻴﻌﺘﻪ اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ ﻏراﺒﺔ .
طورﺘﻬـ ــﺎ اﻝﻌﻠـ ــوم
وﻤـ ــﻊ ّ
أن ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ،اﺴـ ــﺘطﺎﻋوا اﺴـ ــﺘﺨدام ﺒﻌـ ــض اﻷﺴـ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘـ ــﻲ ّ
أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔّ ،
ﻓﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤـﺎ اﻀـطروا إﻝـﻰ اﻨﺘظـﺎر ﺘط ّـور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب ..واﻝواﻗـﻊ ّ
ﺘطـ ّـور اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻻ ﻴﻘ ـ ّل ﺸــﺄﻨﺎً ﻋــن إﺴــﻬﺎم ﻫــذﻩ اﻝﻌﻠــوم ﻓــﻲ ﺘطـ ّـور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ .وﻝــذﻝك،
ﻴﻨﻘﺴـ ــم ﻋﻠـ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ ﻗﺴـ ــﻤﻴن أﺴﺎﺴـ ــﻴﻴن ﻜﺒﻴ ـ ـرﻴن :ﻴﺒﺤـ ــث اﻷول ﻓـ ــﻲ اﻹﻨﺴـ ــﺎن ،وﻴﻌـ ــرف
ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﻲ ﺤﻴن ﻴﺒﺤث اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻹﻨﺴﺎن ،وﻴﻌرف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
7
اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ .
واﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘ ــﺎت ،ﻓﻘ ــد ﺤ ـ ّـددت اﻝﺒﺎﺤﺜ ــﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴ ــﺔ ) ﻤﺎرﻏرﻴ ــت ﻤﻴ ــد( طﺒﻴﻌ ــﺔ ﻋﻠ ــم
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﺒﻌــﺎدﻩ ،ﺒﻘوﻝﻬــﺎ ّ " :إﻨﻨــﺎ ﻨﺼـ ّـﻨف اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻝﻠﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ
ـﺘم
واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻜﺄﻨﺴــﺎق ﻤﺘراﺒطــﺔ وﻤﺘﻐّﻴـرة ،وذﻝــك ﻋــن طرﻴــق ﻨﻤــﺎذج وﻤﻘــﺎﻴﻴس وﻤﻨــﺎﻫﺞ ﻤﺘطـ ّـورة .ﻜﻤــﺎ ﻨﻬـ ّ
أﻴﻀـ ـﺎً ﺒوﺼ ــف اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴ ــﺔ وﺘﺤﻠﻴﻠﻬ ــﺎ ،إﻀ ــﺎﻓﺔ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﺤ ــث ﻓ ــﻲ اﻹدراك اﻝﻌﻘﻠ ــﻲ
ﻝﻺﻨﺴــﺎن واﺒﺘﻜﺎ ارﺘــﻪ وﻤﻌﺘﻘداﺘــﻪ ووﺴــﺎﺌل اﺘﺼــﺎﻻﺘﻪ .وﺒﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ ،ﻨﺴــﻌﻰ – ﻨﺤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن –
ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺘﺎﺌﺞ دراﺴﺎﺘﻨﺎ واﻝرﺒط ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎر ﻨظرﻴﺎت اﻝﺘط ّـور ،أو ﻀـﻤن ﻤﻔﻬـوم اﻝوﺤـدة اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ
8
اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﺒﺸر "..
ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻫﻲ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن ،وﻴدرس أوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ
وﺘﺄﺴﻴﺴﺎً ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ّ
ﺘﻘدمّ ،
اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى ﻤن ﺠﻬﺔ ،وأوﺠـﻪ اﻝﺸـﺒﻪ واﻻﺨـﺘﻼف ﺒـﻴن اﻹﻨﺴـﺎن
وأوﺠﻪ اﻻﺨﺘﻼف ﺒﻴﻨﻪ وﺒﻴن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
وأﺨﻴﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى.
وﻓـﻲ اﻝوﻗـت ذاﺘـﻪ ،ﻴـدرس اﻝﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻀـﻤن اﻹطـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم .ﻓــﻼ
ـﺘم ﺒﺎﻹﻨﺴـﺎن اﻝـذي
ﺘﻬﺘم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن اﻝﻔرد ،ﻜﻤﺎ ﺘﻔﻌل اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺎ أو ﻋﻠم اﻝـﻨﻔسٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﺘﻬ ّ
ّ
ﻴﻌﻴش ﻓﻲ ﺠﻤﺎﻋﺎت وأﺠﻨﺎس ،وﺘدرس اﻝﻨﺎس ﻓﻲ أﺤداﺜﻬم وأﻓﻌﺎﻝﻬم اﻝﺤﻴﺎﺘﻴﺔ .
ﺜﺎﻝﺜﺎً -أﻫداف دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
ـﺈن د ارﺴـﺘﻬﺎ ﺘﺤﻘّـق ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻷﻫـداف ،ﻴﻤﻜـن
اﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻤﻔﻬوم اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬـﺎ ،ﻓ ّ
ﺤﺼرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ :
-1وﺼف ﻤظﺎﻫر اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸـرﻴﺔ واﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ وﺼـﻔﺎً دﻗﻴﻘـﺎً ،وذﻝـك ﻋـن طرﻴـق ﻤﻌﺎﻴﺸـﺔ اﻝﺒﺎﺤـث
اﻝﻤﺠﻤوﻋ ــﺔ أو اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﻤدروﺴ ــﺔ ،وﺘﺴ ــﺠﻴل ﻜـ ـ ّل ﻤ ــﺎ ﻴﻘ ــوم ﺒ ــﻪ أﻓرادﻫ ــﺎ ﻤ ــن ﺴ ــﻠوﻜﺎت ﻓ ــﻲ
اﻝﻴوﻤﻴﺔ .
ﺘﻌﺎﻤﻠﻬم ،ﻓﻲ اﻝﺤﻴﺎة
ّ
4
-2ﺘﺼﻨﻴف ﻤظﺎﻫر اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺒﺸرﻴﺔ واﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ﺒﻌد دراﺴﺘﻬﺎ دراﺴﺔ واﻗﻌﻴـﺔ ،وذﻝـك ﻝﻠوﺼـول إﻝـﻰ
أﻨﻤــﺎط إﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻋﺎﻤــﺔ ،ﻓــﻲ ﺴــﻴﺎق اﻝﺘرﺘﻴــب اﻝﺘطـ ّـوري اﻝﺤﻀــﺎري اﻝﻌــﺎم ﻝﻺﻨﺴ ـﺎن) :ﺒــداﺌﻲ-
زراﻋﻲ -ﺼﻨﺎﻋﻲ – ﻤﻌرﻓﻲ – ﺘﻜﻨوﻝوﺠﻲ(
اﻝﺘﻐﻴــر وﻋﻤﻠﻴﺎﺘــﻪ ﺒدﻗّــﺔ ﻋﻠﻤﻴــﺔ ..
اﻝﺘﻐﻴــر اﻝــذي ﻴﺤــدث ﻝﻺﻨﺴــﺎن ،وأﺴــﺒﺎب ﻫــذا ّ
-3ﺘﺤدﻴــد أﺼــول ّ
وذﻝك ﺒﺎﻝرﺠوع إﻝﻰ اﻝﺘراث اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ورﺒطـﻪ ﺒﺎﻝﺤﺎﻀـر ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎرﻨـﺔٕ ،واﻴﺠـﺎد ﻋﻨﺎﺼـر
اﻝﺘﻐﻴﻴر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
اﻝﺘوﻗﻌـﺎت ﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘﻐﻴﻴـر اﻝﻤﺤﺘﻤـل ،ﻓـﻲ اﻝظـواﻫر اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ
-4اﺴﺘﻨﺘﺎج اﻝﻤؤ ّﺸرات و ّ
ـﺘﻤم د ارﺴــﺘﻬﺎ ،وﺒﺎﻝﺘﺼـ ّـور ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﻹﻤﻜﺎﻨﻴــﺔ اﻝﺘﻨﺒــؤ ﺒﻤﺴــﺘﻘﺒل اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﺘــﻲ
اﻝﺘــﻲ ﺘـ ّ
9
أﺠرﻴت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻝدراﺴﺔ.
أن اﻝﺘﺒــﺎﻴن اﻝﻌرﻗــﻲ ﺒــﻴن ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر ،ﻫــو اﻝﺨﺎﺼــﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﺄﺜر ﺒﺎﻫﺘﻤــﺎم اﻝﻌــﺎﻝِم
وﻴﺒــدو ّ
اﻝﺤ ـدﻴث ،أﻜﺜــر ﻤــن ﺴــﺎﺌر اﻝﺨ ـواص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ اﻷﺨــرى ﻋﻨــد اﻹﻨﺴــﺎن .وﻴﺒــذل اﻝﻤﺼـ ّـﻨﻔون اﻝﻌرﻗﻴــون
ﻝﻠﺘوﺼــل إﻝــﻰ ﺘﺼــﻨﻴف ﻋرﻗــﻲ ﻤﺜــﺎﻝﻲ .ﻓﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻨﺸــﻐﺎل ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
ﻤﺤــﺎوﻻت داﺌﺒــﺔ
ّ
اﻝﺠﺴــﻤﻴﺔ ﺒﻤﺸــﻜﻠﺔ اﻝﻌــرق ،أن اﻜﺘﺴــب ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨــوع )اﻝﻌــرق( رﺴــوﺨﺎً أﻋــﺎق اﻝﺘﻔﻜﻴــر ﺒﺎﻝﻜــﺎﺌن اﻝﺒﺸــري
ذاﺘـﻪ .ﻓﺎﻷﺼــﻨﺎف اﻝﻌرﻗﻴــﺔ اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ظﻠّــتٕ ،واﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ،ﺘﻌﺘﺒــر ﻜﻴﺎﻨــﺎت ﺜﺎﺒﺘــﺔ ﻨﺴــﺒﻴﺎً ،وﻗــﺎدرة ﻋﻠــﻰ
اﻝﺘﻐﻴر اﻝﻔطرﻴﺔ.
اﻝﺼﻤود أﻤﺎم ﺘﺄﺜﻴرات اﻝﺒﻴﺌﺔ أو ﻗوى ّ
أدى إﻝ ــﻰ ﻓ ــرض ﻋ ــدد ﻤﺤ ــدود ﻤ ــن اﻝﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎت
أن اﻝﺘط ـ ّـرف ﻓ ــﻲ ﺘﻤﺠﻴ ــد ﻓﻜـ ـرة اﻝﻌ ــرقّ ،
وﻴﻼﺤ ــظ ّ
أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ زج اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ ﻫــذﻩ
اﻝﺼــﺎرﻤﺔ ﻋﻠــﻰ ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر اﻝــذﻴن ﻴﻤﺘــﺎزون ﺒﺘﻨـ ّـوع ﻻ ﺤـ ّـد ﻝــﻪ ،و ّ
10
اﻝﺘﺼﻨﻴﻔﺎت ،ﺒﺼورة ﺘطﻤس ﺼﻔﺎﺘﻬم اﻷﺼﻠﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ.
إن اﻫﺘﻤﺎم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻝﺤﻀـﺎرﻴﺔ ﻜﺎﻓـﺔ،
ّ
اﻝﺘوﺴــﻊ ﻓــﻲ
ﻴﻌﺘﺒــر ﻤﻨطﻠﻘ ـﺎً أﺴﺎﺴــﻴﺎً ﻓــﻲ ﻓﻠﺴــﻔﺔ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ .وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن
ّ
ﻤﺠــﺎل اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﻓﻤــﺎ ازﻝــت اﻻﻫﺘﻤﺎﻤــﺎت اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴــﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ وﺼــف
ﺘؤﻜد وﻻ
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت وأﺴﻠوب ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،ودراﺴﺔ اﻝﻠﻐﺎت واﻝﻠﻬﺠﺎت اﻝﻤﺤﻠﻴﺔ وآﺜﺎر ﻤﺎ ﻗﺒل اﻝﺘﺎرﻴﺦّ ،
11
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع.
ﻋﻤﺎ ﻋداﻫﺎ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى ،وﻻ ّ
ﺸكّ ،
ﺘﻔرد ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ّ
أﻫﻤﻴــﺔ اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد ﺼــﻔﺎت اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔٕ ،واﻴﺠــﺎد
وﻤــن ﻫﻨــﺎ ﻜﺎﻨــت ّ
اﻝﺘﻌﺼــب واﻷﺤﻜــﺎم اﻝﻤﺴــﺒﻘﺔ اﻝﺘــﻲ ﻻ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝــﻰ أﻴــﺔ أﺼــول
اﻝﻘواﺴــم اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ ،ﺒﻌﻴــداً ﻋــن
ّ
ﻋﻠﻤﻴﺔ.
ٕواذا ﻜــﺎن ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﻗــد اﺴــﺘطﺎع أن ﻴــﻨﺠﺢ ﻓــﻲ إﺜﺒــﺎت اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن
ﻓﺈن أﻫ ّـم ﻤـﺎ أﺜﺒﺘـﻪ ﻫـو،
ﺘطورﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎريّ ،
اﻝظواﻫر اﻝﺨﺎﺼﺔ ﺒﻨﺸﺄة اﻹﻨﺴﺎن وطﺒﻴﻌﺘﻪ ،وﻤراﺤل ّ
أن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺄﺠﻨﺎﺴــﻬﺎ اﻝﻤﺘﻌـ ّـددة ،ﺘﺘﺸــﺎﺒﻪ إﻝــﻰ ﺤـ ّـد اﻝﺘطــﺎﺒق ﻓــﻲ طﺒﻴﻌﺘﻬــﺎ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ
ّ
ﻓﻲ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝﻌﻀوﻴﺔ واﻝﺤﻴوﻴﺔ .
5
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ
ﻨﺸﺄة اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وﺘﺎرﻴﺨﻬﺎ:
أوﻻً :اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﻘدﻴم :
أن اﻝرﺤﻠﺔ اﻝﺘﻲ ﻗﺎم ﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺼـرﻴون اﻝﻘـدﻤﺎء
ﻴﺠﻤﻊ ﻤﻌظم ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع واﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﻋﻠﻰ ّ
ﻓﻲ ﻋﺎم 1493ﻗﺒل اﻝﻤﻴﻼد إﻝﻰ ﺒﻼد ﺒوﻨت )اﻝﺼـوﻤﺎل ﺤﺎﻝﻴـﺎً(ﺒﻬـدف اﻝﺘﺒـﺎدل اﻝﺘﺠـﺎري ،ﺘﻌ ّـد ﻤـن أﻗـدم
اﻝرﺤﻼت اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺘﻌﺎرف ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب .وﻗد ﻜﺎﻨت اﻝرﺤﻠﺔ ﻤؤﻝّﻔﺔ ﻤن ﺨﻤﺴﺔ ﻤراﻜب ،ﻋﻠﻰ ﻤـﺘن
ﻜ ّل ﻤﻨﻬﺎ /31/راﻜﺒﺎً ،وذﻝك ﺒﻬدف ﺘﺴوﻴق ﺒﻀﺎﺌﻌﻬم اﻝﻨﻔﻴﺴﺔ اﻝﺘﻲ ﺸﻤﻠت اﻝﺒﺨور واﻝﻌطور.وﻨـﺘﺞ ﻋـن
ﻫــذﻩ اﻝرﺤﻠــﺔ اﺘﺼــﺎل اﻝﻤﺼ ـرﻴﻴن اﻝﻘــدﻤﺎء ﺒــﺄﻗزام أﻓرﻴﻘﻴــﺎ .وﺘﺄﻜﻴــداً ﻹﻗﺎﻤــﺔ ﻋﻼﻗــﺎت ﻤﻌﻬــم ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻌــد ،ﻓﻘــد
12
ﺼورت اﻝﻨﻘوش ﻓﻲ ﻤﻌﺒد اﻝدﻴر اﻝﺒﺤري ،اﺴﺘﻘﺒﺎل ﻤﻠك وﻤﻠﻜﺔ ﺒﻼد ) ﺒوﻨت ( ﻝﻤﺒﻌوث ﻤﺼري .
ّ
-1ﻋﻨد اﻹﻏرﻴق )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء (:
ﻴﻌد اﻝﻤؤرخ اﻹﻏرﻴﻘﻲ )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻲ( ﻫﻴرودوﺘس ،Herodotusاﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻘـرن اﻝﺨـﺎﻤس ﻗﺒـل
ّ
ﻤﺤﺒ ـﺎً ﻝﻸﺴــﻔﺎر ،أول ﻤــن ﺼـ ّـور أﺤــﻼم اﻝﺸــﻌوب وﻋــﺎداﺘﻬم وطــرح ﻓﻜ ـرة وﺠــود
اﻝﻤــﻴﻼد ،وﻜــﺎن رﺤﺎﻝــﺔ ّ
ﺘﻨوع وﻓوارق ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ،ﻤن ﺤﻴث اﻝﻨواﺤﻲ اﻝﺴﻼﻝﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻝﻠﻐوﻴـﺔ واﻝدﻴﻨﻴـﺔ .وﻝـذﻝك ،ﻴﻌﺘﺒـرﻩ ﻤﻌظـم
ّ
اﻷول ﻓﻲ اﻝﺘﺎرﻴﺦ .
ّ
ﻤؤرﺨﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ّ
ـﻔﻴﺔ دﻗﻴﻘـﺔ ﻋـن ﻋـدد ﻜﺒﻴـر ﻤـن اﻝﺸـﻌوب ﻏﻴـر اﻷوروﺒﻴـﺔ
ﻓﻬو أول ﻤن ﻗﺎم ﺒﺠﻤـﻊ ﻤﻌﻠوﻤـﺎت وﺼ ّ
ـﻤﻴﺔ وأﺼـوﻝﻬم
)ﺤواﻝﻲ ﺨﻤﺴﻴن ﺸﻌﺒﺎً ( ،ﺤﻴث ﺘﻨﺎول ﺒﺎﻝﺘﻔﺼﻴل ﺘﻘﺎﻝﻴدﻫم وﻋـﺎداﺘﻬم ،وﻤﻼﻤﺤﻬـم اﻝﺠﺴ ّ
13
ﻗدم وﺼﻔﺎً دﻗﻴﻘﺎً ﻝﻤﺼر وأﺤواﻝﻬﺎ وﺸﻌﺒﻬﺎ ،وﻫو ﻗﺎﺌل اﻝﻌﺒـﺎرة اﻝﺸـﻬﻴرة:
اﻝﺴﻼﻝﻴﺔ .إﻀﺎﻓﺔ إﻝﻰ ّأﻨﻪ ّ
"ﻤﺼر ﻫﺒﺔ اﻝﻨﻴل".
وﻤﻤــﺎ ﻴﻘوﻝ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﻋ ــﺎدات اﻝﻤﺼـ ـرﻴﻴن اﻝﻘ ــدﻤﺎءّ " :إﻨ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﻏﻴ ــر اﻝﻤﺼـ ـرﻴﻴن ،ﻴطﻠ ــق ﻜﻬﻨ ــﺔ اﻵﻝﻬ ــﺔ
ّ
أﻤﺎ ﻓﻲ ﻤﺼر ﻓﻴﺤﻠﻘوﻨﻬﺎ .وﻴﻘﻀﻲ اﻝﻌرف ﻋﻨـد ﺴـﺎﺌر اﻝﺸـﻌوب ،ﺒـﺄن ﻴﺤﻠـق أﻗـﺎرب اﻝﻤﺼـﺎب
ﺸﻌورﻫمّ ،
ـﺈﻨﻬم ﻴطﻠﻘــون ﺸــﻌر
رؤوﺴــﻬم ﻓــﻲ أﺜﻨــﺎء اﻝﺤــداد ،وﻝﻜــن اﻝﻤﺼ ـرﻴﻴن إذا ﻨزﻝــت ﺒﺴــﺎﺤﺘﻬم ﻤﺤﻨــﺔ اﻝﻤــوت ،ﻓـ ّ
14
اﻝرأس واﻝﻠﺤﻴﺔ "
أن ﺜـوب أﺜﻴﻨـﺎ ودرﻋﻬـﺎ
أﻤﺎ ﻋن اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن ﺒﻌـض اﻝﻌـﺎدات اﻹﻏرﻴﻘﻴـﺔ واﻝﻠﻴﺒﻴـﺔ ،ﻓﻴﻘـول " :ﻴﺒـدو ّ
وّ
أن ﻋـذﺒﺎت دروﻋﻬـن
أن ﻝﺒـﺎس اﻝﻠﻴﺒﻴـﺎت ﺠﻠـدي ،و ّ
وﺘﻤﺎﺜﻴﻠﻬﺎ ،ﻨﻘﻠﻬﺎ اﻹﻏرﻴق ﻋن اﻝﻨﺴﺎء اﻝﻠﻴﺒﻴﺎت .ﻏﻴـر ّ
اﻝﻤﺼﻨوﻋﺔ ﻤن ﺠﻠد اﻝﻤـﺎﻋز ﻝﻴﺴـت ﺜﻌـﺎﺒﻴن ،ﺒـل ﻫـﻲ ﻤﺼـﻨوﻋﺔ ﻤـن ﺴـﻴور ﺠﻠـد اﻝﺤﻴـوان .وأﻤـﺎ ﻤـﺎ ﻋـدا
ﻓﺈن اﻝﺜوب واﻝدرع ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻝﻴﺘﻴن ﺴواء ..وﻤن اﻝﻠﻴﺒﻴﻴن ﺘﻌﻠّم اﻹﻏرﻴق ﻜﻴف ﻴﻘودون اﻝﻌرﺒﺎت ذات
ذﻝكّ ،
15
اﻝﺨﻴول اﻷرﺒﻌﺔ "
أن
واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ﻫــذﻩ اﻹﺴــﻬﺎﻤﺎت اﻝﻤﺒﻜـرة واﻝﺠــﺎدة ،ﻴﻌﺘﻘــد اﻝﻜﺜﻴــرون ﻤــن ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎّ ،
ﻤــﻨﻬﺞ ﻫﻴــرودوﺘس ﻓــﻲ وﺼــف ﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺸــﻌوب وﺤﻴــﺎﺘﻬم وﺒﻌــض ﻨظﻤﻬــم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻴﻨطــوي ﻋﻠــﻰ
6
ﺒﻌض أﺴﺎﺴﻴﺎت اﻝﻤﻨﻬﺞ )اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻲ( اﻝﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر ﺒﺎﺴم )ﻋﻠم اﻝﺸﻌوب( .
أن أرﺴطو ) 322 -348ق.م( ﻜﺎن ﻤن أواﺌل اﻝذﻴن وﻀﻌوا ﺒﻌض أوﻝﻴـﺎت اﻝﻔﻜـر
وﻜذﻝك ﻨﺠد ّ
وﺘطورﻫـﺎ ﻓـﻲ
وﺘﺄﻤﻼﺘﻪ ﻓﻲ اﻝﺘرﻜﻴﺒﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ
اﻝﺘطوري ﻝﻠﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
اﻝﺤﻴﺔ ،وذﻝك ﻤن ﺨﻼل ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ّ
ّ
ّ
اﻝﺤﻴـ ـوان ..ﻜﻤ ــﺎ ﻴﻨﺴ ــب إﻝﻴ ــﻪ أﻴﻀـ ـﺎً ،ﺘوﺠﻴ ــﻪ اﻝﻔﻜ ــر ﻨﺤ ــو وﺼ ــف ﻨﺸ ــﺄة اﻝﺤﻜوﻤ ــﺎت وﺘﺤﻠﻴ ــل أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ
16
وأﻓﻀﻠﻬﺎ ،اﻷﻤر اﻝذي ﻴﻌﺘﺒر ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻤﺒدﺌﻴﺔ وﻫﺎﻤﺔ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
إن اﻝـ ـ ــدارس أﻋﻤـ ـ ــﺎل اﻝﻔﻼﺴـ ـ ــﻔﺔ اﻝﻴوﻨـ ـ ــﺎﻨﻴﻴن ﻴﺼـ ـ ــل إﻝـ ـ ــﻰ ﻤﻌﻠوﻤـ ـ ــﺔ طرﻴﻔـ ـ ــﺔ وذات ﺼـ ـ ــﻠﺔ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻔﻜر
ّ
أن اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻴﻴن أﺨ ــذوا اﻝﻜﺜﻴ ــر ﻤ ــن اﻝﺤﻀ ــﺎرات اﻝﺘ ــﻲ ﺴ ــﺒﻘﺘﻬم ،ﺤﻴ ــث اﻤﺘزﺠ ــت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ ،وﻫ ــﻲّ :
وﺘﻤﺨــض ﻋﻨﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴﻌــرف ﺒﺎﺴــم " اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻬﻴﻠﻴﻠﻨﻴــﺔ " ﺘﻠــك
ﻓﻠﺴــﻔﺘﻬم ﺒﺎﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ،
ّ
اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺘﻲ ﺴﺎدت وازدﻫرت ﻓﻲ اﻝﻘرون اﻝﺜﻼﺜﺔ اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻝﻠﻤﻴﻼد.
وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﻫــذا اﻝطــﺎﺒﻊ اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ اﻝــذي ﻴﻨــﺎﻗض – إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ – ﻤــﺎ ﺘﺘّﺠــﻪ إﻝﻴــﻪ اﻝد ارﺴــﺎت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴوﺴـﻴوﻝوﺠﻴﺔ )ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع( ﻤـن د ارﺴـﺔ ﻤـﺎ ﻫـو ﻗـﺎﺌم ،ﻻ ﻤـﺎ ﻴﺠـب أن ﺘﻜـون ﻋﻠﻴـﻪ
ﻓﺈن ﻓﻀـل اﻝﻔﻜـر اﻝﻔﻠﺴـﻔﻲ اﻝﻴوﻨـﺎﻨﻲ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨـد ﻜﺒـﺎر ﻓﻼﺴـﻔﺘﻬم ،ﻻ
اﻷﺤوال اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔّ ،
ﻴﻤﻜن اﻝﺘﻘﻠﻴل ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أﺒداً.
-2ﻋﻨد اﻝروﻤﺎن :
اﻤﺘ ـ ّـد ﻋﺼ ــر اﻹﻤﺒراطورﻴ ــﺔ اﻝروﻤﺎﻨﻴ ــﺔ ﺤـ ـواﻝﻲ ﺴ ــﺘﺔ ﻗ ــرون ،ﺘ ــﺎﺒﻊ ﺨﻼﻝﻬ ــﺎ اﻝروﻤ ــﺎن ﻤ ــﺎ طرﺤ ــﻪ
اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴون ﻤن ﻤﺴﺎﺌل وأﻓﻜﺎر ﺤول ﺒﻨﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ وطﺒﻴﻌﺘﻬـﺎ ،وﺘﻔﺴـﻴر اﻝﺘﺒـﺎﻴن واﻻﺨـﺘﻼف
وﺠﻬـوا د ارﺴـﺎﺘﻬم ﻨﺤـو
ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎّ ..
وﻝﻜﻨﻬم ﻝم ﻴﺄﺨذوا ﺒﺎﻝﻨﻤﺎذج اﻝﻤﺜﺎﻝﻴـﺔ /اﻝﻤﺠ ّـردة ﻝﻠﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﺒـل ّ
اﻝواﻗ ــﻊ اﻝﻤﻠﻤ ــوس واﻝﻤﺤﺴ ــوس .وﻤ ــﻊ ذﻝ ــك ،ﻻ ﻴﺠ ــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــون ﻓ ــﻲ اﻝﻔﻜ ــر اﻝروﻤ ــﺎﻨﻲ ﻤ ــﺎ ﻴﻤﻜ ــن
اﻋﺘﺒــﺎرﻩ ﻜﺈﺴــﻬﺎﻤﺎت أﺼــﻴﻠﺔ ﻓــﻲ ﻨﺸــﺄة ﻋﻠــم ﻤﺴــﺘﻘ ّل ﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺸــﻌوب وﺜﻘﺎﻓــﺎﺘﻬم ،أو ﺘﻘﺎﻝﻴــد ارﺴــﺨﺔ ﻝﻤﺜــل
ﻫذﻩ اﻝدراﺴﺎت .
وﻝﻜــن ،ﻴﻤﻜــن أن ﻴﺴــﺘﺜﻨﻰ ﻤــن ذﻝــك ،أﺸــﻌﺎر ) ﻜــﺎروس ﻝوﻜرﺘﻴــوس ( اﻝﺘــﻲ اﺤﺘــوت ﻋﻠــﻰ ﺒﻌــض
ـﻤﻨﻬﺎ
اﻷﻓﻜــﺎر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻬﺎﻤــﺔ .ﻓﻘــد ﺘﻨــﺎول ﻤوﻀــوﻋﺎت ﻋـ ّـدة ﻋرﻀــﻬﺎ ﻓــﻲ ﺴــﺘﺔ أﺒ ـواب رﺌﻴﺴــﺔ ،ﻀـ ّ
وﺨﺼــص اﻝﺒ ــﺎب
أﻓﻜــﺎرﻩ وﻨظرﻴﺎﺘــﻪ ﻋ ــن اﻝﻤــﺎدة وﺤرﻜــﺔ اﻷﺠـ ـرام اﻝﺴــﻤﺎوﻴﺔ وﺸــﻜﻠﻬﺎ ،وﺘﻜ ــوﻴن اﻝﻌــﺎﻝم..
ّ
اﻷول واﻝﻌﻘ ــد اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ،
اﻝﺴ ــﺎدس ﻝﻌ ــرض ﻓﻜرﺘ ــﻲ :اﻝﺘط ـ ّـور واﻝﺘﻘ ـ ّـدم ،ﺤﻴ ــث ﺘﺤ ـ ّـدث ﻋ ــن اﻹﻨﺴ ــﺎن ّ
وﻨظــﺎﻤﻲ اﻝﻤﻠﻜﻴــﺔ واﻝﺤﻜوﻤــﺔ ،وﻨﺸــﺄة اﻝﻠﻐــﺔ ،إﻀــﺎﻓﺔ إﻝــﻰ ﻤﻨﺎﻗﺸــﺔ اﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻔﻨــون واﻷزﻴــﺎء
17
واﻝﻤوﺴﻴﻘﻰ.
ﻴﺘﺼور ﻤﺴﺎر اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ
أن ) ﻝوﻜرﺘﻴوس ( اﺴﺘطﺎع أن
وﻗد رأى ﺒﻌض اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴنّ ،
ّ
ﺜم ﺤدﻴدﻴﺔ ..ﺒﻴﻨﻤﺎ رأى ﺒﻌﻀﻬم اﻵﺨر ﻓﻲ ﻓﻜر ﻝوﻜرﺘﻴوس ،ﺘطﺎﺒﻘﺎً ﻤﻊ
ﺜم ﺒروﻨزﻴﺔّ ،
ﻋﺼور ﺤﺠرﻴﺔ ّ
ﻓﻜر ﻝوﻴس ﻤورﺠﺎن – (1881-1818) Morgan .Lأﺤد أﻋﻼم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ
اﻝﺘﻘدم واﻻﻨﺘﻘﺎل
ﻋﺸر .وذﻝك ﻤن ﺤﻴث رؤﻴﺔ ّ
ﻤردﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ إﻝﻰ ﻋﻤﻠﻴﺎت
ﻤن ﻤرﺤﻠﺔ إﻝﻰ أﺨرى ،ﻓﻲ إطﺎر ﺤدوث طﻔرات ﻤﺎدﻴﺔٕ ،وان ﻜﺎن ّ
7
واﺒﺘﻜﺎرات ﻋﻘﻠﻴﺔ.
18
ٕواذا اﺴــﺘﺜﻨﻴﻨﺎ أﺸــﻌﺎر ) ﻝوﻜرﺘﻴــوس ( ﻫــذﻩ وﻤــﺎ اﺤﺘوﺘﻬــﺎ ﻤــن أﻓﻜــﺎر ﺘﺘﻌﻠّــق ﺒطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﻜــون وﻨﺸــﺄة
ﻓﺈﻨﻪ ﻤن اﻝﺼﻌوﺒﺔ ﺒﻤﻜﺎن أن ﺘﻨﺴب ﻨﺸـﺄة ﻋﻠـم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ إﻝـﻰ اﻝﻔﻜـر اﻝروﻤـﺎﻨﻲ
اﻹﻨﺴﺎن
وﺘطورﻩّ ،
ّ
اﻝﻘدﻴم ،ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻏرﻴﻘﻴﻴن .
أن اﻝروﻤـﺎن اﻫﺘﻤـوا ﺒـﺎﻝواﻗﻊ ،ﻤـن ﺤﻴـث رﺒـط اﻝﺴـﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ اﻝﺘﻘ ّـدم
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻝﺤرﻜﺔ اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ ،ﻓﻘد وﺠدوا ﻓﻲ أﻨﻔﺴﻬم اﻤﺘﻴﺎ اًز وأﻓﻀﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺸـﻌوب اﻷﺨـرى .ﻓﻜـﺎن
أن اﻝروﻤــﺎن إذا أرادوا أن ﻴرﻓﻌ ـوا ﻤــن ﻗــدر إﻨﺴــﺎن أو ﺸــﺄن
اﻝروﻤــﺎﻨﻲ ﻓــوق ﻏﻴ ـرﻩ ﺒﺤﻜــم اﻝﻘــﺎﻨون ،ﺤﺘــﻰ ّ
19
ﺴـ ــﻼﻝﺔ ،أﺼـ ــدرت اﻝدوﻝـ ــﺔ ﻗ ـ ـ ار اًر ﺒﻤـ ــﻨﺢ اﻝﺠﻨﺴـ ــﻴﺔ اﻝروﻤﺎﻨﻴـ ــﺔ ﻷي ﻤﻨﻬﻤـ ــﺎ
أن ﻫـ ــذا اﻻﺘﺠـ ــﺎﻩ
وﻴﺒـ ــدو ّ
اﻝﻌﻨﺼري ،وﺠد ﻓﻲ ﻤﻌظم اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﻘدﻴﻤـﺔ ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ اﻝﺤﻀـﺎرات اﻝﺸـرﻗﻴﺔ :اﻹﻏرﻴﻘﻴـﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴـﺔ
واﻝﺼﻴﻨﻴﺔ .
-3ﻋﻨد اﻝﺼﻴﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء:
ـؤرﺨﻴن ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻤـﻨﻬمّ ،أﻨـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن اﻫﺘﻤـﺎم اﻝﺼـﻴﻨﻴﻴن
ﻴﻌﺘﻘد ﺒﻌـض اﻝﻤ ّ
اﻝﻘدﻤﺎء ﺒﺎﻝﺤﻀﺎرة اﻝروﻤﺎﻨﻴﺔ وﺘﻘدﻴرﻫﺎ ،ﻓﻠم ﻴﺠدوا ﻓﻴﻬﺎ ﻤﺎ ﻴﻨﺎﻓس ﺤﻀﺎرﺘﻬم.
ﻜـﺎن اﻝﺼـﻴﻨﻴون اﻝﻘـدﻤﺎء ﻴﺸـﻌرون ﺒـﺎﻷﻤن واﻝﻬـدوء داﺨـل ﺤـدود ﺒﻼدﻫـم ،وﻜـﺎﻨوا ﻤﻜﺘﻔـﻴن ذاﺘﻴـﺎً ﻤـن
اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻝﻤﻌﺎﺸﻴﺔ ،ﺤﺘﻰ أن ﺘﺠﺎرﺘﻬم اﻝﺨﺎرﺠﻴﺔ اﻨﺤﺼـرت ﻓﻘـط ﻓـﻲ ﺘﺒـﺎدل اﻝﺴـﻠﻊ واﻝﻤﻨـﺎﻓﻊ،
ﻤن دون أن ﻴﻜون ﻝﻬﺎ ﺘﺄﺜﻴرات ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ .ﻓﻠـم ﻴﻌﺒـﺄ اﻝﺼـﻴﻨﻴون ﻓـﻲ اﻝﻘـدﻴم ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻷﺨـرى ﺨـﺎرج
ﺤــدودﻫم ،وﻤــﻊ ذﻝــك ،ﻝــم ﻴﺨ ـ ُل ﺘــﺎرﻴﺨﻬم ﻤــن ﺒﻌــض اﻝﻜﺘﺎﺒــﺎت اﻝوﺼــﻔﻴﺔ ﻝﻌــﺎدات اﻝﺠﻤﺎﻋــﺎت اﻝﺒرﺒرﻴــﺔ،
20
واﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت ﺘﺘّﺴم ﺒﺎﻻزدراء واﻻﺤﺘﻘﺎر.
وﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻨﺎﺒﻊ ﻤن ﻨظرة اﻝﺼﻴﻨﻴﻴن اﻝﻘدﻤﺎء اﻝﻌﻨﺼرﻴﺔ ،إذ ﻜـﺎﻨوا ﻴﻌﺘﻘـدون – ﻜﺎﻝروﻤـﺎن – ّأﻨﻬـم
ﻷﻴﺔ ﺤﻀﺎرة أو ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺨﺎرج ﺠﻨﺴﻬم ،ﺒل ﻜﺎﻨوا ﻴرون ّأﻨﻬـم ﻻ ﻴﺤﺘـﺎﺠون
أﻓﻀل اﻝﺨﻠق ،و ّأﻨﻪ ﻻ وﺠود ّ
إﻝــﻰ ﻏﻴــرﻫم ﻓــﻲ ﺸــﻲء ..وﻝﻜــﻲ ﻴؤ ّﻜــد ﻤﻠــوﻜﻬم ﻫــذا اﻝواﻗــﻊ ،أﻗــﺎﻤوا " ﺴــور اﻝﺼــﻴن اﻝﻌظــﻴم " ﺤﺘــﻰ ﻻ
21
ـﺘم ﻓﻼﺴـ ــﻔﺔ اﻝﺼـ ــﻴن اﻝﻘـ ــدﻤﺎء ،ﺒـ ــﺎﻷﺨﻼق وﺸـ ــؤون
ﺘـ ـ ّ
ـدﻨس أرﻀـ ــﻬم ﺒﺄﻗـ ــدام اﻵﺨ ـ ـرﻴن .وﻝـ ــذﻝك ،اﻫـ ـ ّ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ ،ﻤ ــن ﺨ ــﻼل اﻻﺘﺠﺎﻫ ــﺎت اﻝواﻗﻌﻴ ــﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ أﻤ ــور اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ
ﻷن ﻤﻌرﻓﺔ اﻷﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرﺘﺒط ﺒﺎﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ،ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،ﺘﺴـﻬم ﻓـﻲ
وﻤﻌﺎﻝﺠﺘﻬﺎّ ،
ﺘﻘدﻴم اﻝدﻝﻴل اﻝواﻀـﺢ ﻋﻠـﻰ اﻝﺘـراث اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ ﻝﻬـذا اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ،واﻝـذي ﻴﻜﺸـف ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ ﻋـن ط ارﺌـق اﻝﺘﻌﺎﻤـل
ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم ﻤـن ﺠﻬـﺔ ،وﻴﺤ ّـدد أﻓﻀـل اﻝط ارﺌـق ﻝﻠﺘﻌﺎﻤـل ﻤﻌﻬـم ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرى .وﻫـذا ﻤـﺎ ﻴﻔﻴـد اﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن
ﺴﻴﻤﺎ ﺘﻠك اﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨﻰ ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن.
ﻓﻲ اﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى ،وﻻ ّ
ﺜﺎﻨﻴﺎً :اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ
ـؤرﺨﻴن أن ﻫ ــذﻩ اﻝﻌﺼ ــور ،ﺘﻤﺘ ـ ّـد ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝ ارﺒ ــﻊ إﻝ ــﻰ اﻝﻘ ــرن اﻝ ارﺒ ــﻊ ﻋﺸـ ــر
ﻴﺠﻤ ــﻊ ﻤﻌظ ــم اﻝﻤ ـ ّ
اﻝﻤﻴﻼدي .وﻗد اﺼطﻠﺢ ﻋﻠـﻰ ﺘﺴـﻤﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﻝﻌﺼـور اﻝوﺴـطﻰ ﻜوﻨﻬـﺎ ارﺘﺒطـت ﺒﺘـدﻫور اﻝﺤﻀـﺎرة اﻷورﺒﻴـﺔ
8
ﻷﻨﻬــﺎ ﻤــن ﺠﻬــﺔ وﻗﻌــت ﺒــﻴن ﻋﻬــدﻴن ﻫﻤــﺎ :ﻨﻬﺎﻴــﺔ ازدﻫــﺎر
وارﺘــداد اﻝﻔﻜــر إﻝــﻰ ﺤﻘﺒــﺔ ﻤظﻠﻤــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ ،و ّ
اﻝﻔﻠﺴــﻔﺎت اﻷورﺒﻴــﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴــﺔ واﻝروﻤﺎﻨﻴــﺔ( وﺒداﻴــﺔ ﻋﺼــر اﻝﻨﻬﻀــﺔ اﻷورﺒﻴــﺔ )ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر(
واﻻﻨط ــﻼق إﻝ ــﻰ ﻤﺠ ــﺎﻻت ﺠدﻴ ــدة ﻤ ــن اﺴﺘﻜﺸ ــﺎف اﻝﻌـ ـواﻝم اﻷﺨ ــرىٕ ،واﺤﻴ ــﺎء اﻝﺘـ ـراث اﻝﻔﻜ ــري اﻝﻘ ــدﻴم،
ٕواﺒــداﻋﺎت ﻓــﻲ اﻝﻔﻨــون واﻵداب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ـﺔ ،ﻓــﻲ اﻝوﻗــت اﻝــذي ﻜﺎﻨــت ﻓﻴــﻪ اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ
ﺘزدﻫر ،وﺘﺘّﺴﻊ ﻝﺘﺸﻤل ﻤﺠﺎﻻت اﻝﻌﻠوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .
-1اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ ﻓﻲ أورﺒﺎ :
اﻝﻤؤرﺨون ّأﻨﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ )اﻝﻤظﻠﻤﺔ( ﺘدﻫور اﻝﺘﻔﻜﻴـر اﻝﻌﻘﻼﻨـﻲ ،وأدﻴﻨـت ّأﻴـﺔ
ﻴذﻜر
ّ
ﺘﻘدﻤﻪ اﻝﻜﻨﻴﺴﺔ ﻤـن ﺘﻔﺴـﻴرات ﻝﻠﻜـون واﻝﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﺴـواء
أﻓﻜﺎر ﺘﺨﺎﻝف اﻝﺘﻌﺎﻝﻴم
اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،أو ﻤﺎ ّ
ّ
وﺠﻬــت ﻤﻨطﻠﻘــﺎت اﻝﻤﻌرﻓــﺔ،
ﻓــﻲ ﻤﻨﺸــﺌﻬﺎ أو ﻓــﻲ ﻤﺂﻝﻬــﺎ .وﻝﻜــن إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب ذﻝــك ،ﻜﺎﻨــت ﻤ ارﻜــز أﺨــرى ّ
ﻴﻀم ﻓﻲ اﻝﻌﺎدة،
ّ
وﺤددت طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﻐرﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻝﻌﺼور ،ﻜﺒﻼط اﻝﻤﻠوك ﻤﺜﻼً ،اﻝذي ﻜﺎن ّ
22
ﻓﺌﺎت ﻤن اﻝﻤﺜﻘﻔﻴن ﻜرﺠﺎل اﻹدارة واﻝﺴﻴﺎﺴﺔ واﻝﺸﻌراء.
اﻝﺘوﺴﻊ ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝﻘﺎﻨون )ﺠﺎﻤﻌـﺔ ﺒوﻝوﻨﻴـﺎ( ود ارﺴـﺔ اﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ واﻝﻼﻫـوت )ﺠﺎﻤﻌـﺔ
ﻴﻀﺎف إﻝﻰ ذﻝك
ّ
ﻤﻤــﺎ ﻜﺎﻨــت ﻝ ــﻪ آﺜــﺎر واﻀــﺤﺔ ﻓــﻲ اﻝﺤﻴــﺎة اﻷورﺒﻴــﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ )اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ
ﺒــﺎرﻴس( ّ
واﻝدﻴﻨﻴﺔ( وﻤﻬّد ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻝﻠﻨﻬﻀﺔ اﻝﺘﻲ ﺸﻬدﺘﻬﺎ أوروﺒﺎ ﺒﻌد ﻫذﻩ اﻝﻌﺼور.
ﻝﻘــد ظﻬــرت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤرﺤﻠــﺔ ﻤﺤــﺎوﻻت ﻋـ ّـدة ﻝﻠﻜﺘﺎﺒــﺔ ﻋــن ﺒﻌــض اﻝﺸــﻌوب ،إﻻّ ّأﻨﻬــﺎ اﺘّﺴــﻤت –
اﻝﺘﺨﻴﻠــﻲ ،ﺒﻌﻴــدة ﻋــن اﻝﻤﺸــﺎﻫدة اﻝﻤﺒﺎﺸـرة ﻋﻠــﻰ أرض اﻝواﻗــﻊ .ﻤﺜــﺎل ذﻝــك ،ﻤــﺎ ﻗــﺎم ﺒــﻪ
ﻏﺎﻝﺒـﺎً -ﺒﺎﻝوﺼــف
ّ
اﻷﺴــﻘف ) إﺴــﻴدور ( Isidoreاﻝــذي ﻋــﺎش ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) (636 -560ﺤﻴــث أﻋـ ّـد ﻓــﻲ اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎﺒﻊ
اﻝﻤــﻴﻼدي ﻤوﺴــوﻋﺔ ﻋــن اﻝﻤﻌرﻓــﺔ ،وأﺸــﺎر ﻓﻴﻬــﺎ إﻝــﻰ ﺒﻌــض ﺘﻘﺎﻝﻴــد اﻝﺸــﻌوب اﻝﻤﺠــﺎورة وﻋــﺎداﺘﻬم ،وﻝﻜــن
اﻝﺘﺤﻴز.
ﺒطرﻴﻘﺔ وﺼﻔﻴﺔ ﻋﻔوﻴﺔ ،ﺘﺘّﺴم ﺒﺎﻝﺴطﺤﻴﺔ و ّ
أن ﻗ ــرب اﻝﺸ ــﻌوب ﻤ ــن أورﺒ ــﺎ أو ﺒﻌ ــدﻫﺎ ﻋﻨﻬ ــﺎ ،ﻴﺤ ـ ّـدد درﺠ ــﺔ ﺘﻘ ـ ّـدﻤﻬﺎ ،ﻓﻜﻠّﻤ ــﺎ ﻜﺎﻨ ــت
وﻤﻤ ــﺎ ذﻜـ ـرﻩّ ،
ّ
اﻝﻤﺴ ــﺎﻓﺔ ﺒﻌﻴ ــدة ،ﻜ ــﺎن اﻻﻨﺤط ــﺎط واﻝﺘﻬ ــور اﻝﺤﻀ ــﺎري ﻤؤ ّﻜ ــدا ﻝﺘﻠ ــك اﻝﺸ ــﻌوب .ووﺼ ــف اﻝﻨ ــﺎس اﻝ ــذﻴن
اﻝﺨﻠق ،ﺤﻴث ﺘﺒدو وﺠوﻫﻬم ﺒﻼ أﻨوف .
ﺒﺄﻨﻬم ﻤن ﺴﻼﻻت ﻏرﻴﺒﺔ َ
ﻴﻌﻴﺸون ﻓﻲ أﻤﺎﻜن ﻨﺎﺌﻴﺔّ ،
وﻗــد ظﻠّــت ﺘﻠــك اﻝﻤﻌﻠوﻤــﺎت ﺴــﺎﺌدة وﺸــﺎﺌﻌﺔ ﺤﺘــﻰ اﻝﻘــرن اﻝﺜﺎﻝــث ﻋﺸــر ،ﺤﻴــث ظﻬــرت ﻤوﺴــوﻋﺔ
أﺨــرى أﻋـ ّـدﻫﺎ اﻝﻔرﻨﺴــﻲ ) ﺒــﺎﺘوﻝو ﻤــﺎﻜوس ،(Batholo Macusواﻝﺘــﻲ ﺤظﻴــت ﺒﺸــﻌﺒﻴﺔ ﻜﺒﻴـرة ،ﻋﻠــﻰ
23
اﻝرﻏم ﻤن ّأﻨﻬﺎ ﻝم ﺘﺨﺘﻠف ﻜﺜﻴ اًر ﻋن ﺴﺎﺒﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻝﺨﻴﺎل .
-2اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ ﻋﻨد اﻝﻌرب :
وﺘﻤﺘـ ّـد ﻤــن ﻤﻨﺘﺼــف اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎﺒﻊ اﻝﻤــﻴﻼدي ،وﺤﺘــﻰ ﻨﻬﺎﻴــﺔ اﻝﻘــرن اﻝ ارﺒــﻊ ﻋﺸــر ﺘﻘرﻴﺒـﺎّ .ﺤﻴــث ﺒــدأ
اﻹﺴﻼم ﻓﻲ اﻻﻨﺘﺸﺎر ،وﺒدأت ﻤﻌﻪ ﺒوادر اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﻌرﺒﻴﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ آﻨذاك ﺒـﺎﻝﺘﻜوﻴن واﻻزدﻫـﺎر .وﻗـد
ﺘﻀـ ّـﻤﻨت ﻫــذﻩ اﻝﺤﻀــﺎرة :اﻵداب واﻷﺨــﻼق واﻝﻔﻠﺴــﻔﺔ واﻝﻤﻨطــق ،ﻜﻤــﺎ ﻜﺎﻨــت ذات ﺘــﺄﺜﻴرات ﺨﺎﺼــﺔ ﻓــﻲ
اﻝﺤﻴﺎة اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝدوﻝﻴﺔ .24
9
وﻗــد اﻗﺘﻀــت اﻷوﻀــﺎع اﻝﺠدﻴــدة اﻝﺘــﻲ أﺤــدﺜﺘﻬﺎ اﻝﻔﺘوﺤــﺎت اﻝﻌرﺒﻴــﺔ اﻹﺴــﻼﻤﻴﺔ ،اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺒد ارﺴــﺔ
أﺤوال اﻝﻨﺎس ﻓﻲ اﻝﺒﻼد اﻝﻤﻔﺘوﺤﺔ وﺴﺒل إدارﺘﻬﺎ ،ﺤﻴث أﺼﺒﺢ ذﻝك ﻤن ﻀرورات اﻝﺘﻨظﻴم واﻝﺤﻜم .
وﻝــذﻝك ،ﺒــرز اﻝﻌــرب ﻓــﻲ وﻀــﻊ اﻝﻤﻌــﺎﺠم اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ ،ﻜﻤﻌﺠــم )اﻝﺒﻠــدان( ﻝﻴــﺎﻗوت اﻝﺤﻤــوي .وﻜــذﻝك
إﻋداد اﻝﻤوﺴوﻋﺎت اﻝﻜﺒﻴرة اﻝﺘﻲ ﺒﻠﻐت ذروﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن اﻝﻬﺠري )اﻝراﺒﻊ ﻋﺸر ﻤﻴﻼدي( ﻤﺜل "
ﻤﺴﺎﻝك اﻷﻤﺼﺎر " ﻹﺒن ﻓﻀل اﷲ اﻝﻌﻤري ،و " ﻨﻬﺎﻴﺔ اﻷرب ﻓﻲ ﻓﻨون اﻝﻌرب " ﻝﻠﻨوﻴري .
ﺘﻤﻴزت ﻤﺎدﺘﻬﺎ ﺒﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ
ٕواﻝﻰ ﺠﺎﻨب
اﻫﺘﻤﺎم ﻫذﻩ اﻝﻜﺘب اﻝﻤوﺴوﻋﻴﺔ ﺒﺸؤون اﻝﻌﻤران ،ﻓﻘد ّ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻬﺎ ﻤﺎدة ﺨﺼﺒﺔ ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨﻬﺞ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻓﻲ دراﺴﺔ
اﻝﻤﺸﺎﻫدة واﻝﺨﺒرة
ّ
اﻝﺸﻌوب واﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﺘﺨﺼص ﻓﻲ وﺼف إﻗﻠﻴم واﺤد ﻤﺜل) اﻝﺒﻴروﻨﻲ( اﻝذي ﻋﺎش ﻤـﺎ ﺒـﻴن )440 – 362
وﻫﻨﺎك ﻤن
ّ
ﻫﺠرﻴـﺔ( ووﻀـﻊ ﻜﺘﺎﺒـﺎً ﻋـن اﻝﻬﻨــد ﺒﻌﻨـوان " ﺘﺤرﻴـر ﻤــﺎ ﻝﻠﻬﻨـد ﻤــن ﻤﻘوﻝـﺔ ﻤﻘﺒوﻝـﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌﻘـل أو ﻤرذوﻝــﺔ "
ـﺘم أﻴﻀـﺎً ﺒﻤﻘﺎرﻨـﺔ
.وﺼف ﻓﻴﻪ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﻬﻨدي ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻤـن ﻨظـم دﻴﻨﻴـﺔ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وأﻨﻤـﺎط ﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ .واﻫ ّ
ﺘﻠــك اﻝــﻨظم واﻝﺴــﻠوﻜﻴﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،ﺒﻤﺜﻴﻼﺘﻬــﺎ ﻋﻨــد اﻝﻴوﻨــﺎن واﻝﻌــرب واﻝﻔــرس .وأﺒــرز اﻝﺒﻴروﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻫــذا
ـؤدي اﻝ ــدور اﻝـ ـرﺌﻴس ﻓ ــﻲ ﺘﻜﺒﻴ ــل اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻝﻬﻨدﻴ ــﺔ ،وﺘوﺠﻴ ــﻪ ﺴ ــﻠوك اﻷﻓـ ـراد
أن اﻝ ــدﻴن ﻴ ـ ّ
اﻝﻜﺘ ــﺎب ،ﺤﻘﻴﻘ ــﺔ ّ
25
واﻝﺠﻤﺎﻋﺎت ،وﺼﻴﺎﻏﺔ اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌﺘﻘدات .
ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت ﻝرﺤﻼت اﺒن ﺒطوطﺔ وﻜﺘﺎﺒﺎﺘﻪ ﺨﺼﺎﺌص ذات طﺎﺒﻊ أﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ،ﺒرزت ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ
ﻓﻤﻤـﺎ ﻜﺘﺒـﻪ
ﺒﺎﻝﻨﺎس ووﺼف ﺤﻴﺎﺘﻬم اﻝﻴوﻤﻴﺔ ،وطﺎﺒﻊ ﺸﺨﺼﻴﺎﺘﻬم وأﻨﻤﺎط ﺴﻠوﻜﺎﺘﻬم وﻗـﻴﻤﻬم وﺘﻘﺎﻝﻴـدﻫمّ .
ﻓــﻲ اﺴﺘﺤﺴــﺎن أﻓﻌــﺎل أﻫــل اﻝﺴــودان " :ﻓﻤــن أﻓﻌــﺎﻝﻬم ﻗﻠّــﺔ اﻝظﻠــم ،ﻓﻬــم أﺒﻌــد اﻝﻨــﺎس ﻋﻨــﻪ وﺴــﻠطﺎﻨﻬم ﻻ
ﻴﺴﺎﻤﺢ أﺤداً ﻓﻲ ﺸﻲء ﻤﻨﻪ .وﻤﻨﻬﺎ ﺸﻤول اﻷﻤن ﻓﻲ ﺒﻼدﻫـم ،ﻓـﻼ ﻴﺨـﺎف اﻝﻤﺴـﺎﻓر ﻓﻴﻬـﺎ وﻻ اﻝﻤﻘـﻴم ﻤـن
ﺘﻌرﻀ ــﻬم ﻝﻤ ــﺎل ﻤ ــن ﻴﻤ ــوت ﻓ ــﻲ ﺒﻼدﻫ ــم ﻤ ــن اﻝﺒﻴﻀ ــﺎن )اﻝﺒـ ــﻴض
ﺴ ــﺎرق وﻻ ﻏﺎﻀ ــب .وﻤﻨﻬ ــﺎ ﻋ ــدم ّ
26
واﻷﺠﺎﻨب( وﻝو ﻜﺎن اﻝﻘﻨﺎطﻴر اﻝﻤﻘﻨطرةٕ .واّﻨﻤﺎ ﻴﺘرﻜوﻨﻪ ﺒﻴد ﺜﻘﺔ ﻤن اﻝﺒﻴﻀﺎن ،ﺤﺘﻰ ﻴﺄﺨذﻩ ﻤﺴﺘﺤﻘّﻪ.
أﻤــﺎ ﻜﺘــﺎب اﺒــن ﺨﻠــدون " اﻝﻌﺒــر ودﻴ ـوان اﻝﻤﺒﺘــدأ واﻝﺨﺒــر ﻓــﻲ أﻴــﺎم اﻝﻌــرب واﻝﻌﺠــم واﻝﺒرﺒــر ،وﻤــن
ّ
ﻤﻘدﻤﺘﻪ اﻝرﺌﻴﺴﺔ وﻋﻨواﻨﻬﺎ " :
ﻋﺎﺼرﻫم ﻤن ذوي اﻝﺴﻠطﺎن اﻷﻜﺒر " ﻓﻘد ﻨﺎل ﺸﻬرة ﻜﺒﻴرة وواﺴﻌﺔ ﺒﺴﺒب ّ
ﻓــﻲ اﻝﻌﻤ ـران وذﻜــر ﻤــﺎ ﻴﻌــرض ﻓﻴــﻪ ﻤــن اﻝﻌ ـوارض اﻝذاﺘﻴــﺔ ﻤــن اﻝﻤﻠــك واﻝﺴــﻠطﺎن ،واﻝﻜﺴــب واﻝﻤﻌــﺎش
اﻝﻤﻘدﻤـﺔ ﻋﻤـﻼّ أﺼـﻴﻼً ﻓـﻲ ﺘﺴـﺠﻴل
واﻝﻤﺼﺎﻨﻊ واﻝﻌﻠوم ،وﻤـﺎ ﻝـذﻝك ﻤـن اﻝﻌﻠـل واﻷﺴـﺒﺎب " .وﺘﻌﺘﺒـر ﻫـذﻩ ّ
اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺸــﻌوب ﺸــﻤﺎل أﻓرﻴﻘﻴــﺎ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،إﻝــﻰ
ﺠﺎﻨ ــب ﺒﻌ ــض اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝﻨظرﻴ ــﺔ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر ﻜـ ـ ّل ﻤ ــﺎ رآﻩ ﻤ ــن أﻨظﻤ ــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ .وﻗ ــد ﺸـ ـ ّﻜﻠت
اﻝﻤﻘدﻤﺔ – ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد – اﻫﺘﻤﺎﻤﺎً رﺌﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
ﻤوﻀوﻋﺎت ﻫذﻩ ّ
ﻤﻘدﻤﺘ ــﻪ ،واﻝﺘ ــﻲ ﻝﻬ ــﺎ ﺼ ــﻠﺔ ﺒﺎﻫﺘﻤﺎﻤ ــﺎت
وﻤ ــن أﻫ ـ ّـم اﻝﻤوﻀ ــوﻋﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻨﺎوﻝﻬ ــﺎ اﺒ ــن ﺨﻠ ــدون ﻓ ــﻲ ّ
رد اﺒــن ﺨﻠــدون –
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ،ﻫــﻲ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒـﻴن اﻝﺒﻴﺌــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ واﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ .ﻓﻘــد ّ
اﺴ ــﺘﻨﺎداً إﻝ ــﻰ ﺘﻠ ــك اﻝدﻋﺎﻤ ــﺔ – اﺨ ــﺘﻼف اﻝﺒﺸ ــر ﻓ ــﻲ أﻝـ ـواﻨﻬم وأﻤ ــزﺠﺘﻬم اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ وﺼ ــﻔﺎﺘﻬم اﻝﺠﺴ ــﻤﻴﺔ
واﻝﺨﻠَﻘﻴ ــﺔ ،إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ اﻋﺘﺒرﻫ ــﺎ أﻴﻀـ ـﺎً ﻋ ــﺎﻤﻼً ﻫﺎﻤـ ـﺎً ﻓ ــﻲ ﺘﺤدﻴ ــد اﻝﻤﺴ ــﺘوى اﻝﺤﻀ ــﺎري
27
وﺘطورﻫ ــﺎ
ـدول
ـ
ﻝ
ا
ـﺎم
ـ
ﻴ
ﻗ
ـﺄﻝﺔ
ـ
ﺴ
ﻤ
،
ﺎ
ـ
ـ
ﻀ
أﻴ
ـﻪ
ـ
ﺘ
ﻤ
ﻤﻘد
ـﻲ
ـ
ﻓ
ـدون
ـ
ﻠ
ﺨ
ـن
ـ
ﺒ
ا
ـﺎول
ـ
ﻨ
ﺘ
ـﺎ
ـ
ﻤ
ﻜ
ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ.
ً
ّ
ّ
10
وأﺤواﻝﻬﺎ ،وﺒﻠور ﻨظرﻴﺔ )دورة اﻝﻌﻤران( ﺒﻴن اﻝﺒداوة واﻝﺤﻀﺎرة ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﺒﻴن ﺤﻴـﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ
اﻝﺒﺸرﻴﺔ وﺤﻴﺎة اﻝﻜﺎﺌن اﻝﺤﻲ.
ﺤد ﺴواء – ﻓـﻲ
وﻗد ﺴﻴطرت ﻫذﻩ اﻝﻔﻜرة ﻋﻠﻰ أذﻫﺎن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ اﻝﺸرق واﻝﻐرب – ﻋﻠﻰ ّ
اﻝﻌﺼـور اﻝوﺴـطﻰ ..ﺤﻴــث اﻋﺘﺒـر اﺒــن ﺨﻠـدون أن اﻝﺘطـ ّـور ﻫـو ﺴـّـﻨﺔ اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،وﻫـو اﻷﺴــﺎس
اﻝذي ﺘﺴﺘﻨد إﻝﻴﻪ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
إن أﺤوال اﻝﻌﺎﻝم واﻷﻤم وﻋواﺌـدﻫم وﻨﺤﻠﻬـم ،ﻻ ﺘـدوم ﻋﻠـﻰ وﺘﻴـرة واﺤـدة وﻤﻨﻬـﺎج
ﻴﻘول ﻓﻲ ذﻝك ّ " :
ـﺘﻘرٕ ،واّﻨﻤــﺎ ﻫــو اﺨــﺘﻼف ﻋﻠــﻰ اﻷﻴــﺎم واﻷزﻤﻨــﺔ واﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن ﺤــﺎل إﻝــﻰ ﺤــﺎل .وﻜﻤــﺎ ﻴﻜــون ذﻝــك ﻓــﻲ
ﻤﺴـ ّ
اﻷﺸــﺨﺎص واﻷوﻗــﺎت واﻷﻤﺼــﺎر ،ﻓﻜــذﻝك ﻴﻘــﻊ ﻓــﻲ اﻵﻓــﺎق واﻷﻗطــﺎر واﻷزﻤﻨــﺔ واﻝــدول 28.ﻓﻌﻤــر اﻝــدول
ﻋﻨـد اﺒـن ﺨﻠـدون ﻜﻌﻤـر اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺒﺸـري ،ﺘﺒـدأ ﺒـﺎﻝوﻻدة وﺘﻨﻤـو إﻝـﻰ اﻝﺸـﺒﺎب واﻝﻨﻀـﺞ واﻝﻜﻤـﺎل ،ﺜ ّـم ﺘﻜﺒـر
وﺘﻬرم وﺘﺘﻼﺸﻰ إﻝﻰ اﻝزوال.
ﻝﻘد أرﺴﻰ اﺒن ﺨﻠدون اﻷﺴس اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،ودورة اﻝﺤﻀﺎرات اﻝﺘﻲ ﺘﻤ ّـر
ـؤرﺨﻴن ،أن
ﺒﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن ﺒذﻝك ،أﺴﺒق ﻤن ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻓﻲ أوروﺒﺎ .وﻝذﻝك ،ﻴرى ﺒﻌض اﻝﻜﺘّـﺎب واﻝﻤ ّ
اﻝﻤؤﺴــس اﻝﺤﻘﻴﻘــﻲ ﻝﻌﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم اﻵﺨــر ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء
اﺒــن ﺨﻠــدون ﻴﻌﺘﺒــر
ّ
ﻤﻘدﻤﺔ اﺒن ﺨﻠدون ﺒﻌﻀﺎً ﻤن ﻤوﻀوﻋﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺒرﻴطﺎﻨﻴون ،ﻓﻲ ّ
وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ .وﻓﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ ،أﺸـﺎر )ﺠـون ﻫوﻨﺠﻴﻤـﺎن ( أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ "
أن اﺒــن ﺨﻠــدون ﺘﻨــﺎول ﺒﻌــض اﻷﻓﻜــﺎر ذات اﻝﺼــﻠﺔ ﺒﻨظرﻴــﺔ ) ﻤــﺎرﻓﻴن ﻫــﺎرﻴس ( ﻋ ــن " اﻝﻤﺎدﻴــﺔ
إﻝــﻰ ّ
أن اﺒـن ﺨﻠـدون وﻤـن ﻗﺒﻠـﻪ
أن ) ﻫـﺎرﻴس ( ذاﺘـﻪ ،ﻴـذﻜر ّ
اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ – " Cultural Materialismوﻨﺠـد ّ
اﻹدرﻴﺴـﻲ ،ﻗ ّـدﻤﺎ أﻓﻜـﺎ اًر وﻤـواد ﺴـﺎﻋدت ﻓـﻲ ﺒﻠــورة ﻨظرﻴـﺔ اﻝﺤﺘﻤﻴـﺔ اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﺴـﺎدت إﺒـﺎّن اﻝﻘــرن
29
اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر.
إن اﻝﻔﻼﺴــﻔﺔ واﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﻝﻌــرب أﺴــﻬﻤوا ﺒﻔﺎﻋﻠﻴــﺔ – ﺨــﻼل
واﺴــﺘﻨﺎداّ إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ :
اﻝﻌﺼور اﻝوﺴطﻰ -ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻝﺠﺔ ﻜﺜﻴر ﻤن اﻝظواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﻤﻜن أن ﺘدﺨل ﻓﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎﻤـﺎت
اﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ )اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب ،ﺴواء ﺒدراﺴﺔ ﺨﺼﺎﺌص ﺜﻘﺎﻓﺔ أو
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻻ ّ
ﺴﻴﻤﺎ ّ
ﺤﻀ ــﺎرة ﺒ ــذاﺘﻬﺎ ،أو ﺒﻤﻘﺎرﻨﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــﻊ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ أﺨ ــرى .وﻝﻜ ــن ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــرﻏم ﻤ ــن اﻋﺘﺒﺎرﻫ ــﺎ ﻤﺼ ــﺎدر ﻝﻠﻤ ــﺎدة
اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ درﺴــت )أﺴــﻠوب اﻝﺤﻴــﺎة ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن وﺨــﻼل ﻓﺘ ـرة زﻤﻨﻴــﺔ ﻤﺤـ ّـددة( وﻻ ﺴ ـّﻴﻤﺎ
ﻓﺈن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘـﻲ ﺘﺒﻠـورت ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ﻜﻌﻠـم
اﻝﻌﺎدات واﻝﻘﻴم وأﻨﻤﺎط اﻝﺤﻴﺎةّ ،
ﺠدﻴ ــد ﻤﻌﺘ ــرف ﺒ ــﻪ ،ﻝ ــم ﺘﻜ ــن ذات ﺼ ــﻠﺔ ﺘ ــذﻜر ﺒﻬ ــذﻩ اﻝد ارﺴ ــﺎت ،وﻻ ﺒﻐﻴرﻫ ــﺎ ﻤ ــن اﻝد ارﺴ ــﺎت )اﻝﻴوﻨﺎﻨﻴ ــﺔ
واﻝروﻤﺎﻨﻴﺔ( اﻝﻘدﻴﻤﺔ .
ﺜﺎﻝﺜﺎً -اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﺼر اﻝﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ
أن ﻋﺼر اﻝﻨﻬﻀﺔ ﻓـﻲ أورﺒـﺎ ،ﺒـدأ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝ ارﺒـﻊ ﻋﺸـر اﻝﻤـﻴﻼدي،
ﻴﺘّﻔق
اﻝﻤؤرﺨون ﻋﻠﻰ ّ
ّ
ﺤﻴــث ﺸــرع اﻷوروﺒﻴــون ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ د ارﺴــﺔ اﻨﺘﻘﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﻌﻠــوم واﻝﻤﻌــﺎرف اﻹﻏرﻴﻘﻴــﺔ واﻝﻌرﺒﻴــﺔ ،ﻤﺘراﻓﻘــﺔ ﺒﺤرﻜــﺔ
رﻴﺎدﻴــﺔ ﻨﺸــطﺔ ﻝﻼﺴﺘﻜﺸــﺎﻓﺎت اﻝﺠﻐراﻓﻴــﺔ .وﺘﺒــﻊ ذﻝــك اﻻﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ إﻝــﻰ اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻌﻠﻤــﻲ
11
اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ ،ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻝظواﻫر اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واﻝذي ﺘﺒﻠور وﺘﻜﺎﻤل ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر.
أدت إﻝ ــﻰ ﺘرﺴ ــﻴﺦ ﻋﺼ ــر اﻝﻨﻬﻀ ــﺔ أو ﻤ ــﺎ ﺴ ـ ّـﻤﻲ )ﻋﺼ ــر اﻝﺘﻨ ــوﻴر(
اﻝﺘﻐﻴـ ـرات ﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺔ ّ
إن ﻫ ــذﻩ ّ
ّ
وأﺴﻬﻤت ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ ﺒﻠـورة اﻻﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓـﻲ ﻨﻬﺎﻴـﺔ اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ،ﻜﻌﻠـم ﻴـدرس ﺘط ّـور اﻝﺤﻀـﺎرة
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻝﻌﺎم وﻋﺒر اﻝﺘـﺎرﻴﺦ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ .اﻷﻤـر اﻝـذي اﺴـﺘﻠزم ﺘـواﻓر اﻝﻤوﻀـوﻋﺎت اﻝوﺼـﻔﻴﺔ
ﻋــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﺸــﻌوب وﺤﻀــﺎراﺘﻬﺎ ،ﻓــﻲ أوروﺒــﺎ وﺨﺎرﺠﻬــﺎ ،ﻤــن أﺠــل اﻝﻤﻘﺎرﻨــﺎت ،واﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ أﺴــﺎﻝﻴب
ﻤﻌﻴﻨــﺔ ،ﺒﺤﻴــث ﻴﻀــﻊ ذﻝــك أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﻨﺸــﺄة ﻋﻠــم
ﺤﻴــﺎة ﻫــذﻩ اﻝﺸــﻌوب وﺘرﺘﻴﺒﻬــﺎ ﺒﺤﺴــب ﻤ ارﺤــل ﺘطورّﻴــﺔ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ .
ـﺎﻓﻴﺔ ﻤﺸــﻬورة أﺜّــرت ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻤــﺎ ﻗــﺎم ﺒﻬــﺎ )
ﻝﻌ ـ ّل أﻫـ ّـم رﺤﻠــﺔ أو) رﺤــﻼت( اﺴﺘﻜﺸـ ّ
ﻜرﻴﺴـﺘوف ﻜوﻝوﻤﺒــوس ( إﻝــﻰ اﻝﻘـﺎرة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ﻤــﺎ ﺒــﻴن ) (1502 -1492ﺤﻴـث زﺨــرت ﻤذ ّﻜ ارﺘــﻪ ﻋــن
ﻤﺸﺎﻫداﺘﻪ واﺤﺘﻜﺎﻜﺎﺘﻪ ﺒﺴﻜﺎن اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺠدﻴد ،ﺒﺎﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت واﻝﻤﻌﺎرف ﻋـن أﺴـﺎﻝﻴب ﺤﻴـﺎة ﺘﻠـك
اﻝﺸﻌوب وﻋﺎداﺘﻬﺎ وﺘﻘﺎﻝﻴدﻫﺎ ،اﺘّﺴﻤت ﺒﺎﻝﻤوﻀوﻋﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻠﻤﺸﺎﻫدة اﻝﻤﺒﺎﺸرة .
إن أﻫـل ﺘﻠـك اﻝﺠـزرﻜﻠّﻬم
وﻤﻤﺎ ﻗﺎﻝﻪ ﻓﻲ وﺼف ﺴﻜﺎن ﺠـزر اﻝﻜﺎرﻴﺒﻴـﺎن ﻓـﻲ اﻝﻤﺤـﻴط اﻷطﻠﺴـﻲ ّ " :
ّ
ﻓﺜﻤﺔ ﺒﻌض اﻝﻨﺴﺎء اﻝﻠواﺘﻲ ﻴﻐطﻴن
ﻋراة ﺘﻤﺎﻤﺎً ،اﻝرﺠﺎل ﻤﻨﻬم واﻝﻨﺴﺎء ،ﻜﻤﺎ وﻝدﺘﻬم أ ﻤﻬﺎﺘﻬم .وﻤﻊ ذﻝكّ ،
ﺘﻬن ﺒورق اﻝﺸﺠر ،أو ﻗطﻌﺔ ﻤن ﻨﺴﻴﺞ اﻷﻝﻴﺎف ﺘﺼـﻨﻊ ﻝﻬـذا اﻝﻐـرض .ﻝﻴﺴـت ﻝـدﻴﻬم أﺴـﻠﺤﺔ وﻤـواد
ﻋور ّ
ﻤــن اﻝﺤدﻴــد أو اﻝﺼــﻠب وﻫــم ﻻ ﻴﺼــﻠﺤون ﻻﺴــﺘﺨداﻤﻬﺎ ﻋﻠــﻰ ّأﻴــﺔ ﺤــﺎل .وﻻ ﻴرﺠــﻊ اﻝﺴــﺒب ﻓــﻲ ذﻝ ــك
إﻝ‹ﻀﻌف أﺠﺴـﺎدﻫمٕ ،واّﻨﻤـﺎ إﻝـﻰ ﻜـوﻨﻬم ﺨﺠﻠـون وﻤﺴـﺎﻝﻤون ﺒﺸـﻜل ﻴﺜﻴـر اﻹﻋﺠـﺎب . 30" ..وﻜﺘـب ﻓـﻲ
اﻝﺨﻠُــق ،وﻗـ ّـوة اﻝﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺠﺴــدﻴﺔ .ﻜﻤــﺎ
اﻝﺨﻠــق و ُ
وﺼــﻔﻪ ﻝﺴــﻜﺎن أﻤرﻴﻜــﺎ اﻷﺼــﻠﻴﻴنّ " :إﻨﻬــم ﻴﺘﻤﺘّﻌــون ﺒﺤﺴــن َ
ّأﻨﻬم ﻴﺸﻌرون ﺒﺤرﻴﺔ
ـرددون ﻓـﻲ إﻋطـﺎء ﻤـن ﻴﻘﺼـدﻫم ّأﻴـﺎً
اﻝﺘﺼرف ﻓﻴﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻜـون ،إﻝـﻰ ﺤ ّـد ّأﻨﻬـم ﻻ ﻴﺘ ّ
ّ
31
ﻤن ﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺘﻬم ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬم ﻴﺘﻘﺎﺴﻤون ﻤﺎ ﻋﻨدﻫم ﺒرﻀﻰ وﺴرور "..
وﻫﻜذا ﻜﺎن ﻝـرﺤﻼت ﻜوﻝـوﻤﺒس واﻜﺘﺸـﺎﻓﻪ اﻝﻌـﺎﻝم اﻝﺠدﻴـد )أﻤرﻴﻜـﺎ( ﻋـﺎم 1492أﺜرﻫـﺎ اﻝﻜﺒﻴـر ﻓـﻲ
ﻤﻤـﺎ
إدﺨﺎل أوروﺒﺎ ﺤﻘﺒﺔ ﺠدﻴدة ،وﻓﻲ ﺘﻐﻴﻴر اﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻹﻨﺴﺎن ﻋﺎﻤـﺔ ،واﻹﻨﺴـﺎن اﻷوروﺒـﻲ ﺨﺎﺼـﺔّ ،
ﻷن ﻫـذﻩ اﻻﻜﺘﺸـﺎﻓﺎت اﻝﺠﻐراﻓﻴـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ وﻤـﺎ ﺘﺒﻌﻬـﺎ
أﺜّر ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﻓﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ .وذﻝـكّ ،
ﻤ ــن ﻤﻌرﻓ ــﺔ ﺴ ــﻜﺎن ﻫ ــذﻩ اﻷرض ﺒﻤﻴـ ـزاﺘﻬم وأﻨﻤ ــﺎط ﺤﻴ ــﺎﺘﻬم ،أظﻬ ــرت ﺒوﻀ ــوح ﺘﻨ ـ ّـوع اﻝﺠ ــﻨس اﻝﺒﺸ ــري،
اﻝﺘطور ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ.
وأﺜﺎرت ﻜﺜﻴ اًر ﻤن اﻝﻤﺴﺎﺌل واﻝدراﺴﺎت ﺤول ﻗﻀﺎﻴﺎ اﻝﻨﺸوء و ّ
ﺘﻤﻴز ﻋﺼـر اﻝﻨﻬﻀـﺔ اﻷورﺒﻴـﺔ ،ﺒظـﺎﻫرة ﻜـﺎن ﻝﻬـﺎ ﺘـﺄﺜﻴر ﻓـﻲ ﺘوﻝﻴـد ﻨظرﻴـﺎت ﺠدﻴـدة ﻋـن اﻝﻌـﺎﻝم
ﻝﻘد ّ
أن اﻝﻤﻔ ّﻜ ـرﻴن اﺘﻔﻘ ـوا ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﺒــﺎﻴن وﺠﻬــﺎت ﻨظــرﻫم ،ﻋﻠــﻰ ﻤﻨﺎﻫﻀــﺔ ﻓﻠﺴــﻔﺔ
واﻹﻨﺴــﺎن ،وﻫــﻲ ّ
اﻝﻌﺼ ــور اﻝوﺴ ــطﻰ اﻝﻼﻫوﺘﻴ ــﺔ ،اﻝﺘ ــﻲ أﻋﺎﻗ ــت ﻓﻀ ــول اﻝﻌﻘ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ إﻝ ــﻰ ﻤﻌرﻓ ــﺔ أﺼ ــول اﻷﺸ ــﻴﺎء
وﻤﺼــﺎدرﻫﺎ ،وﺘﻜــوﻴن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ وﻗواﻨﻴﻨﻬــﺎ ،وﺼــﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن اﻝﺠﺴــدﻴﺔ واﻝﻌﻘﻠﻴــﺔ واﻷﺨﻼﻗﻴــﺔ 32.وظﻬــر
ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻬذا اﻝﻤوﻗف اﻝﺠدﻴد اﺘّﺠﺎﻩ ﻝدراﺴﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،ﻋرف ﺒﺎﻝﻤذﻫب اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ )اﻝﻌﻠﻤﻲ( اﻗﺘﻀـﻰ د ارﺴـﺔ
اﻝﻤﺎﻀﻲ ﻤن أﺠل ﻓﻬم اﻝﺤﺎﻀر ،ﺤﻴث اﺘّﺠﻬت دراﺴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ وﻓﻬـم ﻤﺎﻫﻴﺘﻬـﺎ وأﺒﻌﺎدﻫـﺎ وﻓـق
اﻝﺘطورﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن.
اﻝﻤراﺤل اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ
ّ
وﻗـد ﺘﺒﻠـور ﻫـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ )اﻝﻤـذﻫب( اﻝﻌﻠﻤـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴـﺔ واﻝرﻴﺎﻀـﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ظﻬـرت ﻓــﻲ
12
أﻋﻤﺎل ﺒﻌض ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻘرن اﻝﺴﺎﺒﻊ ﻋﺸر ،ﻤن أﻤﺜﺎل :ﻓراﻨﺴﻴس ﺒﻴﻜـون (1626-1561) F.Becon
ورﻴﻨﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ دﻴﻜـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎرت R.Decartes
) (1650-1596واﺴـ ــﺤق ﻨﻴـ ــوﺘن ،(1727-1642) Newtonوﻏﻴـ ــرﻫم .ﺤﻴـ ــث أﺼـ ــﺒﺤت اﻝﻨظ ـ ـرة
اﻝﺠدﻴدة ﻝﻺﻨﺴﺎن ﻋل ّأﻨﻪ ظﺎﻫرة طﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻴﻤﻜن دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼل اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ واﻝﻤﻨﻬﺞ اﻝﺘﺠرﻴﺒﻲ،
وﻤﻌرﻓــﺔ اﻝﻘـواﻨﻴن اﻝﺘــﻲ ﺘﺤﻜــم ﻤﺴــﻴرة اﻝﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ واﻝﺘﻘـ ّـدم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ.وﻫــذا ﻤــﺎ أﺴــﻬم ﻓــﻲ ﺘﺸــﻜﻴل
أدى ﺒﺼـ ـ ــورة ﺘدرﻴﺠﻴـ ـ ــﺔ إﻝـ ـ ــﻰ ﺒﻠـ ـ ــورة اﻝﺒـ ـ ــداﻴﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ
اﻝﻤﻨطﻠﻘـ ـ ــﺎت اﻝﻨظرﻴـ ـ ــﺔ ﻝﻠﻔﻜـ ـ ــر اﻻﺠﺘﻤـ ـ ــﺎﻋﻲ ،و ّ
ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﺨﻼل ﻋﺼر اﻝﺘﻨوﻴر .
أﻤ ـ ـﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴـ ــﺒﺔ ﻝﻠد ارﺴـ ــﺎت اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴـ ــﺔ )د ارﺴـ ــﺔ أﺴـ ــﻠوب اﻝﺤﻴـ ــﺎة واﻝﻌـ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـ ــد( واﻝد ارﺴـ ــﺎت
ّ
اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ )د ارﺴــﺔ ﻤﻘﺎرﻨــﺔ ﻷﺴــﺎﻝﻴب اﻝﺤﻴــﺎة ﻝﻠوﺼــول إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( ،واﻝد ارﺴــﺎت
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺜﻤﺔّ أﻋﻤﺎل ﻜﺜﻴرة ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء .
وﻗـد ﺘﻜــون ﻤﺤﺎوﻝـﺔ اﻝرﺤﺎﻝــﺔ اﻹﺴـﺒﺎﻨﻲ )ﺠوزﻴــﻪ آﻜوﺴــﺘﺎ (J. Acostaﻓــﻲ اﻝﻘـرن اﻝﺴــﺎدس ﻋﺸــر،
ﻝـ ـرﺒط ﻤﻼﺤظﺎﺘ ــﻪ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ﻋ ــن اﻝﺴ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓ ــﻲ اﻝﻌ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ــد ﺒ ــﺒﻌض اﻷﻓﻜ ــﺎر اﻝﻨظرﻴ ــﺔ،
اﻝﻤﺤﺎوﻝﺔ اﻷوﻝﻰ ﻝﺘدوﻴن اﻝﻤﺎدة اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺔ واﻝﺘﻨظﻴر ﺒﺸﺄﻨﻬﺎ.
ﻓﺴـر
ﻓﻘد اﻓﺘرض آﻜوﺴﺘﺎ ّ
أن اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر ﻜـﺎﻨوا ﻗـد ﻨزﺤـوا أﺼـﻼً ﻤـن آﺴـﻴﺎ إﻝـﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ ،وﺒـذﻝك ّ
وﻗدم آﻜوﺴـﺘﺎ أﻴﻀـﺎً اﻓﺘ ارﻀـﺎً آﺨـر
اﺨﺘﻼف ﺤﻀﺎراﺘﻬم ﻋن ﺘﻠك اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت ﺴﺎﺌدة ﻓﻲ أوروﺒﺎ ﺤﻴﻨذاكّ .
ﻤﻌﻴﻨﺔ ،ﻤﻌﺘﻤداً ﻓﻲ ﺘﺼـﻨﻴﻔﻪ ﻋﻠـﻰ أﺴـﺎس ﻤﻌرﻓـﺔ اﻝﺸـﻌوب
ﺘطور اﻝﺤﻀﺎرة اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻋﺒر ﻤراﺤل ّ
ﺤول ّ
اﻝﻘراءة واﻝﻜﺘﺎﺒﺔ.
وﻗد وﻗﻔـت أوروﺒـﺎ ﻓـﻲ أﻋﻠـﻰ اﻝﺘرﺘﻴـب ،وأﺘـت ﺒﻌـدﻫﺎ اﻝﺼـﻴن ﻓـﻲ اﻝﻤرﺘﺒـﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـﺔ ﻝﻤﻌرﻓﺘﻬـﺎ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺔ،
وﺼﻨﻔت اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ﺒدرﺠﺎت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ ﻓﻲ
ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺠﺎءت اﻝﻤﻜﺴﻴك ﻓﻲ ﻤرﺘﺒﺔ أدﻨﻰ ﻤن ذﻝك ..
ّ
اﻝﻤواﻗﻊ اﻷدﻨﻰ ﻤن ﻫذا اﻝﺘرﺘﻴـب 33.ورّﺒﻤـﺎ ﺸـ ّﻜل ﻫـذا اﻝﺘﺼـﻨﻴف أﺴﺎﺴـﺎً اﺴـﺘﻨد إﻝﻴـﻪ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون –
ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد -ﻝﻠﺘﻤﻴﻴز ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨــب )آﻜوﺴــﺘﺎ ( اﻹﺴــﺒﺎﻨﻲ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ ﻋــن اﻝﺸــﻌوب اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ،ﻋــﺎﻝم
اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع اﻝﻔرﻨﺴ ــﻲ) ،ﻤﻴﺸ ــﻴل دي ﻤوﻨﺘ ــﺎﻨﻲ( M.De.Montaigneاﻝ ــذي ﻋ ــﺎش ﻤ ــﺎ ﺒ ــﻴن )-1532
(1592وأﺠـ ــرى ﻤﻘـ ــﺎﺒﻼت ﻤـ ــﻊ ﻤﺠﻤوﻋـ ــﺎت ﻤـ ــن اﻝﺴـ ــﻜﺎن اﻷﺼ ــﻠﻴﻴن ﻓـ ــﻲ أﻤرﻴﻜـ ــﺎ اﻝﻤﻜﺘﺸـ ــﻔﺔ ،واﻝـ ــذﻴن
أﺤﻀرﻫم ﺒﻌض اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﻴن إﻝﻰ أورﺒﺎ .وﺒﻌد أن ﺠﻤﻊ ﻤـﻨﻬم اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت ﻋـن اﻝﻌـﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد اﻝﺴـﺎﺌدة
ﺠﻴــداً ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن د ارﺴــﺔ
ﻓــﻲ ﻤــوطﻨﻬم اﻷﺼــﻠﻲ ،ﺨــرج ﺒﺎﻝﻤﻘوﻝــﺔ اﻝﺘﺎﻝﻴــﺔّ " :إﻨــﻪ ﻝﻜــﻲ ﻴﻔﻬــم اﻝﻌــﺎﻝم ﻓﻬﻤ ـﺎً ّ
اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺤﻀــﺎري ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒﺸــرﻴﺔ واﺴﺘﻘﺼــﺎء أﺴــﺒﺎب ﻫــذا اﻝﺘﻨـ ّـوع " وﻴﻜــون ﺒــذﻝك ﻗــد طــرح ﻓﻜ ـرة
)اﻝﻨﺴﺒﻴﺔ اﻷﺨﻼﻗﻴﺔ(.
وﻤﻤــﺎ ﻗﺎﻝــﻪ ﻓــﻲ ﻫــذا اﻹطــﺎر ﻤــﺎ ﻜﺘﺒــﻪ ﻓــﻲ ﻤﻘﺎﻝــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر ﻋــن " أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر " وﺠــﺎء ﻓﻴــﻪ " :
ّ
أن ﻝﻴس ﻝدﻴﻨﺎ أي ﻤﻌﻴﺎر ﻝﻠﺤﻘﻴﻘﺔ واﻝﺼواب ،إﻻّ ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ ﻨﺠدﻩ ﺴﺎﺌداً ﻤن آراء وﻋﺎدات ﻋﻠـﻰ
ﻴﺒدو ّ
اﻷرض اﻝﺘـﻲ ﻨﻌـﻴش ﻋﻠﻴﻬــﺎ )أوروﺒـﺎ( ،ﺤﻴــث ﻨﻌﺘﻘـد ﺒوﺠــود أﻜﻤـل اﻝــدﻴﺎﻨﺎت ،وأﻜﺜـر اﻝط ارﺌــق ﻓﺎﻋﻠﻴـﺔ ﻓــﻲ
اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻰ اﻷﺸﻴﺎء .
13
إن ﻫــؤﻻء اﻝﻨــﺎس )أﻜﻠــﺔ ﻝﺤــوم اﻝﺒﺸــر( ﻓطرﻴــون طﺒﻴﻌﻴــون ،ﻤﺜــل اﻝﻔﺎﻜﻬــﺔ اﻝﺒرّﻴــﺔ .ﻓﻘــد ﺒﻘ ـوا ﻋﻠــﻰ
ّ
34
ﺤﺎﻝﻬم اﻝﺒﺴﻴطﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺸ ّﻜﻠﺘﻬم اﻝطﺒﻴﻌﺔ ﺒطرﻴﻘﺘﻬﺎ اﻝﺨﺎﺼﺔ ،وﺘﺤ ّﻜﻤـت ﻓـﻴﻬم ﻗواﻨﻴﻨﻬـﺎ وﺴ ّـﻴرﺘﻬم ".وﻤـن
ﻫذﻩ اﻝرؤﻴﺔ ،ﻻﻗﻰ ﻜﺘﺎﺒﻪ اﻝﺸـﻬﻴر "اﻝﻤﻘـﺎﻻت" اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ،1579اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎً ﻜﺒﻴـ اًر ﻝـدى ﻤـؤرﺨﻲ اﻝﻔﻜـر
اﻷوروﺒﻲ ﻋﺎﻤﺔ ،واﻝﻔﻜر اﻝﻔرﻨﺴﻲ ﺨﺎﺼﺔ.
وﻴﺄﺘﻲ اﻝﻘرن اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر ،ﻝﻴﺤﻤل ﻤﻌﻪ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠﺎن ﺠﺎك روﺴو ،J.J. Rossowاﻝﺘﻲ اﺤﺘﻠّـت
ـؤرﺨﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وذﻝــك ﺒــﺎﻝﻨظر ﻝﻤــﺎ ﺘﻀــﻤﻨﺘﻪ ﻓــﻲ د ارﺴــﺘﻬﺎ اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴــﺔ
ّ
أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴـرة ﻝــدى ﻤـ ّ
ﻝﻠﺸﻌوب اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒداﺌﻴﺔ( ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻐرﺒﻴﺔ اﻷوروﺒﻴﺔ.
ـﺎﻝﺘﺠرد واﻝﻤوﻀـوﻋﻴﺔ ،ﺤﻴـث ﺘﺠﻠّـﻰ ذﻝـك ﻓـﻲ
ﻝﻘد ّ
ﺘﻤﻴزت وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﻋﻨد ّ
روﺴـو ﺒ ّ
ﻨﻘد ﺒﻌـض اﻝﻘـﻴم واﻝﺠواﻨـب اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ﻓـﻲ ﻤﺠﺘﻤﻌـﻪ اﻝﻔرﻨﺴـﻲ ،ﻤﻘﺎﺒـل اﺴﺘﺤﺴـﺎن ﺒﻌـض اﻝط ارﺌـق اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ
ﻴﻌد ﻜﺘﺎﺒﻪ " اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ" ﻤن اﻝﺒـواﻜﻴر اﻷوﻝـﻰ ﻝﻠﻔﻜـر
ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى .وﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎرّ ،
روﺴو ،اﻝﺒﺎرون دي ﻤوﻨﺘﺴـﻜﻴﻴﻪ ،اﻝـذي وﻀـﻊ ﻜﺘـﺎب )روح اﻝﻘـواﻨﻴن(
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ .وﻜﺎن إﻝﻰ ﺠﺎﻨب ّ
وأوﻀ ــﺢ ﻓﻴ ــﻪ ﻓﻜـ ـرة اﻝﺘـ ـراﺒط اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﺒ ــﻴن اﻝﻘـ ـواﻨﻴن واﻝﻌ ــﺎدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴ ــد واﻝﺒﻴﺌ ــﺔ .وﺴ ــﺎدت ﻫ ــذﻩ اﻝﻔﻜـ ـرة
اﻝﺘراﺒطﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ أﻋﻤ ــﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴن ﻓ ــﻲ أواﺌ ــل اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻨ ــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻴﻴن
ﻨوﻋﻴﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة
اﻹﻨﺠﻠﻴز ،ﺤﻴث اﻨﺘﻘل اﻫﺘﻤﺎم ﻤوﻨﺘﺴﻜﻴﻴﻪ ﺒدراﺴﺔ اﻝﻨظم اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ،وﺘﺄﺜﻴر اﻝﻤﻨﺎخ ﻋﻠﻰ ّ
أو اﻝﺜﻘﺎﻓ ـ ـ ــﺔ – ﻓﻴﻤ ـ ـ ــﺎ ﺒﻌ ـ ـ ــد – إﻝ ـ ـ ــﻰ اﻝﻜﺘﺎﺒ ـ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ـ ــﺔ ،وﺸـ ـ ـ ـ ّﻜل ﻤﺠ ـ ـ ــﺎﻻً واﺴ ـ ـ ــﻌﺎً ﻝﻠد ارﺴ ـ ـ ــﺎت
35
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
اﻝﻘوﻤﻴــﺔ
أﻤــﺎ ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ ،ﻓﻘــد ﺘﺒﻠــور اﻝﻔﻜــر ﻓــﻲ ﻋﺼــر اﻝﺘﻨــوﻴر ،ﻋــن اﻝﺘﻔـ ّـوق اﻝﻌﻨﺼــري واﻝﻨزﻋــﺔ
ّ
ّ
ـﺒﻴﺔ ( .وظﻬــر ذﻝــك واﻀ ـﺤﺎً ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﺎت ﻜ ـ ّل ﻤــن ﺠــورج ﻫﻴﺠــل )(1831-1770
ـوﻓﻴﻨﻴﺔ )اﻝﺘﻌﺼـ ّ
اﻝﺸـ ّ
وﺠوﻫﺎن ﻓﺨﺘﻪ ) ،(1814-1762ﺤﻴث ﺠﻌﻼ اﻝﺸﻌب اﻷﻝﻤﺎﻨﻲ ،اﻝﺸﻌب اﻷﻤﺜـل واﻷﻨﻘـﻰ ﺒـﻴن ﺸـﻌوب
اﻝﻌﺎﻝم .
ﻝﺘﻌزز ﻓﻜرة اﻝﺘﻤﺎﻴز ﺒﻴن اﻝﺴﻼﻻت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ
أﻤﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ﺠوﻫﺎن ﻫﻴردر ) (1803-1744ﻓﺠﺎءت ّ
ّ
ﻝﻤﻘوﻤﺎت
ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﺘرﻜﻴب اﻝﺠﺴﻤﻲ ،واﻝﺘﻔﺎوت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺒﻤدى اﻝﺘﺄﺜّر ﺒﻤظﺎﻫر اﻝﻤدﻨﻴﺔ ،وﻓﻲ ﺘﻤﺜّﻠﻬﺎ ّ
ﺜﻤــﺔ ﺴــﻼﻻت ﺒﺸـرﻴﺔ ﺨﻠﻘــت ﻝﻠرﻗــﻲ ،وﺴــﻼﻻت
اﻝﺤﻀــﺎرة .وﻋﻠــﻰ ﻫــذا اﻷﺴــﺎس ،ﻴــذﻫب ﻫﻴــردر إﻝــﻰ ّ
أن ّ
36
ﺒﺎﻝﺘﺄﺨر واﻻﻨﺤطﺎط.
أﺨرى ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ّ
ﻝﻜـن ﻫـذا اﻻﺘﺠـﺎﻩ اﻝﻌﻨﺼـري ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ ،واﺠـﻪ اﻨﺘﻘـﺎدات ﻜﺒﻴـرة ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻘـرن
اﻝﻌﺸرﻴن ،ﺤﻴث ﺒـرزت ﻓﻜـرة ّأﻨـﻪ ﻻ ﻴﺠـوز أن ﺘﺘّﺨـذ اﻝﻠﻐـﺔ ﻜﺄﺴـﺎس أو دﻝﻴـل ﻋﻠـﻰ اﻻﻨﺘﻤـﺎء إﻝـﻰ أﺼـل
أن اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري واﻝﻠﻐــﺔ ،ﻻ ﻴﺠــوز أن ﺘﻜــون أﺴﺎﺴ ـﺎً ﻝﺘﻘﺴــﻴم اﻝﺸــﻌوب
ﺴــﻼﻝﻲ واﺤــد ،و ّ
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ إﻝﻰ ﺴﻼﻻت ﻤﺘﻤﺎﻴزة .وﻗد ﻨﻘض ذﻝك ودﺤﻀﻪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد ،اﻝﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ اﻝﻘـﺎﺌم ﻋﻠـﻰ
اﻝﻤﺸﺎﻫدة اﻝواﻗﻌﻴﺔ ،واﻝدراﺴﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺸﻌوب اﻷﺨرى .
اﻝﻤﺘﺤررة اﻝﺘﻲ ظﻬرت اﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ وﻗﻀﺎﻴﺎﻫﺎ اﻻﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﻤﻨـذ
إن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
وﻫﻨﺎ ﻴﻤﻜن اﻝﻘول ّ :
ّ
ك -ﻓـﻲ اﻝﻜﺘﺎﺒـﺎت اﻝﻔرﻨﺴـﻴﺔ ﻓـﻲ ﻋﺼـر اﻝﺘﻨـوﻴر ،ﺠـذو اًر
اﻨﺘﻬﺎء اﻝﺤرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ ،ﺘﺠد – وﻻ ﺸـ ّ
37
أو أﺼوﻻً ﻨظرﻴﺔ ﻝﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬﺎ اﻝﻔﻜرﻴﺔ.
14
إن اﻝﻔﻜــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ اﻝــذي ﺴــﺎد أوروﺒــﺎ ﻓــﻲ ﻋﺼــر
وﺘﺄﺴﻴﺴ ـﺎً ﻋﻠــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ،ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ :
اﻝﻤؤرﺨﻴن ،ﺸ ّﻜل اﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝﻨظرﻴـﺔ اﻷوﻝـﻰ
اﻝﺘﻨوﻴر ،وﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﺎت اﻝﻌدﻴد ﻤن اﻝﻔﻼﺴﻔﺔ واﻝﺒﺎﺤﺜﻴن و ّ
ﻝﻌﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،اﻝذي ﺒدأ ﻴﺴﺘﻘل ﺒذاﺘﻪ ﻤﻊ ﺒداﻴﺎت اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ،وﻴﺘﺒﻠور ﺒﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ ﻓﻲ
اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن ذاﺘﻪ.
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺜﺎﻝﺜﺔ
ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨرى
ﺘﻤﻬﻴد
ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن اﻻﻋﺘراف ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻜﻌﻠم ﻤﺴﺘﻘ ّل ﺒذاﺘﻪ ،ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن ﻤـن ﺤﻴـث ﻨﺸـﺄﺘﻪ
وﺘطـ ّـورﻩ وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ ،ﻓﻤــﺎ زال اﻝﻌﻠﻤــﺎء ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤــﺎء اﻹﻨﺴــﺎن ﻴﺨﺘﻠﻔــون ﺤــول ﺘﺼــﻨﻴف ﻫــذا اﻝﻌﻠــم ﺒــﻴن
اﻝﻌﻠ ــوم اﻝﻤﺨﺘﻠﻔ ــﺔ ..ﻓﻴ ــرى ﺒﻌﻀ ــﻬم ّأﻨ ــﻪ ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﻜﻌﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس واﻻﺠﺘﻤ ــﺎع واﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ
واﻝﺴﻴﺎﺴــﺔ .وﻴــرى ﺒﻌﻀــﻬم أﻴﻀ ـﺎً ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻌﻠــوم اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ،ﻜﺎﻝرﻴﺎﻀــﻴﺎت واﻝطــب واﻝﻔﻠــك .ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴــرى
ﺒﻌﻀﻬم اﻵﺨر ّأﻨﻪ ﻤن اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﻜﺎﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻔﻨون واﻝدﻴﺎﻨﺎت ..
ﻝﻜ ــن ﻫ ــذﻩ اﻝﻌﻠ ــوم ﻜﻠّﻬ ــﺎ دﺨﻠ ــت ﻋﻠ ــﻰ ﻤ ـ ّـر اﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﻝﺸ ــﻌب ﻤ ــﺎ ،إﻝ ــﻰ ﺠﺴ ــد ﻫ ــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ
ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬــﺎ ،اﻷﻤــر اﻝــذي أدى ﻓــﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴــﺔ إﻝــﻰ اﺨــﺘﻼف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت
وأﺼــﺒﺤت ﺠــزءاً ﻤﻨﻬــﺎ ،
وﻤﻜوﻨ ـﺎً ﻤــن ّ
ّ
ﺒﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ .وﻤن ﻫﻨﺎ ﻜﺎن ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ذا ﺼﻠﺔ ﺒﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠوم أﺨرى.
ـطر اﻝﻤ ـرة ﺘﻠــو اﻝﻤـ ّـرة ،إﻝــﻰ اﻻﻨﺘظــﺎر رﻴﺜﻤــﺎ ﺘــﻨﺠﺢ اﻝﻌﻠــوم اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ﻓــﻲ
ﻓﻌﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻀـ ّ
أن ﻨﺘـﺎﺌﺞ
وﻤﻤـﺎ ﻻ ﺸـ ّ
اﺴﺘﺠﻼء ﻨﻘطﺔ ّ
ك ﻓﻴـﻪ ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻋـن طرﻴـق اﻝﺘﺠـﺎرب اﻝﺘـﻲ ﺘﺠـرى ﻋﻠـﻰ اﻝﺤﻴواﻨـﺎتّ .
اﻷﺒﺤﺎث اﻝﺘﻲ أﺠراﻫﺎ ﻋﻠﻤﺎء اﻝوراﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺠرذان وذﺒﺎب اﻷﺸﺠﺎر اﻝﻤﺜﻤرة ،ﻫﻲ اﻝﺘـﻲ ﻤﻬّـدت اﻝطرﻴـق
ﻝﻔﻬم ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ،وﻝﺠﻼء اﻝﻤﺸﻜﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ اﻝﻤﺘّﺼـﻠﺔ ﺒﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ )اﻝﻌـروق
إن اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘـﻲ اﻜﺘﺸـﻔﺘﻬﺎ اﻝﻌﻠـوم
أو اﻷﺠﻨﺎس اﻝﺒﺸرﻴﺔ ( .ﻏﻴر ّأﻨﻨﺎ ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ،ﻨﺴﺘطﻴﻊ اﻝﻘـولّ :
ﻷن ﻤﻌظــم اﻝظــﺎﻫرات اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ
اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ،ﻻ ﺘﺴــﺎﻋد ﻜﺜﻴـ اًر ﻓــﻲ ﻓﻬــم طﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،وذﻝــك ّ
اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻻ ﺘﺠد ﻤﺎ ﻴﻤﺎﺜﻠﻬﺎ ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ وﺜﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﺼﻌﻴد اﻝﺤﻴواﻨﻲ.
أن ﻋﻠﻤﺎء
وﻴﺼدق ﻫذا ﺒوﺠﻪ ﺨﺎص ﻋﻠﻰ اﻝظﺎﻫرات اﻝﻤﺘّﺼﻠﺔ ﺒﺎﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﻨظّﻤﺔ .ﻓﻤﻊ ّ
ـﺈﻨﻬم ﻗﻠّﻤ ــﺎ
طورﺘﻬ ــﺎ اﻝﻌﻠ ــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﻓ ـ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ اﺴ ــﺘطﺎﻋوا اﺴ ــﺘﺨدام ﺒﻌ ــض اﻷﺴ ــﺎﻝﻴب اﻝﺘ ــﻲ ّ
أن إﺴـﻬﺎﻤﻬم ﻓـﻲ ﺘط ّـور اﻝﻌﻠـوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ،
اﻀطروا إﻝﻰ اﻨﺘظﺎر
ﺘطور ﻤﺜـل ﻫـذﻩ اﻷﺴـﺎﻝﻴب .واﻝواﻗـﻊ ّ
ّ
ّ
38
ﺘطور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.
ﻓﻲ
اﻝﻌﻠوم
ﻫذﻩ
إﺴﻬﺎم
ﻋن
ﺎ
ﺸﺄﻨ
ﻻ ﻴﻘ ّل ً
ّ
وﺴﻨﻜﺘﻔﻲ ﺒﺘﺒﻴﺎن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء ،وﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع وﻋﻠم اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ ،وﻋﻠم اﻝﻨﻔس،
ﻷﻨﻬــﺎ ﺴــﺘرد ﻓــﻲ اﻝﻔﺼــول اﻝﻼﺤﻘــﺔ ،ﻤــن
وﻋﻠــم اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺎ واﻝﺠﻐراﻓﻴــﺎ ،وﻨﺘــرك ﺼــﻠﺘﻬﺎ ﺒــﺎﻝﻌﻠوم اﻷﺨــرى ّ
ﺨﻼل ﻋرض ﻓروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ.
15
أوﻻً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻷﺤﻴﺎء ) اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺎ (Biology
اﻝﺤﻴﺔ ﻤن وﺤﻴد اﻝﺨﻠﻴﺔ اﻷﺒﺴط ﺘرﻜﻴﺒﺎً ،وﺤﺘﻰ ﻜﺜﻴـر اﻝﺨﻼﻴـﺎ
ﻴﺘﻨﺎول ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء دراﺴﺔ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
ﺒﺄﻨــﻪ :اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻜﻔــرد ﻗــﺎﺌم ﺒذاﺘــﻪ ،ﻤــن ﺤﻴــث ﺒﻨﻴــﺔ
واﻷﻜﺜــر ﺘﻌﻘﻴــداً .وﻝــذﻝك ﻴﻌـ ّـرف ّ
وﺘطورﻫﺎ .
أﻋﻀﺎﺌﻪ
ّ
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠم وظـﺎﺌف اﻷﻋﻀـﺎء واﻝﺘﺸـرﻴﺢ وﺤﻴـﺎة اﻝﻜـﺎﺌن
وﻴرﺘﺒط ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻻ ّ
اﻝﺤﻴــﺔ وأﻨواﻋﻬــﺎ
اﻝﺤــﻲ .وﺘ ـدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك ،ﻨظرﻴــﺔ اﻝﺘطـ ّـور اﻝﺘــﻲ ﺘﻘــول ﺒــﺄن أﺠﺴــﺎم أﺠﻨــﺎس اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ﺘﺘﻐﻴـر ﺒﺎﺴــﺘﻤرار ﻤـﺎ داﻤــت ﻫــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ﺘﺘﻜــﺎﺜر وﺘﻨـﺘﺞ أﺠﻴــﺎﻻً ﺠدﻴـدة ،ﻗــد ﺘﻜــون
ووظـﺎﺌف أﻋﻀــﺎﺌﻬﺎّ ،
أرﻗﻰ ﻤن اﻷﺠﻴﺎل اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ،ﻜﻤﺎ ﻫﻲ اﻝﺤﺎل ﻋﻨد اﻹﻨﺴﺎن.
ﺤﻴـﺎً ﺒﺨﻠﻴــﺔ واﺤــدة ،ﺘﻜــﺎﺜرت ﻓــﻲ إطــﺎر ﺒﻨﻴﺘــﻪ
أن اﻹﻨﺴــﺎن ﺒــدأ ﻜﺎﺌﻨ ـﺎً ّ
ﻜﻤــﺎ ﺘﺴــﺘﻨد ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ إﻝــﻰ ّ
اﻝﺘطور اﻝﻌﻘﻠﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ .وﻫذا ﻤـﺎ دﻝّـت
اﻝﻌﺎﻤﺔ ،إﻝﻰ أن اﻨﺘﻬﻰ إﻝﻰ ﻤﺎ ﻫو ﻋﻠﻴﻪ اﻵن ﻤن
ّ
اﻝﺤﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ اﻝﺤﻔرﻴﺎت اﻷﺜرﻴﺔ .
ﻋﻠﻴﻪ ﺒﻘﺎﻴﺎ ﻋظﺎم اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
ﻓﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،ﻤــن اﻝﻨﺎﺤﻴــﺔ اﻝﻨظرﻴــﺔ ،ﺸــدﻴدة اﻝﻘــرب ﻤــن اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ ؛ ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻴــدرس ﻋﻤﻠﻴــﺔ
ﺘﺨﺼﺼﻪ.
ﻝﻠﺘﻨوع ،وﻜ ّل ﻓﻲ
إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻝﺤﻴﺎة ،وﻜﻼﻫﻤﺎ
ّ
ﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻨﻤوذج ﻨظري ّ
ّ
أن اﻝﻤﺒــﺎدىء
ﻝﻜ ّـن ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﺤـوار ﻓـﻲ اﻝد ارﺴــﺔ اﻝﻤﻴداﻨﻴــﺔّ ،
أدت ﻜﻤـﺎ ﻴﻘــول ) ﻜــﺎرﻝوس ﺴـﺎﻓﻴد ار( إﻝــﻰ ّ
اﻝﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ،ﺘواﻝﻴﺎً أو ﻨﻤوذﺠﺎً ،ﻴﺴﻴر ﻤن
اﻝﺘطور ﺘﺘﺒﻊ ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﻤﻨطﻘﻴﺔ و
ﺘﺄﺴﺴت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻨظرﻴﺔ
ّ
اﻝﺘﻲ ّ
ّ
اﻝﺘﻐﻴر ..ﻓﺒﻨو اﻹﻨﺴﺎن ﻤن أﺼل واﺤد ،ﺴواء أﻜﺎن اﻝﺘط ّـور ﺒـﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘط ّـوري أو ﺒﺘرﻜﻴـب
اﻝﺜﺒﺎت إﻝﻰ ّ
وﺘﻐﻴ ـرات
اﻝﺤﻤــض اﻝﻨــووي ﺒــﺎﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﺘزاﻤﻨــﻲ ..وﻝﻜــن ﻫﻨــﺎك أﻴﻀ ـﺎً – ﻓــﻲ اﻝوﻗــت ﻨﻔﺴــﻪ – ﺘﺸـ ّـوﻫﺎت ّ
ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺸﻜﺎل ،ﺒﻨﻴوﻴﺔ وﺘرﻜﻴﺒﻴﺔ ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺢ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ .
وﻴﺤظــﻰ ﺘﺤﻠﻴــل اﻝﺘﻨـ ّـوع ﻓــﻲ اﻝﻌﻠﻤــﻴن ،ﺒــدور ﺤﻴــوي :اﻝﺘﻨـ ّـوع اﻝﺠﻴﻨــﻲ ﻓــﻲ ﻋﻠــم )اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺎ( واﻝﺘﻨـ ّـوع
ـﺎﻝﺘﻨوع أﻤـر أﺴﺎﺴـﻲ ﻝﻤـﺎ ﺘﺴ ّـﻤﻴﻪ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺎ " اﻝﻔﺎﻋﻠﻴـﺔ اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ "
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ( ,ﻓ ّ
وﻫﻲ اﻝﻘدرة ﻋﻠـﻰ ﻤواﺼـﻠﺔ اﻝﺤﻴـﺎةٕ ،واﺨـﻼف اﻝذرﻴـﺔ .واﻷﻤـر ذاﺘـﻪ ﻨﺠـدﻩ ﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴطﻠـق
ﻋﻠﻴﻪ :إﺸﺒﺎع اﻝﺤﺎﺠﺎت اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ.
ﻴﻌـ ّـد ) دارون ( ارﺌــد ﻋﻠــم اﻷﺤﻴــﺎء ،اﻝــذي اﺴــﺘﻨد ﻓﻴــﻪ إﻝــﻰ ﻨظرﻴــﺔ )اﻝﻨﺸــوء واﻻرﺘﻘــﺎء ( ﻓــﻲ ﺤﻴــﺎة
ﻴﺘﻠﺨص ﻓﻲ اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ:
ﻗدم ﻝﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر ﻤﻨﻬﺠﻴﺎً ﻤﻌﻘوﻻًّ ،
اﻹﻨﺴﺎن ،واﻝﺘﻲ ّ
إن ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻝﺤﻴﺎة اﻝﻤﺘﺘﺎﺒﻌـﺔ ﺒﻤﻌطﻴﺎﺘﻬـﺎ وظروﻓﻬـﺎ ،ﺘﻨـﺘﺞ ﻜﺎﺌﻨـﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ﻋـن أﺼـوﻝﻬﺎ ..أي
ّ -1
أن أﻨـ ـواع ﻫ ــذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨـ ـﺎت ﻻ ﺘﺘﻜ ـ ّـرر ﻫ ــﻲ ذاﺘﻬ ــﺎ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل اﻝﺘﻜ ــﺎﺜر ،ﺒ ــل ﺘﺘﻨ ـ ّـوع ﻓ ــﻲ أﺸ ــﻜﺎﻝﻬﺎ
ّ
وﻤظﺎﻫرﻫﺎ.
اﻝﺤﻴــﺔ ،ﺘﺠﻌﻠﻬــﺎ أﻜﺜــر ﻗــدرة ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﻘــﺎء ﻤــن
إن اﻝﺨﺼــﺎﺌص اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻤﺘّــﻊ ﺒﻬــﺎ ﺒﻌــض اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ّ -2
اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺤﻴط ﺒﻬﺎ.
ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻵﺨر ،ﺤﻴث ﺘﺴﺘطﻴﻊ اﻝﺘﻼؤم ﻤﻊ اﻝظروف
ّ
ﻗﻴـﺎً ،ﺘﻤﺘﻠــك ﻋواﻤــل اﻝﺘﻜــﺎﺜر واﻻﺴــﺘﻤرار ﻋﻠــﻰ ﻗﻴــد
اﻝﺤﻴــﺔ اﻝﺠدﻴــدة ،اﻷﻜﺜــر ﻗــدرة ور ّ
إن اﻝﻜﺎﺌﻨــﺎت ّ
ّ -3
ﻤﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻨد ﺒﻌض اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﻀﻌﻴﻔﺔ اﻷﺨرى ،اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌ ّـرض ﻝﻼﻨﻘـراض
اﻝﺤﻴﺎة ،ﻝﻔﺘرة أطول ّ
اﻝﺴرﻴﻊ.
16
ـؤدي
اﻝﺤﻴـﺔ ﺘ ّ
إن ﺒﻌض اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ) اﻝﺼﻔﺎت اﻝﻤﻬﻠﻜﺔ( ﻋﻨد ﺒﻌض أﻨواع اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
ّ -4
ﻝﻠﺘﻜﻴــف ﻤــﻊ
إﻝــﻰ ﻤوﺘﻬــﺎ ﺒﺼــورة ﺴ ـرﻴﻌﺔ ،ورّﺒﻤــﺎ ﻤﺒﺎﺸ ـرة ،إذا ﻝــم ﺘﻜــن ﻫــذﻩ اﻝﺨﺼــﺎﺌص ّ
ﺘؤﻫﻠﻬــﺎ ّ
اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ .وﻫذا ﻤﺎ ﻴؤﺜّر ﺴﻠﺒﺎً ﻓﻲ ﻨﺴل ﻫذﻩ اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ﻤن ﺤﻴث اﻝﺒﻨﻴﺔ واﻝﻤﻘﺎوﻤﺔ.
اﻝظروف
ّ
وﺘطورﻫـﺎ ،وﺼـوﻻً إﻝـﻰ
اﻝﺤﻴـﺔ
واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﺒـﺎدىء اﻝﺘـﻲ ﻗ ّـدﻤﻬﺎ دارون ﻓـﻲ أﺼـل اﻝﻜﺎﺌﻨـﺎت ّ
ّ
وﻀﻊ اﻹﻨﺴﺎن اﻝﺤﺎﻝﻲ ،اﻜﺘﺸف اﻝﻌﻠﻤﺎء ﻗواﻨﻴن اﻝوراﺜﺔ وﻤﺎ ﻴﺘﺒﻌﻬﺎ ﻤـن اﻝﺠﻴﻨـﺎت )اﻝﺨﻼﻴـﺎ( اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﻤـل
ﺼـﻔﺎت اﻹﻨﺴــﺎن ،وﺘﻨﻘﻠﻬـﺎ ﻤــن اﻵﺒــﺎء إﻝـﻰ اﻷﺒﻨــﺎء ،ﻤـن ﺨــﻼل اﻝﺘﻠﻘــﻴﺢ واﻝﺘﻜـﺎﺜر .وﻫــذا ﻤـﺎ ﺠﻌــل ﻋﻠﻤــﺎء
ﺘطورﻴــﺔ ﻋدﻴــدة ،ﺤﺘــﻰ وﺼــل إﻝــﻰ اﻹﻨﺴــﺎن
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻴﻌﺘﻘــدون ﺒــﺄن اﻝﺠــﻨس اﻝﺒﺸــري ﻤـ ّـر ﺒﻤ ارﺤــل ّ
)اﻝﺤﻴوان اﻝﻨﺎطق واﻝﻌﺎﻗل (.
ﻓﺈن اﻝﻨﻘﺎش ﻤﺎ زال ﻤﻔﺘوﺤﺎً ﺤول دور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺨﺎﺼـﺔ
وﻤﻬﻤﺎ ﻴﻜن اﻷﻤرّ ،
ﺒﺘطـ ّـور اﻹﻨﺴــﺎن ﻫــذا اﻝﺘطـ ّـور اﻝــذي ﻴــدﺨل ﻓــﻲ اﻹطــﺎر اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ،وﻝﻜــن ﺒطﺒﻴﻌــﺔ ﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن
ﺘﻐﻴرﻫﺎ .
دراﺴﺔ ﻤﺒﺎدﺌﻬﺎ وﻤظﺎﻫر ّ
ﺜﺎﻨﻴﺎً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع
ﺒﺄﻨـﻪ :اﻝﻌﻠـم
ّ
ﻴﻌد ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻤن أﺤدث اﻝﻌﻠـوم اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ وأﻫـم اﻝﻌﻠـوم اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .ﻝـذﻝك ،ﻴﻌ ّـرف ّ
اﻝ ــذي ﻴ ــدرس اﻝﺤﻴ ــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺒﺠﻤﻴ ــﻊ ﻤظﺎﻫرﻫ ــﺎ ،وﻴﺘﺤ ـ ّـرى أﺴ ــﺒﺎب اﻝﺤـ ـوادث اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ وﻗـ ـواﻨﻴن
39
ﺘطورﻫﺎ.
ّ
ﺒﺄﻨﻪ :أﺤد اﻝﻌﻠوم اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻝﻬﺎﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ظﻬـرت ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ
وﻴﻌرف ﺒﺼورة أوﺴﻊّ ،
ّ
ﺘﻔﺴـر اﻝظـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،ﺴـواء
ﻋﺸر ،وﻫـو ﻤـن اﻝﻌﻠـوم اﻝﺘـﻲ ﺘﺤـﺎول اﻝوﺼـول إﻝـﻰ ﻗـواﻨﻴن وﻗواﻋـد ّ
وﻤؤﺴﺴ ــﺎت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ أو إﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ .وﻫ ــو
ﻜﺎﻨ ــت ﻫ ــذﻩ اﻝظـ ـواﻫر ﻓ ــﻲ ﺸ ــﻜل ﺠﻤﺎﻋ ــﺎت ﺒﺸـ ـرﻴﺔ ،أو ﻨظ ــم
ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻴﺴـﻌون إﻝـﻰ
ﺘﻜﻴف اﻝﻔرد واﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻝﻠﻌـﻴش ﻤﻌـﺎً ،ﻀـﻤن أﻫـداف ّ
ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ،اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴﺴﺎﻋد ﻓﻲ ّ
40
اﻝﺘﻘدم واﻻﺴﺘﻤ اررﻴﺔ.
ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ،ﻤن أﺠل ّ
ﻓﻌﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع إذن ،ﻴــدرس اﻝﻌﻼﻗ ــﺎت ﺒــﻴن اﻷﻓ ـراد وﻋﻤﻠﻴــﺎت اﻝﺘﻔﺎﻋ ــل ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴــﻨﻬم ،وﺘﺼ ـ ّـرﻓﺎﺘﻬم
ﻜﺄﻋﻀــﺎء ﻤﻜـ ّـوﻨﻴن ﻝﻬــذﻩ اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ .ﻓﻬــو ﻴرّﻜــز ﻋﻠــﻰ ﺴــﻠوﻜﺎت اﻷﻓ ـراد ﻀــﻤن ﻫــذا اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ أو ذاك،
وﻴــدرس ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ ﺘــﺄﺜﻴر اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ )اﻻﻗﺘﺼــﺎدﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻓ ــﻲ ﺘﻜــوﻴن اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ،
41
وﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺎت ﺒﻴن اﻷﻓراد.
ـﺘق ﻤــن ﻜﻠﻤﺘــﻴن ،اﻷوﻝــﻰ ﻫــﻲ )ﺴوﺴــﻴو (Sociuاﻝﻼﺘﻴﻨﻴــﺔ،
إن ﻤﺼــطﻠﺢ ) ﻋﻠــم اﻻﺠﺘﻤــﺎع ( ﻤﺸـ ّ
ّ
أن ﻋﻠـم
وﺘﻌﻨﻲ رﻓﻴق أو ﻤﺠﺘﻤﻊ .واﻝﺜﺎﻨﻴﺔ )ﻝوﻏوس (Logosاﻝﻴوﻨﺎﻨﻴﺔ ،وﺘﻌﻨـﻲ اﻝﻌﻠـم أو اﻝﺒﺤـث .وﺒﻤـﺎ ّ
ﺜﻤ ــﺔ ﺘ ــداﺨﻼً ﻜﺒﻴـ ـ اًر ﺒ ــﻴن ﻋﻠ ــم
اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع ﻴﺘﻨ ــﺎول اﻝﺘﻔﺎﻋ ــل اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻋﻨ ــدﻤﺎ ﻴ ــدرس اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ ،ﻓ ـ ّ
ـﺈن ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﻴدرس اﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ واﻝوظـﺎﺌف اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ..وﻫـذا ﻤـﺎ دﻋـﺎ
إن ﻋﻠ ــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻫــو ﻓ ــرع ﻤــن ﻓــروع ﻋﻠ ـم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع
أﺤــد اﻝﻌﻠﻤــﺎء إﻝــﻰ اﻝﻘــول ّ :
42
اﻝﻤﻘﺎرن.
وﻫﻜذا ﻨﺠد أن ﺜﻤﺔ ﺼﻠﺔ ﻤن ﻨوع ﻤـﺎ ،ﺒـﻴن ﻋﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ،ﺒـﺎﻝﻨظر إﻝـﻰ أن ﻜـﻼ
ّ
ّ ّ
17
ﻤﻨﻬﻤﺎ ﻴدرس اﻹﻨﺴﺎن .وﻴﺘﺠﺎوز اﻝﺘـراﺒط ﺒﻴﻨﻬﻤـﺎ اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت اﻝﺘـﻲ ﻴﻬـدف ﻜـ ّل ﻤﻨﻬﻤـﺎ اﻝﺤﺼـول ﻋﻠﻴﻬـﺎ،
ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ اﻝﺒﺤث ﻤن ﺤﻴث طرﻴﻘﺘﻪ وأﺴـﻠوﺒﻪ ،إﻝـﻰ ﺤ ّـد ﺘﺴ ّـﻤﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻋﻨـدﻩ ،ﺒﻌﻠـم اﻻﺠﺘﻤـﺎع
إﻝﻰ
ّ
ـﺘم ﺒﺎﻝﺠﺎﻨــب اﻝﺤﻀــﺎري ﻋــن اﻹﻨﺴــﺎن ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘﻘﺘــرب د ارﺴــﺔ ﻋﻠــم
اﻝﻤﻘــﺎرن ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم أن ّأﻨﻬــﺎ ﺘﻬـ ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻤن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ﻓﻌﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﻴرّﻜـز ﻓـﻲ د ارﺴـﺎﺘﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝﻤﺸـﻜﻼت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ اﻝواﺤـد ،ﻜﻤـﺎ ﻴـدرس
اﻝطﺒﻘﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ أو ذاك ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺤدﻴﺜﺔ ،وﻴﻨدر أن ﻴدرس اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت
اﻝﺒداﺌﻴــﺔ أو اﻝﻤﻨﻘرﻀــﺔ .ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﺘرّﻜــز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ )ﻋﻠــم اﻹﻨﺴــﺎن( ﻓــﻲ د ارﺴــﺎﺘﻬﺎ ،ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت
اﻝﻤﺘﺤﻀرة اﻝﻤﻌﺎﺼرة.
اﻝﺒداﺌﻴﺔ /اﻷوﻝﻴﺔ ،وأﻴﻀﺎً اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت
ّ
وﻝﻜـ ّـن د ارﺴــﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﺘﺘرّﻜــز ﻓــﻲ اﻝﻐﺎﻝــب ﻋﻠــﻰ :اﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد واﻝﻌــﺎدات
ﻤﻌﻴﻨﺔ.
أﻤﺔ ّ
واﻝﻨظم ،واﻝﻌﻼﻗﺎت ﺒﻴن اﻝﻨﺎس ،واﻷﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻝﺘﻲ ﻴﻤﺎرﺴﻬﺎ ﺸﻌب ﻤﺎ أو ّ
أن ﻋﻠم اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻴدرس اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻜﻜـ ّل ( ،وﻴﻨظـر إﻝﻴﻬـﺎ ﻨظـرة
أي ّ
ﺸ ــﺎﻤﻠﺔ ،وﻴ ــدرس اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻝﻌﺎﻤ ــﺔ ،واﻝﻌﺎﺌﻠ ــﺔ وﻨظ ــم اﻝﻘ ارﺒ ــﺔ واﻝ ــدﻴن ،ﺒﻴﻨﻤ ــﺎ ﺘﻜ ــون د ارﺴ ــﺔ ﻋﻠ ــم اﻻﺠﺘﻤ ــﺎع
ﻤﻌﻴﻨﺔ ،أو ﻤﺸـﻜﻼت
ﺤد ﺒﻌﻴد .ﺤﻴث ﻴﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ دراﺴﺔ ظواﻫر ّ
ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ إﻝﻰ ّ
ﻤﺤددة أو ﻤﺸﻜﻼت ّ
ّ
44
ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺒذاﺘﻬﺎ ،ﻜﻤﺸﻜﻼت :اﻷﺴرة واﻝطﻼق واﻝﺠرﻴﻤﺔ ،واﻝﺒطﺎﻝﺔ واﻹدﻤﺎن واﻻﻨﺘﺤﺎر ...
43
ﺜﻤـ ــﺔ ﺘﺒـ ــﺎﻴن أو اﺨـ ــﺘﻼف ﺒـ ــﻴن اﻝﻌﻠﻤـ ــﻴن ،ﻓﻬـ ــو ﻻ ﻴﺘﻌـ ـ ّـدى ﻓﻬـ ــم اﻝظ ـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ
ٕواذا ﻜـ ــﺎن ّ
أن اﻝﺒﺎﺤث ﻓﻲ ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ،ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﻓﺘراﻀﺎت
وﺘﻔﺴﻴراﺘﻬﺎ ،وﻓق أﻫداف ﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ .ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻨﺠد ّ
ﻨظرﻴﺔ ﻝدراﺴﺔ وﻀﻊ اﻝﻤﺘﻐﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻴﺤﺎول اﻝﺘﺤﻘّق ﻤﻨﻬﺎ ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﻴﺠﻤﻌﻬﺎ
أن اﻝﺒﺎﺤـث اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ ،ﻴﻌﺘﻤـد
ﺒواﺴطﺔ اﺴﺘﺒﻴﺎن أو اﺴﺘﻤﺎرة ﺨﺎﺼﺔ ﻝذﻝك ،ﻨﺠـد – ﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل – ّ
ﺘﺸﺨﻴص اﻝظﺎﻫرة اﺴﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ ﻓﻬـم اﻝواﻗـﻊ ﻜﻤـﺎ ﻫـو ،وﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻼﺤظـﺔ اﻝﻤﺒﺎﺸـرة وﻤﺸـﺎرﻜﺔ اﻷﻓـراد
ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻬم اﻝﻌﺎدﻴﺔ .
ﺜﺎﻝﺜﺎً-ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﺎﻝﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺘﻌ ــود ﻜﻠﻤ ــﺔ )ﻓﻠﺴ ــﻔﺔ( إﻝ ــﻰ اﻷﺼ ــل اﻝﻴوﻨ ــﺎﻨﻲ اﻝﻤﻜ ـ ّـون ﻤ ــن ﻤﻘطﻌ ــﻴن ) :ﻓﻴﻠ ــو + PHILOﺴ ــوﻓﻴﺎ
ﻤﺤﺒﺔ اﻝﺤﻜﻤﺔ .
ﺤب اﻝﺤﻜﻤﺔ( أو ّ
(SOPHYأي ﻓﻴﻠوﺴوﻓﻴﺎ ،PHILOSOPHYوﺘﻌﻨﻲ ّ ) :
وﻝﻜــن ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن أﺼــﻠﻬﺎ اﻻﺸــﺘﻘﺎﻗﻲ ،ﻓﻘــد اﺘّﺨ ـذت ﻋﻨــد أرﺴــطو ﻤﻌﻨــﻰ أﻜﺜــر دﻗّــﺔ وﺸــﻤوﻻّ،
ﺒﺄﻨﻬﺎ " :ﻋﻠم اﻝﻤﻌﻨﻰ اﻷﻜﺜر ﺸﻤوﻻً ﻝﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠم " .وﻴﺸرح ذﻝك ﺒﻘوﻝﻪ " :اﻝﻔﻠﺴـﻔﺔ ﻫـﻲ ﻋﻠـم
ﻋرﻓﻬﺎ ّ
ﺤﻴث ّ
ﺒرﻤﺘﻬﺎ ،وﺒﺄﻜﺜر أﺴﺎﻝﻴب اﻝﻔﻜر ﻨظﺎﻤﺎً وﺘﻤﺎﺴﻜﺎً
اﻝﻤﺒﺎدىء واﻷﺴﺒﺎب اﻷوﻝﻰ ،ﻏﺎﻴﺘﻬﺎ اﻝﺒﺤث ﻋن اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ّ
" .أي ّأﻨﻬﺎ :ﻋﻠم اﻝوﺠود ﺒﻤﺎ ﻫو ﻤوﺠود ،أو اﻝﻔﻜر ﻓﻲ ﺠوﻫر وﺠـودﻩ .وﻻ ﻴﻤﻜـن ﺒﻠـوغ ﻫـذﻩ اﻝﻐﺎﻴـﺔ إﻻّ
45
ﺒﺈﺤﻜﺎم دﻗﻴق ﻝﻠﻔﻜر ،أي ﺒﻤﻨﻬﺞ ﻴﺴﺘﻨد إﻝﻰ ﻤﺒﺎدىء اﻝﻌﻘل.
ﻋرﻓﻬـﺎ
وﺒﺎﻝﻨظر إﻝﻰ ﻫذا اﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝواﺴـﻊ ،اﺨﺘﻠـف اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ ﻓـﻲ إﻋطـﺎء ﻤﻌﻨـﻰ دﻗﻴـق ﻝﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ .ﻓﻘـد ّ
وﻋرﻓﻬـﺎ ﺒﻌـض اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ اﻵﺨـرﻴن
اﻝطﺒﻴﻌﻴون ّ
ﺒﺄﻨﻬﺎ :اﻝﺒﺤث ﻋن طﺒﺎﺌﻊ اﻷﺸﻴﺎء وﺤﻘـﺎﺌق46اﻝﻤوﺠـوداتّ .
ﺒﺄﻨﻬﺎ :ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻓﻲ ﻋﺼر ﻤن اﻝﻌﺼور.
ّ
ﺘﺴﻤﻰ ،ﺒـﺎﻝﻨظر ﻝﺸـﻤوﻝﻴﺔ د ارﺴـﺘﻬﺎ ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن اﻝﻌﻠـوم
ٕواذا ﻜﺎﻨت اﻝﻔﻠﺴﻔﺔ )أم اﻝﻌﻠوم( ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت ّ
18
ﻓﺈن ﺼﻠﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻬﺎ وﺜﻴﻘﺔ ﺠ ّـداً ،وﻻ ﺴ ّـﻴﻤﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠّـق ﺒﻨظـرة
اﻝرﻴﺎﻀﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ واﻝﻔﻴزﻴﺎﺌﻴﺔّ ،
ﻷن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن ﻤرﺘﺒطﺎن ﺒﻌﻼﻗﺔ
اﻹﻨﺴﺎن إﻝﻰ اﻝﻜون واﻝﺤﻴﺎة ،ﻓﻲ زﻤﺎن ﻤﺎ أو ﻤﻜﺎن ّ
ﻤﺤدد .وذﻝك ّ
ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬ ــﺎ إﻻّ ﻤ ــن ﺨ ــﻼل د ارﺴ ــﺔ اﻝﻔﻌ ــل اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ ،اﻝ ــذي ﻴﺴ ــﻌﻰ إﻝ ــﻰ اﻝﺒﻘ ــﺎء
ﺠدﻝﻴ ــﺔ ،ﻻ ﻴﻤﻜ ــن إدراك ّ
واﻻﺴﺘﻤرار.
ﻓدراﺴﺔ أﺼل اﻹﻨﺴﺎن وﻨﺸﺄﺘﻪ وﺤﻴﺎﺘﻪ وﺴﻌﻴﻪ إﻝﻰ اﻝﺒﻘﺎء واﻝﺨﻠـود ،وﻤـﺎ ﻴـﻨﺠم ﻋـن ذﻝـك ﻤـن ﺘط ّـور
ـﺘﻤرﻴن ،ﻜﻠّﻬــﺎ ﺘﻘــﻊ ﻓــﻲ ﻤﻴــدان اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻷزﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن
ّ
وﺘﻐﻴــر ﻤﺴـ ّ
ﺘؤﻤن ﺴﻴرورة ﺤﻴﺎﺘﻪ .
طﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎن ،وواﻗﻌﻪ وﻤﺎ ﻴطﻤﺢ إﻝﻴﻪ ﻤن آﻤﺎل وأﻫدافّ ،
راﺒﻌﺎً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻝﻨﻔس
ـﺘم ﺒد ارﺴــﺔ اﻝﻌﻘــل اﻝﺒﺸــري ،واﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ ،واﻝﺴــﻠوك
ﻴﻌـ ّـرف ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ّ
ﺒﺄﻨــﻪ :اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴﻬـ ّ
47
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ .وﻫذا
ﻴﺘم اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤن وﺠﻬﺔ اﻝﻨظر
ّ
اﻝﻨﺎﺘﺞ ﻋﻨﻬﻤﺎ .أي ّأﻨﻪ :ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﺘﻲ ّ
48
ﻴﻌﻨﻲ ّ :أﻨﻪ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس ﺴﻠوك اﻹﻨﺴﺎن ﺒﻬدف ﻓﻬﻤﻪ وﺘﻔﺴﻴرﻩ.
إن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ،ﻫــو اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻹﻨﺴــﺎن ﻤــن ﺠواﻨــب
وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ،ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــولّ :
ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺘﻪ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﺒﻐﻴــﺔ اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺤﻘــﺎﺌق ﺤوﻝﻬــﺎ ،ﻗــد ﺘﻜــون ذات ﺼــﻔﺔ ﻋﺎﻤــﺔ وﻤطﻠﻘــﺔ ،ﻴﻤﻜــن
ﺘﻌﻤﻴﻤﻬﺎ.
ـﻤﻴﺔ اﻝﻤوروﺜ ــﺔ ،وﺘﺤدﻴ ــد ﻋﻼﻗﺎﺘﻬ ــﺎ ﺒﺎﻝﻌواﻤ ــل
ـﺘم اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻨﻔﺴ ـ ّـﻴﺔ ﺒﺎﻝﺨﺼ ــﺎﺌص اﻝﺠﺴ ـ ّ
وﻝ ــذﻝك ،ﺘﻬ ـ ّ
ـﻤﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ ،وﺴــﻤﺎت اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ .ﻤــﻊ
اﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ ﻝــدى اﻝﻔــرد ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﻌﻼﻗــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺼــﻔﺎت اﻝﺠﺴـ ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ .
اﻝﺒﻴﺌﻴﺔ اﻝﻤﺤﻴطﺔ ﺒﻬذﻩ
اﻷﺨذ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌواﻤل
ّ
ّ
اﻝﺒﻴﺌﻴــﺔ ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻌﻼﻗــﺔ ،ﻓﺎﻝﺸــﺨص اﻝﻘــوي
ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻫــذﻩ اﻝﻌواﻤــل
وﻴﻤﻴــل اﻝﻨﻔﺴــﻴون إﻝــﻰ اﻻﻋﺘﻘــﺎد
ّ
ّ
اﻝﻘﻴﺎدﻴــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد و ّأﻨــﻪ ﺘﻌـ ّـرض إﻝــﻰ ﺨﺒـرات اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
اﻝﺒﻨﻴــﺔ ،واﻝــذي ﻴﻤﻴــل إﻝــﻰ اﻝﺴــﻴطرة وﺘــوﻝّﻲ اﻝﻤ ارﻜــز
ّ
49
وﻨﻤوﻩ ،أﺴﻬﻤت ﻓﻲ إﻜﺴﺎﺒﻪ ﻫذﻩ اﻝﺴﻠوﻜﺎت.
ّ
ﻨﻔﺴﻴﺔ ،ﻓﻲ أﺜﻨﺎء طﻔوﻝﺘﻪ ّ
ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻹﻨﺴـﺎن ،ﻤـن ﺤﻴـث ﺘط ّـورﻩ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻪ
ٕواذا ﻜﺎﻨت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،ﺘوﺼف ّ
ـﺈن ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ﻴﺸــﺎرك اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ ﺴــﻠوك اﻹﻨﺴــﺎن .وﻝﻜـ ّـن اﻝﺨــﻼف
وأﻨﻤــﺎط ﺤﻴﺎﺘــﻪ ،ﻓـ ّ
أﻤـﺎ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻓﺘرّﻜـز ﻋﻠـﻰ اﻝﺴـﻠوك
ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻫو ّ
أن ﻋﻠم اﻝﻨﻔس ﻴرّﻜز ﻋﻠـﻰ ﺴـﻠوك اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻔـردّ ،
50
اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﺒﺸﻜل ﻋﺎم .ﻜﻤﺎ ﺘدرس اﻝﺴﻠوك اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ اﻝﻨﺎﺒﻊ ﻤن ﺘراث اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ.
أن ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس ﻴﻘﺼـر د ارﺴـﺘﻪ ﻋﻠـﻰ اﻝﻔـرد ،ﺒﻴﻨﻤـﺎ ﺘرّﻜـز اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻫﺘﻤﺎﻤﻬـﺎ
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
ﻓﺜﻤـﺔ
ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ ،وﻋﻠـﻰ ﻜـ ّل ﻓـرد ﺒﺼـﻔﺘﻪ ﻋﻀـواً ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤـن ﺠﻬـﺔ أﺨـرىّ ،
أن اﻹﻨﺴــﺎن ﻻ ﻴﻌــﻴش إﻻّ ﻓــﻲ ﺒﻴﺌــﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
ﺼـﻠﺔ وﺜﻴﻘــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌﻠﻤــﻴن .ﺤﻴــث اﻜﺘﺸــف ﻋﻠﻤــﺎء اﻝــﻨﻔس ّ
ﻴؤﺜّر ﻓﻴﻬﺎ وﻴﺘﺄﺜّر ﺒﻬﺎ .
ـب اﻝد ارﺴ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻋﻠ ــم اﻝ ــﻨﻔس اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻋﻠ ــﻰ اﻝﻤﺤﺎﻜ ــﺎة واﻝﺘﻘﻠﻴ ــد واﻝﻤﻴ ــول اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ،
وﺘﻨﺼ ـ ّ
اﻝﺘﺠﻤـﻊ ،إﻀـﺎﻓﺔ إﻝـﻰ د ارﺴـﺔ اﻻﺘّﺠﺎﻫـﺎت .ﻓﻘـد ﺼـدرت
ﻜﺎﻝﻤﺸﺎرﻜﺔ اﻝوﺠداﻨﻴﺔ واﻝﺘﻌـﺎون واﻝﻐﻴرﻴـﺔ وﻏرﻴـزة
ّ
د ارﺴـﺎت ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﺎﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻨـﻰ ﺒـﺎﻝظواﻫر اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﺒﻨـﻲ اﻝﺒﺸـر ﺤــﻴن
أن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻤــن ﺼــﻤﻴم ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس اﻝﻌــﺎم ،ﻜﻤــﺎ ّأﻨﻬــﺎ
ﻴﻌﻴﺸــون ﻓــﻲ طﺒﻘــﺔ أو ﺠﻤﺎﻋــﺔ ،ﺤﻴــث ّ
19
51
اﻝﻤﻬﻤـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘواﺠـﻪ اﻝﺒﺎﺤـث
أن
ﻋﺎﻤل ﺤﺘﻤـﻲ ﻓـﻲ ﺘﻜـوﻴن اﻝـﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .وﻝـذﻝك ﻨـرى ّ
ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ ،ﻻ ﺘﺨﺘﻠــف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﻤﻬﻤ ـﺔّ اﻝﺘــﻲ ﺘواﺠــﻪ ﻋــﺎﻝم اﻝــﻨﻔس .ﻓﻜﻼﻫﻤــﺎ ﻋﻠﻴــﻪ أن ﻴﺴــﺘﺨﻠص
ﺼــﻔﺎت اﻝﺸ ــﻲء اﻝــذي ﻫ ــو ﻤوﻀــوع د ارﺴــﺘﻪ ،ﻤــن اﻝﺘﻌﺒﻴ ــر اﻝﺨــﺎرﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﺴــﻠوك ٕ ..وان ﻜ ــﺎن ﻋ ــﺎﻝم
ﻴﻌوﻗــﻪ اﻀــط اررﻩ إﻝــﻰ إدﺨــﺎل ﺨطــوة إﻀــﺎﻓﻴﺔ ﻓــﻲ ﻤﺴــﺘﻬ ّل ﻋﻤﻠــﻪ .ﻓﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﺴــﺘطﻴﻊ ﻋــﺎﻝم
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ّ
اﻝــﻨﻔس أن ﻴﻼﺤــظ ﺴــﻠوك ﻤوﻀــوع ﺒﺤﺜــﻪ ﺒﺼــورة ﻤﺒﺎﺸ ـرة ،ﻴﻨﺒﻐــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻋــﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ أن ﻴﺒﻨــﻲ
اﺴﺘﻨﺘﺎﺠﺎﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺜﺎﻝﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ ﻴﺘﻨﺎوﻝﻬﺎ ﺒﺎﻝﺒﺤث.
ﻤﻬﻤﺔ ﻋـﺎﻝم اﻝـﻨﻔس ﻓـﻲ
ّ
ﻤﻬﻤﺔ ﻋﺎﻝم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻻﺘﻪ ﻝﻜﺸف ﺨﻔﺎﻴﺎ اﻷﻤور ،ﺘﺸﺒﻪ ّ
وﻝﻜن ّ
ﻴﺘوﺼل إﻝﻴﻬﺎ
اﻝﺠﻬود اﻝﺘﻲ ﻴﺒذﻝﻬﺎ ﻓﻲ ﺴﺒر ﻏور اﻝﻌﻘل اﻝﺒﺎطن .وﻓﻲ ﻜﻼ اﻝﺤﺎﻝﻴن ،ﺘﺘﺄﻝّف اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﺘﻲ
ّ
أﻤــﺎ اﻝﺤﻘـﺎﺌق اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﺘﻨد إﻝﻴﻬــﺎ ﻫــذﻩ اﻝﺘـﺄوﻴﻼت ،ﻓﻜﺜﻴـ اًر ﻤــﺎ ﺘﻜــون ﻗﺎﺒﻠــﺔ
اﻝﺒـﺎﺤﺜون ﻤــن ﺴﻠﺴـ52ـﻠﺔ ﺘــﺄوﻴﻼتّ ،
ﻷﻜﺜر ﻤن ﺘﻔﺴﻴر.
ﺘﻌد دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ دراﺴﺔ ﻝﻸﻨﻤﺎط اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘﻌ ّـد اﻝد ارﺴـﺔ اﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ
ﻝذﻝكّ ،
ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻔردﻴﺔ ،وأن ﻜﺎﻨت ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
دراﺴﺔ ﻝﻠﺴﻠوك اﻝﺨﺎص
ّ
ﺨﺎﻤﺴﺎً -ﻋﻼﻗﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﺒﻌﻠم اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴﺎ واﻝﺠﻐراﻓﻴﺎ
ﺘﺴﺎﻋد اﻝدراﺴﺎت اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻝﻔﺘرات اﻝزﻤﻨﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ ﻜ ّل ﻨﻤوذج ﻤن
أﻨواع اﻝﺠﻨس اﻝﺒﺸري ،ﻨظ اًر ﻝوﺠـود اﻝﺒﻘﺎﻴـﺎ اﻝﻌظﻤﻴـﺔ ﻝﻸﺴـﻼف ،ﻋﻠـﻰ ﺸـﻜل ﺒﻘﺎﻴـﺎ ﻤﺴـﺘﺤﺎﺜﺔ ﺤﻔرﻴـﺔ ﺒـﻴن
ﺜﻨﺎﻴــﺎ اﻝﻘﺸ ـرة اﻷرﻀــﻴﺔ اﻝرﺴــوﺒﻴﺔ واﻝﻤﻨﻀـ ّـدة ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻓــوق ﺒﻌــض ،وﻓــق ﺨﺎﺼــﻴﺔ اﻝﻨﺸــوء واﻝﺘﻘــﺎدم ﻝﻜ ـ ّل
ﻤﻨﻬﺎ ،ﺒﺤﻴث ﻴﻜون أﺴﻔﻠﻬﺎ أﻗدﻤﻬﺎ وأﻋﻼﻫﺎ أﺤدﺜﻬﺎ .
وﻫذا ﻴﻤ ّﻜﻨﻨﺎ ﻤن ﻤﻌرﻓـﺔ اﻝﻔﺘـرة اﻝزﻤﻨﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻋـﺎش ﻓﻴﻬـﺎ ذﻝـك اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﺤﻔـري ،إﻝـﻰ ﺠﺎﻨـب ﻤﻌرﻓـﺔ
اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺤﻴ ـواﻨﻲ اﻵﺨــر اﻝــذي ﻜــﺎن ﻴﺤــﻴط ﺒــﻪ ،ﻤــن ﺨــﻼل اﻝﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ اﻝﺒﻘﺎﻴــﺎ اﻝﻌظﻤﻴــﺔ اﻝﻤﺴــﺘﺤﺎﺜﻴﺔ
أﻨﻨ ــﺎ ﻨﺴ ــﺘطﻴﻊ اﻝﺘﻌ ـ ّـرف إﻝ ــﻰ
ﻝﻸﻨـ ـواع اﻝﺤﻴواﻨﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻜﺎﻨ ــت ﺘﻌﺎﺼـ ـرﻩ ﻓ ــﻲ ﺒﻴﺌ ــﺔ ﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ واﺤ ــدة .ﻜﻤ ــﺎ ّ
اﻝظ ــروف اﻝﻤﻨﺎﺨﻴــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻜﺎﻨ ــت ﺴ ــﺎﺌدة ﻋﻨ ــدﻤﺎ ﻜ ــﺎن ﻴﻌ ــﻴش ﻫ ــذا اﻹﻨﺴ ــﺎن أو ذاك ،ﻓ ــﻲ ﺘﻠ ــك اﻷزﻤﻨ ــﺔ
53
اﻝﺴﺤﻴﻘﺔ ﻤن ﺘﺎرﻴﺨﻨﺎ اﻝﺒﺸري.
وﻜﻤــﺎ ﺘﺴــﺘﻔﻴد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ﻤــن اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺠﻴوﻝوﺠﻴــﺔ ،ﺘﺴــﺘﻔﻴد أﻴﻀ ـﺎً ﻤــن اﻝﻤﻌطﻴــﺎت اﻝﻌﻠﻤﻴــﺔ
ﻤﻘدﻤﺘﻬﺎ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻤن ﺘﻀﺎرﻴس وﻤﻴﺎﻩ ،إﻝـﻰ ﺠﺎﻨـب اﻝظـروف اﻝﻤﻨﺎﺨﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ
اﻝﺠﻐراﻓﻴﺔ ،وﻓﻲ ّ
ﺘﺘﻔﺎوت ﻤن ﻤﻨطﻘﺔ إﻝﻰ أﺨرى ،وذﻝك ﺒﺤﺴب ﻗرﺒﻬﺎ – أو ﺒﻌدﻫﺎ -ﻤن ﺨط اﻻﺴﺘواء ،أو ﻤن ﺸواطﻰء
اﻝﺒﺤﺎر واﻝﻤﺤﻴطﺎت ،أو ارﺘﻔﺎﻋﻬﺎ واﻨﺨﻔﺎﻀﻬﺎ ﻋن ﺴطﺢ اﻝﺒﺤر.
ﻓﻬذﻩ اﻝﻌواﻤـل ﻜﻠّﻬـﺎ ﺘـؤﺜّر ﻓـﻲ ﺤﻴـﺎة اﻹﻨﺴـﺎن ﺒﺠواﻨﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ،اﻝﻌﻀـوﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ.
ـﺈن اﻷﺤـوال اﻝﻤﻌﻴﺸــﻴﺔ واﻝﺒﻨــﻰ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻋﻨــد اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﻝﻴﺴــت ﻤﺘﺸــﺎﺒﻬﺔ ﺒﺴــﺒب
وﻝــذﻝك ،ﻓـ ّ
ﺘﺒﺎﻴن اﻝظروف اﻝﺠﻐراﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘوﺠد ﻓﻴﻬﺎ ﺘﻠك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت .ﻓﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺠﺒﻠﻴﺔ اﻝﻤرﺘﻔﻌـﺔ ﻴﻜوﻨـون
ﻓـﻲ ﻤــﺄﻤن ﻤـن اﻷﺨطــﺎر اﻝﺨﺎرﺠﻴــﺔ ،ﺒﻴﻨﻤـﺎ ﻴﺘﻌـ ّـرض ﺴــﻜﺎن اﻝﺴـﻬول دوﻤـﺎً إﻝــﻰ ﻏـزوات واﺠﺘﻴﺎﺤــﺎت ﻤــن
اﻝﺸﻌوب أو اﻝﻘوى اﻝﺨﺎرﺠﻴﺔ .وﻓﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒل ،ﻴﻜون ﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺴﺎﺤﻠﻴﺔ أﻜﺜر اﻨﻔﺘﺎﺤﺎً ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬم
ﻤﻊ اﻝﻌﺎﻝم اﻝﺨﺎرﺠﻲ ،ﻗﻴﺎﺴـﺎً ﺒﺄﻫـل اﻝﻤﻨـﺎطق اﻝداﺨﻠﻴـﺔ ﺤﻴـث ﺘﻜـون اﻝﻌﻼﻗـﺎت اﻷﺴـرﻴﺔ ﺸـﺒﻪ ﻤﻨﻐﻠﻘـﺔ ﻋﻠـﻰ
20
ذاﺘﻬﺎ ،إﻝﻰ ﺠﺎﻨب اﻻﻝﺘـزام ﺒﺎﻝﻌﺼـﺒﻴﺔ اﻝﻘﺒﻠﻴـﺔ .وﻫـذا ﻴـﻨﻌﻜس ﻓـﻲ ﺴـﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺴـﻜﺎن ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻝﻤﻨطﻘـﺔ أو
ﺘﻠـ ــك 54.وﻝـ ــذﻝك ،ﻴﻤﻴـ ــل ﻋﻠﻤـ ــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ إﻝـ ــﻰ إﻫﻤـ ــﺎل ﻤـ ــﺎ ﻴﺴـ ـ ّـﻤﻰ ﺒﺎﻝﻘـ ــدرات اﻝﻔطرﻴـ ــﺔ ﻝﻠﺸـ ــﻌوب
اﻹﻨﺴ ـ ـﺎﻨﻴﺔ ،وﻴـ ــؤﺜرون ﻜﺘﺎﺒـ ــﺔ ﺘـ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺤﻀـ ــﺎرة ﻓـ ــﻲ ﻀـ ــوء ﻋواﻤـ ــل اﻝﺒﻴﺌـ ــﺔ واﻝﺤـ ــظ وﺘﺴﻠﺴـ ــل اﻷﺤـ ــداث
أن ﻝﻠﻤﻨﺎخ أﺜ اًر ﻓﻲ ﻨﺎﺘﺞ اﻝطﺎﻗﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،وﻫﻨـﺎك ﻤـن ﻴﻌﺘﻘـد ﺒوﺠـود ﻋﻼﻗـﺔ
اﻝﻤﺘراﺒطﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ﻤن ﻴﺠد ّ
ﻴﻤﻴـز ﺴـﻜﺎن
ﻴﺘﻤﻴز ﺒﻪ ﺴﻜﺎن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝﺤﺎرة ،أو اﻝﻨﺸﺎط اﻻﻨـدﻓﺎﻋﻲ اﻝـذي ّ
ﺒﻴن اﻝطﻘس واﻝﺨﻤول اﻝذي ّ
اﻝﻤﻨـﺎطق اﻝﺒـﺎردة واﻝﻌﺎﺼـﻔﺔ .وﻀـﻤن ﻫـذﻩ اﻝرؤﻴـﺔ ،ﻗـﺎم اﻝـدﻜﺘور )وﻝـﻴم ﺒﻴﺘرﺴـن( W. Petersenﻓـﻲ
أواﺴــط اﻝﺴــﺘﻴﻨﺎت ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن ،ﺒــﺈﺠراء ﺘﺤﻠﻴــل دﻗﻴــق ﻝﻼرﺘﺒــﺎط اﻝوﺜﻴــق ﺒــﻴن اﻝطﻘــس واﻝوظــﺎﺌف
اﻝﻔﻴﺴــﻴوﻝوﺠﻴﺔ ،وﺒﻨــﻰ د ارﺴــﺘﻪ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻘـ ّـدم اﻝــذي أﺤــرزﻩ اﻝﻤرﻀــﻰ اﻝــذﻴن ﻜــﺎن ﻴﺸــرف ﻋﻠــﻰ ﻋﻼﺠﻬــم.
أن ﺘﻘﻠّﺒﺎت ﺤﺎﻝﺔ اﻝﻤرﻀﻰ ﺘﺘﺒﻊ ﻨﻤطﺎً ﻤﺸﺎﺒﻬﺎً ﻝﺘراوﺤﺎت اﻝﻀـﻐط اﻝﺒـﺎروﻤﺘري،
ّ
وﺘﺒﻴن ﻤن ﻨﺘﺎﺌﺞ أﺒﺤﺎﺜﻪّ ،
55
وﻜﺄن اﻝظﺎﻫرة اﻷوﻝﻰ ﺘﺘﺄﺜّر ﺒﺎﻝﺜﺎﻨﻴﺔ.
وﺒدا
ّ
ﻝﻠﺘﻜﻴـ ــف ﻤـ ــﻊ أﻨ ـ ـواع اﻝﺒﻴﺌـ ــﺎت
أن وظـ ــﺎﺌف اﻹﻨﺴـ ــﺎن اﻝﻔﺴ ــﻴوﻝوﺠﻴﺔ ﻗﺎﺒﻠـ ــﺔ ّ
ٕواذا ﻜ ــﺎن ﻤـ ــن اﻝﺼـ ــﺤﻴﺢ ّ
أﻫﻤﻴـﺔ
اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔّ ،
ﻓﺈﻨﻪ ﻤـن اﻝﺴـﻬل – ﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل – أن ﻨﺘﺼ ّـور أن ﺒﻌـض ﺠواﻨـب اﻝﺒﻴﺌـﺔ ،ﺘﻜـون أﻜﺜـر ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﻤـن ﺘـﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ّـور اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ،اﻝﺤﻀـﺎري واﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ
وﺘﺄﺜﻴ اًر ﻤن ﺒﻌﻀـﻬﺎ اﻵﺨـر ،ﻓـﻲ ﻤ ارﺤـل ّ
واﻝﺜﻘ ـ ــﺎﻓﻲ ...وﻫ ـ ــذا ﻜﻠّـ ــﻪ ﻴ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ﺠ ـ ــوﻫر اﻝد ارﺴ ـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ـ ــﺔ وأﻫ ـ ــداﻓﻬﺎ .وﻫﻜ ـ ــذا ،ﺘُﺸـ ـ ـ ّﻜل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻤــﻊ اﻝﻌﻠــوم اﻷﺨـرى ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ اﻝﻌﻠــوم اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻤﻨظوﻤـﺔ ﻤــن اﻝﻤﻌــﺎرف واﻝﻤوﻀــوﻋﺎت
اﻝﺘﻲ ﺘدور ﺤول ﻜﺎﺌن ﻤوﻀوع اﻝدراﺴﺔ ،وﻫو اﻹﻨﺴﺎن .وﻴﺄﺘﻲ ﻫذا اﻝﺘﺸﺎﺒك )اﻝﺘﻜﺎﻤل( ﺒﻴن ﻫـذﻩ اﻝﻌﻠـوم
ﺒــﺎﻝﻨظر إﻝــﻰ ﺘﻠــك اﻷطــر اﻝﻤﻌرﻓﻴــﺔ واﻝﻤﻨــﺎﻫﺞ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴــﺔ ،اﻝﺘــﻲ ﺘــﻨظّم اﻝﻌﻼﻗــﺔ اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ واﻝﻤﺘﻜﺎﻤﻠــﺔ ﺒــﻴن
اﻝﻤﺠﺎﻻت اﻝﻤﻌرﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴﻌﻰ إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻌﻠوم.
اﻝﻤﺤور اﻝﺜﺎﻨﻲ
اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻝﻤﻌﺎﺼرة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ وأﻫم ﻓروﻋﻬﺎ
21
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝراﺒﻌﺔ :دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ واﺘﺠﺎﻫﺎﺘﻬﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة
ﺘﻤﻬﻴد
ﺘﺘم
ﻝم ﺘﻌرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻗﺒل اﻝﻨﺼف اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ،ﺘﻘﺴﻴﻤﺎت وﻓروﻋﺎً ،إذ ﻜﺎﻨت ّ
ﻷﻏراض ﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﺒﺎﺤث أو ﻤن ﻴﻜﻠّﻔﻪ ،ﻜدراﺴﺔ ﺤﻴﺎة ﺒﻌض اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت أو ﻤﻜوﻨﺎﺘﻬﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .
وﻤ ــﻊ اﻨطﻼﻗﺘﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ اﻝﺴ ــﺘﻴﻨﺎت واﻝﺴ ــﺒﻌﻴﻨﺎت ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،ﺤﻴ ــث أﺨ ــذت ﺘﺘﺒﻠ ــور ﻤﺒﺎدﺌﻬ ــﺎ
ﺠﺎدة ﻝﺘوﺼﻴﻔﻬﺎ ﻜﻌﻠم ﺨﺎص ،وﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ وﻀـﻊ ﺘﻘﺴـﻴﻤﺎت ﻝﻬـﺎ وﻓـروع ﻤـن
ﺜﻤﺔ ﻤﺤﺎوﻻت ّ
وأﻫداﻓﻬﺎ ،ﻜﺎﻨت ّ
أﺠــل ﺘﺤﻘﻴــق اﻝﻤﻨﻬﺠﻴــﺔ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ ،واﻝﺸــﻤوﻝﻴﺔ اﻝﺒﺤﺜﻴــﺔ اﻝﺘﻜﺎﻤﻠﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ أﺨــرى .ﻓظﻬــرت
ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك ﺘﺼــﻨﻴﻔﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة ،اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ إﻝــﻰ طﺒﻴﻌــﺔ اﻝد ارﺴــﺔ وﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬــﺎ ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ اﺴــﺘﻨد ﺒﻌﻀــﻬﺎ
اﻵﺨر إﻝﻰ أﻫداﻓﻬﺎ .
ﻤﻘدﻤـﺔ ﻓــﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ " اﻝﺼــﺎدر ﻋــﺎم
ﻗﺴــﻤﻬﺎ ) ارﻝــف ﺒـدﻨﺠﺘون( ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " ّ
ﻓﻘـد ّ
، 1960إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ) :اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ أو اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ (.
ﻗﺴـﻤﻬﺎ ﻓـﻲ ﻜﺘﺎﺒـﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ " اﻝﺼـﺎدر ﻋـﺎم ،1972إﻝـﻰ ﺜﻼﺜـﺔ
أﻤﺎ ) ﺒﺎرﻨو ( ﻓﻘـد ّ
ّ
أﻗﺴﺎم ،ﻫﻲ ) :اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴﺔ ،اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ أو اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ واﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ (.
أن اﻻﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺘطﺒﻴﻘﻴــﺔ ،ﻫـﻲ أﻗـرب إﻝــﻰ اﻝﻤـﻨﻬﺞ اﻝﺒﺤﺜـﻲ وﻝﻴﺴــت ﻓرﻋـﺎً ﻤـن ﻋﻠــم
ٕواذا اﻋﺘﺒرﻨـﺎ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،وﻤــن ﺜـ ّـم ﻗﻤﻨــﺎ ﺒﻌﻤﻠﻴــﺔ ﺘوﻝﻴــف ﺒــﻴن اﻷﻗﺴــﺎم اﻷﺨــرى ﻓــﻲ اﻝﺘﺼــﻨﻴﻔﻴن اﻝﺴــﺎﺒﻘﻴن ،أﻤﻜﻨﻨــﺎ
اﻝوﺼ ــول إﻝ ــﻰ اﻝﺘﺼ ــﻨﻴف اﻝﺘ ــﺎﻝﻲ اﻝ ــذي ﻴﻀ ـ ّـم أرﺒﻌ ــﺔ ﻓ ــروع )أﻗﺴ ــﺎم( رﺌﻴﺴ ــﺔ ﺘﺸ ــﻤل اﻝﺠواﻨ ــب اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘ ــﺔ
ﺒﺎﻹﻨﺴــﺎن ) اﻝﻔــرد واﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ( ،وﻫــﻲ ) :اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ،اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ،
ﺘﻌرف ﻓﻴﻤــﺎ ﻴﻠــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻜ ـ ّل ﻓــرع ﻤــن ﻫــذﻩ
اﻷﻨﺜروﺒوﺒوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( .وﺴــﻨ ّ
اﻝﻔروع.
أوﻻً-اﻝﺒداﻴﺎت اﻷوﻝﻰ ﻝدراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ :
ﺸ ــﻬد اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ﻤ ارﺤ ــل ﺘﻜ ــوﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ وﺘطوﻴرﻫ ــﺎ ،ﻝﺘﺼ ــﺒﺢ ﻜﻴﺎﻨـ ـﺎً أﻜﺎدﻴﻤﻴـ ـﺎً وﻤﻬﻨ ــﺔ
أن اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ ﻗـد
ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻋﻨد ﻜﺜﻴر ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء واﻝﻔﻼﺴﻔﺔ واﻝﺒـﺎﺤﺜﻴن .ﻓﻌﻠـﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن ّ
ّ
ظـ ـ ّل ﺨ ــﻼل اﻝﻌﻘ ــدﻴن اﻷوﻝﻴ ــﻴن ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،ﻤﺘ ــﺄﺜّ اًر إﻝ ــﻰ ﺤ ـ ّـد ﺒﻌﻴ ــد ،ﺒﺎﻝﻨظرﻴ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺴ ــﺎدت
ﺘﻐﻴـر وﺘﺤ ّـول إﻝـﻰ ﻤﻨطﻠﻘـﺎت
وﺘﺒﻠورت ﻓـﻲ اﻝﺴـﻨوات اﻷﺨﻴـرة ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـرّ ،
ﻓﺈﻨـﻪ ﺴـرﻋﺎن ﻤـﺎ ّ
ﺠدﻴــدة ،ﻨــﺘﺞ ﻋﻨﻬــﺎ اﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﻤﺘﻌـ ّـددة إزاء د ارﺴــﺔ اﻹﻨﺴــﺎن وﺤﻀــﺎرﺘﻪ ،ﺴ ـواء ﻤــﺎ ﻜــﺎن ﻤﻨﻬــﺎ ﻨظرﻴ ـﺎً أو
56
ﻤﻨﻬﺠﻴﺎً.
ّ
إن اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﻌﻠﻤﻲ اﻝذي ﻨﺸط ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴـﻊ ﻋﺸـر ،وﺘﺒﻠـور ﻓـﻲ ﻤﺠـﺎﻻت ﻤﺘﻌ ّـددة ،دﻓـﻊ اﻝﻌﻘـل
ّ
اﻝﺘوﺼــل إﻝــﻰ
اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ إﻝــﻰ ﻨﺒــذ اﻝﻔﻜــر اﻝﻔﻠﺴــﻔﻲ اﻝــذي ﻜــﺎن ﻴــﺘﺤﻔّظ ﻋﻠــﻰ ﻗــدرة اﻝﻌﻘــل اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ﻓــﻲ
ّ
اﻝﺤﻘﻴﻘ ــﺔ اﻝﻤطﻠﻘ ــﺔ .وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻨ ــﺘﺞ ﻋﻨ ــﻪ ﻗ ــﻴم ﻓﻜرﻴ ــﺔ ﺠدﻴ ــدة ﺘ ــدﻋو إﻝ ــﻰ اﻝﻨظ ــر إﻝ ــﻰ اﻝﻌﻘ ــل واﻝﻤﻨط ــق
22
اﻝﻤﺤﺴوس ،واﻝواﻗﻊ اﻝﻤﻠﻤوس ﻜﺄدوات ﻝﻠﻤﻌرﻓﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺘدﻋو إﻝﻰ اﻝﺘﻔﺎؤل ﺒﻤﺴﺘﻘﺒل اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
إﻻّ أن أﺤــداث اﻝﺤــرب اﻝﻌﺎﻝﻤﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ وﻨﺘﺎﺌﺠﻬــﺎ اﻝﺴــﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،ﺒـ ّـددت ﻫــذا
اﻝﺘﻔﺎؤل ،وأﺤﻠّت ﻤﺤﻠّـﻪ اﻝﻨظـرة اﻝﺘﺸـﺎؤﻤﻴﺔ .وﻫـذا ﻤـﺎ ﺒـدا ﻓـﻲ ﻨظـرة اﻝﻔﻼﺴـﻔﺔ إﻝـﻰ ﻤﺸـﻜﻼت اﻹﻨﺴـﺎن ﻓـﻲ
أن اﻝﻤﺴـﺘﻘﺒل ﺼـﻌب وﻤظﻠـم ﻤـﻊ ظﻬـور اﻝﻨﺎزﻴـﺔ
ﻫذا اﻝﻘرن )اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ( ،إﻝﻰ ّ
ﺤد اﻋﺘﻘﺎد ﺒﻌﻀﻬم ّ
ﻓــﻲ أﻝﻤﺎﻨﻴــﺎ ،واﻝﻔﺎﺸــﻴﺔ ﻓــﻲ إﻴطﺎﻝﻴــﺎ .وﺒﻠــﻎ ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ذروﺘــﻪ ﻓﻴﻤــﺎ ﻋــرف ﺒﺎﻝﺤرﻜــﺔ) اﻝوﺠودﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ
ﺸﺎﻋت ﻓﻲ ﻓرﻨﺴﺎ ،وﻋﻠﻰ رأﺴﻬﺎ) ﺠﺎن ﺒول ﺴﺎرﺘر( اﻝذي ﻋﺎش ﻤﺎ ﺒﻴن )(1980 -1905
وﺒــرز ﻤﻘﺎﺒ ـل ﻫــذا اﻻﺘﺠــﺎﻩ اﻝﺘﺸــﺎؤﻤﻲ ،اﺘﺠــﺎﻩ آﺨــر اﺘّﺼــف ﺒﺎﻝﺘﻔــﺎؤل ،ﻜــﺎن ﻤــن أﺒــرز رواّدﻩ ﻓــﻲ
أﻤرﻴﻜ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ اﻝﻔﻴﻠﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف اﻝﺘرﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ) ﺠ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون دﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ( اﻝ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ﻋ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎش ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﺒ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻴن
وﺘﺒﻨــﻰ ﻓﻴــﻪ ﻤوﻗﻔـﺎً ﺼـرﻴﺤﺎً
) .(1952-1859ﻓﻘــد أﺼــدر ﻜﺘﺎﺒــﻪ اﻝﺸــﻬﻴر " إﻋــﺎدة اﻝﺒﻨــﺎء ﻓــﻲ اﻝﻔﻠﺴــﻔﺔ " ّ
ﻤﻨﺎﻫﻀﺎً ﻝﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻝﻤﻴﺘﺎﻓﻴزﻴﻘﻴﺔ .
ودﻋ ــﺎ ﻓﻴ ــﻪ إﻝ ــﻰ ﻀ ــرورة اﻻﻫﺘﻤ ــﺎم ﺒﺎﻝﺒﺤ ــث ﻋ ــن اﻝﻘ ــوى اﻝﻤﻌﻨوﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺤ ـ ّـرك ﻤﻨﺎﺸ ــط اﻹﻨﺴ ــﺎن،
أن ﻝدى ﻫذا اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻹﻤﻜﺎﻨﺎت واﻝﻘـدرات اﻝﺘـﻲ ﻴﻤﻜﻨـﻪ ﺒواﺴـطﺘﻬﺎ اﻝﺨـروج
ﻻﻋﺘﻘﺎد) دﻴوي( ّ
ﻤن أزﻤﺘﻪ اﻝراﻫﻨﺔ ..ﻜﻤﺎ ﺘﺴﺎﻋدﻩ ﻓﻲ ﻤﺸـﻜﻼﺘﻪ اﻝﺤﻴﺎﺘﻴـﺔ اﻝﻤﺘ ازﻴـدة ،دون اﻝﻠﺠـوء إﻝـﻰ ﻗـوى ﺨﺎرﺠـﺔ ﻋـن
ﻨطﺎق اﻝطﺒﻴﻌﺔ .
وﻜ ــﺎن ﻝﻠ ــدﻴن أﻴﻀـ ـﺎً ﺘﺄﺜﻴ ارﺘ ــﻪ ﻓ ــﻲ ﺘﺸ ــﻜﻴل اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜروﺒوﻝ ــوﺠﻲ ﻓ ــﻲ اﻝﻌﻘ ــود اﻷوﻝ ــﻰ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن
أن ذﻝ ــك اﻝﺘ ــﺄﺜﻴر ﺘﻀ ــﺎءل أﻤ ــﺎم ﺘﻌ ــﺎظم اﻝﺘﻴ ــﺎرات
اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ .إﻻّ ّ
اﻝﺘﺤررﻴﺔ وﻤﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﻤـن إﻨﺠـﺎزات ﻋﻠﻤﻴـﺔ ﻫﺎﺌﻠـﺔ ،اﻷﻤـر اﻝـذي ﺤـدا ﺒﺎﻝﻜﻨﻴﺴـﺔ ﻓـﻲ ﺒداﻴـﺔ اﻝﻨﺼـف اﻝﺜـﺎﻨﻲ
ّ
ﺘﻘﺒـل ﻓﻜـرة اﻝﺤـوار وﺤرﻴـﺔ اﻝﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ﻓـﻲ اﻷﻤـور اﻝدﻴﻨﻴـﺔ واﻝدﻨﻴوﻴـﺔ ﺒﻌﻴـداً ﻋـن
ـﻰ
ﻝ
إ
ﻴن،
ر
اﻝﻌﺸ
اﻝﻘرن
ﻤن
ّ
اﻷﺴﺎﻝﻴب اﻝﻘﻤﻌﻴﺔ اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ.
أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ﻋﺎﻤﺔ ،وﻓـﻲ اﻝﻔﻜـر اﻷﻨﺜرﺒوﻝـوﺠﻲ
وﻫﻜذا ،ﺸ ّﻜل ﻫذا اﻝﻌﻠم دﻋﺎﻤﺔ
ّ
ﺨﺎﺼــﺔ ،ﺤﻴــث ﻜــﺎن وﺜﻴــق اﻝﺼــﻠﺔ ﺒــﺎﻝﻔﻜر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﻘﻀــﺎﻴﺎ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻝﺘــﻲ أﺴــﻬﻤت ﻓــﻲ ﺘﺤدﻴــد
ﻤوﻀوﻋﺎت اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻤﻨﺎﻫﺠﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ .
ﺜﺎﻨﻴﺎً-اﻻﺘّﺠﺎﻫﺎت اﻝﻤﻌﺎﺼرة ﻓﻲ دراﺴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ :
اﻝﺘطورﻴﺔ اﻝﺘﻲ ظﻬرت ﻓﻲ اﻝﻘرن اﻝﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر ،اﻨﺘﻘﺎدات واﺴﻌﺔ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫـﺎ اﺴـﺘﻨدت
ﻻﻗت اﻝﻨظرﻴﺔ
ّ
ـﺤﺔ
إﻝﻰ اﻝﺤـدس واﻝﺘﺨﻤـﻴن ،وﺘﻌﻤـﻴم اﻷﺤﻜـﺎم اﻝﻤطﻠﻘـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﻤـن دون أن ﺘﺜﺒـت ﺼ ّ
ذﻝك ﺒﺎﻝﺒراﻫﻴن أو اﻝﻘراﺌن اﻝﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝواﻗﻌﻴﺔ.
وﻝــذﻝك ،ﺒــدأت ﺘﻀــﻤﺤ ّل ﺘــدرﻴﺠﻴﺎً ﻤــﻊ ﺒداﻴــﺔ اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن ،ﻝﺘﺤ ـ ّل ﻤﺤﻠّﻬــﺎ أﻓﻜــﺎر ﻨظرﻴــﺔ ﺠدﻴــدة
ﺘطورﻫــﺎ .ﻓﻜــﺎن أن ظﻬــرت ﺨــﻼل اﻝرﺒــﻊ
ﻝد ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻤــن ﺤﻴــث ﻨﺸــوؤﻫﺎ
وﻤﻜوﻨﺎﺘﻬــﺎ و ّ
ّ
ﺌﻴﺴﻴﺔ ﻤﺘﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ،رّﻜزت ﻓﻲ دراﺴﺎﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻨـﺎول
اﻝﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻝﻘرن اﻝﻌﺸرﻴن ﺜﻼﺜﺔ اﺘﺠﺎﻫﺎت ر ّ
اﻝﻌﻠــوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﺒﺄﺴﺴ ــﻬﺎ وﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻬ ــﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ .وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ أﺴ ــﻬم ﺒﻔﺎﻋﻠﻴــﺔ ﻓ ــﻲ إرﺴ ــﺎء دﻋ ــﺎﺌم ﻋﻠ ــم
اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼر .
23
-1اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ :
ـﻨﻘدم ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﻠـﻲ
وﻴﻘﺴم إﻝﻰ ﻗﺴﻤﻴن :اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ ،واﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ .وﺴ ّ
ﻋرﻀﺎً ﻤوﺠ اّز ﻝﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ .
أن اﻝﻔﻜــر اﻝﺘطـ ّـوري ﻝﻠﺤﻀــﺎرات اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،أﺼــﺒﺢ
أ -اﻻ ﺘّﺠـــﺎﻩ اﻝﺘـــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـــﻲ :ذﻜرﻨــﺎ ّ
ﺴــﺎﺌداً ﻓــﻲ اﻝﻨﺼــف اﻝﺜــﺎﻨﻲ ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر ،ﺤﻴــث ﺒــدأت ﺘﺘﺒﻠــور اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ
أن ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ
.وظﻬــر إﻝــﻰ ﺠﺎﻨﺒــﻪ أﻴﻀ ـﺎً اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري اﻝــذي ﻴﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ ّ
ﺘرﺠﻊ إﻝﻰ ﻤﺼدر )ﻤﺠﺘﻤﻊ( واﺤد ،وﻤﻨﻪ اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ أﻤﺎﻜن أﺨرى ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم .
وﻴوﺠــد اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ ﻜـ ّل ﻤــن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔٕ ،وان
ﺨﺎﺼﺎّ ﻓﻲ ﻜ ّل ﻤﻨﻬﻤﺎ .ﻓﺘطﺒﻴق اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸﺎري ﻓﻲ ﻤﺠﺎل اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻴﺘﻌﻠّق
أﺨذ طﺎﺒﻌﺎً
ّ
ﺒﺠﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ،ﺒﻤــﺎ ﻓــﻲ ذﻝــك ﻤــن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻔﻜرﻴــﺔ ،ﺒﻴﻨﻤــﺎ ﻴﻘﺘﺼــر ﻓــﻲ ﻤﺠــﺎل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،ﻋﻠــﻰ اﻝﻌﻼﻗــﺎت واﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدة ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ،واﻝﺘــﻲ ﺘﺸــﻤل
ﺒﻌض اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻻ ﺘﺸﻤﻠﻬﺎ ﻜﻠّﻬﺎ .
أن اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻜﺜﻴ اًر ﻤﺎ ﺘﺴﺘﻌﺎر أو ﺘﻨﻘل ﻤن ﻤﻜﺎن
وﻴﻘوم اﻻﺘﺠﺎﻩ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأ ﻫﺎم ،وﻫو ّ
ﻓﺈن ﺘﺸﺎﺒﻪ اﻝﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﻌﺎدات ،ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝواﺤد أو ﻓﻲ
إﻝﻰ ﻤﻜﺎن آﺨر .وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻝكّ ،
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻻ ﻴﻨﺸﺄ ﻋﻠﻰ ﻨﺤـو ﺘﻠﻘـﺎﺌﻲٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﻨـﺎﺘﺞ ﻋـن اﻝﺘﺸـﺎﺒﻪ ﻓـﻲ اﻹﻤﻜﺎﻨـﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ
57
اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
و
ّ
ـﺘﻤر اﻫﺘﻤــﺎم اﻝﺒــﺎﺤﺜﻴن ﺒﺎﺴــﺘﺨدام اﻝﻤــﻨﻬﺞ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ ﺘﻔﺴــﻴر ظــﺎﻫرة
وﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ذﻝــك ،اﺴـ ّ
اﻝﺘﺒﺎﻴن ﺒﻴن اﻝﺤﻀﺎرات ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .واﻋﺘﻤد ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻤﺒدأﻴن اﺜﻨﻴن .
أن اﻻﺘّﺼﺎل ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻜﺎن ﺒﻔﻌل اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀـﺎري ،اﻝﻤﺒﺎﺸـر
أوﻝﻬﻤﺎ ّ :
وﻏﻴر اﻝﻤﺒﺎﺸر.
اﻝﻤﻜوﻨــﺎت )اﻝﺨﺼـﺎﺌص( اﻝﺤﻀــﺎرﻴﺔ أو ﻜﻠّﻬــﺎ ،ﻤــن ﻤﺼــﺎدرﻫﺎ
وﺜﺎﻨﻴﻬﻤــﺎ :ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻨﺘﺸــﺎر ﺒﻌــض
ّ
اﻷﺼﻠﻴﺔ إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ،ﺴواء ﺒﺎﻝرﺤﻼت اﻝﺘﺠﺎرﻴﺔ أو ﺒﺎﻝﻜﺸـوف أو ﺒـﺎﻝﺤروب
واﻻﺴ ــﺘﻌﻤﺎر .وﻫ ــذان اﻝﻤﺒ ــدآن ﻤﺘﻜ ــﺎﻤﻼن ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝظـ ـواﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ ،وﻴﻤﻜ ــن ﻤ ــن
ﺨﻼﻝﻬﻤﺎ ﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب .
وﻗــد اﻋﺘﻤــد ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤﻨﻬﺠ ـﺎً ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً –ﺠﻐراﻓﻴ ـﺎً ،ﻗــﺎدﻩ اﻷﻝﻤــﺎﻨﻲ )ﻓرﻴــدرﻴك ارﺘ ـزال ( اﻝــذي رّﻜــز
أﻫﻤﻴﺔ اﻻﺘّﺼﺎﻻت واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ودورﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻤو اﻝﺤﻀﺎرة اﻝﺨﺎﺼـﺔ
ﻋﻠﻰ ّ
واﻝﻌﺎﻤ ــﺔ .وﺘﺒﻌ ــﻪ ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك ﺘﻼﻤذﺘ ــﻪ ،وﻻ ﺴ ـ ّـﻴﻤﺎ ) ﻫ ــوﻴﻨرﻴﺦ ﺸ ــورﺘز( اﻝ ــذي أﺒ ــرز ﻓﻜـ ـرة وﺠ ــود ﻋﻼﻗ ــﺎت
ﺤﻀــﺎرﻴﺔ ﺒــﻴن اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﻘــدﻴم )إﻨدوﻨﻴﺴــﻴﺎ وﻤﺎﻝﻴزﻴــﺎ( واﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺠدﻴــد )أﻤرﻴﻜــﺎ( .وﻜــذﻝك )ﻝﻴــوﻓرو ﺒﻴﻨﻴــوس (
ﺼﺎﺤب ﻨظرﻴﺔ )اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺤﻀﺎري( ﺒﻴن إﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ وأﻓرﻴﻘﻴﺎ.
واﻨطﻼﻗـ ـﺎً ﻤ ــن ﻫ ــذا اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ ،ظﻬ ــرت ﻓ ــﻲ أوروﺒ ــﺎ ﻨظرﻴﺘ ــﺎن ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﺎن ﺤ ــول اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻻﻨﺘﺸ ــﺎري
ﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ.
اﻝﻨظرﻴﺔ اﻷوﻝﻰ :ﻫﻲ اﻝﻨظرﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤد اﻷﺼل اﻝﻤرﻜزي اﻝواﺤد ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺤﻀـﺎرة .
24
ﺴــﺎدت ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓــﻲ إﻨﻜﻠﺘ ـرا ،وأرﺠﻌــت ﻨﺸــﺄة اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ إﻝــﻰ ﻤﺼــدر واﺤــد ،وﻤﻨــﻪ
اﻨﺘﺸرت إﻝﻰ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻷﺨرى.
رواد ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ،ﻋﺎﻝم اﻝﺘﺸرﻴﺢ ) إﻝﻴوت ﺴﻤﻴث ( وﺘﻠﻤﻴـذﻩ ) وﻝـﻴم ﺒﻴـري ( اﻝﻠـذان أرﻴـﺎ
وﻜﺎن ﻤن ّ
أن اﻝﺤﻀــﺎرة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻨﺸــﺄت وازدﻫــرت ﻋﻠــﻰ ﻀــﻔﺎف اﻝﻨﻴــل ﻓــﻲ ﻤﺼــر اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ،ﻤﻨــذ ﺤـواﻝﻲ ﺨﻤﺴــﺔ
ّ
آﻻف ﺴﻨﺔ ﻗﺒل اﻝﻤﻴﻼد .
وﻋﻨدﻤﺎ ﺘواﻓرت اﻝظـروف اﻝﻤﻨﺎﺴـﺒﺔ ﻝﻠﺘواﺼـل ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﺒـدأت ﺒﻌـض ﻤظـﺎﻫر ﺘﻠـك
اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ﺘﻨﺘﻘــل إﻝــﻰ أرﺠــﺎء ﻤﺘﻌـ ّـددة ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم ،ﺤﻴــث ﻋﺠــزت ﺸــﻌوﺒﻬﺎ ﻋــن اﻝﺘﻘـ ّـدم
58
ﺘﻌوض ﻋن ذﻝك اﻝﻌﺠز ﺒﺎﻻﺴﺘﻴراد واﻝﺘﻘﻠﻴد.
اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺒﺘﻜﺎر اﻝﺤﻀﺎري ،ﻓراﺤت ّ
ﻝﻘ ــد ﻨ ــﺎل ) إﻝﻴ ــوت ﺴ ــﻤﻴث ( ﺸ ــﻬرة ﻜﺒﻴـ ـرة ﻋ ــن ﺠ ــدارة ،ﻨﺘﻴﺠ ــﺔ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻋ ــن اﻝﻤ ــﺦ ود ارﺴ ــﺎﺘﻪ ﻓ ــﻲ
ـب ﻓ ــﻲ إﺤ ــدى ﻓﺘـ ـرات ﺤﻴﺎﺘ ــﻪ ﻋﻠ ــﻰ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ ) ،(Paleo-anthropologyﺤﻴ ــث اﻨﻜ ـ ّ
د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤ ــﺦ ﻓ ــﻲ اﻝﻤوﻤﻴ ــﺎء اﻝﻤﺼـ ـرﻴﺔ .وﻗﺎدﺘ ــﻪ أﺒﺤﺎﺜ ــﻪ ﻫ ــذﻩ إﻝ ــﻰ اﻹﻗﺎﻤ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻤﺼ ــر ،ﺤﻴ ــث أدﻫﺸ ــﺘﻪ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ ،ﺘﻀـ ّـم
اﻝﺤﻀــﺎرة اﻝﻤﺼ ـرﻴﺔ اﻝﻘدﻴﻤــﺔ .وأﺨــذ ،ﻜﻤــﺎ ﻓﻌــل اﻝﻌدﻴــدون ،ﻴﻼﺤــظ ّ
أن ﻝﻬــﺎ ﻤــﺎ ﻴوازﻴﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﻘــﺎع أﺨــرى ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم ،وﻗﻠﺒــت ﻨظرﻴﺎﺘــﻪ اﻝﺠرﻴﺌــﺔ،
ﻋﻨﺎﺼــر ﻜﺜﻴـرة ﻴﺒــدو ّ
ﺒﺄن اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﻓﻲ ﺤوض
اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻝﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ ﻋن اﻝزﻤﺎن واﻝﻤﻜﺎن .ﻓﻠم ﻴﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻝﻘول ّ
أن
اﻝﺒﺤ ــر اﻷﺒ ــﻴض اﻝﻤﺘوﺴ ــط وأﻓرﻴﻘﻴ ــﺎ واﻝﺸ ــرق اﻷدﻨ ــﻰ واﻝﻬﻨ ــد ،ﻤ ــن أﺼ ــل ﻤﺼ ــري ،ﺒ ــل ذﻫ ــب إﻝ ــﻰ ّ
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺎت أﻨدوﻨﻴﺴﻴﺎ واﻷﻤرﻴﻜﺘﻴن ،ﺘﻨﺒﻊ ﻤن اﻝﻤﺼدر اﻝﻤﺼري ذاﺘﻪ .
أﻤــﺎ ) وﻝــﻴم ﺒﻴــري ( ﻓﻘــد أﻋطــﻰ ﻓــﻲ ﻜﺘﺎﺒــﻪ )أﺒﻨــﺎء اﻝﺸــﻤس( ﺸــرﺤﺎ ﻜــﺎﻤﻼً ﻝﻠﻨظرﻴــﺔ " اﻝﻬﻴﻠﻴوﻝﻴﺘﻴــﺔ
ّ
" Heliolithicوﻫ ــو اﻻﺴ ــم اﻝ ــذي أطﻠ ــق ﻋﻠ ــﻰ /اﻝﻤدرﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ /ﻋ ــن ﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ .ﻓﻌﻨـ ـوان
أن أﺼــﻠﻪ ﻓــﻲ ﻤﺼــر،
اﻝﻜﺘــﺎب ،ﻴﺸــﻴر إﻝــﻰ أﺤــد ﻋﻨﺎﺼــر
اﻝﻤﺠﻤــﻊ اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝــذي ﺘــزﻋم ﻫــذﻩ اﻝﻤدرﺴــﺔ ّ
ّ
اﻝﻤﺠﻤــﻊ ﻫــﻲ :
ـﺄن اﻝﻤﻠــك اﺒــن اﻝﺸــﻤس ،واﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى ﻓــﻲ ﻫــذا
وﻤﻨﻬــﺎ اﻨﺘﺸــر ..وﻫــو اﻻﻋﺘﻘــﺎد ﺒـ ّ
ّ
59
اﻝﺘﺤﻨﻴط ،ﺒﻨﺎء اﻷﻫراﻤﺎت ،واﻝﻘﻴﻤﺔ اﻝﻜﺒرى ﻝﻠذﻫب واﻝﻶﻝﻰء.
أن ﺒﻨــﺎء اﻷﻫ ارﻤــﺎت أﻴﻀ ـﺎً ﻤــن ﻤﻨﺸــﺄ ﻤﺼــري ،ﻜﻤــﺎ ﻫــﻲ
وﺘﻨطﻠــق ﺒ ـراﻫﻴن ) ﺴــﻤﻴث وﺒﻴــري ( ﻤــن ّ
اﻝﺤــﺎل ﻓــﻲ أﻫ ارﻤــﺎت اﻝﻤﻜﺴــﻴك .وﻜــذﻝك اﻷﻤــر ﻓــﻲ اﺤﺘﻔــﺎظ اﻷﻓ ـرﻴﻘﻴﻴن ﺒﻌظــم ﺴــﺎق اﻝﻤﻠــك اﻝﻤﺘــوﻓّﻰ،
ﻻﺴﺘﻌﻤﺎﻝﻪ ﻓﻲ اﻝطﻘوس اﻝدﻴﻨﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻻﻨﺘﺸﺎر ﻋﺎدة اﻝﺘﺤﻨﻴط ﻋﻨد اﻝﻤﺼرﻴﻴن.
اﻝﻨظرﻴـــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴـــﺔ :ﻫ ــﻲ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎرﻴﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻌﺘﻤ ــد اﻷﺼ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀ ــﺎري ،اﻝﻤﺘﻌ ـ ّـدد
اﻝﻤراﻜز .وﻜﺎن ﻤن دﻋﺎة ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ،ﻓرﻴق ﻤن اﻝﻌﻠﻤﺎء اﻷﻝﻤﺎن واﻝﻨﻤﺴﺎوﻴﻴن ،وﻓﻲ طﻠﻴﻌﺘﻬم ) ﻓرﻴﺘـز
ﺠراﻴﻨور ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘرة ﻤﺎ ﺒﻴن (1934-1875و)وﻝﻴم ﺸﻤﻴدت ( اﻝذي ﻋﺎش ﻓﻲ اﻝﻔﺘـرة ﻤـﺎ
ﺒﻴن ). (1959-1868
ﻷن ﻫـذﻩ اﻝﻔﻜـرة ﻀـرب
ﻝﻘد رﻓض ﻫـذا اﻝﻔرﻴـق ﻓﻜـرة اﻝﻤﻨﺸـﺄ) اﻝﻤرﻜـز( اﻝواﺤـد ﻝﻠﺤﻀـﺎرة اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔّ ،
ﻤن اﻝﺨﻴﺎل أﻜﺜر ﻤن ﻗرﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷﺴﺎس اﻝﻌﻠﻤﻲ .واﻓﺘرﻀوا وﺠود ﻤراﻜز ﺤﻀـﺎرﻴﺔ أﺴﺎﺴـﻴﺔ وﻋدﻴـدة ،
ﻓــﻲ أﻤــﺎﻜن ﻤﺘﻔرﻗــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻌــﺎﻝم .وﻨﺸــﺄ ﻤــن اﻝﺘﻘــﺎء ﻫــذﻩ اﻝﺤﻀــﺎرات ،ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــﻊ ﺒﻌــض ،دواﺌــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ
ﺘﻔﺎﻋﻠت ﺒﺒﻌض ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﻨﺼﻬﺎر واﻝﺘﺸﻜﻴﻼت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .
وﻜﺎن ) وﻴﺴﻠر ( ّأول ﻤـن اﺴـﺘﻌﻤل )اﻝـداﺌرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ( ﺒﻬـذا اﻝﻤﻌﻨـﻰ ،ﻓـﻲ ﺒﺤﺜـﻪ ﻋـن ﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻝﻬﻨـود
25
اﻷﻤ ـرﻴﻜﻴﻴن .وﻻ ﻴ ـزال ﺘﻌرﻴﻔــﻪ ﻝﻬــذا اﻝﻤﻔﻬــوم ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ﺘﻌدﻴﻠــﻪ ،ﻤﻨــذ ذﻝــك اﻝوﻗــت ﻤﻔﻴــدا ﻓــﻲ ﻫــذا
اﻝﻤﺠ ـ ــﺎل .ﻴﻘ ـ ــول ) وﻴﺴ ـ ــﻠر ( " :إذا أﻤﻜﻨﻨ ـ ــﺎ ﺘﺠﻤﻴ ـ ــﻊ ﺴ ـ ــﻜﺎن اﻝﻌ ـ ــﺎﻝم اﻝﺠدﻴ ـ ــد اﻷﺼ ـ ــﻠﻴﻴن ،أي اﻝﻬﻨ ـ ــود
اﻷﻤـ ـرﻴﻜﻴﻴن ،ﻓﺴﻨﺤﺼ ــل ﻋﻠ ــﻰ دواﺌ ــر ﻤﺘﻌ ـ ّـددة :دواﺌ ــر طﻌ ــﺎم ،دواﺌ ــر ﻤﻨﺴ ــوﺠﺎت ،ودواﺌ ــر ﺨ ــزف ...
وﺤوﻝﻨـﺎ اﻝوﺤـدات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو
وﻏﻴرﻫﺎٕ .واذا أﺨذﻨﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓـﻲ وﻗـت واﺤـدّ ،
اﻝﻘﺒﻠﻴ ــﺔ ،ﻴﻤﻜﻨﻨ ــﺎ أن ﻨﺠ ــد ﺠﻤﺎﻋ ــﺎت ﻤﺤ ـ ّـددة اﻝﻤﻌ ــﺎﻝم ،وﻫ ــذا ﻤ ــﺎ ﻴﻌطﻴﻨ ــﺎ اﻝ ــدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴ ــﺔ ،أو ﺘﺼ ــﻨﻴﻔﺎً
60
ﻝﻠﺠﻤﺎﻋﺎت وﻓق ﻋﻨﺎﺼر ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم ".
أن أﺼــﺤﺎب ﻫــذا
ﻴﻔﺴــر أوﺠــﻪ اﻻﺨــﺘﻼف ﻋــن ﺘﻠــك اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻝﻤرﻜزﻴــﺔ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ .إﻻّ ّ
وﻫــذا ﻤــﺎ ّ
اﻝ ـرأي ﻝــم ﻴﻘـ ّـدﻤوا اﻝــدﻻﺌل ﻋﻠــﻰ أﻤــﺎﻜن وﺠــود ﺘﻠــك اﻝﻤ ارﻜــز ،أو ﻋﻤﻠﻴــﺎت ﺘﺘﺒــﻊ ﺤرﻜــﺎت اﻻﺘّﺼــﺎل ﻓﻴﻤــﺎ
61
ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺴﻠﻴﻤﺔ.
ﺒﻴﻨﻬﺎ ،ودراﺴﺔ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘرﺘّﺒﺔ ﻋﻠﻰ ذﻝك ،ﺒطرﻴﻘﺔ
ّ
ﻝﻘد ﻜﺎﻨت وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـﺔ( اﻷﻝﻤﺎﻨﻴـﺔ – اﻝﻨﻤﺴـﺎوﻴﺔ ،أﻜﺜـر ﻋﻤﻘـﺎً وﺘﻨﻤﻴﻘـﺎً..
وﻜﺎﻨت ﻋﻨﺎﻴﺘﻬﺎ ﺒﺎﺨﺘﻴﺎر ﻤﻌﺎﻴﻴر اﻝﺤﻜم ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻤﺔ وﻗﺎﺌﻊ اﻻﻗﺘﺒﺎس اﻝﻤﻔﺘرﻀﺔٕ ،واﺼ ارراﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﺤﻴطـﺔ
ﻓﻲ اﺴﺘﺨدام ﻤﺼﺎدر اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت ،ودﻗّﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ﺘﻌرﻴﻔﺎﺘﻬﺎ ،وﻏﻨﻰ وﺜﺎﺌﻘﻬﺎ ،ﺘﺘﺠﺎوب ﻜﻠّﻬﺎ ﺘﻤﺎﻤﺎً ﻤﻊ
ﻤﺘطﻠّﺒﺎت اﻝﺒﺤث اﻝﻌﻠﻤﻲ اﻝدﻗﻴق ،وﻝﻬذا ﻻﻗت ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً .
ﺘﻘوم ﻨظرﻴﺔ اﻝﻤدرﺴﺔ )اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ – اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ( ﻓﻲ ﺠوﻫرﻫﺎ ،وﻜﻤﺎ ﺸرﺤﻬﺎ زﻋﻴﻤﻬﺎ ) وﻝﻴم ﺸـﻤﻴدت (،
ﻋﻠﻰ ﻨظرة ﺼوﻓﻴﺔ إﻝﻰ طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻴـﺎة ٕواﻝـﻰ اﻝﺘﺠرﺒـﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .ﻓﻘـد ﻨﺸـﺄت ﻫـذﻩ اﻝﻤدرﺴـﺔ ﻀـﻤن إطـﺎر
ﻓﻜري ،واﺴﺘﺨدﻤت ﺘﻌﺒﻴرات وﻤﺼطﻠﺤﺎت ﺘﺨﺘﻠف اﺨﺘﻼﻓﺎً ﺠوﻫرﻴﺎً ﻋن اﻝﻨظرة اﻝﻌﻘﻼﻨﻴﺔ ،وﻋن ﻤﻔردات
أﻏﻠـب اﻝﻤﻔ ّﻜـرﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن ..وﻴظﻬــر ذﻝــك ﻓــﻲ ﻤﻨﺎﻗﺸـﺔ ) ﺸــﻤﻴدت ( ط ارﺌــق اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ
اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻝﺘﻲ ﺘﻘﺴم إﻝﻴﻬﺎ ﻫذﻩ اﻝﻤدرﺴﺔ ،أي اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ،.وﺘرى ّأﻨﻬـﺎ اﻨﺘﺨﺒـت
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻝﻤوﺠودة – اﻝﻴوم – ﻓﻲ اﻝﻌﺎﻝم ،ﺒواﺴطﺔ اﻨﺘﺸﺎر ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ .
وﻴﻌﺘــرف ) ﺸــﻤﻴدت ( ،ﻜﻤــﺎ ﻴﻌﺘــرف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون ﺠﻤــﻴﻌﻬم ،ﺒﺎﻝﺤﺎﺠــﺔ إﻝــﻰ ﻓﻬــم )ﻤﻌﻨــﻰ اﻝﺤﻴــﺎة
اﻝﺒداﺌﻴــﺔ( ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻤــن ﻴﻌﻴﺸــوﻨﻬﺎ .واﻷﻫـ ّـم ﻤــن ذﻝــك ،ﻓﻬــم ﻤﻌﻨﺎﻫــﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻷوﻝﺌــك اﻝــذﻴن ﻋﺎﺸــوﻫﺎ ﻓــﻲ
اﻝﻌﺼور اﻝﻐﺎﺒرة ...وﻴﻘول ) ﺸـﻤﻴدت ( ّإﻨﻨـﺎ ﻨﻌـرف ذﻝـك ﺒـﺎﻝﻠﺠوء إﻝـﻰ اﻝﻤﺒـدأ اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻲ اﻝﺘﻌـﺎطﻔﻲ،
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ﻝﻠﺸﺨص اﻝذي ﻴـرﺘﺒط ﻤﻌـﻪ ﺒﻌﻼﻗـﺔ
اﻝذي ﻴﺴﺘطﻴﻊ اﻹﻨﺴﺎن ﺒواﺴطﺘﻪ أن ﻴﻀﻊ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻝﺔ
ّ
62
ﻤﺎ.
أﻤــﺎ إﺴــﻬﺎم ) ﻓرﻴﺘــز ﺠراﺒﻨــور( ﻓــﻲ ﻤــﻨﻬﺞ اﻝﻤدرﺴــﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴــﺔ – اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺒوﺠــﻪ ﺨــﺎص ،وﻓــﻲ ﻋﻠــم
ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺎ ،ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎم ،ﻓﺘﻤﺜّــل ﻓ ــﻲ اﻝﺘﺤدﻴ ــد اﻝ ــدﻗﻴق اﻝﻤوﻀ ــوﻋﻲ ﻝﻤﻌ ــﺎﻴﻴر ﺘﻘﻴ ــﻴم اﻨﺘﺸ ــﺎر ﺒﻌ ــض
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻤن ﺸﻌب إﻝﻰ ﺸﻌب آﺨر .
ﻓﺎﻝﻨظــﺎم اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ واﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺴــﺎﺌدان ﻋﻨــد ﺠﻤﺎﻋــﺔ )ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤــﺎ( ﻝﻬﻤــﺎ ﺘــﺄﺜﻴر اﻨﺘﻘــﺎﺌﻲ ،إذ ﻴﺤــوﻻن
دون ﻗﺒول ﻨﻤﺎذج ﻻ ﺘﻨﺴﺠم اﻝﺒﺘّﺔ ﻤﻊ اﻝﻨﺴق اﻝﻘﺎﺌم .وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ ،ﻻ ﻴﻤﻜـن ﺘﺠﺎﻫـل أﺜـر اﻻﻗﺘﺒـﺎس
ﻋﻠ ــﻰ اﻷﻨظﻤ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ،ﺤﻴ ــث ﺘﺘوﻗّ ــف ﻓ ــرص اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺤﺘﻜﺎﻜ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﺘﻜ ــون وﻝﻴ ــدة
ك ﺒﻬﺎ اﻝﻬﻨود اﻝﻤﻜﺴﻴﻜﻴون ﻫﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺴﺒﺎﻨﻴﺔ،
اﻝﻤﺼﺎدﻓﺎت .وﻤﺜﺎل ذﻝك :أن ﺘﻜون اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺘﻲ اﺤﺘ ّ
وﻋ َرﻀ ـﺎً .وﻜــذﻝك اﻝﺤــﺎل ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻬﻨــود اﻝوﻻﻴــﺎت اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ،
أﻤــر ﻴﻤﻜــن اﻋﺘﺒــﺎرﻩ ﺤــدث اﺘﻔﺎﻗ ـﺎً َ
63
ﻨﺴﻴﺔ.
اﻝذﻴن ﻜﺎن ﻤﻌظم اﺤﺘﻜﺎﻜﻬم ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺘﻴن اﻹﻨﺠﻠﻴزﻴﺔ واﻝﻔر ّ
26
إن ﻫــذﻩ اﻝﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﺘــﻲ ﻴــدﻋوﻨﻬﺎ ﻤﻌــﺎﻴﻴر اﻝﻜﻴــف واﻝﻜــم ،ﻫــﻲ أﺴﺎﺴــﻴﺔ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻨــﺎول
ّ
اﻝﻨﻘ ــل اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ﺠﻤﻴﻌﻬ ــﺎ ،وﻤﻌﻨﺎﻫ ــﺎ ﺒﺴ ــﻴط ﺠ ـ ّـدا ؛ ﻓﻌﻨ ــدﻤﺎ ﻴﺒ ــدو ﻝﻠﻌﻴ ــﺎن ﺘﻤﺎﺜ ــل ﺒ ــﻴن ﺜﻘ ــﺎﻓﺘﻲ ﺠﻤ ــﺎﻋﺘﻴن
ـﺈن ﺤﻜﻤﻨ ــﺎ ﺤ ــول اﺤﺘﻤ ــﺎل اﺸ ــﺘﻘﺎﻗﻬﻤﺎ ﻤ ــن ﻤﺼ ــدر واﺤ ــد ،ﻴﺘوﻗّ ــف ﻋﻠ ــﻰ ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر
ﻤﺨﺘﻠﻔﺘ ــﻴن ،ﻓ ـ ّ
اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ وﻤ ــدى ﺘﺸ ــﺎﺒﻜﻬﺎ .ﻓﻜﻠّﻤ ــﺎ ازداد ﻋ ــدد اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر اﻝﻤﺘﻤﺎﺜﻠ ــﺔ ،ازداد اﺤﺘﻤـ ـﺎل وﻗ ــوع اﻻﻗﺘﺒ ــﺎس ..
وﻴﻨطﺒق اﻷﻤر ذاﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻤدى ﺘـداﺨل )ﺘﻌﻘﻴـد( ﻋﻨﺼـر ﻤـن اﻝﻌﻨﺎﺼـر .وﻝـذا ﻴﻤﻜـن اﺴـﺘﺨدام اﻝﻘﺼـص
اﻝﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻤﺜﻼً ،اﺴـﺘﺨداﻤﺎً ﻤﻔﻴـداً ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻻﺤﺘﻜـﺎك اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ ﺒـﻴن اﻝﺸـﻌوب اﻝﺒداﺌﻴـﺔ 64.وﻝـم ﻴﻘﺘﺼـر
اﻝﺘﻔﺴــﻴر اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻋﻠــﻰ أوروﺒــﺎ ﻓﺤﺴــبٕ ،واّﻨﻤــﺎ اﻤﺘـ ّـد أﻴﻀـﺎً إﻝــﻰ أﻤرﻴﻜـﺎ ﺤﻴــث ظﻬــرت ﺤرﻜــﺔ ﻤﻤﺎﺜﻠــﺔ
ﻵراء ) ﺴ ــﻤﻴث وﺸ ــﻤﻴدت ( ﻤ ــن ﺤﻴ ــث ﻨﻘ ــد اﻝﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝﺘط ـ ّـوري ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،واﻻﺘّﻘ ــﺎق ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻨﺘﺸ ــﺎر
اﻝﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺒطرﻴق اﻻﺴﺘﻌﺎرة واﻝﺘﻘﻠﻴد ،ﻜﺄﺴﺎس ﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺘﺒﺎﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ اﻝﺤﻀﺎري ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب .
أن
أﻤﺎ ﺒﺨﺼوص ﻓﻜرة اﻝﻤراﻜز اﻝﺤﻀﺎرﻴﺔ )اﻝدواﺌر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( ﻓﻴـرى أﺼـﺤﺎب اﻝﻤدرﺴـﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴـﺔّ ،
ّ
ﺜم اﻨﺘﻘﻠت إﻝـﻰ أﻤـﺎﻜن أﺨـرى
د
ﻤﺤد
اﻓﻲ
ر
ﺠﻐ
–
ﺜﻘﺎﻓﻲ
ﻤرﻜز
ﻓﻲ
ﻻ
أو
وﺠدت
ﻤﺎ،
ﻝﺜﻘﺎﻓﺔ
ة
اﻝﻤﻤﻴز
اﻝﻤﻼﻤﺢ
ً
ّ
ّ ّ
أن أﺼــﺤﺎب اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎري ﻓــﻲ أﻤرﻴﻜــﺎ ،رﻓﻀ ـوا آراء اﻷورﺒﻴــﻴن ﺒﻌــدم
ﻤــن اﻝﻌــﺎﻝم .وﻫــذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ
اﻝﺘطور اﻝﺤﻀﺎري اﻝﻤﺴﺘﻘ ّل ،وأن ﺒﻌض اﻝﻨﺎس ﺒطﺒﻴﻌﺘﻬم ﻏﻴر ﻤﺒﺘﻜرﻴن أو ﻗﺎدرﻴن ﻋﻠﻰ اﻝﻘﻴـﺎم
إﻤﻜﺎﻨﻴﺔ
ّ
اﻝﺘطور.
ﺒﻌﻤﻠﻴﺔ اﻻﺒﺘﻜﺎر و ّ
اﻷول ﻝﻬـذا اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌـﻲ ،ﻗـد ﻋـﺎرض اﻝﻔﻜـرة
وﻜﺎن اﻷﻤرﻴﻜﻲ ) ﻓراﻨز ﺒـواز ( اﻝ ارﺌـد ّ
أن أﻴ ــﺔ ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﻤ ــن اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺎت ،ﻝﻴﺴ ــت إﻻّ
اﻝﻘﺎﺌﻠ ــﺔ ﺒوﺠ ــود طﺒﻴﻌ ــﺔ واﺤ ــدة وﺜﺎﺒﺘ ــﺔ ﻝﻠﺘط ـ ّـور اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ .ورأى ّ
ﻴوﺠــﻪ اﻫﺘﻤﺎﻤــﻪ ﻨﺤــو
ﺤﺼــﻴﻠﺔ ﻨﻤــو ﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻤﻌـ ّـﻴن .وﻝــذﻝك ،ﻴﺘوﺠــب ﻋﻠــﻰ اﻝﺒﺎﺤــث اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻲ أن ّ
اﻝﻤﻜوﻨــﺔ ﻝﻜ ـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺤــدة ،ﻗﺒــل اﻝوﺼــول إﻝــﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤــﺎت ﺒﺸــﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ
د ارﺴــﺔ ﺘــﺎرﻴﺦ اﻝﻌﻨﺎﺼــر
ّ
أﺼر) ﺒواز( ﻋﻠـﻰ ّأﻨـﻪ ﻝﻜـﻲ ﺘﺼـﺒﺢ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ﻋﻠﻤـﺎً ،ﻓـﻼ ﺒ ّـد أن ﺘﻌﺘﻤـد ﻓـﻲ
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺒﻜﺎﻤﻠﻬﺎ .وﻗد ّ
ﺘﻜوﻴن ﻨظرﻴﺎﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺸﺎﻫدات واﻝﺤﻘﺎﺌق اﻝﻤﻠﻤوﺴﺔ ،وﻝﻴس ﻋﻠﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨﺎت أو اﻝﻔرﻀـﻴﺎت اﻝﺤدﺴ ّـﻴﺔ
.
وﻤــن ﻫــذا اﻝﻤﻨطﻠــق ،اﺴــﺘﺨدم ) ﺒـواز ( ﻤﺼــطﻠﺢ )اﻝﻤﻨــﺎطق اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( ﻝﻺﺸــﺎرة إﻝــﻰ ﻤﺠﻤوﻋــﺔ ﻤــن
ﻋﻤ ــﺎ ﺘﺤﺘوﻴ ــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﻨـ ـﺎطق ﻤ ــن
اﻝﻤﻨ ــﺎطق اﻝﺠﻐراﻓﻴ ــﺔ ذات اﻝ ــﻨﻤط اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ اﻝواﺤ ــد ،ﺒﺼ ــرف اﻝﻨظ ــر ّ
طﺒـق ) ﺒـواز ( ﻫـذا اﻝﻤﻔﻬـوم ﻋﻠـﻰ ﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻗﺒﺎﺌـل اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر ﻓـﻲ أﻤرﻴﻜـﺎ،
ﺠﻤﺎﻋﺎت أو ﺸﻌوب .وﻗد ّ
واﺴــﺘطﺎع ﺘﺤدﻴــد – ﺘﻤﻴﻴــز -ﺴــﺒﻊ ﻤﻨــﺎطق ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ رﺌﻴﺴــﺔ ،ﻴﻨــدرج ﺘﺤﺘﻬــﺎ ﻫــذا اﻝﻌــدد اﻝﻬﺎﺌــل ﻤــن ﻗﺒﺎﺌــل
اﻝﻬﻨود اﻝﺤﻤـر ،واﻝـذي ﻜـﺎن ﻴزﻴـد ﻋـن ) (50ﻗﺒﻴﻠـﺔ ،ﻓـﻲ اﻝوﻗـت اﻝـذي ﻨـزح اﻷوروﺒﻴـون ﻻﺴـﺘﻌﻤﺎر اﻝﻘـﺎرة
اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ .
وﺒﻬذا ﻴﺸﻴر ﻤﻔﻬوم )اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( إﻝﻰ طراﺌق اﻝﺴﻠوك اﻝﺸﺎﺌﻌﺔ ﺒﻴن ﻋدد ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﺘﻲ
65
ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤن اﻻﺘّﺼﺎل واﻝﺘﻔﺎﻋل.
ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﺸﺘراﻜﻬﺎ ﻓﻲ ﻋدد ﻤن ﻤظﺎﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝدرﺠﺔ ّ
ّ
ﺘﺘﻤﻴـز ﻋـن أﻓﻜـﺎر) ﺴـﻤﻴث وﺒﻴـري وﺸـﻤﻴدت (
أن أﻓﻜـﺎرﻩ ّ
ٕواذا ﻤﺎ ﺘﺼﻔّﺤﻨﺎ ﻜﺘﺎﺒﺎت ) ﺒواز ( وﺠـدﻨﺎ ّ
اﻝﻤﺘطرﻓﻴن ،وذﻝك ﺒﺘﺸدﻴدﻩ ﻋﻠﻰ اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ :
وﻏﻴرﻫم ﻤن اﻻﻨﺘﺸﺎرﻴﻴن
ّ
-1
-2
ﻤﻘدﻤﺔ ﻝدراﺴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر دراﺴﺔ ﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ .
إن اﻝدراﺴﺔ اﻝوﺼﻔﻴﺔ ﻝﻼﻨﺘﺸﺎرّ ،
ّ
ﻴﺠ ــب أن ﺘﻜ ــون د ارﺴ ــﺔ اﻻﻨﺘﺸ ــﺎر د ارﺴ ــﺔ اﺴ ــﺘﻘراﺌﻴﺔ ،أي ّأﻨ ــﻪ ﻴﺠ ــب د ارﺴ ــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼ ــر
27
اﻝﻤﺠﻤﻌــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ( اﻝﺘــﻲ ﻴــزﻋم ّأﻨﻬــﺎ ﻨﺎﺸــﺌﺔ ﻋــن اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﺘﺒﻌ ـﺎً ﻝﻌﻼﻗﺘﻬــﺎ
اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﻤﺘراﺒطــﺔ ) ّ
اﻝداﺨﻠﻴﺔ ،أﻜﺜر ﻤن ﻜوﻨﻬﺎ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻝﻌﻨﺎﺼر ﺸ ّﻜﻠﻬﺎ اﻝﺒﺎﺤث اﻋﺘﺒﺎطﻴﺎً.
ﻴﺠــب أن ﺘﺘّﺠــﻪ د ارﺴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر ﻤــن اﻝﺨــﺎص إﻝــﻰ اﻝﻌــﺎم ،ورﺴــم ﺘوزﻴــﻊ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼــر ﻓــﻲ
-3
ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻌـﺎﻝم ﻜﻠّـﻪ
ﺘوزﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻝﻘﺎرة ،وﺘرك اﻝﻜﻼم ﻋن ّ
ﻤﻨﺎطق ﻤﺤدودة ،ﻗﺒل رﺴم ﺨﺎرطﺔ ّ
.
إن ﻤـﻨﻬﺞ د ارﺴـﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴـﺔ اﻝدﻴﻨﺎﻤﻴﻜﻴــﺔ ،واﻻﻨﺘﺸـﺎر ﻝـﻴس ﺴـوى وﺠــﻪ ﻤـن وﺠوﻫﻬـﺎ ،ﻴﺠــب
-4
ّ
66
اﻝﺘﻐﻴر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ.
أن ﻴﻜون ﻤﻨﻬﺠﺎً ﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺎً ،وأن ﻴﻌود إﻝﻰ اﻝﻔرد ﺒﻐﻴﺔ ﻓﻬم ﺤﻘﺎﺌق ّ
أن ﻤراﻋﺎة اﻝﻌواﻤل اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ اﻝﻜﺎﻤﻨﺔ ﻓـﻲ ﻋﻤﻠﻴـﺔ
واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘﺎت ،ﻴرى ) ﺒواز ( ّ
أﻫﻤﻴــﺔ ﻜﺒﻴ ـرة ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ .ﻜﻤــﺎ ﻴﺠــب ﺘﺤﻠﻴــل ﻫــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﺒﺼــورة
اﻻﻗﺘﺒــﺎس ،ﺘﻜﺘﺴــب ّ
ﺜم إﺠراء ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ،ﺴواء ﻤن ﺤﻴث ﻨظﺎﻤﻬﺎ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ أو ﻤن ﺤﻴـث
إﻓرادﻴﺔ أوﻻً ،وﻤن ّ
ﺒﺘﺤرﻴﺎت ﻓﻲ ﻤﻨﺎطق ﻋدﻴدة ـ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﺘﻌﻤﻴم ﻫذﻩ اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ .
ﻋﻨﺎﺼرﻫﺎ .وﻻ ﺘﻜون اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ ﻤﻘﺒوﻝﺔ ،إﻻّ ّ
ﺜﻤﺔ ﻋدداً ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ اﻝﻤﺸـﺘرﻜﺔ ﺒـﻴن ﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻝﻬﻨـود اﻝﺤﻤـر،
ﻓﻘد اﻜﺘﺸف ) ﺒواز ( ّ
أن ّ
أن ﻝﻜ ـ ّل ﻤﻨﻬــﺎ اﺴــﺘﻘﻼﻝﻴﺘﻬﺎ
اﻝﺘــﻲ ﺘﻌــﻴش ﻓــﻲ اﻝﺴــﻬول اﻝﺴــﺎﺤﻠﻴﺔ ﻷﻤرﻴﻜــﺎ اﻝﺸــﻤﺎﻝﻴﺔ .ﻓﻌﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ
أن ﺴ ــﻜﺎﻨﻬﺎ ﺠﻤ ــﻴﻌﻬم ﻴﺼ ــطﺎدون اﻝﺠ ــﺎﻤوس ﻝﻠﻐ ــذاء ،وﻴﺒﻨ ــون
اﻝﺨﺎﺼ ــﺔ واﺴ ــﻤﻬﺎ وﻝﻐﺘﻬ ــﺎ وﺜﻘﺎﻓﺘﻬ ــﺎ ،إﻻّ ّ
اﻝﻤﺴﺎﻜن ﻋﻠﻰ أﻋﻤدة ﻴﻐطوﻨﻬﺎ ﺒﺎﻝﺠﻠود اﻝﺘﻲ ﻴﺴﺘﺨدﻤوﻨﻬﺎ أﻴﻀﺎً ﻓﻲ ﺼﻨﻊ اﻝﻤﻼﺒس.
وﻫﻜذا ﺠﺎء ﻤﻔﻬوم )ﻤﺼطﻠﺢ( اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻜﺘﺼﻨﻴف وﺼﻔﻲ وﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت ،اﻷﻤر اﻝذي
67
ﺜم اﻝوﺼول إﻝﻰ ﺘﻌﻤﻴﻤﺎت ﺒﺸﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻠّﻬﺎ.
ﻴﺴﻬل اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ،وﻤن ّ
أن ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺎت
وﻨﺘﺞ ﻋن ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸـﺎري ﺒوﺠـﻪ ﻋـﺎم ،أن ﺒـدأ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـون ﻴﻨظـرون إﻝـﻰ ّ
ﺘﻤﻴـز ﺒﻌﻀـﻬﺎ ﻤـن ﺒﻌـض.
اﻝﺘطور واﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝرﺌﻴﺴﺔ اﻝﺘﻲ ّ
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜﻴﺎﻨﺎت ﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻤن ﺤﻴث اﻝﻤﻨﺸﺄ و ّ
وﺘﻨوﻋﻬــﺎ ،وطــرح ﻤﻔﻬــوم اﻝﻨﺴــﺒﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ أﺼــﺒﺤت ﻤــن أﻫـ ّـم
وﻫــذا ﻤــﺎ ﻋـ ّـزز ﻓﻜ ـرة ﺘﻌـ ّـدد اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ّ
اﻝﻤﻔﻬوﻤ ــﺎت اﻷﺴﺎﺴ ـ ّـﻴﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﻔﻜ ــر اﻷﻨﺜرﺒوﻝ ــوﺠﻲ وﺘط ـ ّـورﻩ ،ﻜﻌﻠ ــم ﺨ ــﺎص ﻤ ــن اﻝﻌﻠ ــوم اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﻝـ ــﻪ
ﻤﻨطﻠﻘﺎﺘﻪ وأﻫداﻓﻪ ،ﺘوﺠب دراﺴﺘﻪ ﻤن ﺨﻼﻝﻬﺎ .
وﻝﻜـ ّـن ﻨظرﻴــﺔ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒﺤﺴــب ﻓﻜ ـرة اﻝــدواﺌر اﻝﻤﺘّﺤــدة اﻝﻤرﻜــز ،ﻻﻗــت اﻨﺘﻘــﺎدات ﺸــدﻴدة،
اﻝﻤﺴﺘﻤر :
اﻝﺘوزع
وﺠﻬﻪ ) إدوارد ﺴﺎﺒﻴر( اﻝذي ذﻜر ﺜﻼﺜﺔ ﺘﺤﻔّظﺎت ﻋﻠﻰ ﻓﻜرة ّ
وﻤﻨﻬﺎ ﻤﺎ ّ
ّ
أوﻝﻬﺎ :ﻴﻤﻜن أن ﻴﻜون اﻻﻨﺘﺸﺎر ﻓﻲ أﺤد اﻻﺘّﺠﺎﻫﺎت ،أﺴرع ﻤﻨﻪ ﻓﻲ اﺘّﺠﺎﻩ آﺨر.
ﺜﺎﻨﻴﻬﺎ :ﻗد ﻴﻜون اﻝﺸﻜل اﻷﻗـدم ﺘﺎرﻴﺨﻴـﺎً ،ﺘﻌ ّـرض ﻝﺘﻌـدﻴﻼت ﻓـﻲ اﻝﻤرﻜـز ،ﺒﺤﻴـث ﻴﺨطـﻰء اﻝﺒﺎﺤـث
ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻝﻤرﻜز اﻝﺤﻘﻴﻘﻲ ﻷﺼل اﻝﺸﻜل.
ـؤدي إﻝـﻰ ﺴـوء ﺘﺄوﻴـل ﻨﻤـوذج "
ـوزع ،آﺜـﺎر ﺘ ّ
ﻝﺘﺤرﻜـﺎت اﻝﺴـﻜﺎن داﺨـل ﻤﻨطﻘـﺔ اﻝﺘ ّ
وﺜﺎﻝﺜﻬﺎ :ﻗد ﻴﻜون ّ
اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ "
وﻝﻜــن ،ﻫــل ﻴﻌﻨــﻲ ﻫــذا اﻝﺘﺨﻠّــﻲ ﻋــن ﻤﺤــﺎوﻻت إﻋــﺎدة ﺘرﻜﻴــب اﻻﺤﺘﻜــﺎك اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ،ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب
ﻴﺒرر ﻫـذﻩ اﻝﻨﺘﻴﺠـﺔ.
ﺜﻤﺔ ﻤﺎ ّ
اﻝﺘطور اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ﻝﻠﻤﻨﺎطق اﻝﺘﻲ ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺘﺎرﻴﺦ؟ واﻝﺠواب :ﻝﻴس ّ
اﻝﺒداﺌﻴﺔ و ّ
أن ﻫذا اﻝﺠﻬد اﻝﻤﺒذول ﻓﻲ ﻫـذا اﻝﻤﺠـﺎل ،إذا ﻤـﺎ أﺨـذ ﻜـل ﺸـﻲء ﻓـﻲ اﻝﺤﺴـﺒﺎن ،ﺠـدﻴر ﺒﺎﻻﻫﺘﻤـﺎم
وﻴﺒدو ّ
28
واﻝﻌﻨﺎﻴﺔ ،ﺒﺸرطﻴن :
-1
ﻴﺨﻴﺔ.
أن ﻴﻜون ﺒﺎﻹﻤﻜﺎن اﻋﺘﺒﺎر اﻝﻤﻨطﻘﺔ اﻝﻤﺨﺘﺎرة ﻝﻠﺘﺤﻠﻴل ،ذات وﺤدة ﺘﺎر ّ
أن ﻴﻜ ــون اﻝﻬ ــدف ﻤ ــن اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل ،ﺘﻘرﻴ ــر اﺤﺘﻤ ــﺎل وﻗ ــوع اﻝﺘط ـ ّـورات اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ،
-2
68
وﻝــﻴس ﺘﻘرﻴــر اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ ﻋﻨﻬــﺎ .وﻝﻜــن ،ﻤﻬﻤــﺎ ﺘﻌـ ّـددت اﻷدﻝّــﺔ ﻋﻠــﻰ ظــﺎﻫرة اﻻﻨﺘﺸــﺎر
ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺘﻌ ّذر ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻏﻴر اﻝﻤﺘﻌﻠّﻤـﺔ –وﻓـﻲ ﻤﻌظـم اﻷﺤﻴـﺎن – اﻝﺘﻤﻴﻴـز ﺒـﻴن
اﻝﺜﻘﺎﻓﻲّ ،
اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴـ ّـرﺒت إﻝﻴﻬــﺎ ﻤــن اﻝﺨــﺎرج ،وﺒــﻴن اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺘــﻲ ﻨﺸــﺄت ﻤــن داﺨﻠﻬــﺎ.
أن ﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺒﻤﻔردﻫــﺎ اﻗﺘﺒﺴــت ﻋــن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻷﺨــرى،
وﻴﺘّﻀــﺢ ﻤــن وﺠﻬــﺔ اﻝﻨظــر اﻝﺘﺠرﻴﺒﻴــﺔّ ،
أﺸـﻴﺎء أﻜﺜــر ﻤــن اﻝﺘـﻲ اﺨﺘرﻋﺘﻬــﺎ ﺒــذاﺘﻬﺎ .واﻝـدﻝﻴل ﻋﻠــﻰ ذﻝــك ،اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝواﺴــﻊ ﻝﻌﻨﺎﺼــر ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ
اﻝﻤؤﺴﺴـ ـ ــﺎت
ﻤﻌﻘـ ـ ــدة ﻓـ ـ ــﻲ ﻤﺠـ ـ ــﺎﻻت اﻝﺘﻜﻨوﻝوﺠﻴـ ـ ــﺔ واﻝﻔﻨـ ـ ــون اﻝﺸـ ـ ــﻌﺒﻴﺔ ،واﻝﻤﻌﺘﻘـ ـ ــدات اﻝدﻴﻨﻴـ ـ ــﺔ و ّ
69
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﺘﺴﻴر ﻓﻲ اﺘّﺠـﺎﻫﻴن ،ﺤﻴـث ﻴﺴـﺘﻔﻴد ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤـن ﺜﻘﺎﻓـﺔ
وﻫﻜذا ﻨﺠدّ ،
ـﺘم ﻋﻤﻠﻴـﺔ اﻻﻨﺘﺸـﺎر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻵﺨر اﻝذي ﻴﺤﺘ ّ
ك ﺒﻪ وﻻ ّ
ﺴﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻝﻜﺒﻴـرة ،ﺤﻴـث ﺘ ّ
ﻤﻘوﻤﺎﺘﻬــﺎ وأﻨﻤﺎطﻬــﺎ اﻝرﺌﻴﺴــﺔ واﻝﻔرﻋﻴــﺔ ،ﺒــﻴن
ﻤــن ﺨــﻼل اﻗﺘﺒــﺎس ﻋﻨﺎﺼــر ﻤــن ﺜﻘﺎﻓــﺎت أﺨــرى ،واﻨﺘﺸــﺎر ّ
ﻓﺌﺎت ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ اﻝﻜﺒﻴرة.
ب -اﻻ ﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴﻲ:
ﻴﺘﻌدل وﻴﺄﺨذ ﻤﺴﺎرات ﺠدﻴدة ،ﺤﻴث ظﻬرت ﻓﻜرة ﺘوﺴـﻴﻊ اﻝﻤﻔﻬـوم
ﺒدأ اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻝﺘﺠزﻴﺌﻲ
ّ
اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،وذﻝــك ﺒﻔﻀــل ﻤــن ﺘــﺄﺜّروا ﺒﻨﺘــﺎﺌﺞ ﻋﻠــم اﻝــﻨﻔس ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ )
ﺴــﻴﻐﻤوﻨد ﻓروﻴ ــد ( اﻝــذي ﻋ ــﺎش ﻤــﺎ ﺒ ــﻴن ) (1939-1852وﺘﻼﻤذﺘــﻪ ،اﻝ ــذﻴن أروا ّأﻨــﻪ ﺒﺎﻹﻤﻜ ــﺎن ﻓﻬ ــم
اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﺘـﺎرﻴﺦ ،ﻤـﻊ اﻻﺴـﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒـﺒﻌض ﻤﻔﻬوﻤـﺎت ﻋﻠـم اﻝـﻨﻔس وطراﺌﻘـﻪ اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴـﺔ .وﻫـذا ﻤـﺎ
ﻜﺎن ﻝـﻪ أﺜر ﻜﺒﻴر ﻓﻲ اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻨﺤو اﻝﻜﺸف ﻋن اﻷﻨﻤﺎط اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
أن د ارﺴ ــﺔ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ،ﺒوﻗﺎﺌﻌــﻪ وأﺤداﺜ ــﻪ ،ﻻ ﺘﻜﻔــﻲ ﻝﺘﻔﺴ ــﻴر
ﻓﻘــد رأت ) روث ﺒﻴﻨــد ﻜﻴ ــت ( ورﻓﺎﻗﻬــﺎ ّ
اﻝظ ـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ ،وذﻝـ ــك ﻷن اﻝظـ ــﺎﻫرة اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ ﺒﺤـ ـ ّـد ذاﺘﻬـ ــﺎ ﻤﺴـ ــﺄﻝﺔ ﻤﻌﻘّـ ــدة وﻤﺘﺸـ ــﺎﺒﻜﺔ
أن أﻴﺔ ﺴـﻤﺔ
اﻝﻌﻨﺎﺼر .ﻓﻬﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﺒﻴن اﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝواﻗﻌﻴﺔ اﻝﻤﻜﺘﺴﺒﺔ واﻝﺘﺠرﺒﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ )اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ( ،و ّ
70
ﻤﻌﻴﻨﺔ .
ﺘﻀم ﻤزﻴﺠﺎّ ﻤن اﻝﻨﺸﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﻝﻨﻔﺴﻲ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﺒﻴﺌﺔ ّ
ﻤن اﻝﺴﻤﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔّ ،
ـﺈن أﻴـﺔ ﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻻ ﺘؤﻝّـف ﻨظﺎﻤـﺎً ﻤﻐﻠﻘـﺎً أو ﻗواﻝـب ﺠﺎﻤـدة ،ﻴﺠـب أن ﺘﺘطـﺎﺒق
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ذﻝـك ،ﻓ ّ
وﻴﺘﺒﻴن ﻤن ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ – ﺒﻬـذﻩ
ﻤﻌﻬﺎ ﺴﻠوﻜﺎت أﻋﻀﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﺠﻤﻴﻌﻬم ّ .
ﻷﻨﻬــﺎ ﻝﻴﺴــت ﺴــوى ﻤﺠﻤــوع ﺴــﻠوﻜﺎت اﻷﺸـﺨﺎص اﻝــذﻴن ﻴؤﻝّﻔــون
اﻝﺼــﻔﺔ – ﻻ ﺘﺴــﺘطﻴﻊ أن ﺘﻔﻌــل ﺸــﻴﺌﺎًّ ،
ﻤﺤدد( وأﻨﻤﺎط ﻋﺎدات اﻝﺘﻔﻜﻴر ﻋﻨد ﻫؤﻻء اﻷﺸﺨﺎص.
ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﺨﺎﺼﺎً )ﻓﻲ وﻗت ﻤﻌﻴن وﻤﻜﺎن ّ
أن ﻫــؤﻻء اﻷﺸــﺨﺎص ﻴﻠﺘزﻤــون – ﻋــن طرﻴــق اﻝــﺘﻌﻠّم واﻻﻋﺘﻴــﺎد -ﺒﺄﻨﻤــﺎط
وﻝﻜـ ّـن ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ
ـﺈﻨﻬم ﻴﺨﺘﻠﻔ ــون ﻓ ــﻲ ردود أﻓﻌ ــﺎﻝﻬم ﺘﺠ ــﺎﻩ اﻝﻤواﻗ ــف اﻝﺤﻴﺎﺘﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ
اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ وﻝ ــدوا ﻓﻴﻬ ــﺎ وﻨﺸ ــﺄوا ،ﻓ ـ ّ
إن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت
ﻴﺘﻌرﻀون ﻝﻬﺎ ﻤﻌﺎً .ﻜﻤﺎ ّأﻨﻬـم ﻴﺨﺘﻠﻔـون أﻴﻀـﺎً ﻓـﻲ ﻤـدى رﻏﺒـﺔ ﻜـ ّل ﻤـﻨﻬم ﻓـﻲ اﻝﺘﻐﻴﻴـر ،إذ ّ
ّ
71
ﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋرﻀﺔ ﻝﻠﺘﻐﻴﻴر.
29
ﻴﺘﻤﺴك
وﻫذا ﻴدﻝّل ﻋﻠﻰ ﻤروﻨﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔٕ ،واﺘﺎﺤﺘﻬﺎ ﻓرﺼﺔ اﻻﺨﺘﻴﺎر ﻷﻓرادﻫﺎ ..ﺒﺤﻴث ّ
أن اﻝﻘﻴم اﻝﺘﻲ ّ
ﺒﻬﺎ ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﺎ وﺘﻤﻴزﻩ ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻷﺨرى ،ﻝﻴﺴـت ﻜﻠّﻬـﺎ ﺜﺎﺒﺘـﺔ ﺒـﺎﻝﻤطﻠق وﺘﻨﺘﻘـل إﻝـﻰ ﺤﻴـﺎة اﻷﺠﻴـﺎل
ﻴﻤر ﺒﻬﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ.
ﺘﺘﻐﻴر ﺒﺤﺴب ّ
ﻤﺘﻐﻴرةّ ،
ﺜﻤﺔ ﻗﻴم ّ
اﻝﺘﻐﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ّ
اﻝﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔٕ ،واّﻨﻤﺎ ّ
وﻴﻌﺘﺒــر ﻜﺘــﺎب " أﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ " اﻝــذي ﻨﺸـرﺘﻪ) ﺒﻴﻨــد ﻜﻴــت ( ﻋــﺎم ،1932اﻝﺒداﻴــﺔ اﻝﺤﻘﻴﻘﻴــﺔ ﻝﺒﻠــورة
اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴــﻲ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ .ﺤﻴــث أوﻀــﺤت اﻝد ارﺴــﺔ ّأﻨــﻪ ﻤــن اﻝﻀــرورة
ﻷن ﻝﻜـ ّل ﺜﻘﺎﻓـﺔ
اﻝﻨظرة إﻝﻰ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت ﻓـﻲ ﺼـورﺘﻬﺎ اﻹﺠﻤﺎﻝﻴـﺔ ،أي ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ ﻓـﻲ ﺘﺸـﻜﻴﻠﻬﺎ اﻝﻌـﺎم .وذﻝـكّ ،
ﻤرﻜز ﺨﺎص ﺘﺘﻤﺤور ﺤوﻝﻪ وﺘﺸ ّﻜل ﻨﻤوذﺠﺎً ﺨﺎﺼﺎً ﺒﻬﺎ ،ﻴﻤﻴزﻫﺎ ﻋن اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺨرى.
ﻤﺘﻌددة ،وﺨﻠﺼت
وﻤن ﻫذا اﻝﻤﻨظور ،ﻗﺎﻤت) ﺒﻴﻨد ﻜﻴت( ﺒﺈﺠراء دراﺴﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻴن ﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒداﺌﻴﺔ ّ
ﺜﻤــﺔ ﻋﻼﻗــﺎت ﻗﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻨﻤــوذج اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝﻌــﺎم وﻤظــﺎﻫر اﻝﺸﺨﺼــﻴﺔ ،وﻫــذا ﻤــﺎ ﻴــﻨﻌﻜس ﻝــدى
إﻝــﻰ ّ
أن ّ
72
اﻷﻓ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراد ﻓـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ ﺘﻠـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎت.
ﻝﺘﻜﻴف اﻝﻤورﻓوﻝوﺠﻲ )اﻝﺸﻜﻠﻲ( ﻝﻠﻨوع اﻝﺒﺸري ﺒﺎﻝﻤﺼطﻠﺤﺎت اﻝﻤﺄﻝوﻓﺔ ﻓـﻲ
وﻤن اﻝﻤﻤﻜن دراﺴﺔ ﻤظﺎﻫر ا ّ
اﻝﺘﻜﻴـف
ﻋﻠم اﻷﺤﻴﺎء ،وﻓﻲ اﻝوﻗت ﻨﻔﺴﻪ ،ﻜﺎن ﻻ ّ
ﻓﻨﻴـﺔ ﺠدﻴـدة ﻝوﺼـف ﻤظـﺎﻫر ّ
ﺒد ﻤـن ﺘطـوﻴر أﺴـﺎﻝﻴب ّ
اﻝﺴــﻠوﻜﻲ واﻝﻨﻔﺴــﻲ .وﻴﻌـ ّـد ﻤﻔﻬــوم اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــن أﻫــم اﻝﻤﻔﻬوﻤــﺎت اﻝﺘــﻲ طـ ّـورت ﻓــﻲ ﻫــذا اﻝﻤﺠــﺎل ،وأﻜﺜرﻫــﺎ
ﻓﺈﻨﻪ – ﻋﻠﻰ أﻀﻌف
أن ﻫذا اﻝﻤﻔﻬوم اﻗﺘﺼر ﻓﻲ اﻝﺴﺎﺒق ﻋﻠﻰ اﻝﻨواﺤﻲ اﻝوﺼﻔﻴﺔّ ،
ﻓﺎﺌدة وﺤﻴوﻴﺔ .وﻤﻊ ّ
اﻝﺘﻜﻴــف ،ﻓوﻀــﻊ ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ أﺴﺴ ـﺎً
زودﻨــﺎ ﺒطرﻴﻘــﺔ ﻤﺤـ ّـددة ﻝﻠﺘﻌـ ّـرف إﻝــﻰ اﻝﻨﺘــﺎج اﻝﻨﻬــﺎﺌﻲ ﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت ّ
ﺘﻘــدﻴر – ّ
73
اﻝﺘﻜﻴف.
ﻝﻠﻤﻘﺎﺒﻠﺔ ﺒﻴن اﻝﻨﻤﺎذج اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻝطرق ّ
ﻤﺘﻤﻴـ اًز ﻓـﻲ اﻝرﺒـﻊ اﻝﺜـﺎﻨﻲ ﻤـن
ﻝﻘد ﺸﻬد اﻻﺘّﺠـﺎﻩ اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ اﻝﻨﻔﺴـﻲ ﻓـﻲ اﻝد ارﺴـﺎت اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺔ ،ظﻬـو اًر ّ
ـﺘﻤد ﻤﻨﻬ ــﺎ
اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ،ﻤﺘراﻓﻘـ ـﺎً ﻤ ــﻊ اﻨﺘﺸ ــﺎر ﻤدرﺴ ــﺔ اﻝﺘﺤﻠﻴ ــل اﻝﻨﻔﺴ ــﻲ اﻝﺘ ــﻲ أﻨﺸ ــﺄﻫﺎ ) ﻓروﻴ ــد ( واﺴ ـ ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــون اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن اﻝﻤﻔــﺎﻫﻴم اﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ ،ﻝﺘﺤدﻴــد اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒــﻴن اﻝﻔــرد وﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ ﻓــﻲ إطــﺎر
اﻝﻤﻨظوﻤﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
ـب اﻫﺘﻤــﺎم أﺼــﺤﺎب ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ،ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ اﻝﻤوﻀــوﻋﺎت اﻝﻤﺘﻌﻠّﻘــﺔ ﺒــﺎﻝﺘﻤﻴﻴز اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ
وﻗــد اﻨﺼـ ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﺒﺎﻻﺴﺘﻨﺎد إﻝﻰ اﻝﻤﻴزات اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ اﻝﺴـﺎﺌدة ﺒـﻴن اﻷﻓـراد واﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت .وﺘﻌ ّـد د ارﺴـﺔ ﺒﻴﻨـد ﻜﻴـت،
ﺒﻌﻨوان " اﻝﻜرﻴزﻨﺘﻴﻤوم واﻝﺴﻴف ،The Chrsyanthemum and the Swordﻋﺎم " 1946ﻤن
ﺒﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﻴﺎﺒﺎﻨﻴﺔ .
أﻫم اﻝدراﺴﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺘّﺠﺎﻩ ،ﺤﻴث ﺒﺤﺜت ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ
ّ
ّ
وﻫذا ﻤﺎ ﺴﺎﻋد ﻓﻲ ﺒﻠورة اﻝﺴﻴﺎﺴﺔ اﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ ﺘﺠﺎﻩ اﺴﺘﺴﻼم اﻝﻤﺤـﺎرﺒﻴن اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻓـﻲ أﺜﻨـﺎء اﻝﺤـرب
أن اﻝﺠﻨود اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴﻴن ﻜـﺎﻨوا ﺴﻴرﻓﻀـون اﻻﺴﺘﺴـﻼم ﺒﺼـورة ﻤطﻠﻘـﺔ،
اﻝﻌﺎﻝﻤﻴﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴﺔ .وأوﻀﺤت اﻝدراﺴﺔ ّ
أن ﺘــﺄﺜﻴر ﻤﺒــﺎدىء اﻝطﺎﻋــﺔ واﻝــوﻻء ﻝﻺﻤﺒ ارطــور ﻋﻠــﻰ ﻫــؤﻻء
وﻴﺴــﺘﻤرون ﻓــﻲ اﻝﻘﺘــﺎل ﺤﺘــﻰ اﻝﻤــوت .إﻻّ ّ
74
اﻝﺠﻨود ،ﺠﻌﻠﻬم ﻴﺴﺘﺠﻴﺒون ﻝﺘﻌﻠﻴﻤﺎﺘﻪ وﻴﺨﻀﻌون ﻷواﻤرﻩ.
أن اﻻﻨﺸــﻐﺎل اﻝ ازﺌ ــد ﺒﺎﻷﺸ ــﻜﺎل اﻝﺨﺎرﺠﻴ ــﺔ
وﻝﻜــن ﻴ ــرى ﺒﻌ ــض اﻝﻌﻠﻤ ــﺎء _ وﻫــو ﻤﺤ ـ ّ
ـق ﻓ ــﻲ ذﻝ ــك – ّ
ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،ﻗ ــد أﺜّــر ﺴ ــﻠﺒﻴﺎً ﻓ ــﻲ اﻝﻤﺤ ــﺎوﻻت اﻝراﻤﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ ﺘﻔﻬّــم دﻻﻝﺘﻬ ــﺎ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ .وﻤ ــن اﻝﻤﻌ ــروف أن
أن وﺠــود اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻴ ـرﺘﺒط ارﺘﺒﺎط ـﺎً وﺜﻴﻘ ـﺎً
اﻝﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﻨﻬﺎﺌﻴــﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓــﺔ ،ﻫــﻲ ﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ..وﻨﻘﺼــد ﺒــذﻝكّ ،
ﺘﻔﺴ ــر اﻻﺴ ــﺘﻘرار اﻝﺜﻘ ــﺎﻓﻲ ،أو
ﻤؤﺴﺴ ــﺎﺘﻬﺎ .وﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘ ــﺔ اﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ّ
ﺒوﺠ ــود أﻨ ــﺎس ﻴ ــدﻴرون ّ
ﺘﻔﺴر اﻝﺴﺒب اﻝذي ﻤن أﺠﻠﻪ ﺘﺸﻌر اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﺒﺎرﺘﻴﺎح ﻜﺒﻴر ﻋﻨدﻤﺎ ﺘﻌﻴش وﻓق ﻨظـﺎم
ﺒﺎﻷﺤرىّ ،
30
رﺘﻴب ﻤﻌروف .
اﻝﺘﻐﻴـر اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ .ﻓـﺎﻷﻓراد ﻓـﻲ ﻜـ ّل ﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻴﻤﻠﻜـون ﻗﺎﺒﻠﻴـﺎت وﺤـواﻓز
ﺘﻔﺴر أﻴﻀﺎً آﻝﻴـﺔ ّ
وﻫذﻩ اﻝﺤﻘﻴﻘﺔ ّ
ﺘؤدي دورﻫﺎ ﻀﻤن إطﺎر اﻝﻘﺎﻝب اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﻌـﺎم ،وﺘﺴـﻬم ﺒﺎﺴـﺘﻤرار ﻓـﻲ ﻤراﺠﻌـﺔ اﻝﺘﻘﺎﻝﻴـد
وﻤﻴوﻻً ،وﻗدرات ّ
75
اﻝﻘﺎﺌﻤﺔٕ ،وادﺨﺎل ﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﻠﻴﻬﺎ.
وﻜــﺎن ﻤــن ﻨﺘﻴﺠــﺔ ذﻝــك ،ظﻬــور ﻤدرﺴــﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﻨﻔﺴــﻴﺔ )أﻤرﻴﻜﻴــﺔ( ﻤــن روادﻫــﺎ ) :ﻜﻼﻴــد ﻜﻼﻜﻬــون،
ﻤﻤن اﻋﺘﻤدوا ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم ﺒﻨـﺎء اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴـﻲ اﻝـذي ﻴﺸـﻴر
ﻤرﻏرﻴت ﻤﻴد ،راﻝف ﻝﻴﻨﺘون( وﻏﻴرﻫم ّ
إﻝﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺴـﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺴـﻠوﻜﻴﺔ ،اﻝﺘـﻲ ﻴﺒـدو ّأﻨﻬـﺎ ﺘﺘطـﺎﺒق ﻤـﻊ ﻜـ ّل اﻝـﻨظم واﻝﻌﻨﺎﺼـر
76
أن اﻝﻨﻤط اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ اﻝﺴـﺎﺌد ﻓـﻲ إي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،ﻻ
واﻝﺴﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﺘؤﻝّف أﻴﺔ ﺜﻘﺎﻓﺔ .إذ ّإﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن ّ
ﻴﻤﻜن أن ﻴزﻴد – أو ﻴﻘﻠّل – ﻤن وﺠود اﻝﻔوارق اﻝﻔردﻴﺔ ﻓﻲ ﻨطـﺎق اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻝواﺤـدة ،إﻻّ أن ﺘﻠـك اﻝﻌﻼﻗـﺔ
اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﻤــﺎط اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻝﻔردﻴــﺔ ،وﻤــﺎ ﺘﺤــدث ﻤــن ﺘــﺄﺜﻴرات ﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ﺒﻴﻨﻬﻤــﺎ ،ﻻ ﻴﺠــوز
77
إﻫﻤﺎﻝﻬﺎ ،ﺒل ﻴﺠب أﺨذﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺴﺒﺎن أﺜﻨﺎء دراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
إن اﻷﺴﺎس اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﻘواﻨﻴن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻘﺎﺌﻤـﺔ ،ﻤﺜـل ) :أﻨﻤـﺎط اﻝﺴـﻠوك اﻝﺜﺎﺒﺘـﺔ ،واﻷﻋـراف
ّ
واﻝﺘﻘﺎﻝﻴــد ،واﻝﻌــﺎدات واﻝﻘــﻴم( ،ﻫــو ﺘﻜــوﻴن أطــر اﺴــﺘﻨﺎد ﻤﺸــﺘرﻜﺔ ،ﻨﺎﺘﺠــﺔ ﻋــن اﺤﺘﻜــﺎك اﻷﻓ ـراد ﺒﻌﻀــﻬم
ﻫﺎﻤﺎً
ﺘﻜوﻨت ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻷطر اﻻﺴﺘﻨﺎدﻴﺔ وﺘﻐﻠﻐﻠت ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻝﻔرد ،أﺼﺒﺤت ﻋﺎﻤﻼً ّ
ﺒﺒﻌض ؛ ٕواذا ﻤﺎ ّ
ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد ردود ﻓﻌﻠﻪ أو ﺘﻌـدﻴﻠﻬﺎ ،ﻓـﻲ اﻷوﻀـﺎع اﻝﺘـﻲ ﺴـﻴواﺠﻬﻬﺎ ﻓﻴﻤـﺎ ﺒﻌـد ،ﺴـواء ﻜﺎﻨـت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو
ﺠﻴـد اﻝﺘﻨظـﻴم ،أي ﻓـﻲ ﺤﺎﻝـﺔ ﺘﺠرﺒـﺔ
ﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺎﻻت اﻝﺘـﻲ ﻻ ﻴﻜـون اﻝﺤـﺎﻓز ﻓﻴﻬـﺎ ّ
ﻏﻴر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻻ ّ
78
ﻝﻴس ﻝﻬﺎ ﺴواﺒق ﻓﻲ اﻝﺴﻠوك اﻝذي اﻋﺘﺎد ﻋﻠﻴﻪ اﻝﻔرد.
ـﺘم ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ﺒﻨظرﻴــﺔ ﻓروﻴــد وﻜﺘﺎﺒﺎﺘــﻪ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ وﻋﻼﻗــﺔ ذﻝــك
وﻀــﻤن ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ أﻴﻀـﺎً ،اﻫـ ّ
اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ ،ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤﺎدة اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌﻬﺎ ﻤﻴداﻨﻴﺎً ﻤن ﺴﻜﺎن ﺠزﻴرة )اﻝﺘروﺒرﻴﺎﻨد ( .إﻻّ ّأﻨﻪ
ﺒﺎﻝﻤﺤرﻤﺎت
ّ
ّ
ﻋﺎرض ﺘﻔﺴﻴر ﻓروﻴد ﻝﻌﻼﻗﺔ اﻻﺒن ﺒﺎﻷم وﻏﻴرﺘﻪ ﻤن اﻷب ﻓﻲ إطﺎر ﻤﺎ أﺴﻤﺎﻩ ﻓروﻴـد ﺒ ـ )ﻋﻘـدة أودﻴـب
اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻌﺎﺌﻠـﺔ
أن ﺘﺤرﻴم اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺠﻨﺴﻴﺔ
وﻗدم ﺒدﻻّ ﻤﻨﻬﺎ ﺘﻔﺴﻴ اًر
(ّ ،
ّ
ﺘوﺼل ﻤن ﺨﻼﻝﻪ إﻝﻰ ّ
وظﻴﻔﻴﺎًّ ،
ّ
اﻝﻤوﺤدة )اﻝﻨووﻴﺔ( واﻝﺘﻲ ﺘﺸﻤل " :اﻷم واﻷﺒﻨـﺎء واﻷﺨـوة واﻷﺨـوات " ﻫـو اﻝـذي ﻴﻤﻨـﻊ ﻤـﺎ ﻗـد ﻴﻨﺸـﺄ ﻤـن
ّ
ﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراﻋﺎت داﺨﻠﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ،ﺒﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺒب اﻝﻐﻴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة أو اﻝﺘﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻓس .
وﻫـ ـ ـ ـ ــذا ﻤـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴﺤﻔـ ـ ـ ـ ــظ ﺒﺎﻝﺘـ ـ ـ ـ ــﺎﻝﻲ ﺘﻤﺎﺴـ ـ ـ ـ ــك اﻷﺴ ـ ـ ـ ـ ـرة ،وﻴﻤﻨـ ـ ـ ـ ــﻊ ﺘﻔ ّﻜـ ـ ـ ـ ــك أواﺼـ ـ ـ ـ ــرﻫﺎ وﺘﻬـ ـ ـ ـ ــدﻴم ﻜﻴﺎﻨﻬـ ـ ـ ـ ــﺎ،
79
وﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻨﺠم ﻋﻨ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ ﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ﻀ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻌف اﻝﻤﺠﺘﻤ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻊ اﻝﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎم ،وﺘﻬدﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وﺤدﺘ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻪ وﺘﻤﺎﺴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻜﻪ.
إن ﻫــذﻩ اﻻﺘّﺠﺎﻫــﺎت ﺒﺄﻓﻜﺎرﻫــﺎ وﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻬــﺎ ،ﻤﺜّﻠــت ﻤرﺤﻠــﺔ اﻨﺘﻘﺎﻝﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
وﺨﻼﺼــﺔ اﻝﻘــولّ ،
اﻝﻜﻼﺴــﻴﻜﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ﻜﺎﻨــت ﺘﻌﺘﻤــد ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﺨﻤﻴﻨــﺎت واﻝﺘﻔﺴــﻴرات اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻓﺤﺴــب ،وﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
اﻝﺤدﻴﺜ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﺒ ــدأت ﻤ ــﻊ اﻝﻨﺼ ــف اﻝﺜ ــﺎﻨﻲ ﻤ ــن اﻝﻘ ــرن اﻝﻌﺸـ ـرﻴن ﻤﻌﺘﻤ ــدة ﻋﻠ ــﻰ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴ ــﺔ
اﻝﻤﻜوﻨﺔ ﻝﻠﻔﻜر اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ.
اﻝﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ،واﻝﺘﻲ ﺘﻌﻨﻰ ﺒﺎﻝﺠواﻨب اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
ّ
ﻤﻤــﺎ ﺴــﺎﻋد ﻓــﻲ إرﺴــﺎء
أدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ ظﻬــور
وﻫــذا ﻤــﺎ ّ
ّ
اﻝﺘﺨﺼــص ﻓــﻲ ﻋﻠــم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎّ ،
اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻤﻌﺎﺼرة .
اﻝﻤﺒﺎدىء
ّ
31
-2اﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲ :
ـرد ﻓﻌــل ﻋﻨﻴــف ﻋﻠــﻰ اﻝﻨظرﻴــﺔ
ﺘ ارﻓــق ﻨﺸــوء ﻫــذا اﻻﺘّﺠــﺎﻩ ﻤــﻊ ظﻬــور اﺘّﺠــﺎﻩ اﻻﻨﺘﺸــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻜـ ّ
ﺘطورﻴ ـﺎً وﻝــﻴس ﺘﺎرﻴﺨﻴ ـﺎً ،ﺤﻴــث رّﻜــز ﻋﻠــﻰ د ارﺴــﺔ
ﺒﺄﻨــﻪ ﻝــﻴس
ﺘﻤﻴــز اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲّ ،
اﻝﺘطورﻴــﺔ .وﻗــد ّ
ّ
ّ
اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة ،ﻓﻲ واﻗﻌﻬﺎ اﻝﺤﺎﻝﻲ اﻝﻤﻜﺎﻨﻲ واﻝزﻤﺎﻨﻲ .
ﻷﻨـﻪ اﻋﺘﻤـد اﻝﻌﻠـم ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ
ﻴﺨﻴـﺔّ ،
وﻫذا ﻤﺎ ﺠﻌﻠﻪ ﻴﺨﺘﻠف ﻋـن اﻝد ارﺴـﺎت اﻝﺘﺎر ّ
ﻜظــﺎﻫرة ،ﻴﺠــب اﻝﺒﺤــث ﻓــﻲ ﻋﻨﺎﺼــرﻫﺎ واﻝﻜﺸــف ﻋــن اﻝﻌﻼﻗــﺎت اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬــﺎ ،وﻤــن ﺜـ ّـم اﻝﻌﻼﻗــﺎت
80
اﻝﻘﺎﺌﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ وﺒﻴن اﻝظواﻫر اﻷﺨرى.
ﻴﻌ ــود اﻝﻔﻀ ــل ﻓ ــﻲ ﺘﺒﻠ ــور اﻻﺘّﺠ ــﺎﻩ اﻝﺒﻨ ــﺎﺌﻲ اﻝ ــوظﻴﻔﻲ ﻓ ــﻲ اﻝد ارﺴ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴ ــﺔ ،إﻝ ــﻰ أﻓﻜ ــﺎر
اﻝﻌﺎﻝﻤﻴن اﻝﺒرﻴطـﺎﻨﻴﻴن) ،ﺒروﻨﺴـﻠو ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴـﻜﻲ( و )راد ﻜﻠﻴـف ﺒـراون ( ،اﻝﻠـذﻴن ﻋﺎﺸـﺎ ﻓـﻲ أواﺨـر اﻝﻘـرن
اﻝﺘﺎﺴــﻊ ﻋﺸــر واﻝﻨﺼــف اﻷول ﻤــن اﻝﻘــرن اﻝﻌﺸ ـرﻴن .وﻴــدﻴﻨﺎن ﺒﺎﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬﻤــﺎ اﻝﻨظرﻴــﺔ ،إﻝــﻰ أﻓﻜــﺎر ﻋــﺎﻝم
اﻻﺠﺘﻤﺎع ) إﻤﻴل دورﻜﻬﺎﻴم ( اﻝذي رّﻜز اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻝطرﻴﻘـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻤـل ﺒﻬـﺎ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ
ﺘطور ﻫذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻝﺴﻤﺎت اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﺜﻘﺎﻓﺎﺘﻬﺎ.
ووظﺎﺌف ﻨظﻤﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻝﻴس ﻋﻠﻰ ﺘﺎرﻴﺦ ّ
وﻝﻌ ـ ّل ) ﻜﻠــود ﻝﻴﻔــﻲ ﺴــﺘروس ( اﻝوﺤﻴــد ﺒــﻴن اﻝﺒﻨــﺎﺌﻴﻴن اﻝﻔرﻨﺴــﻴﻴن ،اﻝــذي ﻴﺴــﺘﺨدم ﻜﻠﻤــﺔ )ﺒﻨــﺎء أو
ﺒﻨﺎﺌﻴﺔ( ﺼراﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﻨﺎوﻴن ﻜﺘﺒﻪ وﻤﻘﺎﻻﺘﻪ ،اﺒﺘـداء ﻤـن ﻤﻘﺎﻝـﻪ اﻝـذي ﻜﺘﺒـﻪ ﻋـﺎم ،1945ﻋـن " اﻝﺘﺤﻠﻴـل
اﻝﺒﻨـﺎﺌﻲ " ﻓـﻲ اﻝﻠﻐوﻴـﺎت وﻓـﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ ،واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـر – ﺒﺤـق –" ﻤﻴﺜـﺎق " اﻝﻨزﻋـﺔ اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔٕ ،واﻝــﻰ
ﻜﺘﺎب " اﻷﺒﻨﻴﺔ اﻷوﻝﻴﺔ ﻝﻠﻘراﺒﺔ " اﻝذي ﻜﺎن ﺴﺒﺒﺎً ﻓﻲ ذﻴـوع اﺴـﻤﻪ وﺸـﻬرﺘﻪ ،واﻝـذي ﻴﻌﺘﺒـرﻩ اﻝﻜﺜﻴـرون أﻫ ّـم
وأﻓﻀــل إﻨﺠــﺎز ﻓــﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻔرﻨﺴــﻴﺔ ﻋﻠــﻰ اﻹطــﻼق ..وﻤــن ﺜـ ّـم إﻝــﻰ ﻜﺘﺎﺒــﻪ " اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ
اﻝﺒﻨﺎﺌﻴﺔ ".
ـﺄن اﻝﺒﻨﻴوﻴـﺔ )اﻝﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ( ﻫـﻲ أﻜﺜـر
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤـن اﻻﻨﺘﻘـﺎدات اﻝﺘـﻲ ّ
وﺠﻬـت إﻝﻴـﻪ ،ﻓـﻼ ﻴـزال ﻴـؤﻤن ﺒ ّ
اﻝﻤﻨﺎﻫﺞ ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺘﺤﻠﻴل اﻝﻤﻌﻠوﻤﺎت وﻓﻬم اﻷﺜﻨوﺠراﻓﻴﺎ وﺘﻘرﻴﺒﻬﺎ إﻝﻰ اﻷذﻫﺎنٕ ،واّﻨﻬﺎ ﻓـﻲ اﻝوﻗـت ﻨﻔﺴـﻪ،
اﻝﻤﺸﺨﺼـﺔ ،واﻝوﺼـول إﻝـﻰ اﻝﺨﺼـﺎﺌص
أﻓﻀل وﺴـﻴﻠﺔ ﻴﻤﻜـن ﺒﻬـﺎ ﺘﺠـﺎوز اﻝﻤﻌﻠوﻤـﺎت واﻝوﻗـﺎﺌﻊ اﻝﻌﻴﺎﻨﻴـﺔ
ّ
اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﻌﻘـل اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ .ﻓﻘـد أﻓﻠـﺢ ﻓـﻲ أن ﻴﺤﻘّـق ﻝﻠﺒﻨﺎﺌﻴـﺔ ﻤـﺎ ﻝـم ﻴﺤﻘّﻘـﻪ ﻏﻴـرﻩ ،ﻤـﻊ ّأﻨـﻪ ﻝـم ﻴﻘـم ﺒد ارﺴـﺎت
ﺤﻘﻠﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻝﺸــﻌوب اﻝﻤﺘﺨﻠّﻔــﺔ )اﻝﺒداﺌﻴــﺔ ( ،وﺤﺘــﻰ ﺤــﻴن ﻗــﺎم ﺒد ارﺴــﺎﺘﻪ ﻓــﻲ )اﻝﺒ ارزﻴــل واﻝﺒﺎﻜﺴــﺘﺎن( ﻜــﺎن
ﻴﻤﻀ ـ ــﻲ ﻓﺘـ ـ ـرات ﻗﺼ ـ ــﻴرة وﻤﺘﺒﺎﻋ ـ ــدة ﺒ ـ ــﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋ ـ ــﺎت اﻝﺘ ـ ــﻲ درﺴ ـ ــﻬﺎ .وﺨ ـ ــرج ﺒﺎﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ـ ــﺔ ﻤ ـ ــن ﻤﺠ ـ ــﺎل
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ،إﻝــﻰ ﻤﻴــﺎدﻴن اﻝﻔﻜــر اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،اﻝواﺴــﻌﺔ واﻝرﺤﻴﺒــﺔ .وﺠﻌــل ﻤﻨﻬــﺎ اﺘﺠﺎﻫ ـﺎً ﻓﻜرﻴ ـﺎً وﻤﻨﻬﺠﻴ ـﺎً
ﻴﻬدف إﻝﻰ اﻝﻜﺸف ﻋن اﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ،وﻝﻪ ﺘطﺒﻴﻘﺎﺘﻪ ﻓﻲ اﻷدب واﻝﻔﻠﺴﻔﺔ واﻝﻠﻐﺔ واﻝﻤﻴﺜوﻝوﺠﻴﺎ
)اﻷﺴ ــطورة( واﻝ ــدﻴن واﻝﻔ ــن .وﺒﻠ ــﻎ ﻤ ــن ﻗ ـ ّـوة اﻝﺒﻨﺎﺌﻴ ــﺔ أن أﺼ ــﺒﺤت ﻓ ــﻲ اﻝﺒداﻴ ــﺔ ،ﺘﻤﺜّ ــل ﺘﻬدﻴ ــداً ﻤﺒﺎﺸـ ـ اًر
81
ﻴﻌﺒـر ﻓـﻲ ﺠﻤﻠﺘـﻪ ﻋـن
ﻝﻠوﺠودﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرّﻜز ﻋﻠﻰ اﻝﻔرد واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردي .ﻓﺎﻻﺘّﺠﺎﻩ اﻝﺒﻨﺎﺌﻲ اﻝوظﻴﻔﻲّ ،
اﻝﺘوﺼل إﻝﻴـﻪ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﻤﻘﺎﺒﻠـﺔ )اﻝﻤوازﻨـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـﺎت(
ﺘم
ّ
ﻤﻨﻬﺞ دراﺴﻲ ّ
واﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ )اﻷﻓراد ( .وﻝم ﻴﻌد اﺴﺘﺨداﻤﻪ ﻤﻘﺼـو اًر ﻋﻠـﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻴﻴنٕ ،واّﻨﻤـﺎ ﺘﻨﺎوﻝــﻪ أﻴﻀـﺎً
ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎع ﺒـﺎﻝﻔﺤص واﻝﺘطﺒﻴـق واﻝﺘﻌـدﻴل ،ﻋﻠـﻰ ﻴـد ) ﺘﻠﻜـوت ﺒﺎرﺴـوﻨز ،وﺠـورح ﻤﻴرﺘـون ( .ﻜﻤـﺎ
82
ﺴﻴﻤﺎ ﻋﻠوم اﻝﺤﻴﺎة واﻝﻜﻴﻤﻴﺎء.
ارﺘﺒط أﻴﻀﺎً ﺒﺎﻝﻌﻠوم اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻻ ّ
ﻤﻌﻴﻨ ـﺎً
أن اﻷﻓـراد ﻴﻤﻜــﻨﻬم أن ﻴﻨﺸــﺌوا ﻷﻨﻔﺴــﻬم ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺨﺎﺼــﺔ ،أو أﺴــﻠوﺒﺎً ّ
ﻓﻘــد رأى ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( ّ
32
ﻝﻠﺤﻴﺎة ،ﻴﻀﻤن ﻝﻬم إﺸﺒﺎع ﺤﺎﺠـﺎﺘﻬم اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ ،اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ واﻝﻨﻔﺴ ّـﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ .وﻝـذﻝك رﺒـط اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ
– ﺒﺠواﻨﺒﻬﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝروﺤﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺒﺎﻻﺤﺘﻴﺎﺠﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﻓﺎﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺎﻝﺒﻨﻴﺔ ،Strutureﻜﺘراﺒط ﻤﻨظّم وﺨﻔﻲ ﻝﻠﻌﻨﺎﺼر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻴﺴﺎﻋد اﻝﻨﻤـوذج ﻓـﻲ ﺘﻔﺴـﻴرﻩ
وراء اﻝﻌﻼﻗـ ـ ــﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـ ــﺔ ،ﻴوازﻴـ ـ ــﻪ ﻓـ ـ ــﻲ اﺘﺠـ ـ ــﺎﻩ آﺨـ ـ ــر اﻫﺘﻤـ ـ ــﺎم وظـ ـ ــﺎﺌﻔﻲ ﺒـ ـ ــﺎﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝـ ـ ــذي ﻴﺤـ ـ ـ ّـددﻩ
)ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ( ،واﻝذي ﺘﻌﻨﻲ ﻓﻴﻪ اﻝوظﻴﻔﺔ :ﺘﻠﺒﻴﺔ ﺤﺎﺠﺔ ﻤن اﻝﺤﺎﺠﺎت ،وﻴﻜون ﻓﻴﻬﺎ اﻝﺘﺤﻠﻴـل اﻝـوظﻴﻔﻲ
ﻫو ذﻝك اﻝذي " :ﻴﺴﻤﺢ ﺒﺘﺤدﻴد اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻝﻌﻤل اﻝﺜﻘـﺎﻓﻲ واﻝﺤﺎﺠـﺔ ﻋﻨـد اﻹﻨﺴـﺎن ،ﺴـواء ﻜﺎﻨـت ﻫـذﻩ
83
اﻝﺤﺎﺠﺔ أوﻝﻴﺔ أو ﻓرﻋﻴﺔ ﺜﺎﻨوﻴﺔ "
ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻴﺎن ﻜﻠّﻲ وظﻴﻔﻲ ﻤﺘﻜﺎﻤل ،ﻴﻤﺎﺜـل اﻝﻜـﺎﺌن اﻝﺤـﻲ ،ﺒﺤﻴـث ﻻ ﻴﻤﻜـن ﻓﻬـم دور وظﻴﻔـﺔ أي
ﻋﻀو ﻓﻴﻪ ،إﻻّ ﻤن ﺨﻼل ﻤﻌرﻓﺔ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺒﺄﻋﻀـﺎء اﻝﺠﺴـم اﻷﺨـرىٕ ،وا ّن د ارﺴـﺔ ﻫـذﻩ اﻝوظﻴﻔـﺔ ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ،
ﺘﻤ ّﻜن اﻝﺒﺎﺤث اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻲ ﻤن اﻜﺘﺸﺎف ﻤﺎﻫﻴﺔ ﻜل ﻋﻨﺼر وﻀرورﺘﻪ ،ﻓﻲ ﻫذا اﻝﻜﻴﺎن اﻝﻤﺘﻜﺎﻤل .
وﻝــذﻝك ،دﻋــﺎ ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( إﻝــﻰ د ارﺴــﺔ وظﻴﻔــﺔ ﻜ ـ ّل ﻋﻨﺼــر ﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻋــن طرﻴــق إﻋــﺎدة ﺘﻜــوﻴن
ﺘــﺎرﻴﺦ ﻨﺸــﺄﺘﻪ أو اﻨﺘﺸــﺎرﻩ ،وﻓــﻲ إطــﺎر ﻋﻼﻗﺘــﻪ ﻤــﻊ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻷﺨــرى .وﻫــذا ﻴﻘﺘﻀــﻲ د ارﺴــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت
ﺘﻐﻴرت .
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻜ ّل ﻋﻠﻰ ﺤدة ،وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن ،وﻝﻴس ﻜﻤﺎ ﻜﺎﻨت أو ﻜﻴف ّ
ﻤﻨﻬﺠﻴ ـ ــﺔ ﺘﻤ ّﻜ ـ ــن اﻝﺒﺎﺤ ـ ــث
وﺒ ـ ــذﻝك ﻴﻜ ـ ــون ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴ ـ ــﻜﻲ ( ﻗ ـ ــد ﻗ ـ ـ ّـدم ﻤﻔﻬ ـ ــوم) اﻝوظﻴﻔ ـ ــﺔ( ﻜ ـ ــﺄداة
ّ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻲ ﻤن إﺠراء ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ ﺒطرﻴﻘﺔ ﻤرّﻜزة وﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ ،ﻓﻲ أﺜﻨﺎء وﺼﻔﻪ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﺒداﺌﻴﺔ.
أﻤــﺎ ) ﺒـراون ( ﻓﻘــد ﻗــﺎم ﻤــن ﺠﻬﺘــﻪ ،ﺒــدور رﺌــﻴس ﻓــﻲ ﺘــدﻋﻴم أﺴــس اﻻﺘّﺠــﺎﻩ اﻝﺒﻨــﺎﺌﻲ اﻝــوظﻴﻔﻲ ،ﻓــﻲ
ّ
ﻤوﺠﻬ ـ ـﺎً اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴـ ــﺎ ﻨﺤـ ــو اﻝد ارﺴـ ــﺎت
اﻝد ارﺴـ ــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺔ ،وذﻝـ ــك ﻤـ ــﻊ ﺒداﻴـ ــﺔ اﻝﻘـ ــرن اﻝﻌﺸ ـ ـرﻴنّ ،
اﻝﻤﺘزاﻤﻨﺔ ،وﻝﻴس ﻨﺤو اﻝﺘﻔﺴﻴر اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻜﻤﺎ ﻓﻌل ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴﻜﻲ ( .
اﻋﺘﻤ ــد ) ﺒـ ـراون( ﻓ ــﻲ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ وﺘﻔﺴ ــﻴر اﻝظـ ـواﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ ﺘﻔﺴ ــﻴ اًر اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ـﺎً ،ﺒﻨﺎﺌﻴـ ـﺎً
ووظﻴﻔﻴ ـﺎً ،ﻋﻠ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻝوظﻴﻔﻴ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻨ ــﺎدى ﺒﻬــﺎ ) دورﻜﻬ ــﺎﻴم ( واﻝﺘ ــﻲ ﺘﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ د ارﺴ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ،ﻤن ﺨﻼل اﻝﻤطﺎﺒﻘـﺔ )اﻝﻤﻤﺎﺜﻠـﺔ( ﺒـﻴن اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ واﻝﺤﻴـﺎة اﻝﻌﻀـوﻴﺔ ،ﻜﻤـﺎ ﻫـﻲ اﻝﺤـﺎل
ﻓـ ــﻲ اﻝﻤﺸـ ــﺎﺒﻬﺔ ﺒـ ــﻴن اﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻝﺠﺴـ ــﻤﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻋﻨـ ــد اﻹﻨﺴـ ــﺎن ،واﻝﺒﻨـ ــﺎء اﻻﺠﺘﻤـ ــﺎﻋﻲ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤـ ــل ﻓـ ــﻲ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ .
ﺒﺄﻨــﻪ ﻴﻨــدرج ﺘﺤــت ﻫــذا اﻝﻤﻔﻬــوم ،اﻝﻌﻼﻗــﺎت
وﻴوﻀــﺢ ) ﺒـراون ( طﺒﻴﻌــﺔ ﻫــذا )اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻜﻠّﻬــﺎ ،واﻝﺘــﻲ ﺘﻘــوم ﺒــﻴن ﺸــﺨص وآﺨــر .ﻜﻤــﺎ ﻴــدﺨل ﻓــﻲ ذﻝــك اﻝﺘﻤــﺎﻴز اﻝﻘــﺎﺌم ﺒــﻴن اﻷﻓ ـراد
ـﺘﻤر ﺘﺠ ّـدد ﺒﻨـﺎء
واﻝطﺒﻘﺎت ،ﺒﺤﺴب أدوارﻫم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،واﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﻨظّم ﻫـذﻩ اﻷدوار .وﻜﻤـﺎ ﻴﺴ ّ
اﻝﻜﺎﺌن اﻝﻌﻀوي طوال ﺤﻴﺎﺘﻪ ،ﻓﻜـذﻝك ﺘﺘﺠ ّـدد اﻝﺤﻴـﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻤـﻊ اﺴـﺘﻤ اررﻴﺔ اﻝﺒﻨـﺎء اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻓـﻲ
ﻋﻼﻗﺎﺘﻪ وﺘﻤﺎﺴﻜﻪ.
ـﺎﻝﺘﻨوع اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ﺒــﻴن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت – ﻤﻬﻤــﺎ ﻜــﺎن ﺸــﻜﻠﻪ-
واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ذﻝــك ،ﻴﺼــﺒﺢ اﻻﻋﺘ ـراف ﺒـ ّ
ﺘطور ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ،اﻨطﻼﻗﺎً ﻤن اﻝﻨﻘﺎط اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ:
إﺤدى اﻝﺨطوات اﻝﻬﺎﻤﺔ ﻓﻲ ّ
-1
-2
إن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺴﻠوك ﺸﻌب ﻤﺎ ،وﻋن ﻗواﻋد ﻫذا اﻝﺸﻌب.
ّ
ﻤﻌﻴﻨﺔ وﻓﻲ زﻤن
اﻝﺘﻨوﻋﺎت ﻓﻲ اﻝﻌﻘﻴدة واﻝﺴﻠوك اﻝﻔردﻴﻴن ﻝدى أﻓراد ﺠﻤﺎﻋﺔ ّ
ّ
إن ﻤﺠﻤوع ّ
33
ﻤﻌ ـ ّـﻴن ،ﻴﺤ ـ ّـدد ﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﺘﻠ ــك اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ .وﻫ ــذا ﺼ ــﺤﻴﺢ ﺒﺎﻝﻨﺴ ــﺒﺔ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺎت اﻝﻔرﻋﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝوﺤ ــدات
اﻝﺼﻐﻴرة ،داﺨل اﻝﻜ ّل اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
-3
راﺴﺨﺔ.
ﻝﻴﺴت اﻝﻌﻘﻴـدة واﻝﺴـﻠوك ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،أﺒـداً ﻨﺘـﺎج اﻝﺼـدﻓﺔ ،ﺒـل ﻴﺘﺤ ّـوﻻن وﻓـق ﻗواﻋـد
ﻴﺠب اﺴﺘﻨﺒﺎط ﻫذﻩ اﻝﻘواﻋد ﺒواﺴطﺔ اﻻﺴﺘﻘراء ﻤن اﻝﺘواﻓق اﻝﻤﻼﺤظ ﻓﻲ اﻝﻌﻘﺎﺌد وأﻨﻤﺎط
-4
اﻝﺴﻠوك ﻝدى ﺠﻤﺎﻋﺔ ﻤﺎ وﻫﻲ ﺘﺸﻤل ﻨﻤﺎذج ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻠك اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ.
ﻜﻠّﻤﺎ ﺼﻐر ﺤﺠم اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ،ﻜﺎﻨـت ﻨﻤـﺎذج ﻋﻘﺎﺌـدﻫﺎ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻬﺎ ،أﻜﺜـر ﺘﺠﺎﻨﺴـﺎً ﻓﻴﻤـﺎ إذا
-5
ﺘﺴﺎوت اﻷﻤور اﻷﺨرى.
ﻤﻤــﺎ
-6ﻗـد ﻴظﻬـر ﻝــدى اﻝﻔﺌـﺎت اﻻﺨﺘﺼﺎﺼـﻴﺔ ،ﺘﻨـ ّـوع ﻓـﻲ ﺤﻘـل اﺨﺘﺼﺎﺼــﻬﺎ
84أﻜﺜـر اﺘّﺴـﺎﻋﺎً ّ
اﻝﻜﻠﻴـﺔٕ .وازاء ﻫـذﻩ اﻷﻤـور
ﻴظﻬر ﻝدى اﻝﻔﺌﺎت اﻷﺨـرى ،اﻝﻤﺴـﺎوﻴﺔ ﻝﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻝﺤﺠـم ،ﺒـﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ّ
ﺒﺄﻫﻤﻴــﺔ ﻤﺴــﺄﻝﺔ اﻝﺘﺠــﺎﻨس اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ واﻝﺘﻨــﺎﻓر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت
ﻤﺠﺘﻤﻌــﺔ ،ﻻ ﺒـ ّـد ﻤــن اﻻﻋﺘ ـراف
ّ
اﻷﺜﻨوﻝوﺠﻴﺔ ،وﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ اﻝﻨظرﻴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
ٕواذا ﻜــﺎن ) ﻤﺎﻝﻴﻨوﻓﺴــﻜﻲ ( أﺨــذ ﺒﻔﻜ ـرة اﻝــﻨظم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ﻝﺘــﺄﻤﻴن اﻝﺤﺎﺠــﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ
ﻤﻜوﻨﺎﺘـﻪ وﻋﻼﻗﺎﺘـﻪ،
ﻝﻸﻓراد ،ﺒﻴﻨﻤﺎ اﺘّﺠﻪ ) ﺒراون ( ﻨﺤو ﻤﺴﺄﻝﺔ ﺘﻤﺎﺴك اﻝﻨظـﺎم اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ،ﻤـن ﺤﻴـث ّ
ﻤﻜوﻨــﺎت اﻝﺒﻨــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ( إﻝــﻰ وﺤــدات ﺼــﻐﻴرة
ّ
ﻓﺄﻨﻬﻤــﺎ رﻓﻀــﺎ ﻤﻌ ـﺎً ﻓﻜ ـرة ﺘﺠزﺌــﺔ اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ) ّ
وﺘطورﻫﺎ ..
ﻴﻘوم اﻝﺒﺎﺤث ﺒدراﺴﺔ ﻤﻨﺸﺌﻬﺎ أو اﻨﺘﺸﺎرﻫﺎ
ّ
واﻋﺘﻤدا ﺒدﻻّ ﻤن ذﻝك ﻋﻠﻰ اﻝدراﺴﺎت اﻝﻤﻴداﻨﻴﺔ ،ﻝوﺼف اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﺒوﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن .وﻗد وﺠد ﻫـذا
اﻷول ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن،
اﻻﺘّﺠﺎﻩ ﻗﺒوﻻً واﺴﻌﺎً ﻝدى
ّ
اﻝﻤﻬﺘﻤﻴن ﺒدراﺴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ﻓـﻲ اﻝﻨﺼـف ّ
وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺒــﻴن اﻷﻨﺜرﺒوﻝــوﺠﻴﻴن اﻷوروﺒﻴــﻴن ،اﻝــذﻴن اﻨﺘﺸــروا ﻓــﻲ اﻝﻤﺴــﺘﻌﻤرات ﻹﺠ ـراء د ارﺴــﺎت ﻤﻴداﻨﻴــﺔ،
وﺠﻤــﻊ اﻝﻤ ـواد اﻷوﻝﻴــﺔ اﻝﻼزﻤــﺔ ﻝوﺼــف اﻝﺜﻘﺎﻓــﺎت ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت ،وﺘﺤﻠﻴﻠﻬــﺎ ﻓــﻲ إطﺎرﻫــﺎ اﻝ ـواﻗﻌﻲ
وﻜﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ وﻀﻌﻬﺎ اﻝراﻫن .
34
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺨﺎﻤﺴﺔ
اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ (
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ )
ّ
أوﻻً -ﺘﻌرﻴف اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ )اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ(
ﺒﺄﻨﻬ ــﺎ اﻝﻌﻠ ــم اﻝ ــذي ﻴﺒﺤ ــث ﻓ ــﻲ ﺸ ــﻜل اﻹﻨﺴ ــﺎن ﻤ ــن ﺤﻴ ــث ﺴ ــﻤﺎﺘﻪ اﻝﻌﻀ ــوﻴﺔ،
ﺘﻌ ـ ّـرف ﺒوﺠ ــﻪ ﻋ ــﺎمّ ،
اﻝﻤورﺜـﺎت .ﻜﻤـﺎ ﻴﺒﺤـث ﻓـﻲ اﻝﺴـﻼﻻت اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،ﻤـن ﺤﻴـث اﻷﻨـواع
اﻝﺘﻐﻴرات اﻝﺘـﻲ ﺘطـ أر ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﺒﻔﻌـل
و ّ
ّ
أن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ ،ﺘﺘرّﻜــز
اﻝﺒﺸـرﻴﺔ وﺨﺼﺎﺌﺼــﻬﺎ ،ﺒﻤﻌـزل ﻋــن ﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻜـ ّل ﻤﻨﻬــﺎ .وﻫـذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ
اﻝﺘﺠﻤﻌ ــﺎت اﻝﺒﺸـ ـرﻴﺔ
ﺤ ــول د ارﺴ ــﺔ اﻹﻨﺴ ــﺎن اﻝﻔ ــرد ﺒوﺼ ــﻔﻪ ﻨﺘﺎﺠـ ـﺎً ﻝﻌﻤﻠﻴ ــﺔ ﻋﻀ ــوﻴﺔ ،وﻤ ــن ﺜ ـ ّـم د ارﺴ ــﺔ
ّ
اﻝﺴﻜﺎﻨﻴﺔ ،وﺘﺤﻠﻴل ﺨﺼﺎﺌﺼﻬﺎ.
وﺘﻬﺘم ﻫذﻩ اﻝدراﺴﺔ ﺒﻤﺠﺎﻻت ﺜﻼﺜﺔ ﻫﻲ:
ّ
اﻷول :وﻴﺸ ــﻤل إﻋ ــﺎدة ﺒﻨ ــﺎء اﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﺘط ـ ّـوري ﻝﻠﻨ ــوع اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻲ ،ووﺼ ــف )ﺘﻔﺴ ــﻴر(
اﻝﻤﺠـــﺎل ّاﻝﺘﻐﻴرات اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨت اﻝﺴﺒب ﻓﻲ اﻨﺤراف اﻝﻨوع اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ،ﻋـن اﻝﺴﻠﺴـﻠﺔ اﻝﺘـﻲ ﻜـﺎن ﻴﺸـﺘرك ﺒﻬـﺎ
ّ
ﻤﻊ ﺼﻨف اﻝﺤﻴواﻨﺎت اﻝرﺌﻴﺴﺔ.
اﻝﺘﻐﻴـ ـرات اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴ ــﺔ ﻋﻨ ــد اﻷﺤﻴ ــﺎء ﻤ ــن اﻝﺠ ــﻨس
ـﺘم ﺒوﺼ ــف )ﺘﻔﺴ ــﻴر( ّ
اﻝﻤﺠـــﺎل اﻝﺜـــﺎﻨﻲ :ﻴﻬ ـ ّاﻹﻨﺴﺎﻨﻲ .وﺘﻤﺘ ّـد ﻫـذﻩ اﻷﺒﺤـﺎث ﻝﺘﺸـﻤل :اﻝﻌﻼﻗـﺔ اﻝﻜﺎﻤﻨـﺔ ﺒـﻴن اﻝﺘرﻜﻴـب اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ ﻤـن ﺠﻬـﺔ،
واﻝﺜﻘﺎﻓﺔ واﻝﺴﻠوك ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى.
ﺘﺨﺼص ﻫﺎم ﻓﻲ ﻋﻠم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ ،وﻴﺒﺤث ﻓـﻲ اﻝرﺌﻴﺴـﺎت
اﻝﻤﺠﺎل اﻝﺜﺎﻝث :وﻫوّ
ﺘطورﻫﺎ ،ﺴﻠوﻜﻬﺎ اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ.
:ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﻤﻊ ﺒﻴﺌﺎﺘﻬﺎّ ،
اﻝﺘطوري ﻝﻺﻨﺴﺎن ،ﻴﻌﻤل ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ – أﺤﻴﺎﻨﺎً-
وﻤن أﺠل إﻋﺎدة ﺒﻨﺎء اﻝﺘﺎرﻴﺦ
ّ
ﻤﺎ ﻴﻌﺘﺒرﻩ ﻏﺎﻝﺒﻴﺔ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﻴن اﻝﻌﻤل اﻷﻜﺜر ﺴـﺤ اًر ﻓـﻲ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﻌﻀـوﻴﺔ ،وﻫـو اﻝﺒﺤـث ﻋـن
اﻝﻤﺴــﺘﺤﺎﺜﺎت ،وﻻ ﺴــﻴﻤﺎ ﺘﻠــك اﻝﺘــﻲ ﺘﺘﻌﻠّــق ﺒــﺎﻝﻨوع اﻹﻨﺴــﺎﻨﻲ ،وﺒﺄﺴــﻼﻓﻪ ﻤــن اﻝرﺌﻴﺴــﺎت اﻝﺘــﻲ وﺠــدت ﻤــن
85
ﻗﺒﻠﻪ.
ـﺘم ﺒد ارﺴـﺔ
وﻴﺴﺘﺨدم ﻤﺼطﻠﺢ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴﺎ
ّ
اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ )اﻝﻌﻀوﻴﺔ( ﻝﻺﺸـﺎرة إﻝـﻰ ذﻝـك اﻝﻌﻠـم اﻝـذي ﻴﻬ ّ
اﻝﺠﺎﻨب اﻝﻌﻀوي )اﻝﺤﻴوي( ﻝﻺﻨﺴﺎن ،ﻤﻨذ ﻨﺸﺄﺘﻪ ﻜﻨوع ﺤﻴـواﻨﻲ ﻋﻠـﻰ ﺴـطﺢ اﻷرض ،وﻗﺒـل ﻓﺘـرة زﻤﻨﻴـﺔ
وﻨﻴف ،وﺤﺘﻰ اﻝوﻗت اﻝﺤﺎﻀر اﻝذي ﻨﻌﻴش ﻓﻴﻪ.
ﺘزﻴد ﻋﻠﻰ ﺜﻼﺜﺔ ﻤﻼﻴﻴن ﺴﻨﺔ ّ
إن اﻝﻤوﻀوع اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻓﻲ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﻌﻀـوﻴﺔ )اﻝﻔﻴزﻴﺎﺌﻴـﺔ( ﻫـو اﻻﺨـﺘﻼف اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ اﻝـذي
ّ
ﻴط أر ﻋﻠﻰ اﻝﻜﺎﺌن اﻹﻨﺴﺎﻨﻲ ﻓـﻲ اﻝزﻤـﺎن واﻝﻤﻜـﺎن ..واﻝﺸـﻲء اﻝـذي ﻴﻨـﺘﺞ ﻏﺎﻝﺒﻴـﺔ ﻫـذﻩ اﻻﺨﺘﻼﻓـﺎت ،ﻫـو
ﻓﺜﻤــﺔ ﺘــﺄﺜﻴرات ﺒﻴﺌﻴــﺔ ﻝﻬــﺎ ﺼــﻠﺔ ﻤﺒﺎﺸ ـرة ﺒﻬــذا اﻝﻤوﻀــوع ،ﻤﺜــل:
اﺘﺤــﺎد اﻝﻤﻘوﻤــﺎت اﻝوراﺜﻴــﺔ ﻤــﻊ اﻝﺒﻴﺌــﺔ ّ ..
)اﻝﺤـ ـ اررة ،اﻝﺒــرودة ،اﻝرطوﺒ ــﺔ ،أﺸ ــﻌﺔ اﻝﺸ ــﻤس ،اﻻرﺘﻔ ــﺎع ،واﻝﻤ ــرض .(..وﻫ ــذا اﻝﺘرﻜﻴ ــز ﻋﻠ ــﻰ اﺨ ــﺘﻼف
اﻝﻜ ـ ــﺎﺌن اﻹﻨﺴ ـ ــﺎﻨﻲ ﻋ ـ ــن ﻏﻴـ ـ ـرﻩ ﻤ ـ ــن اﻝرﺌﻴﺴ ـ ــﺎت ،ﻴﻀ ـ ــم ﺨﻤﺴ ـ ــﺔ ﺘ ـ ــﺄﺜﻴرات ﻤﺤ ـ ـ ّـددة ﺘ ـ ــدﺨل ﻓ ـ ــﻲ ﺴ ـ ــﻴﺎق
35
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ ،وﻫﻲ :
ﻨﺸوء اﻝﻜﺎﺌن اﻝﺸـﺒﻴﻪ ﺒﺎﻹﻨﺴـﺎن ،ﻜﻤـﺎ ﺘ ّـم اﻝﻜﺸـف ﻋﻨـﻪ ﻤـن ﺨـﻼل اﻝﺘﻘـﺎرﻴر اﻝﺘـﻲ ﻨﺠﻤـت
-1
ﻋن اﻝﺒﺤث ﻓﻲ اﻝﻤﺴﺘﺤﺎﺜﺎت )اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻘدﻴﻤﺔ (.
-2
اﻝﺘرﻜﻴب اﻝوراﺜﻲ ﻝﻺﻨﺴﺎن .
وﺘطورﻩ.
ﻨﻤو اﻹﻨﺴﺎن
-3
ّ
ّ
اﻝﺘﻜﻴـف ﻤـﻊ
-4
اﻝﻤروﻨﺔ )اﻝﻤطواﻋﻴﺔ( اﻝﻤوﺠـودة ﻓـﻲ ﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺎ اﻹﻨﺴـﺎن )ﻗـدرة اﻝﺠﺴـم ﻋﻠـﻰ ّ
ﻀﻐوطﺎت ،ﻤﺜل :اﻝﺤ اررة ،اﻝﺒرودة ،درﺠﺔ ﺤ اررة اﻝﺸﻤس(..
اﻝﺘرﻜﻴـ ــب اﻝﺒﻴوﻝـ ــوﺠﻲ وﻤـ ــﺎ ﻴﺘﺒﻌـ ــﻪ ﻤـ ــن ﻋﻤﻠﻴـ ــﺔ اﻝﻨﺸـ ــوء واﻝﺴـ ــﻠوك واﻝﺤﻴـ ــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـ ــﺔ
-5
86
ﻝﻠﺴﻌﺎدﻴن )اﻝﻘردة ( ،واﻝﺤﻴواﻨﺎت اﻷﺨرى ﻤن ﻓﺼﻴﻠﺔ اﻝرﺌﻴﺴﺎت.
اﻝﻤؤﺴ ـ ــس اﻷول
أن اﻷﻝﻤ ـ ــﺎن ﻴﻌﺘﺒ ـ ــرون ) ﻴوﻫ ـ ــﺎن ﺒﻠوﻤﻴﻨﻴ ـ ــﺎخ (
وﻻ ﺒ ـ ـ ّـد ﻤ ـ ــن اﻹﺸ ـ ــﺎرة ﻫﻨ ـ ــﺎ ،إﻝ ـ ــﻰ ّ
ّ
ﻗﺴـم اﻝﺠـﻨس اﻝﺒﺸـري
ﻝﻸﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
ّ
ـرواد ﻓـﻲ د ارﺴـﺔ اﻝﺠﻤـﺎﺠم اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﻜﻤـﺎ ّأﻨـﻪ ّ
اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ .ﻓﻬـو ﻤـن اﻝ ّ
87
إﻝــﻰ ﺨﻤﺴــﺔ أﻗﺴــﺎم )ﺴــﻼﻻت ( ،ﻫــﻲ :اﻝﻘوﻗــﺎزي ،اﻝﻤﻐــوﻝﻲ ،اﻷﺜﻴــوﺒﻲ ،اﻷﻤرﻴﻜــﻲ ،واﻝﻤــﻼوي .وﻝﻜــﻲ
ﻨﺴــﺘطﻴﻊ أن ﻨﻔﻬــم اﻹﻨﺴــﺎن ﻜﻨﺘــﺎج ﻝﻌﻤﻠﻴــﺔ ﻋﻀــوﻴﺔ ،ﻴﺠــب أن ﻨﻔﻬــم ﺘطـ ّـور أﺸــﻜﺎل اﻝﺤﻴــﺎة اﻷﺨــرى ،ﺒــل
وطﺒﻴﻌﺔ اﻝﺤﻴﺎة ذاﺘﻬﺎ ،وﻜذﻝك ﺨﺼﺎﺌص اﻹﻨﺴﺎن اﻝﻘدﻴم واﻹﻨﺴﺎن اﻝﺤـدﻴث .وﻗـد اﺴـﺘطﺎع ﻫـذا اﻝﻌﻠـم –
ﻤــن ﻫــذﻩ اﻝﻤﻨطﻠﻘــﺎت – أن ﻴﺠﻴــب ﻋــن اﻝﻌدﻴــد ﻤــن اﻝﺘﺴــﺎؤﻻت ،اﻝﺘــﻲ ﻜﺎﻨــت ﻤوﻀــﻊ اﻫﺘﻤــﺎم اﻹﻨﺴــﺎن
88
وﺘﻔﻜﻴرﻩ ﻤﻨذ اﻝﻘدﻴم وﺤﺘﻰ اﻝﻌﺼر اﻝﺤﺎﻀر.
ﺜﺎﻨﻴﺎً -ﻓروع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ
ﺘﻘﺴم اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻌﻀوﻴﺔ ﺒﺤﺴب طﺒﻴﻌﺔ اﻝدراﺴﺔ ،إﻝﻰ ﻓرﻋﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ،ﻫﻤﺎ:
-1ﻓرع اﻝﺤﻔرﻴﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ): ( Paleontology
وﺘطورﻩ ،ﻤن ﺨﻼل ﻤﺎ
ﺜم ﻤراﺤﻠﻪ اﻷوﻝﻴﺔ
وﻫو اﻝﻌﻠم اﻝذي ﻴدرس اﻝﺠﻨس اﻝﺒﺸري ﻤﻨذ ﻨﺸﺄﺘﻪ ،وﻤن ّ
ّ
ﺘــد ّل ﻋﻠﻴــﻪ اﻝﺤﻔرﻴــﺎت واﻵﺜــﺎر اﻝﻤﻜﺘﺸــﻔﺔ .أي ّأﻨــﻪ ﻴﺘﻨــﺎول ﺒﺎﻝﺒﺤــث ﻨوﻋﻨــﺎ اﻝﺒﺸــري واﺘﺠﺎﻫــﺎت ﺘطـ ّـورﻩ ،وﻻ
89
ﺴﻴﻤﺎ ﻤﺎ ﻜﺎن ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺘّﺼﻼً ﺒﺎﻝﻨواﺤﻲ اﻝﺘﻲ ﺘﻜﺸﻔﻬﺎ اﻷﺤﺎﻓﻴر.
ّ
وﻤﻬﻤــﺔ ﻫــذا اﻝﻨــوع ﻤــن اﻝد ارﺴــﺔ ،ﻫــﻲ ﻤﺤﺎوﻝــﺔ اﺴــﺘﻌﺎدة )ﻤﻌرﻓــﺔ( ﻤــﺎ ﻨﺠﻬﻠــﻪ ﻋــن اﻹﻨﺴــﺎن اﻝﺒﺎﺌــد،
ّ
وذﻝك ﻤن ﺨﻼل اﻝﺤﻔرﻴﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﻜﺸف ﻋن ﺒﻘﺎﻴﺎﻩ وآﺜﺎرﻩ وﻤﺎ ﺨﻠﻔـﻪ وراءﻩ ﻤـن أدوات ،وﻤﺤﺎوﻝـﺔ ﺘﺤﻠﻴـل
ﺘﻐﻴـرات ﻤرﺤﻠﻴـﺔ ﻓـﻲ ﺸـﻜل اﻹﻨﺴـﺎن،
ﻫذﻩ اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺎت ﻤن أﺠل ﻤﻌرﻓﺔ اﻷﺴﺒﺎب اﻝﺘﻲ دﻋت إﻝﻰ ﺤدوث ّ
اﻝذي أﺼﺒﺢ ﻜﻤﺎ ﻫو ﻋﻠﻴﻪ اﻵن.
وﻴﺤﺎول اﻝﻌﻠﻤﺎء اﻝذﻴن ﻴدرﺴون ﻫذا اﻝﻔـرع ،اﻹﺠﺎﺒـﺔ ﻋـن اﻝﻌدﻴـد ﻤـن اﻝﺘﺴـﺎؤﻻت اﻝﺘـﻲ ﺘـدور ﺤـول
وﻜﻴﻔﻴـﺔ ظﻬـورﻩ ﻋﻠـﻰ اﻷرض ،وﻤـن ﺜ ّـم ﻜﻴـف اﺨﺘﻠﻔـت اﻷﺠﻨـﺎس اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﺒﻔﺼـﺎﺌﻠﻬﺎ
ﻤوﻀوع اﻹﻨﺴﺎن،
ّ
وﺴ ــﻼﻻﺘﻬﺎ وأﻨواﻋﻬ ــﺎ .وﻜﻴ ــف ﺘﻐﻴ ـ ّـر اﻹﻨﺴ ــﺎن وﺘط ـ ّـورت اﻝﺤﻴ ــﺎة ﻋﻠ ــﻰ وﺠ ــﻪ اﻷرض إﻝ ــﻰ أن وﺼ ــﻠت
90
إﻝ‹ﺸﻜﻠﻬﺎ اﻝﺤﺎﻝﻲ اﻝﻤﻌﺎﺼر.
36
أن اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﻘـدﻴم اﻝـذي ﻜـﺎن
ﺘﻤـت ﻓـﻲ ﻫـذا اﻝﻤﺠـﺎل ،ﻋﻠـﻰ ّ
وﻗد ﺒرﻫن اﻝﻌدﻴد ﻤـن اﻝﺤﻔرﻴـﺎت اﻝﺘـﻲ ّ
ﻴﻌﻴش ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷرض ﻤﻨـذ ﻤـﺎ ﻴﻘـرب ﻤـن ﻨﺼـف ﻤﻠﻴـون ﺴـﻨﺔ ،ﻜـﺎن ﻴﺨﺘﻠـف ﻋـن اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﺤـﺎﻝﻲ،
ﻓﻜﻴﻪ وﻏور ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻋرض ﺠﺒﻬﺘﻪ .
ﺤﻴث ﻜﺎن أﻜﺒر ﺤﺠﻤﺎً وأﻗوى ﺒﻨﻴﺔ ،إﻀﺎﻓﺔ إﻝﻰ ﺒروز ّ
-2ﻓرع اﻷﺠﻨﺎس اﻝﺒﺸرﻴﺔ أو اﻷﺠﺴﺎم اﻝﺒﺸرﻴﺔ ):(Somatology
وﻫــو اﻝﻌﻠــم اﻝــذي ﻴــدرس اﻝﺼــﻔﺎت اﻝﻌﻀــوﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴــﺎن اﻝﺒــداﺌﻲ )اﻝﻤﻨﻘــرض( واﻹﻨﺴــﺎن اﻝﺤــﺎﻝﻲ ،ﻤــن
ﺤﻴــث اﻝﻤﻼﻤــﺢ اﻷﺴﺎﺴــﻴﺔ واﻝﺴــﻤﺎت اﻝﻌﻀــوﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤــﺔ .وﻝــذا ﻜـ ّـرس ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﺠﺴــﺎم ﻤﻌظــم ﺠﻬــودﻫم
ﻝدراﺴﺔ اﻷﺼﻨﺎف اﻝﺒﺸرﻴﺔ ورﺼد اﻝﻔروﻗﺎت ﺒﻴﻨﻬﺎ ،وﻤﺤﺎوﻝﺔ ﻤﻌرﻓﺔ اﻷﺴﺒﺎب اﻝﻤﺤﺘﻤﻠـﺔ ﻝﻬـذﻩ اﻝﻔروﻗـﺎت.
ـب – إﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب ﺠـ ّـداً – ﻋﻠــﻰ ﺘﺼــﻨﻴف اﻷﺠﻨــﺎس اﻝﺒﺸ ـرﻴﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ
أن اﻫﺘﻤــﺎﻤﻬم اﻨﺼـ ّ
وﻴﻼﺤــظ ّ
ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﻌرقٕ ،واﻴﺠﺎد اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻝﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﺒﻴن ﻫذﻩ اﻷﺠﻨﺎس.
طورﻫـﺎ ﻋﻠﻤـﺎء اﻷﺠﻨـﺎس اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﻻ ﺘـزال ﺘﻌﺘﻤـد ﻓـﻲ
وﻴﻤﻜن اﻝﻘولّ :
إن اﻝﺘﺼـﻨﻴﻔﺎت اﻝﻌرﻗﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ّ
ﺴطﺤﻴﺔ ﺒﺴﻴطﺔ :ﻜﻠون اﻝﺠﻠد وﺸﻜل اﻝﺸﻌر .وﻓـﻲ اﻵوﻨـﺔ اﻷﺨﻴـرة ،أﺨـذ
اﻷول ،ﻋﻠﻰ ﺨﺼﺎﺌص
ّ
اﻝﻤﻘﺎم ّ
اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻴﺘﺤول إﻝﻰ ﻓروق أﻗ ّل وﻀوﺤﺎً وأوﺜق ارﺘﺒﺎطﺎً ﺒﺎﻝﻤﺸﻜﻼت اﻝﺘﻲ ﻨواﺠﻬﻬﺎ ،ﻜﺎﻝﻔروق ﺒﻴن أﻨواع
اﻝدم وﺒﻴن اﻷﺠﻬزة اﻝﻌﻀﻠﻴﺔ وﻏﻴرﻫـﺎ .وﻤـﻊ ﺒداﻴـﺔ اﻝﺴـﺘﻴﻨﺎت ﻤـن اﻝﻘـرن اﻝﻌﺸـرﻴن ،ﺴـﺎر ﻋﻠﻤـﺎء اﻷﺠﺴـﺎم
ﺸــوطﺎً أﺒﻌــد ﻤــن ذﻝــك ،إذ ﺒــدأوا ﻴدرﺴــون اﻝﻔـوارق ﺒــﻴن اﻝﻔﺌــﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻤــن ﺤﻴــث ﺴــرﻋﺔ اﻝﻨﻤــو ،وﺴـ ّـن
91
إن اﻝﻜﺜﻴـر ﻤـن اﻜﺘﺸـﺎﻓﺎﺘﻬم ﻓـﻲ
اﻝﻨﻀـوج اﻝﺠﻨﺴـﻲ ،وﻤـدى اﻝﻤﻨﺎﻋــﺔ ﻀـد اﻷﻤـراض .وﻴﻤﻜـن اﻝﻘــول ّ :
ﺴﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻝدراﺴﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺔ.
ﻫذﻩ اﻝﻤﻴﺎدﻴن ،ﻗد ﻴﻜون ذا ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻤﺒﺎﺸرة ،وﻻ ّ
اﻝﺘﻐﻴـرات اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﺼـل ﺒـﻴن
ـﺈن ﻓـرع اﻷﺠﻨـﺎس اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ،ﻴـدرس ّ
وﻋﻠﻰ ﻫذا اﻷﺴﺎس ،ﻓ ّ
ﻤﺠﻤوﻋــﺎت إﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ﻓــﻲ ﻤﻨــﺎطق ﺠﻐراﻓﻴــﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس ﺘﺸ ـرﻴﺤﻲ وو ارﺜــﻲ ،وذﻝــك ﻤــن ﺨــﻼل
اﻝﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ اﻝﻬﻴﺎﻜل اﻝﻌظﻤﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن اﻝﻘدﻴم ،واﻝﻤوﺠودة ﻓﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒر اﻝﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﺤدﻴﺜﺎً .وﻫـذا ﻤـﺎ ﺴـﺎﻋد
اﻝﻌﻠﻤﺎء ﻜﺜﻴـ اًر ،ﻓـﻲ وﻀـﻊ اﻝﺘﺼـﻨﻴﻔﺎت اﻝﺒﺸـرﻴﺔ ﻋﻠـﻰ أﺴـس ﻤوﻀـوﻋﻴﺔ وﻋﻠﻤﻴـﺔ ،ﻴﻤﻜـن اﻻﻋﺘﻤـﺎد ﻋﻠﻴﻬـﺎ
ﻓﻲ دراﺴﺔ أي ﻤن اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ.
وﺘﻌﻤــد اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ ﻤــن أﺠــل أن ﺘﺤﻘّــق أﻫــداﻓﻬﺎ ﻓــﻲ د ارﺴــﺔ أﺼــل اﻹﻨﺴــﺎن د ارﺴــﺔ
ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ وﻓق ﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ،إﻝـﻰ اﻻﺴـﺘﻌﺎﻨﺔ ﺒﻌﻠـم اﻷﺤﻴـﺎء وﻋﻠـم اﻝﺘﺸـرﻴﺢ ،إﻝـﻰ درﺠـﺔ ﻴﻤﻜـن ﻤﻌﻬـﺎ أن
ﻴطﻠــق ﻋﻠــﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ اﺴــم " ﻋﻠــم اﻷﺤﻴــﺎء اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ " Human Biologyأي ّأﻨﻬــﺎ
اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى.
اﻝدراﺴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺘﻌﻠّق ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن وﺤدﻩ دون ﻏﻴرﻩ ﻤن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
إن اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻌﻀــوﻴﺔ )اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ( ّإﻨﻤــﺎ ﺘــدرس ﺘﻠــك
واﺴــﺘﻨﺎداً إﻝــﻰ ﻤــﺎ ﺘﻘـ ّـدم ،ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ
92
اﻝﺨﺼﺎﺌص واﻝﻤﻼﻤﺢ اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻝﻠﺒﻨﺎء اﻝﻔﻴزﻴﻘﻲ ﻝﻺﻨﺴـﺎن ،أو ﻤـﺎ ﻴﺴ ّـﻤﻰ ﺒﺎﻝﺒﻨـﺎء اﻝﻌﻀـوي ﻝﻺﻨﺴـﺎن .أي
ّأﻨﻬ ــﺎ ﺘ ــدرس اﻝﺘ ــﺎرﻴﺦ اﻝﻌﻀ ــوي ﻝﻺﻨﺴ ــﺎن اﻝطﺒﻴﻌ ــﻲ ،ﻤ ــﻊ اﻷﺨ ــذ ﻓ ــﻲ اﻝﺤﺴ ــﺒﺎن ﺨﺼﺎﺌﺼ ــﻪ اﻝﻌﻀ ــوﻴﺔ
اﻝﺘطورﻴـﺔ اﻻرﺘﻘﺎﺌﻴـﺔ
اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻤﻼﻤﺤﻪ اﻝﺒﻨﺎﺌﻴﺔ اﻝﺤﺎﻝﻴﺔ واﻝﻤﻨﻘرﻀﺔ ،وﺒﻤﺎ ﻴﻌطﻲ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ ،اﻝﻤراﺤل
ّ
ﻝﻠﺠﻨس اﻝﺒﺸري.
ﺜﺎﻝﺜﺎً-اﻝﺼﻔﺎت اﻝﻌﻀوﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن وﻋروﻗﻪ :
ﻴﺘﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف اﻹﻨﺴـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎن ﺒﻤﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزات ﻋﻀـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوﻴﺔ ﺨﺎﺼـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ،ﻻ ﻴﺸـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎرﻜﻪ ﻓﻴﻬـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ إي ﻤـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن
37
اﻝﺤﻴﺔ اﻷﺨرى ،وﺘﺘﻤﺜّل ﻫذﻩ اﻝﺼﻔﺎت ﻓﻲ اﻝﺠواﻨب اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ:
اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
-اﻨﺘﺼﺎب اﻝﻘﺎﻤﺔ واﻝﺴﻴر ﻋﻠﻰ ﻗدﻤﻴن اﺜﻨﻴن .
وﻤﻜوﻨﺎﺘﻪ .
ﺘرﻜﻴب اﻝرأس ﻤن ﺤﻴث ﺸﻜﻠﻪّ
ﺘرﻜﻴب اﻝﺠﺴم ،ﻤن ﺤﻴث ﺸﻜﻠﻪ اﻝﻌﺎم وﻤﻘﺎﻴﻴس أطراﻓﻪ )اﻝـذراﻋﻴن واﻝﺴـﺎﻗﻴن( وﻤـدى ﺘﻨﺎﺴـﺒﻬﻤﺎﻤﻊ اﻷﻋﻀﺎء اﻷﺨرى ﻓﻲ اﻝﺠﺴم .
-ﻤﺤدودﻴﺔ اﻝﻤﺴﺎﺤﺎت اﻝﺘﻲ ﻴﻨﺒت ﻓﻴﻬﺎ اﻝﺸﻌر ،وﺘﺤدﻴد أﻤﺎﻜن وﺠودﻫﺎ.
-ﻓﺘرة اﻝطﻔوﻝﺔ اﻝطوﻴﻠﺔ ،ﻤﻘﺎﺒل ﻗﺼرﻫﺎ ﻋﻨد اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت اﻝرﺌﻴﺴﺔ اﻷﺨرى )اﻝﺜدﻴﻴﺎت(.
اﻝﺠﺴﻤﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒـﻴن اﻝﺒﺸـر ،إﻻّ أن ﺜﻤـﺔ ﻓروﻗـﺎت ﻓـﻲ ﺘﻜـوﻴن
وﻋﻠﻰ اﻝرﻏم ﻤن اﻝﺼﻔﺎت
ّ
ﺒﻌﻀــﻬﺎ وﺨﺼﺎﺌﺼــﻬﺎ ،واﻝﺘــﻲ ﺘــؤﺜّر إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﻤــﺎ ﺒﺒﻨﻴــﺔ اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﻤــن اﻝﻨ ـواﺤﻲ
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ واﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ .
ّ
وﻜﺎن ﻤن ﻨﺘﺎﺌﺞ اﻨﺸﻐﺎل ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴـﺎ اﻝﺠﺴـﻤﻴﺔ ﺒﻤﺴـﺄﻝﺔ اﻝﻌـرق ،أن اﻜﺘﺴـب ﻫـذا اﻝﻤﻔﻬـوم
)اﻝﻨوع أو اﻝﻌرق( رﺴوﺨﺎً أﻋﺎق ﺘﻔﻜﻴر اﻝﺒﺎﺤﺜﻴن ﻋن اﻝﻜﺎﺌن اﻝﺒﺸري .ﻓﺎﻷﺼﻨﺎف اﻝﻌرﻗﻴﺔ اﻝﺒﺸرﻴﺔ ظﻠّت
ـﺒﻴﺎً ،وﻗــﺎدرة ﻋﻠــﻰ اﻝﺼــﻤود أﻤــﺎم ﺘــﺄﺜﻴرات اﻝﺒﻴﺌــﺔ أو ﻗــوى
– إﻝــﻰ ﻋﻬــد ﻗرﻴــب _ ﺘﻌﺘﺒــر ﻜﻴﺎﻨــﺎت ﺜﺎﺒﺘــﺔ ﻨﺴـ ّ
اﻝﺘﻐﻴر اﻝﻔطرﻴﺔ.
ّ
أدى إﻝــﻰ ﻓــرض ﻋــدد ﻤﺤــدود ﻤــن اﻝﺘﺼــﻨﻴﻔﺎت
أن اﻝﺘطـ ّـرف ﻓــﻲ ﺘﻤﺠﻴــد ﻓﻜ ـرة )اﻝﻌــرق( ّ
وﻴﻼﺤــظ ّ
اﻝﺼــﺎرﻤﺔ ﻋﻠــﻰ ﺒﻨــﻲ اﻝﺒﺸــر اﻝــذﻴن ﻴﻤﺘــﺎزون ﺒﺘﻨـ ّـوع ﻻ ﺤـ ّـد ﻝــﻪ ،وأدى ﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ إﻝــﻰ زّج اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ ﻫــذﻩ
أن ﻋﻤﻠﻴــﺔ اﻝﺘﺼــﻨﻴف ﻝوﺤﻘــت ﻀــﻤن
اﻝﺘﺼــﻨﻴﻔﺎت ،ﺒﺼــورة ﺘطﻤــس ﺼــﻔﺎﺘﻬم اﻷﺼــﻠﻴﺔ اﻝﺨﺎﺼــﺔ .وﻝــو ّ
ﺘطور اﻹﻨﺴﺎن ،وﻝو ّأﻨﻬـﺎ أﻴﻀـﺎً اﻗﺘرﻨـت
اﻝﻤﺠﺎﻻت اﻝﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ﻝﻬﺎ ،وﻤن أﺠل اﻷﻀواء اﻝﺘﻲ ﺘﻠﻘﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ّ
ﺒ ــﺈدراك طﺒﻴﻌﺘﻬ ــﺎ – ﺸ ــﺒﻪ اﻻﻋﺘﺒﺎطﻴ ــﺔ -ﻝﻜ ــﺎن ﻤ ــن اﻝﻤﻤﻜ ــن ﺤﺼ ــر ﻨﺘﺎﺌﺠﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ اﺴ ــﺘﻌﻤﺎﻻت ﻋﻤﻠﻴ ــﺔ
ﻤﺸروﻋﺔ .
طﻴﺎﺘﻬﺎ ﻨزﻋﺔ ﺘﻠﻘﺎﺌﻴﺔ إﻝﻰ اﻝﻤﺒﺎﻝﻐـﺔ ..وﻤـﺎ ذﻝـك إﻻّ
وﻝﻜن ﻫذﻩ اﻝﻌﻤﻠﻴﺔ – وﻝﺴوء اﻝﺤظّ -ﺘﺤﻤل ﻓﻲ ّ
ّ
ﻷن طﺒﻴﻌﺔ اﻝﺘﺼﻨﻴف ﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﺘﻘﺘﻀـﻲ اﻋﺘﺒـﺎر اﻝﺸـواذ واﻷﺸـﻜﺎل اﻝﻤﻐـﺎﻴرة ،ﻜﻤـﺎ ﻝـو ّأﻨﻬـﺎ ﻤـن اﻝظـﺎﻫرات
ّ
ـﺈن ﻫـذﻩ اﻷﺸـﻜﺎل اﻝﻤﻐـﺎﻴرة ،ﻫـﻲ ﻨﻔﺴـﻬﺎ اﻝﺘـﻲ اﻜﺘﺴـﺒت
اﻝﺘﻲ ﺘﺴ ّ
ـﺘﺤق اﻻﺴـﺘﻬﺠﺎن .وﻤﻬﻤـﺎ ﻴﻜـن اﻷﻤـر ،ﻓ ّ
93
اﻝﺘطورات اﻷﺨﻴرة ﻝﻌﻠم اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺎ.
دﻻﻝﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ
ّ
واﺴـﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ ﻫــذﻩ اﻻﺨﺘﻼﻓـﺎت اﻝﺸـﻜﻠﻴﺔ وأﻴﻀـﺎً اﻝﺴـﻠوﻜﻴﺔ ،ﻓﻘــد ﺠـرى اﻻﺘّﻔـﺎق ﺒــﻴن ﻋﻠﻤـﺎء اﻹﻨﺴــﺎن
94
ﺌﻴﺴﻴﺔ ،وﻫﻲ:
ﻋﻠﻰ ﺘﻘﺴﻴم اﻝﺒﺸر إﻝﻰ ﺜﻼﺜﺔ أﺠﻨﺎس أو ﻋروق ر ّ
أ -اﻝﻌرق اﻷﺒـﻴض )اﻝﻘوﻗـﺎزي( :ﻴﻤﺘـﺎز ﻫـذا اﻝﻌـرق ﺒﺼـﻔﺎت ﺨﺎﺼـﺔ ﻓـﻲ) :ﻋﻠـو اﻷﻨـف ودﻗّﺘـﻪ،
وﺘﺠﻌـدﻩ ،وﻜﺜـرة ﺸـﻌر اﻝﺠﺴـم
ﺘﻤوج اﻝﺸﻌر
ّ
اﻋﺘدال اﻝﺸﻔﺔ وﺒروز اﻝﻔ ّﻜﻴن ،اﺴﺘﻘﺎﻤﺔ اﻝﻌﻴﻨﻴنّ ،
وﻜﺜﺎﻓﺔ اﻝﻠﺤﻴﺔ(..
وﻴﻨــدرج ﻀــﻤن ﻫــذا اﻝﻌــرق :اﻝﻌــرق اﻝﻬﻨــدي – ﻋــرق اﻝﺒﺤــر اﻷﺒــﻴض اﻝﻤﺘوﺴــط ،اﻝﻌــرق
اﻷﻝﺒـ ــﻲ )وﺴـ ــط أوروﺒـ ــﺎ ( ،اﻝﻌـ ــرق اﻝﻨـ ــوردي )اﻹﻴراﻨﻴـ ــون ،اﻷﻓﻐـ ــﺎن ،اﻝﺒرﺒـ ــر ،اﻝﻤﺼ ـ ـرﻴون،
واﻷﺜﻴوﺒﻴون (.
38
اﻝﻤﺘوﺴــط واﻝﺸــﻔﺔ اﻝﻐﻠﻴظــﺔ ،واﻝﻔــك اﻝﺒــﺎرز ﺒﺸــﻜل
ب -اﻝﻌــرق اﻷﺴــود )اﻝزﻨﺠــﻲ( :ﻴﻤﺘــﺎز ﺒــﺎﻷﻨف
ّ
ﻜﺒﻴر .وﻜذﻝك ﺒﺎﻝﻌﻴون اﻝﻤﺴﺘﻘﻴﻤﺔ واﻝﺸﻌر اﻝﻘﺼﻴر اﻷﺸﻌث ،واﻝرأس اﻝﻤﺴﺘطﻴل.
وﻴﻤﺜّل ﻫذا اﻝﻌرق :زﻨوج أﻤرﻴﻜﺎ ،زﻨوج أﻓرﻴﻘﻴﺎ اﻝوﺴطﻰ ،واﻝﺤﺎﻤﻴون اﻝﻨﻴﻠﻴون ﻓﻲ ﻤﺼر .
ج -اﻝﻌــرق اﻷﺼــﻔر )اﻝﻤﻨﻐــوﻝﻲ( :ﻴﻤﺘــﺎز ﻫــذا اﻝﻌــرق ﺒﺒﺸـرة ﻤﻌﺘدﻝــﺔ اﻝدﻜﻨــﺔ ،وﻴﺘـراوح ﺒــﻴن اﻝﻠــون
اﻝﺒﻨــﻲ ﻜﻤــﺎ ﻋﻨــد )اﻝﻬﻨــود اﻝﺤﻤــر( ،واﻝﻠــون اﻷﺼــﻔر اﻝﻔــﺎﺘﺢ ﻜﻤــﺎ ﻋﻨــد )اﻝﺼــﻴﻨﻴﻴن
اﻝﻨﺤﺎﺴــﻲ ّ
ﺤد ﻤﺎ -ﻋﻠﻰ اﻝرأس،
اﻝﺸﻤﺎﻝﻴﻴن ( .ﻜﻤﺎ ﻴﻤﺘﺎز ﻫذا اﻝﻌرق ﺒﺎﺴﺘﻘﺎﻤﺔ اﻝﺸﻌر وﻨﻌوﻤﺘﻪ -إﻝﻰ ّ
وﻗﻠّﺔ ﻜﺜﺎﻓﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻝﺠﺴم واﻝذﻗن .
وﻴﻤﺜّـل ﻫـذا اﻝﻌـرق :اﻝﻤﻐـول اﻷﺼــﻠﻴون )اﻷﺴـﻜﻴﻤو ،اﻝﻴﺎﺒـﺎﻨﻴون ،اﻝﻜورﻴـون ،واﻝﺼـﻴﻨﻴون( وﻜــذﻝك،
اﻷﺘراك واﻷﻨدوﻨﻴﺴﻴون ،واﻝﻬﻨود اﻷﻤرﻴﻜﻴون ،وﺴﻜﺎن اﻝﺘﻴﺒت.
إن ﻫذﻩ اﻻﺨﺘﻼﻓﺎت اﻝﺸﻜﻠﻴﺔ اﻝظﺎﻫرة ﺒﻴن اﻝﻌروق )اﻷﻨواع( اﻝﺜﻼﺜﺔ ،ﻫﻲ اﻝﻌواﻤـل اﻷﺴﺎﺴـﻴﺔ اﻝﺘـﻲ
ّ
أن ﺒﻌــض اﻝﻌﻠﻤــﺎء
ﻻ
إ
.
ـﺎت
ـ
ﻌ
اﻝﻤﺠﺘﻤ
و
اد
ر
ـ
ﻓ
اﻷ
ـﻴن
ـ
ﺒ
ـز
ـ
ﻴ
ﻝﻠﺘﻤﻴ
ـﺔ،
ـ
ﻴ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠ
ـﺎت
ـ
ﺴ
ر
ا
اﻝد
ـﻲ
ـ
ﻓ
ـﺎ
ـ
ﻬ
ﻋﻠﻴ
ﻴﻌﺘﻤــد
ّ ّ
أن
ﻴﻀﻴﻔون ﻋﺎﻤﻼً آﺨر ﻝﻠﺘﻤﻴﻴز ﺒﻴن ﻋرق وآﺨـر ،ﻴﺘﻤﺜّـل ﻓـﻲ اﻝﻘـدرات اﻝذﻜﺎﺌﻴـﺔ )ﻨﺴـﺒﺔ اﻝـذﻜﺎء ( ،ﻤـﻊ ّ
أن اﻝزﻨﺠ ــﻲ اﻷﺴ ــود ،ﻋﻠ ــﻰ ﺴ ــﺒﻴل اﻝﻤﺜ ــﺎل ،ﻻ ﻴﻘـ ـ ّل ذﻜ ــﺎء ﻋ ــن
ﻫ ــذا اﻝﻌﺎﻤ ــل ﻝ ــم ﺘﺜﺒ ــت ﺼ ـ ّ
ـﺤﺘﻪ ،ﺤﻴ ــث ّ
اﻷﻤرﻴﻜﻲ اﻷﺒﻴض ،ﻓﻲ ﺤﺎل وﻓّرت ﻝـﻪ اﻝظروف اﻝﻨﻤﺎﺌﻴﺔ واﻝﺘرﺒوﻴﺔ اﻝﻤﻨﺎﺴﺒﺔ .
ـﺄن ﺘﻘـ ّـدم أي ﺸــﻌب ﻤــن
وﻴﻤﻴــل ﻤﻌظــم ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻴــوم ،إﻝــﻰ ﻨﺒــذ ﺤﺘــﻰ اﻝﻔﻜـرة اﻝﻘﺎﺌﻠــﺔ ﺒـ ّ
اﻝﺸــﻌوب ﻓــﻲ ﻤــدارج اﻝﺤﻀــﺎرة ،ﻴﻘــﻴم دﻝــﻴﻼً ﻏﻴــر ﻤﺒﺎﺸــر ﻋﻠــﻰ ﻗــدرات ﻫــذا اﻝﺸــﻌب اﻝﻔطرﻴــﺔ .وﻗــد ﺘــﺄﺜّر
ﻀﻴﺔ " ﻓﻲ
ﻴؤدﻴﻪ اﻨﺘﺸﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﺎت ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴق ّ
ﻫؤﻻء اﻝﻌﻠﻤﺎء ﺒﺎﻝدور اﻝذي ّ
اﻝﻌ َر ّ
اﻝﺘﻘدم ،وﺒﺄﺜر " اﻷﺤداث َ
ﻴﺴﻤﻰ ﺒﺎﻝﻘـدرات اﻝﻔطرﻴـﺔ ﻝﺸـﻌوب اﻝﻌـﺎﻝم ،وﻴـؤﺜرون
ﺘوﺠﻴﻪ
اﻝﺘطور .وﻝذﻝك ﺘراﻫم ﻴﻤﻴﻠون إﻝﻰ إﻫﻤﺎل ﻤﺎ ّ
ّ
95
ﻜﺘﺎﺒﺔ ﺘﺎرﻴﺦ اﻝﺤﻀﺎرة ﻓﻲ ﻀوء ﻋواﻤل اﻝﺒﻴﺌﺔ واﻝﺤظّ وﺘﺴﻠﺴل اﻷﺤداث اﻝﻤﺘراﺒطﺔ.
أن اﻝﺒﻴﺌ ــﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝطﺒﻴﻌﻴ ــﺔ ﻝﻬ ــﺎ دور ﻜﺒﻴ ــر ﻓ ــﻲ ﺘﻜ ــوﻴن اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ،
وﻫ ــذا ﻴﻌﻨ ــﻲ ّ
اﻝﻤﻨﺘﺠــﺔ واﻝﻤﺒدﻋــﺔ ،وﻝﻴﺴــت اﻝﻌواﻤــل اﻝوراﺜﻴــﺔ )اﻝﻌرﻗﻴــﺔ( ﻓﺤﺴــب .وﻫــذا ﻤــﺎ ﺒــدأت ﺘﺄﺨــذ ﺒــﻪ اﻝد ارﺴــﺎت
اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ اﻝﻤﻌﺎﺼرة.
39
اﻝﻤﺤﺎﻀرة اﻝﺴﺎدﺴﺔ
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
ّ
ﺘﻤﻬﻴد:
ﺘﺴـ ّـﻤﻰ اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ أﻴﻀ ـﺎً )اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ واﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ (.Culture and Personality
أن
وذﻝك ﺒﺎﻝﻨظر إﻝﻰ اﻝﻌﻼﻗﺔ اﻝوﺜﻴﻘﺔ ﺒـﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ واﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ .ﻓﻘـد أﺜﺒﺘـت ﺒﻌـض اﻝد ارﺴـﺎت ّ
اﻝﺘطﺎﺒق ﻓﻲ اﻝﺘﻘﻴﻴﻤﺎت اﻝﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻝﻠﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌت ،ﺒﻘﺼد د ارﺴـﺔ ﻤﻌـﺎدل " اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ – اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ
" ﺒﻠــﻎ ﺤـ ّـداً ﻜﺒﻴ ـ اًر ﻴــد ّل ﻋﻠــﻰ ﺘوﻗّــﻊ ﺤــدوث ﺘﻌــﺎون ﻤﺜﻤــر ،ﺒــﻴن اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن واﻝﺘﺤﻠﻴــل اﻝﻨﻔﺴــﻲ ﻓــﻲ
ﻴﺘدرب اﻝﺒﺎﺤث ﻋﻠﻰ ﻓروع ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋدﻴدة ﺤﺘـﻰ
أﺒﺤﺎث أﺨرى.وﻴد ّل أﻴﻀﺎً ،ﻋﻠﻰ ّ
أن ﻤن اﻝﻤﺴﺘﺤﺴن أن ّ
ﻴﺘﻤ ّﻜن ﻤن إﺠـراء اﻝﻤ ارﺤـل اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ ﻤـن اﻝﺒﺤـث واﻝﺘﺤﻠﻴـل ،واﻝﺘـﻲ ﺘﺘطﻠّﺒﻬـﺎ طرﻴﻘـﺔ اﻝﺘرﻜﻴـب " اﻝﺴـﻴﻜو-
96
ﺜﻘﺎﻓﻲ".
وﻤن ﻫذا اﻝﻤﻨطﻠق ،أ ّﻜدت ﻤﻌظم اﻝﺘﻌرﻴﻔﺎت اﻝﺘﻲ ﺘﻨﺎوﻝت ﻤﻔﻬـوم اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ،ارﺘﺒﺎطﻬـﺎ ﺒﺸـﻜل أﺴﺎﺴـﻲ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ظـﺎﻫرة ﻤﻼزﻤـﺔ ﻝﻺﻨﺴـﺎن ،ﺒﺎﻋﺘﺒــﺎرﻩ
ﺒﺎﻝﻨﺘﺎﺠـﺎت ) اﻹﺒداﻋﻴـﺔ واﻝﻔﻜرﻴـﺔ ( ﻝﻺﻨﺴـﺎن .وﻫـذا ﻴﻌﻨــﻲ ّ
ﻴﻤﺘﻠك اﻝﻠﻐﺔ ،واﻝﻠﻐﺔ وﻋﺎء اﻝﻔﻜر ،واﻝﻔﻜـر ﻴﻨـﺘﺞ ﻋـن ﺘﻔﺎﻋـل اﻝﻌﻤﻠﻴـﺎت اﻝﻌﻘﻠﻴـﺔ واﻝﻨﻔﺴـﻴﺔ اﻝﺘـﻲ ﻴﺘﻤﺘّـﻊ ﺒﻬـﺎ
ـس ﺒوﺠـودﻩ اﻝﺸﺨﺼـﻲ
اﻹﻨﺴﺎن دون ﻏﻴرﻩ ﻤن اﻝﻜﺎﺌﻨﺎت ّ
اﻝﺤﻴـﺔ .ﻓﺎﻝﻌﻨﺎﺼـر اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ وﺠـدت ﻤﻌـﻪ ﻤـذ أﺤ ّ
وﺘﺘﺤدد ﻤﻌﺎﻝﻤﻬﺎ ﻤﻊ ﺘط ّـور اﻹﻨﺴـﺎن ،إﻝـﻰ أن وﺼـﻠت إﻝـﻰ
ﻴﺘطور وﻴﺘّﺴﻊ،
ّ
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،وأﺨذ ﻤﻔﻬوﻤﻬﺎ ّ
ﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻵن.
ﻓﻤوﻀوع اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ اﻝﻨﻔﺴـﻴﺔ ،ﻴﺘﺤ ّـدد إذن ،ﻓـﻲ اﻝﻌﻼﻗـﺔ ﺒـﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ واﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ ،ﻫـذﻩ اﻝﻌﻼﻗـﺔ
اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺴ ــﻴر ﻓ ــﻲ اﺘّﺠ ــﺎﻫﻴن ﻤﺘﻜ ــﺎﻤﻠﻴن :اﺘّﺠ ــﺎﻩ ﻴﺄﺨ ــذ أﺜ ــر اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ،واﺘّﺠ ــﺎﻩ ﻴﺄﺨ ــذ أﺜ ــر
اﻝﻨﻔﺴﻴﺔ ،ﻋﻠﻤﺎء اﻝﻨﻔس ﻓﻲ اﻝوﺼول
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ .وﻤن ﻫﻨﺎ ،ﻓﻘد ﺴﺎﻋد ظﻬور اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ
ّ
ّ
إﻝ ــﻰ ﻓﻬ ــم أﻓﻀ ــل ﻝﻠﻤﺒ ــﺎدىء اﻝﺘ ــﻲ ﺘﺤﻜ ــم ﺘﺸ ــﻜﻴل اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ،وأﺜ ــﺎر ﻓ ــﻲ اﻝوﻗ ــت ذاﺘ ــﻪ اﻫﺘﻤ ــﺎم ﻋﻠﻤ ــﺎء
ﻝﻠﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻗدﻴﻤﻬﺎ وﺤدﻴﺜﻬﺎ.
اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴﺎ ﻝدراﺴﺔ اﻷﻨﻤﺎط اﻷﺴﺎﺴﺴﻴﺒﺔ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ وطﺒﻴﻌﺘﻬﺎ
أوﻻً-ﻤﻔﻬوم
ّ
اﺤﺘﻠّــت اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ واﻝﻌواﻤــل اﻝﻤــؤﺜّرة ﻓــﻲ ﺘﻜوﻴﻨﻬــﺎ ،ﻤﻜﺎﻨــﺔ ﻫﺎﻤــﺔ ﻓــﻲ اﻝد ارﺴــﺎت اﻝﻨﻔﺴـ ّـﻴﺔ
ﺘﻜﻴﻔﻬـﺎ وﺘﻔﺎﻋﻠﻬـﺎ ﻤـﻊ اﻝﺒﻴﺌــﺔ
ﻤﻜوﻨـﺎت ﻫـذﻩ اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ،
وﻜﻴﻔﻴـﺔ ّ
ّ
واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،وذﻝـك ﺒﻘﺼـد اﻝﺘﻌ ّـرف إﻝـﻰ ّ
وﺘطورﻫﺎ.
ﻝﺸﺨﺼﻴﺔ
اﻝﻤﺤﻴطﺔ ،وﺒﻤﺎ ﻴﺘﻴﺢ ﻨﻤو ا
ّ
ّ
وﻋﻠ ــﻰ اﻝ ــرﻏم ﻤ ــن اﻻﺘﻔ ــﺎق ﻋﻠ ــﻰ وﺤ ــدة ﻫ ــذﻩ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ وﺘﻜﺎﻤﻠﻬ ــﺎ ﻜﻨﺘ ــﺎج اﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﻤ ــن ﺠﻬ ــﺔ،
وﻜﻤﺤ ّـرك ﻝﺘﺼـ ّـرﻓﺎت اﻝﻔــرد وﻤواﻗﻔـﻪ اﻝﺤﻴﺎﺘﻴــﺔ ﻤــن ﺠﻬــﺔ أﺨـرى ،ﻓﻘــد ﺘﻌـ ّـددت ﺘﻌرﻴﻔﺎﺘﻬـﺎ ﺘﺒﻌـﺎً ﻝﻠﻨظــر إﻝﻴﻬــﺎ
ﻤﺘﻌددة.
ﻤن ﺠواﻨب ّ
ﻋرﻓﻬــﺎ ارﻝــف
أن اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ ّ
ﻓﺎﻨطﻼﻗـﺎً ﻤــن ّ
ﺘﻌﺒــر ﻋــن اﻝﺠــوﻫر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻝﺤﻘﻴﻘــﻲ ﻝﻺﻨﺴــﺎن ،ﻓﻘــد ّ
ﺒﺄﻨﻬــﺎ " :اﻝﻤﺠﻤوﻋــﺔ اﻝﻤﺘﻜﺎﻤﻠــﺔ ﻤــن ﺼــﻔﺎت اﻝﻔــرد اﻝﻌﻘﻠﻴــﺔ واﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ .أي اﻝﻤﺠﻤــوع اﻹﺠﻤــﺎﻝﻲ
ﻝﻴﻨﺘــونّ ،
40
97
ﻝﻘدرات اﻝﻔرد اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ ٕواﺤﺴﺎﺴﺎ ﺘﻪ وﻤﻌﺘﻘداﺘﻪ وﻋﺎداﺘﻪ ،واﺴﺘﺠﺎﺒﺎﺘﻪ اﻝﻌﺎطﻔﻴﺔ اﻝﻤﺸروطﺔ "
ﺒﺄﻨﻬﺎ " :ﺘﻨظﻴم ﺜﺎﺒت ﻝدرﺠﺔ ﻤـﺎ ،ﻝﻠﻘـوى اﻝداﺨﻠﻴـﺔ ﻝﻠﻔـرد .وﺘـرﺘﺒط ﺘﻠـك
ﻋرﻓﻬﺎ )ﻓﻴﻜﺘور ﺒﺎرﻨوا ( ّ
ﻜﻤﺎ ّ
اﻝﺤﺴـﻲ،
اﻝﻘوى ﺒﻜ ّل ﻤرّﻜب ﻤن اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت واﻝﻘﻴم واﻝﻨﻤـﺎذج اﻝﺜﺎﺒﺘـﺔ ﺒﻌـض اﻝﺸـﻲء ،واﻝﺨﺎﺼـﺔ ﺒـﺎﻹدراك
ّ
ﺤد ﻤﺎ – ﺜﺒﺎت اﻝﺴﻠوك اﻝﻔردي ". 98
ﺘﻔﺴر – إﻝﻰ ّ
واﻝﺘﻲ ّ
أن اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ :ﻫ ـﻲ اﺴــﺘﺠﺎﺒﺎت اﻝﻔــرد
واﺘﻔﺎﻗ ـﺎً ﻤــﻊ اﻝﺘﻌ ـرﻴﻔﻴن اﻝﺴــﺎﺒﻘﻴن ،ﻴــرى ) أﻓﻠوﻴــد ﻝﻴــورت ( ّ
99
وﻜﻴﻔﻴﺔ ﺘواﻓﻘﻪ ﻤﻊ اﻝﻤظﺎﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﻤﺤﻴطﺔ ﺒﻪ.
اﻝﻤﻤﻴزة ﻝﻠﻤﺜﻴرات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ،
ّ
ّ
ﻴﻌﺒر ﻤﻔﻬـوم اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ ﻋـن اﻝوﺼـف اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻝﻺﻨﺴـﺎن ،واﻝـذي ﻴﺸـﻤل اﻝﺼـﻔﺎت اﻝﺘـﻲ
وﻫﻜذاّ ،
ﺘﺘﻜـ ّـون ﻋﻨــد اﻝﻜــﺎﺌن اﻝﺒﺸــري ﻤــن ﺨــﻼل اﻝﺘﻔﺎﻋــل ﻤــﻊ اﻝﻤــؤﺜّرات اﻝﺒﻴﺌﻴــﺔ ،واﻝﺘﻌﺎﻤــل ﻤــﻊ أﻓ ـراد اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ
ﻴﻌﺒـر ﻋﻨـﻪ ﺒ ـ )اﻝﺠـوﻫر اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ ﻝﻺﻨﺴـﺎن( .أي ّأﻨﻬـﺎ ﻤﺠﻤوﻋـﺔ اﻝﺨﺼـﺎﺌص
ﺒﺼورة ﻋﺎﻤﺔ .وﻫذا ﻤﺎ ّ
ﺘﻤﻴـز ﻓـرداّ إﻨﺴـﺎﻨﺎً ﺒذاﺘـﻪ ،ﻤـن ﻏﻴـرﻩ ﻓـﻲ اﻝﺒﻨﻴـﺔ اﻝﺠﺴـدﻴﺔ اﻝﻌﺎﻤـﺔ ،وﻓـﻲ اﻝـذﻜﺎء واﻝطﺒـﻊ
)اﻝﺼﻔﺎت( اﻝﺘﻲ ّ
واﻝﺴﻠوك اﻝﻌﺎم .
وﺘﺘﻌدل ﻫـذﻩ اﻷﻓﻌـﺎل
ﻓﺎﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺔ ﻝدى اﻹﻨﺴﺎن ،ﺘرﺘﺒط ﺒﺎﻷﻓﻌﺎل اﻝﺴﻠوﻜﻴﺔ اﻝﻤﺼﺎﺤﺒﺔ،
ّ
ﻋــن طرﻴــق اﻝﺨﺒ ـرة اﻝﺘــﻲ ﻴﻜﺘﺴــﺒﻬﺎ ﻤــن اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ .ﻓﺎﻝطﻌــﺎم ﻜﺎﺴــﺘﺠﺎﺒﺔ ﻝﻠﺤﺎﺠــﺔ اﻝﻔﻴزﻴزﻝوﺠﻴــﺔ اﻝﻐذاﺌﻴــﺔ،
ﻤﻌﻴن ﻴﺘﻤﺜّل ﻓﻲ طرﻴﻘﺔ ﺘﻨﺎول اﻝطﻌـﺎم ،ﺒﺼـورﻫﺎ اﻝﻤﺘﻌ ّـددة ..ﻓﻬـﻲ ﺘﺘﻀ ّـﻤن ﻜـ ّل أﻓﻌـﺎل
ﻴﺼﺎﺤﺒﻬﺎ ﺴﻠوك ّ
اﻝﻔ ــرد وأﻨﺸ ــطﺘﻪ اﻝﺠﺴ ــﻤﺎﻨﻴﺔ واﻝﺴ ــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،وأﻴﻀـ ـﺎً اﻝ ــﺘﻌﻠّم واﻝﺘﻔﻜﻴ ــر ،وﻜـ ـ ّل ﺸ ــﻲء ﻴ ــدﺨل ﻓ ــﻲ ﻤﺤﺘ ــوى
اﻝﺴﻠوك ،ﺤﺘﻰ اﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺘﻨدرج ﺘﺤت ﻤﻔﻬوم ﻫذا اﻝﻤﺼطﻠﺢ.
وﺘﺘﻤﻴــز ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﺴــﻠوك ﺒﺨﺎﺼــﺘﻴن أﺴﺎﺴــﻴﺘﻴن :اﻷوﻝــﻰ :اﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت اﻝﻤﺎدﻴــﺔ ،واﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ :اﻝﻌﻤﻠﻴــﺎت
ّ
اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ .وﻴﻨدرج ﺘﺤت اﻝﻌﻤﻠﻴﺎت اﻝﺴﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ،ﻤﺎ ﻴﻌرف ﺒﺄﻨﺴﺎق اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌرﻓﺔ .وﻴﺸﻴر ﺘﺼﻨﻴف
رد ﻓﻌــل،
ﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﺴــﻠوك إﻝــﻰ ﺘﻔﺎﻋــل اﻝﻔــرد ﻤــﻊ اﻝﺒﻴﺌــﺔ ،ﻓــﺎﻝﻔرد ﻋﻨــدﻤﺎ ﻴواﺠــﻪ ﻨظﺎﻤـﺎً ﺠدﻴــداً ،ﻴﺤــدث ﻝدﻴــﻪ ّ
ﻝ ــﻴس ﻓﻘ ــط ﻓ ــﻲ ﻤوﻀ ــوﻋﻴﺘﻪ ،وﻝﻜ ــن أﻴﻀـ ـﺎً ﻓ ــﻲ اﺘﺠﺎﻫﺎﺘ ــﻪ وﻗﻴﻤ ــﻪ وﻤﻌﺎرﻓ ــﻪ اﻝﺘ ــﻲ اﻜﺘﺴ ــﺒﻬﺎ ﻤ ــن ﺨﺒ ارﺘ ــﻪ
ﻴؤﻴــد ﺒﻌــض اﻝﻌﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝــوﺠﻴﻴن ﺘــﺄﺜﻴر اﻝﻌﻨﺎﺼــر اﻝﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ ﻓــﻲ ﻤﺤﺘــوى
اﻝﻤﺎﻀــﻴﺔ ..وﻝــذﻝكّ ،
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﻫـﻲ ﻨﺘـﺎج اﻝﺼـﻴﻐﺔ
ﺒﺄن
اﻝﺼﻴﻐﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﻲ دراﺴﺘﻬم ﻝﻠﺜﻘﺎﻓﺔ و
ّ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ،وذﻝك ﻻﻋﺘﻘﺎدﻫم ّ
100
اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﺴود ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﻤﺎ.
وﻝﻜﻨــﻪ ﻓــﻲ اﻝوﻗــت ذاﺘــﻪ ﻴﺸــﺘرك ﻤــﻊ
ﻤﺘﻤﻴـزة وﻤﺘﻔـ ّـردة ﺒﺴــﻤﺎﺘﻬﺎ وﺨﺼﺎﺌﺼــﻬﺎّ ،
إن ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ ﻜـ ّل ﻓــرد ّ
ّ
اﻵﺨ ـرﻴن ﻤــن أﺒﻨــﺎء ﺠﻨﺴــﻪ ،ﻓــﻲ اﻝﻜﺜﻴــر ﻤــن اﻝﻤظــﺎﻫر اﻝﺘــﻲ ﺘﺠﻌﻠــﻪ ٕواﻴــﺎﻫم ﻤــن ﺠــﻨس واﺤــد .وﻝــذﻝك
ﺘﺘّﺼ ــف اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴ ــﺎﻨﻴﺔ ﺒﻨ ــوع ﻤ ــن اﻝﺜﺒ ــﺎت ،ﻴﺒ ــدو ﻓ ــﻲ ﻤواﻗﻔﻬ ــﺎ واﺘّﺠﺎﻫﺎﺘﻬ ــﺎ وأﺴ ــﺎﻝﻴب ﺘﻌﺎﻤﻠﻬ ــﺎ،
ﻝﻠﺘﻐﻴــر واﻝﺘطـ ّـور .وﻫــذا ﻤــﺎ ﺘﺤـ ّـددﻩ ﻤﻜوﻨــﺎت
ﺒﻬوﻴﺘﻬــﺎ .وﻓــﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒــل ،ﺘﺨﻀ ـﻊ ﻫــذﻩ اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ ّ
وﺸــﻌورﻫﺎ ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ ،واﻝﺒﻴﺌﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻨﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ وﺘﻨﻤو ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى.
ّ
ﻤﻜوﻨﺎﺘ ــﻪ اﻝﺠﺴ ــدﻴﺔ
ﻓﻜ ــون اﻹﻨﺴ ــﺎن ّ
ﻴﺘﻤﻴ ــز ﺒﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺘﻪ وﻻ ﻴﺸ ــﺒﻪ أﺤ ــداً ،ﻓﻬ ــذا ﻴﻌﻨ ــﻲ ّ
أن ﻝﻜـ ـ ّل ﻓ ــرد ّ
ﻤﻤﻴـز ﻻ ﻴﺘﻜ ّـرر ﻋﻨـد
اﻝﺨﺎﺼﺔ ،وﻝﻪ طرﻴﻘﺘﻪ وأﺴﻠوﺒﻪ ﻓﻲ اﻝﺸﻌور واﻹدراك واﻝﺴﻠوك ،ﺒﻤﺎ ﻴطﺒﻌﻪ ﺒطﺎﺒﻊ ّ
أي ﺸﺨص آﺨر ﺒﺎﻝﺼورة ذاﺘﻬﺎ.
ﻓﺜﻤﺔ ﻤظﻬران ﻝذﻝك:
أﻤﺎ ﻜون اﻹﻨﺴﺎن ﻴﺸﺒﻪ اﻝﻨﺎس اﻵﺨرﻴنّ ،
ّ
41
اﻷول ّ :أﻨﻪ ﻴﺸـﺒﻪ اﻝﻨـﺎس ﻜﻠّﻬـم ﻤـن ﺤﻴـث اﻝﺴـﻤﺎت اﻝﻤﺸـﺘرﻜﺔ ﻓـﻲ اﻹرث اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ ،واﻝﺒﻴﺌـﺔ اﻝﺘـﻲ
ّ
ﻴﻌﻴﺸـ ــون ﻓﻴﻬـ ــﺎ ،واﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ــﺎت واﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺎت اﻝﺘـ ــﻲ ﻴﻨﺘﻤـ ــون إﻝﻴﻬ ـ ـﺎ .ﻓﻠﻜ ـ ـ ّل ﻓـ ــرد ﻫﻨـ ــﺎ ،اﻝﺘﻜـ ــوﻴن
ﺤﻴﺎً اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً .
اﻝﻌﻀوي /اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻲ ذاﺘﻪ ،ﺒوﺼﻔﻪ ﻜﺎﺌﻨﺎً ّ
اﻝﺜـﺎﻨﻲ ّ :أﻨــﻪ ﻴﺸــﺒﻪ ﺒﻌـض اﻝﻨــﺎس ،ﻓﻬـذا ﻤــﺎ ﻴﻼﺤـظ ﻓــﻲ ﺘﺸــﺎﺒﻪ ﺴـﻤﺎت ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻝﻔـرد ﻤــﻊ ﺴــﻤﺎت
أﻋﻀـ ــﺎء اﻝﺠﻤﺎﻋـ ــﺔ اﻝﺘـ ــﻲ ﻴﻨﺘﻤـ ــﻲ إﻝﻴﻬـ ــﺎ ،أو ﺒﻌـ ــض اﻷﻓ ـ ـراد اﻝـ ــذﻴن ﻴﻨﺸـ ــﺄ – أو ﻴﺘﻌﺎﻤـ ــل –
101
ﻤﻌﻬـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم.
102
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﺘﺘّﺴم ﺒﺎﻝﺨﺼﺎﺌص اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ:
إن
ّ
وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺘﻘ ّدم ،ﻴﻤﻜن اﻝﻘولّ :
وﺘﺘطور ﻓـﻲ وﺤـدة ﻤﺘﻜﺎﻤﻠـﺔ ،ﻤـن ﺨـﻼل ﺘـﺂزر ﺴـﻤﺎت
ﻓﺎﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﺘﻨﻤو
اﻝﻨﻤو واﻝﺘﻜﺎﻤل :ّ
ّ
ـﺘﻤرة وﻤﺘﻔﺎﻋﻠـﺔ ﻤـﻊ ﻤواﻗـف اﻝﺤﻴـﺎة اﻝﻤﺨﺘﻠﻔـﺔ،
ﻫذﻩ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ وﻗدراﺘﻬﺎ ،وﻋﻤﻠﻬﺎ ﺒﺼـورة ﻤﺴ ّ
وﻻ ﺴـ ّـﻴﻤﺎ ﺘﻔﺎﻋــل اﻹﻨﺴــﺎن ﻤــﻊ ﺒﻴﺌﺘــﻪ وأﻨﻤــﺎط اﻝﺘﻨﺸــﺌﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻤﺘﻌــددة اﻝﺘــﻲ ﻴﺘﻌـ ّـرض
ﻝﻬــﺎ ،وﺒﺎﻝﺘــﺎﻝﻲ اﺴــﺘﺠﺎﺒﺔ ﻫــذﻩ اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ ﺒﻌﻨﺎﺼــرﻫﺎ اﻝﻜﺎﻤﻠــﺔ ،ﻓــﻲ أﺜﻨــﺎء اﻝﺘﻌﺎﻤــل ﻤــﻊ ﻫــذﻩ
اﻝﻤﺘﻨوﻋﺔ.
اﻝﻤواﻗف
ّ
ﺒﺄﻨــﻪ ﻫــو ذاﺘــﻪٕ ،وان ﺤــدﺜت ﻝ ــﻪ
اﻝﻬوﻴــﺔ
-1
اﻝﺸﺨﺼــﻴﺔ )اﻝذاﺘﻴــﺔ( :وﺘﻌﻨــﻲ ﺸــﻌور اﻝﻔــرد ّ
ّ
ّ
وﻴﺘﺒدل ﻤن ﻴوم
ﻴﺘﻐﻴر
ﺘﻐﻴرات ﺠﺴدﻴﺔ
ّ
وﻨﻔﺴﻴﺔ ،ﻋﺒر ﻤراﺤﻠﻪ اﻝﻨﻤﺎﺌﻴﺔ .ﻓﻤن طﺒﻴﻌﺔ اﻹﻨﺴﺎن أن ّ
ّ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﻜﺎﻓﺔ ،ﻤن ﺒداﻴﺔ اﻝﺤﻴﺎة وﺤﺘﻰ
اﻝﺘطور ،واﻝذي ﻴﺸﻤل ﺠواﻨب
إﻝﻰ آﺨر ،ﺒﺤﻜم ﻗﺎﻨون
ّ
ّ
اﻝﺘﻐﻴ ـرات اﻝﺠﺴــدﻴﺔ أو
أن ﻫوﻴﺘــﻪ اﻷﺴﺎﺴـ ّـﻴﺔ ﺘﺒﻘــﻰ ﻫــﻲ ذاﺘﻬــﺎ ،ﻋﻠــﻰ اﻝــرﻏم ﻤــن ّ
ﻨﻬﺎﻴﺘﻬــﺎ .ﻏﻴــر ّ
اﻝوﺠداﻨﻴﺔ ،اﻝﺘﻲ ﺘﺤدث ﺒﻔﻌل ﻋﺎﻤﻠﻲ ) :اﻝﻌﻤر واﻝﺜﻘﺎﻓﺔ( .
ـﺘﻤرة ﻤــﺎ دام
-2
اﻝﺜﺒـــﺎت و ّ
اﻝﺘﻐﻴـــر :أي ّ
أن ﺨﺎﺼــﻴﺔ اﻝﺜﺒــﺎت ﻓــﻲ اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻤﺴـ ّ
اﻝﺘطور ،اﻝﺘﻲ
اﻝﺸﺨص ﻋﻠﻰ ﻗﻴد اﻝﺤﻴﺎة ،وﻓﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒل ﻓﻬذﻩ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﺘﺎﺒﻌﺔ ﻝﺨﺎﺼﻴﺔ ّ
ّ
اﻝﺘﻐﻴر و ّ
اﻝﺘﻐﻴرات
ﺘﺤدث ﺒﻔﻌل اﻝﻤؤﺜّرات اﻝﻤﺤﻴطﺔ ﺒﺎﻝﺸﺨص ،واﻝﺘﻲ ﺘﺘﻔﺎوت ﻓﻲ ّ
ﺸدة ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻬﺎ ﻹﺤداث ّ
اﻝﺘطورﻴﺔ.
ّ
وﻫــذا اﻝﺜﺒــﺎت اﻝــذي ﻴﺘﺠﻠّــﻰ ﻓــﻲ) :اﻷﻋﻤــﺎل وأﺴــﻠوب اﻝﺘﻌﺎﻤــل ﻤــﻊ اﻵﺨ ـرﻴن ،وﻓــﻲ اﻝﺒﻨــﺎء اﻝــداﺨﻠﻲ
واﻝﺨـﺎرﺠﻲ ﻝﻠﺸــﺨص ،ﺒﻤـﺎ ﻓــﻲ ذﻝـك اﻝــدواﻓﻊ واﻻﻫﺘﻤﺎﻤـﺎت واﻻﺘﺠﺎﻫــﺎت ،واﻝﺨﺒـرات( ﻫــو اﻝـذي ﻴﺴــﻤﺢ –
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ.
ﺒﺎﻝﺘﻨﺒؤ اﻝﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻲ ﻝﻬذﻩ
أﺤﻴﺎﻨﺎً –
ّ
ّ
أن
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﺘﻨﻤو وﺘﺘطّور ﻤن ﺨﻼل اﻝﺘﻔﺎﻋل
أن
ّ
اﻝﻤﺴﺘﻤر ﻤﻊ ﻤﺎ ﻴﺤﻴط ﺒﻬﺎ .وﻜﻤـﺎ ّ
واﻝﺨﻼﺼﺔّ ،
ّ
ـﺎﻝﺘﻐﻴر واﻝﺘط ـ ّـور أﻴﻀـ ـﺎً ﺴ ــﻤﺘﺎن ﻤﻼزﻤﺘ ــﺎن ﻝﻠﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔٕ .واذا ﻜ ــﺎن
اﻝﺜﺒ ــﺎت ﺴ ــﻤﺔ أﺴﺎﺴ ــﻴﺔ ﻝﻠﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ،ﻓ ـ ّ
اﻻﻫﺘﻤ ــﺎم ﺒد ارﺴ ــﺔ اﻝﺸﺨﺼ ـ ّـﻴﺔ ﻗﻠ ــﻴﻼً ﻓ ــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ ،ﻨظـ ـ اًر ﻝﻌ ــدم اﻝﻨظ ــر إﻝ ــﻰ اﻝﻔ ــرد ﻜوﺤ ــدة
أدى
ـﺈن ﺘﻌﻘّـد اﻝﻤﺸـﻜﻼت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ /اﻹﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ ،وﺘط ّـور اﻝﻨظـرة إﻝـﻰ دور اﻹﻨﺴـﺎن ﻓﻴﻬـﺎّ ،
ﻤﺘﻜﺎﻤﻠﺔ ،ﻓ ّ
إﻝــﻰ زﻴــﺎدة اﻻﻫﺘﻤــﺎم ﺒد ارﺴــﺔ طﺒﻴﻌــﺔ اﻝﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ ،ﻻﻜﺘﺸــﺎﻓﻬﺎ ٕواﻴﺠــﺎد أﻓﻀــل اﻝط ارﺌــق ﻝﻠﺘﻌﺎﻤــل
ﻤﻌﻬﺎ وﺘوظﻴف ﻗدراﺘﻬﺎ.
ﺜﺎﻨﻴﺎً-ﻤﻔﻬوم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ وﺨﺼﺎﺌﺼﻬﺎ
ﻫﺎﻤ ـﺎً ﻓــﻲ ﺘﺼــﻨﻴف اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت واﻷﻤــم ،وﺘﻤﻴﻴــز ﺒﻌﻀــﻬﺎ ﻤــن ﺒﻌــض ،وذﻝــك
ﺘﻌـ ّـد اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻋــﺎﻤﻼً ّ
42
ﺒﺎﻝﻨظر ﻝﻤﺎ ﺘﺤﻤﻠﻪ ﻤﻀﻤوﻨﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤـن ﺨﺼـﺎﺌص ودﻻﻻت ذات أﺒﻌـﺎد ﻓردﻴـﺔ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔٕ ،واﻨﺴـﺎﻨﻴﺔ
أﻴﻀﺎً.
وﻝــذﻝك ،ﺘﻌ ـ ّـددت ﺘﻌرﻴﻔ ــﺎت اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ وﻤﻔﻬوﻤﺎﺘﻬ ــﺎ ،وظﻬــرت ﻋﺸـ ـرات اﻝﺘﻌرﻴﻔ ــﺎت ﻤ ــﺎ ﺒ ــﻴن )-1871
(1963ﻤﻨﻬــﺎ ﻤــﺎ أﺨــذ ﺒﺎﻝﺠواﻨــب اﻝﻤﻌﻨوﻴــﺔ اﻝﻔﻜرﻴــﺔ ،أو ﺒﺎﻝﺠواﻨــب اﻝﻤوﻀــوﻋﻴﺔ اﻝﻤﺎدﻴــﺔ ،أو ﺒﻜﻠﻴﻬﻤــﺎ
اﻝﻌﻠﻤﻴـﺔ
ﻤﻌﺎً ،ﺒﺎﻋﺘﺒﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ -ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻝﻌﺎم -ﺘﻤﺜّل ﺴﻴرورة اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ٕواﺒداﻋﺎﺘـﻪ اﻝﻔﻜرﻴـﺔ و ّ
.
اﻝﺘﻨوع ﻓﻲ اﻝﺘﻌرﻴﻔﺎت ،ﺤدا ﺒ ـ ) إدﺠـﺎر ﻤـوران ( أن ﻴﻘـول ﺒﻌـد ﻤـرور ﻗـرن ﻋﻠـﻰ أول ﺘﻌرﻴـف
وﻫذا ّ
وﻜﺄﻨﻬـﺎ ﻜﻠﻤـﺔ ﺜﺎﺒﺘــﺔ ،ﺤﺎزﻤـﺔ ،واﻝﺤــﺎل
أﻨﺜروﺒوﻝـوﺠﻲ ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺔ " :ﻜﻠﻤــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﺒداﻫـﺔ ﺨﺎطﺌــﺔ ،ﻜﻠﻤـﺔ ﺘﺒــدو ّ
أن ﻤﻔﻬـوم اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻝـﻴس أﻗـ ّل ﻏﻤوﻀـﺎً وﺘﺸـ ّﻜﻜﺎً
ﻤﻨوﻤـﺔّ ،
ّأﻨﻬـﺎ ﻜﻠﻤـﺔ ﻓ ّ
ﻤﻠﻐﻤـﺔ ،ﺨﺎﺌﻨــﺔ ..اﻝواﻗـﻊ ّ
ـﺦ ،ﺨﺎوﻴـﺔّ ،
103
وﺘﻌدداً ،ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻹﻨﺴﺎن ﻤﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻝﺘﻌﺒﻴر اﻝﻴوﻤﻲ "
ّ
-1ﻤﻔﻬوم اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ :
وﻝﻌ ّل أﻗدم ﺘﻌرﻴف ﻝﻠﺜﻘﺎﻓـﺔ ،وأﻜﺜرﻫـﺎ ﺸـﻴوﻋﺎً ،ذﻝـك اﻝﺘﻌرﻴـف اﻝـذي وﻀـﻌﻪ ) ادوارد ﺘـﺎﻴﻠور ( واﻝـذي
ـﺄن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ :ﻫــﻲ ذﻝــك اﻝﻜ ـ ّل اﻝﻤرّﻜــب اﻝــذي ﻴﺸــﺘﻤل ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﻌرﻓــﺔ واﻝﻌﻘﺎﺌــد ،واﻝﻔــن واﻷﺨــﻼق
ﻴﻔﻴــد ﺒـ ّ
104
واﻝﻘﺎﻨون ،واﻝﻌﺎدات وﻏﻴرﻫﺎ ﻤن اﻝﻘدرات اﻝﺘﻲ ﻴﻜﺘﺴﺒﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﺒوﺼﻔﻪ ﻋﻀواً ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ.
إن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫـﻲ ذﻝـك اﻝﻜـ ّل اﻝﻤرّﻜـب
وﻋرﻓﻬﺎ ﻋﺎﻝم اﻻﺠﺘﻤﺎع اﻝﺤدﻴث ) روﺒرت ﺒﻴرﺴﺘﻴد ( ﺒﻘوﻝﻪ ّ " :
ّ
اﻝذي ﻴﺘﺄﻝف ﻤن ﻜ ّل ﻤﺎ ﻨﻔ ّﻜر ﻓﻴﻪ ،أو ﻨﻘوم ﺒﻌﻤﻠﻪ أو ﻨﻤﺘﻠﻜﻪ ،ﻜﺄﻋﻀﺎء ﻓﻲ ﻤﺠﺘﻤﻊ " .
ﺘﺘﻜون ﻤن ﻜـ ّل
وﻀﻤن ﻫذا اﻝﻤﻔﻬوم ،ﻴرى )ﺠﻴﻤس ﺴﺒرادﻝﻲ ّ (J. Spradley
أن ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊّ ،
إن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ
ﻤــﺎ ﻴﺠــب ﻋﻠــﻰ اﻝﻔــرد أن ﻴﻌرﻓــﻪ أو ﻴﻌﺘﻘــدﻩ ،ﺒﺤﻴــث ﻴﻌﻤــل ﺒطرﻴﻘــﺔ ﻴﻘﺒﻠﻬــﺎ أﻋﻀــﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊّ .
ﻤﺎدﻴــﺔ ﻓﺤﺴــب ،أي ّأﻨﻬــﺎ ﻻ ﺘﺘﻜـ ّـون ﻤــن اﻷﺸــﻴﺎء أو اﻝﻨــﺎس أو اﻝﺴــﻠوك أو اﻻﻨﻔﻌــﺎﻻت،
ﻝﻴﺴــت ظــﺎﻫرة ّ
ﺸﺨﺼﻴﺔ اﻹﻨﺴﺎن .ﻓﻬﻲ ﻤﺎ ﻴوﺠد ﻓﻲ ﻋﻘول اﻝﻨﺎس ﻤن أﺸﻜﺎل ﻝﻬـذﻩ
ٕواّﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﺘﻨظﻴم ﻝﻬذﻩ اﻷﺸﻴﺎء ﻓﻲ
ّ
105
اﻷﺸﻴﺎء.
وﻫــذا ﻴﺘّﻔــق إﻝــﻰ ﺤـ ّـد ﺒﻌﻴــد ﻤــﻊ اﻝﺘﻌرﻴــف اﻝــذي ﻴﻔﻴــد ﺒــﺄن ﻤﺼــطﻠﺢ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ Cultureﻓــﻲ اﻝﻠﻐ ــﺔ
اﻹﻨﻜﻠﻴزﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻤﻌﻨﻰ اﻝﺤﻀﺎرة Civilizationﻜﻤﺎ ﻓﻲ اﻝﻠﻐﺔ اﻷﻝﻤﺎﻨﻴﺔ ،ﻝﻪ وﺠﻬﺎن:
وﺠــــﻪ ذاﺘــــﻲ :ﻫـ ــو ﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ اﻝﻌﻘـ ــل ..ووﺠــــﻪ ﻤوﻀــــوﻋﻲ :ﻫـ ــو ﻤﺠﻤوﻋـ ــﺔ اﻝﻌـ ــﺎدات واﻷوﻀـ ــﺎع
اﻝﻔﻨﻴــﺔ واﻷدﺒﻴــﺔ ،واﻝطــرق اﻝﻌﻠﻤﻴــﺔ واﻝﺘﻘﻨﻴــﺔ ،وأﻨﻤــﺎط اﻝﺘﻔﻜﻴــر
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،واﻵﺜــﺎر اﻝﻔﻜرﻴــﺔ واﻷﺴــﺎﻝﻴب ّ
واﻹﺤﺴــﺎس ،واﻝﻘــﻴم اﻝذاﺌﻌــﺔ ﻓــﻲ ﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻤﻌـ ّـﻴن .ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻫــﻲ طرﻴــق ﺤﻴــﺎة اﻝﻨــﺎس ،وﻜ ـ ّل ﻤــﺎ ﻴﻤﻠﻜــون
106
وﻴﺘداوﻝون ،اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎً وﺒﻴوﻝوﺠﻴﺎً.
ورّﺒﻤ ــﺎ ﻴﻜ ــون أﺤ ــدث ﻤﻔﻬ ــوم ﻝﻠﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،ﻫ ــو ﻤ ــﺎ ﺠ ــﺎء ﻓ ــﻲ اﻝﺘﻌرﻴ ــف اﻝ ــذي اﺘّﻔ ــق ﻋﻠﻴ ــﻪ ﻓ ــﻲ إﻋ ــﻼن
أن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ – ﺒﻤﻌﻨﺎﻫــﺎ اﻝواﺴــﻊ – ﻴﻤﻜــن اﻝﻨظــر إﻝﻴﻬــﺎ
ﻨص ﻋﻠــﻰ ّ
ﻤﻜﺴــﻴﻜو ) 6أوت ،( 1982واﻝــذي ﻴ ـ ّ
ﺘﻤﻴز ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﺒﻌﻴﻨﻪ ،أو ﻓﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﻋﻠﻰ ّأﻨﻬﺎ " :ﺠﻤﻴﻊ اﻝﺴﻤﺎت اﻝروﺤﻴﺔ واﻝﻤﺎدﻴﺔ واﻝﻌﺎطﻔﻴﺔ ،اﻝﺘﻲ ّ
ﺒﻌﻴﻨﻬﺎ .وﻫﻲ ﺘﺸﻤل :اﻝﻔﻨون واﻵداب وطراﺌق اﻝﺤﻴﺎة ..ﻜﻤﺎ ﺘﺸﻤل اﻝﺤﻘوق اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻝﻺﻨﺴﺎن ،وﻨظم
اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌﺘﻘدات واﻝﺘﻘﺎﻝﻴد " .
43
أن اﻝﺤﻀــﺎرة ﻤــﺎ ﻫــﻲ إﻻّ ﻤﺠـ ّـرد ﻨــوع ﺨــﺎص ﻤــن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ،أو
وﻴﻌﺘﻘــد ﻤﻌظــم ﻋﻠﻤــﺎء اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺎ ّ
ﺒــﺎﻷﺤرى ،ﺸــﻜل ﻤﻌﻘّــد أو " ار ٍ
ق " ﻤــن أﺸــﻜﺎل اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ .وﻝــذﻝك ﻝــم ﻴﻌﺘﻤــدوا ﻗ ـطّ ،اﻝﺘﻤﻴﻴــز اﻝــذي وﻀــﻌﻪ
ﻴﻤﻴــزون ﺒــﻴن
أن ﺒﻌــض ﻋﻠﻤــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎع ّ
ﻋﻠﻤــﺎء اﻻﺠﺘﻤــﺎع ﺒــﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ واﻝﺤﻀــﺎرة .ﻓﻤــن اﻝﻤﻌــروف ّ
اﻝﺤﻀﺎرة ﺒوﺼﻔﻬﺎ " اﻝﻤﺠﻤوع اﻹﺠﻤﺎﻝﻲ ﻝﻠوﺴﺎﺌل اﻝﺒﺸرﻴﺔ " وﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﺒوﺼﻔﻬﺎ " اﻝﻤﺠﻤـوع اﻹﺠﻤـﺎﻝﻲ
107
ﻝﻠﻐﺎﻴﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ".
وﺘﺄﺴﻴﺴ ـ ـﺎً ﻋﻠـ ــﻰ ذﻝـ ــك ،اﻋﺘﻤـ ــد ﻜﺜﻴـ ــر ﻤـ ــن اﻝﺒـ ــﺎﺤﺜﻴن ﻓـ ــﻲ د ارﺴـ ــﺔ اﻷﻨﺜرﺒوﻝوﺠﻴـ ــﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـ ــﺔ اﻝﻨﻔﺴـ ـ ّـﻴﺔ
واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺜﻼﺜﺔ ﻤﻔﻬوﻤﺎت أﺴﺎﺴﻴﺔ ،ﻫﻲ :
اﻝﺘﺤﻴزات اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ :وﺘﺸﻤل اﻝﻘﻴم واﻝﻤﻌﺘﻘدات اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ ﺒﻴن اﻝﻨﺎس .
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘرﺒط اﻝﻨﺎس ﺒﻌﻀﻬم ﻤﻊ ﺒﻌض .
اﻝﻌﻼﻗﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ :وﺘﺸﻤل اﻝﻌﻼﻗﺎتّ
اﻝﺘﺤﻴ ـزات اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻝﻌﻼﻗــﺎت
أﻨﻤـــﺎط أﺴـــﺎﻝﻴب اﻝﺤﻴـــﺎة :اﻝﺘــﻲ ﺘﻌـ ّـد اﻝﻨــﺎﺘﺞ اﻝﻜﻠّــﻲ اﻝﻤرّﻜــب ﻤــنّ
108
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
وﻴﻌﺒ ــر ﻋ ــن ﻨﻔﺴ ــﻪ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ﺘﻬ ــدي اﻹﻨﺴ ــﺎن إﻝ ــﻰ اﻝﻘ ــﻴم ،ﺤﻴ ــث ﻴﻤ ــﺎرس اﻻﺨﺘﻴ ــﺎر ّ
وﻫ ــذا ﻴﻌﻨ ــﻲ ّ
ﺒﺎﻝطرﻴﻘـﺔ اﻝﺘـﻲ ﻴرﻏﺒﻬـﺎ ،وﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ ﻴﺘﻌ ّـرف إﻝـﻰ ذاﺘـﻪ وﻴﻌﻴـد اﻝﻨظـر ﻓـﻲ إﻨﺠﺎ ازﺘـﻪ وﺴـﻠوﻜﺎﺘﻪ .وﻋﻠـﻰ اﻝـرﻏم
ـﺈن أﻴــﺔ ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻻ ﺘؤﻝّــف ﻨظﺎﻤ ـﺎً ﻤﻐﻠﻘ ـﺎً ،أو ﻗواﻝــب ﺠﺎﻤــدة ﻴﺠــب أن ﻴﺘطــﺎﺒق ﻤﻌﻬــﺎ ﺴــﻠوك
ﻤــن ذﻝــك ،ﻓـ ّ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺒﻬــذﻩ
أﻋﻀــﺎء اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺠﻤــﻴﻌﻬم .وﻴﺘﺒـ ّـﻴن ﻤــن اﻝﺘﺄﻜﻴــد ﻋﻠــﻰ ﺤﻘﻴﻘــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔّ ،
ﻷﻨﻬــﺎ ﻝﻴﺴــت ﺴــوى ﻤﺠﻤــوع ﻤــن ﺴــﻠوﻜﺎت وأﻨﻤــﺎط وﻋــﺎدات
اﻝﺼــﻔﺔ ،ﻻ ﺘﺴــﺘطﻴﻊ أن ﺘﻌﻤــل أي ﺸــﻲءّ ،
109
ﻤﻌﻴن.
ﺘﻔﻜﻴر ،ﻋﻨد اﻷﺸﺨﺎص اﻝذﻴن ﻴؤﻝّﻔون ﻤﺠﺘﻤﻌﺎً ﺨﺎﺼﺎً ،ﻓﻲ وﻗت ّ
ﻤﺤدد وﻤﻜﺎن ّ
إن اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ –ﻓــﻲ إطﺎرﻫــﺎ اﻝﻌــﺎم – ﻝﻴﺴــت إﻻّ ﻤﻔﻬوﻤ ـﺎً ﻤﺠـ ّـرداً ﻴﺴــﺘﺨدم ﻓــﻲ
وﻫﻜــذا ﻴﻤﻜــن اﻝﻘــول ّ :
أن ﻀ ــرورة اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻝﻔﻬ ــم اﻷﺤــداث ﻓ ــﻲ اﻝﻌــﺎﻝم اﻝﺒﺸ ــري،
اﻝد ارﺴــﺎت اﻷﻨﺜروﺒوﻝوﺠﻴــﺔ ﻝﻠﺘﻌﻤ ــﻴم اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ ،و ّ
أﻫﻤﻴﺔ ﻋن ﻀرورة اﺴﺘﺨدام ﻤﺒدأ) اﻝﺠﺎذﺒﻴﺔ( ﻝﻔﻬم أﺤـداث
اﻝﺘﻨﺒؤ ﺒﺈﻤﻜﺎﻨﻴﺔ وﺠودﻫﺎ أو وﻗوﻋﻬﺎ ،ﻻ ﺘﻘ ّل ّ
و ّ
اﻝﺘﻨﺒؤ ﺒﻬﺎ .
اﻝﻌﺎﻝم اﻝطﺒﻴﻌﻲ ٕواﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ّ
-2ﺨﺼﺎﺌص اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ :
ﺘﻌد اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻓـﻲ أي ﻤﺠﺘﻤـﻊ ،ﻨﺴـﻴﺠﺎً ﻤﺘﻜـﺎﻤﻼً ﻤـن اﻷﻓﻜـﺎر واﻝـﻨظم واﻝﺴـﻠوﻜﺎت اﻝﺘـﻲ ﻻ
ّ
ﻴﺠـوز اﻝﻔﺼـل ﻓﻴﻤــﺎ ﺒﻴﻨﻬـﺎ ،ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫــﺎ ﺘﺸـ ّﻜل اﻝﺘرﻜﻴﺒــﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴـﺔ ﻓـﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊٕ ،واﻝـﻰ درﺠــﺔ ﺘﺤ ّـدد ﻤﺴــﺘوى
ﺘطورﻩ اﻝﺤﻀﺎري.
ّ
ٕواذا ﻜــﺎن اﻝﺘــﺄﺜﻴر اﻝﺒﻴوﻝــوﺠﻲ ﻝﻺﻨﺴــﺎن ﻓــﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤﻌــدوﻤﺎً ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺴــﺘوى اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،ﺒﺎﺴــﺘﺜﻨﺎء
ﻓﺈن ﺘﺄﺜﻴر اﻝﻌﺎﻤل اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ اﻝوﺠـود اﻝﺒﻴوﻝـوﺠﻲ ،ﻫـو
ﺒﻌض اﻝﺤﺎﻻت اﻝﻔردﻴﺔ اﻻﺴﺘﺜﻨﺎﺌﻴﺔ )اﻝﺸﺎذة (ّ ،
ﺘــﺄﺜﻴر ﻓﺎﻋــل وﻤﺤﺴــوس ،ﻝــﻴس ﻋﻠــﻰ ﻤﺴــﺘوى اﻝﻔــرد ﻓﺤﺴــب ،ﺒــل ﻋﻠــﻰ ﻤﺴــﺘوى اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺒوﺠــﻪ ﻋــﺎم.
ﺘﻜﻴﻔﻬــﺎ ﻤــﻊ اﻝﺒﻴﺌــﺔ .وﺒﻤﻘــدار ﻤــﺎ
ـﺘم اﺼــطﻔﺎء اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس ّ
ـﺘم اﺼــطﻔﺎء اﻝﻨــوع ،ﻴـ ّ
وﻝــذﻝك ،ﻓﻜﻤــﺎ ﻴـ ّ
ﻓﺈﻨﻬـﺎ ﺘﺴـﺎﻋدﻫم
ﺘﺠﻨب ﻤﺎ ﻫو ﺨطـرّ ،
ﺘﺴﺎﻋد اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ أﻋﻀﺎءﻫﺎ ﻓﻲ اﻝﺤﺼول ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﺤﺘﺎﺠوﻨﻪ ،وﻓﻲ ّ
110
ﻋﻠﻰ اﻝﺒﻘﺎء.
ﻷي ﺜﻘﺎﻓــﺔ ،ﻴــﺄﺘﻲ ﻤﻨﺴ ـﺠﻤﺎّ ﻤــﻊ اﻹطــﺎر اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻝــذي أﻨﺘﺠﻬــﺎ،
وﻫــذا ﻴؤ ّﻜــد ّ
أن اﻝﻨﻤــوذج اﻝﻌــﺎم ّ
44
وﻴرﺴم ﺒﺎﻝﺘـﺎﻝﻲ اﻝﺴـﻤﺎت واﻝﻤظـﺎﻫر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﻝـدى اﻷﻓـراد اﻝـذﻴن ﻴﺘﺸ ّـرﺒون ﻫـذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ،وﻴﻌﻤﻠـون ﻤـﺎ
ﺒوﺴﻌﻬم ﻝﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻝﻨﻤوذج اﻝﺜﻘﺎﻓﻲ واﺴﺘﻤ اررﻴﺘﻪ وﺘطوﻴرﻩ.
ﺜﻤﺔ ﺨﺼـﺎﺌص ﺘﺘّﺴـم ﺒﻬـﺎ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ،ﺒﺤﺴـب ﻤﻔﻬوﻤﻬـﺎ وطﺒﻴﻌﺘﻬـﺎ،
واﺴﺘﻨﺎداً إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻤﻌطﻴﺎتّ ،
ﻓﺈن ّ
وﻤن أﺒرز ﺨﺼﺎﺌص ﻫذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ّأﻨﻬﺎ :
ـزود ﺒﺠﻬــﺎز ﻋﺼــﺒﻲ ﺨــﺎص ،وﺒﻘــدرات ﻋﻘﻠﻴــﺔ
-1إﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ :ﻓﺎﻹﻨﺴــﺎن ﻫــو اﻝﺤﻴ ـوان اﻝوﺤﻴــد اﻝﻤـ ّ
ﻓرﻴــدة ﺘﺘــﻴﺢ ﻝــﻪ اﺒﺘﻜــﺎر أﻓﻜــﺎر ﺠدﻴــدة ،وأﻋﻤــﺎل ﺠدﻴــدة . .ﻓﺎﻹﻨﺴــﺎن – ﻋﻠــﻰ ﺴــﺒﻴل اﻝﻤﺜــﺎل –
وﺘﻜﻴـف ﻤﻌﻬـﺎ ﺒـﺎﺨﺘراع أﻋﻤـﺎل ﺠدﻴـدة،
اﻨﺘﻘل ﻤن اﻝﻤﻨﺎطق اﻝداﻓﺌـﺔ إﻝـﻰ اﻝﻤﻨـﺎطق اﻻﺴـﺘواﺌﻴﺔّ ،
وﻤﻼﺒس وﻤﺴﺎﻜن ﺘﺨﻔّف ﻤن اﻝﺤ اررة واﻝرطوﺒﺔ .واﻨﺘﻘل ﻤن طور )ﻤرﺤﻠﺔ( ﺠﻤـﻊ اﻝﻘـوت إﻝـﻰ
ﺘﻐﻴ ـرات
طــور اﻝﺼــﻴد ،وﻤــن ﺜـ ّـم إﻝــﻰ طــور اﻝرﻋــﻲ واﻝز ارﻋــﺔ ،ﻤــن دون أن ﺘظﻬــر ﻋﻨــدﻩ ّأﻴــﺔ ّ
ﺘﻐﻴر ﻫو ﺜﻘﺎﻓﺘﻪ ،أي ﻤﺠﻤوع أﻓﻜﺎرﻩ وأﻋﻤﺎﻝﻪ وﺴﻠوﻜﺎﺘﻪ .
ﻋﻀوﻴﺔ ﺘذﻜرٕ ،واّﻨﻤﺎ اﻝذي ّ
-2ﻤﻜﺘﺴﺒﺔ :ﻴﻜﺘﺴب اﻹﻨﺴـﺎن اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻤـن ﻤﺠﺘﻤﻌـﻪ ،ﻤﻨـذ وﻻدﺘـﻪ وﻋﺒـر ﻤﺴـﻴرة ﺤﻴﺎﺘـﻪ ،وذﻝـك ﻤـن
ﻤﻌﻴﻨﺔ ،ﻤﺤ ّـددة اﻝزﻤـﺎن
ﺨﻼل اﻝﺨﺒرات
ﻴﺘﻤﻴز ﺒﺜﻘﺎﻓﺔ ّ
أن ﻜ ّل ﻤﺠﺘﻤﻊ إﻨﺴﺎﻨﻲ ّ
ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ .وﺒﻤﺎ ّ
ـﺈن اﻹﻨﺴــﺎن ﻴﻜﺘﺴ ــب ﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻝــذي ﻴﻌ ــﻴش ﻓﻴــﻪ ﻤﻨــذ اﻝﺼــﻐر ،وﻻ ﺘ ــؤﺜّر
واﻝﻤﻜــﺎن ،ﻓـ ّ
أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﻨﺸﺌﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻫﻲ
اﻝﻌواﻤل اﻝﻔﻴزﻴوﻝوﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻜﺘﺴﺎب .أي ّ
اﻝﻌﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻘوم ﺒﻨﻘل ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ إﻝـﻰ اﻝطﻔـل .وﻤﻬﻤـﺎ ﻜﺎﻨـت اﻝﺴـﻼﻝﺔ اﻝﺘـﻲ ﻴﻨﺘﻤـﻲ إﻝﻴﻬـﺎ
ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺴﺘطﻴﻊ أن ﻴﻠﺘﻘط ﺜﻘﺎﻓﺔ أي ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺒﺸري ،إذا ﻤﺎ ﻋﺎش ﻓﻴﻪ ﻓﺘرة زﻤﻨﻴﺔ ﻜﺎﻓﻴﺔ.
اﻝﻔردّ ،
ـﺈن د ارﺴـﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺔ ﻻ
أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻲ ﻨﺘﺎج اﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ أﺒدﻋﺘـﻪ ﺠﻤﺎﻋـﺔ ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ،ﻓ ّ
-3اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ :ﺒﻤﺎ ّ
ﻷن ﻫـ ــذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ ﺘﻤﺜّـ ــل ﻋـ ــﺎدات
ـﺘم إﻻّ ﻤـ ــن ﺨـ ــﻼل اﻝﺠﻤﺎﻋـ ــﺎت )اﻝﻤﺠﺘﻤﻌـ ــﺎت ( ،وذﻝـ ــك ّ
ﺘـ ـ ّ
اﻝﻤﺠﺘﻤﻌــﺎت وﻗــﻴﻤﻬم ،وﻝﻴﺴــت ﻋــﺎدات اﻷﻓـراد ﻜــﺄﻓرادٕ .وان ﻜﺎﻨــت اﻝــﻨظم اﻝﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ ﺘﺨﺘﻠــف ﻓــﻲ
ﺘطﺒـق ﻋﻠـﻰ أﻓـراد اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﺠﻤـﻴﻌﻬم ،وﻓـﻲ اﻝﻤﻘﺎﺒـل
ﻤدى ﺸﻤوﻝﻴﺘﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ﻨظـم ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ داﺨـل
ﺴﻴﻤﺎ ﻓـﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓـﺎت
ّ
ﺘطﺒـق إﻻّ ﻋﻠـﻰ ﺠﻤﺎﻋـﺔ ّ
اﻝﻤﺘﻤدﻨـﺔ ،ﻻ ّ
ﻫﻨﺎك ﻨظم ﻜﺜﻴرة ،وﻻ ّ
ﺘطﺒـ ــق ﻋﻠـ ــﻰ اﻝﺠﻤﺎﻋـ ــﺎت اﻷﺨـ ــرى .وﻫـ ــذا ﻤـ ــﺎ ﻴـ ــدﺨل ﻓـ ــﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺎت
اﻝﻤﺠﺘﻤـ ــﻊ اﻝواﺤـ ــد ،وﻻ ّ
111
اﻝﻔرﻋﻴﺔ.
أن
أن ﻝﻜـ ّل ﺠﻤﺎﻋـﺔ ﺒﺸـرﻴﺔ ّ
ﻤﻌﻴﻨـﺔ ﺜﻘﺎﻓـﺔ ﺨﺎﺼـﺔ ﺒﻬـﺎ ،إﻻّ ّ
ﺘطورﻴﺔ ﺘﻜﺎﻤﻠﻴﺔ :ﻋﻠﻰ اﻝـرﻏم ﻤـن ّ
ّ -4
ﻫذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻝﻴﺴـت ﺠﺎﻤـدة ،ﺒـل ﻫـﻲ ﻤﺘط ّـورة ﻤـﻊ ﺘط ّـور اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ ﻤـن ﺤـﺎل إﻝـﻰ ﺤـﺎل أﻓﻀـل
ـﺘم اﻝﺘطـ ّـور ﻓــﻲ ﺠــوﻫر اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ وﻤﺤﺘواﻫــﺎ ﻓﺤﺴــبٕ ،واّﻨﻤــﺎ أﻴﻀ ـﺎً ﻓــﻲ اﻝﻤﻤﺎرﺴــﺔ
وأرﻗــﻰ .وﻻ ﻴـ ّ
اﻝﻤﺘطور.
واﻝطرﻴﻘﺔ اﻝﻌﻤﻠﻴﺔ ﻝﺴﻠوﻜﺎت اﻹﻨﺴﺎن اﻝذي ﻴﻌﻴش ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ
ّ
ﺜﻤـﺔ ﺘﻜﺎﻤـل ﺜﻘـﺎﻓﻲ ﻓـﻲ
وﻫذا
اﻝﺘطور ﻻ ﻴﻌﻨﻰ ّ
أن ﻜ ّل ﻤرﺤﻠﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻤﻨﻌزﻝﺔ ﻋن اﻷﺨـرى ،ﺒـل ّ
ّ
ﻷن اﻝﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ ﺒﺘﻜﺎﻤﻠﻬـ ــﺎ ،ﺘﺸـ ــﺒﻊ ﺤﺎﺠـ ــﺎت اﻹﻨﺴـ ــﺎن اﻝﻤﺎدﻴـ ــﺔ
ﺜﻘﺎﻓـ ــﺔ اﻝﻤﺠﺘﻤـ ــﻊ اﻝواﺤـ ــد .وذﻝـ ــك ّ
واﻝﻤﻌﻨوﻴ ــﺔ ،وﻫ ــﻲ ﺘﺠﻤ ــﻊ ﺒ ــﻴن اﻝﻤﺴ ــﺎﺌل اﻝﻤﺘّﺼ ــﻠﺔ ﺒ ــﺎﻝروح واﻝﻔﻜ ــر ،وﺒ ــﻴن اﻝﻤﺴ ــﺎﺌل اﻝﻤﺘّﺼ ــﻠﺔ
ﺒﺤﺎﺠــﺎت اﻝﺠﺴــد .أي ّأﻨــﻪ ﺘﺤﻘّــق اﻝﺘﻜﺎﻤــل ﺒــﻴن اﻝﺤﺎﺠــﺎت اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴــﺔ واﻝﻨﻔﺴــﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ
واﻝﻔﻜرﻴﺔ واﻝﺒﻴﺌﻴﺔ.
وﺘﻤﺴـﻜﻬم ﺒﻬـﺎ،
أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﺘﻨﺒﻊ ﻤن وﺠود اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ورﻀـﺎﻫم ﻋﻨﻬـﺎ،
-5اﺴﺘﻤرارﻴﺔ اﻨﺘﻘﺎﻝﻴﺔ :ﺒﻤﺎ ّ
ّ
45
ﻓﻬــﻲ ﺒــذﻝك ﻝﻴﺴــت ﻤﻠﻜ ـﺎً ﻝﻔــرد ﻤﻌـ ّـﻴن ،وﻻ ﺘﻨﺤﺼــر ﻓــﻲ ﻤرﺤﻠــﺔ ﻤﺤـ ّـددة .ﻝــذا ﻻ ﺘﻤــوت اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ
ﻷﻨﻬــﺎ ﻤﻠــك ﺠﻤــﺎﻋﻲ وﺘ ـراث ﻴرﺜــﻪ أﻓ ـراد اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺠﻤــﻴﻌﻬم .ﻜﻤــﺎ ّأﻨــﻪ ﻻ ﻴﻤﻜــن
ﺒﻤــوت اﻝﻔــردّ ،
اﻝﻘﻀــﺎء ﻋﻠــﻰ ﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤــﺎ ،إﻻّ ﺒﺎﻝﻘﻀــﺎء ﻋﻠــﻰ أﻓ ـراد اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻝــذي ﻴﺘﺒﻌﻬــﺎ ،أو ﺒﺘــذوﻴب ﺘﻠــك
112
ﺒﺎﻝﻘوة.
اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ اﻝﺘﻲ ﺘﻤﺎرس ﻫذﻩ اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺒﺠﻤﺎﻋﺔ أﻜﺒر أو أﻗوى ،ﺘﻔرض ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺠدﻴدة ّ
ﻓﺈﻨﻬــﺎ إذن ﻗﺎﺒﻠــﺔ ﻝﻼﻨﺘﻘــﺎل ﻤــن ﺠﻴــل اﻝﻜﺒــﺎر إﻝــﻰ ﺠﻴــل
ٕواذا ﻜﺎﻨــت اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﺘﺸ ـ ّﻜل إرﺜ ـﺎً اﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ـﺎًّ ،
اﻝﺼﻐﺎر ﺒواﺴطﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﺜﻘﻴف أو اﻝﺘﻨﺸﺌﺔ اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،أي اﻝﻌﻤﻠﻴـﺔ اﻝﺘرﺒوﻴـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﻌﻨـﻲ ﻓـﻲ
ـﺘم ﻫــذا اﻻﻨﺘﻘــﺎل
ﺒﻌــض ﺠواﻨﺒﻬــﺎ) :ﻨﻘــل ﺜﻘﺎﻓــﺔ اﻝ ارﺸــدﻴن إﻝــﻰ اﻝــذﻴن ﻝــم ﻴرﺸــدوا ﺒﻌــد ( .ﻜﻤــﺎ ﻴﻤﻜــن أن ﻴـ ّ
)اﻻﻨﺘﺸﺎر( إﻝﻰ ﺠﻤﺎﻋﺎت إﻨﺴﺎﻨﻴﺔ أﺨرى ﻤن ﺨﻼل وﺴﺎﺌل اﻻﺘّﺼﺎل اﻝﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﻷن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ
ﻓﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻻ ﺘوﺠد إﻻّ ﺒوﺠود اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ،واﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤن ﺠﻬﺘﻪ ﻻ ﻴﻘوم وﻴﺒﻘﻰ إﻻّ ﺒﺎﻝﺜﻘﺎﻓﺔّ ،
ﻤﺘﻤﻴــز ﻝﺤﻴــﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ وﻨﻤــط ﻤﺘﻜﺎﻤــل ﻝﺤﻴــﺎة أﻓرادﻫــﺎ ،وﻫــﻲ اﻝﺘــﻲ ﺘﻤـ ّـد ﻫــذﻩ اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻷدوات
طرﻴــق ّ
ﺜﻤﺔ آﺜﺎر ﻓﻲ ذﻝك ﻝﺒﻌض اﻝﻌواﻤل اﻝﺒﻴوﻝوﺠﻴﺔ واﻝﺠﻐراﻓﻴﺔ .
اﻝﻼزﻤﺔ ﻻطراد اﻝﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎٕ ،وان ﻜﺎﻨت ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ
ﺜﺎﻝﺜﺎً -اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و
ّ
إن ﺸﺨﺼـ ّـﻴﺔ اﻝﻔــرد ﺘﻨﻤــو وﺘﺘطـ ّـور ،ﻤــن ﺠواﻨﺒﻬــﺎ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،داﺨــل اﻹطــﺎر اﻝﺜﻘــﺎﻓﻲ اﻝــذي ﺘﻨﺸــﺄ ﻓﻴــﻪ
ّ
ﺘﻜﻴــف اﻝﻔــرد،
وﺘﻌــﻴش ،وﺘﺘﻔﺎﻋــل ﻤﻌــﻪ ﺤﺘــﻰ ﺘﺘﻜﺎﻤــل وﺘﻜﺘﺴــب اﻷﻨﻤــﺎط اﻝﻔﻜرﻴــﺔ واﻝﺴــﻠوﻜﻴﺔ اﻝﺘــﻲ ﺘﺴــﻬّل ّ
وﻋﻼﻗﺎﺘﻪ ﺒﻤﺤﻴطﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝﻌﺎم .
أن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ ﻤﺴؤوﻝﺔ ﻋن اﻝﺠزء اﻷﻜﺒر ﻤـن ﻤﺤﺘـوى أﻴـﺔ ﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ ،وﻜـذﻝك ﻋـن
ﺜﻤﺔ ﺸ ّ
ك ﻓﻲ ّ
وﻝﻴس ّ
ﻝﻠﺸﺨﺼﻴﺎت ،وذﻝك ﻋن طرﻴق ﺘﺸدﻴدﻫﺎ ﻋﻠـﻰ اﻫﺘﻤﺎﻤـﺎت أو أﻫـداف
ﻤﻬم ﻤن اﻝﺘﻨظﻴم اﻝﺴطﺤﻲ
ّ
ﺠﺎﻨب ّ
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﺴـؤال اﻝﺘـﺎﻝﻲ " :إﻝـﻰ أي ﻤـدى ﻴﻤﻜـن
ﺴر ﻤﺸﻜﻠﺔ اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ و
ّ
ّ
ﻤﻌﻴﻨﺔ .وﻴﻜﻤن ّ
اﻋﺘﺒــﺎر اﻝﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻤﺴــؤوﻝﺔ ﻋــن اﻝﺘﻨظــﻴم اﻝﻤرﻜــزي ﻝﻠﺸﺨﺼـ ّـﻴﺎت؟ أي ﻋــن اﻷﻨﻤــﺎط اﻝﺴــﻴﻜوﻝوﺠﻴﺔ؟ وﺒﻌﺒــﺎرة
113
وﺘﻌدﻝﻬﺎ؟ "
أﺨرى :ﻫل ﻴﻤﻜن ﻝﻠﺘﺄﺜﻴرات اﻝﺜﻘﺎﻓﻴﺔ أن ﺘﻨﻔذ إﻝﻰ ﻝﺒﺎب
اﻝﺸﺨﺼﻴﺔ ّ
ّ
أن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺘﻜـوﻴن اﻝﺸﺨﺼ ّـﻴﺔ ﻫـﻲ ﻋﻤﻠﻴـﺔ ﺘرﺒوﻴـﺔ ﺘﻌﻠﻤﻴـﺔ
إن اﻝﺠواب ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻝﺘﺴﺎؤل ،ﻴﻜﻤن ﻓﻲ ّ
ّ
– ﺘﺜﻘﻴﻔﻴﺔ ،ﺤﻴث ﻴﺠري ﻓﻴﻬﺎ اﻨدﻤﺎج ﺨﺒرات اﻝﻔرد اﻝﺘﻲ ﻴﺤﺼل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤن اﻝﺒﻴﺌﺔ اﻝﻤﺤﻴطﺔ ،ﻤﻊ ﺼﻔﺎﺘﻪ
ﺘﻜﻴﻔـﺎً ﻤﺘﺒـﺎدﻻً ،
اﻝﺘﻜوﻴﻨﻴﺔ ،ﻝﺘﺸـ ّﻜل ﻤﻌـﺎً وﺤـدة
ﺘﻜﻴﻔـت ﻋﻨﺎﺼـرﻫﺎ ،ﺒﻌﻀـﻬﺎ ﻤـﻊ ﺒﻌـض ّ
وظﻴﻔﻴـﺔ ﻤﺘﻜﺎﻤﻠـﺔ ّ
ّ
ٕوان ﻜﺎﻨت أﻜﺜر ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻤراﺤل اﻝﻨﻤو اﻷوﻝﻰ ﻤن ﺤﻴﺎة اﻝﻔرد .
وﻴﻤﻜــن أن ﻨطﻠــق اﺴــم اﻝﺘﺜﻘﻴــف أو اﻝﻤﺜﺎﻗﻔــﺔ ،Enculturationﻋﻠــﻰ ﺠواﻨــب ﺘﺠرﺒــﺔ اﻝﺘﻌﻠــﻴم اﻝﺘــﻲ
وﻴوﺼــل ﺒﻬــﺎ إﻝــﻰ إﺘﻘــﺎن ﻤﻌرﻓــﺔ ﺜﻘﺎﻓﺘــﻪ .واﻝﺘﺜﻘﻴــف ﻓــﻲ
ﻴﺘﻤﻴــز ﺒﻬــﺎ اﻹﻨﺴــﺎن ﻋــن ﻏﻴ ـرﻩ ﻤــن اﻝﻤﺨﻠوﻗــﺎت،
ّ
ّ
ﺘﻌﻴﻨﻬ ــﺎ ﻤﺠﻤوﻋ ــﺔ ﻤ ــن
ﺠ ــوﻫرﻩ ،ﺴ ــﻴﺎق ﺘﺸـ ـرﻴط ﺸ ــﻌوري أو ﻻ ﺸ ــﻌوري ،ﻴﺠ ــري ﻀ ــﻤن اﻝﺤ ــدود اﻝﺘ ــﻲ ّ
اﻝﻌــﺎدات .وﻻ ﻴــﻨﺠم ﻋــن ﻫــذﻩ اﻝﻌﻤﻠﻴــﺔ اﻝــﺘﻼؤم ﻤــﻊ اﻝﺤﻴــﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ اﻝﻘﺎﺌﻤــﺔ ﻓﺤﺴــب ،ﺒــل ﻴــﻨﺠم أﻴﻀـﺎً
اﻝرﻀﻰ ،وﻫو ﻨﻔﺴﻪ ﺠـزء ﻤـن اﻝﺘﺠرﺒـﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ،ﻴـﻨﺠم ﻋـن اﻝﺘﻌﺒﻴـر اﻝﻔـردي وﻝـﻴس ﻋـن اﻝﺘـراﺒط ﻤـﻊ
114
اﻵﺨرﻴن ﻓﻲ اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ.
ٕواذا ﻜ ــﺎن ) ﻫرﺴ ــﻜو ﻓﻴﺘ ــز( رّﻜ ــز ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺴ ــﺘﻤ اررﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻝﺜﻘﺎﻓ ــﺔ ،ﻤ ــن ﺨ ــﻼل ﻋﻤﻠﻴ ــﺔ
ﻴﺸدد ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻝﺜﻘﺎﻓﺔ واﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ ،اﺴـﺘﻨﺎداً إﻝـﻰ اﻷﺴـﺎس اﻝﻠﻐـوي
ﻓﺈن ) ﺴﺎﺒﻴر ( ّ
)اﻝﻤﺜﺎﻗﻔﺔ (ّ ،
46