العربية بين البعد اللغوي والبعد الاجتماعي .pdf
Nom original: العربية بين البعد اللغوي والبعد الاجتماعي.pdfAuteur: Mostefa
Ce document au format PDF 1.5 a été généré par Microsoft® Word 2013, et a été envoyé sur fichier-pdf.fr le 26/01/2019 à 22:26, depuis l'adresse IP 154.121.x.x.
La présente page de téléchargement du fichier a été vue 2208 fois.
Taille du document: 1.4 Mo (208 pages).
Confidentialité: fichier public
Aperçu du document
د .مصطفى حركات
العربية بين البعد اللغوي والبعد االجتماعي
1
2
د.مصطفى حركات
العربية
بين البعد اللغوي والبعد االجتماعي
دار اآلفاق
3
المؤلف :د.مصطفى حركات
الكتاب :العربية بين البعد اللغوي والبعد االجتماعي
ترجمة العنوان
Mostefa Harkat
L’arabe entre langage et société
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
ردمك:
ISBN: 978-9961-57-374-7
اإليداع القانوين:
السداسي األول Dépôt légal : 2017
4
صدر للمؤلف
{اللسانيات الرياضية والعروض العريب} رسالة دكتوراه الدرجة الثالثة،
جامعة باريس .7
{النموذج اخلليلي وسط النظريات} رسالة دكتوراه دولة ،جامعة باريس .7
كتاب العروض ،اجلزائر دار اآلفاق1985 ،
أوزان الشعر ،اجلزائر دار اآلفاق.
الشعر احلر أسسه وقواعده ،اجلزائر ،دار اآلفاق.
اللسانيات العامة وقضايا العربية ،اجلزائر ،دار اآلفاق.
الكتابة والقراءة وقضايا اخلط العريب ،اجلزائر ،دار اآلفاق.
اآلفاق2002 ،
نظرييت يف تقطيع الشعر ،اجلزائر دار
نظرية الوزن ،اجلزائر دار اآلفاق2005 ،
نظرية اإليقاع ،اجلزائر دار اآلفاق.
اهلادي إىل أوزان الشعر الشعيب ،اجلزائر دار اآلفاق.
املعجم احلديث للوزن واإليقاع ،اجلزائر دار اآلفاق،
نظرية القافية ،اجلزائر دار اآلفاق2016 ،
كل هذه الكتب مطبوعة يف دار اآلفاق باجلزائر.
2008
أوزان الشعر ،الشعر احلر أسسه وقواعده ،الصوتيات والفونولوجيا ،اللسانيات العامة
وقضايا العربية ،الكتابة والقراءة وقضايا اخلط العريب مطبوعة يف لبنان ومصر.
5
: صدر للمؤلف باللغة الفرنسية
Métrique arabe et linguistique mathématique, thèse de doctorat
de troisième cycle, université de paris 7, 1979, sous la direction
d’Antoine Culioli et Jacques Roubaud.
Le modèle khalilien au centre des théories, thèse de doctorat
d’Etat, Université de Paris 7, 1984, sous la direction d’Antoine
Culioli et Jacques Roubaud.
Métrique arabe, structure et transformation, Paris 1985, Mezura,
centre de poétique comparée, INALCO
Wazn, métrique arabe, Alger,2002.
Le temps du vers, in Mélanges, pp.224-234, Paris, Mezura 43,
INALCO.
Al Hadi, métrique de la poésie populaire maghrébine, Dar el Afaq
2008.
Dictionnaire comparé des théories du vers, arabe-français, Alger,
Dar el Afaq 2008.
6
محتويات الكتاب
املقدمة 9 ..................................................................
المحـ ـ ـ ـ ـ ــور األول مفاهيم عامة
املبحث 1اللغة بني الفرد واجملتمع17 .........................................
املبحث 2اللغة والتنظري24 .................................................
املبحث 3اللغة بني الثبات والتغري34 ........................................
املبحث 4اللغة واملكان41 ..................................................
مبحث 5العربية وأهلها46 .................................................
املبحث 6العربية والتنوع اللغوي54 ..........................................
املبحث 7العربية واالزدواجية اللغوية73 .......................................
المح ـ ـ ـ ـ ـ ـور الثاني الدراسة التقابلية
املبحث 1خصائص الفصحى90 ............................................
املبحث 2قضية اإلعراب110 ...............................................
املبحث 3النظام املقطعي بني الفصيح والعامي131 ............................
املبحث 4الصرف والتنوع اللغوي147........................................
املبحث 5األدوات النحوية166..............................................
املبحث 6علم الرتاكيب182 ................................................
املبحث 7مستقبل العربية200 ...............................................
7
8
المقدمة
.1اللغة ال ميكن فصلها عن اإلنسان كفرد أو كعنصر من مجاعة .كما أنه ال
ميكن جتاهل العوامل اليت تساهم يف تكوينها كعناصر الزمن واملكان والدين والثقافة.
ولكن اللغة قبل كل شيء تؤدي وظيفة أساسية هي التبليغ ،والتبليغ ال يستطيع أن
يتم إال إذا كان هناك قانون متفق عليه ِّ
ميكن من الفهم واإلفهام.
ومن هنا ،فإننا ال نشاطر رأي من يعتقد أن اللسانيات احلقيقية هي اللسانيات
االجتماعية ،وذلك أن كل الدراسات اللسانية االجتماعية ال تستطيع وصف
األوضاع إال بواسطة النظريات اللغوية مهما كانت بساطتها.
.2واللغة إذا كانت نظاما تواصليا فهي أيضا موضوع لإليديولوجيات املختلفة،
موضوع لتقارب األفراد والشعوب ،وأحيانا موضوع للتباعد والنفور ،بل قل موضوع
للحب والكراهية.
ولذا فإن على الباحثني أن يدرسوا اللغة من مجيع هذه اجلوانب ،بعيدا عن كل
عاطفة ،بعيدا عن التمجيد أو االحتقار .ولكن من يستطيع أن يكون موضوعيا يف
هذا امليدان وهو فرد واقع حتت تأثري هذه اللغة ؟
9
.3القضايا اليت ختص اللغة ناجتة عموما عن التجاور اللغوي .فقد يكون
الصراع بني العامية والفصحى ،وبني هلجة وأخرى ،وبني لغة أهل البلد ولغة أجنبية.
والصراع يتجسد يف االختيار ،اختيار نظام لغوي بدال من نظام آخر .وذلك لتلبية
حاجيات الفرد أو اجملتمع.
بالنسبة للعربية هناك صراع قدمي بني العامية والفصحى قد يرجع اليوم إىل
الواجهة .ولكن هذا الصراع مفتعل والعربية هلا اليوم هذا الوجه املزدوج الذي جيعل
أهلها متمسكني به .فال أحد يف العامل العريب يستطيع أن يتخلى عن هلجته وال أحد
يستطيع أن يتخلى عن الفصحى اليت هي وعاء جذوره وثقافته ،ووسيلة طيّعة وفية
للتعبري عن احلداثة.
مث إن التقارب بني اللهجات العربية وبني العامية والفصحى نراه اليوم يسري
خبطى حثيثة وذلك حتت تأثري التعليم والتثقيف واإلعالم ،حبيث إنه ميكننا التنبؤ
بوضع تكون فيه العربية شبيهة بلغات أخرى ذات ازدواجية ضعيفة.
.4أما عالقة العربية باللغات األجنبية كالفرنسية أو اإلجنليزية ،فرأْيُنا أن
استخدام هذه اللغات الكتساب العلوم هو شيء طبيعي ال بل هو أساس .واإلنسان
املثقف اليوم يف حاجة ملعرفة املزيد من اللغات .ولكن أن تصري لغةٌ من هذه اللغات،
لغتنا الثقافية ولغة تعاملنا اليومي ،وأن توضع العربية يف سلة املهمالت وينحصر
دورها يف السوق واملقهى أو يف اجملال األديب وحده ،فهذا ما ال ميكن أن يتقبله أي
شخص عاقل.
.5دراستنا هذه واقعة أساسا يف امليدان اللغوي ،وقد أردنا ألغراض التبسيط
وضع املفاهيم يف متناول الكثري .بعض املفاهيم اللسانية االجتماعية متداول ،وبعض
القواعد النحوية وارد يف الكتب .فع ْلنا هذا لغرض تعليمي ،ولكن هذا مل مينعنا من
10
هنج منهج خاص بنا ،والقيام بالدراسة املعمقة ،وابتكار املبادئ ،وإزاحة القناع عما
خفي من األسرار ،ووصف ما مل يوصف ،وتصحيح وجهات النظر .وذلك دون أن
نكون قد مسحنا كل ما يلزم مسحه من املفاهيم ألن كل باب من األبواب اليت
تطرقنا إليها يف حاجة إىل كتاب كامل لِب ِّل صدى العطشان إىل القضايا اللغوية يف
هذا امليدان.
.6دراستنا ختص هذا الكائن املتلخص يف الثنائية {فصحى ،عامية} .وقد
يقول قائل :أي عامية تقصد ،فالعامية العربية عاميات؟ قناعتنا هي أن كل هذه
العاميات تشرتك يف جماالت عديدة ،وذلك أن هذه األنظمة مل تتأثر كثريا باللغات
احمللية وال حىت باللغات األجنبية ،وأقصد هنا التأثر البنوي وليس التأثر باملفردات
واستريادها بالتعريب أو حىت بالتهجني .فهوية اللغة تكمن يف بنيتها أكثر مما تكمن
يف كلماهتا.
والتغري الذي حدث بالنسبة للعامية جاء نتيجة حتوالت داخلية .فكل
العاميات أمهلت اإلعراب ،واملثىن ،ونون النسوة ،والبناء للمجهول ،ويف كل العاميات
اجتمعت كل أشكال اسم املوصول يف اللفظ {اللي} ،وكل العاميات أبقت على
النظام الفونولوجي الفصيح بكل حروفه وحركاته وذلك رغم اختالف التأديات .وكل
العاميات بنت كلماهتا على الثالثي والرباعي واخلماسي واستعملت السامل واألجوف
واملهموز واملقصور واملضعف واسم الفاعل واسم املفعول .وكلها فضلت {راح} على
{ذهب} و{شاف} على {رأى} .هذه املالحظات تقودنا إىل البحث عن
االختالف واالئتالف بني الفصحى والعامية من جهة ،وبني أنواع العاميات من جهة
أخرى.
11
.7مل أرد أن يكون عملي حمصورا يف العامية اجلزائرية وإن اعتمدت كثريا على
أمثلة من هلجتنا ،وذلك أين أردته نقطة انطالق للباحثني يف مجيع األقطار العربية.
متمنيا أن تكون هذه البحوث دافعا للتعرف على هذه اللهجات وحتسني التواصل
بني األشقاء.
.8بالنسبة للدراسة اللسانية مل أرد اعتماد وحو حديث بنوي أو توزيعي أو
حتويلي ،وذلك لثالثة أسباب.
السبب األول نابع من قناعة شخصية وهي أين واثق من أن جل ما جاء به
وحاتنا ما زال قادرا على وصف لغتنا مبا فيه الكفاية.
والسبب الثاين هو أن العاميات لقرهبا من الفصحى قابلة للوصف والتحليل
بواسطة أدوات الذين درسوا الفصحى.
أما السبب الثالث فهو تربوي ،وذلك أن طالبنا إذا استطاعوا ممارسة لغتهم
بواسطة وحو األولني ،فهم غري قادرين على تطبيق أي نظرية من النظريات احلديثة
على لغتهم .خذ أي مجلة مهما كانت بساطتها ،واطلب من أحدهم أن يأتيك مثال
ببنيتها السطحية وبنيتها العميقة أو أن حيللها حسب أي مدرسة من املدارس .فإنك
تراه حائرا غري فاهم وكأنك طلبت إليه حل معادلة من الدرجة التاسعة ! وذلك أن
تدريس اللسانيات يف العامل العريب هو اآلن من ميدان الثقافة العامة وليس من ميدان
املمارسة.
.9دراسة العامية والبحث عن قواعدها ال يعين تقعيدها .وهذا التقعيد غري
نقعد؟
ممكن يف رأينا وذلك أن عامياتنا تتغري يف كل حني .مث أي عامية ّ
12
هل نقعد عامية األجداد اليت جتهل مفردات السياسة واالقتصاد والتاريخ
نقعد العامية اليت غزاها الدخيل
واجلغرافيا وعلوم الطبيعة واجليولوجيا والفلك؟ هل ِّ
حىت هت ّجنت إىل حد فقدان هويتها؟
هل نفرض مثال على الناطقني أن يستعملوا صيغة اجلمع للمعدود حبجة
منطقية مزعومة كما قال أحدهم ،وهم الذين يستعملون بالسليقة اجلمع حىت العشرة
إذ يقولون {تسعة رجال} واملفرد بعد العشرة إذ يقولون بعفوية { إحداعش رجل،
تسعون رجل}؟ هل نكبح ملكتهم ؟ الذي اقرتح هذا ووجد فيه دليال على قدم
اللغة العربية أو تعقيدها أو حىت فسادها ،جيهل أن منطق اللغة ليس منطق
الرياضيات.
الذين يريدون اعتماد العامية هم أمام موقفني:
أوهلما أن يبقوا على اللهجة القدمية اليت أصبحت فقرية ،وأن يعتمدوا على لغة
غربية سائدة كاإلجنليزية ،سيتخاطبون هبا ،ويف ّكرون هبا وائدين يف املهد اللغة اليت
يزعمون حبها.
يطوروا هذه العامية .وهذا لن يتم إال خبلق فصحى ترافقها
ثاين املوقفني هو أن ّ
وتعرب عن الثقافة احلديثة .فلماذا هذا العناء والفصحى أمامهم تساير متطلبات
العصر؟ إطاللة سريعة على الكتب واإلعالم وكالم الناس ترينا أن لغتنا الفصحى
ليست أفقر من اللغات األخرى وذلك رغم كون قضايا املصطلح والتعليم واحلوسبة
اللغوية ما زالت مطروحة.
ال أريد أن أضع هذا الكتاب مكان النقاش العقيم ،وإمنا ابتغيت فقط رفع
بعض الشبهات اليت قد تأيت من مسرع يف احلكم على اآلراء والنوايا دون االطالع
عليها أو من متشدد ال يلني تفكريه رغم احلجج املقنعة.
13
كم كتبت كتبا مل تنل احلظ الالئق هبا من قبل القراء ،وهيئات التعليم والبحث
واجملامع .أمتىن هلذا املؤلف اجلديد أال يلحق هذا الركب ،وأن يقتدي به الطالب
والباحثون ،فيثروا أبوابه باألمثلة والبحث واإلحصاء.
مالحظة :حىت ال أظلم كتيب والقراء فإنين أستثين {كتاب العروض} الذي
علم كل من جلس أو مل جيلس يف قاعة الدرس رفقيت ،موازين شعرنا ،وأصبح يقرض
الشعر برباعة وأحيانا بعبقرية .وأنا فخور هبؤالء أميا فخر.
ويف هناية املطاف شكري هلل تعاىل الذي منحين القدرة الكافية على السري يف
دروب البحث الوعرة.
د.مصطفى حركات
14
المح ـ ـ ـ ـ ـ ـور األول
مفاهيم عامة
املبحث 1اللغة بني الفرد واجملتمع17 ........................................
املبحث 2اللغة والتنظري24 .................................................
املبحث 3اللغة بني الثبات والتغري........................................
املبحث 4اللغة واملكان.................................................
املبحث 5العربية وأهلها.................................................
املبحث 6العربية والتنوع اللغوي..........................................
34
41
46
54
املبحث 7العربية واالزدواجية اللغوية73 ......................................
15
16
المبحث 1
اللغة بين الفرد والمجتمع
.1اللغة والكالم
.1برزت علوم اللغة احلديثة أو اللسانيات يف بداية القرن املاضي حتت راية
يعرف أصحاهبا البنية تعريفا دقيقا مثلما فعل علماء الرياضيات،
البنيوية ،ومل ّ
واستعملوا أحيانا مرادفا هلا كالنظام systèmeوذلك دون حتديد هلذا املفهوم.
ولكن ضمنيا تتلخص فكرة النظام يف اهتمام اللسانيني مبا جيرى داخل اللغة
في زمان معين مصنفني وحداهتا ،ومربزين العالقات بني العناصر وطرائق تركيبها،
والقواعد اليت بواسطتها ينتج الكالم المقبول ،أي الذي يستعمله الناطقون خالل
ختاطبهم.
.2وهذا الطرح الذي قد يظهر جديدا مبتكرا هو يف احلقيقة وارد يف
املمارسات القدمية ،فالنحاة العرب درسوا لغتهم على هذا األساس :درسوها بصفة
آنية .وحددوا أصواهتا وصنفوها ،وأبرزوا طرائق تركيب احلروف واحلركات ،وأثر
بعضها يف بعضها اآلخر ،وجزؤوا الكلمات إىل حروف وأمساء وأفعال .وبيّنوا كيف
17
تكون هذه الكلمات اجلمل اليت جاء هبا األسالف ،واليت تستعمل يف عصرهم أو
ّ
قد تستعمل ،أي اليت تستسيغها اآلذان وتتقبلها السليقة والعقول.
والعروضيون فعلوا مثل هذا ،فحددوا العناصر اليت هلا داللة من ناحية الوزن،
وهي السواكن واملتحركات ،ونظروا إىل الصفات اليت تتجاور فيها هذه الوحدات،
ومسّوا كلمات العروض تفاعيل ومجلها أبياتا ،وحددوا البحور النموذجية وربطوها
بالواقع ،وذلك باستعمال الزحافات والعلل ،وفعل البالغيون ما فعل النحاة
والعروضيون ،فعرفوا وصنفوا ونظّروا حماولني االبتعاد عن الذاتية.
.3خالل كل دراسة لغوية تربز يف النص اللغوي وحدات ليست هلا نفس
الوظائف .يف اجلملة { :الكالم هو اللفظ املركب املفيد بالوضع ،وأقسامه ثالثة :
وحرف} جند كلمات اصطالحية مثل{ :كالم ،لفظ ،مفيد ،مركب}،
وفعل
ٌ
ٌ
اسم ٌ
وكلمات عادية غري اصطالحية ،كأدوات التعريف والضمائر.
فالكلمات االصطالحية هلا إىل جانب مدلوهلا املعتاد مدلول خاص بالنظرية
اليت ترد فيها ،فال نظرية وال علم بدون مصطلح ،والكلمات العادية وظيفتها التبليغ
وإمتام اجلمل ،وجعلها مقبولة سليمة .وذلك ألن اللغوي يدرس اللغة بواسطة اللغة
وال يستطيع أن يدرسها بوسيلة أخرى.
ولكن يف مجلة مثل{ :كالمنا لفظ مفيد كاستقم} ،العبارة {استقم} ال
تنتمي إىل املصطلح وال للعناصر اليت تساعد على ضبط اجلمل ،فهي مثال ،وذلك
مثل اجلملة املشهورة {:ضرب زيد عمرا} .
واألمثلة اليت جندها يف كتب النحو واللسانيات هي من ميدان الواقع اللغوي
أو من ميدان االستعمال فهي كالم.
18
.4باملعىن اللساين احلديث الكالم
la parole
ال يعين فقط املنطوق ،فقد
يكون مكتوبا ،وقد يكون مقننا بطريقة من الطرائق كالتسجيل الصويت .الكالم هو
ما أجنز أو كان قابال لإلجناز مثلُ :معلقة عنرتة ،ومقصورة ابن دريد ،وكتاب احليوان
للجاحظ ،ونشرة األخبار يف التلفاز ،وما قيل يقال يف املقاهي ،وما كتب يف
الفايسبوك .الكالم غير منته ،وهو يربز إىل الوجود كلما نطق شخص بشيء أو
كتب شيئا ،وتظهر هنا خاصية هامة للكالم وهي أنه فردي.
نعم قد تنتج مجاعة معينة الكالم ،كأن حترر املناشري وتسن القوانني ولكن
عمل هذه اجلماعة ما هو إال جمموعة عمل األفراد ،ويبقى أن الكالم يف األساس
فردي.
.2اللغة والنظام
.1التمييز بني اللغة والكالم بواسطة صفاهتما املتقابلة يقود إىل املبدأين :
اللغة تختلف عن الكالم
اللغة تساوي النظام
ويف هذا االختصار انصراف عما نتصوره من مفهوم اللغة .فاللغة بالنسبة
للجميع ال تستطيع أن ختتلف عن الكالم وال عن نظام القواعد الذي يتحكم فيه.
وعليه فمن األفضل أن نضع املعادلة:
اللغة = النظام +الكالم.
وهبذا تصبح األمور واضحة يف األذهان .فالنظام اللغوي هو ما حتدده
اجلماعة والكالم هو ما يتلفظ به الفرد أو يكتبه أو ينتجه بأي طريقة من الطرائق
وذلك يف إطار نظام لغوي معني.
19
. 2قولنا بأن النظام اللغوي مجاعي يعين أن اجلماعة هي اليت تضع هذه
القواعد .ولكن اجلماعة ال حتدد هذه القاعد بصفة توافقية ،صرحية ،خالل اجتماع
عام ،أو خالل تشاور بني ممثليها ،أو خالل استفتاء ،وإمنا تفعل هذا بصفة ال
شعورية.
عندما أصبح الناطقون بالعربية يستعملون يف كالمهم العفوي األداة {اللّي}
بدال من اسم املوصول الفصيح {الذي} فإهنم مل جيروا أي استشارة بينهم ،ومن
احمليط إىل اخلليج ،دون أن تدري كل مجاعة ما تفعل األخرى ،أجروا هذا التغيري
نفسه يف عامياهتم .وبالنسبة للكلمات ،فإننا نالحظ كل يوم ألفاظا جديدة تربز إىل
الوجود دون أن ندري من اخرتعها ،وكيف اخرتعها ،وملاذا استساغها الناس فقرروا
استعماهلا.
. 3قضية الذين حيددون النظام اللغوي بصفة مجاعية الشعورية تطرح علينا
قضية عالقتهم مبن حيددون النظام اللغوي بصفة فردية ،واعية ،علمية :أي النحاة.
قواعد اللغة يف أذهان الكثري من شأن النحاة وحدهم .وهذا غري صحيح.
فالنظرية اللغوية قد تتغري ،والنحاة قد خيتلفون ،ولكن النظام اللغوي يبقى على حاله.
والعرب ال ترفع الفاعل وال تنصب املفعول ألن النحاة قرروا هذا ،ولكنهم يتصرفون
هكذا سليقة.
.4بإمكاننا أن نقول إن النظام هو نظرية اللغة ويظهر لنا من خالل هذا
أننا أمام نظريتني:
أ.نظرية النحاة الذين حيددون عناصر هذا النظام حربا على ورق .وميكننا أن
ننعته بالنظام الصريح.
20
ب.نظرية الناطقني الذين يضعون هذه القواعد بصفة المادية .وميكن أن
ننعت ما نتج عن هذا التنظري بالنظام الخفي.
والقضية اليت تطرح على اجلميع هي عالقة النظام الصريح بالنظام اخلفي .قد
تكون مهمة النحوي محاكاة النظام الخفي ،ولكن كيف ميكن هلذا النحوي أن
يتأكد من أنه سايره أو ابتعد عنه ،إما بالتعقيد املصطنع وإما بالتبسيط الذي خيفي
احلقائق.
.5قضية حتديد الناطقني هلذا النظام وفهمه ،ومسايرته يف احلديث ،جتعلنا
نتكلم عن الكفاءة اللغوية والقدرة .ومها وجهان متكامالن يشبهان الثنائية
{كالم،نظام}.
.3التبليغ والتواصل
.1وظيفة الكالم األساسية هي التبليغ :تبليغ األفكار واألحاسيس
والرغبات .والتبليغ ال ميكن أن حيدث إال إذا كان ضمن نظام تواصلي معين له
أصوله وقواعده.
والتواصل يكون بني مرسل ومرسل إليه ،أو ناطق وسامع ،أو كاتب وقارئ.
فاملرسل يقنن أفكاره بواسطة قانون أو شفرة هي اللغة ،ويبعث رسالته بواسطة قناة
هي اهلواء عند التواصل باألصوات ،فيتلقاها املرسل إليه ،وحيل رموزها؛ أي يفهمها.
واللغة هلا وظائف عدة كالوظيفة التعبيرية اليت تظهر جليا عندما يكلم
اإلنسان نفسه ،ووظيفة جمالية تربز يف األدب ،وأحيانا يف الكالم العادي حيث
يتالعب الناس أحيانا باأللفاظ ويستعملون التشبيه واالستعارة والتلميح.
21
ولكن اللسانيني ركزوا على التواصل وعمموا املفهوم اخلاص باللغات املعتادة
إىل كل نظام يتواصل به البشر أو حىت احليوان ،ومنه جاء تعريف اللغة اآليت :
تعريف :1اللغة نظام وظيفته األساسية متكني التواصل.
.2أقل شيء ميكن أن نعرفه يف نظام ما ،هو وحداته .ونظام التواصل وحدته
األساسية هي الدليل أو اإلاشارة اللغوية
le signe linguistique
وهذا الدليل
مكون من دال ومدلول أي شكل ومعىن ،حبيث أن تعريف اللغة يصبح كما يلي:
تعريف :2اللغة هي نظام من األدلة.
.4تعريف اللغة
.1تعريف اللغة كنظام من األدلة ينطبق على أي نظام تواصلي كلغة
اإلشارات ولغة احليوانات واللغات الرقمية .فهو إذن تعريف خيص اللغة مبفهومها
العام ،langageولكن ما هو الشأن بالنسبة للغة البشرية langueكالعربية والصينية
والروسية واإلجنليزية ؟
.2يرى اللساين أندري مارتيني أن خصوصيات اللغة البشرية تكمن يف
طبيعتها الصوتية ،وفي بنيتها الثنائية أو ما مساه بالتمفصل الثنائي
la double
.articulation
يف أسفل البنيان جند األصوات اليت ال داللة هلا ،ويف مستوى أعلى جند
الوحدات الدالة .كل اللغات البشرية يف العامل ،ومهما كانت أمهيتها ،ومهما كانت
حتضر الناطقني هبا ،مبنية هبذه الطريقة.
درجة ّ
22
ِ
كون
وهذا النوع من البناء اقتصادي جدا ،فم ْن عدد حمدود من األصوات ن ّ
مئات الكلمات ،ومن هذه الكلمات نكون عددا ال منتهيا من اجلمل.
وكما نرى فإن هذا النوع من التعريف للغة مبين على النظر إىل اللغة كنظام
دون اهتمام كبري بطبيعتها االجتماعية.
.3من اللسانيني من يركز يف تعريفه للغة على اجلانب االجتماعي والثقايف .
يف باب مشهور من كتابه {اللسانيات} يقول سبري Sapirما مفاده :إننا نتكلم
بصفة طبيعية كما منشي أو حىت أحيانا كما نتنفس ،وخييل لنا أن ال فرق هناك بني
املشي والكالم ،إال أن قليال من التمعن يرينا الفروق األساسية بني املشي والكالم،
فاإلنسان جمهز بالوراثة البيولوجية للمشي وعضالته وأعصابه تؤهله لذلك ،وقد ينشأ
الفرد وحيدا ،بعيدا عن غريه من البشر ،ولكن هذا لن مينعه من املشي .ومن جهة
أخرى فإن طريقة املشي قد ختتلف من شخص آلخر بسبب السن أو ممارسة
الرياضة ،ولكن هذا االختالف ليس أساسيا ،وال مميزا لثقافة دون أخرى.
األمر ليس كذلك بالنسبة للكالم ،فالشخص الذي ينشأ وحده أو بني
احليوانات لن يتكلم ،والذي يأيت من إفريقيا فإن عاش وترىب بني الصينيني تكلم
الصينية ،وبني العرب تكلم العربية ،وبني األمريكان نطق بلهجتهم.
إذن اللغة اجتماعية قبل كل شيء ،وهي جزء من ثقافة األقوام.
.4كلمة أخرية عن تعريف ابن جين الشهري :اللغة هي أصوات يعبر بها
أقوام عن أغراضهم ،ففي هذا التعريف جند بعض العناصر األساسية اليت تصف
اللغة :الطبيعة الصوتية للغة ،الطبيعة اجلماعية ،والوظيفة التبليغية والتعبريية.
23
المبحث 2
اللغة والتنظير
.1نمذجة اللغة
. 1تنظري اللغة هو حتديد النماذج اليت تصفها أو حتدد قواعد استعماهلا .وقد
رأينا أن املنظر األول هو الناطق .ولكننا ال منلك ما جيعلنا نفهم اآلليات اليت
يستعملها .أما اخلبري يف التنظري أي النحوي أو اللساين فعمله معروض أمامنا
وباستطاعتنا فهمه ونقده.
أول مشكل يتعرض له الباحث قبل أي تنظري هو تحديد اللغة واعتبارها
نظاما .والنظام ال يستطيع أن يكون إال مغلقا.
ولكن ما معىن أن النظام مغلق؟
عرف لنا النظام بدقة وإن حبثت عن هذه املفردة يف كتب
ال أحد كما قلنا ّ
اللسانيات ملا وجدت ما يوجهك لفهم هذا املصطلح .ورغم هذا سنعطي تعريفا
هلذه اخلاصية اليت بإمكاننا تسميتها انغالقا.
تعريف :النظام المغلق هو الذي نعرف ما ينتمي إليه وما ال ينتمي.
24
على مستوى الكلمات فاملعرفة ختص املستعمل واملهمل من كالم الناطقني،
وعلى مستوى الرتاكيب فاملعرفة ختص ما يصح من مجل وما ال يصح.
اعتبار اللغة نظاما مغلقا اعتبار مثالي ،فاللغة تتغري عرب الزمن ،وتتأثر باللغات
األخرى وختتلف من مكان آلخر ،ورمبا حىت من شخص آلخر ،ولكن اعتبار اللغة
محددة بحيث يعرف ما ينتمي إليها وما ال ينتمي تبسيط واختزال الزم.
العلوم كلها يف حاجة للتبسيط واالختزال .فالرياضي يفرتض أن جمموعة األعداد
اليت يدرسها معروفة جيدا حىت وإن كان تعريفها الصوري ليس باهلني .كما أنه
يفرتض يف اهلندسة مثالية يف األشكال قد ال توجد يف الطبيعة .والفيزيائي يفعل
الشيء نفسه مث يقرب ما نظّره من الواقع املعروض عليه.
.2يف النحو مثال تصنيف الكلمات إىل أمساء وأفعال وحروف تبسيط ال ينظر
إىل الواقع .فنحن نعرف أن الكثري من الوحدات قد تشرتك يف مسات االسم والفعل
أو احلرف واالسم أو الفعل واحلرف.
ويف الصرف ينطلق النحوي دائما من الشكل املثايل الذي هو السامل.
وعلى املستوى الصويت فإن خمارج احلروف ليست ستة عشر أو ما يقارب هذا
العدد وإمنا لكل حرف خمرج .ال ،بل لكل حرف عدة خمارج ،وذلك حسب الناطق
وحسب السياق الذي يرد فيه هذا احلرف ،فالكاف يف كي [ ]kiأي املتبوعة
بالكسرة خمرجها خيتلف عن خمرج الكاف املتبوعة بالضمة [.]ku
.3يف العروض ،التفاعيل ليست عشرا على مستوى الواقع .فـ{فاعلن} هي
يف االستعمال {فاعلن وفعِلن وفِ ْعلن} و{مستفعلن} هي{ :مستفعلن ومتـ ْفعلن
وم ْست ْفعِ ْل}.
ومتعلن ُ
ومستعلن ُ
ْ
25
أما مناذج القصائد اليت يُعتقد أهنا البحور الستة عشر فإهنا يف احلقيقة
األضرب الثمانية والستون .وقد برهنا أن إقراهنا بالقافية جيعل مناذج الشعر العريب تعد
باملئات.
على مستوى القافية أرجع املنظرون أصنافها إىل تسعة أمناط ،وقد بينا أن
ُ
عدد األصناف هو يف احلقيقة أربعة ومخسون {انظر نظرية القافية}.
.4أما الكتابة اليت هي أولى النظريات اللغوية فإهنا اختصرت هي أيضا
احلروف اخلطية بل ،وبصفة أدق ،اختصرت العالقة بني الرمز اخلطي والصوت،
فالكتابة العربية مثال وحدت بني الراء املفخمة واملرققة ،ومل متيز بني أنواع التأديات
للحرف الواحد ومل تفرق بني الـ ُممال من احلركات وغري املمال.
.5وعند تشومسكي كانت اخلطوات األوىل مبنية على اعتبار خطية الكالم
مسايرة خلطية التحليل ،وقد بينا يف أحباث قدمية أن مجال أساسية يف العربية مثل
{ضرب زيد عمرا} حيث املركب الفعلي فيها هو {ضرب عمرا} ال ميكن أبدا
حتليلها حسب النمط { :مركب امسي +مركب فعلي} أو {مركب فعلي +مركب
امسي} ،وقد استدرك تشومسكي هذه النقائص باللجوء إىل التحويل.
.6افرتاض النموذجية يف موضوع الدراسة هو شيء طبيعي جدا وإذا مل نفهم
ذلك فإننا نقع يف انتقادات للمنظرين تنتمي إىل السفسطة.
من السفسطات الشهرية احلملة اليت شنها بعض املستشرقني وأتباعهم ضد
اخلليل وذلك باهتامه استعمال أوزان أصوهلا غري مستعملة ،كوزن اهلزج الذي افرتضه
مسدسا وهو مربع يف االستعمال ،وبناء الوافر على الوزن :
26
مفاعلنت مفاعلنت مفاعلنت
مفاعلنت مفاعلنت مفاعلنت
هو يف زعمهم خمالف لالستعمال.
كما أن بعضهم عاب عليه استعمال األسباب واألوتاد رغم أن هلذه
الوحدات قوة تفسريية ال ميكن االستغناء عنها .وللعلم فإن هذه الوحدات هي
أساس العروض اليوناين وتفعيالته احلقيقية { انظر املعجم احلديث للوزن واإليقاع}.
.2وصف اللغة
. 1قد يقول قائل :وملاذا التنظري يف اللغة ؟ أال يكفي وصفها؟ أال نستطيع
وصفها دون هذه النمذجة؟
اجلواب عن هذا السؤال واضح :ال وصف من دون حد أدنى من التنظير.
فالوصف يقتضي معرفة ما نصف .وحتديد ما نصف هو بداية التنظري.
لنتأمل ا ألديب الذي يصف مثال الطبيعة يف بعض أعماله .فهذا األديب قد
خطى خطوة أوىل يف التنظري إذ هو جييب عن السؤال :ما هي الطبيعة ؟ وهو سؤال
يظهر بسيطا ولكن اإلجابة عنه ليست بالسهلة .بعد أن حدد أديبنا ضمنيا مفهوم
الطبيعة نراه يتكلم من دون شك عن السماء والسحاب واألرض واألشجار والزهور
واجلبال والسهول واجلداول .فهو يتوغل يف التنظري بتحديد مكونات هذه الطبيعة.
وهو ال يدري أنه جيزئ مكونات هذه الطبيعة حسب التجزيء الذي أجرته لغته.
واللسانيون قد أظهروا لنا بوضوح أن كل لغة جتزئ املدلوالت بطريقتها اخلاصة.
فالحد األدنى في الوصف هو معرفة ما نصف .ثم تحديد مكونات
الموصوف.
27
.2أول تنظري يف العروض بعد تعريفه ،ولو ضمنيا ،هو تصنيف احلروف إىل
احذف هذا التنظري وستجد نفسك
سواكن ومتحركات أو مقاطع طويلة وقصرية.
ْ
أمام واقع لن تستطيع أن تصف منه شيئا.
يف الصوتيات أول تنظري هو حتديد املادة املدروسة مث الفرز بني احلروف
واحلركات واعتبار األصوات وحدات منفصلة unités discrètesيف علم الفونيمات
على األقل .مع أن الواقع يشهد باتصال واستمرارية املادة الصوتية عند التلفظ.
احذف هذا املبدأ وستجد نفسك يف ضبابية تامة ال متكنك من أي دراسة.
.3تنظير الناطقين
.1وحن أمام نمذجة الزمة لدراسة أي علم وأي باب من أبواب اللغة .ولكن
هل هذه النمذجة هي فقط حكر على العلماء واملختصني؟
.2يف مقال مشهور يقول إدوارد سبري Sapirبأن كل ناطق للغة من اللغات
حيمل نظاما صوتيا مثاليا خيالف الواقع اللغوي الفيزيائي .هذا النظام مبين على
الوظيفة التمييزية لألصوات أي على تصنيف املنطوق حسب الفونيمات.
وميكن تعميم هذا الطرح على ميادين كثرية أخرى .فشعراء امللحون عندنا يف
اجلنوب يبنون قصائدهم على عدد ثابت للمقاطع هو عشرة يتوسطهم موقع متزايد
الطول {انظر اهلادي إىل أوزان الشعر الشعيب} وهم ال يعرفون شيئا عن املقاطع .ال
عن طوهلا وال عن قصرها .فهم نظّروا ومنْذجوا بطريقة ضمنية.
إذن وحن أمام منذجتني :منذجة الناطق ومنذجة املنظر.
28
والفرق بينهما هو أن منذجة املنظر قد تظهر راقية ومنذجة الناطق الساذج
بسيطة .ولكننا لن خنطئ كثريا إذا قلنا بأن نمذجة الناطق البسيط ال تخطئ
ومنذجة املنظر غري معصومة عن اخلطإ.
وذلك ألن نمذجة الناطق هي السليقة اليت هي أساس كل كالم مقبول
تركيبا وداللة ،ومنذجة املنظر هي ثمرة تفكير مجرد قد يبىن على أسس خاطئة
سببها أحيانا قلة معرفة الواقع املدروس وأحيانا التشبث بفرضيات ال تصلح يف كل
املواقع.
.4اللسانيات والعلوم األخرى
. 1ال تستطيع اللسانيات أن تبقى جربا يدرس فقط الوحدات اليت حيددها
والعالقات اليت تربط بينها ،وذلك ألن هذا العلم متعلق باإلنسان فردا ومجاعة.
وكان من املنتظر بعد أن نشأت العلوم اليت تدرس اإلنسان من الداخل؛ أي
علوم النفس ،والعلوم اليت تدرسه كعنصر من مجاعة أي علوم االجتماع ،كان من
املنتظر أن يكون للسانيات انفتاح يف اجتاه العلوم اليت هلا عالقة هبذا اإلنسان .فجاء
االنفتاح يف االجتاهني .اللسانيون استعملوا أو وجهوا علمهم وحو العلوم اإلنسانية
األخرى وعلماء النفس وعلماء االجتماع درسوا اللغة وناطقيها كجزء أساس من
موادهم.
.2يف احلقيقة إن اللسانيني قد استعملوا ضمنيا خالل ممارساهتم مفاهيم
نفسية أو اجتماعية .فالتواصل الذي هو أساس اللسانيات احلديثة له قدم يف علم
النفس وأخرى يف علم االجتماع.
29
فعلى سبيل املثال ،الصوتيات اليت هي علم فيزيائي يف األصل تصبح لغوية
أو فونولوجية عندما تكون مبنية على التواصل .لكل صوت مسات عدة ولكن
البعض منها فقط يدخل يف متييزه عن غريه .هذه الصفات املميزة كالتفخيم يف الطاء
أو اجلهر يف الذال أو الغنة يف امليم هي اليت خيتارها اللساين دون سواها عند دراسته
فونولوجيا لغة ما .وهذه الصفات مرتبطة بنفسية الناطق الذي كما قلنا يتخيل نظاما
مثاليا لألصوات اليت ينطق هبا.
ومن جهة أخرى ،فإن اجلماعات اليت تشرتك يف لغة ما ،قد متلك تأديات
ألصوات خاصة هبا تسمى تأديات هلجية ،وذلك كالقاف اليت ينطق هبا يف العامل
العريب بطرائق خمتلفة حسب اجلهات .هذه التأديات كأهنا بصمة جلماعة ما تريد هبا
التميّز عن غريها ،وهي يف نفس الوقت ال متس بالنظام الفونولوجي مما يدل على
متسك هذه اجلماعة جبماعة كربى تنتمي إليها .هذا املوقف قد يهم اللغوي وعامل
االجتماع معا.
.3االقتصاد اللغوي الذي هو من الظواهر اليت قد يستعملها اللساين يف تربير
االختيارات هو أيضا مفهوم نفسي متعلق بالفرد.
والثنائية {تواصل ،اقتصاد} تشرح الكثري من االختيارات يف لغتنا .فاالقتصاد
وجه العامية للتخلي عن حركات اإلعراب وذلك أحيانا على حساب التواصل .بينما
ّ
نيت على إعراب حيدد الوظائف أو على األقل يؤكد عليها .ويف هذا اجتاه
الفصحى بُ ْ
وحو التبليغ.
.4يف العروض وظيفة الوزن مرتبطة باجلماليات وأيضا باحلفظ .فاحلفظ هو
الذي يشرح لنا ميل بعض العلماء إىل تأليف القصائد التعليمية كألفية ابن معطي
30
وألفية ابن مالك يف النحو ،والجزرية يف التجويد ،وابن عااشر يف الفقه ،والخزرجية
يف العروض .واحلفظ من املفاهيم النفسية األساسية يف اللغة.
القصائد التعليمية موجودة يف كثري من الثقافات .اهلنود واليونانيون والروس
ميلكون يف سجلهم الشعري هذا النوع من القصائد التعليمية اليت كانت حتفظ.
واهتمام األجناس املختلفة هبذا املشرتك األديب قد يقود علماء االجتماع أو
االنرتبولوجيا إىل دراسة هذا النوع من الظواهر.
.5حاليا ،وخصوصا بعد نشأة اإلعالم اآليل وتطوره ،كثرت البحوث يف
عالقة علوم اللغة بالرياضيات .وظن الكثري أن الرياضيات ستحل قضايا اللغة وستبين
مناذج جتعل احلاسوب يقوم مقام االنسان يف أداء مهام كثرية كالرتمجة اآللية وتصحيح
النصوص وحىت تأليفها .ولكن النتائج مل تكن على مستوى التوقعات .وذلك أن ما
مسي بالذكاء االصطناعي مبين فقط على احملاكاة .إال أن أشياء كثرية أجنزت يف
ميادين حمدودة كالتعرف على الكالم أو الربط بني املكتوب واملنطوق أو البحث
التوثيقي .مما جيعل اليوم استعماالت احلاسوب يف اللغة شيئا ضروريا.
.6اللغوي ،ومنذ العصور األوىل ،يتساءل عن الدوافع اليت قادت الناطقني إىل
استعمال صوت دون آخر أو كلمة بدل أخرى أو تركيبا معينا .هذه االختيارات ال
يعقل أن تكون كلها اعتباطية .وشرحها قد يصعب االهتداء إليه .ولكن شرح النظام
بالنظام واللغة باللغة شيء حمدود إن مل يكن ممكنا .فاللغوي يف كثري من األحيان
يلجأ إىل مفاهيم نفسية أو مجاعية لتربير االختيارات .والسؤال املطروح هو :هل
هذه املفاهيم تبقى خارجة عن النظام أم أنه ميكن إدراجها فيه ؟
31
.5اللسانيات بين القديم والجديد
.1الغربيون عندما يتكلمون عن علماء اللغة العرب ينعتوهنم بالنحويني.
وعلماءنا حبثوا يف كل ميادين اللغة من صوتيات وصرف ووحو وبالغة وعروض
ومعجمية ،وذلك مبنهجية ال ختتلف كثريا عن املنهجية املتبعة حاليا .وحبوثهم اليت
استمرت مدة قرون كانت حبوثا معمقة جديرة باإلعجاب واالحرتام .ولذا فإهنم أهل
بأن يُنعتوا باللسانيين .ويف أحباثنا قد نستعمل دون متييز علم اللغة واللسانيات أو
اللغويني واللسانيني .وذلك بالنسبة للقدمي واجلديد.
.2هناك اعتقاد سائد عند بعض الناس وهو أن اجلديد من العلوم يلغي حتما
قدميها ،وأن ما جاء به األولون سيرتك املكان ملا اخرتعه املتأخرون.
ال شيء أقرب إىل اخلطإ من هذا االعتقاد ،فالعلوم كاحلائط الذي يُشيد .بعد
بناء األساس يشرع املشاركون يف العمل ،كل فرد يضع حج ُرهُ .واخلط الذي هو يف
األعلى ال يقوم إال باالستناد على سابقه .فنحن نتعامل مع كل مكونات احلائط ما
ج ّد منها وما قدم.
.3الرياضيات مثال جتعلنا نفهم طبيعة العلوم ،وطبيعة ممارساهتا .عشرات
النظريات تربز كل سنة ،ولكن ما زال األطفال والطلبة ،واملهندسون ،والذين يبعثون
الصواريخ يف اجتاه األقمار ،يؤمنون بفيثاغورس ،وطاليس ،واخلوارزمي ،وحساب
املثلثات الذي نبغ فيه العرب ،ومازالوا يستعملون التفاضل والتكامل.
.4ويف النحو مازلنا نستعمل مفاهيم االسم والفعل والفاعل ،وحن يف الوطن
العريب ولكن أيضا عند اإلنكليز والفرنسيون وغريهم ،وذلك رغم بروز املدارس
32
ِ
ثت تغيريات يف بعض الربامج فهي
احلديثة كالبنيوية ،والوظيفية ،والتوزيعية .وإن أحد ْ
طفيفة ال تكاد تذكر .وال أظن أننا يف يوم من األيام سنستغين عن كل املفاهيم
األساسية اليت جاء هبا القدماء .نعم سنثري حبثهم ،نعم سنصحح بعض أخطائهم
إن وقعت ،نعم سننري ما كان غامضا يف أذهاهنم ،ولكننا لن منحو من الوجود
أعماهلم ،ال بل لن نستطيع جعل أعماهلم جمرد تراث ،وسنستعملها رفقة ما يردنا من
جديد موثوق فيه.
.5ومن جهة أخرى فإن البحث اللساين اليوم ما زال غري مكتمل ،وإن ثبتت
بعض املفاهيم واألسس ،فالكثري من التساؤالت ما زالت تطرح .وقد قيل إن
الوصف اللغوي الذي يراد حصر البنيوية فيه قد بلغ ذروته .ولكن األعمال اليت تنجز
كل يوم ترينا أن وصف اللغات وحىت اليت كتب فيها الكثري ما زال مثمرا .وما هو
اليوم جدير باالهتمام ليس البحث النظري يف حد ذاته ،وإمنا اجملال التطبيقي الذي
يشغل عشرات الباحثني.
. 6البحث اللساين العريب ما زال متأخرا .ويرجع هذا إىل قلة فهمنا ملا أجنز من
أعمال حديثة .فالكتب عندنا تعج بالكالم عن الباحثني الغربيني ووصف اجتاهاهتم
ولكن أصحاب هذه الكتب غري قادرين على تطبيق هذه النظريات على لغتهم .ال ،
بل على بعض اجملاالت منها .فكيف يف هذه احلاالت وحلم بإصالح وحونا ؟
وعلى الذي يريد أن يُنعت باللساين أال ينسى أن كل علماء هذه املادة مل
يكتفوا بوضع أسس نظرية ملادهتم .بل إهنم حبثوا على مستوى الواقع امللموس ويف
جماالت عديدة .هذه املمارسة الفعلية هي وحدها الكفيلة باالجتاه وحو التنظري.
33
المبحث 3
اللغة بين الثبات والتغير
.1ظاهرة التغير والثبات
.1اللغة تتغير يوميا .هذا ما يظهر لنا عندما نفاجأ على مستوى املسموع
بعبارة غريبة شاعت عند بعض الناس أو على مستوى املكتوب بكلمة فرضها علينا
العلم احلديث .وأحيانا نسمع الشبان يستعملون لغة جديدة ال نكاد نفهمها .وإذا
التفتنا إىل املاضي واطلعنا على ما جاء به األولون ،وخصوصا يف امليدان األديب،
فإنه خييل لنا أهنم كانوا يستعملون لغة غري لغتنا احلديثة .ولكن يف الوقت نفسه
نشعر بأن اللغة ما زالت كما كانت ،وأن شيئا أساسيا ،جوهريا ،بقي راسخا فيها ال
يتغري.
هذا الشعور بالثبات والتغري جيعلنا نطرح على أنفسنا السؤال اآليت :ما الذي
يتغير في اللغة وما الذي يبقى ثابتا ؟
اجلواب عن هذا السؤال مهم جدا .خصوصا ووحن يف زمان نستعمل فيه
مصطلح اللغة بصفة غري مضبوطة .ومنيز بني االستعماالت املختلفة للغة الواحدة
باعتبارها مناذج متغايرة.
34
.2الغريب والمأنوس في النصوص القديمة
.1إذا تأملنا هذه األبيات من قصيدة النابغة املشهورة :
يا دار مية بالعلياء فالسن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
وقفت فيها أصي ًال كي أسائله ـ ــا
إال األواري أليًا ما أبيِّـنهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
أقـوت وطال عليها سالف األبد
عيت جوابا وما بالربع من أح ــد
والنـُّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
لوجدنا أنفسنا أمام كلمات غريبة حتول بيننا وبني فهم النص .ولكن موقفنا أمام
هذا النص ليس موقف الذ ي جيهل متاما اللغة العربية .وذلك أننا نصادف كلمات
مأنوسة نستعملها يف لغتنا املكتوبة أو حىت يف عاميتنا.
.2من بني الكلمات املأنوسة جند:
حروف اجلر مثل :بـ ـ ـِ ،يف ،على ،من.
حروف العطف مثل :الواو والفاء.
حروف النداء مثل :يا.
حروف التشبيه كالكاف.
وهناك حروف أخرى يف القصيدة ميكن للقارئ أن يربزها.
حروف املعاين إذن ال تتغري يف اللغة واستعملت عرب العصور وما زالت تستعمل
حىت اليوم.
.3هناك أيضا أدوات هي وحدات دالة قد ال تصنف ضمن احلروف كأداة
التعريف أو نون التنوين أو حركات اإلعراب أو عالمات التأنيث أو املثىن أو اجلمع.
هذه الوحدات هي أيضا من الوحدات الثابتة يف اللغة.
35
.4إىل جانب هذه األدوات واحلروف ،جند وحدات نسبت أحيانا إىل األمساء
أو األفعال وذلك مثل الضمائر سواء كانت متصلة أو منفصلة ،وأمساء اإلشارة،
واألمساء املوصولة ،وأمساء االستفهام ،وأمساء الكناية .ومن األفعال الثابتة يف اللغة
األفعال الناقصة وكل عامل له أثر يف األمساء أو األفعال.
.3الوحدات المعجمية والوحدات النحوية
.1اللسانيون يقسمون كلمات اللغة أو بصفة أدق وحداهتا الدالة إىل وحدات
معجمية ووحدات وحوية.
.2بصفة عامة الوحدات النحوية هي اليت حتدد العالقات بني الوحدات
املعجمية أو تربز وظائفها ،وحروف املعاين يف التصنيف العريب هي أبرز هذه
تكون قائمة محدودة مغلقة
الوحدات .وللوحدات النحوية صفات كثرية أبرزها أهنا ّ
أي أنه ال ميكن حذف أي عنصر منها أو إضافة أي عنصر هلا.
الوحدات النحوية هي إذن العناصر الثابتة في اللغة.
.3أما الوحدات المعجمية فهي اليت حتمل معىن حييل على شيء خارج اللغة
وذلك كاألمساء واألفعال.
تكون قائمة مفتوحة أي أن بعضها يزول استعماله وبعضها يدخل اللغة.
وهي ّ
.4خصائص الوحدات الدالة
.1إذا تأملنا األبيات األوىل من قصيدة النابغة {يا دار مية} ورتبنا وحداهتا
حسب الورود فإننا نرى أن أداة التعريف تتصدر القائمة متبوعة بالضمائر املتصلة مث
36
حبروف اجلر وحروف العطف .أما الكلمات املعجمية مثل { :دار ،مية ،علياء،
ُصيل ،أسائل ،عي ،جواب ،الربْع
سن ــد ،أقوى ،طال ،سالف ،أبد ،وقف ،أ ْ
،أح ــد }.فإهنا مل ترد إال مرة واحدة يف النص.
من ناحية الطول فمن الواضح أن أقصر الوحدات هي اليت تتصدر قائمة
الورود .وما كان أكثر قصرا جند أداة التعريف ونون النكرة وعالمات اإلعراب.
ومنه فإن :
أ.الوحدات النحوية حمصورة العدد وأكثر تداوال من الوحدات املعجمية.
ب .الوحدات النحوية متتاز بالقصر ويرجع هذا لكوهنا أكثر ورودا ولكون
الناطق ميال لالختصار.
جـ.الوحدات املعجمية كثرية العدد ،صعبة احلصر .ونسبة ورودها يف النصوص
ضعيفة إذا قيست بنسبة ورود الوحدات النحوية.
د .الوحدات املعجمية أطول من الوحدات النحوية سواء من ناحية عدد
احلروف واحلركات أو عدد املقاطع.
. 2اخلواص اليت ذكرناها ال تقتصر على النصوص األدبية وإمنا كل نص لغوي
له هذه البنية اإلحصائية وذلك يف كل لغات العامل .كما أن اللسانيني الحظوا أن
ما يرتدد من كلمات هو عدد قليل حبيث أن جمموعة صغرية من املفردات تغطي
90
يف املئة من املفردات املستعملة يف اللغة .وهذا يقودنا إىل التمييز بني كلمات اللغة
اليت هي تقريبا غري متناهية كما الحظ ذلك اللساين بلومفيلد واملفردات اليت
يستعملها الفرد أو يفهمها وهي تكون معجمه الشخصي.
37
.5الكلمات األساسية في اللغة
.1اللسانيون يقولون إن كل لغة تقسم املفاهيم حسب طريقتها الشخصية
ويستدلون على زعمهم هذا بقوس قزح الذي حتدد ألوانه اللغات بطرائق خاصة .كما
يستدلون بالعالقات العائلية يف اللغات املختلفة .فاجلد واجلدة واحلفيد والعم واخلال
يف العربية مفردات ليست هلا دوما مقابالت يف اللغات األخرى .ففي الفرنسية مثال
يعربون عن اجلد بقوهلم {األب الكبري} .وهم يستعملون مصطلحا واحدا للداللة
على العم أو اخلال دون متييز بينهما.
ولكن هذا التقسيم للمعاين واملفاهيم وتسمية األشياء مرتبط بالحاجة
والضرورة .فالذي يُسمى يف اللغة هو ما يحتاج إليه مستعملو هذه اللغة .لذا جند
يف األدب اجلاهلي العديد من املفردات اليت ختص البادية واجلمل والناقة واخليل
والنجوم اليت هتدي الساري ليال .وقد قل استعمال هذه املصطلحات عندما تغري
النمط املعيشي للمسلمني.
. 2رغم التحول االجتماعي للناطقني بلغة معينة ،فإهنم مل يغريوا كل وحداهتا
املعجمية وإمنا بقيت بعض املفردات غري النحوية ثابتة وهذه الوحدات ميكن تصنيف
أمهها كما يلي :
أ .الكلمات املرتبطة بالعد .سواء كان العدد أصليا كما يقول الرياضيون،
وذلك مثل الواحد واالثنني والثالثة واألربعة والعشرة واملائة واأللف .أو كان العدد
ترتيبيا مثل األول والثاين والثالث والرابع.
ب .الكلمات املرتبطة باجلسم مثل الوجه والعني والفم واألنف واألسنان
والكتف والذراع واليد واألصابع والساق والرجل.
38
جـ .الكلمات املرتبطة بالطبيعة واحمليط العام كالسماء والشمس واألرض والقمر
والنجوم والشجر والدار والبيت والغرفة.
د .الكلمات املرتبة باألحاسيس كاحلب والصداقة والتعب والراحة.
إىل غري ذلك من الكلمات األساسية يف اللغة واليت مل تؤثر فيها حتوالت
العصر.
. 3إذا كان مقياس هوية اللغة هو من جهة وحداهتا النحوية ومن جهة أخرى
الوحدات املعجمية األساسية فإن تغري اللغة فد يكون أحيانا كبريا حبيث أن وضعا
من أوضاع اللغة جيعلنا وحتار يف قضية انتساب وضع لغوي جديد إلى الوضع
القديم.
هذا ما حدث بالنسبة للعربية عندما برزت العامية إىل الوجود .فالعامية حافظت
على الكثري من الوحدات النحوية الفصيحة مثل أداة التعريف وبعض حروف اجلر
والعطف ومعظم الضمائر ولكنها أمهلت حركات اإلعراب وهي مرفيمات أساسية
يف الفصحى .وأمهلت املثىن واحلروف اليت تعرب عنه وغريت طرائق النفي واالستفهام
والتوكيد.
ومن جهة أخرى فإن العامية حافظت على املفردات األساسية الفصيحة مما
يقرهبا منها.
كل هذا جيعلنا ال نستطيع اعتبار العامية مطابقة للفصحى أو اعتبار العامية
غريبة عن الفصحى.
.4اللسانيون يضعون مقياسا للتقارب بني اللغات هو الفهم .ولكن هذا
املقياس هل هو كاف؟ وذلك ألن الفهم درجات .ولذا فإنه علينا أن نضع مفهوما
جديدا هو مفهوم التقارب بين اللغات.
39
.5التقارب بني األنظمة اللغوية ال نستطيع أن وحدده فقط بسمات خارجة
عن النظام نفسه سواء كانت هذه السمات نفسية كالتفاهم أو اجتماعية ثقافية .بل
يلزم اللجوء إىل دراسة المشترك والمختلف بني النظامني على مستوياهتا املختلفة،
وتقنينه.
40
المبحث 4
اللغة والمكان
.1التقسيم اللغوي والتقسيم الجغرافي
.1ما دامت وظيفة اللغة األساسية هي التواصل بني اجلماعات ،واجلماعات
تقطن أماكن معينة من األرض ،فإن اللغة مرتبطة بالمكان .ففي هذا املكان ينطق
هبا الناس ويعربون بواسطتها عن أغراضهم كما قيل ،ويتعلموهنا بصفة تلقائية أو يف
املدارس ،ويستعملوهنا يف اإلدارة والتسيري.
وارتباط اللغة باملكان جعل اللغويني يهتمون بتوزيع اللغات يف األقطار املختلفة
فوضعوا خرائط تقسم األرض إىل لغات خمتلفة ،وقارنوا بني هذه اخلرائط اللغوية
واخلرائط املبنية على التقسيم السياسي املعروف.
.2ولكن هذه املقارنة أظهرت تباينا كبريا بني التقسيمني .استعمل اللغويون
مصطلح إيزوكلوس isoglosseوهو مصطلح قلدوا به أهل اجلغرافيا الذين يستعملون
كلميت إيزوترم isothermأي احلدود اليت تربط بني املناطق اليت هلا نفس درجة
احلرارة يف زمان معني وكلمة إيزوبار isobarأي احلدود اليت تربط بني مناطق مشرتكة
يف الضغط اجلوي.
41
واإليزوكلوس أو خطوط التماثل اللغوي هذه ال تتطابق يف معظمها مع حدود
البلدان واملقارنة بني التقسيمني بينت وضعيات خمتلفة نذكر منها :
أ.يف البلد الواحد توجد لغة واحدة يستعملها اجلميع وهو وضع مثايل نادر.
ب .البلد الواحد جمزأ إىل مناطق لغوية خمتلفة .وهو الوضع األكثر شيوعا .ومثال
ذلك بلجيكا وسويسرا وكندا.
جـ .اللغة الواحدة مشرتكة بني العديد من الدول وهو وضع شائع أيضا .ومثال
ذلك االجنليزية والفرنسية.
دـ.اللغة الواحدة مشرتكة بني أجزاء من بلدان خمتلفة وذلك كالفرنسية اليت ينطق
هبا يف اجلزء الفرنكوفوين من بلجيكا ومثيله يف سويسرا.
ه .توجد يف البلد الواحد مناطق يتكلم فيها الناس أكثر من لغة .وذلك مثل
إسبانيا.
و .توجد يف البلد الواحد لغة وطنية موحدة وهلجات عديدة .ومثل ذلك فرنسا
حيث اللهجات اليت ال عالقة هلا باللغة السائدة ،موجودة يف مناطق عدة ،يف جزيرة
كورسيكا ،وبلد الباسك يف اجلنوب الغريب ،وبلد األلزاس يف الشمال الشرقي.
هذه فقط بعض األوضاع وهناك أوضاع أخرى تتدخل فيها عوامل أخرى
كالتاريخ والدين والعقيدة واملناخ وطبيعة األرض.
.2مواقع االختالف اللغوي
.1إذا مسينا لغة مجموعة االستعماالت اليت تتمثل يف معجم حمدد وتراكيب
متداولة ونطق بارز ،فإن اللغة هبذا املعىن الضيق ختتلف من شخص آلخر .فلكل منا
طرائقه يف التعبري سواء بالنسبة للمكتوب أو املنطوق .وهي نابعة عن نشأته وثقافته
وطبعه .وقد مسى اللغويون هذه اللغة الفردية باإليديولكت . idiolecte
42
وحىت هذه اللغة الفردية فإنه باإلمكان جتزيئها إىل لغات .وذلك أننا ال نستعمل
نفس الكلمات وال نفس الرتاكيب عندما نكون يف السوق أو مع مجاعة من املثقفني
أو يف حوار يف التلفاز أو يف حماضرة أكادميية.
.2ويظ ِهر هذا أن حتديد جغرافيا للغات قد يكون تابعا للمفهوم الذي نعطيه
للغة وللمجال الذي يدرسه الباحث .أهو الفرد أم العائلة ؟ أم مجاعة من املثقفني أو
احلرفيني؟ أم حيا أو مدينة وضواحيها ؟ أم ناحية من بلد ؟ أم بلدا بأكمله ؟ أم
جمموعة من البلدان؟
.3إحصاء اللغات
.1بعض اإلحصائيات حتدد 6800لغة يف العامل موزعة على 220بلدا أو دولة.
مما يعطينا معدال يساوي 30لغة يف كل بلد .ولكن بعض البلدان ال حتتوي إال على
لغة واحدة مثل كوبا وكوريا الشمالية أو اجلنوبية وإسالندا .بينما بعض البلدان حتتوي
على عشرات اللغات بل على املئات .وذلك مثل اهلند وغينيا اجلديدة.
.2هذه بعض اإلحصائيات املتداولة:غينيا اجلديدة 830لغة ،إندونيسيا 722
لغة ،نيجرييا 521لغة ،اهلند 445لغة ،الواليات املتحدة 364لغة ،املكسيك 297
لغة ،الصني 296لغة ،الكامرون 279لغة ،الكونغو كينشاسا 217لغة ،أسرتاليا
لغة ،الربازيل 193لغة ،ماليزيا 145لغة ،روسيا 145لغة.
إال أن هذه األرقام ال تأخذ بعني االعتبار الفروق بني اللغات واللهجات وال
207
مساحة البلد وال كثافة السكان وال عدد الناطقني بلغة من اللغات.
.4اللغات المكتوبة
.1تصنف اللغات إىل لغات متلك كتابة ولغات ال تعرف جمال املكتوب.
43
اللغات اليت هلا أجبدية ال يتعدى عددها
200
لغة .وهذه اللغات يف معظمها
لغات ذات ثقافة عريقة وهي رمسية يف البلدان اليت تستعملها .بينما تعد باقي اللغات
األخرى لغات منطوقة فقط ،وتنعت باللهجات.
.2من الناحية الداللية كلمة لغة هلا مسة رفيعة بينما يف كلمة لهجة نوع من
التقليل بل االحتقار .ولذا فإن بعض اللسانيني يستعملون كلمة تنوع لغوي
variété
linguistiqueلتفادي هذا التمييز بني نظامني للتواصل ال مييز بينهما من ناحية
البنية أو الوظيفة شيء.
.4اللغات الرسمية
.1اللغات الرمسية يف العامل عددها
31
.بعض البلدان متلك لغة رمسية واحدة
وبعض البلدان متلك أكثر من لغة رمسية .كما أن الكثري من البلدان تشرتك يف لغة
رمسية واحدة.
.2األمم املتحدة ال تعرتف إال ببعض اللغات مثل اإلجنليزية والفرنسية
واإلسباني ة والروسية والصينية .ومن بني هذه اللغات العربية اليت اكتست بذلك أمهية
كانت يف حاجة إليها.
.5اللغات وعدد السكان
. 1أمهية اللغات مرتبطة أيضا بعدد الناطقني هبا .وقد رتبها البعض حسب هذا
العدد كما يلي :
44
أوال :اللغة الرمسية والغالبة يف الصني وهي املاندران بالرغم من وجود لغات
صينية أخرى وهذه اللغة متثل ما نسبته مثانني باملائة من سكان أهل الصني.
ثانيا :اللغة اإلجنليزيّة وهي اللغة العاملية اليت يتحدث هبا الكثري من الناس
ويتعلموهنا ،وهي اللغة الرمسية يف الواليات املتحدة األمريكية ،وبريطانيا ،وأسرتاليا،
وكندا ،وزميبابوي ،ونيوزلندا ،وجنوب إفريقيا.
ثالثا:اللغة اإلسبانيّة وهي لغة رمسية يف أكثر من أربع وعشرين دولة.
رابعا :اللغة اهلنديّة واألرديّة ،فاألردية هي لغة دولة باكستان الرمسيّة ،واهلنديّة
لغة اهلند الرمسيّة.
خامسا :اللغة العربيّة وهي لغة رمسية يف ثالث وعشرين دولة ،بغض النظر
عن اختالف هلجاهتا.
سادسا :اللغة الروسيّة ويستعملها ما يزيد عن مئيت مليون متكلم.
سابعا:اللغة البنغاليّة وهي يف هذه الرتبة نظرا لكثافة السكان البنغاليني.
ثامنا :اللغة الربتغالية وهي لغة أهل الربتغال والربازيل.
تاسعا :اللغة اإلندونيسية املسماة بلغة {املاليو}
وتأيت بعد هذا اللغة الفرنسية واألملانيّة ،واللغة اليابانيّة.
إال أن الرتتيب حسب عدد السكان ال يعكس دوما أمهية اللغات .وإمنا يدخل
يف حتديد هذه األمهية عدد من املقاييس تكون أحيانا متضاربة وتتغري مع التغري
السياسي للعامل ،وبروز تقنيات جديدة للتواصل.
45
مبحث 5
العربية وأهلها
.1اللغة والهوية الثقافية
. 1قضية اهلوية االجتماعية والثقافية تطرح اليوم بصفة حادة على مجيع
األصعدة ،وهي تعاجل يف أغلب األحيان بصفة انفعالية ،ساذجةُ ،متزج فيها مفاهيم
الدين والعرق والعادات واللغة والوطن والبلد واملنشأ واجلنسية ،طامسة كل رؤيا جلية
للقضية .مما جيعلنا يف حاجة إىل دراسات توضح األمور ومتيز بني اخلطإ والصواب.
وهذه الدراسات قد تكون اجتماعية أو أنثروبوجلية أو نفسية أو تارخيية أو لسانية.
لكل من هذه املقاربات ميزاهتا .أما املقاربة اللسانية فأمهيتها تربز يف جماالت
عدة كمجال التكيف االجتماعي la socialisationألن اللغة هي اليت ختلق الرابط
االجتماعي ،وتتجلى يف جمال املفاهيم وذلك أننا نفكر أساسا بأدوات اللغة ،ويف
جمال القيم اليت تتجسد يف الكالم والنصوص املوروثة.
.2حتديد اهلوية خاضع ملن يحكم على االنتماء .فاحلكم قد يكون داخليا
أي نابعا من الفرد نفسه أو من اجلماعة ذاهتا .وقد يكون احلكم خارجيا آتيا من
46
أفراد ال ينتمون إىل اجلماعة .واحلكم اخلارجي خيتلف حسب عوامل كثرية .ويظهر
هذا جليا يف األحكام الصادرة يف الغرب على مهاجرينا .فهم تارة مسلمون إذا نظر
إىل دينهم ،وتارة عرب إذا نظر إىل لغتهم أو عرقهم املزعوم ،وتارة مغاربة إذا نظر إىل
أوطاهنم ،وتارة فرنسيون من أصل مغاريب إذا نظر إىل جنسياهتم.
واالرتباك نفسه كان حيوم حول تسمية سكان اجلزائر خالل احلقبة
االستعمارية .فاملستعمرون كانوا أوربيني Européensأو أرجال سودا Pieds noirs
وأهل البلد األصليني كانوا إما أهايل Indigènesمع داللة حتقريية واضحة ،وإما
عربا ،وإما مسلمني ،أو مسلمني فرنسيني إن أريد دجمهم .أما وحن فإننا كنا نسميهم
{رواما} وهو مجع {رومي} أو بعبارة شعبية {قْـور} مجع {قاوري}
{نصار} أو ْ
باستعمال قاف اجلنوب.
وبالنسبة للفتوحات اإلسالمية فإننا ننعتها هبذه العبارة ،والفرنسيون يقولون
l’invasion arabeأي الغزو العريب .واإلسبان واإليطاليون يستعملون عبارات
أخرى .ومن املهم أن نبحث عن التسميات اخلاصة باملسلمني يف معظم اللغات يف
زمان تواجدهم يف جزء من أوروبا .فهذه التسميات ذات داللة ،وهي تعكس
مشاعرهم وحونا.
ويف أوطاننا اليوم من يريد حتديد هويتنا حسب أهوائه وتكوينه ومنشئه .وهذا
الحكم الخارجي لالنتماء الثقافي قد يتنافى في كثير من األحيان مع الحكم
الداخلي.
.3من الواضح أن اهلوية الثقافية هي يف نفس الوقت فردية وجماعية .وشعور
الفرد باالنتماء إىل اجلماعة قد يكون مثاليا أو واقعيا .كما أن االنتماء يف عصر
العوملة قد يكون متعددا .فاملوسيقى الكالسكية مثال جتمع بني حمبيها من الغربيني
47
واليابانيني والصينيني .والرسم جيمع بني كل فناين العامل .كما أن اللغة تفصل وتصل
بني من تعدد تكوينهم اللغوي.
.2مكونات الهوية الثقافية
.1عندما نتذكر قصيدة حافظ ابراهيم الشهرية اليت مطلعها:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
قد يطرح علينا السؤال :من هم أهل هذه اللغة اليت تسمى العربية ؟
للجواب عن سؤال بسيط ومعقد كهذا ،علينا أن نبحث عن السمات
األساسية املشرتكة بني أهل الضاد .هذه السمات عديدة وهي ختص كل اجلماعات
البشرية .وميكن اختصارها يف التاريخ ،واملكان ،والسياسة ،والعرق ،والدين ،
والعادات ،واللغة.
.2من ناحية المكان فأهل الضاد يسكنون بلدانا متتد من احمليط إىل اخلليج.
ومن الناحية السياسية فدوهلم تنتمي إىل جمموعة معرتف هبا دوليا تسمى جامعة
الدول العربية.
.3من ناحية العرق هذه الصفة إن طرحت يوما ما يف التاريخ اإلسالمي ،
فهي اليوم ال تطرح بتاتا .وذلك لسبب تارخيي -دميوغرايف وهو أن العرب بعد انتشار
اإلسالم اختلطوا مع أجناس أخرى وذابوا يف اجلماهري احمليطة هبم .وملا امتلك البعض
لغتهم عدوا أنفسهم عربا مثلهم .والسبب اآلخر هو أن نظرة سريعة على سكان
هذا العامل العريب ،ترينا تنوعا كبريا يف األوصاف اجلسدية ينفي متاما الوحدة العرقية.
48
فاليوم مل يصبح أحد يدري يف هذا العامل العريب الكبري أن أجداده برابرة أمازيغ أو
فراعنة أو آشوريون أو أحيانا أتراك أو فرس.
هذا التمايز بني اللغة والعرق ال خيص العامل العريب وحده بل هو وارد يف
العديد من البلدان والشعوب .فالفرنسيون ال يعرفون من هم أجدادهم وال االجنليز
أما ا ألمريكان فهم اليوم خليط من األجناس توحدهم اللغة والرتاب .واللسانيني
وبالضبط األنرتوبولوجيني منهم ينفون كل تطابق بني العرق واللغة.
.4السمة الثالثة هي ارتباط اهلوية بالدين .ولكن املعادلة {عريب = مسلم}
ليست دوما حمققة وذلك أن الفرس واألتراك مثال مسلمون وليسوا عربا .وألنه يوجد
أيضا يف العامل العريب مسيحيون ال ميكن أن نشك يف عروبتهم .فهم يتكلمون لغة
الضاد مثل املسلمني وقد خدموا أدهبا مبدعني فيه ،وأجنزوا يف جماالهتا أحباثا تعرب
عن حبهم هلا.
إال أن البعد الديين ،وخصوصا يف بلدان املغرب واخلليج ،له عالقة وطيدة
باللغة .الكثري من املواطنني يشعرون بأن انتماءهم العريب مرتبط بانتمائهم الديين،
وأن لغتهم ال ميكن فصلها عن لغة القرآن ،وال غرابة يف ذلك فاللغة العربية مل تدخل
هذه األقطار الشاسعة إال عن طريق الفتوحات اإلسالمية ،والشعوب اليت متلكت
العربية متلكتها عن طريق اعتناق الدين اإلسالمي .ومهما يكن من أمر ،ومهما يكن
انتماؤنا العقائدي أو السياسي ،فإنه ال ميكن إزالة البعد الديين عن اللغة من أذهان
الكثري.
.5كل العناصر اليت حتيط مبفهوم االنتماء الثقايف العريب تظهر رغم أمهيتها
غري مميزة متييزا قاطعا كاملقياس اللغوي الذي يبقى أساسيا يف حتديد هذه اهلوية.
49
.3الهوية اللغوية
.1اهلوية اللغوية يشرتط يف صاحبها أن يتكلم اللغة اليت متنحه هذه اهلوية.
ولكن األملاين األصل مثال ،إن تعلم العربية وأجادها ،فهو يبقى أملانيا .فهذا يعىن أن
الشرط اخلاص مبعرفة اللغة متعلق بطريقة اكتساهبا.
.2واكتساب اللغة يقع يف زمن من األزمنة ،ويف بيئة من البيئات اليت يعيش
فيها الفرد .ومن الواضح أن اهلوية اللغوية تقتضي أن تكون اللغة مكتسبة يف الطفولة
أي أن تكون لغة األمومة.
.3وهنا تطرح علينا قضية {لغة األم} من اجلانب االجتماعي واللساين .من
الناحية االجتماعية فلغة األم ال ميكن حصرها يف األم وحدها ،فقد يتكلم الوالدان
لغتني خمتلفتني ،مما جيعلنا نرجع هذه اللغة إىل لغة العائلة ،أو حىت لغة الجوار.
فبعض العائالت ألسباب تعليمية ،أو إيديولوجية يتكلم أفرادها لغة أجنبية إال أن
الطفل يف الشارع جيد نفسه يف حميط جيربه على الكالم باللغة اليت كان يتكلم هبا
أجداده.
أما من ناحية طبيعة لغة األمومة يف عاملنا العريب فاألمر بديهي ،وإن مل يفكر
فيه الكثري ،فلغة األم هي العامية المحلية .وهنا تطرح قضية تواجد العامية
والفصحى عند الفرد العريب ويف اجملتمع.
الحظ أن املغرتبني يف البلدان الغربية قد يتكلم أبناؤهم لغة أهل البلد وجيهلون
لغة أجدادهم غري أن العوامل الثقافية األخرى تتدخل يف حتديد اهلوية.
50
Documents similaires
Sur le même sujet..
culioli
jacques
linguistique
alger
antoine
sapir
metrique
mezura
inalco
direction
universite
roubaud
arabe
centre
paris